الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحجّ
ثمان وسبعون اية بعضها مدنيّه وأكثرها مكيّة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ اى عقابه بان تطيعوه إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ اى تحريكها الأشياء على الاسناد المجازى او تحركها فيها فاضيف إليها اضافة معنوية بتقدير في او اضافة المصدر الى الظرف على اجرائه مجرى المفعول به شَيْءٌ عَظِيمٌ اى هائل ان مع صلتها في مقام التعليل علل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ليتصوروها بعقولهم ويعلموا انه لا يومنهم منها سوى التدرع بلباس التقوى اختلفوا في هذه الزلزلة فقال علقمة والشعبي هذا من اشراط الساعة تكون قبل قيام الساعة قال جلال الدين المحلى قبل طلوع الشمس من مغربها واختار هذا القول ابن العربي والقرطبي بقرينة قوله تعالى.
يَوْمَ تَرَوْنَها
اى الساعة او الزلزلة ظرف لقوله تَذْهَلُ
بسببها كُلُّ مُرْضِعَةٍ
اى امرأة ألقمت الرضيع ثديها يقال امرأة مرضع بلا هاء إذا أريد بها الصفة مثل حائض وحامل يعنى من شانها ان ترضع وإذا أريد به الفعل حالا يقال مرضعة عَمَّا أَرْضَعَتْ
ما موصولة او مصدرية يعنى تدهش من هول تلك الزلزلة فتذهل عمن ترضعها وتنزع ثديها من فيه او تذهل عن ارضاعها هذه الجملة خبر ثان لان والرابط ضمير ترونها او تعليل بعظم شانها وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
اى تسقط جنينها من هول تلك الزلزلة عطف على تذهل قال الحسن تذهل المرضعة عن ولدها يعنى فطام وتضع الحامل ما في بطنها من غير تمام وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
قال الحسن ترى الناس سكارى من الخوف وَما هُمْ بِسُكارى
من الشراب قرأ حمزة والكسائي سكرى وما هم بسكرى قال البغوي هما لغتان لجمع السكران قال البيضاوي وقرأ سكرى كعطشى اجراء للسكر مجرى العلل أفرد الضمير في ترى الناس بعد جمعه في ترونها لان الساعة يراها الجميع واثر السكر انما
يراه كل واحد على غيره وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
فارهقهم هوله بحيث طير عقولهم واذهب تميزهم استدراك لدفع توهم خفة الأمر الناشي عن نفى السكر قالوا هذه الآية تدل على ان هذه الزلزلة تكون في الدنيا لان بعد البعث لا يكون حبل ولارضاع ويرد عليه ان قوله تعالى يا ايها الناس اتقوا اما خطاب للناس عامة واما للموجودين عند نزول الآية خاصة وعلى كلا التقديرين كون زلزلة الساعة الّتي هى من شرائطها شديدة هائلة لا يصلح تعليلا للامر بالتقوى في حق المخاطبين لان شدتها وهولها لا تلحق الا بالموجودين عندها لا بجميع الناس ولا بالموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس رضى الله عنه زلزلة الساعة قيامها وذلك بعد نفخة البعث وقيام الناس من قبورهم واختاره الحليمي وغيره قالوا خرج هذه الآية مخرج المجاز والتمثيل لشدة الهول والفزع لا على الحقيقة نظيره قوله تعالى يوما يجعل الولدان شيبا ولا شيب فيه انما هو مجاز لشدة الهول واستدلوا على ذلك بما أخرجه احمد والترمذي وصححه عن عمران بن حصين قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم الى قوله عذاب الله شديد قال أتدرون اىّ يوم ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار الحديث وقال البغوي روى عن عمران بن حصين وابى سعيد الخدري وغيرهما ان هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بنى المصطلق ليلا فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم فلم ير اكثر باكيا من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السرج عن الدواب ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا قدرا والناس من بين باك او جالس حزين متفكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون يوم ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال ذلك يوم يقول الله عز وجل لآدم قم فابعث بعث النار من ولدك فيقول آدم من كل كم كم فيقول الله عز وجل من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين الى النار وواحد الى الجنة فكبر ذلك على المسلمين وبكوا وقالوا فمن ينجو كما يا رسول الله فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم بشروا وسدّدوا وقاربوا فان معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه يأجوج وماجوج ثم قال انى لارجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ثم قال لارجو ان تكونوا نصف اهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ثم قال انى لارجو ان تكونوا ثلثى اهل الجنة وان اهل الجنة مائة وعشرين صفا ثمانون منها أمتي وما المسلمون في الكفار الا كالشامة في جنب البعير وكالرقمة في ذراع الدابة بل كالشرة السوداء في الثور الأبيض وكالشعرة البيضاء في الثور الأسود ثم قال تدخل من أمتي سبعون الفا الجنة بغير حساب فقال عمر سبعون الفا قال نعم ومع كل واحد سبعون الفا فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله ان يجعلنى الله منهم فقال صلى الله عليه وسلم أنت منهم فقام رجل من الأنصار فقال ادع الله ان يجعلنى منهم فقال صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة وأجاب اصحاب القول الاول ان هذا الحديث
لا يدل على ان الزلزلة تكون حين الأمر ببعث النار بل يكون ذلك اليوم والأمر متاخر عنها فكانه صلى الله عليه وسلم لما اخبر عن الزلزلة الّتي كانت متقدمة عن النفخة الاولى ذكر ما يكون في ذلك اليوم من الأهوال العظام وهو قوله لآدم البث بعث النار فيكون ذلك في أثناء ذلك اليوم ولا يقتضى ان يكون ذلك متصلا بالنفخة الاولى قلت وهذا الجواب ضعيف لان حديث ابى سعيد الّذي أخرجه الشيخان في الصحيحين عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ورد بلفظ يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال اخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد قالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج الف ثم قال والّذي نفسى بيده أرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا نصف اهل الجنة فكبرنا قال ما أنتم في الناس الا كالشعرة السوداء في جلد ثور ابيض او كشعرة بيضاء في جلد ثور اسود فان هذا
الحديث صريح في اقتران مشيب الصغير ووضع ذات حمل حملها بالأمر ببعث النار بل تقدم البعث على الزلزلة.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ اى في ذات الله وصفاته وأحكامه بِغَيْرِ عِلْمٍ نزلت في النضر بن الحارث كان كثير الجدال وكان يقول الملئكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وكان ينكر البعث واحياء من صار ترابا كذا اخرج ابن ابى خاتم عن ابى مالك وَيَتَّبِعُ فى المجادلة او في عامة أحواله كُلَّ شَيْطانٍ اعترضه من الجن والانس مَرِيدٍ المرد النجرد العرى ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر والمريد والمارد بمعنى العاري من الخير المستقر في الشر وفي القاموس مرد كنصر وكرم مرود او مرادة فهو مارد ومريد ومتمرد أقدم أو عتا او هو ان يبلغ الغاية الّتي تخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف ومرده قطعه ومرّق عرضه وعلى الشيء مرن واستمر.
كُتِبَ اى قضى عَلَيْهِ اى على الشيطان أَنَّهُ اى الشان مَنْ تَوَلَّاهُ اى تبعه فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ان المفتوحة مع جملتها خبر لمبتدأ محذوف والجملة بعد الفاء جزاء لمن ان كانت شرطية وجوابه ان كانت موصولة والمعنى ان من تبع الشيطان فالامر ان الشيطان يضل تابعه عن سواء السبيل فلم ب؟؟؟ بل عليه وَيَهْدِيهِ اى يريه طريق النار او يوصله إِلى عَذابِ السَّعِيرِ
بالحمل الى ما يوصله وقيل ضمير انه راجع الى الشيطان ومن موصولة او موصوفة مع صلتها او صيغتها خبر لان والضمير المنصوب في تولاه راجع الى التابع وألفا في فانه يضله للعطف على انه من تولاه والمعنى قضى على الشيطان انه نفس تولى تابعه او الّذي تولى تابعه اى أحبه او استولى عليه فقضى ان الشيطان يضله كذا قال الزجاج وجملة ومن الناس من يجادل في الله حال من فاعل اتقوا تقديره يا ايها الناس اتقوا ومنكم من يجادل ولم يتق ففيه التفات من الخطاب الى الغيبة او معترضة.
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي فى شك مِنَ الْبَعْثِ اى من إمكانه وكونه مقدورا لنا فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ يعنى خلقنا جنسكم وهو شامل لمن يولد ومن يسقط لكونه مستعدا لان يصير إنسانا يعنى فانظروا في بدأ خلقكم فانه يزيل ريبكم
فانا خلقناكم مِنْ تُرابٍ بخلق أبيكم آدم منه او المعنى خلقناكم من الاغذية الّتي تنبت من التراب الّتي يتولد منها المنى ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ اى منى مشتق من النطف بمعنى الصب ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ قطعة من الدم جامدة ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ قطعة من اللحم وهى في الأصل قدر ما يمضغ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ قال ابن عباس اى تامة الخلق وغير تامة الخلق وقال مجاهد مصورة وغير مصورة وقيل المخلقة الولد يأتي به المرأة لوقته غير مخلقة السقط فالمراد بغير المخلقة على هذه الأقوال السقط وقيل المخلقة المسواة الّتي لا نقص فيها ولا عيب وغير المخلقة ما فيه نقص وعيب كانّ الله عز وجل يخلق المضغ متفاوتة منها ما هو كامل الخلق أملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك فيتبع ذلك التفاوة تفاوة الناس في خلقتهم وصورهم وطولهم وقصرهم وكما لهم ونقصانهم فعلى هذا ليس المراد بغير المخلقة السقط فحينئذ لا حاجة الى ما قلنا ان السقط من جنس الإنسان من حيث الاستعداد لكن الصحيح هو الاول والمراد بغير المخلقة السقط قال البغوي روى علقمة عن ابن مسعود قال ان النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه فقال اى رب مخلقة او غير مخلقة فان قال غير مخلقة قذفها الرحم دما ولم يكن نسمة وان قال مخلقة قال الملك اذكر أم أنثى أشقى أم سعيد ما الاجل ما العمل ما الرزق فيقال له اذهب الى أم الكتاب فانك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته لِنُبَيِّنَ لَكُمْ تتعلق بخلقناكم مقيدا بما ذكر يعنى لنبين ونظهر لكم بهذا التدريج كمال قدرتنا وحكمتنا حتى تستدلوا به على البعث بان ما قبل التغير والفساد والتكون مرة في بدو الخلق يقبلها ثانيا عند الاعادة ومن قدر على تغييره وتصويره اولا قدر على ذلك ثانيا وحذف المفعول ايماء الى ان أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وحكمته مالا يحيط به الذكر وقيل معناه لنبين لكم ما تأتونه وما تذرونه وما تحتاجون اليه في العبادة يعنى خلقناكم لاجل التكليف وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ حال بتقدير ونحن نقرأ وعطف على انا خلقناكم نعنى نثبت و
نسكن في الأرحام فلا تمجه ولا تسقطه ما نَشاءُ اى مدة نشاء ان نقر فيه إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى معلوم عند الله تعالى وهو وقت الخروج من الرحم مولود ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ من بطون أمّهاتكم طِفْلًا اى أطفالا صغارا حال من الضمير المنصوب في نخرجكم أجريت عليه بتأويل كل واحد او الدلالة على الجنس او لانه في الأصل مصدر ثُمَّ لِتَبْلُغُوا متعلق بمحذوف تقديره ثم نربيكم لتبلغوا أَشُدَّكُمْ جمع شدة كالغم جمع نعمة يعنى ليبلغوا كل شدة وكمال قدر لكم في القوة والعقل وغير ذلك قالوا وبلوغ الأشد ما بين ثلثين الى أربعين سنة وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى عند بلوغ الأشد او قبله جملة معترضة او حال او معطوفة على ما سبق وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ بالهرم والخرف لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً متعلق بيرد واللام للعاقبة يعنى حتى يعود الى الهيئة الاولى الّتي كانت في أوان الطفولية من سخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما علمه وينكر ما عرفه قال عكرمة من قرأ القران لم يصير بهذه الحالة والآية استدلال ثان على إمكان البعث بما يعترى الإنسان في أسنانه من الأمور المختلفة والأحوال المتضادة فان من قدر على ذلك قدر على نظائره وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً اى ميتة يابسة من همدت النار إذا صارت رمادا فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ تحركت بالنبات وَرَبَتْ اى زادت وانتفخت قرأ ابو جعفر ربأت بالهمزة وكذلك في حم السجدة اى علت وارتفعت قال المبرد أراد اهتز وربا نباتها فحذف المضاف لان الاهتزاز في النبات اظهر وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ من زائدة اى أنبتت كل صنف بَهِيجٍ اى حسن في القاموس البهيجة السرور بهج ككرم فهو بهج وهو مبهاج وكخجل فرح فهو بهيج وبهج وكمنع افرح وسرّكا بهج والابتهاج السرور
وجملة ترى الأرض عطف على انا خلقناكم أورد جملة فعلية ليدل على حدوث هذه الصفة مرة بعد اخرى فهذه دليل ثالث كررها الله تعالى في كتابه لظهوره وكونه مشاهدا.
ذلِكَ اشارة الى ما ذكر من خلق الإنسان في أطوار مختلفة وتحويله على احوال
متضادة ومن احياء الأرض بعد موتها وهو مبتدأ خبره بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ اى بسبب ان الله هو الثابت المتحقق في نفسه الواجب وجوده الّذي به يتحقق الأشياء لو لاه لاستحال خروج الممكن من مخدع العدم وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى منه النطفة والأرض الموات وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لان قدرته لذاته ونسبة ذاته الى الكل سواء فلما دلت المشاهدة على قدرته على احياء بعض الأموات لزم اقتداره على كلها وإن كان عظما رميما.
وَأَنَّ السَّاعَةَ يعنى ساعة القراض الدنيا آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها فان التغير من مقدمات الانصرام وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ بمقتضى وعده الّذي لا يحتمل الخلف الجمل الثلث الاول منها لبيان العلة الفاعلية لخلق الإنسان في أطوار مختلفة وتحويله على احوال متضادة واحياء الأرض بعد موتها والجملتين الأخيرتين لبيان العلة الغائية اى ما هو بمنزلة العلة الغائية فان خلق الإنسان ونحوه لمعرفة الله سبحانه وحسن عبادته والا لكان إيجاده عبثا وخلق سائر الكائنات لتكون برهانا لمعرفة الديان ويترتب على وجوب المعرفة وجوب العبادة وعليه يترتب الجزاء إذ لولا البعث والجزاء لزم التسوية بين المسلمين والمنكرين المجرمين فيختل امر العدل قال الله تعالى افنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ضرورى وَلا هُدىً اى استدلال يهدى الى المعرفة وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ مظهر للحق منزل من الله تعالى على أحد من الناس فان اسباب العلم للانسان انما هو أحد هذه الأمور الثلاثة ثانِيَ عِطْفِهِ العطف الجانب والعطفان الجانبان يمينا وشمالا وهو الموضع الّذي يعطف الإنسان اى يلوى ويميله عند الاعراض قال مجاهد اى لاوى عنقه حاصل المعنى معرضا عما يدعى اليه من الحق تكبرا او تبخترا كذا قال ابن عطية وابن زيد وابن جريح.
لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ متعلق بيجادل قرأ ابن كثير وابو عمر بفتح الياء من المجرد والباقون بضم الياء من الافعال يعنى يجادل حتى يضل غيره لَهُ فِي
الدُّنْيا خِزْيٌ
وهو القتل والاسر فقتل نضر بن الحارث وعقبه بن ابى معيط يوم بدر صبر او قتل معهما سبعون واسر سبعون وقال جلال الدين المحلى نزلت الآية في ابى جهل فقتل يوم بدر وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ اى المحرق وهو النار.
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ التفات من الغيبة الى الخطاب او التقدير ويقال لهم يوم القيمة إذا عذبوا ذلك العذاب بسبب ما فعلته من الكفر والمعاصي وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أورد صيغة المبالغة نظرا الى كثرة العبيد والجملة معطوفة على ما قدمت يداك ونفى الظلم كناية عن العدل كما ان عدم الحب في قوله تعالى لا يحب الله الجهر بالقول كناية عن البغض والعدل سبب لمجازاة الكفر والمعاصي بالتعذيب اخرج البخاري وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عباس قال كان الرجل يقدم المدينة فيسلم فان ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال هذا دين صالح وان لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء فانزل الله تعالى.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ قال المفسرون معناه على شك من حرف الشيء وهو طرفه فالشاك والمنافق كانه على طرف من الفريقين المؤمنين والكافرين قد يميل الى هؤلاء وقد يميل الى هؤلاء او هو كالذى على طرف الجيش فان احسّ الظفر قرّ والا فرّ واخرج ابن ابى حاتم وكذا قال البغوي انها نزلت في يوم من الاعراب كانوا يقدمون المدينة والمهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهر أحسنا وولدت أمرته غلاما وكثر ماله قال هذا دين حسن وقد أصبت فيه خيرا واطمأن اليه وهو المعنى قوله تعالى فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ اى بتعبد الله والإسلام وان صابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت رهاكه وقل ماله قال ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين الا شرا فينقلب عن دينه وهو المعنى لقوله تعالى وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ بلاء وشدة انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ اى ارتد عن دينه ورجع على عقبه الى الوجه الّذي كان عليه من الكفر واخرج ابن مردوية من طريق
عطية عن ابى سعيد قال اسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشام بالإسلام فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقلني فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الإسلام لا يقال «1» فقال لم أصب من دينى هذا خيرا ذهب بصرى ومالى ومات ولدي فنزلت الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا يهودى ان الإسلام يسبك الرجال كما يسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ يعنى هذا الّذي ارتد من الدين لاجل بلاء في الدنيا خسر الدنيا لفوات ماله وولده وما كان يؤمل ولذهاب عصمته وخسر الاخرة بالخلود في النار وحبط عمله ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ لا خسران مثله.
يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ ان لم يعبده وَما لا يَنْفَعُهُ ان عبده ذلِكَ الدعاء هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ عن الحق مستعار من ضل في التيه إذا ابعد عن الطريق المستقيم.
يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ اللام زائدة والمعنى يدعوا من ضره اى ضر عبادته هكذا قرأ ابن مسعود رضى الله عنه أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ الموهوم الّذي يتوقعه الكافر بعبادته وهو الشفاعة والتوسل بها الى الله تعالى وهذا على عادة العرب فانهم يقولون لما لا يكون موجودا أصلا هذا شيء بعيد ونظيره قوله تعالى ذلك رجع بعيد اى لارجع أصلا ولما كان النفع من الصنم بعيدا بمعنى انه لا نفع فيه أصلا قيل ضره اقرب من نفعه لانه كائن لا محالة قيل يدعوا من تتمة الكلام السابق تكرير لقوله يدعوا في قوله يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه تأكيد لفظى له وما بعده كلام مستأنف واللام في لمن ضره جواب لقسم محذوف والموصول مع صلته مبتدأ خبره لَبِئْسَ الْمَوْلى اى الناصر وقيل المعبود وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ اى الصاحب والمخالط يعنى الوثن والعرب يسمى الزوج عشيرا لأجل المخالطة والجملتان الزامتان مستانفتان على قراءة ابن مسعود وما في معناه وقيل اللام متعلقه ليدعوا من حيث انه بمعنى يزعم والزعم قول مع اعتقاد او يقال يدعو داخلة على الجملة الواقعة مقولا اجراء له محرى القول وعلى هذين التقديرين اللام جواب قسم محذوف ومن مع صلته
(1) من الا قالة اى لا ينبغى الإسلام ان يرجع عنه- مصحح سيد عفى عنه.
مبتدأ خبره لبئس المولى ولبئس العشير والمعنى يقول الكافر ذلك يوم القيمة حين يرى استضرار به وقيل تقدير الكلام يدعوا لمن ضره اقرب من نفعه يدعوا فحذف يدعوا الأخير احتزاء بالأول والمفعول ليدعوا الاول محذوف والموصول منصوب بيدعو الثاني واللام في لمن ضره جواب قسم محذوف وقيل اللام بمعنى ان.
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ يعنى انه تعالى يريد اثابة المؤمن الصالح وعقاب المشرك ولا دافع لمراده ولا مانع لقضائه.
مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ اى محمدا صلى الله عليه وسلم الظن بمعنى الوهم يقتضى مفعولا واحدا وهو ان مع جملتها وإن كان الظن بمعناه فالجملة قائمة مقام المفعولين فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ هذا كلام فيه اختصار تقديره ان الله ناصر رسوله في الدنيا والاخرة فمن كان يظن خلاف ذلك ويتوقعه لاجل غيظه الرسول صلى الله عليه وسلم فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ اى بحبل إِلَى السَّماءِ اى سماء بيته يعنى ليشدد حبلا في سقف بيته ثُمَّ لْيَقْطَعْ اى ليختنق من قطع إذا اختنق فان المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه يعنى يستعض في ازالة غيظه وليفعل كل ما يفعل الممتلى غيظا حتى يموت وهذا امر للتعجيز يقال للحاسد ان لم ترض بهذا فاختنق ومت غيظا وقال ابن زيد المراد بالسماء السماء الدنيا والمعنى من كان يظن ان لن ينصر الله نبيه ويكيده في امره ليقطعه من أصله حتى يبلغ عنان السماء فيجتهد في دفع نصر الله إياه او ليمدد بحبل الى السماء الدنيا وليذهب السماء وليقطع الوحى الّذي يأتيه من السماء قال البغوي روى ان هذه الآية نزلت في اسد وغطفان دعاهم النبي صلى الله عليه الى الإسلام وكان بينهم وبين اليهود حلف فقالوا لا يمكننا ان نسلم لانا نخاف ان لا ينصر الله محمدا ولا يظهر امره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود فلا يميروننا ولا يؤووننا فنزلت هذه الآية وقال مجاهد النصر بمعنى الرزق
يقول العرب من نصرنى نصره الله يعنى من اعطا في أعطاه الله وقال ابو عبيدة يقول العرب ارض منصورة اى ممطورة مرزوقة بالمطر والضمير المنصوب في ينصره راجع الى الموصول والآية نزلت في من أساء الظن بالله وخاف ان لا يرزقه والمعنى من كان ليظن ان لن يرزقه الله فليمدد بحبل الى سماء بيته ثم ليختنق ويمت غيظا على عدم ترزيقه او ليمدد حبلا الى السماء الدنيا ثم ليقطع به المسافة حتى يبلغ عنانا وليأت من هناك رزقه قرأ ورش وابو عمرو ابن عامر ثم ليقطع بكسر لام الأمر والباقون بجزمها فَلْيَنْظُرْ فليتصور في نفسه بعد ارادة مد السبب وقطع المسافة او الاختناق هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ يعنى هل يدفع فعله ذلك غيظه او الّذي يغيظه من نصر الله سماه كيدا لانه منتهى سعيه والاستفهام للانكار وجملة من كان يظن الى آخرها تأكيد لقوله ان الله يفعل ما يريد يعنى كما ان غيظ الحاسد لا يدفع ما أراد الله تعالى من نصر رسوله والمؤمنين في الدنيا والاخرة لا يدفع أحد شيئا مما أراد الله تعالى.
وَكَذلِكَ اى انزالا مثل ذلك الانزال اى مثل انزالنا الآيات الدالة على إمكان البعث والتوحيد وصدق الرسول والوعد بنصره أَنْزَلْناهُ اى القران كله حال كونه آياتٍ بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به فلا منافاة بين هذه الاية وبين قوله تعالى منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات لاختفاء المراد منها مع ظهور اعجازها وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ الجملة في محل الجر بلام التعليل معطوفة على محذوف متعلق بقوله أنزلناه يعنى أنزلناه لمصالح ولان يهدى به او يثبت على الهدى من يريد الله هدايته او ثباته على الهداية وجاز ان يكون في محل النصب عطفا على الضمير المنصوب في أنزلناه يعنى وأنزلنا ان الله يهدى من يريد.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعنى عبدة الأوثان إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بالحكومة بينهم واظهار المحق منهم من المبطل او بالجزاء فيجازى
كلّا ما يليق به ويدخل فريقا في الجنة وفريقا في السعير ادخلت كلمة ان على كل واحد من طرفى الجملة لمزيد التأكيد ثم أكده بقوله إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ عالم به بمراقب لاحواله فلا يجوز ان يجعل المسلمين كالمجرمين ولا بمنزلة المحقق من المبطل مع كمال علمه بظواهر احوال كل وبواطنها الم تر يعنى الم تعلم.
أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملئكة وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من الانس والجن يعنى المؤمنين منهم وكلمة من وان كان يعم المؤمن والكافر لكن خص منه الكافر بكلام مستقل وهو قوله تعالى وكثير حق عليهم العذاب فبقى المؤمنون مراد او انما فسرت هكذا لان كلمة من لذوى العقول ولما عطف عليه قوله وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ فان حقيقة العطف للمغائرة وحمل البيضاوي كلمة من على العموم وقال من يجوز ان تعم اولى العقل وغيرهم او على التغلب وقال اكثر المحققين ان من لا يعبر به عن غير الناطقين الا إذا جمع بينهم وبين غيرهم فعلى تقدير ارادة العموم قوله والشمس إلخ من قبيل عطف الخاص على العام أفردها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها والمراد بالسجود عند المحدثين والعلماء المتقدمين الطاعة الاختيارية فان الجمادات وان كانت أمواتا عندنا لكن لها حيوة ما وهى مطيعة طاعة اختيارية لله تعالى قال الله تعالى قالتا اتينا طائعين وقال في وصف الحجارة وان منها لما يهبط من خشية الله وقال وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الجبل ينادى الجبل يا فلان هل مرّ بك أحد يذكر الله رواه الطبراني من حديث ابن مسعود قال البغوي هذا مذهب حسن موافق لقول اهل السنة وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مبتدأ وَكَثِيرٌ نكرير للاول تأكيدا ومبالغة في الكثرة وخبره حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ لعدم انخراطهم في الساجدين فهذا لجملة مخصصة بكلمة من مخرجة للكافرين من ان يرادوا بها وقيل كلمة من في قوله تعالى من في الأرض بمعنى ما للعموم والمراد بالسجود كون الممكنات كلها متسخرة لقدرته غير آبية
عن تدبيره دالة بذواتها على عظمة تدبرها وقوله وكثير من الناس مبتدأ خبره محذوف دل عليه خبر قسيمه يعنى حق لهم الثواب او فاعل لفعل محذوف تقديره ويسجد له سجود طاعة اى بوضع الجبهة على الأرض كثير من الناس وعلى التقديرين قوله كثير من الناس جملة مستانفة وقوله كثير حق عليهم العذاب مستانفة اخرى ومن قال بجواز عموم المشترك يعنى استعمال لفظ واحد مشترك في المعنيين في كل واحد من مفهوميه معا واسناده باعتبار أحد المعنيين الى امر وباعتبار المعنى الآخر الى امر آخر قالوا قوله وكثير من الناس مفرد معطوف على ما سبق والمعنى يسجد له سجود التسخر جميع الكائنات وسجودا الطاعة كثير من الناس وكثير حق عليهم العذاب لاجل ابائهم عن سجود الطاعة جملة مستانفة وجاز ان يكون مفردا معطوفا على الساجدين بالمعنى الأعم موصوفا بقوله حق عليهم العذاب وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ مبتدأ فيه معنى الشرط وخبره المتضمن بمعنى الجزاء قوله فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ يعنى من يهينه الله بالشقاوة لا يكرمه أحد بالسعادة هذه الحملة معطوفة على الاسمية السابقة او حال إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ من الإكرام والاهانة والسعادة والشقاوة مختصان بمشية الله تعالى.
هذانِ خَصْمانِ فوجان متخاصمان يعنى المؤمنون خصم والكافرون من الأنواع الخمسة خصم وهو يطلق على الواحد والجماعة اخْتَصَمُوا أورد صيغة الجمع حملا على المعنى فِي رَبِّهِمْ اى في دينه او في ذاته وصفاته وامره روى الشيخان في الصحيحين عن ابى ذر قال نزلت قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم في حمزة وعبيدة وعلى بن ابى طالب رضى الله عنهم وعتبة وشيبة والوليد بن عتبه واخرج البخاري والحاكم عن على قال فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر واخرج الحاكم عنه بوجه آخر قال نزلت في الذين بارزوا يوم بدر على وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وروى البغوي عن قيس بن عباد عن على بن ابى طالب قال انا أول من يحثوا بين يدى الرحمة للخصومة يوم القيمة قال قيس وفيهم نزلت هذه الاية وقال قيس هم الذين بارزوا يوم بدر حمزة وعلى وعبيدة وشيبه بن ربيعه وعتبه بن ربيعه
والوليد بن عتبه قال محمد بن إسحاق خرج يعنى يوم بدر عتبه بن ربيعه بين أخيه شيبه بن ربيعه وابنه الوليد بن عتبة حتى إذا وصلوا الى الصف دعوا الى المبارزة فخرج إليهم فتية من الأنصار ثلثة عوف ومعاذ ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء وعبد الله بن رواحه فقالوا من أنتم فقالوا رهط من الأنصار حين انتسبوا اكفاء كرام ثم نادى مناديهم يا محمد اخرج إلينا اكفائنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قويا عبيدة بن الحارث يا حمزة بن عبد المطلب ويا على بن ابى طالب فلما دنوا قالوا من أنتم فذكروا قالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز علىّ الوليد بن عتبة فاما حمزة فلم يمهل ان قتل شيبة وعلىّ الوليد واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان كلاهما اثبت صاحبه فكرّ حمزة وعلىّ بأسيافهما على عتبة «1» فدفعا عليه واحتملا عبيدة الى أصحابه وقد قطعت رجله ومخها يسيل فلما أتوا بعبيدة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الست شهيدا قال بلى فقال عبيدة لو كان ابو طالب حيا لعلم انا أحق بما قال منه حيث يقول شعر
كذبتم وبيت الله يبزى «2» محمدا
…
ولما نطاعن دونه ونناصل «3»
ونسلمه حتى نصرع حوله
…
نذهل عن أبنائنا والحلائل
واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس وعبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة ان الآية نزلت في المسلمين واهل الكتاب فقال اهل الكتاب نحن اولى بالله منكم واقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم وقال المؤمنون نحن أحق بالله آمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيكم وبما انزل الله من كتاب وأنتم تعرفون نبينا وكتابنا وكفرتم به حسدا فهذا خصومتهم في ربهم وقال مجاهد وعطاء بن رباح الكلبي هم المؤمنون والكافرون من اىّ ملة كانوا وقال بعضهم جعل الأديان ستة في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا الآية
(1) دفغا عليه اى اسرعا قتله 12.
(2)
على صيغة المجهول أراد لا يبزى حذف لا في جواب القسم وهى مراده اى لا يقهر ولا يغلب والبز بالزاء المعجمة الغلبة والقهر 12.
(3)
التناصل الترامي بالسهام 12. [.....]
فجعل خمسة للنار وواحد للجنة فقوله هذان خصمان ينصرف إليهم فالمومنون خصم وسائر الخمسة خصم لان الكفر ملة واحدة ومبنى هذين القولين عموم اللفظ وسياق القصة ولا شك ان العبرة لعموم اللفظ دون خصوص السبب وقال عكرمه هما الجنة والنار اختصما روى الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحاجت الجنة والنار فقالت النار او ثرت بالمتكبرين والمتبخترين وقالت الجنة فما لى لا يدخلنى الا ضعفاء الناس وسقطهم وعرّتهم «1» قال الله تعالى للجنة انما أنت رحمتى ارحم بك من أشاء من عبادى وقال للنار انما أنت عذابى أعذب بك من أشاء ولكل واحد منكما ملؤها فاما النار فلا تمتلى حتى يضع الله رجله تقول قط قط قط فهنالك تمتلى ويزوى «2» بعضها الى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا واما الجنة فان الله تعالى ينشأ لها خلقا فَالَّذِينَ كَفَرُوا فصل لخصومتهم وهو المعنى لقوله تعالى ان الله يفصل بينهم يوم القيمة قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ اى قدرت لهم على مقادير حيثيتهم قال سعيد بن جبير ثياب من نحاس مذاب وليس من الآنية شيء إذا حمى أشد حرا منه وتسمى باسم الثياب لانها تحيط بأبدانهم كاحاطة الثياب وقال بعضهم يلبس اهل النار مقطعات من النار روى احمد بسند حسن عن جويرية قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا البسه الله يوم القيمة ثوبا من نار واخرج والبزار وابن ابى حاتم والبيهقي بسند صحيح عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسجها من بعده وذريته من بعده وهو ينادى يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فيقال لهم لا تدعوا ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا واخرج ابو نعيم عن وهب بن منبه قال كسى اهل النار والعرى كان خيرا لهم واعطوا الحيوة والموت كان خيرا لهم واخرج عن ابى مالك الأشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النائحة إذا لم تيت قبل موتها تقام يوم القيمة وعليها سربال من قطران
(1) عرّة جمع عرير وهو الفقير تتعرض للسوال من غير طلب ومنه المعتر 12.
(2)
اى تجتمع وتنصرف 12.
ودرع من جرب رواه ابن ماجه بلفظ ان النائحة إذا ماتت ولم تتب قطع لها ثيابا من قطران ودرعا من لهب النار يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ حال من الضمير في لهم او خبر ثان والحميم الماء الحار الّذي انتهى حرارته.
يُصْهَرُ بِهِ اى يذاب بذلك الحميم المنصب من فوقهم رؤسهم ما فِي بُطُونِهِمْ من الشحوم والاحشاء وَالْجُلُودُ ويصهربه الجلود يعنى يؤثّر حرارته في بواطنهم كما يوثر في ظواهرهم والجملة حال من الحميم او من ضميرهم اخرج الترمذي وحسنه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الحميم ليصب على روسهم فينفذ الحميم حتى تخلص الى جوفه فيسيل ما في جوفه ثم يهراق من بين قدميه وهو الصهر ثم يعادكما كان.
وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ جمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به اى يكف بعنف قال الليث المقمعة شبه الجرز وهو بالفارسية گرز بالكاف الفارسي قال البغوي هو من قولهم قمعت راسه إذا ضربته ضربا عنيفا والجملة حال من الضمير المجرور في بطونهم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس في هذه الآية انه قال يضربون بها اى بالمقامع فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالثبور واخرج احمد وابو يعلى وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لو ان مقمعا من حديد وضع على الأرض فاجتمع الثقلان ما اقلوه من الأرض ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتعثت ثم عادكما كان.
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها اى من النار من غم وكرب يلحقهم بانفاسهم بسبب النار بدل اشتمال من الضمير المجرور باعادة الجار أُعِيدُوا فِيها تقديره كلما أرادوا ان يخرجوا منها فخرجوا منها عيدوا فيها لان الاعادة لا يكون الا بعد الخروج والجملة الشرطية اعنى كلما أرادوا الى آخرها صفة لمقامع والرابط محذوف اى أعيدوا بها فيها واخرج ابن ابى حاتم عن الفضيل بن عياض في الآية انه قال والله ما طمعوا في الخروج لان الأرجل مقيدة موبقة ولكن يرفعهم لهها وتردهم مقامعها قلت لعل المراد بقوله أرادوا ان يخرجوا منها انهم يزعمون حين يرفعهم لهبها ان يقعوا خارج النار ولا يكون كذلك بل يردهم مقامعها و
اخرج البيهقي عن ابى صالح قال إذا القى الرجل في النار لم يكن له منتهى حتى يبلغ قعرها ثم تحيش به جهنم فترفعه الى أعلى جهلم وما على عظامه مضغة لحم فتضرب الملئكة بالمقامع فيهوى بهم الى قعرها فلا يزال كذلك وذكر البغوي ان في التفسير ان جهنم لتحيش بهم فتلقيهم الى أعلاها فيريدون الخروج منها فيضربهم الزبانية بمقامع الحديد منهون وفيها سبعون خريفا وَذُوقُوا هذه الجملة معطوفة على أعيدوا بتقدير وقبل لهم ذوقوا عَذابَ الْحَرِيقِ اى النار المحرقة البالغة في الإحراق فعيل بمعنى الفاعل كالاليم بمعنى المولم والوجيع بمعنى الوجع قال الزجاج هؤلاء يعنى الذين مر ذكرهم في تلك الآيات أحد الخصمين وقال في الآخر.
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ غير الأسلوب فيه وأسند الإدخال الى الله تعالى وأكده بان احماد الحال المؤمنين وتعظيما لشانهم يُحَلَّوْنَ من حليت المرأة إذا ألبست الحلي حال من الموصول فِيها اى في الجنة مِنْ أَساوِرَ جمع اسورة وهو جمع سوار صفة لمفعول محذوف يعنى يحلون حليا كائنا من أساور مِنْ ذَهَبٍ بيان له وَلُؤْلُؤاً معطوف على أساور على قرأة نافع وعاصم بالنصب هاهنا وفي سورة فاطر حملا على محل أساور او بإضمار الناصب يعنى ويؤتون لؤلؤا والباقون بالجر حملا على لفظة أساور او عطفا على ذهب قال القرطبي قال المفسرون ليس أحد من اهل الجنة الا وفي يده ثلث اسورة سوار من ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ قلت والالف المكتوب في الرسم بعد الواو يؤيد النصب وقال ابو عمرو اثبتوا الالف كما اثبتوا في قالوا وكانوا وقال الكسائي الف صورة الهمزة وترك أبو بكر وابو عمرو إذا خفف الهمزة الاولى من لؤلؤ واللؤلؤ في جميع القرآن وحمزة إذا وقف سهل الهمزتين على أصله وهشام يسهل الثانية في غير النصب على أصله والباقون يحققونهما اخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى جنت عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير فقال عليهم التيجان ان ادنى لؤلؤ منها ليضىء ما بين المشرق والمغرب واخرج الطبراني الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لو ان ادنى اهل الجنة حليه عدلت حليته بحلية اهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله تعالى به في الآخرة أفضل من حلية اهل الدنيا جميعا واخرج ابو شيخ في العظمة عن كعب الأحبار قال ان الله تعالى ملكا يصوغ حلى اهل الجنة من يوم حلقه الى ان تقوم الساعة ولو ان حليا اخرج من حلى اهل الجنة لذهب بضوء الشمس واخرج الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الضوء واخرج في الزهد من طريق عمران بن خالد عمن أدرك اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انهم قالوا من ترك لبس الذهب وهو يقدر عليه البسه الله إياه في حظيره القدس ومن ترك الخمر وهو يقدر عليه سقاه الله إياه من حظير القدس واخرج النسائي والحاكم عن عقبة بن عامر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع اهل الحلية والحرير ويقول ان كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا وعن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ حال من فاعل يحلون او عطف عليه وغيّر اسلوب الكلام للدلالة على ان الحرير لباسهم المعتاد او للمحافظة على رؤس الآي اخرج البزار وابو يعلى والطبراني من حديث جابر بسند صحيح عن ابى الخير مرثد بن عبد الله قال في الجنة شجرة تنبت السندس يكون ثياب اهل الجنة وروى النسائي والطيالسي والبزار والبيهقي بسند جيد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنشق عنها يعنى ثياب اهل الجنة ثمر الجنة مرتين واخرج ابن المبارك عن ابى هريرة قال ان دار المؤمن درة مجوفة فيها أربعين بيتا في وسطها شجرة تنبت الجلل فيذهب فياخذ بإصبعه سبعين حلة منظم باللؤلؤ والزبرجد والمرجان- فصل واخرج الشيخان عن حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فانها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة واخرج الشيخان عن عمر رضى الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة واخرج مثله من حديث انس والزبير واخرج النسائي والحاكم عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من
لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم
يشرب بها في الآخرة واخرج الطيالسي بسند صحيح والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وان دخل الجنة لم يلبسه واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن ابى امامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما منكم من أحد الا انطلق به الى طوبى فيفتح له أكمامها فياخذ من اى ذلك شاء ان شاء ابيض وان شاء احمر وان شاء اخضر وان شاء اصفر وان شاء اسود مثل شقاق النعمان وارق واحسن واخرج ايضا عن كعب قال لو ان ثوبا من ثياب الجنة لبس في الدنيا لصعق من ينظر اليه وما حملته أبصارهم واخرج الصابوني في المائتن عن عكرمة قال ان الرجل من اهل الجنة ليلبس الحلة فتكون من ساعته سبعون لونا واخرج مسلم عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يدخل الجنة فنعم فيها لا يباس ولابتلى ثيابه ولا يفنى شبابه.
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ حال بتقدير قد من الموصول المفعول ليدخل يعنى والحال انهم قد هدوا في الدنيا الى الطيب من القول يعنى شهادة ان لا اله الا الله والله اكبر والحمد لله كذا قال ابن عباس وقال السدى يعنى هدوا الى القرآن وقيل الماضي هاهنا بمعنى المستقبل يعنى ويهدون في الجنة الى الطيب من القول وهو قولهم الحمد لله الّذي صدقنا وعده وَهُدُوا اى قد هدوا في الدنيا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ اى الى دين الله وهو الإسلام والحميد هو الله المستحق للحمد لذاته او المعنى ويهدون الى صراط الجنة الّتي هى الحميد.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى يمنعون الناس من ان يدخلوا في دين الإسلام لا يريد بالمضارع حالا ولا استقبالا وانما يريد استمرار الصدّ كقولهم فلان يعطى ويمنع ولذلك حسن عطفه على الماضي وقيل هو حال من فاعل كفروا وخبر ان محذوف دل عليه اخر الآية ان نذقه من عذاب اليم وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ عطف على سبيل الله او على اسم الله والمراد بالمسجد الحرام المسجد خاصة عند الشافعي وعند ابى حنيفة رحمه الله الحرم كله كما في قوله تعالى سبحان الّذي اسرى بعبده ليلا من المسجد
الحرام على ما قيل ان الاسراء من بيت أم هانى اطلق المسجد على الحرم كله لان الغرض الأصلي من عمران مكة اقام الصلاة قال الله تعالى حكاية لقول ابراهيم عليه السلام رب انى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى ذرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة وقد فسر الشافعي رحمه الله المسجد الحرام في قوله تعالى انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا بالحرم حيث قال يمنع الكفار مطلقا عن دخول الحرم بهذه الآية وقد ذكرنا الكلام عليه في سورة التوبة ويؤيد ارادة الحرم قوله تعالى الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ قرأ ابن كثير بإثبات الياء في الحالين وورش وأبو بكر في الوصل فقط وقرأ حفص سواء بالنصب على انه مفعول ثان لجعلنا وللناس ظرف لغو او حال من الضمير المستكن في للناس وللناس مفعول ثان والعاكف مرفوع به وقرأ الباقون سواء بالرفع على ان العاكف مبتدأ وسواء خبره مقدم عليه او سواء مبتدأ من قبيل الصفة والعاكف فاعل له والجملة مفعول ثان لجعلناه وللناس حال من الهاء او ظرف لغو وجاز ان يكون للناس مفعولا ثانيا والجملة بيان لما سبق يعنى جعلناه للناس بحيث مستوفيه المقيم والبادي اى المسافر المنسوب الى البدو وقال في القاموس البدو والبادية والبداوة والبداة خلاف الحضر يعنى ليس أحدا حق بالمنزل فيه من غيره فمن سبق الى مكان منه لا يجوز لغيره ان يزعجه كذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد قالوهما سواء في البيوت والمنازل وقال عبد الرحمن بن سابط كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من اهل مكة بأحق بمنزله منهم وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ينهى الناس ان يغلقوا أبوابهم في الموسم كذا قال البغوي قلت روى اثر عمر عبد الرحمن بن عبد بن حميد عن نافع عن ابن عمر عنه وعن عمر بن الخطاب ان رجلا قال له عند المروة يا امير المؤمنين اقطع مكانا لى فاعقب «1» واعرض عنه وقال هو حرم الله سواء العاكف فيه والباد (ازالة الخفا) وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد ان عمر قال يا اهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء وقال عبد الرزاق عن ابن جريح كان عطا ينهى عن الكراء في الحرم وأخبرني ان عمر نهى ان يبوب دور مكة
(1) هكذا في الأصل ولعله تصحيف والصواب فاعقب واعرض- 12 مصحح سيّد حسن عفى عنه.
لان الحاج في عرصاتها فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو واعتذر لذلك لعمر فان قيل صح عن عمر انه اشترى دارا بمكة للسجن باربعة آلاف درهم رواه البيهقي وكذا روى البيهقي عن ابن الزبير انه اشترى حجرة سورة وعن حكيم بن خرام انه باع دار الندوة وعن عمر انه اشترى الدور من أهلها حتى وسع المسجد وكذلك عن عثمان قال وكان الصحابة في رباط متوافرين ولم ينقل انكار ذلك قلت يحمل تلك الآثار على بيع بنائها فان البناء ملك للبانى لا محالة وانما المنهي بيع الأرض ومن هاهنا قال ابو حنيفة واحمد في أصح الروايتين عنه لا يجوز بيع رباع مكة ولا اجارة دورها فان ارض الحرم عتيق غير مملوك لاحد قال الله تعالى ثم محلها الى البيت العتيق ولا شك ان المراد بالبيت العتيق ارض الحرم كله لاختصاص ارض الحرم بذبح الهدايا والقول بان المعنى ثم محلها الى مكان يقرب منه البيت العتيق تكلف وتقديره بلا ضرورة وكذا قال مالك لكن مبنى قوله ان مكة فتحت عنوة وكل بلدة فتحت عنوة فهى وقف لا يجوز بيع اراضيها وقال الشافعي بيع دود مكة وإجارتها جائزة وهى مملوكة لاهلها وبه قال الحسن وطاؤس وعمرو بن دينار وجماعة والمراد بالمسجد الحرام في الآية نفسه ومعنى الآية جعلناه للناس قبلة لصلواتهم ومنسكا متعبدا بحيث مستوفيه العاكف والبادي في تعظيم الكعبة وفضل الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالبيت قلنا سياق الآية يقتضى اختصاص تسوية العاكف والبادي بالمسجد الحرام مع ان المساجد كلها بهذه المثابة العاكف والبادي في جميع المساجد سواء يجب على كل أحد تعظيم كل مسجد وكل مسجد يستوى فيه ثواب الصلاة والطاعة لجميع الناس لا يختلف باختلاف الحضر والسفر قال البغوي قال مجاهد وجماعة مثل ما قال الشافعي قلت بل المروي عن مجاهد مثل قول ابى حنيفة رح روى الطحاوي من طريق ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد انه قال مكة مباح لا يحل بيع رباعها ولا اجارة بيوتها وروى عبد الرزاق من طريق ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها ومن الحجة لقولنا هذا ما رواه محمد في كتاب الآثار أخبرنا ابو حنيفة عن عبد الله بن ابى زياد عن ابى نجيح عن ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال ان الله حرم مكة فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها وكذا روى ابن الجوزي في التحقيق بسنده عن ابى حنيفة بذلك السند مرفوعا بلفظ مكة حرام وحرام رباعها حرام أحر بيوتها فان قيل قال الدار قطنى وهم فيه ابو حنيفة رح والصحيح انه موقوف دعوى الوهم على ابى حنيفة رح شهادة على النفي فلا يقبل وهو ثقة والرفع من الثقة مقبولة وروى محمد بذلك السند مرفوعا من أكل من أجور بيوت مكة شيئا فانما يأكل نارا ورواه الدار قطنى بسنده عن اسمعيل بن ابراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن باباه عن عبد بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مباح لا يباع رباعها ولا يوجر بيوتها قلت اسمعيل بن ابراهيم ضعفه يحيى والنسائي وأبوه ابراهيم بن مهاجر ب ن جابر البجلي ضعفه البخاري وقال ابو حاتم منكر الحديث وقال ابن المديني والنسائي ليس بالقوى لكن قال سفيان واحمد ويحيى بن معين وابن مهدى لا بأس به وقال أبو بكر البيهقي الصحيح ان هذا الحديث موقوف وروى ابن الجوزي بسنده عن سعيد بن منصور قال حدثنا ابو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مكة حرام حرمها الله عز وجل لا يحل بيع رباعها ولا اجر بيوتها وهذا مرسل والمرسل عندنا حجة احتج الخصم بقوله تعالى الذين اخرجوا من ديارهم وقوله صلى الله عليه وسلم من دخل دار ابى سفيان فهو آمن قاله يوم فتح مكة وجه الاحتجاج ان الاضافة تدل على الملك قالوا ولو كانت الدور غير مملوكة لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج عنها والجواب ان الاضافة للسكنى او للبناء يقال مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بنى فلان وكون الإخراج ظلما لا يدل على انهم اخرجوا عن ديار مملوكة لهم لتحقق الظلم
بإخراجهم عن المسجد الحرام الّذي جعل الله للناس كلهم فيه سواء ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها وأقوى حججهم في الباب حديث اسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله اين تنزل غذا في حجته فقال هل ترك عقيل منزلا قال نحن نازلون غدا إنشاء الله نجيف بنى كنانه ثم قال لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر متفق عليه وروى ابن الجوزي هذا الحديث قال
اسامة يا رسول الله أتنزل دارك بمكة قال وهل ترك عقيل من رباع او دور قال الزهري وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا علىّ شيئا كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين يعنى حتى مات ابو طالب قال الحافظ وفي رواية محمد بن ابى حفصه قال في آخره ويقال ان الدار الّتي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم كانت دار هاشم بن عبد مناف ثم صارت لعبد المطلب ابنه فقسمها بين ولده حين عمّر ثم صار للنبى صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم وان النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم حقه منها بالهجرة وقتل طالب ببدر فباع عقيل الدار كلها وروى الفاكهاني ان عقيلا لم يبع الدار وقال ان الدار لم يزل بيد أولاد عقيل الى ان باعوا لمحمد بن يوسف أخي الحجاج بمأته الف دينار والجواب ان بيع عقيل الدار كافر الا يكون حجة على جواز البيع وتاويل الحديث عندى ان الدار لعلها كانت مشغولة بحوائج عقيل ان لم يبع وبحوائج المشترى ان باع فالنبى صلى الله عليه وسلم لم يجدها خالية يسكن فيها ولذا قال وهل ترك لنا عقيل منزلا اى منزلا خاليا فحينئذ قول الراوي كان عقيل ورث أبا طالب وشبهه مبنى على زعمه وقوله صلى الله عليه وسلم لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر لعله واقعة حال آخر فضم الراوي الحديثين زعما منه ان قوله صلى الله عليه وسلم لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر هو الباعث على قوله صلى الله عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل منزلا فحينئذ قوله صلى الله عليه وسلم لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر كلام مستانف فلا حجة في الحديث على كون رباع مكة مملوكة ولو سلمنا ان الحديث تدل على كون رباع مكة جائز البيع فنقول ان ما ذكرنا من الأحاديث الّتي تدل على حرمة بيعها نص في الحرمة يدل بالعبارة وهذا الحديث يدل على اباحة البيع بالاشارة فدلالة ما روينا اولى أقوى ثم لو سلمنا التعارض فعند التعارض يجب تقديم المحرم على المبيح ولذلك قال ابو حنيفة بالكراهة تحريما على أصله ولو كان حصة عبد الله للنبى صلى الله عليه وسلم
فلا يتصور ان يصل تلك الحصة الى عقيل الا بالاستيلاء كما هو مذهب ابى حنيفة ان الكافر يملك مال المسلم بالاستيلاء ولم يقل به الشافعي ولو ملك بالاستيلاء فلا معنى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر ولو كانت كلها لابى طالب فلا يتصور كونها للنبى صلى الله عليه وسلم ولو فرضنا كون ابى طالب مسلما لانه صلى الله عليه وسلم لم يكن من ورثة ابى طالب فعلى كل من التقادير يجب صرف قوله صلى الله عليه وسلم هل ترك لنا عقيل منزلا عن ظاهره فما ذكرت من التأويل اولى وكيف لا يكون التأويل ما ذكرت فانا لو سلمنا ان عليا وجعفر الم يرثا أبا طالب وانما ورثه عقيل فالنبى صلى الله عليه وسلم كان له ان ينزل في على وجعفر عارية كما كان له ان ينزل في ملك عقيل عارية وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ اى في المسجد الحرام سواء كان المراد منه المسجد او الحرم كله على القولين بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ وقيل الحاد في محل النصب على المفعولية والباء زائدة كما قوله تعالى تنبت بالدهن وقول الأعمش ضمنت برزق عيالنا ارماحنا وبظلم ظرف لغو متعلق بيرد او ظرف مستقر صفة لالحاد او حال من فاعل يرد وقيل
مفعول يرد محذوف يتناول كل متناول تقديره من يرد قولا او فعلا فعلى هذا قوله بإلحاد بظلم حالان مترادفان او الثاني بدل من الاول باعادة الجار او صلة له اى يلحد بسبب الظلم اى بان ارتكب منهيا ولو شتم الخادم نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ جواب لمن روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابغض الناس الى الله ثلثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرأ بغير حق ليهريق دمه وروى الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في المدخل ورزين في كتابه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبى مجاب الزائد في كتاب والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل بذلك من أعز الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتى ما حرم الله والتارك لسنتى وروى الحاكم عن على مرفوعا نحوه وهذان الحديثان يشعر ان بان المراد بالمسجد الحرام
الحرم فان استحلال الحرم والإلحاد فيه حرام مسجدا كان او غيره والإلحاد في اللغة الميل والعدول عن قصد السبيل والمراد هاهنا على قول مجاهد وقتادة هو الشرك وعبادة غير الله وقال قوم هو كل شيء كان منهيا عنه من قول او فعل حتى شتم الخادم وقال عطاء هو دخول الحرم غير محرم او ارتكاب شيء من محظورات الحرم من قتل صيد او قطع شجر وقال ابن عباس هو ان تقتل فيه من لا يقتلك او تظلم فيه من لا يظلمك وهذا معنى قول الضحاك وعن مجاهد تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات وقال حبيب بن ابى ثابت احتكار الطعام بمكة وقال عبد الله بن مسعود في قوله من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم قالوا ان رجلا همّ بخطيئة لم يكتب عليه ما لم يعملها ولو ان رجلاهمّ بقتل رجل بمكة وهو بعدن او ببلد اخر اذاقه الله من عذاب اليم قال السدى الا ان يتوب وروى عن عبد الله بن عمر وانه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم فاذا أراد ان يعاتب اهله عاتبهم في الآخر فسئل عن ذلك فقال كنا نحدث ان من الإلحاد فيه ان يقول الرجل كلا والله وبلى والله.
وَاذكر إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ اى عينا وجعلنا له مَكانَ الْبَيْتِ مبوأ اى منزلا كذا قال الزجاج وقيل اللام زائدة ومكان ظرف والمعنى وإذ أنزلناه فيه قال في القاموس بواه منزلا وفيه أنزله والمبأة المنزل وانما ذكر مكان البيت لان الكعبة رفعت الى السماء من الطوفان ثم لما امر الله تعالى ابراهيم عليه السلام ببناء البيت لم يدر اين يبنى فبعث الله ريحه خجوجا «1» فنكست له ما حول البيت عن الأساس كذا قال البغوي واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي في الدلائل عن السدى بعث الله ريحا يقال لها ريح الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فنكست لها ما حول الكعبة عن أساس البيت الاول وقال البغوي قال الكلبي بعث الله سبحانه بقدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها راس يتكلم يا ابراهيم ابن على قدرى فبنى عليه أَنْ لا تُشْرِكْ ان مصدرية متعلق بفعل محذوف اى عهدنا الى ابراهيم ان لا تشرك او المعنى فعلنا ذلك لان
(1) خجوجا اى شديدة الروح وغير استواء 12.
لا تشرك او مفسرة لبوأنا لاجل تضمنه معنى تعبد إذ التبوية لاجل التعبد والتعبد تشتمل الأمر والنهى فهو بمعنى القول بِي اى بعبادتي شَيْئاً وَطَهِّرْ من الأوثان والاقذار بَيْتِيَ قرأ نافع وحفص وهشام بفتح الياء والباقون بإسكانها أضاف البيت الى نفسه تشريفا ولكونه مهبطا لتجليات مخصوصة به قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه ان الكعبة بيت الله مع كونها متجسدا مرئيا لها شبه بما لا كيف له لان جدرانها وتراب ارضه الى الثرى ليست قبلة الا ترى انه لوازيل عن ذلك المكان جدرانها وترابها ونقلت الى مكان آخر فالقبلة ذلك المكان لا المكان الّذي نقلت اليه جدرانها وترابها ولو بنى ذلك المكان بجدر ان اخر ونقل الى ذلك ونقل الى ذلك المكان تراب آخر فهو كذلك قبلة فعلم ان القبلة امر لا كيف لها وينهبط هناك تجليات غير متكيفة يدركها من يدركها لِلطَّائِفِينَ اى الذين يطوفون حوله وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ جمع راكع وساجد ذكرهما بغير العاطف فان المراد به المصلين ولان الركوع بلا سجود لم يعرف في الشرع عبادة وعبر عن الصلاة بأركانها للدلالة على ان كل واحد منها مستقل باقتضاء الطهارة وقالت الروافض ان الطهارة في الصلاة انما يشترط في السجود لموضع الجبهة لا غير.
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ اى أعلمهم وناد فيهم بِالْحَجِّ الظاهر انه عطف على طهر ذكر البغوي واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس نحوه ان ابراهيم عليه السلام حين امر به قال وما يبلغ صوتى قال الله تعالى عليك الاذان وعلينا الإبلاغ فقام ابراهيم على المقام فارتفع المقام حتى صاركا طول الجبال فادخل إصبعيه في اذنيه واقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وقال يا ايها الناس ان ربكم قد بنى بيتا كتب عليكم الحج الى البيت فاجيبوا ربكم فاجابه كل من يحج من اصل الإماء وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك قال ابن عباس فاول من اجابه اهل اليمن فهم اكثر الناس حجا وروى ان ابراهيم صعد أبا قبيس ونادى وقال ابن عباس عنى بالناس في هذه الآية اهل القبلة قال البغوي وزعم الحسن ان قوله تعالى واذن في الناس بالحج كلام مستانف والمخاطب النبي صلى الله عليه وسلم امر ان يفعل ذلك في حجة الوداع
عن ابى هريرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ايها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا رواه مسلم وروى احمد والنسائي والدارمي عن ابن عباس نحوه يَأْتُوكَ يعنى يأتون حاجين لندائك بالحج- مجزوم في جواب الأمر والمعنى ان توذن يأتوك رِجالًا اى مشاة على أرجلهم جمع راجل كقائم وقيام ونائم ونيام وهذا اخبار عن الواقع وليس فيه إيجاب الحج على من لم يجد الراحلة فليس فيه حجة لداؤد ولا لممالك وقد ذكرنا خلافهما في اشتراط الزاد والراحلة في مسئلة كون الحج فريضة وما يشترط للفرضية في سورة آل عمران في تفسير قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا مسئلة الأفضل عند ابى حنيفة رحمه الله لمن يقدر على المشي ان بحج ماشيا لان الله سبحانه قدم ذكر الإتيان راجلا على الإتيان راكبا ولان المشقة في المشي أشد والخضوع والتواضع فيه اكثر لانه صلى الله عليه وسلم أوجب على من نذر الحج ماشيا والهدى بفواته فعلم ان المشي في الحج طاعة وأدناها الندب وقال بعض العلماء الحج راكبا أفضل لان بالمشي في الحج يختل كثير من العبادات ولا رهبانية في الدين وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ اى وركبانا على كل ضامر اى بعير مهزول أتعبه بعد السفر فصار مهزولا اخرج ابن جرير عن مجاهد قال كانوا لا يركبون فانزل الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر فامرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر يَأْتِينَ صفة لضامر محمولة على معناه حيث أضيف اليه لفظ كل او صفة لكل والتأنيث حينئذ ايضا بالنظر الى المعنى يغنى يأتوك على كل ضامر يأتين الى مكة مركوبا لان يحج مِنْ كُلِّ فَجٍّ اى طريق عَمِيقٍ اى بعيد.
لِيَشْهَدُوا متعلق بأذّن او بيأتوك اى ليحضروا مَنافِعَ لَهُمْ دينية او دنيوية وتنكيرها لان المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة قال محمد بن على بن الحسين بن على الباقر عليهم السلام وسعيد بن المسيب المراد بها العفو والمغفرة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه متفق عليه وقال سعيد بن جبير المراد بها التجارة وهى رواية عن زيد عن ابن عباس حيث قال الأسواق
وقال مجاهد التجارة وما يرضى الله به من امر الدنيا والآخرة وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ كنى بالذكر عن الذبح والنحر لاشتراطه في حل الذبائح وتنبيها على انه المقصود مما يتقرب به الى الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ يعنى عشر ذى الحجة وهو قول اكثر المفسرين قيل لها معلومات للحرص على علمها بحسابها من أجل كون وقت الحج في آخرها وروى عن على رضى الله عنه انها يوم النحر وثلثة ايام بعده وفي رواية عطاء عن ابن عباس انها يوم عرفة والنحر وايام التشريق وقال مقاتل المعلومات التشريق عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ يعنى الهدايا والضحايا واجبة كانت او مستحبة لاطلاق النص علق الفعل بالمرزوق بينه بالبهيمة تحريضا على التقرب وتنبيها على مقتضى الذكر احتج الشافعي بهذه الآية على انه لا يجوز ذبح شيء من الهدايا غير دم الإحصار الا يوم النحر وثلثة ايام بعده قلنا هذا القيد خرجت مخرج العادة ونحن لا نقول بالمفهوم وفي تفسير الآية اختلاف كما ذكرنا والحجة لنا على عدم اشتراط يوم النحر وايام التشريق في هدى التطوع والنذر والكفارة ما صح انه صلى الله عليه وسلم ساق عام الحديبية سبعين بدنة يريد العمرة وكان ذلك في ذى القعدة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد المقام بمكة الى يوم النحر وهذا صريح في جواز نحر هدى التطوع في ذى القعدة وإذا ثبت كون النحر فيما عدا يوم النحر طاعة وكل طاعة مقصورة يكون واجبا بالنذر فثبت جواز نحر الهدى المنذور ايضا في غير ايام النحر وكذا دم جزاء الصيد والكفارات لا يختص عندنا بيوم النحر لان الكفارة لا يكون الا عبادة فاذا ثبت كونه عبادة جاز جعله كفارة وقد قال الله تعالى في جزاء الصيد هديا بالع الكعبة من غير تقييد بيوم النحر ولا يجوز قيد في كتاب الله إذ هو في معنى النسخ لكن دم القران والتمتع مختصان بيوم النحر وكذا دم الإحصار عند ابى حنيفة خلافا لابى يوسف ومحمد وقد مرت المسألتين في سورة البقر في تفسير قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدى الى قوله فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى فَكُلُوا مِنْها امر استحباب وليس للوجوب اجماعا و
قال الشافعي امر بالاباحة وانما قال الله تعالى ذلك لان اهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم مسئلة اتفق العلماء على ان الهدى إذا كان تطوعا لا يجوز للمهدى ان يأكل منه لحديث طويل لجابر بن عبد الله في قصة الوداع وفيه وقدم على ببدن من اليمن وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فنحر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثا وستين بدنة بيده ثم اعطى عليا فنحر ما غبروا شر له في هديه ثم امر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فاكلا من لحمها وشربا من مرقها رواه مسلم وهذا الحديث دليل على استحباب الاكل من الهدى إذ لو لم يكن الاكل من هديه مستحبا لما امر ان يجعل من كل بدنة بضعة بل يكفيه لحم من واحدة- مسئلة واتفقوا على عدم جواز الاكل من جزاء الصيد ولعله لاجل ان جزاء الصيد بدل من الصيد قال الله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم وقد ذكرنا بيان المماثلة من حيث الصورة او من حيث القيمة في تفسير سورة المائدة ولما كان الصيد عليه حراما كان بدله حراما مثله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود ان الله لما حرم عليهم الشحوم أجمعوه ثم باعوه وأكلوا عنه متفق عليه من حديث جابر وكذا لا يجوز الاكل من الدم المنذور عند الجمهور خلافا لمالك ح وكذا لا يجوز عند
الجمهور الاكل من الدماء الواجبة بالجنايات والواجب بإفساد الحج وفي رواية عن احمد واليه ذهب اسحق انه لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل مما سوى ذلك كذا ذكر البخاري عن ابن عمر معلقا والحجة لتحريم الاكل من دماء النذر وكفارات الجنايات القياس على حرمة الاكل من جزاء الصيد وهى مجمع عليها والجامع انها دماء كفارات فلا بد من تسليمها بجميع اجزائها الى مستحقها لكن قياس المنذور على جزاء الصيد غير صحيح الا ان يقال ان لنذر يقتضى تسليم المنذور بجميع اجزائه- مسئلة واتفقوا على جواز الاكل من الأضاحي اما على قول ابى حنيفة فلانه دم نسك وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم في الضحى يأكلوا وأطعموا وادخروا متفق عليه من حديث سلمه ابن الأكوع واما عند الشافعي وغيره فلانه دم تطوع مسنون
وقد ذكرنا الإجماع على جواز الاكل من دماء التطوع- مسئلة واختلفوا في دم التمتع والقران فقال ابو حنيفة ومالك واحمد يجوز الاكل منه لانه دم نسك وقد ذكرنا حديث جابر انه صلى الله عليه وسلم امر من كل بدنة ببضعه فجعلت في قدر فطبخت فاكلا من لحمها وشربا من مرقها واستدل ابن الجوزي لما روى عبد الرحمن بن ابى حاتم في سننه من حديث على قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدى التمتع ان أتصدق بلحومها سوى ما ناكل وهذا صريح في الدلالة وقال الشافعي لا يجوز الاكل من دم التمتع والقران ومن شيء من دماء الواجبة سواء أوجبه على نفسه بالنذر او وجب بسبب غير ذلك محتجا بحديث ناحية الخزاعي وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية وحديث ابن عباس وحديث دويب بن حلمه وقد ذكرنا الأحاديث الثلاثة والجواب عنها في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى قلت والظاهر ان الاية في جواز الاكل من الهدايا واجبة كانت الهدايا كالتمتع والقران او نافلة كما أشرنا اليه نظرا الى اطلاق اللفظ وخص منها المنذور بالإجماع او يقال الكلام في الحج والمنذور ليس من باب الحج في شيء واما جزاء الصيد ودماء الكفارات فانها وان كانت من باب الحج لكن الظاهر من حال المسلم الاجتناب من المحرمات فهى غير مرادة بهذه الآية إذ المأمور به الحج المبرور والله اعلم- وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ اى الّذي اشتد بوسه والبوس شدة الفقر الْفَقِيرَ بدل من الاول او عطف بيان له.
ثُمَّ لْيَقْضُوا قرأ ورش وابو عمرو ابن عامر وقنبل بكسر الام والباقون بإسكانها تَفَثَهُمْ اى يزيلوا وسخهم بحلق الراس وقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد عند الاحلال الاول وذلك قبل طواف الزيارة ويحل على المحرم بعد الحلق كل شيء الا النساء وتحل النساء بعد الطواف كذا قال المفسرون والقضاء في الأصل بمعنى الفعل والأداء يقال قضى دينه وقال الله تعالى وإذا فضيتم مناسككم وقضيهن سبع سموت ويستلزمه الفراغ منه كما أيد يقوله تعالى أيما الأجلين قضيت وفي ازالة الوسخ الفراغ منه وقال البغوي قال ابن عمرو ابن عباس قضاء التفث مناسك الحج
كلها يعنى أداء مناسك الحج وقال مجاهد هو يعنى التفث مناسك الحج وأخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقلم الأظفار وقيل التفث رمى الجمار فالمعنى فعل هذه الأمور وأداها قال الزجاج لا نعرف التفث ومعناه الا من القرآن يعنى هذا اللفظ غير مستعمل في كلام العرب غالبا ولفظه ثم يوجب تأخير الحلق والطواف من الذبح فهو حجة لابى حنيفة رحمه الله حيث قال الترتيب بين الرمي ونحر القارن والحلق واجب وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي فمن ترك الترتيب عمدا او خطأ يجب عليه الدم لحديث ابن عباس من قدّم شيئا من نسله او اخّره فليهرق رما رواه ابن ابى شيبة موقوفا والموقوف له حكم المرفوع لان القضاء بمثل غير معقول لا يدرك بالرأى فان قيل في سنده ابراهيم بن مهاجر قال ابو حاتم منكر الحديث وقال ابن المديني والنسائي ليس بالقوى وقال ابن عدى يكتب حديثه في الضعفاء قلنا انه صدوق من كبار التابعين اخرج له مسلم متابعه وقال سفيان واحمد وابن مهدى لا بأس به ثم الحديث ليس منحصرا عليه بن أخرجه الطحاوي من غير طريقه ايضا قال ثنا وهيب عن أيوب عن سعيد بن جبير عنه مثله وقال احمد الترتيب واجب يجب عليه الدم بتركه عمدا لكن يسقط وجوب الترتيب بالجهل والنسيان كذا روى الأثرم عنه وكذا يشعر كلام البخاري وهو المختار عندى للفتوى وقال الشافعي وكثير من السلف الترتيب سنة وليس بواجب وقال مالك تقديم الحلق على الرمي والذبح لا يجوز وللشافعى قول مثله احتج الشافعي بحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والرمي والحلق والتقديم والتأخير فقال لا حرج متفق عليه وفي رواية للبخارى قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فيقول لا حرج فسأله رجل فقال حلقت قبل ان اذبح قال اذبح ولا حرج قال ميت بعد ما أمسيت فقال لا حرج وفي رواية للبخارى اتى رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم قال زرت قبل ان ارمى قال لا حرج قال ذبحت قبل ان ارمى قال لا حرج وروى الطبراني بلفظ ان رجلا قال يا رسول الله طفت بالبيت قبل ان ارمى قال ارم ولا حرج وقد ثبت بحديث على رضى الله عنه التصريح بالسؤال بالطواف قبل الذبح ايضا رواه احمد وجه الاحتجاج للشافعى انه لو كان الترتيب واجبا لامرهم النبي صلى الله عليه وسلم باعادة ما قدم من المناسك لكون الوقت وقت أداء المناسك
يوم النحر أو أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم باراقة الدم ولو أمرهم بشيء من ذلك لنقل إلينا لاشتراك خلق كثير في الواقعة وحرص كل منهم على حفظ مناسك وتبليغها فلما لم ينقل علم انه لم يأمر ولما لم يأمر علم انه لم يجب لانه رفت الحاجة وترك تبليغ الواجب مع الحاجة محال فظهر انه ليس بواجب وما ليس بواجب لا بأس ترله عمدا قال ابو حنيفة رح من رواة هذه القصة ابن عباس رضى الله عنه وقد قال ابن عباس من قدّم شيئا من نسكه أو أخّره فليهرق لذلك دما وقول الراوي على خلاف روايته جرح في الحديث لدلالته على ان الراوي اطلع على الناسخ لكن هذا القول لا ينتهض دفعا لقول الشافعي إذ عنده قول الراوي على خلاف روايته ليس بجرح في الحديث بل على اصل ابى حنيفة ايضا لا ينتهض دفعا لان قول الراوي على خلاف روايته انما يكون جرحا إذا كان الموقوف في قوة المرفوع حتى يكون ننزلة الناسخ والأمر ليس كذلك قلت لكن
الجمع بين الأحاديث متى أمكن اولى من ترك العمل على بعضها فنحمل اثر ابن عباس وهو في حكم المرفوع وقد بلغ بالاعتصام درجة الحسن على ترك الترتيب عمدا وما احتج به الشافعي على الجهل والنسيان فقلنا الترتيب واجب لكن يسقط بالجهل والنسيان كالترتيب في الفوائت من الصلوات واجب عند ابى حنيفة ويسقط بالنسيان والإمساك في الصوم واجب ويسقط بالنسيان وتكبيرات التشريق واجبة تسقط بالنسيان. مسئلة الحلق من واجبات الإحرام ليس بركن عند ابى حنيفة رحمه الله وقال الشافعي رحمه الله وبعض العلماء انه ركن من اركان الحج وفي رواية ضعيفة عن الشافعي وهى رواية عن ابى يوسف وعن احمد وبه قال بعض المالكية انه ليس بنسك بل امر مباح وحجتنا وحجة الشافعي هذه الآية فانه امر بقضاء التفث والمراد به الحلق والأمر للوجوب فكان ركنا عنده قلنا ثبوته وان كان بالآية القطعية لكن دلالة الآية عليه انما هى بتأويل ظنى لاختلاف في تفسير الآية فلا يوجب القطع وايضا قال الشافعي الحلق تحلل من الإحرام والإحرام ركن للحج فكذا التحلل عنه كالسلام في الصلاة فانه ركن عند الشافعي قلنا كون الإحرام شرطا وركنا للحج لا يستلزم كون التحلل عنه كذلك وكون السلام ركنا ممنوع عندنا وايضا هذا قياس مع الفارق لان النبي صلى الله
عليه وسلم جعل السّلام انتهاء لتحريمة الصلاة حيث قال تحليلها التسليم فلو لم يوجد التسليم ويتأتى على التحريمة ما ينافيها بطلت التحريمة وقد كانت التحريمة شرطا للصلوة وركنا لها على اختلاف الأقوال فبطلت الصلاة ببطلان التحريمة واما إحرام الحج فلا يبطل.......
بالمحظورات كما يبطل إحرام الصلاة الا ترى ان الجماع قبل الوقوف بعرفة يوجب الفساد حتى يجب عليه القضاء ولا يوجب البطلان حتى يجب المضي في الفاسد- مسئله أول وقت الحلق الرمي من طلوع الفجر الثاني يوم النحر وعند الأكثر بعد نصف الليل من ليلة النحر لنا حديث عروة بن مضرس فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد معنا هذا الصلاة صلوة الفجر بمزدلفة وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلا او نهارا فقدتم حجه وقضى تفثه رواه اصحاب السنن الأربع والحاكم وقال صحيح على شرط كافة اهل الحديث ولم يحرجاه على أصلهما لان عروة بن مضرس لم يرو عنه الا الشعبي وقد وجدنا عروة ابن الزبير قد حدث عنه واختلفوا في اخر وقته فقال الشافعي وابو يوسف ومحمد واكثر العلماء لا آخر لوقته واختلفوا ايضا في ان الحرم هل هو شرط للحلق فقال ابو يوسف وزفر واكثر العلماء ليس بشرط وقال ابو حنيفة للحلق اعتبار ان أحدهما انه محل للاحرام وثانيهما انه نسك من مناسك الحج فباعتبار انه محلل لا آخر لوقته ولا يختص ايضا بمكان وباعتبار انه نسك يختص بيوم النحر وبالحرم لانه كونه عبادة لا يدرك بالرأى فيراعى خصوصياته الواردة من الشارع وهو الزمان والمكان واما كونه محللا فامر يدرك بالرأى لان المحلل انما يكون ما يكون جناية في غير او انه وهو كذلك فان وجد الحلق بعد وقته او في غير الحرم يكون محللا من إحرامه ولا يكون عبادة فيلزم الدم لترك نسك واجب واحتج ابو يوسف بان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذبح ولا حرج لمن قال حلقت قبل ان اذبح وانه صلى الله عليه وسلم حلق عام الحديبية بالحديبية وهى من الحل قلنا قوله صلى الله عليه وسلم اذبح ولا حرج لمن قال حلقت قبل ان اذبح لبيان سقوط الترتيب لعلة الجهل والنسيان لا لتعميم الزمان لان يوم النحر كان موجودا عند السؤال لانه كان بعد الظهر يوم النحر وحلق النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية لم يكن عند ابى حنيفة نسكا بل ليعرف استحكام الانصراف
حيث لا يجب الحلق على المحصر عند ابى حنيفة والجواب عندى ان المحصر معذور لا يقاس عليه غيره الا ترى ان الحلق قبل دخول وقته جائز للمحصر لا لغيره اجماعا فكذا الحلق في غير مكانه والحجة لنا في اشتراط الحرم للحلق قوله تعالى ثم محلها الى البيت العتيق وسيجئى تفسيره وقوله ليدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين روسكم ومقصرين حيث جعل الحلق والتقصير من خواص دخول المسجد والتوارث فان النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده توارثوا على الحلق في الحج بمنى والعمرة عند مروة وهما من الحرم- مسئلة واختلفوا في القدر الواجب من الحلق والتقصير فقال مالك واحمد لا يتحلل ما لم يحلق او يقصر كل الراس وقال ابو حنيفة حلق ربع الراس او تقصيره يكفيه وقال الشافعي يكفيه ازالة شعرة او ثلث شعرات قال الشافعي هذه الآية لايجاب قضاء التفث وليس الواجب منه الاستقصاء اجماعا حيث يجوز التقصير وفي التقصير قضاء بعض التفث ولا شك ان قضاء بعض التفث يحصل بازالة شعرة او ثلث شعرات وقال ابو حنيفة لا يقال في العرب في من أزال شعرة او ثلثا انه حلق راسه او قضى تفثه فلا بد من قدر معتدبه شرعا وقد اقام ربع الراس في الوضوء مقام الكل حيث أوجب مسح ربع الراس وأوجب في سائر الأعضاء غسلها بتمامها كما ذكرنا تحقيقه في سورة المائدة في اية الوضوء فقلنا هاهنا بحلق ربع الراس وقال مالك واحمد لا نسلم ما قال ابو حنيفة من اقامة ربع الراس مقام الكل فان الفريضة في الوضوء عندهم مسح كل الرأس ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة انه اقتصر على حلق بعض الراس او تقصيره مسئلة الحلق أفضل من التقصير اجماعا لحديث ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصرين وفي رواية قال في الرابعة والمقصرين وحديث ابى هريرة نحوه
والحديثان في الصحيحين وَلْيُوفُوا قرأ ابن ذكوان بكسر اللام والباقون بإسكانها وقرأ أبو بكر عن عاصم ليوفوا بتشديد الفاء من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال
نُذُورَهُمْ قيل أراد به الخروج عما وجب عليه نذر اولم ينذر فان العرب يقول لمن خرج عن الواجب عليه وفي بنذره والجمهور على ان المراد بالنذر ما أوجب انسان على نفسه مما ليس بواجب عليه وهو على نوعين منجز كان يقول لله على ان أصلي ركعتين ومعلق بشرط ثم المعلق بالشرط ان كان الشرط مرضيا كان قال ان شفى الله مريضى او قدم غائبى فعلّى ان أصوم يسمى نذر ترد وان كان الشرط مكروها كانّ قال ان كلمت زيدا فعلى ان أحج يسمى نذر لجاج وإذ علمت ان النذر إيجاب ما ليس بواجب عليه فايجاب ما هو واجب من الله تعالى اخبار محض كمن قال لله على ان أصوم رمضان او أصلي الظهر فلا يترتب عليه شيء أصلا ولا يتغير وصف الواجب وقدره بتغير العبد فلو قال لله على ان أؤدّي زكوة كل مائتى درهم عشرة لا يلزمه الا خمسة كمن قال لله على ان أصلي الظهر ست ركعات وكذا لو قال لله على ان أصلي كل فريضة بوضوء جديد او بجماعة لان الله سبحانه اجزى الصلاة بغير هذه القيود فلو قلنا بعدم الاجزاء لعزم نسخ حكم من احكام الله تعالى ولو قلنا بإجزاء الصلاة بدونها فلا فائدة في القول بايجاب هذه الأمور إذ لا يمكن قضائها بمثلها لعدم استقلالها وقضائها بمثل غير معقول يتوقف على ثبوتها من الشرع ولم يثبت وهذا معنى قولهم يشترط للوجوب بالنذر كونه طاعة مقصورة مستقلة بنفسها وهذا بخلاف من نذر ان يحج ماشيا فان قضأ المشي باراقة الدم عرف من الشرع لكن ما ذكرنا يشكل فيمن نذر ان يؤدى زكوة كل مائتى درهم عشرة حيث يمكن إيجاب خمسة زائدة على الخمسة الّتي وجبت بايجاب الله تعالى من غير لزوم نسخ حكم من الاحكام والله اعلم ثم اعلم ان ما ليس بواجب فهو على ثلثة اقسام اما طاعة واما معصية واما امر مباح ليس فيه معنى الطاعة ولا العصيان فالقسم الاول اى النذر بالطاعة يجب الوفاء به اجماعا وهو المأمور به بهذه الآية فقيل هو ليس بفرض على اصل ابى حنيفة نثبوته بهذه الآية وهى عامة خص منها البعض فصارت ظنية الدلالة وقيل هو فرض على أصله لما انعقد عليه الإجماع فصار قطعيا في مقدار ما انعقد عليه الإجماع ثم النذر بالطاعة ان كان منجزا لا يجوز العدول عنه الى لكفارة اجماعا الا ان يكون بمالا يطيقه حيث قيل فيه كفارة يمين وان كان
مطقا بشرط فوجد الشرط فكذا عند ابى حنيفة ومالك واكثر العلماء لان المعلق بالشرط كالمنجر عنده فصار كانه قال عند وجود الشرط لله على كذا وروى عن ابى حنيفة انه رجع عنه قبل موته بسبعة ايام فقال إذا كان معلقا بالشرط فهو مخير بين فعله بعينه وبين كفارة يمين وهو قول محمد فاذا قال ان فعلت كذا فعلى حجة او صوم سنة ان شاء وفي بنذره وان شاء كفر فانكان فقيرا صار مخيرا بين صوم سنة وصوم ثلثلة ايام والاول ظاهر المذهب والتخيير عن ابى حنيفة في النوادر وجه الظاهر هذه الآية والأحاديث الواردة ووجه رواية النوادر ما في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم قال كفارة النذر كفارة اليمين وهو يقتضى ان يسقط النذر بالكفارة مطلقا فيتعارض النصوص فيحمل مقتضى الإيفاء بعينه على المنجز ومقتضى سقوطه بالكفارة على المعلق ووجه الفرق ان المعلق منتف في الحال فالنذر فيه معدوم فيصير كاليمين في ان سبب الإيجاب وهو الجنث منتف حال التكلم فيلحق به بخلاف النذر المنجز لانه نذر ثابت في وقته فيعمل فيه حديث الإيفاء والمختار عند صاحب الهداية والمحققين من العلماء الحنفية ان المراد بالمعلق الّذي يتخير فيه الناذر نذر اللجاج فانه لا يريد وجود الشرط فلا يريد وجوب النذر بل جعله مانعا من فعل الشرط فان الإنسان لا يريد إيجاب العبادات دائما وانكانت مجلبة للثواب مخافة ان يثقل عليه فيتعرض للعقاب ولهذا صح عنه صلى الله عليه وسلم انه نهى عن النذر وقال انه لا يأت بخير لا سيما إذا كان المنذور عبادة شاقة كالحج وصوم سنة واما نذر التردد فلا يجزيه الا فعل
عين المنذور به لانه إذا أراد وجود الشرط أراد وجود النذر فكان المعلق في معنى المنجز فيندرج في حكمه وهو وجوب الإيفاء وعدم جواز العدول عنه الى الكفارة فصار محمل ما يقتضى الإيفاء المنجز ونذر التردد ومحمل ما يقتضى اجزاء الكفار نذر اللجاج ومذهب احمد فيه هكذا التفصيل الّذي اختاره صاحب الهداية وهو اظهر اقوال الشافعي كذا في المنهاج وفي رواية عنها نذر اللجاج يوجب الكفارة لا غير وفي قول للشافعى فيه إيفاء لا غير مسئلة يشترط للوجوب بالنذر عند ابى حنيفة ان يكون من جنسه واجب بايجاب الله تعالى وفي المنهاج للشافعى ان الصحيح عند الشافعي انعقاد بكل طاعة وان لم
يكن من جنسه واجب بايجاب الله كعيادة المريض وتشييع الجنازة والسّلام قلت ويرد على قول ابى حنيفة ان الاعتكاف يجب بالنذر اجماعا وليس من جنسه واجب بايجاب الله وكون الصوم شرطا للاعتكاف ممنوع ولو سلمنا فكون بعض شرائطه من جنس ما وجب بايجاب الله سببا للزومه بالنذر يقتضى لزوم كل قربة مقصودة وغير مقصورة بالنذر إذ كل قربة مشروطة بالإسلام والإخلاص وهما فريضتان واجبتان بايجاب الله تعالى ولو كان وجوب الاعتكاف بالنذر تبعا لوجوب الصوم بالنذر فمع كونه قلب الموضوع لزم ان لا يجب الاعتكاف لو نذر ان يعتكف في رمضان والله اعلم- مسئلة وإذا فات الوقاء بنذر الطاعة يجب عليه القضاء عند الجمهور وهل يجب عليه كفارة يمين ايضا اولا فقال سفيان الثوري يجب عليه القضاء والكفارة جميعا وقال ابو حنيفة ان لم ينو اليمين وتكلم بصيغة النذر سواء نوى النذر اولا يجب عليه القضاء دون الكفارة وان نوى اليمين مع نفى النذر يجب عليه الكفارة دون القضاء وان نوى يمينا ولم يخطر بباله النذر أصلا او نوى نذر او يمينا يجب عليه القضاء والكفارة جميعا وقال ابو يوسف انه يمين في الاول حتى يجب عليه الكفارة فقط دون القضاء حيث نوى المجاز ونذر في الثاني فيجب عليه القضاء فقط دون الكفارة لترجح الحقيقة على المجاز عند ارادتهما وامتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز وجه قول سفيان انه نذر بصيغة لا يحتاج الى النية ولا ينتفى بالنفي لكونه إنشاء كالنكاح والطلاق والرجعة والاعتاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة أخرجه احمد وابو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابى هريرة وفي مصنف عبد الرزاق من حديث ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز وردى ابن عدى في الكامل من حديث ابى هريرة مرفوعا قال ثلث ليس منهن لعب من تكلم بشيء منهن لاعبا فقد وجب عليه الطلاق والعتاق والنكاح اخرج عبد الرزاق عن عمر وعلى موقوفا انهما قالا ثلث لا لعب فيهن النكاح والطلاق والعتاق وفي رواية عنهما اربع وزاد والنذر ويمين بموجبه لان إيجاب ما ليس بواجب يستلزم تحريم ما ليس بحرام يمين حيث قال الله تعالى يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الى قوله وقد فرض الله لكم تحلة ايمانكم فلا يحتاج كونه يمينا ايضا الى النية ولا ينتفى
بالنفي كشراء القريب عتق بموجبه لا يحتاج الى النية ولا ينتفى بالنفي ووجه قول ابى حنيفة ان تحريم ما ليس بحرام ليس بيمين على الإطلاق الا ترى ان الطلاق والعتاق والبيع ونحو ذلك يستلزم تحريم ما ليس بحرام وهى الزوجة والامة وليس شيء منها يمينا بل إذا كان التحريم قصد يا منويا باليمين كتحريم مارية او العسل ولا يكون التزاما فحينئذ يكون يمينا وقوله تعالى يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك انما هو في التحريم القصدى دون الالتزامي فما لم ينو يمينا يكون نذرا نواه اولم ينوه حملا على الحقيقة وإذا نوى اليمين ونفى النذر يكون يمينا فقط حملا على المجاز وإذا لم ينف النذر سواه نواه اولم ينوه ونوى اليمين يكون نذر الصيغته يمينا بموجبه والله اعلم (فصل) واما القسم الثاني وهو النذر بالمعصية فهو على نوعين منها ما لا ينفك شيء من افراد جنسه عنها كالنذر بالشرب والزنا ونحو ذلك فقال
ابو حنيفة إذا قصد به اليمين ينعقد للكفارة والا يلغو ضرورة انه لا فائدة في انعقاده وليس هو مراد بهذه الآية ومامورا بالإيفاء اجماعا فان الله لا يأمر بالفحشاء وبه قال مالك والشافعي وقال احمد ينعقد النذر لاجل الكفارة سواء نوى به اليمين اولا قال ابن همام وعليه مشى اكثر مشايخ الحنفية وبه قال الطحاوي انه لو أضاف النذر الى سائر المعاصي كقوله لله على ان اقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث قلت وذلك لانه لما تعذر حمل اللفظ على معناه الحقيقي وجب حمله على المعنى المجازى وهو مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم لانذر في معصية وكفارته كفارة اليمين ومحمل الحديث عند ابى حنيفة إذا نوى به اليمين ومنها ما كان من جنسه طاعة خالصة عن العصيان كالنذر بصوم يوم العيد والصلاة عند طلوع الشمس وهذا القسم من النذر ينعقد عند ابى حنيفة رحمه الله وعليه ان يفطر ويقضى ولا كفارة عليه وان صام أجزأه وان نوى يمينا مع نفى النذر فعليه كفارة يمين والا فعليه القضاء والكفارة جميعا كما ذكرنا في النذر بالطاعة وقال احمد عليه ان يفطر ويقضى ويكفر وان صام لا يجزيه وعنه ان صام أجزأه وقال مالك والشافعي لا ينعقد هذا النذر كالنذر بالنوع الاول من المعصية المحضة إذ لا فرق بين معصية ومعصية وما نهى الله عنه لا يجب بايجاب العبد وجه الفرق لابى حنيفة انه نذر الصوم وهو مشروع بأصله وانما النهى فيه لغيره وهو ترك اجابة دعوة الله فينعقد نذره ويجب عليه
ان يفطر احترازا عن المعصية المجاورة ويقضى لاسقاط ما وجب عليه فان صام في يوم العيد يخرج عن العهدة لانه اداه كما التزمه وهذا الخلاف مبنى على خلافية اصولية وهى ان النهى عن الافعال الشرعيه توجب القبح لغيره ومشروعيته عند ابى حنيفة رحمه الله وعند الشافعي رح توجب القبح لعينه وعدم مشروعية وقال احمد انما ينعقد من حيث كونه طاعة لا من حيث كونه معصيته فيجب به الصوم كاملا ولا يتأدى ان صام يوم العيد وكثير اما يجب الفعل ليظهر اثره في القضاء مع حرمة الأداء نظيره صوم رمضان في حق الحائض يجب ليظهر اثره في القضاء مع ادائه في الوقت حرام ولا يتأدى عنها الفريضة ان أدت فصل واما القسم الثالث وهو النذر بامر مباح فيلغو ولا ينعقد عند ابى حنيفة رح الا ان ينوى به اليمين فيكفر ان لم يأت به وقال الشافعي لا يجب عليه إتيانه ولكنه ينعقد يمينا نواى ولم ينو فان حنث لزمه كفارة يمين على المرجح كذا في المنهاج والوجه ما ذكرنا انه إذا تعذر الحمل على الحقيقة وهو الإيجاب لعدم صلوته لكونه طاعة يحمل على المجاز لتعينه وهو تحريم المباح قلت وهذا الدليل لا ينتهض حجة الا عند من قال تحريم المباح يمين والله اعلم ولنذكر هاهنا من الأحاديث الشاهدة لما ذكرنا من الأقوال حتى يظهر الراجح منها من المرجوع عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر ان يطيع الله فليطعه ومن نذر ان يعصيه فلا يعصه رواه البخاري وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله صلى الله عليه وسلم انما النذر ما ابتغى به وجه الله رواه احمد في قصة الرجل الّذي نذر ان يقوم في الشمس ورواه البيهقي في قصة اخرى وروى نحوه ابو داود وهذه الأحاديث بعمومها تدل على ان النذر بالطاعة ينعقد سواء كان من جنسها واجب بايجاب الله اولا وعن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما نذر لا يملك العبد رواه مسلم وروى ابو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولاجل هذا الحديث قال ابن همام مسئلة لو قال أحد ان فعلت كذا فالف درهم من مالى صدقة ففعله وهو لا يملك إلا مائة مثلا الصحيح من مذهب ابى حنيفة انه لا يلزمه التصدق الا بما ملك لان فيما لم يملك لم يكن النذر مضافا الى الملك ولا الى سبب الملك- (مسئلة) ولو قال مالى صدقة في المساكين ولا مال له لا يلزمه
شيء.
(مسئلة) ولو قال لله على ان اهدى هذه الشاة الى بيت الله وأشار الى شاة مملوكة لغيره
لا يلزمه شيء وعن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كفارة النذر كفارة اليمين رواه مسلم ورواه الطبراني بلفظ النذر يمين وكفارته كفارة يمين وهذا الحديث لعمومه يدل عليه مسئلة من نذر نذرا فلم يف به اما لكونه معصيته ممنوعة شرعا او لكونه ممنوعا طبعا بان كان النذر مما لا يطيقه كصوم الابد او كان مما يطيقه لكن فات وقته ولا يمكن التدارك او لكونه مباح الترك ولعدم تسمية المنذور به بان قيل لله على نذر يجب عليه كفارة اليمين سواء نوى اليمين اولا وحمل ابو حنيفة هذا الحديث على ما نوى اليمين وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر نذر الم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا اطاقه فليف به رواه ابو داود وابن ماجه ووقفه بعضهم على ابن عباس وهذا الحديث كالبيان لما سبق من الحديث وهذا الحديث يدل عليه- (مسئلة) من نذر نذر طاعة وهو مطلق به لا يجوز له العدول عنه الى الكفارة ولا يجزء عنه الكفارة وعن عمران بن حصين قوله صلى الله عليه وسلم لا نذر في معصيته وكفارته كفارة يمين رواه النسائي والحاكم والبيهقي وهذا الحديث باطلاقه حجة لاحمد في انعقاد نذر المعصية ووجوب الكفارة ومداره على محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين ومحمد ليس بالقوى وقد اختلف عليه فيه رواه ابن المبارك عن عبد الرزاق عن أبيه قال الحافظ وله طريق اخر اسناده صحيح الا انه معلول ورواه احمد واصحاب السنن والبيهقي من رواية الزهري عن ابى سلمه عن ابى هريرة وهو منقطع لم يسمع الزهري من ابى سلمه وقد رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حديث سليمان بن بلال عن موسى بن عقبة ومحمد بن عتيق عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن كثير عن ابى سلمة عن عائشة قال النسائي سليمان بن أرقم متروك وقد خالفه غير واحد من اصحاب يحيى بن كثير فرووا عن يحيى بن كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران فرجع الى الرواية الاولى قال الحافظ وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن كثير عن رجل من بنى حنيفة وابى سلمة كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والحنفي هو محمد بن الزبير
قاله الحاكم وقال ان قوله من بنى حنيفة تصحيف انما هو من بنى حنظلة وله طريق آخر عن عائشة مرفوعا رواه الدار قطنى وابو داود والترمذي والنسائي من رواية غالب بن عبد الله الجوزي عن عطأ عن عائشة مرفوعا من جعل عليه نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين وغالب متروك الحديث وللحديث طريق اخر رواه ابو داود عن كريب عن ابن عباس واسناده حسن فيه طلح بن يحيى وهو مختلف فيه قال النووي حديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ضعيف باتفاق المحدثين وقال الحافظ قد صححه الطحاوي وابو على بن السكن فاين الاتفاق قلت وقد كتب السيوطي في الجامع الصغير على هذا الحديث علامة الصحة واحتج ابو حنيفة بقوله بعدم وجوب الكفارة في النذر بالمعصية بحديث عمران بن حصين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول النذر نذر ان فمن كان نذر في طاعة فذلك لله وفيه الوفاء ومن كان نذر في معصية فذلك للشيطان ولا وفاء فيه وجه الاحتجاج ان وجوب الكفارة يعتمد على وجوب الوفاء فانه ليكفر الإثم فاذا لم يجب الوفاء لم يجب الكفارة وهذا احتجاج في مقابلة النص بالمعقول ومنقوض بانه من حلف بالله على إتيان المعصية وجب عليه الحنث والكفارة ليكفر هتك حرمة اسم الله تعالى هذه في هذا المقام فكذا هاهنا وعن ثابت بن الضحاك قال نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينحر ابلا ببواته فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية تعبده
قالوا لا قال فهل كان فيها عيد من أعيادهم قالوا لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك فانه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم رواه ابو داود بسند صحيح وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن حده ان امرأة قالت يا رسول الله انى نذرت ان اضرب على راسك الدف قال او في بنذرك رواه ابو داود وزاد ارين قالت يا رسول الله ونذرت ان اذبح بمكان كذا وكذا مكان يذبح فيه اهل الجاهلية قال هل كان بذلك المكان وثن من أوثان الجاهلية يعبد قالت لا قال هل كان فيه عيد من أعيادهم قالت لا قال او في بنذرك قلت الأمر بالإيفاء هاهنا ليس للوجوب اجماعا جمعا بين هذه الأحاديث وقوله صلى الله عليه وسلم انما النذر ما ابتغى به وجه الله ونظرا الى ان ما ليس بطاعة لا يصلح للوجوب ولا لكونه تحية بوجه الله تعالى فالامر هاهنا للاباحة وإذا كان ترك المعصية فيما كان النذر بالمعصية موجبا للتكفير نظرا الى المعنى فههنا اولى مسئلة من نذر بطاعة
مقيدة بقيود وأوصاف فان كانت تلك القيود والأوصاف مرغوبة عند الله موجبة للمزية وكثرة الثواب يجب الإيفاء مع تلك القيود والأوصاف وانكانت عما لا مزية له عند الله لا يلزمه الشرط وهل يجب الكفارة عند فقد تلك القيود والصفات فالخلاف فيه كالخلاف في ترك كل منذور مباح فمن نذر ان يصلى في السوق او في يوم السبت او نذر ان يصوم ولا يقعد ولا يتكلم ولا يستظل او نذر ان يتصدق بهذا الدرهم على هذا الفقير في هذا البلد وجب عليه الصوم والصلاة وجاز له ان يصلى في اى مكان اى وقت شاء وبصوم مع التكلم والقعود والاستظلال ويتصدق بدرهم اىّ درهم شاء على اى فقير في اى بلد لحديث ابن عباس قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسئل عنه فقالوا ابو إسرائيل نذر ان يقوم فلا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه رواه البخاري وليس فيه الأمر بالكفارة ومن نذر ان يصوم ثلثة ايام متتابعات او نذر ان يصلى قائما يجب عليه ان يفى بنذره فان صام متفرقا او صلى قاعد الا يجزيه ويجب عليه الاعادة لان صلوة القاعد نصف صلوة القائم كذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه احمد والنسائي وابن ماجه بسند صحيح عن انس وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو والطبراني عن ابن عمرو عن عبد الله بن السائب وعن المطلب بن ابى وديعة واحمد وابو داود عن عمران بن حصين نحوه ومسلم وابو داود والنسائي عن ابن عمر ونحوه والتتابع في الصيام مرغوب ولذا وجب في الكفارات مسئلة ولو نذر بالصلوة مطلقا يجب الصلاة قائما لان الأصل هو القيام ولو نذر بالصلوة قاعدا اجزأته قاعدا وقائما مسئلة ولو نذر بالصلوة على جنبه او مستلقيا يجب عليه الصلاة قاعدا او قائما لان الرقود في الصلاة لم يعرف في حالة الاختيار بخلاف القعود غير ان المريض الّذي لا يقدر على القعود لو نذر ان يصلى راقدا أجزأه ان يصلّى راقدا فان صح قبل أدائه لا يجزيه الا قائما مسئلة من نذر ان يصلى في المسجد الحرام حاز له ان يصلى في اى مكان شاء عند ابى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال زفر وبه قال ابو يوسف في إملائه انه من نذر ان يصلى في مسجد بيت المقدس فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم او في المسجد الحرام اجزأته ومن نذر ان يصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فان صلى في المسجد الحرام اجزأته وان صلى في غيره لم يجزه ومن نذر ان يصلى في المسجد الحرام لم يجزه ان صلى في غيره احتج ابو حنيفة بحديث جابر
بن عبد الله ان رجلا قال يوم الفتح يا رسول الله انى نذرت لله عز وجل ان فتح الله عليك ان أصلي في بيت المقدس ركعتين فقال صل هاهنا ثم أعاد عليه فقال صل هاهنا ثم أعاد عليه فقال شانك إذا رواه ابو داود والدارمي والطحاوي قال ابو
يوسف وزفر نحن نقول بهذا الحديث انه من نذر ان يصلى ببيت المقدس جاز له ان يصلى بالمسجد الحرام وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بالمسجد الحرام واما من نذر ان يصلى في المسجد الحرام فصلى في غير ذلك كيف يجوز وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة الرجل في بيته بصلوة وصلوته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلوة وصلوته في المسجد الّذي يجمع فيه بخمس مأته صلوة وصلوته في المسجد الأقصى بألف صلوة وصلوته في مسجدى بخمسين الف صلوة وصلوته في المسجد الحرام مأته الف صلوة رواه ابن ماجه من حديث انس وفي الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة في مسجدى خير من الف صلوة فيما سواه الا المسجد الحرام وروى الطحاوي عنه وعن سعد بن ابى وقاص وعن عائشة وعن ميمونة وعن ابى سعيد الخدري كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث الصحيحين عن ابى هريرة وروى الطحاوي عن عطاء ابن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة في مسجدى هذا أفضل من الف صلوة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام وصلوة في ذلك أفضل من مأته الف صلوة في هذا وعن عمر بن الخطاب موقوفا وعن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله فاجاب ابو حنيفة ان هذه الأحاديث مختصة بالمكتوبات فان فضل المكتوبات في المساجد على الترتيب المذكور حق وليس ذلك في النوافل حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل صلوة المرء في بيته الا الصلاة المكتوبة رواه الشيخان في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت وروى ابو داود والترمذي عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوة المرأ في بيته أفضل عن صلوته في مسجدى هذا الا المكتوبة وذكر الطحاوي حديث عبد الله بن سعد مرفوعا لان أصلي في بيتي أحب الى من ان أصلي في المسجد مسئلة من قال إذا قدم غابئى او شفى مريضى فلله على صوم شهر يجب عليه صيام شهر بعد وجود الشرط فلو صام عنه قبل وجود الشرط لم يجز ويجب عليه الاعادة خلافا للشافعى رح لان الشرط عندنا مانع من انعقاد السبب والأداء قبل وجود السبب لا يجوز وعنده مانع من الحكم دون السبب فيجوز الأداء كما يجوز الزكوة بعد النصاب قبل الحول مسئلة لو أضاف الوجوب الى الوقت جاز تقديمه على ذلك الوقت عند ابى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله خلافا لمحمد هو يقول الاضافة الى الوقت كالتعليق بالشرط وهما يقولان ليس كذلك بل هو إيجاب منجز مقيدا بقيد والقيود ملغاة كمن قال لله على ان أصلي في السوق
جاز أينما صلى فكذا من قال لله على ان أصوم رجب او أحج في السنة الثالثة من هذه السنة جاز له ان يصوم ويحج قبله او بعده وقال زفر ان كان الوقت الّذي أضاف اليه فاضلا شرعا فصام قبل ذلك الوقت في وقت اقل منه فضيلة لم يجزه بل يجب عليه الاعادة حتى يدرك فضيلة الوقت وان لم يكن كذلك أجزأه وهذا عندى اظهر فمن نذر بصوم يوم عرفة او يوم عاشوراء او تسع من ذى الحجة الى عرفة او شهر المحرم لا يجزيه ان صام قبل ذلك وكذا من نذر ان يصلى في جوف الليل لا يجزيه ان صلى في النهار قبله ولا بعده لان الحياة الى الليلة المقبلة غالب عادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة احتسب على الله ان يكفر السنة الّتي قبله والسنة الّتي بعده وصيام عاشورا انى احتسب على الله ان يكفر السنة الّتي قبله رواه مسلم وابن حبان والترمذي وابن ماجه من حديث ابى قتادة وروى ابن ماجه من حديث ابى سعيد الخدري عن قتادة بن نعمان نحوه وفي الباب حديث زيد بن أرقم وسهل بن سعد وابن عمر رواه الطبراني وحديث عائشة رواه احمد وقال الحافظ وفيه عن انس وغيره وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ايام العمل الصالح فيها أحب الى الله من هذه الأيام يعنى ايام التشريق من ذى الحجة قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله الا رجل
خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء رواه ابو داود من حديث ابن عباس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ايام أحب الى الله ان يتعبد له فيها من ايام العشر وان صيام يوم منها ليعدل سنة وليلة منها بليلة القدر رواه ابن ماجه من حديث ابى هريرة وهذا الحديث ضعيف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلوة الليل رواه مسلم واصحاب السنن الأربعة عن ابى هريرة والروياني في مسنده والطبراني عن جندب- مسئلة من نذر ان يحج ماشيا ذكر في المبسوط من مذهب ابى حنيفة انه مخير بين الركوب والمشي يعنى لا يجب عليه المشي وبه قال قوم وهذا القول مبنى على ما سبق انه من نذر بطاعة وشرط فيه ما ليس بطاعة لا يلزمه الشرط وفي القدورى واكثر المتون انه يمشى ولا يركب حتى يطوف طواف الزيارة واختلفوا في محل ابتداء المشي فقيل من الميقات لان شروع الحج من هناك والأصح انه من بيته لانه المراد عرفا الا ان ينوى خلاف ذلك فعليه مانوى قال صاحب الهداية هذا يعنى ما ذكر في القدورى اشارة الى وجوب المشي بالنذر قال الطحاوي وبه قال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد والحجة لاهل المقالة الاولى اما على من يقول الحج راكبا أفضل من الحج ماشيا فظاهر ان المنذور لا بد ان يكون عبادة وفي المشقى الاولى
واما على قول ابى حنيفة فالمشى مع القدرة وإن كان أفضل لكن من شرط المنذور عنده ان يكون من جنسه واجب بايجاب الله تعالى من الواجبات المقصودة وليس المشي كذلك ولهم من السنة حديث انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى بين ابنيه قال ما بال هذا قالوا نذر ان يمشى قال ان الله غنى عن تعذيب هذا نفسه وامره ان يركب متفق عليه وفي رواية لمسلم عن ابى هريرة قال اركب ايها الشيخ فان الله غنى عنك وعن نذرك وحديث عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي ان تمشى الى بيت الله فامرتنى ان استفتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لتمش ولتركب متفق عليه والحجة لاهل المقالة الثانية ان المشي عبادة مقصورة واجبة في طواف الزيارة عند ابى حنيفة رح كما سنذكر فيجب بالنذر والجواب عن استدلالهم بالسنة ان النبي صلى الله عليه وسلم انما امر بالركوب إذا رأى انه لا يطيق المشي كما هو صريح في حديث انس انه رأى شيخا يهادى بين ابنيه وكذا في قصة اخت عقبة مذكور في رواية ابى داود انها لا تطيق فثبت بهذين الحديثين انه جاز له الركوب إذا لم يطق المشي وذالا يدل على عدم الوجوب بل على جواز الركوب بعذر مسئلة فان ركب بعذر او بغير عذر لا يجب عليه إعادة الحج ماشيا اجماعا وكان مقتضى القياس على اصل ابى حنيفة ان لا يخرج عن عهدة منذر إذا ركب كما لو نذر بصيام ايام متتابعات وبالصلوة قائما لكنا تركنا القياس لثبوت الرخصة في الركوب بالنص فان قيل الأحاديث المذكورة انما توجب الرخصه لمن لا يطيق على المشي والمطيق على المشي ليس في معناه فلا بد ان لا يخرج المطيق على المشي من العهدة إذا ركب بغير عذر قلنا جوابه بوجهين أحدهما ان احكام الشرع عامة غالبا والغالب في الحج ان لا يطيق على المشي ولذلك قالت العلماء ان الزاد والراحلة في الحج من القدرة الممكنة دون الميسرة فقلنا بالرخصة يؤيد ما قلنا حديث عمران بن حصين قال ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة وقال ان من المثلة ان ينذر الرجل ان يحج ماشيا فمن نذر ان يحج ماشيا فليهد هديا وليركب رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه ثانيهما ان ترك الواجب بعذر او بغير عذر شانهما في اقتضاء القضاء واحد فان كان عبادة مستقلة يقضى ما ترك وان كان جزاء او شرطا او وصفا للعبادة لا يتصور قضاؤه بمثل معقول لعدم استقلاله ويتصور قضاؤه بمثل غير معقول كسجدة السهو قضاء لواجبات الصلاة لكن القضاء بمثل غير معقول لا يدرك بالرأى بل يتوقف على الشرع فان ظهر له من الشرع مثل غير معقول تقضى بتلك
المثل ولا يعاد العبادة والإيعاد تلك العبادة ولما لم يدرك للتتابع في الصيام والقيام
فى الصلاة مثل غير معقول حكمنا باعادة الصوم والصلاة وإذا عرف للمشى مثل غير معقول وهو الهدى لم يحكم باعادة الحج بل بالهدى والفرق بين المعذور وغير المعذور لا يظهر الا في الإثم ونظير ترك الوقوف بمزدلفة بلا عذر لا يجوز وبعذر يجوز وعلى كلا التقديرين يجب عليه الهدى والله اعلم- مسئلة من نذر ان يحج ماشيا فحج وترك المشي بعذر او بلا عذر يجب عليه بدنة وقال ابو حنيفة وصاحبيه لزم دم وأدناه شاة وإذا أراد بقوله لله على ان أحج ماشيا اليمين لزمه كفارة اليمين ايضا كذا ذكر الطحاوي وقول ابى حنيفة وصاحبيه وقيل لا يجب عليه الا كفارة يمين والحجة لوجوب الهدى بالركوب حديث عقبة بن عامر ان أخته نذرت ان يمشى الى البيت فامرها النبي صلى الله عليه وسلم ان تركب وتهدى هديا رواه ابو داؤد وسنده حجة وبهذا يظهر ان ما في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر فيه اختصار على ذكر بعض المروي والزيادة من الثقة مقبولة وهذا الحديث حجة لابى حنيفة في إيجاب مطلق الهدى ولو بشاة ولنا على تخصيص الهدى بالبدنة ما رواه ابو داؤد من حديث ابن عباس بلفظ ان اخت عقبة بن عامر نذرت ان تحج ماشية وانها لا تطيق ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم وان الله لغنى عن مشى أختك فلتركب ولتهد بدنة وما رواه الطحاوي من حديث عقبة بن عامر قال نذرت أختي ان تمشى الى الكعبة فقال ان الله لغنى عن مشيها مروها فلتركب ولتهد بدنة قلت وهذا حديث حسن لانه من رواية ابن ابى داؤد ثنا عيسى بن ابراهيم ثنا عبد العزيز بن مسلم ثنا مطر الوراق عن عكرمة عنه فان قيل عبد العزيز بن مسلم استجهل ومطرح الوراق قال ابن سعد فيه ضعف في الحديث قلنا قال الذهبي عبد العزيز معروف فلا يضر جهل من استجهل ومطر الوراق من رجال مسلم قال الذهبي ثقة وقال احمد وابن معين ضعيف في عطاء خاصة وهذا من رواية عكرمة قال ابن همام عمل ابو حنيفة بإطلاق الهدى من غير تعين بدنة لقوة رواتها قلنا قوة رواة الإطلاق ممنوع ولو سلمنا فالترجيح بالقوة انما يطلب عند التعارض ولا تعارض هاهنا بل مطلق ومقيد في حكم واحد في قضية واحدة فيحمل المطلق على المقيد البتة وما اخترت مروى عن على وغيره من الصحابة رضى الله عنهم والموقوف في الباب له حكم الرفع روى الشافعي إيراد عليه عن سعد بن ابى عروبة عن قتادة عن الحسن عن على في الرجل يحلف على المشي قال يمشى وان عجز ركب واهدى بدنة وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن على فيمن نذر ان يمشى الى البيت قال يمشى فان أعيى ركب واهدى جزورا واخرج نحوه عن ابن عمرو ابن عباس وقتادة والحسن مسئلة من قال على المشي الى بيت الله او الكعبة
ولم يذكر حجا ولا عمرة فعليه ان يحج او يعتمر ماشيا استحسانا وفي القياس لا شيء عليه وجه الاستحسان تعورف النسك بهذا اللفظ ولو قال على المشي الى الحرم لا شى عليه عند ابى حنيفة لعدم العرف في التزام النسك به وعند صاحبيه يلزمه النسك احتياطا واتفقوا على انه لو قال الى الصفا او المروة او عرفة او مزدلفة او منى او مقام ابراهيم لا يجب شيء وكذا لو قال مكان المشي غيره كقوله الذهاب الى بيت الله او الخروج او السفر لا يجب شيء والمدار على تعارف إيجاب النسك بلفظ دون لفظ ولو نوى بقوله على المشي الى بيت الله المشي الى مسجد المدينة او مسجد بيت المقدس او مسجد اخر لم يلزمه شيء لصحة اطلاق بيت الله على كل مسجد مسئلة من نذر بطاعة لزمه ذلك الطاعة وما يتوقف عليه ذلك فمن نذر ان يصلى ركعتين بلا وضوء او بلا قرأة او نذر ان يصلى ركعة واحدة او ثلث ركعات لزمه الركعتان بالوضوء والقراءة وفي ثلث واربع ركعات وقال محمد لا يصح النذر لو نذر الركعتين بلا وضوء لان الصلاة بلا وضوء ليست بطاعة بخلاف الصلاة بغير قرأة فانها قد تكون طاعة كصلوة الأمي
وفي غير ذلك قوله كقولنا وقال زفر يلزمه الركعتان ان نذر ثلثا ولا يلزمه شيء فيما سوى ذلك لان الصلاة بلا وضوء او بلا قراءة او ركعة منفردة او مع شفع يقدمها ليست بقربة فلا يجوز به النذر قلنا الالتزام بالشيء يستلزم استلزام ما لا صحة له الا به والله اعلم مسئلة من نذر ان يحج ماشيا فحج راكبا بعذر او بلا عذر واهدى بدنة هل يجب عليه الكفارة أم لا قال ابو حنيفة لا يجب عليه الكفارة الا إذا نوى به اليمين والخلاف في هذه المسألة مثل الخلاف في فوات اصل المنذور وقد مر من قبل مسئلة من نذر ان يعتكف قال ابو حنيفة ومالك يجب عليه ان يصوم ويعتكف وقال الشافعي واحمد لا يجب عليه الصوم ومبنى الخلاف على اختلافهم في انه بل يشترط الصوم للاعتكاف أم لا فقال الشافعي واحمد لا يشترط ويصح الاعتكاف بغير صوم وبالليل واقله ساعة وقال مالك يشترط وهو رواية عن احمد ورواية الحسن عن ابى حنيفة وفي الأصل مذهب ابى حنيفة ان الصوم شرط لصحة الواجب من الاعتكاف دون التطوع منه وبه قال محمد والحجة على اشتراط الصوم للاعتكاف ما رواه الدار قطنى والبيهقي عن سويد بن عبد العزيز عن سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا اعتكاف الا بصوم قال الدار قطنى تفرد به سويد عن سفيان وقال احمد سويد متروك الحديث وقال البخاري في حديثه نظر وقال يحيى ليس بشيء وسفيان قال يحيى لم يكن بالقوى وقال ابن حبان يروى عن الزهري المقلوبات قلت قال الذهبي صدوق
مشهور وقال بعضهم ليس به بأس الا في الزهري- اخرج له مسلم وذكر ابن همام قال في الكمال قال ابن حجر سألت عنه هشيما فاثنى عليه خيرا- فالحديث لم يصح لاجل سويد وسفيان إذ هو من رواية الزهري وهو في الزهري ضعيف وما رواه ابو داود عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت السنة على المعتكف ان لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امراة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة الّا لما لا بد منها ولا اعتكاف الا بصوم ولا اعتكاف الا في مسجد جامع- فان قيل قال ابو داؤد غير عبد الرحمن ابن اسحق لا يقول فيه السنة فالحديث موقوف فقال الدار قطنى عبد الرحمن ضعيف- وأجيب بان الرفع زيادة وعبد الرحمن ثقة الا انه قدرى كذا قال ابو داود ووثقه ابن معين وقال احمد صالح الحديث واخرج له مسلم- قلت هذا الحديث لا يصلح للاحتجاج لان كلمة لا اعتكاف الظاهر انه ليس تحت قوله السنة على المعتكف ان لا يعود لتغير نسق الكلام واو سلمنا فكون الصوم سنة في الاعتكاف لانزاع فيه- انما الخلاف في كونه شرطا وهذا امر لا بد له من دليل وروى هذا الحديث ابن الجوزي في التحقيق من طريق الدار قطنى عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الا واخر من رمضان وان السنة للمعتكف ان لا يخرج الا لحاجة الإنسان ولا يتبع الجنازة ولا يعود مريضا ولا يمس امراة ولا يباشرها ولا اعتكاف الا في مسجد جماعة ويأمر من اعتكف ان يصوم واعترض عليه ابن الجزري بان فيه ابراهيم بن محسر قال ابن عدى له أحاديث مناكير وقال الدار قطنى يقال ان قوله ان السنة للمعتكف إلخ ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام الزهري ومن أدرجه في الحديث فقدوهم ومن الحجة في الباب ما رواه ابو داود عن عبد الرحمن بن بديل عن عمرو بن دينار ان عمر جعل عليه ان يعتكف في الجاهلية ليلة او يوما عند الكعبة فسال النبي صلى الله عليه وسلم فقال اعتكف وصم- وفي لفظ للنسائى امره ان يعتكف ويصوم- قال الدار قطنى تفرد به ابن بديل وهو ضعيف ورواه نافع عن ابن عمر ولم يذكر فيه الصوم وهو أصح وقال سمعت أبا بكر النيسابورى يقول هذا حديث منكر لان الثقات من اصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه منهم ابن جريح وابن
عليينة وحماد بن سلمة وغيرهم وما قال ابن همام ان ابن بديل ثقة قال فيه ابن معين صالح وذكره ابن حبان في الثقات- قلت لم يذكر الذهبي في ترثيقه شيئا بل قال
فيه امّه ضعيف ثم لو ثبت الأمر بالصوم تحمله على ان عمر كان قد نذر بالاعتكاف والصوم جميعا وسال عنهما فبسقط ذكر الصوم من الراوي في رواية السؤال كما سقط ذكر الصوم عن الجواب في اكثر الطرق وأصحها- وما رواه الدار قطنى بسنده عن سعيد بن بشير عن عبد الله «1» بن عمر عن نافع عن ابن عمر ان عمر نذر ان يعتكف في الشرك ويصوم فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه فقال أوف بنذرك- قال قيل قال عبد الحق تفرد به سعيد بن بشير قال ابن الجوزي قال يحيى وابن نمير ليس بشيء قلنا قال الحافظ هو مختلف فيه وقال الذهبي سعيد بن بشير صاحب قتادة وثقة شعبة وقال البخاري يتكلم في حفظه وقيل كان قدريّا قلت ولا شك ان سعيد بن بشير ليس أضعف من ابن بديل- واحتج الشافعي واحمد بحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على المعتكف صيام الا ان يجعله على نفسه- رواه الحاكم وصححه ولم يطعن فيه ابن الجوزي واحتج البخاري بحديث ابن عمر ان عمر سال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فاوف بنذرك- متفق عليه وجه الاستدلال ان الليل ليس وقتا للصوم واعترض عليه بين في رواية شعبة عن عبيد الله عند مسلم يوما بدل ليلة- فجمع ابن حبان وغيره بين الروايتين بانه ندر اعتكاف يوم وليلة فمن اطلق يوما أراد بليلتها ومن اطلق ليلة أراد بيومها- وأجيب بان رواية من روى يوما شاذ او نقول لما نذر اعتكاف يوم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم دل على ان الصوم ليس بشرط- ومن الحجة في الباب حديث عبد الله بن أنيس قال قلت يا رسول الله ان لى بادية أكون فيها وانا أصلي فيها بحمد الله فمرنى بليلة أنزلها الى هذا المسجد فقال انزل ليلة ثلاث وعشرين فقيل لابنه كيف كان أبوك يصنع قال كان يدخل المسجد أصلي العصر فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلى الصبح فاذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها ولحق بباديته- رواه ابو داود وهذا صريح في جواز الاعتكاف ليلا- لا يقال لا نسميه اعتكافا لانا نقول لا مشاحة لنا في الاصطلاح بعد ما ثبت- ان اللبث في المسجد بنية التقرب طاعة والطاعة تجب بالنذر مسئلة من نذر ان يعتكف رمضان لزمه ولا يلغو اشتراط رمضان لما ثبت ان الطاعة في رمضان اكثر ثوابا من الطاعة في غيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تقرب فيه اى
(1) كذا في الأصل وفي شرح معانى الدار للطحاوى عبد الله بن عمر إلخ 12- الفقير الدهلوي-
فى رمضان خصلة من الخير كان كمن ادى فريضة فيما سواه ومن ادى فريضة فيه كان كمن ادى سبعين فريضة فيما سواه- رواه البيهقي في شعب الايمان في حديث طويل عن سلمان الفارسي «1» فان أطلقه فعليه ان يعتكف في اى رمضان شاء وان علية لزمه فيه- كذا قال ابن همام لكن هذا لا يوافق ما مر ان كل شرط لا مزية فيه من حيت الطاعة لا يلزمه ولا مزية لرمضان على رمضان اخر فاولى ان يقال ان عيّن أول رمضان أدركه لزمه ذلك لان الاستعجال في الطاعة طاعة قال الله تعالى يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ- وان عين رمضان اخر فادى في أول رمضان أدركه ينبغى ان يجزيه بل الظاهر انه يلزمه الأداء في أول رمضان أدركه لان الحيوة الى رمضان ثان غير غالب الوقوع عادة (مسئلة) فان صام رمضان عينه للاعتكاف ولم يعتكف لزمه قضاؤه بصوم مقصود للنذر عند ابى حنيفة ومحمد وهو احدى الروايتين عن ابى يوسف وعن ابى يوسف انه لا يقضى أصلا وهو قول زفر لان الاعتكاف في رمضان أفضل من الاعتكاف في غيره فلا يتادى بالاعتكاف في غيره كمن نذر ان يصلى قائما او يصوم متتابعا فصلى قاعدا او صام متفرقا لا يجزيه فتعذر للقضاء فسقط قلنا كان عليه ان يعتكف في رمضان فلما فات ذلك بقي عليه مطلق الاعتكاف لامكان التدارك وسقط عنه فضل الوقت لعدم إمكان التدارك- والحيوة الى رمضان اخر غير متيقن بل غير مظنون لطول الزمان- فصار المسألة كمن فاته صلوة الوقت او صوم رمضان وجب بنيه قضاء اصل الصلاة والصوم لامكان التدارك وسقط عنه فضل الوقت لعدم إمكان التدارك- بخلاف من صلّى قاعدا وكان قد نذر الصلاة قائما حيث يحكم بالاعادة لامكان التدارك- فان قيل لما فات الاعتكاف في رمضان كان ينبغى ان يحكم بوجوب قضائه في رمضان اخر وإذا لم يحكم بذلك لاحتمال للموت قبل ذلك وحكمتم بوجوب القضاء بعد رمضان بصوم مقصود فاذا اعتكف قضاء بعد رمضان بصوم مقصود ثم أدرك رمضان»
اخر ينبغى ان يحكم بوجوب الاعادة- كمن وجب عليه الحج ولم يحج وعجز عن الحج فاحج عنه غير ثم قدر على الحج بنفسه بطل حينئذ احجاج الغير ولزمه ان يحج بنفسه- قلنا قال ابو حنيفة ان اشتراط الصوم للاعتكاف ثبت بالنص كما ذكرنا فكان القياس ان لا يتادى الاعتكاف المنذور في رمضان أصلا لانه إذا وجب الاعتكاف بالنذر وجب الصوم مقصودا ايضا شرطا له والصوم المنذور مقصودا لا يتادى في رمضان لكون الوقت مشغولا بحق الله تعالى فلا يتأدى
(1) وفي الأصل سلمان القاري وهو تصحيف- الفقير الدهلوي-
(2)
وفي الأصل رمضانا آخر.
الاعتكاف ايضا- لكنا جوزنا الاعتكاف في رمضان ضرورة ادراك فضل الوقت- فاذا فات عنه فضل الوقت عاد الحكم الى الأصل ووجب الصوم للاعتكاف مقصودا- ثم إذا أدرك رمضان من قابل لا يسقط ما وجب مقصودا فلا يتادى ذلك الاعتكاف في رمضان اخر أصلا للزوم الصوم المقصود والله اعلم ولاجل ذلك لا يجوز عند ابى حنيفة وصاحبيه ان يقضى اعتكاف رمضان في رمضان اخر لكن لو لم يصم في رمضان ولم يعتكف جاز ان يعتكف في صيام القضاء وكان مقتضى القياس على ما ذكرنا ان لا يتادى بعد رمضان الا بصوم مقصود لفوات فضل الوقت والله اعلم وما ذكرنا من قول ابى حنيفة مبنى على اشتراط الصوم للاعتكاف عنده فمن لم يقل باشتراط الصوم جاز عنده ان يقضى بعد رمضان بلا صوم- او في رمضان اخر ان أدرك او في صيام القضاء او الكفارة او غير ذلك ثم إذا قضى بعد رمضان بلا صوم او بصوم ثم أدرك رمضان اخر لا تجب عليه الا عادة كمن فاته صلوة وقتية وهو واجد للماء فقضاه بعد الوقت بالتيمم ثم وجد الماء او صلى عاريا ثم وجد الثوب (مسئلة) من نذر بطاعة في حالة الكفر ثم اسلم قال مالك واحمد يجب عليه الوفاء لما مر من ان عمر بن الخطاب نذر في الجاهلية بالاعتكاف فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أوف بنذرك- وقال ابو حنيفة والشافعي لا يجب عليه الوفاء لان الكافر ليس أهلا للطاعة وطاعته معصية لعدم الإخلاص والنذر بالمعصية لا يجب الوفاء به- وإذا علمنا من ضرورات الدين ان الكافر ليس أهلا للعبادة نحمل حديث عمر طى ان إيفاء النذر وان لم يكن واجبا عليه لكنه لمّا رغب في الاعتكاف بعد الإسلام امره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ابتداء لا قضاء لما كان واجبا عليه (مسئلة) من نذر بطاعة ثم ارتد (والعياذ بالله منه) ثم اسلم لا يلزمه موجب النذر عند ابى حنيفة رحمه الله لان نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر القرب فلا يترتب عليه موجبه (مسئلة) من نذر صوم الابد فضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة له ان يفطر ويعلم لكل يوم نصف صاع من بر كذا في الفتاوى الكبرى وكذا قال ابن همام وقال فان لم يقدر
على الإطعام لعسرته يستغفر الله ويستقيله- والفتوى على انه من نذر بصوم الابد ان شاء صام وان شاء كفر كذا في فتاوى الحجة- وكذا الخلاف فيمن نذر اى نذر يشق عليه ولم يطق- والحجة على اجزاء الكفارة قوله صلى الله عليه وسلم من نذر نذر الا يطيقه فكفارته كفارة يمين وقد مر فيما سبق من حديث ابن عباس- (مسئلة) من نذر عشر حجج او مائة حجة اختلف فيه هل يلزمه كلها فيلزمه الإيصاء بها او يلزمه قدر ما عاش ففى الخلاصة نص على لزوم الكل وذكر غيره عن ابى يوسف ومحمد الثاني واختاره السرخسي- ولو قال عشر حجج في هذه السنة لزمه عشر في عشر سنين على رواية اختارها السرخسي ولزمه الكل في الحال على رواية الخلاصة- فان أحج عنه عشرة رجال أجزأه ان مات قبل ادراك السنين وان بقي حيّا فكلّما أدرك وقت الحج من كل سنة يجب عليه ان يحج بنفسه ويبطل حينئذ احجاج غيره عنه لانه قدر بنفسه فظهر عدم صحة احجاجهم فان لم يطق ان يحج كل سنة فالخلاف في اجزاء الكفارة ما سبق والله اعلم (مسئلة) من قال انا أحج لا حج عليه لانه وعد وليس بنذر لكن يندب الوفاء بالوعد مسئلة ان قال ان ما فانى الله من مرضى فعلى ان أحج لزمه حج غير حجة الإسلام فاذا حج ولم ينو شيئا وقع عن حجة الإسلام ثم إذا حج في السنة الثانية ولا نية له فقيل هى تطوع ولا بد للمنذور من تعيين النية- مسئلة من قال على حجة ان شاء فلان لزمه ان شاء فلان ولا يقتصر مشيته على مجلس بلوغه الخبر- بخلاف تعليق الطلاق بمشيته لان الطلاق يقبل التمليك والتمليك يستدعى جوابا في المجلس وهذا شرط محض (مسئلة) من نذر ان يتصدق بجميع ماله لزمه التصدق بجميع ما يجب فيه الزكوة استحسانا لان إيجاب العبد معتبر بايجاب الله تعالى- فيصرف إيجابه الى إيجاب ما أوجب الشرع فيه الصدقة من المال- ولان الظاهر التزام الصدقة من فاضل ماله وهو مال الزكوة بخلاف الوصية فانها تقع
في حالة الاستغناء- ومن نذر ان يتصدق بملكه لزمه ان يتصدق بالجميع عند ابى حنيفة وصاحبيه كذا في الهداية- وقال احمد وزفر والشافعي يجب التصدق بالجميع في الصورتين- وقال مالك يلزمه في الصورتين ان يتصدق بثلث ما يملكه لحديث ابى لبابه انه قال
النبي صلى الله عليه وسلم ان من توبتى ان اهجر دار قومى الّتي أصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى كله صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزى عنك الثلث- رواه رزين- قلنا هذا الحديث لا دلالة له على انه كان نذر يتصدق جميع ماله بل أراد الصدقة فاشار اليه النبي صلى الله عليه وسلم ان يتصدق بالثلث كيلا يفوت حقوق الناس الّتي عليه الا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الثلث في حديث كعب بن مالك رواه الشيخان في الصحيحين انه قال قلت يا رسول الله ان من توبتى ان انخلع من مالى صدقة الى الله والى رسوله- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسك بعض مالك فهو خير لك قال قلت فانى امسك سهمى الّذي بخيبر مسئلة لو قال مالى صدقة في المساكين لا يدخل ماله ديون على الناس مسئلة من نذر ان يتصدق بجميع ما هو ملكه في الحال وما يملكه في الاستقبال يمسك نفقة نفسه وزوجته ومن وجب عليه نفقته كما ان من نذر بصوم الابد لا يجب عليه الفدية بدلا من صوم رمضان لانه مشغول بحق الغير- فمن شق عليه ذلك كفّر على ما ذكرنا فيمن شق عليه المنذور (مسئلة) من قال لله علىّ ان اذبح شاة او بقرة او بعيرا او قال ان شفى مريضى فعلىّ ان اذبح يجب عليه ذلك حالا في التنجيز وعند وجود الشرط في التعليق وجاز له ان يذبح حيث شاء ويتصدق بلحمه على الفقراء وفي نوادر ابن سماعة لا شيء عليه ان قال لله علىّ ان اذبح ولم يقل صدقة- قلنا انه التزم بمال من جنسه واجب الا ان يقصد نفس الذبح- ولو قال لله علىّ هدى يجب عليه ما يجزى في الاضحية من الضأن والمعز او الإبل او البقر الا ان ينوى بعيرا او بقرة فليزمه ذلك وان لا يذبح الا في الحرم- فان كان في ايام النحر فالسنة ان يذبح بمنى والا ففى مكة- وجاز له ان يذبح حيث شاء من ارض الحرم- ولو قال علىّ ان اهدى جزورا تعيّن الإبل والحرم- ولو قال علىّ جزورا ولم يذكر الهدى جاز في غير الحرم- ولو قال بدنة ولم يذكر الهدى فعن ابى يوسف انه يتعين الحرم لان اسم البدن لا يذكر في مشهور الاستعمال الا في معنى المهداة ولو صرح بالهدى يتعين بالحرم فكذا البدنة- وعند ابى حنيفة في البدنة لا يشترط الحرم الا ان يزيد فيقول بدنة من شعائر الله- فاذا ذبح الهدى في الحرم يتصدق بلحمه على مساكين الحرم وان تصدق على غيرهم جاز ايضا وهل يجوز التصدق
بالقيمة في الحرم في نذر الهدى- ففى رواية ابى سليمان يجوز ان يهدى قيمتها اعتبار بالزكاة- وفي رواية ابى حفص لا يجوز لان في اسم الهدى زيادة على مجرد اسم الشاة وهو الذبح فالقرية فيه يتعلق بالذبح- ثم التصدق بعد ذلك تبع بخلاف الزكوة فان القربة فيه التصدق بالشاة وهو ثابت في القيمة- (مسئلة) من نذر شاة واهدى مكانها جزورا فقد احسن- وليس هذا من القيمة لثبوت الاراقة في البدل الأعلى كالاصل- ولو قال الله علىّ ان اهدى شاتين فاهدى شاة تساوى اربع شياه في القيمة لم يجزه الا من شاة واحدة مسئلة لو قال لله علىّ ان اهدى هذه الشاة لزمته فان سرقت او ماتت لا يلزم غيرها- وكذا لو قال لله علىّ ان أتصدق بهذه الدراهم فهلكت قبل ان يتصدق بها لم يلزمه شيء غيرها ولو لم تهلك وتصدق بمثلها جاز- ولو نذر ان يتصدق بخبز كذا فتصدق بقيمته جاز مسئلة ولو قال لله علىّ ان اهدى ثوبا فاعطاه لحجبة البيت جاز ان كانوا فقراء والا فلا- ولو جعل الثوب لباسا للبيت لم يجزه (مسئلة) قوله هذه الشاة هدى الى البيت او الى مكة او الى الكعبة فوجب والى الحرم او الى المسجد الحرام غير موجب عنده وموجب عندهما والى الصفا غير موجب اتفاقا- فان قيل مجرد ذكر الهدى موجب فزيادة ذكر الحرم او الصفاء
لا يرفع الوجوب بعد الثبوت قلنا إذا ذكر الهدى مطلقا يعتبر هناك ذكر البيت او مكة مقدرا فيوجب وإذا نص على المسجد او الحرم تعذر الإضمار فلا يوجب مسئلة لو قال ثوبى هذا ستر للبيت او اضرب به حطيم البيت يلزمه استحسانا لانه يراد بهذا اللفظ هدية عرفا مسئلة من قال ان اشتريت هذه الشاة (وأشار الى شاة مملوكة لغيره) فعلىّ ان اهدى الى الكعبة قال الشافعي لا يلزمه الوفاء لان التعليق عنده يمنع الحكم دون السبب عن الانعقاد- فعند انعقاد السبب الشاة مملوكة لغيره فيلغو النذر بها لقوله صلى الله عليه وسلم لا نذر فيما لا يملكه ابن آدم- وعند ابى حنيفة يلزم لان التعليق عنده يمنغ السبب عن الانعقاد وانما ينعقد بعد وجود الشرط يعنى بعد الشراء فلا يلغوا (مسئلة) من قال لله علىّ ان اذبح نفسى او ولدي او عبدى يلزمه شاة استحسانا عند
ابى حنيفة رحمه الله ولو كان له أولاد لزمه زمان مكان كل واحد شاة وعند محمد يلزمه الشاة في الولد دون العبد والنفس وعند ابى يوسف لا يلزمه شيء في واحد منها وهو القياس لانه نذر بالمعصية- وجه الاستحسان ان الله سبحانه أوجب شاة بدلا من اسمعيل عليه السلام حين وجب على ابراهيم ذبحه- ولمّا كان قتل النفس او الولد حقيقة مهجورا شرعا لكونه معصية جعلنا إيجابه على نفسه مجازا عن إيجاب بدله عليه- كذا روى عن محمد بن المنتشر انه قال ان رجلا نذر ان ينحر نفسه ان نجاه الله من عدوه فسأل ابن عباس فقال سل مسروقا فساله فقال له لا تنحر نفسك فانّك ان كنت مومنا قتلت نفسا مومنة وان كنت كافرا تعجلت الى النار فاشتر كيشا فاذبحه للمساكين فان اسحق خير منك فدى بكبش- فاخبر ابن عباس فقال هكذا كنت أردت ان أفتيك رواه ابن رزين مسئلة من قال كل منفعة تصل الى من مالك فعلىّ ان أتصدق بها لزمه ان يتصدق بكل ما ملكه- لا بما اباحه له كطعام اذن ان يأكله مسئلة لو قال ان فعلت كذا فكل ما أكلت فعلىّ ان أتصدق فعليه عند وجود الشرط بكل لقمة درهم لان كل لقمة أكلة ولو قال كلما شربت فانما يلزمه بكل نفس لا بكل مصة (مسئلة) من قال لله علىّ ان أصوم اليوم الّذي يقدم فيه زيد شكر الله وأراد به اليمين فقدم فلان في يوم رمضان- كان عليه كفارة يمين ولا قضاء عليه لانه لم يوجد شرط البر وهو الصوم بنية الشكر- ولو قدم قبل ان ينوى الصوم فنوى به الشكر لا عن رمضان برّ بالنية وأجزأه عن رمضان ولا قضاء عليه- وان لم يرد به اليمين لا شى عليه لان رمضان مشغول بحق الله تعالى فلا يجب فيه صوم النذر مسئلة إذا نذر المريض صوم شهر ومات قبل الصحة لا شيء عليه مسئلة من نذر صوم هذا اليوم او يوم كذا من شهر او سنة لزمه ما تكرر في الشهر والسنة مسئلة ولو نذر صوم يوم الاثنين والخميس فصام ذلك مرة كفاه الا ان ينوى الابد مسئلة النذر إذا جرى على لسانه بغير قصد لزمه الوفاء لانه إنشاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد وقد مرّ مسئلة من قال الله علىّ صوم هذه السنة قيل لزمه ان يصوم اثنى عشر شهرا من وقت النذر- وفي فتاوى قاضى خان والخلاصة ان السنة مبداها المحرم وآخرها ذو الحجة فاذا أشار الى السنة الّتي هو فيها لزمه
صوم ما بقي من السنة الى اخر ذى الحجة ويلغو في حق ما مضى كما يلغو قوله لله علىّ ان أصوم أمس- وكذا من قال لله علىّ صوم هذا الشهر لزمه صوم ما بقي من الشهر الّذي هو فيه مسئلة من قال لله علىّ صوم أمس اليوم او اليوم أمس لزمه صوم اليوم ولا يلزمه قضاء أمس مسئلة من نذر صوم السنة يجب عليه ان يفطر الأيام المنهية- وكذا المرأة تفطر ايام حيضها وتقضى «1» - وقال زفر لاقضاء عليه وعليها- فان صامها «2» اثم وسقط عنه القضاء مسئلة من قالت لله علىّ ان أصوم ايام حيضتى لا يصح النذر ولا يجب عليها القضاء لانها اضافت الى وقت غير صالح للصوم كمن قال علىّ ان أصوم ليلة كذا وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) قال البغوي قال ابن عباس والزبير ومجاهد وقتادة سمى عتيقا لان الله تعالى اعتقه
من أيدي الجبابرة الى تخريبه فلم يظهر عليه جبار قط- اخرج الترمذي وحسّنه عن ابن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما سمى البيت العتيق لانه لم يظهر عليه جبار لكن يردّ هذا القول حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة- متفق عليه- وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانى به اسود افحج يقلعها حجرا حجرا- رواه البخاري وحديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتركوا الحبشة ما تركوكم فانه لا يستخرج كنز الكعبة الا ذو السويقتين من الحبشة رواه ابو داود والحاكم وصححه- فان هذه الأحاديث تدل على تسلط جبار عليه في المستقبل- وذلك ينافى كونه عتيقا بهذا المعنى- وقيل سمى عتيقا لان الله اعتقه من الغرق فانه رفع ايام الطوفان- وقال ابن زيد والحسن سمى عتيقا لانه قديم وهو اوّل بيت وضع للنّاس يقال دينار عتيق اى قديم وقيل العتيق بمعنى الكريم يقال عتاق الخيل لكرامها- وعتق الرقيق خروجه من ذلّ العبودية الى كرم الحرية- والمختار عندى قول سفيان بن عيينة انه سمى عتيقا لانه غير مملوك لبشر ولم يملك قط بل لم يملك ما حوله من الحرم سواء العاكف فيه والباد- اعلم ان الطواف بالبيت عبادة معقولة مقصودة كالصلوة- منها ما هو فريضة ركن للحج والعمرة ومنها ما هو واجب كطواف القدوم والصدر على ما نذكر فيه من الاختلاف
(1) وكذا يقضيان الأيام المنهية إذا أفطرا 12 الفقير الدهلوي.
(2)
الاولى فان صاماها لذا. الفقير الدهلوي.
وما سوى ذلك تطوع غير موقت بوقت- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنى عبد مناف من ولى منكم في امور الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بالبيت وصلى أيّة ساعة شاء من ليل او نهار رواه الشافعي واحمد واصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والدار قطنى والحاكم من حديث ابى الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم وصححه الترمذي ورواه الدار قطنى من وجهين آخرين عن نافع بن جبير عن أبيه ومن طريقين آخرين عن جابر وهو معلول ورواه الدار قطنى ايضا عن ابن عباس ورواه ابو نعيم في تاريخ أصبهان والخطيب في التلخيص من طريق عامر بن عبيدة عن ابى الزبير عن على بن عبد الله بن عباس عن أبيه وهو معلول ورواه ابن عدى من طريق سعيد بن راشد عن عطاء عن ابى هريرة (مسئلة) وطواف التطوع يكون واجبا بالنذر كالصلوة- والمراد بهذه الاية طواف الزيارة في الحج اجماعا وهو ركن من اركان الحج اجماعا- وليس «1» شيء من الاطوفة ركنا من الحج سوى طواف الزيارة مسئلة واما طواف القدوم فهو سنة عند ابى حنيفة والشافعي واحمد- وعند مالك واجب وبه قال ابو الثور من الشافعية يجب الدم بتركه ولا يفوت بفواته الحج اجماعا- عن عروة بن الزبير قال قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرتنى عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأبه حين قدم مكة انه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم يكن عمرة ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم عمر ثم عثمان مثل ذلك- متفق عليه وعن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاق في الحج والعمرة أول ما يقدم اسبعى ثلاثة أطوف ومشى اربعة ثم سجد سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة متفق عليه- احتج مالك بحديث عروة بن الزبير على ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا بالحج لقوله ثم لم يكن عمرة وعلى وجوب طواف القدوم- بالحديثين المذكورين لانه صلى الله عليه وسلم أول ما قدم طاف طواف القدوم- وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال خذوا عنى مناسككم فصار واجبا- وبأن السعى بين الصفا والمروة جائز بعد طواف القدوم اجماعا مع ان السعى بين الصفا والمروة واجب اجماعا- وتقدم الطواف على السعى شرط الجواز السعى اجماعا والواجب لا يتبع التطوع- ولهذا لا يجوز لملكى ان يسعى بين الصفا والمروة الا بعد طواف الزيارة- إذ ليس عليه طواف القدوم ولا يجوز له السعى بعد طواف ناف فان قلت قد دل كثير من الأحاديث الصحيحة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا لحديث
(1) فى الأصل ل؟؟؟ إلخ الفقير الدهلوي.
انس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى بالحج والعمرة يقول لبيك عمرة وحجّا متفق عليه وحديث عمران بن حصين انه صلى الله عليه وسلم جمع بين حجته وعمرته- وحديث ابن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة الى الحج وهدى فساق معه الهدى الحديث- متفق عليه وبهذا الحديث ونحوه قال احمد بن حنبل انه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا- قلنا المراد بالتمتع في هذا الحديث هو القران- فان التمتع بالعمرة الى الحج يشتمل لغة من اتى بهما جميعا في عام واحد في أشهر الحج سواء اتى بهما بإحرام واحد او بإحرامين كما أريد بقوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ- واطلاق التمتع على ما يقابل القران اصطلاح جديد للفقهاء- وما ذكرنا من الحديثين وغيرهما صريحة في انه صلى الله عليه وسلم اهل بهما جميعا- ثم اختلف الناس انه صلى الله عليه وسلم حين دخل المكة هل طاف طوافا واحدا- أم طاف طوافين أحدهما للقدوم وثانيهما للعمرة- فالجمهور على انه صلى الله عليه وسلم انه أطاف حين قدومه طوافا واحدا وقال ابو حنيفة طاف طوافين احتج الجمهور بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وطاف وسعى بين الصفا والمروة ولم يقرب الكعبة لطوافه بها حتى رجع من عرفة وحديث ابن عمر انه أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل ان الناس كائن بينهم وانا لخاف ان يصدون- فقال لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ اذن اصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم انى أشهدكم انى قد أوجبت عمرة- ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء فقال ما شأن الحج والعمرة الا واحدا أشهدكم انى أوجبت حجا مع عمرتى واهدى هديا اشتراه بقديد- فلم ينحر ولم يحل من شيء يحرم منه ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر وحلق وراى انه قد قضى الحج والعمرة بطوافه الاول قال ابن عمرو كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وفي رواية قال الراوي في اخر الحديث كان يقول ابن عمر من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد لم يحل حتى يحل منهما جميعا- وفي رواية لمسام حتى إذا جاء البيت فطاف سبعا وسعى بين الصفا والمروة سبعا لم يزد عليه وراى انه مجزى عنه-
واحتجت الحنفية بحديث علىّ انه جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وقال هكذا رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل- رواه الدار قطنى والنسائي بطرق ورواه محمد في كتاب الآثار عن ابى حنيفة بسنده عن على موقوفا انه قال إذا أهللت بالحج والعمرة فطف لهما طوافين واسبع لهما سعيين بين الصفا والمروة- وروى الطحاوي بسنده عن على وابن مسعود قال القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين قال الحافظ ما روى عن علىّ وابن مسعود طرقه ضعيفة مرفوعا- لكن روى الطحاوي وغيره موقوفا عن علىّ وابن مسعود بأسانيد لا بأس بها إذا اجتمعت- قلت هذا الحديث لو ثبت لا يدل على انه صلى الله عليه وسلم طاف حين قدومه بمكة قبل رواحه الى منى طوافين طوافا للعمرة وطوافا للقدوم بل معنى هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم طاف لعمرته وسعى لها وذلك قبل رواحه الى منى وطاف للحج يوم النحر وسعى له- وكذا معنى حديث عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم طاف طوافين وسعى سعين رواه الدار قطنى ولم يرو عنه صلى الله عليه وسلم في شيء من الأحاديث الصحيحة ولا الضعيفة انه طاف للقدوم بعد طواف حمرته الا ما في مسند ابى حنيفة عن الضبي بن معبد قال أقبلت من الجزيرة حاجّا قارنا فمررت بسليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان فسمعانى أقول لبيك بحجة وعمرة معا فقال أحدهما هذا اضلّ من بعيره وقال الاخر هذا أضل من كذا وكذا- فمضيت حتى قضيت نسكى ومررت بامير المؤمنين عمر فساقه الى ان قال فيه- قال يعنى عمر له فصنعت ماذا قال مضيت فطفت طوافا لعمرتى وسعيت لعمرتى ثم عدت ففعلت مثل ذلك
لحجى ثم بقيت حراما ما أقمنا اصنع كما يصنع الحاج حتى قضيت اخر نسكى- قال هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ومسند الامام ابى حنيفة بين جامعه وبين الامام رجال لا يعرف حالهم فاحاديث المسند لا يصلح ان يعارض ما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس انه لم يقرب بطوافه بها حتى رجع من عرفة والله اعلم ولما ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا ولم يطف حين قدومه سوى طواف العمرة- ظهر ان طواف القدوم ليس ركنا من اركان الحج ولا واجبا مستقلّا برأسه بل هو سنة مثل ركعتى تحية المسجد يتادى في ضمن واجب او سنة اخر- الا ترى انه من اتى المسجد وصلى فريضة او سنة موكدة
حين دخول المسجد اجزأته عن تحية المسجد فالنبى صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة وطاف للعمرة اجزأته عن طواف القدوم- (مسئلة) واما طواف الصدر فهو ايضا ليس بركن اجماعا بل هو واجب عند ابى حنيفة واحمد وهى رواية عن الشافعي لكن عند ابى حنيفة رحمه الله هو من واجبات الحج- فمن طاف للوداع ثم اتفق له المقام بمكة ثم خرج بعد زمان لا يجب عليه الا عادة- وقال محمد هو واجب برأسه على من يريد ان يخرج من مكة مسافرا ففى الصورة المذكورة يجب عليه إعادة الطواف عنده وسنة عند مالك وهو أحد قولى الشافعي ويسقط بعذر الحيض والإحصار اجماعا- لنا حديث ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه لا ينفر أحد حتى يكون اخر عهده بالبيت رواه احمد ورواه الدار قطنى بلفظ كان الناس ينفرون من منى الى وجوههم فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكون اخر عهدهم بالبيت ورخص الحائض ورواه مسلم بلفظ لا ينفر أحدكم حتى يكون اخر عهده بالبيت- وفي المتفق عليه بلفظ امر الناس ان يكون اخر عهدهم بالبيت الا انه خفف عن الحائض وحديث ابن عمر قال من حج البيت فليكن اخر عهده بالبيت الطواف الا الحيض رخص لهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح وحديث عبد الله بن أوس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من حج هذا البيت او اعتمر فليكن اخر عهده بالبيت- رواه الترمذي احتج ابو حنيفة بهذا الحديث انه من واجبات الحج لقوله صلى الله عليه وسلم من حج البيت إلخ حيث جعل الطواف من واجبات الحج- قلت فعلى هذا يلزم ان يكون من واجبات العمرة ايضا ولم يقل به أحد- ولاحمد عموم قوله صلى الله عليه وسلم لا ينفر أحد حتى يكون اخر عهده بالبيت ولا يلزم على اصل ابى حنيفة حمل المطلق على المقيد لكون التقييد داخلا على السبب كما في قوله صلى الله عليه وسلم أدوا عن كل حر وعبد وقوله عليه السلام أدوا عن كل حر وعيد من المسلمين- بل يقال النفور مطلقا سبب للطواف والنفور عن الحج ايضا سبب ولا منافاة بينهما والله اعلم فصل وللطواف بالبيت شرائط واركان وواجبات وسنن وآداب اما الشرائط
فمنها النية فانها شرط لكل عبادة مقصودة بالنصوص والإجماع لكن يكفى لطواف الزيارة نية مطلق الطواف ولا يشترط تعين نية الفرض- فان قيل طواف الزيارة ركن من اركان الحج كالوقوف بعرفة وليست النية شرطا للوقوف حتى من وقف بعرفة نائما او مغى عليه او وقف على جبال ولم يعرف اىّ منها العرفة يجزيه- قال عروة بن مضرس جئت يا رسول الله من جبل طيء أكللت مطيتى وأتعبت نفسى والله ما تركت من جبل الا وقفت عليه فهل لى من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك معنا لهذه الصلاة يعنى صلوة الصبح بجمع واتى عرفات قبل ذلك ليلا او نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه- رواه ابو داود وغيره فما وجه الفرق بين الطواف والوقوف- ثم ان كانت شرطا فما وجه قولكم يكفيه نية مطلق الطواف ولا يشترط نية تعين الفرض مع ان تعين النية شرط لكل فريضة وقتها ظرف لها وليس بمعيار كالصلوة- قلنا تحقيق المقام ان النية بجميع المناسك قد اقترن بالإحرام في ضمن نية الحج- فما لم يعترض نية أخرى منافية لنية النسك يعتبر ذلك النية السابقة موجودة عند كل ركن ولا
يشترط تجديدها كما في افعال الصلاة- الا انه ما كان من المناسك عبادة مستقلة كالطواف وركعتى الطواف ويشترط تجديد مطلق النية عند شروعه لان الصلاة والطواف لكل منهما جهتان عبادة في نفسه وجزء عبادة- فمن حيث انه عبادة في نفسه لا بد فيه من اقتران النية باول جزء من اجزائه- ومن حيث انه جزء عبادة يكفيه النية السابقة المقترنة للاحرام- فعملنا بالشبهين وقلنا لا بد فيه مطلق النية عند الشروع لانه عبادة ولا يشترط تعيين النية لانه جزء من عبادة- وما ليس بعبادة الا من حيث كونه جزء للحج كالوقوف بعرفة والسعى بين الصفا والمروة فقلنا انه لا يشترط اقتران النية به بل يكفيه اقتران النية بالإحرام (مسئلة) من طاف حاملا غيره فان كان الحامل حلالا والمحمول محرما ونوى طواف المحمول ونوى المحمول طوافه او كان على العكس ونوى الحامل طواف نفسه أجزأه اجماعا- وان كان محرمين فان قصد للمحمول ففط فله وان طاف لنفسه فلنفسه
وان طاف لهما فللحامل فقط عند الشافعي وعند ابى حنيفة ان طاف لنفسه أولهما ونوى المحمول طواف نفسه يتادى طوافهما لوجود النية منهما ولا منافاة بينهما (مسئلة) ومنها الطهارة عن الحدث الأكبر والأصغر- ومنها طهارة البدن والثوب والمكان عن الأحداث- ومنها ستر العورة عند الجمهور لما مر من حديث عائشة قالت أول شيء بدا به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم انه توضاء ثم طاف مع قوله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى مناسككم وفي الصحيحين عن عائشة قالت قدمت مكة وانا حائض- الى قوله صلى الله عليه وسلم افعلي كما يفعل الحاج غير ان لا تطوفى بالبيت حتى تطهرى وفي رواية لمسلم حتى تغتسلى وعن عائشة قالت حاضت صفية ليلة النفر وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم أطافت يوم النحر قيل نعم قال فانفرى- متفق عليه وفي الصحيحين عن ابى هريرة ان أبا بكر الصديق بعثه في الحجة الّتي امّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذّن في الناس ان لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان- ولقوله تعالى طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ الاية فانه امر بتطهير المكان عبارة وبتطهير الثوب والبدن دلالة بالطريق الاولى وكذا بالتطهير عن الأحداث بالطريق الاولى إذا الاخباث أخف من الأحداث شرعا حيث يجوز الصلاة مع النجاسة عند الضرورة بخلاف الحدث- قال ابن عباس قال الله تعالى لنبيه طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
فالطواف قيل قبل الصلاة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بمنزلة الصلاة الا ان الله قد احلّ فيه النطق فمن نطق فلا ينطق الا بخير- رواه الحاكم في المستدرك وصححه والطبراني والبيهقي وروى ابو نعيم في الحلية المرفوع فقط وروى الترمذي والحاكم والدار قطنى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وصححه ابن السكن قوله صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلوة الا ان الله أباح فيه الكلام- وعند ابى حنيفة رحمه الله الطهارة عن الاخباث سنة وستر العورة والطهارة عن الأحداث واجب يا ثم بتركه ويجب بدنة ان طاف الفرض جنبا او عريانا ودم مطلقا- ان طاف للفرض محدثا او غيره جنبا او عريانا- وصدقة بنصف صاع من بر على مسكين ان طاف غير الفرض محدثا- وليس شيء من ذلك شرطا عنده لان ثابت بالكتاب مطلق الطواف والزيادة على الكتاب في حكم النسخ عنده ولا يجوز
نسخ الكتاب بأحاديث الآحاد فقال بالوجوب عملا بالأحاديث ولم يقل بالاشتراط لئلا يلزم نسخ الكتاب (مسئلة) ومن شرائط طواف الزيارة الوقت لا يتادى قبله ويقضى بعده اجماعا فان اخّر عن الوقت بتقصيره يجب عليه الدم عند ابى حنيفة رحمه الله خلافا للجمهور- وان اخّر بعذر كالاحصار والحيض ونحوهما لا يجب الدم- ووقته من طلوع الفجر يوم النصر عند ابى حنيفة رحمه الله وعند الائمة الثلاثة بعد نصف الليل من ليلة النحر لحديث عائشة قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فافاضت- رواه الدار قطنى والحديث ضعيف لان في سنده ضحاك بن عثمان ليّنه القطان ومعارض بحديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّم ضعفة
اهله وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس- رواه الترمذي وقال هذا الحديث صحيح وأخرجه ابو داود والنسائي والطحاوي وابن حبان من طريق الحسن الغربي وهو حديث حسن وأخرجه الترمذي والطحاوي وله طرق اخر عند ابى داود والنسائي والطحاوي وابن حبان يقوى بعضها بعضا وايضا الافاضة معطوفة في حديث عائشة على الرمي بكلمة ثم والفاء فلا يدل تقدم الافاضة على طلوع الفجر- واخر وقته عند ابى حنيفة الى غروب الشمس من ثانى ايام التشريق وقيل وقته يوم النحر خاصة- وقد ذكرنا في سورة البراءة في تفسير قوله تعالى وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ «1» إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ان عند الجمهور هو يوم النحر رواه ابو داود والحاكم وصححه من حديث ابن عمر مرفوعا وهو المروي عن على عليه السلام وروى بن جريج عن مجاهد يوم الحج الأكبر ايام منى كلها وكان الثوري يقول يوم الحج الأكبر ايام منى كلها مثل يوم صفين ويوم الجمل ويوم بعاث يراد به الحين من الزمان- (مسئلة) ومن شرائط الطواف الترتيب عند مالك والشافعي واحمد وبه قال محمد وهو ان يبتدى الطواف من الحجر الأسود يقوم مستقبلا بحيث يكون جميع الحجر عن يمينه فيطوف جاعلا للبيت عن يساره فلو طاف جاعلا للبيت عن يمينه لا يجوز ولو بدأ بغير الحجر لم يحتسب فاذا انتهى اليه ابتدأ منه- وقال ابو حنيفة الترتيب ليس بشرط
(1) وفي الأصل وأذان من الله الى الناس إلخ- الفقير الدهلوي.
فعند اكثر الحنفية سنة يكره تركه والصحيح انه واجب عند ابى حنيفة رحمه الله يلزم بتركه دم لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وقوله خذوا عنى مناسككم- ولم يقل بالاشتراط لئلا يلزم الزيادة على الكتاب- (مسئلة) ويشترط ان يطوف في المسجد لا حول المسجد اجماعا للنقل المستفيض المتواتر كذلك قالوا من طاف حول المسجد لا يقال له انه طاف بالبيت بل يقال انه طاف بالمسجد فكان هذا القصر قصرا بدلالة العرف (فصل) وركن الطواف سبعة أشواط فان قيل الأمر لا يقتضى التكرار قلنا كما لا يقتضى التكرار لا ينفيه وقد نقل إلينا بالنقل المستفيض عدد الطواف كعدد الركعات (مسئلة) من طاف اربعة أشواط وترك ثلاثة أجزأه عند ابى حنيفة ويلزمه الدم في طواف الزيارة والصدقة في غيره لان للاكثر حكم الكل ويجبر النقصان بالدم والصدقة ولا يجز به عند غيره كما لا يجزى من ترك ركعة من الظهر- فان عدد الأشواط كعدد الركعات والله اعلم- (مسئلة) الحطيم قطعة من البيت يجب الطواف وراءه لحديث عائشة قالت سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدر آمن البيت هو قال نعم قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت قال ان قومك قصرت لهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعا قال فعل ذلك قومك يدخلها من شاء واو يمنع من شاءوا- لولا ان قومك حديث عهدهم بالجاهلية فاخاف ان ينكر قلوبهم ان ادخل الجدر في البيت وان الصق بابه بالأرض متفق عليه وروى الترمذي والنسائي عنها قالت كنت احبّ ان أصلي في البيت فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فادخلنى الحجر وقال صلّى فيه فانما هو قطعة من البيت الحديث- وروى ابو داؤد نحوه واختار المحفقون ان بعض الحطيم من البيت وهو ستة ادرع وشيء لما روى مسلم عن عائشة قوله صلى الله عليه وسلم لولا قومك حديث عهد بالشرك لهدمت الكعبة وألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيّا وبابا غربيّا ورددتّ
فيها ستة اذرع من الحجر- وفي رواية لمسلم علمى لاريبك ما تركوا مه فاراها قريبا من سبعة اذرع- وروى البخاري بسنده عن جرير بن حازم قال قال يزيد بن رومان شهدتّ ابن الزبير حين هدمه وبناه وادخل فيه الحجر وقد رايت أساس ابراهيم حجارة كاسنمة الإبل فاشار الى مكان. قال جرير فخرزت من الحجر ستة اذرع او نحوها- وروى عن مجاهد ان ابن الزبير زاد فيه ستة اذرع مما يلى الحجر- وفي رواية سنة اذرع وشبر- (مسئلة) من طاف داخل الحطيم يجزيه عند ابى حنيفة ويلزمه دم لان كونه من البيت ثبت بحديث الآحاد فلا يجوز به الزيادة على الكتاب- وقال الجمهور لا يجزيه لان الزيادة على الكتاب بخبر الآحاد عندهم جائز- قلت ليس هذا زيادة على الكتاب لان الله تعالى امر بالطواف بالبيت العتيق واللام للعهد- والمراد البيت الّذي بناه ابراهيم كما يقتضيه سياق الاية من قوله تعالى وإذ بوّأنا لابراهيم مكان البيت- وإذا ثبت بدليل ظنى ان الحطيم قطعة من البيت فمن طاف داخل الحطيم وقع الشك في كونه مجزيا وقد وجب عليه طواف البيت قطعا فلا يخرج من العهدة بالشك- او يقال البيت الّذي بناه ابراهيم مجمل في حق المقدار التحق الحديث به بيانا (مسئلة) جاز الطواف للزيارة راكبا بعذر اجماعا- واما بغير عذر فالمشى في الطواف واجب عند ابى حنيفة- فمن طاف راكبا بلا عذر يجب عليه ان يعيد مادام بمكة فان لم يعد يجب عليه الدم- وقال الجمهور المشي سنة وليس بواجب لحديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعيره كلما اتى الركن أشار اليه بشيء في يده وكبر- متفق عليه وحديث جابر طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسئلوه رواه مسلم وفي حديث عائشة طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره يستلم الركن كراهة ان يضرب عنه الناس قالت الحنفية كان ذلك لاجل المرض لما روى ابو داؤد عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم
قدم مكة وهو يشتكى فطاف على دابته كلّما اتى الركن استلم الركن بمحجنه فلمّا فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين- وأجيب بان مجرد الاحتمال لا يكفى وما رواه ابو داود ضعيف
لانه من رواية يزيد بن ابى زياد وهو ليس بالقوى لا يحتج بحديثه وقد أنكره الشافعي وقال لا اعلمه اشتكى في هذه الحبة قلت ولو كان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بمكة مشنكيا لكان شكواه مانعا من المشي في طواف القدوم ايضا- وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر وغيره انه صلى الله عليه وسلم طاف طواف القدوم فرمل ثلاثا ومشى أربعا- وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه سعى بين الصفا والمروة وكان يدور إزاره من شدة السعى- فثبت انه صلى الله عليه وسلم انما طاف للزيارة راكبا لبيان الجواز وتعليم الناس مناسكهم واما طواف النافلة فيجوز عند الجمهور بلا كراهة ولعله مكروه على اصل ابى حنيفة- لنا انه صلى الله عليه وسلم لما فتح ملة وطاف عند قدومه طاف على راحلته كما ذكرنا رواية البخاري في سورة الفتح- (مسئلة) والموالاة ليس بشرط في الطواف اجماعا بل هو سنة- روى سعيد بن منصور عن ابن عمر انه طاف بالبيت فاقيمت الصلاة فصلى مع القوم ثم قام فبنى على ما مضى من صوافه- وكذا روى عبد الرزاق عن عبد الرحمان بن ابى بكر وروى سعيد بن منصور عن عطاء انه كان يقول في الرجل يطوف بعض طوافه تم يحضر الجنازة فيخرج فيصلى عليها ثم يرجع فيقضى ما بقي من طوافه- وقال نافع طول القيام في الطواف بدعة وروى عن الحسن انه قال من أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف فقطعه انه يستانفه (مسئلة) ويكره قطع طواف فريضة وان أقيمت الصلاة المكتوبة- الا ترى الى حديث أم سلمة انها طافت للصدر والنبي صلى الله عليه وسلم يصلى الصبح (مسئلة) يقطع الطواف النافلة لو أقيمت للفريضة او خاف فوت صلوة الجنازة او نحوها لا لعبادة نافلة والاولى ان يقطع على الوتر لما ذكرنا من اثر عبد الرحمان بن ابى بكر (مسئلة) يجب بعد كل أسبوع ركعتان عند ابى حنيفة وهو رواية عن مالك وأحد قولى الشافعي فيلزم بتركه دم- وقد ذكرنا المسألة وما يتعلق بها
فى تفسير قوله تعالى وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى في سورة البقرة- (فصل) وآداب الطواف انه إذا راى البيت كبر وهلل ودعا روى الطبراني ان الدعاء مستجاب عند رؤية الكعبة- ثم استقبل الحجر وكبر وهلل وقبّله لشفتيه ان عط قدر غير مؤذ- روى البخاري عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم كان يستلمه ويقبّله وروى الشافعي مرفوعا وضع شفتيه عليه طويلا- وعند ابن ماجة وضع عليه شفتيه يبكى طويلا- وعند الحاكم قبّله وسجد «1» عليه- وان عط لم يقدر يمس شيئا وقبله لما موّ انه صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره يستلم الركن بمحجنه وان عط عجز استقبله عن سعيد بن المسيب عن عمر انه صلى الله عليه وسلم قال له انك رجل قوى لا تزاحم على الحجر فتؤذى الضعيف ان وجدت خلوة فاستلمه والا فاستقبله وكبر وهلل- رواه احمد- (مسئلة) وإذا اتى الركن اليماني استلم عند الجمهور وعند ابى حنيفة استلام الركن اليماني مستحب ليس بسنة وفي الصحيحين عن ابن عمر رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما يعنى الحجر الأسود والركن اليماني- وروى الدار قطنى مرفوعا كان يقبّل الركن اليماني ويضع عليه خده- وروى ابن ماجة عن ابى هريرة مرفوعا وكّل يعنى بالركن اليماني سبعون ملكا فمن قال اللهمّ انى أسئلك العفو والعافية في الدنيا والاخرة ربّنا اتنا في الدّنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النّار قالوا أمين (مسئلة) ويرمل في الثلاثة الاول من أشواط طواف القدوم مضطبعا «2» وهو سنة من الحجر الى الحجر صح عنه صلى الله عليه وسلم انه رمل من الحجر الى الحجر ثلاثا ومشى أربعا وكلما مرّ بالحجر والركن فعل كما فعل أول مرة وختم الطواف باستلام الحجر- كذا صح عنه صلى الله عليه وسلم ثم يصلى شفعا عند المقام ويقرا قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ والإخلاص ثم يرجع فيستلم الحجر ويكبّر ويهلّل- روى
(1) عن ابن عباس قال رايت عمر بن الخطاب قبّل الحجر وسجد عليه ثم قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا- منه رح.
(2)
والاضطباع ان يدخل جانب ردائه الايمن تحت إبطه الايمن ويلقيه على كتفه اليسرى فتكون كتفه اليمنى مكشوفة- الفقير الدهلوي-