المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبده - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٨

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌خالد بن هشام الجعفري

- ‌خالد بن هشام بن إسماعيل بن هشام

- ‌خالد بن يزيد بن بشر بن يزيد

- ‌خالد بن يزيد بن خالد

- ‌خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح

- ‌خالد بن يزيد بن صفوان بن يزيد

- ‌خالد بن يزيد بن عبد الرحمن

- ‌خالد بن يزيد بن معاوية

- ‌خالد بن يزيد بن أبي خالد

- ‌خثيم بن ثابت أبو عامر الحكمي

- ‌خراش بن بحدل الكلبي

- ‌خريم بن عمرو بن الحارث بن خارجة

- ‌خريم بن فاتك بن الأخرم

- ‌خزرج بن عبد الله أبو محمد الخزرجي

- ‌خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة

- ‌خزيمة بن حكيم السلمي البهزي

- ‌خزيمة الأسدي

- ‌خشنام بن إسماعيل بن منيب

- ‌خشنام بن بشر بن العنبر

- ‌خصيف بن عبد الرحمن ويقال ابن يزيد

- ‌خصيب بن عبد الله بن محمد

- ‌الخضر عليه السلام

- ‌الخضر بن الحسين بن عبد الله

- ‌الخضر بن زكريا بن إسماعيل

- ‌الخضر بن شبل بن الحسين

- ‌الخضر بن عبد الله

- ‌الخضر بن عبد الرحمن بن علي

- ‌الخضر بن عبد الواحد

- ‌الخضر بن عبد الوهاب بن يحيى

- ‌الخضر بن عبدان بن أحمد

- ‌الخضر بن علي بن الخضر

- ‌الخضر بن علي بن محمد

- ‌الخضر بن محمد بن غوث المدعو بغويث

- ‌الخضر بن منصور بن علي

- ‌الخضر بن يونس بن عبد الله

- ‌خضير ويقال حضير بن ربيعة السلمي

- ‌الخطاب بن سعد الخير بن عثمان

- ‌الخطاب بن واثلة

- ‌خفيف بن عبد الله

- ‌خلف بن تميم بن مالك أبي عتاب

- ‌خلف بن سعيد بن خلف اللخمي المغربي

- ‌خلف بن سليمان البخاري

- ‌خلف بن القاسم بن سليمان

- ‌خلف بن القاسم بن سهل بن محمد

- ‌خلف بن محمد بن علي بن حمدون

- ‌خلف بن محمد بن القاسم

- ‌خلف بن مسعود أبو القاسم

- ‌خليد بن دعلج أبو حلبس

- ‌خليد بن عتبة بن حماد

- ‌الخليل بن أحمد بن محمد

- ‌الخليل بن عبد الرزاق بن الحسين

- ‌الخليل بن عبد القهار

- ‌الخليل بن منصور بن محمد

- ‌الخليل بن موسى الباهلي البصري

- ‌الخليل بن هبة الله بن محمد

- ‌خمار بن أحمد بن طولون

- ‌خوبلد بن خالد بن محرث بن أسد

- ‌خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب

- ‌خلاد بن محمد بن هانئ بن واقد

- ‌خيار بن أوفى

- ‌خيار بن رياح بن عبيدة البصري

- ‌خيثمة بن سليمان بن حيدرة

- ‌خيران بن العلاء

- ‌خير بن عرفة بن عبد الله

- ‌أسماء النساء على حرف الخاء المعجمة

- ‌خديجة بنت علي بن إبراهيم

- ‌خصيلة بنت واثلة بن الأسقع

- ‌خيرة بنت أبي حدرد أم الدرداء الكبرى

- ‌حرف الدال المهملة

- ‌دارا بن منصور بن دارا بن العلاء

- ‌داود بن إيشا بن عوبد بن باعز

- ‌داود بن أحمد بن عطية العنسي

- ‌داود بن الأسود

- ‌داود بن أيوب بن سليمان

- ‌داود بن الحسين بن عقيل بن سعيد

- ‌داود بن دينار أبي هند بن غدافر

- ‌داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي

- ‌داود بن الزبرقان أبو عمرو

- ‌داود بن سلم

- ‌داود بن علي بن عبد الله

- ‌داود بن عمر بن حفص

- ‌داود بن عمرو الأودي الدمشقي

- ‌داود بن عيسى بن علي

- ‌داود بن عيسى النخعي

- ‌داود بن فراهيج مولى سفيان

- ‌داود بن محمد المعيوفي الحجوري

- ‌داود بن مروان بن الحكم

- ‌داود بن نفيع ويقال ابن نافع العبسي

- ‌داود بن الوسيم بن أيوب

- ‌داود بن يزيد بن معاوية

- ‌دثار بن الحارث النهدي الكوفي

- ‌دحمان الجمال

- ‌دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة

- ‌دحيم بن عبد الجبار بن دحيم

- ‌دراج بن سمعان

- ‌درباس بن حبيب بن درباس

- ‌درباج بن أحمد بن محمد بن المرجى

- ‌درع بن عبد الله أبو الخير الزهيري

- ‌دريد بن الصمة بن بكر

- ‌دعبل بن علي بن رزين بن عثمان

- ‌دعلج بن أحمد بن دعلج

- ‌دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبده

- ‌دكين بن سعيد الدارمي التميمي

- ‌دويد بن نافع

- ‌دهثم بن خلف بن الفضل

- ‌أسماء النساء على حرف الدال المهملة

- ‌درداء بنت أبي الدرداء عويمر

- ‌حرف الذال المعجمة

- ‌ذكوان بن إسماعيل بن يحيى

- ‌ذكي بن عبد الله

- ‌ذواد العقيلي الجزري

- ‌ذؤالة بن محمد

- ‌ذو الفقار بن محمد بن معبد

- ‌ذو القرنين واسمه الإسكندر ابن فيلبس

- ‌ذو القرنين بن ناصر الدولة

- ‌ذو الكفل قيل اسمه شبر

- ‌ذو الكلاع وهو أسميفع بن باكورا

- ‌ذو النون بن إبراهيم

- ‌ذو النون بن علي بن أحمد

- ‌ذيال بن محمد بن ذيال بن عامر

- ‌حرف الراء

- ‌راشد بن داود أبو المهلب

- ‌راشد بن سعد المقراني الحبراني الحمصي

- ‌راشد بن سعيد بن راشد

- ‌راشد بن أبي سكنة

- ‌رافع بن عمرو بن عويمر

- ‌رافع بن عمرو وهو رافع

- ‌رافع بن مكيث

- ‌رافع بن نصر أبو الحسن

- ‌رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان

- ‌رباح بن قصير اللخمي

- ‌رباح بن الوليد

- ‌ربعي بن حراش بن جحش

- ‌ربيعة بن أمية بن خلف

- ‌ربيعة ولقبه مسكين بن أنيف

- ‌ربيعة بن الحارث بن عبيد

- ‌ربيعة بن دراج بن العنبس

- ‌ربيعة بن ربيعة مولى لقريش

- ‌ربيعة بن عامر القرشي العامري

- ‌ربيعة بن عباد

- ‌ربيعة بن عطاء بن يعقوب المدني

- ‌ربيعة بن عمرو أبو الغاز الجرشي

- ‌ربيعة بن الغاز بن ربيعة

- ‌ربيعة بن فروخ أبي عبد الرحمن

- ‌ربيعة بن فضالة

- ‌ربيعة بن لقيط بن حارثة

- ‌ربيعة ويقال النعمان بن نجوان

- ‌ربيعة بن يزيد أبو شعيب

- ‌ربيعة الشعوذي

- ‌الربيع بن ثعلب أبو الفضل

- ‌الربيع بن حظيان

- ‌الربيع بن ربيعة بن مسعود

- ‌الربيع بن سبرة بن معبد

- ‌الربيع بن سلمان بن محمد

- ‌الربيع بن عمرو بن الربيع

- ‌الربيع بن عون بن خارجة

- ‌الربيع بن محمد بن عيسى

- ‌الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي

- ‌الربيع بن يحيى

- ‌الربيع بن يونس بن محمد

- ‌رجاء بن أشيم بن كميش

- ‌رجاء بن حيوة بن جنزل

- ‌رجاء بن أبي سلمة

- ‌رجاء بن سهل أبو نصر الصاغاني

- ‌رجاء بن عبد الرحيم أبو المضاء

- ‌رجاء بن عبد الواحد بن يوسف

- ‌رجاء بن مرجى بن رافع

- ‌رحيم بن سعيد بن مالك

- ‌رزاح النهدي شاعر

- ‌رزام أبو قيس ويقال أبو الغصن

- ‌رزيق القرشي المدني

- ‌رزيق ويقال زريق بن حيان

- ‌رستم أبو يزيد

- ‌رشأ بن نظيف بن ما شاء الله

- ‌رشيق بن عبد الله أبو الحسن

- ‌رضوان بن إسحاق أبو زفر

- ‌رفدة بن قضاعة الغساني مولاهم

- ‌رفيع بن مهران

- ‌ركن بن عبد الله بن سعد

- ‌رواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني

- ‌رؤبة بن العجاج

- ‌روح بن جناح أبو سعد

- ‌روح بن حاتم بن قبيصة

- ‌روح بن حبيب التغلبي

- ‌روح بن زنباع بن سلامة

- ‌روح بن الهيثم الغساني

- ‌رومان مؤدب ولد عبد الملك ابن مروان

- ‌رياح بن عبيدة الباهلي مولاهم

- ‌رياح بن عثمان بن حيان

- ‌رياح بن الفرج الدمشقي

- ‌‌‌ريان بن عبد الله

- ‌ريان بن عبد الله

- ‌أسماء النساء على حرف الراء

- ‌رابعة بنت إسماعيل

- ‌رباب بنت امرئ القيس

- ‌رحمة بنت أفراييم بن يوسف

- ‌رملة بنت الزبير بن العوام

- ‌رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب

- ‌رملة بنت معاوية بن بي سفيان

- ‌رواحة بنت أبي عمرو

- ‌ريا حاضنة يزيد بن معاوية

- ‌حرف الزاي

- ‌زاذان أبو عمرو

- ‌زامل بن عمرو السكسكي

- ‌زبان بن عبد العزيز بن مروان

- ‌الزبير بن الأروح التميمي

الفصل: ‌دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبده

دينار عوض الدنانير التي أخذتها منك، فقال: يا سبحان الله! والله ما خرجت الدنانير عن يدي ونويت آخذ عوضها، حل بها الصبيان؛ فقلت له: أيها الشيخ! أيش أصل هذا المال حتى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فقال: نشأت وحفظت القرآن، وسمعت الحديث، وكنت أتبزز، فوافاني رجل من تجار البحر، فقال لي: أنت دعلج بن أحمد؟ فقلت: نعم، فقال: قد رغبت في تسليم مالي إليك لتتجر به، فما سهل الله من فائدة كانت بيننا، وما كان من جائحة كانت في أصل مالي؛ وسلم إلي بارنامجات بألف ألف درهم، وقال لي: ابسط يدك، ولا تعلم موضعاً ينفق فيه هذا المتاع إلا حملته إليه. واستبنت فيه الكفاءة، ولم يزل يتردد إلي سنة بعد سنة، يحمل إلي مثل هذا، والبضاعة تنمي. فلما كان في آخر سنة اجتمعنا فيها قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر، فإن قضى الله علي بما قضاه على خلقه فهذا المال لك على أن تتصدق منه وتبني المساجد وتفعل الخير. فأنا أفعل مثل هذا، وقد ثمر الله المال في يدي، فاطو هذا الحديث أيام حياتي.

توفي دعلج في سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة، وقيل سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة ببغداد. وكان السلطان بها لا يتعرض للتركات، ثم لم يصبروا عن أموال دعلج إذ لم يكن في الدنيا على ما يقال أيسر منه من التجار، فقبضوا على أمواله إلا الأوقاف.

‌دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبده

ابن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفضى ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة السدوسي، الذهلي، الشيباني، النسابة يقال: إن له صحبة، ويقال: لا صحبة له. استقدمه معاوية، فقدم عليه، وأمره أن يعلم ابنه يزيد.

ص: 198

روى الحسن بن دغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين سنة.

وحدث الحسن بن دغفل قال: كان على النصارى صوم شهر رمضان، فمرض ملك منهم فقال: لئن شفاه الله ليزيدن عشرة أيام؛ ثم كان ملك بعده، فأكل لحماً فوجع فاه، فقال: لئن شفاه الله ليزيدن سبعة أيام؛ ثم كان ملك بعده فقال: ما ندع هذه الثلاثة أيام أن نتمها ونجعل صومها في الربيع. ففعل، فكانت خمسين يوماً.

وقد روى ذلك مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال عبد الله بن بريدة: أرسل معاوية إلى دغفل، فسأله عن أنساب العرب، وعن النجوم، والعربية، وعن أنساب قريش، فأخبره، فإذارجل عالم، فقال: من أين حفظت هذا يا دغفل؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول؛ وإن آفة العلم النسيان. قال: فأمره أن يذهب إلى يزيد فيعلمه العربية، وأنساب قريش، وأنساب العرب. وفي رواية: والنجوم.

وقيل: قال معاوية لدغفل: بم ضبطت ما أرى؟ قال: بمفاوضة العلماء، قال: وما مفاوضة العلماء؟ قال: كنت إذا لقيت عالماً أخذت ما عنده، وأعطيته ما عندي.

قال ابن عباس: حدثني علي بن أبي طالب من فيه قال: لما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه وأبو بكر، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب؛ فتقدم أبو بكر وكان مقدماً في كل خير، وكان نسابة فسلم وقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة، قال: وأي ربيعة أنتم؟ أمن هامها أم من لهازمها؟ فقالوا: بل من الهامة العظمى، فقال أبو بكر؟ وأي هامتها

ص: 199

العظمى أنتم؟ قالوا: من ذهل الأكبر، قال: منكم عوف الذي قال: لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا، قال: منكم جساس بن مرة، حامي الذمار ومانع الجار؟ قالوا: لا، قال: فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا، قال: فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا، قال: فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة سمي صاحب العمامة الفردة لأنه كان إذا ركب لم يعتم معه غيره قالوا: لا، قال: فمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا، قال: فمنكم أصهار الملوك من لخم؟ قالوا: لا، قالأبو بكر: فلستم ذهل الأكبر، أنتم ذهل الأصغر. قال: فقام إليه غلام من بني شيبان، يقال له دغفل حين بقل وجهه فقال:

إن على سائلنا أن نسأله

والعبء لا تعرفه أو تحمله

يا هذا! إنك سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً، فممن الرجل؟ قال أبو بكر الصديق: أنا من قريش، فقال الفتى: بخ بخ! أهل الشرف والرئاسة! من أي القرشيين أنت؟ قال: من ولد تيم بن مرة، فقال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة، امنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر فكان يدعى في قريش مجمعاً؟ قال: لا، قال: منكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه:

ورجال مكة مسنتون عجاف؟

ص: 200

قال: لا، قال: فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب، مطعم طير السماء، الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء؟ قال: لا، قال: فمن أهل الإفاضة بالناس أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل الرفادة أنت؟ قال: لا. واجتذب أبو بكر زمام الناقة راجعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الغلام:

صادف درء السيل درءاً يدفعه

يهيضه حيناً وحيناً يصدعه

أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال علي: فقلت: يا أبا بكر! لقد وقعت من الأعرابي على باقعة، قال: أجل أبا حسن، ما من طامة إلا وفوقها طامة، والبلاء موكل بالمنطق.

قال: ثم رجعنا إلى مجلس آخر، عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر، فسلم فقال: ممن القوم؟ قالوا: من بني شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي وأمي! هؤلاء غرر الناس وفيهم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك؛ وكان مفروق قد غلبهم جمالاً ولساناً، وكانت له غديرتان تسقطان على تربيته، وكان أدنى القوم مجلساً؛ فقال أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على ألف، ولن يغلب ألف من قلة؛ فقال أبو بكر: وكيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق: علينا الجهد، ولكل قوم جد؛ فقال أبو بكر: كيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضباً حين نلقى، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرةً ويديل علينا أخرى، لعلك أخا قريش

فقال أبو بكر: قد بلغكم أنه رسول الله، ألا هو ذا، فقال مفروق: بلغنا أنه يذكر ذلك، فإلام

ص: 201

يدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، وقام أبو بكر يظله بثوبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشاً قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد، فقال مفروق بن عمرو: إلام تدعونا يا أخا قريش، فوالله ما سمعت كلاماً أحسن من هذا؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى قوله " فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " فقال مفروق: وإلام تدعو يا أخا قريش، فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض؟ قال: فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون ". فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا، فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش! وإني أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك بمجلس جلسته لينا ليس له أول ولا آخر، إنه زلل في الرأي وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة؛ ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً، ولكن ترجع ونرجع، وتنظر وننظر. وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى بن حارثة: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين ضرتين: اليمامة والشأمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هاتان الضرتان؟ فقال: انهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول؛ وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور، وعذره مقبول؛ وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا: أن لا نحدث جدثاً، ولا نؤوي محدثاً؛ وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع

ص: 202

جوانبه، أرأيتم إن لم يلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم، ويفرشكم نساءهم، أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم ولك ذلك. قال: فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ". ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضاً على يدي أبي بكر وهو يقول: يا أبا بكر! أية أخلاق في الجاهلية! ما أشرفها! بها يدفع الله عز وجل، ناس بعضهم من بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم.

قال: فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم.

مر نفر من الأنصار بدغفل النسابة بعدما ذهب بصره، فسلموا عليه، فقال: من أنتم؟ قالوا: أشراف أهل اليمن، قال: من أهل ملكها القديم وشرفها الصميم، كندة! قالوا: لا، قال: فمن الطوال قصباً والممحضين نسباً بني عبد المدان؟ قالوا: لا، قال: فمن أقودها للزحوف، وأخرقها للصفوف، وأضربها بالسيوف، بني زبيد رهط عمرو بن معد يكرب؟ قالوا: لا، قال: فمن أحضرها قراءً، وأطنبها فناءً، وأصدقها لقاءً، طيئ؟ قالوا: لا، قال: فمن الغارسين النخل، والمطعمين في المحل، والقائلين بالعدل، الأنصار؟ قالوا: نعم.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: جاء قوم من بني سعد بن زيد مناة تميم إلى دغفل النسابة، فسلموا عليه وهو مول ظهره للشمس في مشرقة له، فرد عليهم من غير أن يلتفت إليهم، ثم قال لهم: من القوم؟ قالوا: نحن سادة مضر، قال: أنتم إذاً قريش الحرم، أهل العز والقدم، والفضل والكرم، والرأي في البهم، قالوا: لسنا منهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً هوازن، أجرؤها فوارس، وأجملها مجالس؛ قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً سليم، فوارس عظاظها، ومناع أعراضها، قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟

ص: 203

قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً غطفان، أعظمها أحلاماً، وأسرعها إقداماً، قالوا: لسنا منهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً بنو حنظلة، أكرمها جدوداً، وأسهلها خدوداً، وألينها جلوداً، قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟ قالوا: لا. قال: أفلا أراكم إلا من ربعات مضر وأنتم تأبون إلا أن تترقوا في الغلاصم منهم، اذهبوا لا كثر الله بكم من قلة ولا أعز بكم من ذلة.

قال الأصمعي: النسابون أربعة: دغفل، وأبو ضمضم، وصبح، والكيس النمري.

قيل للنساب البكري: قد نسبت كل شيء حتى نسبت الذر! قال: الذر ثلاثة أبطن: الذر، وفازر، وعقفان.

قال رؤبة بن العجاج: دخلت على النسابة البكري، فقال: من أنت؟ قلت: رؤبة بنت العجاج، قال: قصرت وعرفت، لعلك كأقوام يأتوني إن حدثتهم لم يعوا عني، وإن سكت عنهم لم يسألوني، قال: قلت: أرجو أن لا أكون كذلك، فقال لي: فما أعداء المروءة؟ قلت: تخبرني، قال: بنو عم السوء، إن رأوا حسناً دفنوه، وإن رأوا سيئاً أذاعوه. ثم قال: إن للعلم آفةً وهجنةً ونكداً؛ فآفته الكذب، ونكده النسيان، وهجنته نشره عند غير أهله.

ص: 204