الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
خصائص أهل السُّنَّة والجماعة
لأهل السُّنَّة خصائص كثيرة تميزهم عن أهل الأهواء والبدع منها:
أولًا: أهل السُّنَّة لا يبدِّع بعضهم بعضًا بمجرَّد خطأ في الاجتهاد
هذه المسألة من المسائل العظيمة التي قرَّرها أهل السُّنَّة والجماعة، وخالفوا فيها أهل البدع من الخوارج والمعتزلة ومن نحا نحوهم، والأدلة على ذلك مستفيضة من الوحيين وكلام العلماء.
أولًا: من القرآن
(1)
.
ولقد أمر الله سبحانه وتعالى بتقواه بقدر الاستطاعه، قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
(2)
.
(1)
سورة البقرة، آية 286.
(2)
سورة التغابن، آية 16.
وحرَّر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه المسألة قائلًا: "دلَّت هذه النصوص على أنه لايكلِّف نفسًا ما تعجز عنه، خلافًا للجهمية المجبرة، ودلَّت على أنه لا يؤاخذ المخطئ والناسي خلافًا للقدرية والمعتزلة، وهذا فصل الخطاب في هذا الباب، فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومفت وغير ذلك إذا اجتهد واستدل فاتقى الله سبحانه وتعالى ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله سبحانه وتعالى إياه، وهومطيع لله سبحانه وتعالى مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله البته خلافًا للجهمية المجبرة"
(1)
.
ثانيًا: من السُّنَّة
حديث حذيفة رضي الله عنه فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن رجلًا حضره الموت لما أيس من الحياة أوصى أهله: إذا مت فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا ثم أوروا نارًا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فخذوها فاطحنوها فذروني في اليم في يومٍ حارٍّ- أو راح-
(2)
فجمعه الله سبحانه وتعالى فقال: لم فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له"
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى 19/ 216 - 217.
(2)
يوم راح: أي ذو ريح، قيل يوم راح، وليلة راحة: إذا اشتدت الريح فيهما، النهاية، ابن الأثير 2/ 237.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذُكر عن بني إسرائيل 2/ 419.
قال الخطابي عند شرحه لهذا الحديث: "قد يستشكل هذا فيقال كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟ والجواب: أنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظن أنه إذا فُعل به ذلك لا يُعاد فلا يعذب، وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله"
(1)
.
وكذلك خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنهما أنها قالت: "جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني عليَّ فجلس على فراشي كمجلسك منِّي، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدفِّ ويندبن من قُتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبيٌّ يعلم ما في غد، فقال: دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين"
(2)
.
فعذر النبي صلى الله عليه وسلم الجارية التي نسبت إليه علم الغيب.
وهذا لا يعني عدم التنبيه على أخطاء العلماء ومناصحتهم، بل يكون النصح من عالم متمكّن في العلم وقصد ذلك ومراده بيان الحق مع احترام المخالف، ويكون الكلام منصبًّا على القول دون القائل، فإنه لا يتعرض له بشيءٍ إلا إذا دعت الحاجة لذلك، والله أعلم.
(1)
فتح الباري 6/ 522.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب ضرب الدُّف في النكاح والوليمة 3/ 374.