المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذو الكفل قيل اسمه شبر - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٨

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌خالد بن هشام الجعفري

- ‌خالد بن هشام بن إسماعيل بن هشام

- ‌خالد بن يزيد بن بشر بن يزيد

- ‌خالد بن يزيد بن خالد

- ‌خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح

- ‌خالد بن يزيد بن صفوان بن يزيد

- ‌خالد بن يزيد بن عبد الرحمن

- ‌خالد بن يزيد بن معاوية

- ‌خالد بن يزيد بن أبي خالد

- ‌خثيم بن ثابت أبو عامر الحكمي

- ‌خراش بن بحدل الكلبي

- ‌خريم بن عمرو بن الحارث بن خارجة

- ‌خريم بن فاتك بن الأخرم

- ‌خزرج بن عبد الله أبو محمد الخزرجي

- ‌خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة

- ‌خزيمة بن حكيم السلمي البهزي

- ‌خزيمة الأسدي

- ‌خشنام بن إسماعيل بن منيب

- ‌خشنام بن بشر بن العنبر

- ‌خصيف بن عبد الرحمن ويقال ابن يزيد

- ‌خصيب بن عبد الله بن محمد

- ‌الخضر عليه السلام

- ‌الخضر بن الحسين بن عبد الله

- ‌الخضر بن زكريا بن إسماعيل

- ‌الخضر بن شبل بن الحسين

- ‌الخضر بن عبد الله

- ‌الخضر بن عبد الرحمن بن علي

- ‌الخضر بن عبد الواحد

- ‌الخضر بن عبد الوهاب بن يحيى

- ‌الخضر بن عبدان بن أحمد

- ‌الخضر بن علي بن الخضر

- ‌الخضر بن علي بن محمد

- ‌الخضر بن محمد بن غوث المدعو بغويث

- ‌الخضر بن منصور بن علي

- ‌الخضر بن يونس بن عبد الله

- ‌خضير ويقال حضير بن ربيعة السلمي

- ‌الخطاب بن سعد الخير بن عثمان

- ‌الخطاب بن واثلة

- ‌خفيف بن عبد الله

- ‌خلف بن تميم بن مالك أبي عتاب

- ‌خلف بن سعيد بن خلف اللخمي المغربي

- ‌خلف بن سليمان البخاري

- ‌خلف بن القاسم بن سليمان

- ‌خلف بن القاسم بن سهل بن محمد

- ‌خلف بن محمد بن علي بن حمدون

- ‌خلف بن محمد بن القاسم

- ‌خلف بن مسعود أبو القاسم

- ‌خليد بن دعلج أبو حلبس

- ‌خليد بن عتبة بن حماد

- ‌الخليل بن أحمد بن محمد

- ‌الخليل بن عبد الرزاق بن الحسين

- ‌الخليل بن عبد القهار

- ‌الخليل بن منصور بن محمد

- ‌الخليل بن موسى الباهلي البصري

- ‌الخليل بن هبة الله بن محمد

- ‌خمار بن أحمد بن طولون

- ‌خوبلد بن خالد بن محرث بن أسد

- ‌خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب

- ‌خلاد بن محمد بن هانئ بن واقد

- ‌خيار بن أوفى

- ‌خيار بن رياح بن عبيدة البصري

- ‌خيثمة بن سليمان بن حيدرة

- ‌خيران بن العلاء

- ‌خير بن عرفة بن عبد الله

- ‌أسماء النساء على حرف الخاء المعجمة

- ‌خديجة بنت علي بن إبراهيم

- ‌خصيلة بنت واثلة بن الأسقع

- ‌خيرة بنت أبي حدرد أم الدرداء الكبرى

- ‌حرف الدال المهملة

- ‌دارا بن منصور بن دارا بن العلاء

- ‌داود بن إيشا بن عوبد بن باعز

- ‌داود بن أحمد بن عطية العنسي

- ‌داود بن الأسود

- ‌داود بن أيوب بن سليمان

- ‌داود بن الحسين بن عقيل بن سعيد

- ‌داود بن دينار أبي هند بن غدافر

- ‌داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي

- ‌داود بن الزبرقان أبو عمرو

- ‌داود بن سلم

- ‌داود بن علي بن عبد الله

- ‌داود بن عمر بن حفص

- ‌داود بن عمرو الأودي الدمشقي

- ‌داود بن عيسى بن علي

- ‌داود بن عيسى النخعي

- ‌داود بن فراهيج مولى سفيان

- ‌داود بن محمد المعيوفي الحجوري

- ‌داود بن مروان بن الحكم

- ‌داود بن نفيع ويقال ابن نافع العبسي

- ‌داود بن الوسيم بن أيوب

- ‌داود بن يزيد بن معاوية

- ‌دثار بن الحارث النهدي الكوفي

- ‌دحمان الجمال

- ‌دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة

- ‌دحيم بن عبد الجبار بن دحيم

- ‌دراج بن سمعان

- ‌درباس بن حبيب بن درباس

- ‌درباج بن أحمد بن محمد بن المرجى

- ‌درع بن عبد الله أبو الخير الزهيري

- ‌دريد بن الصمة بن بكر

- ‌دعبل بن علي بن رزين بن عثمان

- ‌دعلج بن أحمد بن دعلج

- ‌دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبده

- ‌دكين بن سعيد الدارمي التميمي

- ‌دويد بن نافع

- ‌دهثم بن خلف بن الفضل

- ‌أسماء النساء على حرف الدال المهملة

- ‌درداء بنت أبي الدرداء عويمر

- ‌حرف الذال المعجمة

- ‌ذكوان بن إسماعيل بن يحيى

- ‌ذكي بن عبد الله

- ‌ذواد العقيلي الجزري

- ‌ذؤالة بن محمد

- ‌ذو الفقار بن محمد بن معبد

- ‌ذو القرنين واسمه الإسكندر ابن فيلبس

- ‌ذو القرنين بن ناصر الدولة

- ‌ذو الكفل قيل اسمه شبر

- ‌ذو الكلاع وهو أسميفع بن باكورا

- ‌ذو النون بن إبراهيم

- ‌ذو النون بن علي بن أحمد

- ‌ذيال بن محمد بن ذيال بن عامر

- ‌حرف الراء

- ‌راشد بن داود أبو المهلب

- ‌راشد بن سعد المقراني الحبراني الحمصي

- ‌راشد بن سعيد بن راشد

- ‌راشد بن أبي سكنة

- ‌رافع بن عمرو بن عويمر

- ‌رافع بن عمرو وهو رافع

- ‌رافع بن مكيث

- ‌رافع بن نصر أبو الحسن

- ‌رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان

- ‌رباح بن قصير اللخمي

- ‌رباح بن الوليد

- ‌ربعي بن حراش بن جحش

- ‌ربيعة بن أمية بن خلف

- ‌ربيعة ولقبه مسكين بن أنيف

- ‌ربيعة بن الحارث بن عبيد

- ‌ربيعة بن دراج بن العنبس

- ‌ربيعة بن ربيعة مولى لقريش

- ‌ربيعة بن عامر القرشي العامري

- ‌ربيعة بن عباد

- ‌ربيعة بن عطاء بن يعقوب المدني

- ‌ربيعة بن عمرو أبو الغاز الجرشي

- ‌ربيعة بن الغاز بن ربيعة

- ‌ربيعة بن فروخ أبي عبد الرحمن

- ‌ربيعة بن فضالة

- ‌ربيعة بن لقيط بن حارثة

- ‌ربيعة ويقال النعمان بن نجوان

- ‌ربيعة بن يزيد أبو شعيب

- ‌ربيعة الشعوذي

- ‌الربيع بن ثعلب أبو الفضل

- ‌الربيع بن حظيان

- ‌الربيع بن ربيعة بن مسعود

- ‌الربيع بن سبرة بن معبد

- ‌الربيع بن سلمان بن محمد

- ‌الربيع بن عمرو بن الربيع

- ‌الربيع بن عون بن خارجة

- ‌الربيع بن محمد بن عيسى

- ‌الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي

- ‌الربيع بن يحيى

- ‌الربيع بن يونس بن محمد

- ‌رجاء بن أشيم بن كميش

- ‌رجاء بن حيوة بن جنزل

- ‌رجاء بن أبي سلمة

- ‌رجاء بن سهل أبو نصر الصاغاني

- ‌رجاء بن عبد الرحيم أبو المضاء

- ‌رجاء بن عبد الواحد بن يوسف

- ‌رجاء بن مرجى بن رافع

- ‌رحيم بن سعيد بن مالك

- ‌رزاح النهدي شاعر

- ‌رزام أبو قيس ويقال أبو الغصن

- ‌رزيق القرشي المدني

- ‌رزيق ويقال زريق بن حيان

- ‌رستم أبو يزيد

- ‌رشأ بن نظيف بن ما شاء الله

- ‌رشيق بن عبد الله أبو الحسن

- ‌رضوان بن إسحاق أبو زفر

- ‌رفدة بن قضاعة الغساني مولاهم

- ‌رفيع بن مهران

- ‌ركن بن عبد الله بن سعد

- ‌رواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني

- ‌رؤبة بن العجاج

- ‌روح بن جناح أبو سعد

- ‌روح بن حاتم بن قبيصة

- ‌روح بن حبيب التغلبي

- ‌روح بن زنباع بن سلامة

- ‌روح بن الهيثم الغساني

- ‌رومان مؤدب ولد عبد الملك ابن مروان

- ‌رياح بن عبيدة الباهلي مولاهم

- ‌رياح بن عثمان بن حيان

- ‌رياح بن الفرج الدمشقي

- ‌‌‌ريان بن عبد الله

- ‌ريان بن عبد الله

- ‌أسماء النساء على حرف الراء

- ‌رابعة بنت إسماعيل

- ‌رباب بنت امرئ القيس

- ‌رحمة بنت أفراييم بن يوسف

- ‌رملة بنت الزبير بن العوام

- ‌رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب

- ‌رملة بنت معاوية بن بي سفيان

- ‌رواحة بنت أبي عمرو

- ‌ريا حاضنة يزيد بن معاوية

- ‌حرف الزاي

- ‌زاذان أبو عمرو

- ‌زامل بن عمرو السكسكي

- ‌زبان بن عبد العزيز بن مروان

- ‌الزبير بن الأروح التميمي

الفصل: ‌ذو الكفل قيل اسمه شبر

وإذا أساء فلست أح

مل في الضمير عليه ضغنا

يفنى الذي وقع التنا

زع بيننا فيه ونفنى

وزاد في رواية:

إن التقاطع والعقو

ق هما أزالا الملك عنا

وأظن أن لن يتركا

في الأرض مؤتلفين منا

ومن شعره:

بأبي من هويته فافترقنا

وقضى الله بعد ذاك اجتماعا

وافترقنا حولاً فلما التقينا

كان تسليمه علي وداعا

توفي وجيه الدولة في سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.

‌ذو الكفل قيل اسمه شبر

ويقال بشر بن أيوب النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: إن ذا الكفل هو إلياس، ويقال يوشع، ويقال: اليسع. وتنبأه الله بعد أبيه أيوب.

قال الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء ذو اسمين: محمد وأحمد نبينا صلى الله عليه وسلم؛ وعيسى والمسيح عليه السلام؛ وإسرائيل ويعقوب عليه السلام؛ ويونس وذو النون عليه السلام؛ وإلياس وذو الكفل عليه السلام.

وقيل: إن ذا الكفل كان اليسع بن حطوب الذي كان مع إلياس، ليس اليسع

ص: 231

الذي ذكره الله عز وجل في القرآن: " واليسع وذا الكفل ". ويقال: كان غيرهما. والله أعلم. ولكنه كان قبل داود عليه السلام؛ وذلك أن ملكاً جباراً يقال له كنعان، وكان من العماليق؛ ويقال: بل كان من بني إسرائيل، وكان لا يطاق في زمانه لظلمه وطغيانه، وكان ذو الكفل يعبد الله جل وعز سراً منه، ويكتم إيمانه، وهو في مملكته؛ فقيل للملك إن في مملكتك رجلاً يفسد عليك أمرك، ويدعو الناس إلى غير عبادتك؛ فبعث إليه ليقتله، فأتى به، فلما دخل عليه قال له الملك: ما هذا الذي بلغني عنك أنك تعبد غيري؟ فقال له ذو الكفل: اسمع مني ولا تعجل، وتفهم ولا تغضب، فإن الغضب عدو النفس، يحول بينها وبين الحق، ويدعوها إلى هواها، وينبغي لمن قدر أن لا يغضب فإنه قادر على ما يريد، قال: تكلم، قال: فبدأ ذو الكفل فافتتح الكلام بذكر الله عز وجل والحمد لله ثم قال: تزعم أنك إله، فإله من تملك، أو إله جميع الخلق؟ فإن كنت إله من تملك، فإن لك شريكاً فيما لا تملك؛ وإن كنت إله الخلق فمن إلهك؟ فقال له: ويحك! فمن إلهي؟ قال: إله السماء والأرض وهو خالقهما وهذه الشمس والقمر والنجوم، فاتق الله واحذر عقوبته، فإن أنت عبدته ووحدته رجوت لك ثوابه، والخلود في جواره؛ قال له الملك: اختر ثم أخبرني، من عبد إلهك ما جزاؤه؟ قال: الجنة إذا مات، قال: فما الجنة؟ قال: دار خلقها الله بيده فجعلها مسكناً لأوليائه يبعثهم يوم القيامة شباباً مرداً أبناء ثلاث وثلاثين سنة، فيدخلهم الجنة في نعيم وخلود، شباباً لا يهرمون، مقيمين لا يظعنون، أحياء لا يموتون، ونعيم وسرور وبهجة؛ قال: فما جزاء من لم يعبده وعصاه؟ قال: النار، مقرونين مع الشياطين، مغلغلين بالأصفاد، لا يموتون أبداً، في عذاب مقيم، وهوان طويل، تضربهم الزبانية بمقامع الحديد، طعامهم الزقوم والضريع، وشرابهم الحميم؛ قال: فرق الملك وبكى لما كان قد سبق له فقال: إن أنا آمنت بالله فمالي؟ قال: الجنة، قال: فمن لي بذلك؟ قال: أنا لك الكفيل على الله عز وجل، وأكتب لك على الله كتاباً، فإذا أتيته تقاضيته ما في كتابك وفى لك، فإنه قادر ماهر، يوفيك ويزيدك. ففكر الملك في ذلك، وأراد الله به الخير فقال له: اكتب لي على الله كتاباً؛ فكتب: "

ص: 232

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه فلان الكفيل على الله لكنعان الملك، ثقةً منه بالله أن لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولكنعان على الله بكفالة فلان إن تاب ورجع، وعبد الله أن يدخله الجنة، ويثويه منها حيث يشاء، وإن له على الله ما لأوليائه، وأن يجيره من عذابه، فإنه رحيم بالمؤمنين، واسع الرحمة، سبقت رحمته غضبه ".

ثم ختم على الكتاب ودفعه إليه، ثم قال له الملك: أرشدني كيف أصنع؟ قال: قم فاغتسل والبس ثياباً جدداً، ففعل؛ ثم أمره أن يتشهد بشهادة الحق وأن يتبرأ من الشرك، ففعل؛ ثم قال: كيف أعبد ربي؟ فعلمه الشرائع والصلاة؛ ثم قال له: يا ذا الكفل، استر هذا الأمر ولا تظهره حتى ألحق بالنساك. قال: فخلع الملك وخرج سراً فلحق بالنساك، فجعل يسيح في الأرض. وفقده أهل مملكته وطلبوه؛ فلما لم يقدروا عليه قال: اطلبوا ذا الكفل فإنه هو الذي غر إلهنا؛ قال: فذهب قوم في طلب الملك، وتوارى ذو الكفل؛ فقدروا على الملك على مسيرة شهر من بلادهم، فلما نظروا إليه قائماً يصلي خروا له سجداً، فانصرف إليهم فقال: اسجدوا لله عز وجل ولا تسجدوا لأحد من الخلق، فإني آمنت برب السماوات والأرض والشمس والقمر. فوعظهم وخوفهم. قال: فعرض له وجع وحضره الموت فقال لأصحابه: لا تبرحوا فإن هذا آخر عهدي بالدنيا، فإذا مت فادفنوني؛ وأخرج كتابه فقرأه عليهم حتى حفظوه وعلموا ما فيه، وقال لهم: هذا كتاب كتب لي على ربي أستوفي منه ما فيه، فادفنوا هذا الكتاب معي. قال: فمات، فجهزوه ووضعوا الكتاب على صدره ودفنوه. فبعث الله عز وجل ملكاً فجاء به إلى ذي الكفل فقال: يا ذا الكفل، إن ربك قد وفى لكنعان بكفالتك، وهذا الكتاب الذي كتبته له، وإن الله يقول: إني هكذا أفعل بأهل طاعتي. فلما أن جاءه الملك بالكتاب ظهر للناس، أخذوه فقالوا: أنت غررت ملكنا وخدعته؛ فقال لهم: لم أغره ولم أخدعه، ولكن دعوته إلى الله وتكفلت له بالجنة، وقد مات ملككم اليوم في ساعة كذا وكذا، ودفنه أصحابكم، وهذا الكتاب الذي كنت كتبته له على الله الوفاء، وقد أوفاه الله حقه، وهذا الكتاب تصديق لما أقول لكم، فانتظروا حتى يرجع أصحابكم؛ فحسبوه حتى قدم أصحابهم، فسألوهم فقصوا عليهم القصة؛ فقالوا لهم: تعرفون الكتاب الذي دفنتموه معه؟ قالوا: نعم، فأخرجوا الكتاب فقرأوه،

ص: 233

فقالوا: هذا الكتاب الذي كان معه، ودفناه في يوم كذا وكذا، فنظروا وحسبوا فإذا ذو الكفل كان قد قرأ عليهم الكتاب وأعلمهم بموت الملك في اليوم الذي مات فيه؛ فآمنوا به واتبعوه، فبلغ من آمن به مئة ألف وأربعة وعشرين ألفاً؛ وتكفل لهم مثل الذي تكفل لملكهم على الله. فسماه الله ذو الكفل.

قال أبو نضرة: كان نبي في بني إسرائيل، فأرسل إليهم أن اجتمعوا عندي، فاجتمعوا عنده فقال: إني لا أحسبني إلا قد احتضر أجلي، فالتمسوا لي رجلاً يصوم النهار ويقوم الليل، ويقضي بين بني إسرائيل ولا يغضب، فلما سمع ذلك المشيخة سكتوا، وقام غلام من بني إسرائيل فقال: أنا لك بهذا؛ فقال: ألا أراك غلاماً فاجلس. قال: ثم أرسل إليهم أن اجتمعوا إلي، فاجتمعوا، فقال لهم مثل ذلك، فسكت المشيخة وقام الغلام فقال: أنا لهذا؛ فقال: ألا أراك غلاماً فاجلس. قال: فأرسل إليهم أن اجتمعوا إلي، فقال لهم مثل ذلك، فسكت المشيخة وقام الغلام فقال: أنا لك بهذا، قال: تصوم النهار وتقوم الليل وتقضي بين بني إسرائيل ولا تغضب؟ قال: نعم، قال: قد وليتك أمر بني إسرائيل بعدي. قال: ومات نبيهم. قال: فجعل ذو الكفل يصوم النهار ويقوم الليل، ويقضي بين بني إسرائيل، فإذا انتصف النهار قام فأوى إلى بيته، فقال: ثم يخرج ويقضي بينهم. قال: قال إبليس لعنه الله لجنوده: احتالوا أن تغضبوه، فأرادوا بكل شيء، فجعلوا لا يقدرون على أن يغضبوه: فلما رأى ذلك إبليس قال: أنا صاحبه فجاءه في صورة شيخ كبير، يمشي على عصاً له حتى قعد حيث يراه، فجعل ذو الكفل ينظر إليه ويرق له، ويحسب أنه لا يستطيع الزحام، فلما كانت الساعة التي يقوم فيها للقائلة، قام حتى قعد بين يديه فقال: شيخ كبير مظلوم، ظلمني بنو فلان، قال له ذو الكفل: فهلا قمت إلي قبل هذه الساعة؟! قال: شيخ كبير لم أستطع الزحام؛ قال: فأخذه بخدعته حتى مضت ساعته، فالتفت ذو الكفل فإذا ساعته التي يقيل فيها قد مضت، فقال: يا شيخ! منعتني من القائلة؛ قال: إني شيخ كبير ملهوف، قال: فكتب معه، قال: فأخذ الكتاب فرمى به؛ ثم تحينه من الغد، فأتاه في الساعة التي أتاه فيها، فقعد حياله، فجعل ذو الكفل ينظر

ص: 234

إليه ولا يقوم إليه، حتى كانت الساعة التي يقوم فيها للقائلة، فقام فقعد بين يديه فقال: قد أخبرتك أن القوم لا يلتفتون إلى كتابك، طردوني ولم يجيبوني، فأخذه بخدعته حتى ذهبت ساعته، فالتفت فإذا ساعته قد ذهبت، فقال: يا شيخ! منعتني أمس واليوم من القائلة، وأنا أنام هذه السويعة! قال: شيخ كبير، مظلوم ضعيف، قال: فكتب معه وشدد عليهم، فقال: إنهم لا يلتفتون إلى كتابك، قال: بلى قال: وكل ذلك يريد أن يغضبه قال: فكتب معه وتشدد على القوم. قال: فانطلق فمزق الكتاب وخمش وجهه، ومزق ثيابه، ثم تحين الساعة التي أتاه فيها، فقعد بحياله، فجعل ذو الكفل ينظر إليه وماله هم غيره، حتى إذا كانت الساعة التي يقوم فيها قام فقعد بين يديه، قال فقال: هذا ما لقيت منك! ضربوني ومزقوا علي ثيابي وقد أخبرتك أنهم لا يجيبونك، وأخذه بخدعته حتى مضت ساعته، فالتفت ذو الكفل فإذا ساعته قد ذهبت فقال: أول من أمس، وأمس واليوم! اللهم إنما أنا بشر، لا أستطيع ألا أغضب، قال: فرفع يده، فطرف لإبليس، فساخ الخبيث فذهب. فسماه الله ذا الكفل لأنه كفل بشيء فوفى به.

وعن ابن عمر قال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرار، ولكن قد سمعته أكثر من ذلك، قال: كان الكفل منبني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها؛ فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك، أكرهتك؟ قالت: لا، ولكن هذا عمل لم أعمله قط، وإنما حملني عليه الحاجة؛ قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط! قال: ثم نزل فقال: اذهبي والدنانير لك؛ ثم قال: والله لا يعصي الله الكفل أبداً. فمات من ليلته، فأصبح مكتوباً على بابه: قد غفر الله للكفل.

قيل: إن ذا الكفل كان عمره خمساً وسبعين سنة.

قال وهب بن منبه: كانت قبل إلياس وقبل داود أحداث وأمور في بني إسرائيل وأنبياء منهم اليسع صاحب إلياس وذو الكفل؛ وكان عيلون مستخلفاً خلافة نبوة، ولم تكن له نبوة، غير أن بني

ص: 235

إسرائيل كانوا يسمون خليفة النبي نبياً؛ وكان فيهم من جمع التوراة يسمونهم أنبياء؛ ومنهم من كان نبياً في منامه؛ وكان اشموئيل بعده. وكان ذو الكفل يكتب الكفالات على الله بالوفاء لمن آمن به. فكان من شأنه أنهم كانوا ثلاثة إخوة، عباد تآخوا في الله حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل، فخرجوا عنهم واعتزلوهم وتعبدوا في موضع لا يعرفون، حتى إذا اشتد البلاء في بني إسرائيل وكادوا أن يتفانوا، وضيعت فيهم الأحكام والسنن والشرائع؛ فلما أن خاف القوم الهلاك طلبوا الثلاثة ليملكوا أحدهم على أنفسهم ليقيم فيهم الحدود والأحكام ويجمع ألفتهم. قال: فقدروا عليهم، فخيروهم بين القتل وبين أن يكون أحدهم عليهم؛ فاختاروا القتل، وكان أصغرهم أعبدهم وأشدهم اجتهاداً؛ فقال اثنان منهم للثالث وهو أصغرهم سناً: أنت أحدثنا سناً وأقوانا، فهل لك أن تحتسب بنفسك عليهم فتقيم لهم أحكامهم وشرائعهم؟ فقال: أفعل بشرط أن لا تقرباني ولا تنظرا إلي ولا أنظر إليكما حتى يبلغكما أني عدلت عن الحق؛ فقالا: نعم.

فمضى مع القوم، فتوجوه وأقعدوه على سرير الملك. فأقام فيهم الحق وأحيا فيهم السنن، وحسنت حال بني إسرائيل، واغتبطوا به؛ فجاءه الشيطان من قبل النساء، فلم يزل حتى واقع النساء؛ ثم أتاه من قبل الشراب، فلم يزل به حتى خالط الناس في الشراب؛ ولم يزل به حتى ركب المعاصي وضيع الحدود، وانتهك المحارم، وخالط الدماء. فبلغ أخويه، فجاءا حتى دخلا عليه، فأمر بهما فحبسهما، فلما أمسى دعا بهما، فقالا له: أي عدو الله! غررتنا بدينك، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة! فقال لهما: فدعاني عنكما، فقد ارتكبت ما بلغكما وأنا غير مقصر، وقد أصبت الدنيا، وعلمت علماً يقيناً أن لا آخرة لي، فدعاني أتمتع من دنياني؛ فقال له أحدهما يقال له عايوذا وكان أخاه في الله عز وجل: أفلا خير من ذلك؟ قال: وما ذاك؟ قال: ترجع وتتوب إلى الله، وأتكفل لك بالمغفرة والرحمة والجنة، قال: أتفعل؟ قال: نعم، قال: اكتب لي على ربك كتاباً بالوفاء، فكتب له؛ ثم خلع الملك وعاد إلى ما كان، ولحق بالعباد، وقال لهما: لا تصحباني. وكان عباد بني إسرائيل حين عظمت الأحداث فيهم اعتزلوهم ولحقوا بالجبال والسواحل، يعبدون الله؛ فلحق هذا بشعب العباد، فانتهى إلى رجل قائم يصلي إلى جنب شجرة جرداء ليس عليها ورق، كثيرة الشوك فقام إلى جنبه يصلي؛ وكانت تلك الشجرة تحمل كل عشية رمانةً عند إفطار العابد، فهي رزقه إلى مثلها من القابلة؛ فلما أمسى قال في

ص: 236

نفسه: إني أطوي ليلتي هذه، وأجعل رزقي لضيفي هذا. قال: فحملت الشجرة رمانتين، فدفع إحداهما إلى الفتى وأكل الأخرى، فقال له الفتى: هل أمامك من العباد أحد؟ قال: امض أمامك، فلما أصبح مضى حتى انتهى إلى رجل قائم يصلي على صخرة، عليه برنس له من مسوح، فقام إلى جنبه يصلي، وكان له كل ليلة إناء من ماء، عليه رغيف، وهو رزقه، فلما أمسى جعل في فنسه أن يجعل رزقه لضيفه ويمسك هو، فأتاه الله بإناءين على كل واحد منهما رغيف، فأطعم أحدهما الفتى وأكل الآخر وشربا؛ فلما أصبح الفتى قال له: هل في الوادي من هو أعبد عندك؟ قال: امض أمامك؛ فمضى فانتهى إلى رجل قائم على تل، بغير حذاء ولا قلنسوة، في يوم شديد الحر، عليه إزار من مسوح، وجبة من مسوح، قائم يصلي، فقام إلى جنبه؛ وكانت وعلة سخرها الله عز وجل، تجيء كل ليلة من الجبل، فتقوم بين يديه، وتفرج بين رجليها وضرعها، تدر لبناً؛ وعنده قعبة له، فيحلب من الوعلة ملء قعبته، فذلك طعامه وشرابه، فقال في نفسه: أجعل رزقي لضيفي هذا وأمسك عن نفسي؛ فلما جاءت الوعلة حتى وقفت، فقام العابد إليها فحلبها وسقى الفتى وهي واقفة وضرعها يدر لبناً وهي تومئ إلى العابد أن احتلب؛ قال: فاحتلب حتى ملأ قعبته وانصرفت الوعلة. فلما أصبح قال له الفتى: هل في الوادي من هو اعبد منك؟ قال: امض أمامك، قال فمضى حتى انتهى إلى شيخ في أعلى الجبل، قائم يعبد الله عز وجل منذ مئة وثمانين سنة، اعتزل الناس، طعامه عشب الأرض وله عين تجري، إذا أمسى جرت تلك العين بما يكفيه لشرابه ووضوئه، وتعشب الأرض حول عينه وهو على صخرة كقدر ما يغنيه، فلما أمسى جعل في نفسه أن يجعل رزقه لضيفه ويمسك عن نفسه؛ فلما أمسى فجر الله عينيه، وأعشب الأرض حولهما؛ فقال للفتى: هذا طعامي وهذا شرابي، وهذا رزق ساقه الله إليك على قدر رزقي، ولا يكلف الله نفساً إلا طاقتها، وليس عندنا إلا ما ترى، قد رضينا من الدنيا بهذا وهذا من الله عز وجل، أن رزقنا القناعة والرضى؛ فقال الفتى: قد رضيت بهذا ولا أريد به بدلاً؛ فأقام معه يتعبد حتى أدركه الموت، فقال

ص: 237