المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة النّور مدنيّة وهى اربع وستون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ - التفسير المظهري - جـ ٦

[المظهري، محمد ثناء الله]

الفصل: ‌ ‌سورة النّور مدنيّة وهى اربع وستون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ

‌سورة النّور

مدنيّة وهى اربع وستون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سُورَةٌ اى هذه سورة او فيما أوحينا إليك سورة أَنْزَلْناها صفة لسورة وَفَرَضْناها يعنى أوحينا ما فيها من الاحكام وألزمناكم العمل بها وقيل معناه قدّرنا ما فيها من الحدود قرأ الجمهور بالتخفيف وابن كثير وابو عمر بالتشديد من التفعيل للتكثير لكثرة فرائضها او كثرة المفروض عليهم يعنى ألزمناكم أجمعين ومن بعدكم الى قيام الساعة وقيل معناه فصّلنا وبيّنا وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على المراد لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اى لكى تتعظوا او تتقوا محارم الله.

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي مبتدأ خبره محذوف عند سيبويه تقديره سنذكر حكمهما وقوله فَاجْلِدُوا بيان لحكمه الموعود تقديره إذا ثبت زناهما فاجلدوا وقال المبرد خبره جملة فاجلدوا أورد الفاء في الخبر تتضمن المبتدأ معنى الشرط فان اللام بمعنى الّذي تقديره الّذي زنى والّتي زنت فيقال في شانهما اجلدوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما منصوب على المفعولية يقال جلده إذا ضرب جلده كما يقال راسه وبطنه إذ ضرب راسه وبطنه ذكر بلفظ الجلد كيلا يبرج ويضرب بحيث يبلغ اللحم ومن هاهنا قال الفقهاء

ص: 416

مسئلة- يضربه بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا روى ابن ابى شيبة ثنا عيسى بن يونس عن حنظلة السدوسي عن انس بن مالك قال كان يؤمر بالسوط فيقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين ثم يضرب به- قلنا له في زمن من كان هذا قال في زمن عمر بن الخطاب- وروى عبد الرزاق عن يحيى بن ابى كثير ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى أصبت حدّا فاقمه علىّ فدعا عليه السلام بسوط فأتى بسوط شديد له ثمرة فقال سوط دون هذا فاتى بسوط مكسورلين فقال سوط فوق هذا فاتى بسوط بين سوطين- فقال هذا فامر به فجلد- وروى ابن ابى شيبة عن زيد بن اسلم نحوه وذكره مالك في المؤطا مِائَةَ جَلْدَةٍ منصوب على المصدرية قدّم الزانية في هذه الاية على الزاني لان الزنى في الأغلب يكون بتعريضها للرجل وعرض نفسها عليه بخلاف السرقة فانها تقع غالبا من الرجال ولذلك قدم السارق على السارقة في قوله تعالى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما- (مسئلة) اجمع علماء الامة على ان الزانية والزاني إذا كانا حرين عاقلين بالغين غير محصنين فحدهما ان يجلد كل واحد منهما مائة جلدة بحكم هذه الاية ولا يزاد على ذلك عند ابى حنيفة رحمه الله وقال الشافعي واحمد يجب عليهما ايضا تغريب عام الى مسافة قصر فما فوقها ولو كان الطريق أمنا ففى تغريب المرأة بلا محرم قولان وفي المنهاج انه لا تغرب المرأة وحدها في الأصح بل مع زوج او محرم ولو بأجر وأجرته عليها في قول وفي بيت المال في قول فان امتنع بأجرة ففى قول يجبره الامام- وفي المنهاج انه لا يجبر في الأصح وقال مالك يجب تغريب الزاني دون الزانية- احتج الشافعي بحديث عبادة بن الصامت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم- وقد مر الحديث في سورة النساء في تفسير قوله تعالى

ص: 417

فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا- وحديث زيد بن خالد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتعزيب عام- رواه البخاري وفي الصحيحين حديث زيد بن خالد وابى هريرة ان رجلين اختصما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما اقض بيننا بكتاب الله وائذن لى ان أتكلم قال تكلم قال ان ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامراته فاخبرونى ان على ابني الرجم فافتديت بمائة شاة وبجارية لى ثم انى سالت اهل العلم فاخبرونى ان على ابني جلد مائة وتغريب عام وانما الرجم على امرأته- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما والّذي نفسى بيده لاقضين بينكما بكتاب الله اما غنمك وجاريتك وفرد عليك واما ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام واما أنت يا أنيس فاعد على امراة هذا فان اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها- قال مالك البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام غير شامل للنساء فلا يثبت التعزيب في النساء وهذا ليس بشيء فان سياق الحديث في النساء حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا الحديث- وعدم شمول البكر المرأة ممنوع كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البكر تستأذن- وكلمة من زنى في حديث زيد عام في الذكر والأنثى لكن الوجه الصحيح لقول مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر المرأة الا مع ذى محرم- رواه الشيخان في الصحيحين واحمد وابو داود عن ابن عمر وفي الصحيحين وعند احمد عن ابن عباس نحوه وروى ابو داود والحاكم في المستدرك عن ابى هريرة نحوه

ولاجل ذلك خص مالك حكم التغريب بالرجال دون النساء- وجعل الشافعي المحرم شرطا للتغريب- وقال الطحاوي ان تغريب النساء لما بطل لاجل نهيهن عن المسافرة بغير محرم انتفى ذلك عن الرجال ايضا- واستدل الطحاوي على عدم التعزيب

ص: 418

فى الحد بحديث ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا زنت امة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب «1» عليها ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إذا زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر متفق عليه قال ان النبي صلى الله عليه وسلم امر ببيع الامة إذا زنت ومحال ان يأمر ببيع من لا يقدر مبتاعه على قبضه من بائعه- فثبت بطلان تغريب الامة إذا زنت وإذا بطل تغريب الإماء بطل تغريب الجرائر لقوله تعالى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ وإذا بطل تغريب الحرائر بطل تغريب الأحرار- وهذا القول غير سديد لان نفى التعزيب في النساء مطلقا او في الإماء لاجل التعارض في النصوص لا يقتضى السقوط في حق الرجال مع عدم التعارض هناك- وقال بعض الحنفية لا يجوز العمل بحديث التغريب لانه زيادة على الكتاب وهى في حكم النسخ فلا يجوز بخبر الآحاد- وهذا القول مردود لان الزيادة الّتي هى في حكم النسخ زيادة ركن او شرط او وصف في الماموريه حتى يجعل المجزى غير مجز كزيادة تعين الفاتحة في اركان الصلاة وصفة الايمان في رقبة الكفارة والتتابع في الصيام والطهارة في الطواف وهى ممنوعة- واما مطلق الزيادة فغير ممنوعة والا لبطلت اكثر السنن الا ترى ان عدة الوفاة ثبتت بنص القرآن والإحداد فيها ثبت بالسنة وليس الإحداد شرطا في العدة حتى لو تربصت اربعة أشهر وعشر اولم تحد عصت بترك الواجب وانقضت عدتها وجاز لها التزوج- ومن هذا القبيل القول بان تعين الفاتحة وضم السورة وغيرهما من واجبات الصلاة على رأى ابى حنيفة حيث قال بوجوبها ولم يقل بركنيتها- وزيادة التغريب في الحد لا تجعل جلد مائة غير مجز فلا محذور فيه- فقال اصحاب الشافعي ان الاية ساكتة عن التغريب وليس في الاية ما يدفعه لينسخ أحدهما الاخر نسخا مقبولا او مردودا-

(1) اى لا يوبخها؟؟؟ ولا يقرعها بالزنى بعد الضرب- وقيل أراد لا يقنع في أمرها بالتثريب بل يضرب فان زنى الإماء لم يعده العرب مكروها وعيبا فامرهم بحد الإماء كما يحد الحرائر منه رحمه الله-

ص: 419

فقال المحققون من الحنفية ان قوله تعالى فَاجْلِدُوا بيان للحكم الموعود في قوله الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي على قول سيبويه فكان المذكور تمام حكمه والا كان تجهيلا إذ يفهم منه انه تمام الحكم وليس تمامه في الواقع فكان مع الشروع في البيان ابعد من ترك البيان لانه يوقع في الجهل المركب وذك في البسيط- وجزاء للشرط على قول المبرد فيفيدان الواقع هذا فقط فلو ثبت معه شيء اخر كان مثبتة معارضا لا مثبتا لما سكت عنه وهو الزيادة الممنوعة- وأورد عليه بان الحديث مشهور تلقته الامة بالقبول فيجوز به نسخ الكتاب وأجيب بانه ان كان المراد بالتلقى بالقبول إجماعهم على العمل به فممنوع لظهور الخلاف- وان كان المراد إجماعهم على صحته بمعنى صحة سنده فكثير من اخبار الآحاد كذلك ولا تخرج بذلك عن كونها احادا- فان قيل الاية قطعى السند لكنه ظنى الدلالة لكونه عاما خص منه البعض اجماعا فان الحكم بالجلد مائة مختص بالاحرار والحرائر دون العبيد والإماء- وبغير المحصن عند اكثر الامة- وايضا دلالتها على كون الحكم الجلد فقط لا غير ظنية مستنبطة بالرأى حتى لم يدر له كثير من الفقهاء واهل العربية- والحديث ظنى السند قطعى الدلالة فتساويا فجاز ان يكون حديث الآحاد ناسخا لحكم الكتاب فلان يجوز به الزيادة على الكتاب اولى- قلنا على تقدير تسليم المساواة سياق حديث عبادة يدل انه أول حكم ورد في الزانيات والزواني حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم فالاية عند التعارض ناسخ ليس بمنسوخ- وقد قال الشافعي الجلد المذكور في الحديث في حق الثيب منسوخ فلا مانع من كون التغريب في حق البكر منسوخا بهذه الاية- قال ابن همام ليس في الباب من الأحاديث ما يدل على ان الواجب من التغريب واجب بطريق الحد- فان أقصى ما فيه دلالة قوله

ص: 420

البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وهو عطف واجب على واجب وهو لا يقتضى ذلك بل ما في البخاري من قول ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي واقامة الحد ظاهر في ان النفي ليس من الحد لعطفه عليه وكونه مستعملا في جزء مسماه وعطفه على جزء اخر بعيد لا يوجبه دليل وما ذكر من الألفاظ لا تفيد فجاز كون التغريب لمصلحة- (فائدة) وقد يرجح اصحاب الشافعي حديث التغريب بالمعقول حيث قالوا ان في التغريب حسم باب الزنى لقلة المعارف- وعارضه الحنفية بان فيه فتح باب الفتنة لانفرادها عن العشيرة وعمن تستحيى منهم ان كان بها شهوة قوية وقد تفعله لحامل اخر وهو حاجتها الى معيشتها- ويؤيده ما روى عبد الرزاق ومحمد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا ابو حنيفة عن حماد عن ابراهيم النخعي قال قال عبد الله بن مسعود في البكر يزنى بالبكر يجلد ان مائة وينفيان سنة قال وقال علىّ بن ابى طالب حسبهما من الفتنة ان ينفيا- وروى محمد عن ابى حنيفة عن حمّاد عن ابراهيم قال كفى بالنفي فتنة- وروى عبد الرزاق عن الزهري عن ابن المسيب قال غرّب عمر ربيعة بن امية بن خلف في الشراب الى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر لا اغرّب بعده مسلما- (مسئلة) وإذا راى الامام مصلحة في التغريب مع الجلد جاز له النفي عند ابى حنيفة رحمه الله ايضا وهو محل التغريب المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان روى النسائي والترمذي والحاكم وصححه على شرط الشيخين والدار قطنى من حديث ابن عمران النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرّب وان أبا بكر ضرب وغرّب وان عمر ضرب وغرّب- وصححه ابن القطان ورجح الدار قطنى وقفه وروى ابن ابى شيبة بإسناد فيه مجهول ان عثمان جلد امراة في زنى ثم أرسل بها الى خيبر قنفاها- وليس التغريب مقتصرا على الزنى بل يجوز للامام تغريب كل واء إذا راى

ص: 421

مصلحة- روى الطحاوي بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رجلا قتل عبده عمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه سنة ومحا أراه سهمه من المسلمين وامره ان يعتق رقبة- وروى سعيد بن منصور ان عمر

بن الخطاب اتى برجل شرب الخمر في رمضان فضرب مائتى سوط ثم سيره الى الشام- وعلق البخاري طرفا عنه ورواه البغوي في الجعديات وزاد وكان إذا غضب على رجل يسيره الى الشام وروى البيهقي عن عمر انه كان ينفى الى البصرة- وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع ان عمر نفى الى فدك- ومن لههنا أخذ مشائخ السلوك رضى الله عنهم وعنا الهم يغرّبون المريد إذا بدا عنه قوة نفس ولجاج لتنكسر نفسه وتلين قلت إذا راى القاضي مسلما يقع في المعاصي بغلبة الشهوة مع الندم والاستحياء يأمره بالغربة والسفر واما من لا يستحيى ولا يندم فنفيه عن الأرض حبسه حتى يتوب والله اعلم.

(مسئلة) وإذا كان الزاني والزانية محصنين يرجمان بإجماع الصحابة ومن بعدهم من علماء النصيحة- وأنكره الخوارج لانكارهم اجماع الصحابة وحجية خبر الآحاد وادعائهم ان الرجم لم يثبت من القرآن ولا من النبي صلى الله عليه وسلم الا بخبر الآحاد- والحق ان الرجم ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار متواترة بالمعنى كفضل على وشجاعته وجود حاتم وان كانت من الآحاد في تفاصيله صورة وخصوصياته- عن عمر بن الخطاب قال ان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب وكان مما انزل الله عليه اية الرجم رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده- والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال او النساء إذا قامت البينة او كانت الحبل او الاعتراف- متفق عليه وروى البيهقي انه خطب وقال ان الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل فيه اية الرجم فقرأناها وو عيناها الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله

ص: 422

عزيز حكيم- ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده الحديث وفي آخره ولولا أخشى ان يقول الناس زاد في كتاب الله لا ثبته في حاشية المصحف- وروى ابو داؤد خطبة عمرو فيه انى خشيت ان يطول بالناس زمان فيقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله- وفي رواية للترمذى بلفظ لولا انى اكره ان أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف فانى خشيت ان يجئ قوم فلا يجدونه في كتاب الله فيكفرون به- وكان هذا يعنى خطبة عمر بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد- وفي الباب حديث ابى امامة بن سهل عن خالته العجماء بلفظ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما بما قضيا من اللذة- رواه الحاكم والطبراني وفي صحيح ابن حبان من حديث كان سورة الأحزاب توازى سورة البقرة وكان فيها اية الرجم الشيخ والشيخة الحديث- وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله الا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق لدينه التارك للجماعة- متفق عليه وعن ابى امامة بن سهل بن حنيف ان عثمان بن عفان اشرف يوم الدار فقال أنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث زنى بعد إحصان او ارتداد «1» بعد اسلام او قتل نفس بغير حق فقتل به فو الله ما زنيت في جاهلية ولا في اسلام ولا ارتددت منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قتلت النفس الّتي حرم الله فبم تقتلونى- رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي ورواه الشافعي في مسنده ورواه البزار والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين والبيهقي وابو داود وأخرجه البخاري عن فعله صلى الله عليه وسلم من قول ابى قلابة حيث قال والله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا

(1) وفي الأصل كفر إلخ- الفقير الدهلوي-

ص: 423

قط الا في ثلاث خصال رجل قتل فقتل او رجل زنى بعد إحصان او رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام وقد صح انه صلى الله عليه وسلم رجم ما عز بن مالك حين اعترف بالزنى- رواه مسلم والبخاري من حديث ابن عباس ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث ابى هريرة وفي الصحيحين من حديث ابى هريرة وابن عباس وجابر ومن لم يسم ورواه مسلم من بريدة قال جاء ما عز بن مالك الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله طهرنى الحديث- ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم امراة من غامد من الأزد قالت يا رسول الله واعترفت انها حبلى من الزنى رجمها بعد وضع الحمل وفي رواية رجمها حين أكل ولدها الطعام رواه مسلم من حديث بريدة ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم امراة من جهينته حين اعترفت بالزنى- رواه مسلم من حديث عمران بن حصين.

قال علماء الفقه والحديث وقد جرى عمل الخلفاء الراشدين بالرجم مبلغ حد التواتر والله اعلم- (مسئلة) وان كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن يرحم المحصن ويجلد الآخر كما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل كان عسيفا لاخر فزنى بامراته وقد مر الحديث- (مسئلة) هل يجلد المحصن قبل الرجم أم لا فقال احمد يجلد اولا بحكم هذه الاية ثم يرجم فالاية عنده غير مخصوص بغير المحصن ولا منسوخ- وهو يقول ليس الجلد المذكور في الاية تمام الحد بل بعضه فيضم بالسنة مع الجلد في غير المحصن التغريب سنة وفي المحصن الرجم وكما لا يزاحم الاية حديث التغريب كذلك لا يزاحمه حديث الرجم وان كان متواترا فوجب العمل بهما ويؤيده ما ذكرنا من حديث عبادة بن الصامت قوله صلى الله عليه وسلم البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم- وروى عن سلمة بن المحبق نحوه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى

ص: 424

خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم- ويؤيده اثر علىّ بن ابى طالب رواه احمد والحاكم والنسائي عن الشعبي ان عليّا جلد سراحة الهمدانية بالكوفة ثم رجمها ضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال اجلدها بكتاب الله وارجمها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصله في صحيح البخاري ولم يسم المرأة- وقال ابو حنيفة ومالك والشافعي هذه الاية مخصوص بغير المحصن او منسوخ في حق المحصن وكذا حديث عبادة بن الصامت وسلمة بن المحبق والدليل على كونه منسوخا ان النبي صلى الله عليه وسلم رجم ما غزا والمرأة الغامدية والجهينية ونقل تلك القصص بوجوه وطرق كثيرة ولم يرو في شيء من طرقها انه جلد ثم رجم- وقد مرّ في حديث زيد وخالد في قصة رجلين اختصما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن أحدهما عسيفا على الاخر فزنى بامراته قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه بالجلد والتغريب وقال يا أنيس اغد الى امراة هذا فان اعترفت فارجمها ولم يقل اجلدها ثم ارجمها والناسخ اما ان يكون وحيا غير متلو او وحيا منسوخ التلاوة اعنى الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما وهذه الاية المنسوخ تلاوتها لا يتصور كونها ناسخا الا على ما قرره المحققون من الحنفية في هذه الاية ان المذكور كل الواجب فقوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا يدل على كون الجلد كل الواجب- والشّيخ والشّيخة إذا زنيا الاية تدل على ان الرجم كل الواجب فتعارضا- فكان أحدهما ناسخا للاخر- ولو لم يفهم من الآيتين ان المذكور كل الواجب فلا تعارض ولا نسخ بل يجب حينئذ الجمع بين الرجم والجلد كما قال احمد والله اعلم- واما اثر علىّ فيعارضه اثر عمر فهو امر اجتهادي كقول احمد روى الطحاوي بسنده عن ابى واقد الليثي ثم الأشجعي وكان من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انه قال بينما نحن عند عمر بالجاببة أتاه رجل فقال يا امير المؤمنين

ص: 425

ان امراتى زنت فهى هذه تعترف بذلك فارسلنى عمر في رهط إليها نسئلها فاخبرتها بالذي قال زوجها فقالت صدق فبلّغنا ذلك عمر فامر برجمها فهذا عمر (بحضرة اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجلدها قبل رجمها- قلت ولعل عليّا رضى الله عنه جلد سراحة الهمدانية قبل ثبوت احصانها ثم رجمها بعد ثبوت احصانها- ومعنى قوله اجلدها بكتاب الله وارجمها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الجلد في حق غير المحصن ثابت بالقرآن والرجم في حق المحصن ثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمتى ثبت احصانها رجمتها- وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك روى الطحاوي بسنده عن جابر ان رجلا زنى فامر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد ثم اخبر انه كان قد أحصن فامر به فرجم- (فائدة) اعلم ان الإحصان استعمل في القرآن لمعان منها الحرية ومنها التزويج قال الله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أراد به المزوجات وقال فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ أراد بقوله أُحْصِنَّ إذا زوجن

وبالمحصنات الحرائر- ومنها العفة كما في قوله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ- والمراد بالاحصان الّذي هو شرط للرجم في الزاني والزانية الدخول بنكاح صحيح فانه ثمرة التزويج يدل على ذلك تعبير النبي صلى الله عليه وسلم المحصن بالثيب وغير المحصن بالبكر وذكر العلماء من شرائط إحصان الرجم الحرية والعقل والبلوغ وان يكون قد تزوج تزويحا صحيحا ودخل بالزوجة وهذه الشروط الخمسة مجمع عليها للرجم- لكن العقل والبلوغ شرطان لاهلية العقوبة بل لاهلية الخطاب مطلقا فلا وجه لذكرهما في إحصان الرجم- والحرية شرط لتكامل الحد مطلقا لا للرجم خاصة حتى لا يجلد العبد مائة- بقي الدخول بنكاح صحيح معتبرا-

ص: 426

وزاد ابو حنيفة ومالك ومحمد في شرائط إحصان الرجم الإسلام خلافا للشافعى وابى يوسف واحمد احتجت الحنفية على اشتراط الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم من أشرك بالله فليس بمحصن- رواه إسحاق بن راهويه في مسنده ثنا عبد العزيز بن محمد ثنا عبد عن نافع عن ابن عمر قال إسحاق رفعه ابن عمر مرة فقال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفه مرة- قال ابن الجوزي لم برفعه غير إسحاق ويقال انه رجع عنه والصواب انه موقوف- قال ابن همام لا شك ان مثله بعد صحة الطريق محكوم برفعه فان الراوي يفتى على حسب مافع قلت إذا رجع إسحاق عن الرفع واعترف بخطائه ولم يرفعه غيره فكيف يحكم برفعه- ولو سلمنا كونه مرفوعا فالحديث لا يدل على إحصان الرجم خاصة وقد ذكرنا ان الإحصان استعمل في القرآن لمعان منها العفة فلعل معنى الحديث من أشرك فليس بعفيف فلا يحد قاذفه- فلا يثبت بهذا الحديث اشتراط الإسلام للرجم مع عموم لفظ الثيب بالثيب وشموله للمؤمن والكافر- وقد روى الشيخان في الصحيحين عن ابن عمران اليهود جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ان رجلا منهم وامراة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التورية في شأن الرجم قالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم ان فيها الرحم- فاتوا بالتورية فنشروها فوضع أحدهم يده على اية الرجم فقرا ما قبلها وما بعدها فقال عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع فاذا فيها اية الرجم فقالوا صدق يا محمّد فيها اية الرجم فامر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما- فهذا الحديث حجة للشافعى واحمد وأجاب عنه صاحب الهداية بانه كان ذلك بحكم التورية ثم نسخ قلت شرائع من قبلنا واجب العمل على اصل ابى حنيفة ما لم يظهر نسخه في شريعتنا لا سيّما إذا عمل به النبي صلى الله عليه وسلم فان عمله صلى الله عليه وسلم دليل صريح في كون ذلك الحكم باق في شريعتنا لانه محال

ص: 427

ان يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بحكم منسوخ في شريعتنا على خلاف ما انزل الله عليه وليس شيء من الآيات والأحاديث دالّا على نسخه فان لفظ الزاني والزانية والشيخ والشيخة والثيب والبكر يعم المؤمن والكافر جميعا وحديث من أشرك فليس بمحصن لا يدل على اشتراط الإسلام في الرجم بل هو محمول على إحصان القذف- (مسئلة) وزاد ابو حنيفة رحمه الله في شرائط إحصان الرجم كون كلا الزوجين عند الدخول بنكاح صحيح حرين مسلمين عاقلين بالغين وكذا قال احمد سوى الإسلام حتى لو تزوج الحر المسلم العاقل البالغ امة او ضبية او مجنونة او كتابية ودخل بها لا يصير محصنا بهذا الدخول فلو زنى بعده لا يرجم وكذا لو تزوجت الحرة البالغة العاقلة عبدا او مجنونا او صبيّا ودخل بها لا تصير محصنة فلا ترجم لو زنت بعده- ولو تزوج مسلم ذمية فاسلمت بعد ما دخل بها ولم يدخل بها بعد إسلامها ثم زنت لا ترجم- وكذا لو اعتقت الامة الّتي تحت حر مسلم عاقل بالغ بعد ما دخل بها ولم يدخل بها بعد اعتاقها ثم زنت لا ترجم- احتجت الحنفية بما رواه الدار قطنى وابن عدىّ عن ابى بكر بن عبد الله بن ابى مريم عن على بن ابى طلحة عن كعب بن فالك انه أراد تزوج يهودية او نصرانية فسال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنهاه وقال انها لا تحصنك- قال الدار قطنى ابو بكر

بن ابى مريم ضعيف جدّا وعلى بن ابى طلحة لم يدرك كعبا- وقال ابن همام ورواه بقية ابن الوليد عن عتبة بن تميم عن على بن ابى طلحة عن كعب وهو منقطع- قلت بقية بن الوليد ايضا ضعيف مدلس قال ابن همام الانقطاع عندنا داخل في الإرسال والمرسل- عندنا حجة بعد عدالة الرجال- قلت ولا شك ان هذا ليس في قوة حديث الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهودي واليهودية فلا يجوز العمل به- وهذا الحديث

ص: 428