المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سوطا ولا يقبل شهادته ابدا سواء تاب اولم يتب لان - التفسير المظهري - جـ ٦

[المظهري، محمد ثناء الله]

الفصل: سوطا ولا يقبل شهادته ابدا سواء تاب اولم يتب لان

سوطا ولا يقبل شهادته ابدا سواء تاب اولم يتب لان رد الشهادة حينئذ لحق العبد وحق العبد لا يسقط بالتوبة فلا يلزمنا ما قال الشافعي انه ترد شهادته في احسن حاليه وتقبل في شر حاليه-

‌فائدة

لا خلاف في ان حد القذف اجتمع فيه الحقان حق الله تعالى وحق العبد فانه شرع لدفع العار عن المقذوف وهو الّذي ينتفع به على الخصوص فمن هذا الوجه هو حق العبد ثم انه شرع زاجرا ولذا سمى حدا والمقصود من شرع الزواجر اخلاء العالم عن الفساد وهذا اية حق الله تعالى فمن أجل كونه حقّا للعبد يشترط فيه مطالبة المقذوف ولا يبطل الشهادة بالتقادم ويجب على المستأمن- ويقيمه القاضي بعلمه إذا علمه في ايام قضائه لا إذا علم قبل ولايته حتى يشهد به عنده- ويقدم استيفاؤه على حد الزنى والسرقة إذا اجتمعا ولا يصح الرجوع عنه بعد الإقرار به- ومن أجل كونه حقا لله تعالى لا يجوز للمقذوف استيفاؤها بنفسه بل الاستيفاء للامام ويندرئ بالشبهات ولا ينقلب مالا عند سقوطه ولا يستخلف عليه القاذف وينتصف بالرق كسائر العقوبات الواجبة حقا لله تعالى- بخلاف حق العبد فانه يتقدر بقدر التالف ولا يختلف باختلاف المتلف ولهذه الفروع كلها متفقة عليها- واختلفوا في تغليب أحد الحقين على الاخر فمال الشافعي الى تغليب حق العبد باعتبار حاجته وغنى الله تعالى- ومال ابو حنيفة الى تغليب حق الله تعالى لان ما للعبد يتولاه مولاه فيصير حق العبد مرعيّا به ولا كذلك عكسه إذ لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الله تعالى إلا بنيابته- ويتفرع على هذا الاختلاف فروع اخر مختلف فيها- منها الإرث فعند الشافعي حدّ القذف يورث وعند ابى حنيفة لا يورث إذ الإرث لا يجرى في حقوق الله ويجرى في حقوق العباد بشرط كونه مالا او ما يتصل بالمال كالكفالة او ما ينقلب الى المال كالقصاص والحد ليس شيئا منها فيبطل بموت المقذوف- إذ لم يثبت

ص: 450

بدليل شرعى استخلاف الشرع وارثا جعل له حق المطالبة الّتي جعل شرطا لظهور حقه- فمن قذف أحدا فمات المقذوف قبل اقامة الحد او بعد ما أقيم بعضه بطل الباقي عندنا خلافا للشافعى- ومنها العفو فلو عفا المقذوف بعد ثبوت الحد لا يسقط عندنا وعند الشافعي وهو رواية عن ابى يوسف يسقط- لكن لو قال المقذوف لم يقذفنى وكذب شهودى فحينئذ يسقط اتفاقا لما ظهر ان القذف لم يوجد فلم يجب الحد لا انه وجب فسقط بخلاف القصاص فانه يسقط بالعفو بعد وجوبه لان الغالب فيه حق العبد- ومنها انه لا يجوز الاعتياض عن حد القذف عند ابى حنيفة وبه قال مالك وعند الشافعي واحمد يجوز- ومنها انه يجرى فيه التداخل عند ابى حنيفة رحمه الله وبه قال مالك حتى لو قذف شخصا واحدا امرأة او قذف جماعة كان فيه حدّا واحدا إذا لم يتخلل الحد بين القذفين- ولو ادعى بعضهم فحد ففى أثناء الحد ادعى اخر كمل ذلك الحد وعند الشافعي لا يجرى فيه التداخل- قلت لمّا ثبت ان حد القذف اجتمع فيه حق الله وحق العبد كما يشهد به المسائل المتفقة عليها وثبت ايضا ان الحدود تندرئى بالشبهات- فالاولى ان يقال انه إذا اقتضى أحد الحقين وجوب الحد والآخر سقوطه فلا بد ان يفتى بالسقوط فانه ان يخطئى في العفو خير من ان يخطئى في العقوبة- فلا يقال بجريان الإرث فيه كما قال ابو حنيفة ويقال بسقوطه بعفو المقذوف لسقوط المطالبة الّتي هى شرط لاستيفائه كما قال الشافعي ويجرى فيه التداخل كما قال ابو حنيفة- ولو صالحا على الاعتياض يعنى بسقوط الحد فحصول الرضاء من المقذوف ولا يجب المال على القاذف لاحتمال كونه حقا لله تعالى والله اعلم- روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس ان هلال بن امية قذف امرأته....

عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سمحا فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا وجد أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة والأحد في

ص: 451

ظهرك فقال هلال والّذي بعثك بالحق انى لصادق فلينزلن الله ما يبرئى ظهرى من الحد فنزل جبرئيل وانزل الله عليه.

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ الاية فقرأ حتى بلغ إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فجاء هلال فشهد يعنى لا عن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ان الله يعلم ان أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت يعنى لاعنت فلمّا كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا انها موجبة قال ابن عباس فتلكات «1» ونكصت حتى ظننا انها ترجع ثم قالت لا افضح قومى سائر اليوم فمضت- وقال النبي صلى الله عليه وسلم ابصروها فان جاءت به اكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سمحا فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لى ولها شأن- وفي الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي قال ان عويمر العجلاني قال يا رسول الله ارايت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا في المسجد وانا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا فان جاءت به اسحم «2» أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين فلا احسب عويمرا إلا قد صدق عليها وان جاءت به احمر كانه وحرة فلا احسب عويمرا إلا قد كذب عليها فجاءت به على النعت الّذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ينسب الى امه

(1) فتلكأت اى توقفت وتبطأت ان يقولها ونكصت النكوص هو الرجوع الى وراء وسابغ الأليتين اى تامهما وعظيمهما من سبوغ النعمة والثوب وخدلج الساقين اى عظيمهما من مجمع البحار- الفقير الدهلوي.

(2)

اسحم الأسحم الأسود وقوله أدعج العينين الدعجة السواد في العين وغيرها يريد ان سواد عينيه كان شديدا مجمع البخار- الفقير الدهلوي.

ص: 452

واخرج احمد عن عكرمة عن ابن عباس انه لما نزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار هكذا نزلت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار الا تسمعون ما يقول سيدكم قالوا يا رسول الله لا تلمه فانه رجل غيور والله ما تزوج امراة قط الا بكرا ولا طلق امراة له فاجتر ارجل منّا ان يتزوجها من شدة غيرته قال سعد يا رسول الله بابى أنت وأمي والله انى لا عرف انها حق وانها من الله ولكنى تعجبت انى لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لى ان أهيجه ولا أحركه حتى اتى باربعة شهداء فو الله لا اتى بهم حتى يقضى حاجته- قال فما لبثوا الا يسيرا حتى جاء هلال بن امية رو هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فجاء من ارضه عشاء فوجد عند اهله رجلا فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرايت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه واجتمعت الأنصار فقالوا قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الان يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن امية ويبطل شهادته في الناس فقال هلال والله انى لارجو ان يجعل الله لى منهما مخرجا فو الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد ان يأمر بضربه انزل الله عليه الوحى فامسكوا عنه حتى فرغ من الوحى فنزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ الآية- واخرج ابو يعلى مثله عن انس وذكر البغوي هذا الحديث وقال في آخره ابشر يا هلال فان الله قد جعل لك فرجا قال قد كنت أرجو ذلك من الله- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إليها فجاءت فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها فكذّبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يعلم ان أحدكما كاذب فهل منكما تائب فقال هلال يا رسول الله بابى أنت وأمي قد صدقت

ص: 453

وما قلت الا حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عنوا بينهما فقيل لهلال اشهد فشهد أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فقال له عند الخامسة يا هلال اتق الله فان عذاب الدنيا أهون من عذاب الاخرة وان عذاب الله أشد من عذاب الناس وان لهذه الخامسة هى الموجبة الّتي توجب عليك العذاب فقال هلال والله لا يعذبنى الله عليها كما لا يجلدنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد الخامسة أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ- ثم قال للمرءة اشهدي فشهدت أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ فقال لها عند الخامسة (ووقفها) اتقى الله فان الخامسة موجبة وان عذاب الله أشد من عذاب الناس فتنكات ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت والله لا افضح قومى فشهدت الخامسة أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى ان الولد لها ولا يدعى لاب ولا يرمى ولدها- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها وان جاءت به كذا وكذا فهو للذى قيل منه فجاءت به غلاما كانه أجمل أورق على الشبه المكروه- وكان بعد أميرا بمصر لا يدرى من أبوه- قال البغوي انه قال ابن عباس في سائر الروايات ومقاتل انه لما نزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الاية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقام عاصم بن عدى الأنصاري فقال جعلنى الله فداك ان راى رجل منا مع امرأته رجلا فاخبر بما راى جلد ثمانين سوطا وسماه المسلمون فاسقا ولا يقبل شهادته ابدا فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل فرغ من حاجته ومرّ- وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له عويمر وله امراة يقال لها خولة بنت قيس بن محصن فاتى عويمر عاصما وقال لقد رايت شريك بن السمحا على بطن امراتى خولة- فاسترجع عاصم واتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة الاخرى- فقال يا رسول الله ما ابتليت بالسؤال

الّذي سالت

ص: 454

فى الجمعة الماضية في اهل بيتي وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بنى عم لعاصم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعا- وقال لعويمر اتق الله في زوجتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان فقال يا رسول الله اقسم بالله اننى رايت شريكا على بطنها وانى ما قربتها منذ اربعة أشهر وانها حبلى من غيرى- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرءة اتقى الله ولا تخبريني الا بما صنعت فقالت يا رسول الله ان عويمرا رجل غيور وانه رانى وشريكا نستطيل السهر ونتحدث فحملته الغيرة على ما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشريك ما تقول فقال ما تقوله المرأة- فانزل الله عز وجل وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ الاية فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودى الصلاة جامعة فصلى العصر ثم قال لعويمر قم فقام فقال اشهد بالله ان خولة زانية وانى لمن الصادقين ثم قال في الثانية اشهد بالله انى رايت شريكا على بطنها وانى لمن الصادقين ثم قال في الثالثة اشهد انها حبلى من غيرى وانى لمن الصادقين ثم قال في الرابعة اشهد بالله ما قربتها منذ اربعة أشهر وانى لمن الصادقين ثم قال في الخامسة لعنة الله على عويمر (يعنى نفسه) ان كان من الكاذبين فيما قال- ثم امره بالقعود وقال لخولة قومى فقامت فقالت اشهد بالله ما انا بزانية وان عويمر المن الكاذبين ثم قالت في الثانية اشهد بالله ما راى شريكا على بطني وانه لمن الكاذبين ثم قالت في الثالثة اشهد بالله انا حبلى منه وانه لمن الكاذبين ثم قالت في الرابعة انه ما رانى قط على فاحشة وانه لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة غضب الله على خولة (تعنى نفسها) ان كان من الصادقين- ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال لولا هذه الايمان لكان في أمرها رأى ثم قال تحينوا بها الولادة فان جاءت باصيهب «1» ابيلج يضرب الى السواد فهو لشريك بن السمحا وان جاءت باورق جعدا جماليا «2» فهو لغير الّذي رميت به- قال ابن عباس

(1) اصيهب هو من يعلو لونه صهبة وهى كالشقرة- مجمع البحار- الفقير الدهلوي-

(2)

وفي مجمع البحار حمّاليا هو بالتشديد الضخم الأعضاء التام الأوصال كانه الحمل- الفقير الدهلوي.

ص: 455

فجاءت بأشبه خلق لشريك- قال الحافظ ابن حجر اختلف الائمة في هذا الموضع فمنهم من رجح انها نزلت في شأن عويمر ومنهم من رجح انها في شأن هلال واحتج «1» القرطبي الى تجويز نزول الاية مرتين ومنهم من جمع بينهما بان أول من وقع ذلك هلال وصادف مجئى عويمر ايضا فنزلت في شأنهما معا والى هذا اجنح النووي وسبقه الخطيب- وقال الحافظ ابن حجر يحتمل ان النزول سبق بسبب هلال فلما جاء عويمر ولم يكن له علم بما وقع لهلال علمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم ولهذا قال في قصة هلال فنزل جبرئيل- وفي قصة عويمر قد انزل الله فيك اى فيمن وقع له مثل ما وقع لك وبهذا أجاب ابن الصباغ في الشامل- (مسئلة) وبناء على عموم قوله تعالى الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ قال مالك والشافعي واحمد كل زوج صح طلاقه صح لعانه سواء كانا حرين او عبدين عدلين او فاسقين او أحدهما حرّا عدلا والاخر عبدا او فاسقا- وكذا سواء كانا مسلمين او كافرين او أحدهما خلافا لمالك فان عنده انكحة الكفار فاسدة لا يصح طلاقه فلا يصح لعانه- وقال ابو حنيفة لا يجوز اللعان مالم يكن الزوج أهلا للشهادة- يعنى حرا عاقلا بالغا مسلما وتكون الزوجة ممن يحد قاذفها يعنى حرة عاقلة بالغة مسلمة غير متهمة بالزنى- فلا يجرى اللعان عنده إذا كان الزوج عبدا او كافرا او محدودا في قذف بل يحد حد القذف ان كانت المرأة ممن يحد قاذفها والا يعزّر ان رأى الامام- لكن ان كان الزوج أعمى او فاسقا يجوز لعانه لان الفاسق يجوز للقاضى قبول شهادته وان لم يجب قبوله- والأعمى انما لا تقبل شهادته لعدم تميزه بين المشهود له والمشهود عليه وهاهنا هو يميز بين نفسه وبين امرأته فكان أهلا لهذه الشهادة دون غيرها وروى ابن المبارك عن ابى حنيفة ان الأعمى لايلا عن- وكذا لا يجرى اللعان عند ابى حنيفة

(1) واحتج إلخ لعله من غلط الناسخ والصحيح وجنح إلخ- الفقير الدهلوي-

ص: 456

إذا كانت الزوجة امة او كافرة او صبية او مجنونة او تزوجت بنكاح فاسد ودخل بها فيه او كان لها ولد ليس له اب معروف او زنت في عمرها ولو مرة ثم تابت او وطئت وطيا حراما بشبهة ولو مرة فحينئذ لاحد ولا لعان بل تعزران رأى الامام- ووجه قول ابى حنيفة في اشتراط كون المرأة ممن يحد قاذفها ان اللعان انما شرع لدفع حد القذف من الزوج كما يدل عليه الأحاديث في سبب نزول الاية حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابشر يا هلال فان الله قد جعل لك فرجا فهو بدل عن حدّ القذف في حق الزوج- ولذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اتق الله فان عذاب الدنيا يعنى الحد أهون من عذاب الاخرة فاذا لم يتصور المبدل منه لا يتصور البدل وفي اشتراط كون الرجل من اهل الشهادة قوله تعالى وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ حيث جعل الأزواج أنفسهم شهداء لان الاستثناء من النفي اثبات ولو جعل الشهداء مجازا من الحالفين كما قالوا كان المعنى ولم يكن لّهم حالفون الا أنفسهم وهو غير مستقيم لانه يفيد انه إذا لم يكن للذين يرمون أزواجهم من يحلف لهم يحلفون هم لانفسهم وهذا فرع تصور الحلف لغيره وهو لا وجود له أصلا فلو كان اليمين معنى حقيقيا للفظ الشهادة كان هذا صارفا عنه الى مجازه فكيف وهو معنى مجازى لها ولو لم يكن هذا كان إمكان العمل بالحقيقة موجبا لعدم الحمل على اليمين فكيف وهذا صارف عن المجاز ويدل على اشتراط اهلية الشهادة في الرجل وكون المرأة ممن يحد قاذفها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواها بن ماجة والدار قطنى بوجوه الاول ما رواه الدار قطنى بسنده عن عثمان بن عبد الرحمان الزهري عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والامة لعان وليس بين العبد والحرة لعان وليس بين المسلم واليهودية لعان وليس بين المسلم والنصرانية لعان- قال يحيى والبخاري وابو حاتم الرازي و

ص: 457

ابو داود عثمان بن عبد الرحمان الزهري ليس بشيء وقال يحيى مرة كان يكذب وقال ابن حبان كان يروى عن الثقات الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به وقال النسائي والدار قطنى متروك الحديث- والثاني ما رواه الدار قطنى وابن ماجة بسندهما عن عثمان بن عطاء الخراسانى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربع من النساء لا ملاعنة بينهن النصرانية تحت المسلم واليهودية تحت المسلم والمملوكة تحت الحر والحرة تحت المملوك وعثمان بن عطاء ضعفه يحيى والدار قطنى وقال ابو حاتم الرازي وابن حبان لا يجوز الاحتجاج به وقال على بن الجنيد متروك قال الدار قطنى وقد تابعه يزيد بن زريع عن عطاء وهو ضعيف ايضا- وقد روى الدار قطنى من طريق اخر عن عماد بن مطر قال حدثنا حماد بن عمر عن زيد بن رفيع عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عتاب بن أسيد ثم ذكر نحوه قال ابو حاتم الرازي عماد بن مطر كان يكذب وقال ابن عدى أحاديثه بواطيل وهو متروك الحديث وقال احمد حماد بن عمرو كان يكذب ويضع الحديث وقال الساجي اجمعوا على انه متروك الحديث وقد ضعف النسائي والدار قطنى زيد بن رفيع- قال ابن الجوزي وقد روى هذا الحديث الأوزاعي وابن جريج وهما امامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله ولم يرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن همام وأنت علمت ان الضعيف إذا تعدد طرقه كان حجة وهذا كذلك وقد اعتضد برواية الإمامين إياه موقوفا على جد عمود بن شعيب- وقال الشافعي قاله تعالى فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) يدل على انها ايمان وليس بشهادات لان كلمة بالله محكم في اليمين وكلمة الشهادة يحتمل اليمين الا ترى انه لو قال اشهد ينوى اليمين كان يمينا فحملنا المحتمل على المحكم وحمل الشهادة على الحقيقة

ص: 458

متعذر لان المعلوم في الشرع عدم قبول شهادة الإنسان لنفسه بخلاف يمينه وكذا المعهود شرعا عدم تكرر الشهادة في موضع بخلاف اليمين فانه معهود في القسامة- ولان

الشهادة محلها الإثبات واليمين للنفى فلا يتصور تعلق حقيقتها بامر واحد فوجب العمل بحقيقة أحدهما ومجاز الاخر فليكن المجاز لفظ الشهادة لما قلنا من الوجهين المذكورين- وإذا كان الشهادة بمعنى اليمين لم يكن اهلية الشهادة شرطا للعان- قلنا كما ان الشهادة لنفسه وتكرار أداء الشهادة غير معهود في الشرع كذلك الحلف لغيره والحلف لايجاب الحكم ايضا غير معهود في الشرع بل اليمين لدفع الحكم فكما ان جاز لمن له ولاية الإيجاد والاعدام والحكم كيف ما اراده شرعية هذين الامرين في محل بعينه ابتداء جاز له شرعية ذلك ابتداء والشهادة لنفسه قد ورد في محكم التنزيل حيث قال الله تعالى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع المؤذن يقول اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا رسول الله وانا اشهد وانا اشهد فشهادته بالرسالة شهادة لنفسه- وتكرار الشهادة في هذا المحل انما شرع بدلا عما عجز عنه من اقامة شهود الزنى وهم اربعة وعدم قبول الشهادة لنفسه عند التهمة- ولهذا يثبت عند عدمها أعظم ثبوت كما ذكرنا من شهادة الله وشهادة رسوله فلا يبعد ان يشرع الشهادة لنفسه في موضع بواسطة تأكيدها باليمين والزام اللعنة والغضب ان كان كاذبا والله اعلم جملة ولم يكن لّهم شهداء اما عطف على الصلة او حال من فاعل يرمون- والّا أنفسهم بدل من الشهداء او صفة ان كان الا بمعنى غير والموصول مع الصلة مبتدأ خبره ما بعده- قرأ حفص وحمزة والكسائي اربع شهدت بالرفع على انه خبر شهادة أحدهم وقرأ الباقون على المصدر لبيان عدد المصدر- والتقدير فالواجب شهادة أحدهم او فعليهم شهادة أحدهم اربع شهدت- وقيل شهادة أحدهم مبتدأ خبره محذوف تقديره فشهادة أحدهم اربع شهدت تدفع عنه حد القذف

ص: 459

وبالله متعلق بشهدت لكونها اقرب وقيل بشهادة لتقدمها- وقوله إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ أصله على انّه من الصّادقين فيما رماها من الزنى او نفى الولد او منهما فحذفت الجار وكسرت انّ وعلق اللام عنه باللام تأكيدا- وقيل هو جواب قسم محذوف والجملية القسمية بيان للشهادة.

وَالْخامِسَةُ اتفق القراء على رفعه فهو على قراءة حفص وحمزة والكسائي عطف على اربع شهادات- وعلى قراءة الباقين عطف على قوله فشهادة أحدهم يعنى فالواجب شهادة أحدهم اربع شهادات والواجب الشهادة الخامسة وجاز ان يكون الخامسة مبتدأ وما بعده خبره والجملة الاسمية حال أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ قرا نافع ويعقوب ان مخففة من الثقيلة واسمه ضمير الشأن ورفع اللعنة على الابتداء والباقون انّ مشددة ونصب اللعنة على انها اسم انّ وانّ مع ما في حيزه بتقدير حرف الجر متعلق بالشهادة يعنى والشهادة الخامسة بانّ لعنة الله عليه إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) شرط مستغن عن الجزاء بما مضى (مسئلة) إذا قذف الرجل امرأته بالزنى او بنفي الولد وهما من اهل اللعان على ما ذكرنا من الخلاف وطالبته بموجب القذف وجب عليه اللعان فان امتنع منه حبسه الحاكم عند ابى حنيفة رحمه الله حتى يلاعن او يكذّب نفسه فيحدّ حدّ القذف وعند مالك والشافعي واحمد إذا امتنع من اللعان يحدّ حدّ القذف ولا يحبس لان موجب القذف الحد واللعان حجة صدقه والقاذف إذا قعد عن اقامة الحجة حد ولا يحبس- الا ان الشافعي يقول إذا نكل فسق وقال مالك لا يفسق- وجد قول ابى حنيفة ان النكول دليل على الإقرار لكن فيه شبهة والحد لا يثبت مع الشبهة- فيحبس حتى يلاعن او يكذب نفسه لانه حق مستحق عليه وهو قادر على ايفائه فيجلس به حتى يأتى بما هو عليه- وإذا لاعن الزوج وجب على المرأة اللعان عند ابى حنيفة فان امتنعت حبسها الحاكم حتى تلا عن او تصدقه لانه حق مستحق عليها وهى قادرة على ايفائه فتحبس فيه وعند الشافعي إذا لاعن الزوج وقعت الفرقة بينه وبين زوجته وحرمت عليه على التأييد وانتفى عنه النسب لقوله صلى الله عليه وسلم

ص: 460

المتلاعنان لا يجتمعان ابدا- قلنا انما يصدق التلاعن الا بعد لعان المرأة ايضا- فلا يقع الفرقة ولا يجوز التفريق الا بعد تلا عنهما- ويجب على المرأة بلعان الرجل حد الزنى عند مالك والشافعي واحمد ويسقط عنها حد الزنى عندهم إذا لاعنت لقوله تعالى.

وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ يعنى حد الزنى كما في قوله تعالى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ولقوله صلى الله عليه وسلم لامراة هلال بن امية اتقى الله فان الخامسة موجبة وان عذاب الله أشد من عذاب الناس أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ منصوب بالإجماع على المصدرية

شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ اى الزوج لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) فيما رمانى به من الزنى او من نفى الولد او منهما.

وَالْخامِسَةَ قرا الجمهور بالرفع على الابتداء وما بعده خبره او على العطف على ان تشهد وقرا حفص بالنصب عطفا على اربع شهادات أَنَّ قرأ نافع ويعقوب مخففة على انها مصدرية والباقون مشددة غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها قرأ نافع ويعقوب «1» بكسر الضاد على انه فعل ماض من باب علم يعلم والله مرفوع على انه فاعل للفعل والباقون بفتح الضاد بالنصب على انه اسم ان والله بالجر على انه مضاف اليه إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) فيما رمانى به من الزنى او نفى الولد او منهما قال الشافعي لا يتعلق بلعانها الا حكم واحد وهو سقوط حد الزنى- ولو اقام الزوج بينة على زناها لا يسقط عنها الحد باللعان فان امتنعت من اللعان حدت عندهم- خلافا لابى حنيفة رحمه الله فانه يقول بل تحبس دائما ما لم تلاعن او تصدقه فان صدقته ارتفع سبب وجوب لعانها فلا لعان ولاحد لان التصديق ليس بإقرار قصدا بالذات فلا يعتبر في وجوب الحد بل في درئه فيندفع به اللعان ولا يجب به الحد ولو كان إقرارا

فالاقرار مرة لا يوجب حد الزنى عند ابى حنيفة رحمه الله كما مرّ فيما سبق ولم يتعين ان المراد بالعذاب في قوله تعالى وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ الحدّ لجواز ان يكون المراد به الحبس والحدود تندرئى بالشبهات

(1) والصحيح قرا يعقوب غضب بفتح الضاد ورفع الباء وجرهاء الجلالة- ابو محمد عفا الله عنه-

ص: 461

(مسئلة) ولو صدقت المرأة الزوج في نفى الولد فلاحد ولا لعان عند أبي حنيفة رحمه الله وهو ولدهما لان النسب انما ينقطع حكما للعان ولم يوجد وهو حق الولد فلا يصدقان في ابطاله والله اعلم قلت والعجب من الشافعي ومن معه ان اللعان عندهم يمين ولذا لا يشترطون في الرجل اهلية الشهادة ويجوزون اللعان من العبد والكافر والمحدود في القذف واليمين هو لا يصلح لايجاب المال فكيف يوجب لعان الرجل عند امتناع المرأة عنه عليها الرجم وهو اغلظ الحدود- والعجب من ابى حنيفة رحمه الله انه قال اللعان شهادات ولذا اشترط في الرجل اهلية الشهادة وقال تكرار الشهادة في هذا المحل انما شرع بدلا عما عجز عنه من اقامة شهود الزنى وهم اربعة وقد جعل الشارع شهادات الأربع مقام شهادة اربعة من الرجال بواسطة تأكد باليمين والزام اللعنة- وانه قال ان اللعان قائم مقام حد القذف في حقه ومقام حد الزنى في حقها فلم لم يقل بايجاب حد الزنى عليها بشهاداته الأربع وقد قال الله تعالى وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ والدرء لفظ خاص صريح في معنى السقوط والسقوط يقتضى الوجوب عند عدم موجبه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاب الله أشد من عذاب الناس يعنى الحد ولا معنى لكون اللعان في حقها قائما مقام حد الزنى الا انه إذا لاعنت سقط عنها الحدّ وان امتنعت من اللعان وجب عليها الحدّ- لا يقال ان شهاداته وحده وان كانت قائمة مقام شهادة اربعة من الرجال لكن لا يحصل به القطع بتحقق الزنى- وفي قيام شهادته مقام شهاداتهم شبهة فيندرئ بها حد القذف ولا يثبت بها حد الزنى لانها يندرئ بالشبهات لانا نقول لا شبهة في قيام شهاداته مقام شهاداتهم لثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع والقطع بتحقق الزنى كما لا يحصل بشهاداته الأربع كذلك لا يحصل بشهادة اربعة من الرجال لجواز تواطئهم على الكذب والخبر لا يوجب القطع ما لم يبلغ درجة التواتر او يكون المخبر معصوما- والحكم بعد شهادة رجلين او اربعة امر تعبدى ليس

ص: 462

مبناه على القطع بل على غلبة الظن- وغلبة الظن هاهنا فوق غلبة الظن في شهادة اربعة من الرجال بواسطة تأكد شهاداته باليمين والتزام اللعنة مع كونه عدلا جائز الشهادة وبامتناع المرأة من اللعان- الا ترى ان توافق الاربعة على الكذب اقرب عند العقل من امتناع المرأة عن اللعان على تقدير كذب الزوج مع اعتقادها بسقوط الرجم عنها ودفع العذاب باللعان- والمراد بالشبهة الّتي تندرئ به الحدّ شبهة سوى هذه الشبهة الّتي لم يعتبرها الشرع من احتمال كذب الشهود الاربعة وكذب الزوج مع لعانه وامتناعها من اللعان- فالراجح عندى في اشتراط اهلية الشهادة في الزوج وكون المرأة ممن يحد قاذفها قول ابى حنيفة رحمه الله وفي وجوب حد الزنى بعد امتناع المرأة من اللعان قول الشافعي ومن معه والله اعلم (مسئلة) قد مر فيما سبق ان بلعان الرجل وحده يقع الفرقة بين الزوجين عند الشافعي وهذا امر لا دليل عليه- وقال زفروبه قال مالك وهو رواية عن احمد انه يقع الفرقة بتلا عنهما من غير قضاء القاضي وعند ابى حنيفة وصاحبيه واحمد لا تقع بعد تلاعنهما حتى يفرق الحاكم بينهما ويحب على الحاكم تفريقهما- والفرقة تطليقة بائنة عند ابى حنيفة ومحمد وعند ابى يوسف وزفر ومالك والشافعي واحمد فرقه فسخ وجه قولهم جميعا ان بالتلاعن يثبت الحرمة المؤبدة كحرمة الرضاع- كما في الصحيحين عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين حسابكما على الله أحد كما كاذب لا سبيل لك عليها- قال يا رسول الله مالى قال لا مال لك ان كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وان كنت كذبت عليها فذلك ابعدوا بعد لك منها- وما رواه ابو داود في حديث سهل بن سعد مضت السنة في المتلاعنين ان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان ابدا وكذا روى الدار قطنى عن على وابن مسعود- قال الحافظ ابن حجر وفي الباب عن على وعمر وابن مسعود في مصنف عبد الرزاق وابن ابى شيبة وروى ابو داود في حديث ابن عباس في اخر قصة هلال بن امية انه صلى الله عليه وسلم فرق بينهما

ص: 463

وقضى بان لا ترمى ولا ولدها

- وفي الصحيحين عن ابن عمران رجلا لا عن امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرق عليه السلام بينهما والحق الولد بامه- واصرح دليل على قول الجمهور ان الفرقة ليست فرقة طلاق ما أخرجه ابو داود في سننه عن ابن عباس في قصة هلال بن امية انه قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ليس لها عليه قوت ولا سكنى من أجل انهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها قالوا إذا ثبت بعد التلاعن الحرمة المؤبدة فلا حاجة الى تفريق القاضي وايضا الحرمة المؤبدة تنافى النكاح كحرمة الرضاع فتنفسخ- وقال ابو حنيفة ان ثبوت الحرمة لا يقتضى فسخ النكاح الا ترى انه بالظهار يثبت الحرمة ولا ينفسخ النكاح غير انه إذا ثبت الحرمة عجز الزوج عن الإمساك بالمعروف فيلزمه التسريح بالإحسان فاذا امتنع منه ناب القاضي منا به دفعا للظلم دل عليه ما رواه الشيخان في حديث سهل بن سعد انه قال عويمر بعد ما تلاعنا كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في التطليق- وروى الدار قطنى بسنده من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان ابدا- وقد طعن الشيخ أبو بكر الرازي في ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن قال صاحب التنقيح اسناده جيد ومفهوم شرطه يستلزم انهما لا يفترقان بمجرد اللعان وهو حجة على الشافعي على مقتضى رأيه وما قال ابن عباس قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ليس لها قوت ولا سكنى من أجل انهما يفترقان بغير طلاق فهذا زعم من ابن عباس وانما المرفوع القضاء بعدم النفقة والسكنى- قلت الحرمة بعد التلاعن ثبتت بالإجماع اما عند الشافعي وزفر ومن معهما فظاهر وامّا عند ابى حنيفة فلانه لولا الحرمة فلا وجه لتفريق النبي صلى الله عليه وسلم ولا موجب لقول ابى حنيفة ثم يفرق القاضي وهذه الحرمة ليست كحرمة الظهار نكونها منتهية بالكفارة بل هى حرمة مؤبدة كحرمة الرضاع ولا شك ان الحرمة

ص: 464

المؤبدة تنافى النكاح بخلاف المؤقتة فينفسخ ولا يحتاج الى قضاء القاضي يدل عليه ما قال ابن همام انه يلزم على قول ابى يوسف انه لا يتوقف على تفريق القاضي لان الحرمة ثابتة قبله اتفاقا- وقوله امتنع عن الإمساك بالمعروف فينوب القاضي منابه في التسريح- يقتضى ان يأمر القاضي الزوج بعد اللعان ان يطلقها فان امتنع من التطليق بفرق القاضي بينهما ولم يقل به أحد ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم امره بالتطليق وقول ابن عباس في حكم الرفع لكونه عالما بكيفية قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واما قول عويمر فمحمول على عدم علمه بوقوع الفرقة باللعان ومفهوم الشرط وان كان حجة عند الشافعي لكن يترك العمل به للقطع على ثبوت الحرمة المؤبدة- او يقال معنى قوله المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان ابدا إذا افترقا من التلاعن اى فرغا كما قال ابو حنيفة في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا حيث قال المراد بالتفرق تفرق الأقوال مسئلة إذا أكذب الزوج نفسه بعد التلاعن هل يجوز له ان يتزوجها قال الشافعي ومالك واحمد إذا أكذب نفسه يقبل ذلك فيما عليه لا فيماله فيلزمه حد القذف ويلحقه الولد ولا يرتفع التحريم المؤبد فلا يجوز له التزوج- وقال ابو حنيفة وهو رواية عن احمد انه جلد وجاز له ان يتزوجها لانه لمّا حد لم يبق أهلا للعان فارتفع حكمه المنوط به وكذلك ان قذف غيرها فحدّ به وكذا إذا زنت فحدت لانتفاء اهلية اللعان من جهتها- قلنا زوال اهلية اللعان لا يقتضى نفى اللعان من أصله الا ترى انه من قذف غيره فحدّ حدّ القذف ثم زنى المقذوف وحدّ حدّ الزنى لا يقبل شهادة القاذف بعد ذلك مع زوال اهلية المقذوف لان يحد قاذفه- قالت الحنفية معنى قوله صلى الله عليه وسلم المتلاعنان لا يجتمعان ابدا لا يجتمعان ماداما متلاعنين كما هو مفهوم العرفية قلنا معنى العرفية لا يتصور الا إذا كان العنوان وصفا قارّا والتلاعن وصف غير قار فلا يمكن الحكم بشرط الوصف بل المراد الذان صدر منهما اللعان في وقت من الأوقات لا يجتمعان

ص: 465

بعد ذلك ابدا- والقول بان معنى الحديث لا يجتمعان ماداماهما

على تكاذبهما مصادرة على المطلوب والله اعلم (مسئلة) ولو كان القذف بنفي الولد نفى القاضي نسبه عنه والحقه بامه ويتضمنه القضاء بالتفريق عند من يشترط له القضاء ويقول في اللعان اشهد بالله انى لمن الصادقين فيما رميتك به من نفى الولد وكذا في جانب المرأة ولو قذفها بالزنى ونفى الولد ذكر في اللعان أمرين ثم ينفى القاضي نسب الولد ويلحقه بامه لحديث ابن عمران النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين الرجل وامرأته فانتفى من ولدها ففرق بينهما والحق الولد بالمرأة متفق عليه (مسئلة) وإذا قال الزوج ليس حملك منى فلا لعان عند ابى حنيفة وزفر واحمد لعدم تيقن الحمل عند نفيه فلم يصر قاذفا وقال مالك والشافعي يلاعن لنفى الحمل وقال ابو يوسف ومحمد إذا جاءت بالولد لاقل من ستة أشهر وجب اللعان- ومقتضى هذا القول انه يؤخر الأمر الى ان تلد فان ولدت لاقل من ستة أشهر وجب اللعان والا فلا وقد ورد في بعض طرق قصة هلال ما يدل على ان اللعان كان بعد الولادة روى الشيخان في الصحيحين عن ابن عباس في قصة هلال فقال عليه السلام اللهم بين ووضعت شبيها بالذي ذكر زوجها انه وجد عند اهله فلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه قول مالك والشافعي ان النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين هلال وزوجته وقضى ان لا يدعى ولدها لاب ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها او رمى ولدها فعليه الحد قال عكرمة وكان ولدها بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لاب- وهذا لفظ ابى داود وفي اكثر الطرق ان امراة هلال كانت حاملا حين لاعنت وروى النسائي عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت حبلى- واخرج عبد الرزاق هكذا ايضا وقال زوجها ما قربتها منذ عفار النخل وعفار النخل انها لا تسقى بعد الآبار شهرين فقال عليه السّلام

ص: 466

اللهم بيّن فجاءت بولد على الوجه المكروه وبهذا يظهر جواز اللعان بنفي الحمل وأجيب بان اللعان انما ثبت لان هلالا رماها بالزنى لا بنفي الحمل وما ورد في رواية وكيع عند احمد انه لاعن هلال بالحمل فقد أنكره احمد وقال انما وكيع اخطأ فقال لاعن بالحمل وانما لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء فشهد بالزنى ولم يلاعن بالحمل قلت والظاهر انه رماها بكلا الامرين كما يدل عليه ما ذكر البغوي عن ابن عباس وقتادة- ولو كان رماها بالزنى فحسب لم ينف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه الولد مع احتمال كون العلوق بوطي اخر من هلال غير وطى الزاني فبحديث هلال لا يثبت جواز اللعان بنفي الحمل فقط- وكذا قول ابن عباس لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت حبلى لا يدل على ان الرمي كان بنفي الحمل فقط- بل ما روى ابن سعد في الطبقات في ترجمة عويمر عن عبد الله بن جعفر قال شهدت عويمر بن الحارث العجلاني وقد رمى امرأته بشريك بن سمحا وأنكر حملها فلا عن بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى حامل فرايتهما يتلاعنان قائمين عند المنبر ثم ولدت فالحق الولد بالمرأة وجاءت به أشبه الناس بشريك بن سمحا- وكان عويمر قد لامه قومه وقالوا امراة لا نعلم عليها الا خيرا فلما جاءت بشبه بشريك عذر الناس- وعاش المولود سنتين ثم مات وعاشت امه بعده يسيرا وصار شريك بعد ذلك عند الناس بحال سوء يدل على انه رمى امرأته بالزنى وأنكر حملها مع ذلك- ووجه قول ابى يوسف ومحمد انه إذا نفى الحمل وجاءت بالولد لاقل من ستة أشهر ظهر وجود الحمل عند الرمي فتحقق القذف عنده فيلاعن عليه- قال ابو حنيفة إذا لم يكن قذفا في الحال صار كالمعلق بالشرط كانه قال ان كنت حاملا فليس حملك منى والقذف لا يصح تعليقه بالشرط- (مسئلة) ولو قال زنيت وحملك من الزنى تلاعنا اجماعا لوجود القذف حيث ذكر الزنى صريحا ولا ينفى القاضي الحمل عند ابى حنيفة رحمه الله وقال الشافعي ينفيه لان النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولد عن هلال وقد قذفها حاملا

ص: 467

قال ابو حنيفة الاحكام لا يترتب عليه الا بعد الولادة

فتمكن الاحتمال قبله والحديث محمول على ان النبي صلى الله عليه وسلم عرف وجود الحمل بطريق الوحى- قلت وهذا القول بعيد جدّا لان النبي صلى الله عليه وسلم انما كان يحكم على ظاهر الأمر حتى يقتدى به ولم يكن يحكم بالحكم الحاصل بالوحى والا لم يقل أحد كما كاذب ويحكم بكذب واحد معين بالوحى.

(مسئلة) إذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة فعند الشافعي ان نفى حين سمع الولادة فورا صح نفيه ولاعن به وان سكت ثم نفى لاعن وثبت النسب وقال ابو حنيفة صح نفيه حالة التهنئة ولم يعين لها مدة في ظاهر الرواية وذكر ابو الليث عن ابى حنيفة تقديرها بثلاثة ايام وروى الحسن عنه سبعة ايام وقال ابو يوسف ومحمد صح نفيه في مدة النفاس وكان القياس ان لا يجوز النفي الا فورا لان السكوت دليل الرضا الا انا استحسّنا جواز تأخيره مدة يقع فيها التأمل لئلا يقع في نفى ولده عن نفسه او استلحاق ولد غيره بنفسه وكلاهما حرام- عن ابى هريرة انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لما نزلت اية الملاعنة ايّما امراة ادخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وايّما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رءوس الأولين والآخرين- رواه ابو داؤد والنسائي والشافعي وابن حبان والحاكم وصححه الدار قطنى وفي الصحيحين عن سعد بن ابى وقاص وابى بكرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه وهو يعلم انه غير أبيه فالجنة عليه حرام (مسئلة) لو كان الزوج غائبا يعتبر المدة الّتي ذكرناها على الأصلين بعد قدومه فعندهما قدر مدة النفاس وعنده قدر مدة قبول التهنية (مسئلة) جاز للزوج قذف زوجته علم زناها او ظنه ظنّا مؤكدا كشياع زناها بزيد مع قرينة بان راهما في خلوة لو أتت بولد علم انه ليس منه بان- لم يطأها- او

ص: 468

ولدت لدون ستة أشهر من وقت وطيها او فوق سنتين- ولو ولدت لما بينهما ولم تستبرئى بحيضة حرم النفي- ولو ولدت لفوق ستة أشهر من الاستبراء حل النفي- (مسئلة) ولو وطى وعزل او علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنى حرم النفي والله اعلم.

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يا امة محمّد وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ يعود بالرحمة على من يرجع من المعاصي بالندم والاستغفار حكيم (10) فيما فرض عليكم من الحدود وفي غيرها جواب لولا محذوف لتعظيمه اى لفضحكم وعاجلكم بالعقوبة والله اعلم اخرج الشيخان وغيرهما عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها اهل الافك ما قالوا فبرّاها الله مما قالوا وكلّ حدثنى طائفة من الحديث وبعض حديثهم يصدق بعضا وان كان بعضهم اوعى له من بعض- الّذي حدثنى عروة ان عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا اقرع بين نسائه فايّتهن خرج سهمها خرج بها فاقرع بيننا في غزوة «1» غزاها فخرج سهمى فخرجت وذلك بعد ما نزل الحجاب فكنت احمل في هودجى وانزل فيه- فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل دنونا من المدينة قافلين اذن ليلة بالرحيل فقمت فمشيت حتى جاوزت الجيش- فلمّا قضيت شأنى أقبلت الى رحلى فلمست صدرى فاذا عقد من جزع اظفار «2» قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فجسنى ابتغاؤه

(1) هى غزوة بنى المصطلق في السنة السادسة- الفقير الدهلوي-

(2)

الأظفار جنس من الطيب لا واحد له من لفظه وقيل واحده ظفر وقيل هو من العطر اسود والقطعة منه شبهة بالظفر وجزع اظفار هكذا روى وأريد به العطر المذكور كان يؤخذ ويثقب ويجعل في العقد والقلادة- والصحيح في الروايات انه من جزع ظفار بوزن قطام وهى اسم مدينة لحمير باليمن- والجزع ظفار الخرز اليماني- نهاية- حاصل انكه جزع ظفار ظفار الطيبة يعنى وجزع اظفار عقيق يمانى- 12 منه رحمه الله-

ص: 469

واقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لى فحملوا هودجى فرحلوه على بعيري الّذي اركب عليه وهم يحسبون انى فيه- وكان النساء إذ ذك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم انما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا- ووجدت عقدى بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيمت منزلى الّذي كنت فيه فظننت ان القوم سيفقدونى فيرجعون الىّ- فبينما انا جالسة في منزلى غلبتنى عينى فنمت- وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكوانى قد عرس وراء الجيش فادلج فاصبح عند منزلى فراى سواد انسان نائم فعرفنى حين راتى وكان رانى قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى فخمرت وجهى بجلبابي- والله ما كلمنى كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وقد أناخ راحلته فوطى على يدها فقمت إليها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى اتينا الجيش بعد ما نزلوا موعرين «1» فى نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأنى وكان الّذي تولّى كبر الافك عبد الله بن أبيّ بن سلول فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا والناس يفيضون في قول اهل الافك ولا أشعر بشيء من ذلك- وهو يريبنى في وجعي ان لا اعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الّذي كنت ارى منه حين اشتكى انما يدخل علّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول كيف يتكم ثم ينصرف فذلك يريبنى ولا أشعر بالسرّ حتى خرجت حين نقهت فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وكان متبرزنا وكنا لا نخرج الا ليلا وذلك قبل ان يتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا امر العرب الاول في البرية قبل الغائط فكنا نتاذّى بالكنف ان نتخذها عند بيوتنا- قالت فانطلقت انا وأم مسطح (وهى ابنة ابى دهم بن عبد مناف

(1) وفي الصحيح للبخارى رحمه الله موغرين بالغين المعجمة لا بالعين المهملة قال في مجمع البحار موغرين من وغرت الهاجرة وأوغر الرجل دخل في ذلك الوقت ووغر صدره إذا اغتاظ او حمى واوغره غيره قال وروى موعرين بعين مهملة على ضعف انتهى الفقير الدهلوي-

ص: 470

وأمها بنت صخر بن عامر خالة ابى بكر الصديق وابنها مسطح بن اثاثة) فاقبلت انا وأم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا- فعثرت أم مسطح في من طها قبل المناصع فقالت تعس «1» مسطح فقلت لها بئس ما قلت اتسبين رجلا شهد بدرا قالت ابى بنتاه الم تسمعى ما قال قلت ماذا قال فاخبرتنى بقول اهل الافك فازددت مرضا الى مرضى- فلما رجعت الى بيتي ودخل علّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال كيف تيكم قلت أتأذن لى ان اتى ابوىّ- وانا أريد ان أتيقن الخبر من قبلهما فاذن لى فجئت أبوي وقلت لامّى يا أماه ماذا يتحدث الناس- فقالت يا بنية هونى عليك فو الله لقل ما كانت امراة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر الا أكثرن عليها قلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لايرقألى دمع ولا اكتحل بنوم ثم أصبحت ابكى- ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ بن ابى طالب واسامة بن زيد حسين استلبث الوحى يستشيرهما في فراق اهله- فامّا اسامة فاشار عليه بالذي يعلم من براءة اهله وفي رواية وبالذي يعلم بهم في نفسه من الود فقال اسامة يا رسول الله «2» أهلك ولا نعلم الا خيرا- واما علىّ فقال لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثيرة وان تسئل الجارية تصدقك- فدعا بريرة فقال اى بريرة هل رأيت من شيء يربيك من عائشة قالت له بريرة والّذي بعثك بالحق ما رايت عليها امرا قط أغمصه عليها اكثر من انها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتاكله قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر «3» من عبد الله بن أبيّ فقال يا معشر المسلمين من يعذرنى «4» من رجل قد بلغني أذاه في اهل بيتي فو الله ما علمت على أهلي الا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا وما يدخل على أهلي الا معى قالت فقام سعد بن معاذ رضى الله عنه (أخو بنى عبد الأشهل) يا رسول الله انا عذرك «5»

(1) فى مجمع البحار تعس مسطح اى عثروا نكب لوجهه هو بفتح عين وكسرها انتهى الفقير الدهلوي-

(2)

أهلك بالنصب اى امسك أهلك او بالرفع اى هم أهلك- الفقير الدهلوي-

(3)

فاستعذر. [.....]

(4)

من يعذرنى من رجل.

(5)

انا أعذرك- يعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقوم يعذرى ان كافاته على سوء صنيعه فلا يلومنى فقال سعد انا- نهاية منه رحمه الله تعالى-

ص: 471

فان كان من الأوس اضرب عنقه وان كان من إخواننا من الخزرج امرتنا ففعلنا أمرك- قالت وقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج- قالت وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت لعمر «1» الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ولو كان من أهلك ما احسب ان تقتله- فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين- فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر- قالت فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت- قالت فبكيت يومى ذلك لا يرقألى دمع ثم بكيت تلك الليلة لا يرقألى دمع ولا اكتحل بنوم وأبواي يظنان ان البكاء فالق كبدى- فبينماهما جالسان عندى وانا ابكى استأذنت علىّ امراة من الأنصار فاذنت لها فجلست تبكى معى- ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندى منذ قيل لى ما قيل قبلها وقد لبث شهرا لا يوحى اليه في شأنى شيء- قالت فتشهد ثم قال اما بعد يا عائشة فانه قد بلغني عنك كذا وكذا فان كنت بريّة فسيبرئك الله وان كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله ثم توبى اليه فان العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه- فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعى حتى ما أحس منه قطرة فقلت لالى أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال فقال والله ما أدرى ما أقول فقلت لامى أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما أدرى ما أقول فقلت (وانا جارية حديثة السن لا اقرأ كثيرا من القرآن) والله لقد عرفت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم انى بريّة والله يعلم انى برية لا تصدقونى ولان اعترفت لكم بامر والله يعلم انى منه بريّة لتصدقونى والله لا أجد لى ولكم مثلا الا كما قال ابو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون

(1) لعمر الله قال القسطلاني هو بفتح العين اى وبقاء الله انتهى الفقير الدهلوي.

ص: 472

ثم تحولت فاضطجعت على فراشى- قالت وانا حينئذ اعلم انى بريّة وان الله مبرئنى ببراءتي ولكن ما كنت أظن ان الله منزل في شأنى وحيا يتلى ولشأنى في نفسى كان احقر من ان يتكلم الله فيّ بامر يتلى ولكن أرجو ان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رويا يبرئنى الله بها- فو الله ما رام «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من اهل البيت أحد حتى انزل الله على نبيه فاخذه ما كان يأخذه من برحاء الوحي حتى انه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات من ثقل القول الّذي ينزل عليه- فلمّا سرى عنه سرى عنه وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها ان قال أبشري يا عائشة اما الله فقد براك- فقالت لى أمي قومى اليه فقلت والله لا أقوم اليه ولا احمد الا الله وهو الّذي انزل براءتي- وانزل الله.

إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عشر آيات والافك ابلغ ما يكون من الكذب وهو في الأصل الصرف والقلب وذلك ان عائشة كانت تستحق الثناء والدعاء لما كانت عليه من الحصانة والشرف ولما كانت بنتا للصديق زوجا للرسول صلى الله عليه وسلم امّا للمؤمنين واجبة الإكرام والاحترام فمن رماها بسوء قلب الأمر عن وجهه غاية القلب عُصْبَةٌ وهى جماعة من الناس من العشرة الى الأربعين لا واحد لها من لفظها كذا في النهاية مِنْكُمْ يعنى من المؤمنين روى البخاري وغيره عن عائشة كانت تقول اما زينب بنت جحش فعصمها الله بدينها لم تقل الا خيرا واما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك- وكان الّذي يتكلم مسطح وحسان بن ثابت وعبد الله بن ابى المنافق وهو الّذي كان يستوشيه ويجمعه- وقال البغوي قال عروة لم يسم من اهل الافك إلا حسان بن ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لى بهم غير انهم عصبة كما قال الله تعالى- قال عروة وكانت عائشة تكره ان يسب عندها حسان وتقول انه الّذي قال شعر.

فانّ ابى وأمي وأولادي وعرضى

لعرض محمد منكم وفاء «2»

(1) ما رام اى ما فارق مجلسه- قسطلانى- الفقير الدهلوي.

(2)

الصحيح من الرواية

فان ابى ووالدتي وغرضى

لعرض محمّد منكم وقاء

- الفقير الدهلوي.

ص: 473

لا تَحْسَبُوهُ خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين غير العصبة فان شتم عائشة كان راجعا الى النبي صلى الله عليه وسلم فيسوءه ويسوع جميع المؤمنين فانه كان أبوهم صلى الله عليه وسلم يعنى لا تزعموه شَرًّا لَكُمْ حيث يأمركم على ذلك ويظهر كرامتكم على الله وينزل على رسوله في براءتها وتعظيم شأنها وتهويل الوعيد لمن تكلم بالإفك ما يتلى في المحاريب الى يوم القيامة- وجملة لا تَحْسَبُوهُ مستأنفة كانّه في جواب ما شأن هذا الافك- او معترضة للتسلية لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ اى من العصبة الكاذبة مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ اى جزاء إثمه على مقدار خوضه فيه كان بعضهم افترى وأحب ان يشيع وبعضهم تكلم به بعد ما سمع من غيره وبعضهم ضحك ولم يتكلم وبعضهم سكت من غير رد- الموصول واعل للظرف او مبتدا خبره الظرف المقدم عليه والجملة صفة لعصبة وخبر ثان لان- قال البغوي روى ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بالذين رموا عائشة فجلدوا الحدود جميعا تمانين ثمانين- قلت فالحد والفضيحة جزاؤهم في الدنيا وجزاؤهم في الاخرة على ما أراد الله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ قرا يعقوب بضم الكاف والعامة بكسرها قال الكسائي هما لغتان اى تحمّل معظمه يعنى بدأ به واذاعه عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعييرا للمؤمنين- قال البغوي روى الزهري عن عائشة وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) قالت هو عبد الله بن ابى ابن سلول والعذاب العظيم هو النار في الاخرة- وروى ابن ابى مليكة عن عروة عن عائشة في حديث الافك قالت ثم ركبت وأخذ صفوان بالزمام فمررنا بملأ من المنافقين وكانت عادتهم ان ينزلوا منتبذين من الناس فقال عبد الله بن أبيّ رئيسهم من هذه قالوا عائشة قال والله ما نجت منه وما نجا منها وقال امراة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقود بها- وقيل المراد بالّذى تولّى كبره عبد الله بن أبيّ بن سلول وحسان ومسطح وحمنة وهذا القول ضعيف ولو كان كذلك لقال الله تعالى والّذين تولّوا

ص: 474

كبره وايضا كان مسطح وحسان ممن شهد بدرا وقد غفر الله لاهل بدر ما تقدم من ذنبهم وما تأخر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل بدر اعملوا ما شئتم فان الله قد غفر لكم وقد قال الله تعالى في حق جميع الصحابة وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى يعنى الجنة- وهذه الاية لا ينافى العذاب لان دخول الجنة قد يكون بعد التعذيب- وقال قوم هو حسان بن ثابت روى البخاري عن مسروق قال دخلت على عائشة وعندها حسان بن ثابت ينشرها شعرا يشبب بأبيات له شعر

حصان «1» رزان ما تزنّ بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

فقالت له عائشة لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها لم تأذني «2» له ان يدخل عليك وقد قال الله وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ- قالت واىّ عذاب أشد من العمى وقد كان يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى كان يهجو المشركين إذا كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا المراد بالعذاب العظيم عذاب الدنيا ولكن الصواب هو الاول-.

لَوْلا هلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ اى حديث الافك من المنافقين ايها العصبة المؤمنة ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ اى باهل دينهم من المؤمنين والمؤمنات يعبر من اهل الدين بالأنفس كما في قوله تعالى لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وقوله تعالى لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وقوله تعالى لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وقوله تعالى فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ- لان المؤمنين واهل كل دين من الأديان كنفس واحدة خَيْراً كان حق الكلام لولا إذ سمعتموه ظننتم بانفسكم خيرا فعدل من الخطاب

(1) الحصان المرأة العفيفة- الرزان امراة ذات ثبات ووقار وسكون- والرزانة في الأصل الثقل لا تزن اى لاتتهم والزنة التهمة- غرثى المرأة الجائعة- يعنى زنيست عفيفه با وقار وسكينه تهمت كرده نميشود بچيزى كه موجب شك باشد وصبح مى كند در حاليكه خاليست شكم او از گوشت زنان غافلات يعنى غيبت هيچكس نميكند- 12 منه رحمه الله

(2)

وفي الصحيح للبخارى قلت (اى قال مسروق قلت لعائشة) تدعين (بحذف همزة الاستفهام اى اتتركين) فما قاله المفسر رحمه الله تعالى لا يستقيم بوجه لان لم الاستفهامية لا تجزم المضارع وعلى جعل قوله لم تأذني نهيا لا يمكن ان تقام لم الجازمة مقام لا للنهى فالاولى ان يقال ان الصحيح من المفسر رحمه الله تعالى لم تأذنين استفهام والغلط من الناسخ والله تعالى اعلم- الفقير الدهلوي.

ص: 475

الى الغيبة مبالغة في التوبيخ واشعارا بان الايمان يقتضى حسن الظن بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذبون عن أنفسهم- وانما جاز الفصل بين لولا وفعله بالظرف لانه نازل منزلته من حيث انه لا ينفك عنه ولذلك يتسع فيه ما لا يتسع في غيره- وانما قدم الظرف لان ذكر الظرف أهم فان التخصيص على ان لا يخلوا باوله وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) كما يقول المستيقن المطلع على الحال لان الايمان سبب للمدح والتعظيم- فمن اتى بالسبّ والطعن فقد افك الأمر وقلّبه وصار عاصيا فاسقا بالافتراء او الغيبة وشهادة الفاسق غير مقبولة- (مسئلة) من لههنا يظهران حسن الظن بالمؤمنين واجب لا يجوز تركه ما لم يظهر بدليل شرعى خلاف ذلك.

لَوْلا هلا جاؤُ عَلَيْهِ اى على ما زعموا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ حتى يجب الحد على المقذوف فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ الاربعة فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (13) فى ادعائهم الحسبة فان من رمى أحدا بالفاحشة فان اتى بالشهداء (حتى حد المقذوف) يحتمل كون إرادته بالرمي الزجر عن المعاصي وان لم يأت بالشهداء فلا وجه لقذفه الا اشاعة الفاحشة على المسلم دون اقامة حد شرعى فهو كاذب في دعواه الحسبة- وقيل معنى الاية فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ اى في حكمه وشريعته كاذبون حتى أوجب عليهم حد القذف فعلى هذا الظرف متعلق بمضمون قوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ والمعنى فاذ لم يأتوا باربعة شهداء يقام عليهم الحد لكونهم من الكاذبين حكما- قال البغوي روى عن عائشة انه لما نزلت هذه الآيات حدّ النبي صلى الله عليه وسلم اربعة نفر عبد الله بن أبيّ وحسان بن ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش.

ص: 476

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ايها المؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا بانواع النعم الّتي من جملتها التوفيق للاسلام وادراك صحبة النبي صلى الله عليه وسلم الّتي هى مانعة من نزول العذاب والامهال والتوبة وَلولا فضله ورحمته في الْآخِرَةِ حتى وعدكم فيها بالعفو والمغفرة والحسنى الى الجنة لَمَسَّكُمْ ايها العصبة في الدنيا والاخرة فِيما أَفَضْتُمْ اى لاجل ما خضتم فِيهِ من الافك قيل الافاضة بمعنى الاشاعة يقال خبر مستفيض اى شائع عَذابٌ عَظِيمٌ (14) كما مس عادا وثمود وقوم لوط والمؤتفكات في الدنيا ما أوجب الاستيصال وفي الاخرة ما لا انقطاع له ولا عذاب فوقه- لهذه الاية في شأن المؤمنين من اهل الافك وبهذا يظهر ان قوله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ محض باهل النفاق منهم وهو عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من المنافقين كزيد بن رفاعة فان لولا لامتناع الشيء لوجود غيره- فهذه الاية تدل على امتناع العذاب لوجود الفضل والرحمة وقوله تعالى والّذي تولى كبره يدل على ثبوت العذاب لهم.

إِذْ ظرف لمسكم او أفضتم تَلَقَّوْنَهُ حذفت احدى التاءين من تتلقونه بِأَلْسِنَتِكُمْ اى يأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه قال الكلبي وذلك ان الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا يعنى فماذا شأنه فيتلقونه تلقيا- وقال مجاهد يرويه بعضهم من بعض وقال الزجاج تلقه بعضكم من بعض وقرات عائشة إذ تلقونه بكسر اللام وتخفيف القاف من ولق يلق ولقا بمعنى الكذب وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ اى تقولون كلاما مختصّا بالأفواه لا مصداق لها في الخارج وليس لكم به علم لان العلم فرع الوجود في الخارج وَتَحْسَبُونَهُ اى خوضكم في الافك هَيِّناً سهلا لا تبعة له وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) يعنى والحال انه عند الله عظيم في الوزر واستجرار العذاب فان قذف المحصنات من كبائر الذنوب وعامة العذاب بما صدر من الألسن لا سيما ما فيه هتك هرمة الرسول- عن معاذ بن جبل قال قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلنى الجنة

ص: 477

ويباعدنى من النار قال لقد سالت عن عظيم وانه ليسير على من يسر الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال الا ادلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلوة الرجل في جوف الليل ثمّ تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون ثم قال ألا أدلك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه قلت بلى يا رسول الله قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال الا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله فاخذ بلسانه وقال كف عليك هذه قلت يا نبىّ الله وانّا مواخذون بما نتكلم به قال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم او على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم رواه احمد والترمذي وابن ماجة-.

وَلَوْلا هلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ايها المؤمنون هذا الافك والكلام الباطل من المنافقين قُلْتُمْ ردّا عليهم فصل بين لولا وفعله بالظرف لانه يتسع فيه ما لا يتسع في غيره وفائدة تقديم الظرف بيان ان الواجب هذا القول على فور الاسماع بالإفك فلما كان ذكر الوقت أهم قدم به ما يَكُونُ لَنا اى ما يصح ولا ينبغى لنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا يجوز ان يكون الاشارة بهذا الى المخصوص وان يكون الى نوعه- فان تعرض «1» الصديقة بنت الصديق حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد على النفوس السليمة مع ان قذف أحد من المحصنين محرم شرعا يوجب الفسق والجلد ورد الشهادة ابدا سُبْحانَكَ اللهم يعنى تنزه لله تعالى من ان يكون حرم نبيه فاجرة فان فجورها يرجع بالسوء والسباب الى الزوج- والنبي مبعوث الى الكفار ليدعوهم فيجب ان لا يكون معه ما ينفرهم عنه فجاز ان يكون امراة النبي كافرة كما كانت امراة نوح وامراة لوط عليهما السلام ولا يجوز ان يكون فاجرة فهذا تقرير لما قبله وتمهيد لقوله هذا بُهْتانٌ اى زور يبهت من يسمع عَظِيمٌ (16) لعظمة المبهوت عليه

(1) هكذا في الأصل ولعل الأحسن فان التعريض او التعرض بالصديقة إلخ الفقير الدهلوي.

ص: 478

فان حقارة الجنايات وعظمها باعتبار المجنى عليه.

يَعِظُكُمُ اللَّهُ الوعظ زجر مقترن بتخويف وقال الخليل هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب يعنى يذكركم الله عقابه ويخوفكم في أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ لمثل هذا القول القبيح واستماعه أَبَداً ما دمتم احياء او المعنى يزجركم ويخوفكم من مثل هذا القول كراهة ان تعودوا لمثله ابدا وقال مجاهد ينهاكم الله ان تعود والمثلة ابدا وجملة يعظكم صفة لبهتان عظيم او معترضة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنتم مؤمنين فاتعظوا ولا تعود والمثلة ابدا فان الايمان يمنع عنه فمن سبّ عائشة وهم الروافض ليسوا مؤمنين.

وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ الدالة على الشرائع من الأوامر والنواهي ومحاسن الآداب والأخلاق وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمحاسن والمقابح فيأمر بالمحاسن وينهى عن المقابح او عليم بالأحوال كلها بامر عائشة وبراءتها وامر القاذفين وكذبهم حَكِيمٌ (18) فى تدابيره لا يجوز نسبة السوء الى نبيه ولا يقرره عليها.

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ وهى ما قبح جدّا فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا بالحد وَالْآخِرَةِ بالنار وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما في الضمائر من الحسبة او اشاعة الفاحشة فيعذب من يريد اشاعة الفاحشة وَأَنْتُمْ ايها الناس لا تَعْلَمُونَ (19) ذلك فعليكم اتباع ظاهر الأمر فمن قذف وكان له شهود اربعة فاحسنوا الظن به واعلموا انه انما اظهر امر الزنى حسبة لاقامة حد من حدود الله واخلاء العالم عن الشر- ومن لم يجد الشهود فاعلموا انه يحب اشاعة الفاحشة حيث لا يمكنه اقامة الحد فعذبوه بحدّ القذف وهو في حكم الله من الكاذبين حتى أوجب عليه حدّ المفترين وان كان صادقا في الواقع.

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ايها المؤمنون الخائضون في امر عائشة وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20) بكم لعذبكم في الدنيا بالاستيصال وفي الاخرة بالنار- المؤبدة لكن الله غفركم ببركة صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم مع الايمان حذف جواب لولا استغناء بذكره مرة وكرر التخويف والامتنان للدلالة على

ص: 479

عظم الجريمة- قال ابن عباس أراد الله سبحانه بقوله إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ الاية عبد الله بن ابى وأصحابه من المنافقين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا الحد وفي الاخرة النار المؤبدة وأراد بقوله.

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ مسطحا وحسان وحمنة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اى اثاره باشاعة الفاحشة قرا نافع والبزي وابو عمرو وأبو بكر وحمزة خطوات بسكون الطاء والباقون بضمها وقرئ بفتح الطاء وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ اى ما أفرط قبحه عقلا ونقلا وَالْمُنْكَرِ اى ما أنكره الشرع- بيان لعلة النهى عن اتباعه وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ايها المؤمنون من العصبة بتوفيق التوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها ما زَكى ما طهر من معصية الافك مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ

من زائدة ومحله الرفع أَبَداً اخر الدهر وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ بحمله على التوبة وقبولها وَاللَّهُ سَمِيعٌ لمقالهم عَلِيمٌ (21) بنياتهم روى الشيخان وغيرهما في حديث الافك قال أبو بكر الصديق (وكان ينفق على مسطح بن اثاثة لقرابته منه وفقره) والله لا أنفق على مسطح شيئا ابدا بعد الّذي قال لعائشة ما قال فانزل الله تعالى.

وَلا يَأْتَلِ اى لا يحلف افتعال من الالية بمعنى القسم او المعنى لا يقصر من الألو بمعنى التقصير- والاولى هاهنا معنى القسم لما ذكرنا ان أبا بكر كان قد اقسم ويؤيده قراءة ابى جعفر ولا يتالّ بتقديم التاء وتأخير الهمزة من التفعيل «1» من الالية أُولُوا الْفَضْلِ في الدين وهو الظاهر كيلا يلزم التكرار بقوله والسّعة ولان النهى انما هو لاهل الفضل في الدين نظرا الى منزلتهم وفضلهم وإلا فترك بذل ماله في مقابلة الإيذاء ليس بمحرم موثم مِنْكُمْ يعنى أبا بكر وأمثاله وفيه دليل على فضل ابى بكر وشرفه او المعنى ولا يترك أولوا الفضل منكم وَالسَّعَةِ يعنى الغنا في الدنيا فان النفقة عن ظهر غنى

(1) بل من التفعل كالتجلى والتمني- الفقير الدهلوي.

ص: 480

أَنْ يُؤْتُوا اى على ان يؤتوا او في ان يؤتوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعنى مسطحا وأمثاله فهى صفات لموصوف واحد اى ناسا جامعين لهذه الصفات او الموصوفين أقيمت الصفات مقام موصوفيها فيكون ابلغ في تعليل المقصود لان مسطحا كان مسكينا مهاجرا بدريّا ابن خالة ابى بكر وَلْيَعْفُوا ما فرط منهم وَلْيَصْفَحُوا بالإغماض عنه أَلا تُحِبُّونَ يا اولى الفضل والسعة أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ما فرطتم في جنب الله لاجل عفوكم وصفحكم وإحسانكم الى من أساء إليكم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) مع كثرة آلائه وحقوقه وكمال قدرته على الانتقام فتخلقوا بأخلاقه روى الشيخان وغيرهما في ذلك القصة انه لما نزل هذه الاية قال أبو بكر والله انى أحب ان يغفر الله لى ورجع الى مسطح النفقة الّتي كان ينفق عليه قال والله لا انزعها منه ابدا عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الواصل المكافي ولكن الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها- رواه البخاري قال ابن عباس والضحاك اقسم ناس من الصحابة منهم أبو بكر ان لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الافك ولا ينفعوهم فانزل الله هذه الاية.

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ العفيفات الْغافِلاتِ عن الفاحشة اللائي لا تقع الفاحشة في قلوبهن الْمُؤْمِناتِ بالله ورسوله لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لما طعنوا فيهن كذبا وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) فى نار جهنم ولهذا حكم كل قاذف قذف محصنة مؤمنة غافلة وقوله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ الاية حكم كل قاذف محصنة غافلة كانت اولا- فالجلد وعدم قبول الشهادة حكم كل قاذف سواء كان في قذفه صادقا لم يجد الشهود او كان كاذبا واللعن يختص بمن قذف كاذبا فان المقذوفة غافلة عما افترى عليها فان جريمته أعظم واكبر لكنه لا يستلزم الكفر إذ اللعن منها ما يستحقه بعض من ارتكب الكبائر دون الكفر كقاتل النفس عمدا- وقال مقاتل هذا الحكم خاص في عبد الله بن ابى ومطمح نظره

ص: 481

ان اللعن يختص بالكفار اخرج الطبراني عن خصيف قال قلت لسعيد بن جبير أيهما أشد الزنى او القذف قال الزنى قلت ان الله يقول إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ قال ذلك لعائشة خاصة- وفي اسناده يحيى الحماني ضعيف وكذا ذكر البغوي عن خصيف وروى عن العوام بن حوشب عن شيخ من بنى كاهل عن ابن عباس قال هذه في شأن عائشة وازواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ليس فيها توبة- ومن قذف امراة مؤمنة فقد جعل الله له توبة ثم قرا وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ الى قوله إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لاولئك توبة- وكذا اخرج الطبراني عن الضحاك بن مزاحم ان الاية في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وقال الآخرون نزلت هذه الاية في ازواج النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك كذلك حتى نزلت الاية الّتي في أول السورة وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ الى قوله تعالى فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- فانزل الله الجلد والتوبة- قلت ومبنى هذه الأقوال أمران أحدهما ان سبب نزول الاية كان قصة الافك وثانيهما ان اللعن لم يرد في شيء من المعاصي غير الكفر لكن خصوص السبب لا يقتضى تخصيص عموم الاية والعبرة لعموم اللفظ- واللعن قد ورد على بعض الكبائر كقتل النفس عمدا وعدم ذكر التوبة والمغفرة في هذه الاية لا يقتضى عدم قبول التوبة وعدم المغفرة مطلقا- وقد قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ

فلا وجه لتخصيص عموم الاية والله اعلم.

يَوْمَ تَشْهَدُ قرا حمزة والكسائي بالياء التحتانية لتقدم الفعل والفصل والباقون بالتاء الفوقانية والظرف متعلق بما في لهم من معنى الاستقرار لا للعذاب لانه موصوف عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) روى ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابى موسى الأشعري قال يدعى المؤمن للحساب

ص: 482

يوم القيامة فيعرض عليه ربّه عمله فيما بينه وبينه فيعترف ويقول اى رب عملت عملت فيغفر الله ذنوبه ويستره منها قال فما على الأرض خليقة يرى من تلك الذنوب شيئا وتبدوا حسناته فرووا الناس كلهم يرونها- ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربّه عمله فيجحده فيقول اى رب وعزتك لقد كتب علىّ هذا الملك ما لم اعمل فيقول الملك اما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا فيقول لا وعزتك فاذا فعل ذلك ختم على فيه قال ابو موسى فانى احسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى ثم تلا اليوم نختم على أفواههم الاية واخرج ابو يعلى والحاكم وصححه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه واخرج احمد بسند جيد والطبراني عن عقبة بن عامر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال- واخرج احمد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن جيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجيئون يوم القيامة على أفواههم الفدام فاول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه- وروى مسلم عن ابى هريرة حديثا طويلا في روية الله «1» سبحانه وفيه فينطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله وذلك المنافق الّذي يسخط الله عليه- فان قيل قال الله سبحانه هاهنا تشهد عليهم ألسنتهم وقال في موضع اخر الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ فما وجه التطبيق قلنا المراد بقوله نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ انهم لا ينطقون بإرادتهم وذلك لا ينافى شهادة الالسنة عليهم من غير اختيارهم والله اعلم- قال القرطبي وانما يشهد الأعضاء على من قرا كتابه ولم يعترف بما فيه وجحد وخاصم فيشهد عليه جوارحه بسيئاته- قلت فهذه الاية تدل على ان ما سبق من الاية في عبد الله بن أبيّ كما قال قتادة والله اعلم

(1) وقد راجعت الصحيح لمسلم ولم أحده في باب روية الله سبحانه وتعالى والحديث المذكور في كتاب الزهد في فصل في بيان ان الأعضاء منطقة شاهدة يوم القيامة في المجلد الثاني من الصحيح لمسلم رحمة الله تعالى- الفقير الدهلوي.

.

ص: 483

يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ اى جزاءهم الواجب وقيل حسابهم العدل وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) اى الثابت الموجود بذاته موجد الأشياء كلها جواهرها واعراضها قيوم الحقائق بأسرها وجودات ما سواه كانها ظلال لوجوده المتأصل الظاهر ألوهيته لا يشاركه في ذلك غيره ولا يقدر على الثواب والعقاب سواه او ذو الحق البين اى الظاهر عدله او المبين ما كان يعدهم في الدنيا- قال ابن عباس وذلك ان عبد الله بن أبيّ كان يشك في الدين فيعلم يوم القيامة أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ- قلت لعل معنى قول ابن عباس رضى الله عنهما ان الناس لا سيما الكفار منهم يزعمون لله وجودا موهوما حتى ليسندون الحوادث الى الدهر او الكواكب او نحو ذلك ويحسبون النفع والضر من العباد لا يخافون الله كما يخافون سلاطين الدنيا- فاذا كان يوم القيامة يبدأ لهم ما لم يكونوا يحتسبون ويعلمون انّ الله هو الحقّ المبين-.

الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ قال اكثر المفسرين معناه الخبيثات من الكلمات يعنى كلمات الذم والتحقير والشتم ونحو ذلك يستحقها الخبيثون من الناس والخبيثون من الناس يستحقون الذم ونحو ذلك والطيبات من الكلمات من المدح والثناء والدعاء يستحقها الطيبون والطيبون يستحقون الطيبات فعائشة تستحق الثناء والصلاة والسلام والدعاء دون ما قيل فيه من الافك أُولئِكَ يعنى عائشة وأمثالها مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ فيهم اهل الافك من الكلمة الخبيثة وقال الزجاج الخبيثات من الكلمات ككلمة الكفر والكذب وسبّ الصحابة واهل البيت وقدف المحصنات وأمثال ذلك للخبيثين من الناس نحو عبد الله بن ابى لا يتكلم بها الطيبون والخبيثون خلقوا وجبلوا لتلك الكلمات الخبيثة والطيبات من الكلمات كذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة والسلام على النبي واهل بيته والدعاء بالمغفرة للمؤمنين والمؤمنات ميسر للطيبين من الناس والطيبون

ص: 484

من الناس خلقوا مستعدين للطيبات من الكلمات- أولئك يعنى الطيبين من الناس مبرءون من ارتكاب ما قاله اهل الافك ونحو ذلك فهو ذم للقاذفين ومدح للذين برّاهم الله- وقال ابن زيد الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال يعنى غالبا والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء- والطيبات من النساء للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من النساء يعنى في الأغلب

فعائشة طيبة ولذلك اختارها الله تعالى لازدواج رسوله الطيب الطاهر صلى الله عليه وسلم أولئك يعنى عائشة وأمثالها مبرءون مما يقول فيهم اهل الافك ولو لم تكن عائشة طيبة لما صلحت لمصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم فكانّ هذه الاية بمنزلة البرهان على كذب اهل الافك- عن هند بن ابى هالة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ابى ان أتزوج او أزوج الا اهل الجنة رواه ابن عساكر لَهُمْ يعنى لعائشة وأمثالها من المؤمنين الطيبين مَغْفِرَةٌ من الذنوب وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) يعنى الجنة قال البغوي روى ان عائشة رضى الله عنها كانت تفتخر بأشياء أعطيتها ولم تعط امراة غيرها منها ان جبرئيل اتى بصورتها في خرقة من حرير وقال هذه زوجتك- قلت رواه الترمذي عن عائشة وروى انه اتى بصورتها في راحته وان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجرها ودفن في بيتها وكان ينزل عليه الوحى وهو معها في لحافه ونزلت براءتها من السماء وانها ابنة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقة طيبة ووعدت مغفرة ورزقا كريما- وكان مسروق إذا روى عن عائشة قال حدثتنى الصديقة ابنة الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبراة من السماء قال البيضاوي ولو فتشت وعيدات القران لم تجدا غلظ مما نزل في افك عائشة رضى الله عنها في الصحيحين عن عائشة قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اريتك في المنام ثلاث ليال يجئى بك الملك في سرقة «1» من حرير فقال لى هذه امرأتك فكشفت عن ومهك

(1) فى سرقة من حرير اى قطعة من جيد الحرير وجمعها سرق مجمع البحار- الفقير الدهلوي

ص: 485

الثوب فاذا أنت هى فقلت ان يكن هذا من عند الله يمضيه- وفي الصحيحين عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة هذا جبرئيل يقرؤك السلام قلت وعليه السلام ورحمة الله قالت وهو يرى ما لا ارى- وعنها قالت ان الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت ان نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الاخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه حزب أم سلمة فقلن لها كلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول من أراد ان يهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليهد اليه حيث كان- فكلمته فقال لا تؤذيني في عائشة فان الوحى لم يأتنى وانا في ثوب امراة الا عائشة قالت أتوب الى الله من اذاك يا رسول الله- ثم انهن دعون فاطمة رضى الله عنها وعنهن فارسلن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال يا بنيه الا تحبين ما أحب قالت بلى قال فاحبى هذه متفق عليه وفي الصحيحين من حديث ابى موسى وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام- وعن ابى موسى قال ما أشكل علينا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسالنا عائشة الا وجدنا عندها منه علما- رواه الترمذي وعن موسى بن طلحة قال ما رايت أحدا افصح من عائشة- رواه الترمذي قال البيضاوي برّا الله اربعة باربعة برّا يوسف بشاهد من اهل زليخا وموسى من قول اليهود فيه بالحجر الّذي ذهب بثوبه ومريم بانطاق ولدها وعائشة بهذه الآيات مع تلك المبالغات وما ذلك الا لاظهار منصب الرسول صلى الله عليه وسلم وإعلاء منزلته قلت واظهار منزلتها من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والله اعلم- اخرج الفرياني وابن جرير عن عدى بن ثابت قال جاءت امراة من الأنصار فقالت يا رسول الله انى أكون في بيتي على حال لا أحب ان يرانى عليها أحد وانه لا يزال يدخل علىّ رجل من أهلي وانا على تلك الحال فكيف اصنع فنزلت.

ص: 486

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ الّتي تسكنونها وليست الاضافة للملك فان المؤجر والمعير ايضا لا يدخلان الا بإذن الساكن حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا يعنى حتى تستأذنوا يدل على ما روى انه كان ابن عباس يقرا حتّى تستأذنوا وكذلك كان يقرا أبيّ بن كعب والانس في اللغة ضد الوحشة والابصار والاحساس والعلم- واخرج ابن ابى حاتم عن ابى سورة ابن أخي ابى أيوب قال قلت يا رسول الله هذا السلام فما الاستيناس قال يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح فيؤذن اهل البيت- قال في القاموس أنسه ضد الوحشة وانس الشيء أبصره وعلمه واحسه والصوت سمعه- وقال الخليل الاستيناس الاستبصار من قوله آنَسْتُ ناراً اى أبصرت وانما عبر الاستيذان بالاستيناس لان المستأذن متوحش خائف ان لا يؤذن له فاذا اذن استأنس لان المستأذن مستعلم للحال مستكشف انه هل يراد دخوله اولا- او استفعال من الانس يعنى متعرف هل ثمه انسان وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها اى على ساكنيها يعنى ان يقولوا السلام عليكم عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بنى إذا دخلت على أهلك فسلم تكون بركة عليك وعلى اهل بيتك- رواه الترمذي واختلفوا في انه هل يقدم الاستيذان او السلام فقال قوم يقدم الاستيذان لتقدمها في الاية ولا دليل فيه لان الواو لمطلق الجمع دون الترتيب وفي مصحف ابن مسعود حتّى تسلّموا على أهلها وتستأذنوا- والأكثرون على انه يقدم السلام لحديث كلدة بن حنبل قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم اسلم ولم استأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقل السلام عليكمء ادخل- رواه ابو داود والترمذي وعن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نأذنوا لمن لم يبدا بالسلام- رواه البيهقي في شعب الايمان قال البغوي عن ابن عمران رجلا استأذن عليه فقالء أدخل فقال ابن عمر لا فامر بعضهم الرجل ان يسلّم فسلّم

ص: 487

فاذن له- وقال بعضهم ان وقع بصره على انسان قدم السلام والا قدم الاستيذان ثم سلّم- وقال ابو موسى الأشعري وحذيفة يستأذن على ذوات المحارم- ومثله عن الحسن عن عطاء بن يساران رجلا سال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال استأذن «1» على أمي فقال نعم فقال الرجل انى معها «2» فى البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها فقال الرجل انى خادمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها أتحب ان تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها- رواه مالك مرسلا (مسئلة) إذا دعى أحد فجاء مع الرسول فلا حاجة الى الاستئذان بحديث ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دعى أحدكم فجاء مع الرسول فان ذلك له اذن- رواه ابو داود وفي رواية له رسول الرجل الى الرجل اذنه ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ من ان تدخلوا بغتة او من تحية الجاهلية عن عمران بن حصين قال كنافى الجاهلية نقول أنعم الله بك عينا وأنعم صباحا فلمّا كان الإسلام نهينا عن ذلك- رواه ابو داود لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) .

فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها اى في البيوت أَحَداً يأذن لكم فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ يعنى حتى يأتى ساكنها ويأذن لكم في الدخول فان المانع من الدخول ليس الاطلاع على العورات فقط بل وعلى ما يخفيه الناس من الناس- مع ان التصرف في ملك الغير بغير اذنه محظور واستثنى ما إذا عرض فيه حرق او غرق او كان فيه منكر ونحوها وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ولا تلحوا في الدخول هُوَ أَزْكى لَكُمْ اى الرجوع ازكى لكم من الإلحاح في الدخول والوقوف على الباب لما فيه من الكراهة وترك المروة- وفي حكم الأمر بالرجوع ان لا يأذن له صاحب البيت بعد الاستيذان ثلاث مرات لحديث ابى سعيد الخدري قال أتانا

(1) استاذن بتقدير همزة الاستفهام- الفقير الدهلوي.

(2)

انى معها إلخ كانه يعنى ان الاستيذان انما يكون لاجنبى يدخل أحيانا 12 الفقير الدهلوي.

ص: 488

ابو موسى فقال ان عمر أرسل الىّ ان اتيه فاتيت بابه فسلمت ثلاثا فلم يرد على فرجعت فقال ما منعك ان تأتينا فقلت الى أتيت فسلمت على بابك ثلاثا فلم ترد علىّ فرجعت وقد قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع فقال عمر أقم عليه البيّنة قال ابو سعيد فقمت معه فذهبت الى عمر فشهدت متفق عليه وعن ابى أيوب الأنصاري مرفوعا التسليم ان يقول السلام عليكمء أدخل ثلاث مرات فان اذن له دخل والا رجع- رواه ابن ماجة قال البغوي ورواه بشر بن سعيد عن ابى سعيد الخدري وفيه قال قال ابو موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع- قال الحسن الاول اعلام والثاني مؤامرة والثالث استئذان بالرجوع وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال السلام عليكم ورحمة الله فقال سعد وعليكم السّلام ورحمة الله ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه سعد فقال يا رسول الله بابى أنت وأمي ما سلمت تسليمة الا هى بأذنى ولقد رددت عليك ولم أسمعك أحببت ان استكثر من سلامك ومن البركة- ثم دخلوا البيت فقرب له زبيبا فاكل النبي صلى الله عليه وسلم فلمّا فرغ قال أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون- رواه البغوي في شرح السنة (مسئلة) إذا حضر أحد على باب أحد فلم يستأذن وقعد على الباب منتظرا حتى يخرج جاز كان ابن عباس يأتى باب الأنصاري لطلب الحديث فيقعد على الباب حتى يخرج ولا يستأذن فيخرج الرجل ويقول يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أخبرتني فيقول هكذا أمرنا ان نطلب العلم- قلت ويدل على هذا قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (مسئلة) إذا وقف أحد على باب أحد للاستئذان لا يستقبل الباب من

ص: 489

تلقاء وجهه إذا لم يكن هناك ستر ولا ينظر من شق الباب إذا كان مردودا لحديث عبد الله بن بسر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الايمن او الأيسر فيقول السّلام عليكم السّلام عليكم وذلك ان الدور لم يكن يومئذ عليها ستور- رواه ابو داؤد وعن سهل بن سعد الساعدي ان رجلا اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم من ستر الحجرة وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم مدرى «1» فقال لو اعلم ان هذا ينظرنى لطعنت بالمدرى في عينه وهل جعل الاستيذان إلا من أجل البصر- رواه البغوي وعن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو ان امرا اطلع عليك بغير اذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح رواه احمد والشيخان في الصحيحين وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) فيعلم ما تأتونه وما تذرونه مما خوطبتم به اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل بن حيان قال لما نزلت اية الاستئذان في البيوت قال أبو بكر يا رسول الله فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة والمدينة والشام ولهم بيوت معلومة على الطريق فكيف يستأذنون ويسلمون وليس فيها سكان فانزل الله عز وجل.

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا اى في ان تدخلوا متعلق بجناح لتضمنه معنى المؤاخذة او بعليكم بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ من غير استئذان فِيها مَتاعٌ اى منفعة لَكُمْ حال من بيوتا قال البغوي اختلف في هذه البيوت قال قتادة هى الخانات والبيوت والمنازل المبنية للسايلة ليأووا إليها ويأووا إليها أمتعتهم جاز دخولها بغير استئذان فالمنفعة فيها النزول وإيواء المتاع والاتقاء من الحرّ والبرد- وقال ابن زيد هى بيوت التجار وحوانيتهم الّتي بالأسواق يدخلها الناس

(1) مدرى إلخ في مجمع البحار المدرى والمدراة شيء يعمل من حديد او خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه 12 الفقير الدهلوي. [.....]

ص: 490

للبيع والشراء وهو المنفعة- وقال ابراهيم النخعي ليس على حوانيت السوق اذن وكان ابن سيرين إذا جاء الى الحانوت الّتي في السوق يقول السّلام عليكمء أدخل ثم يلج وقال عطاء هى البيوت الخربة والمتاع هى قضاء الحاجة فيها من البول والغائط- وقيل هى جميع البيوت الّتي لا ساكن لها لان الاستئذان انما شرع لئلا يطلع على عورة أحد فاذا لم يخف ذلك فله الدخول من غير استئذان وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29) وعيد لمن دخل لفساد او اطلاع على عورات الناس.

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ عن النظر الى ما لا يحل النظر اليه عن الحسن مرسلا قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله الناظر والمنظور إليها رواه البيهقي في شعب الايمان يغضوا صيغة امر بحذف اللام ومن زائدة على قول الأخفش فانه يجوز زيادة من في كلام الموجب عنده وعند سيبويه من للتبعيض لان المؤمنين غير مأمورين بغض الابصار مطلقا بل بالغض عما لا يحل النظر اليه بل المنهي عنه النظرة الثانية الّتي يكون بالارادة دون الاولى الّتي لا تكون بالارادة لحديث بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى يا على لا تتبع النظرة النظرة فان لك الاولى وليس لك الاخرة- رواه احمد والترمذي وابو داود والدارمي وعن جرير بن عبد الله قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاة فامرنى ان اصرف رواه مسلم وعن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم ينظر الى محاسن امراة أول مرة ثم يغض بصره الا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها- رواه احمد وَيَحْفَظُوا اى ليحفظوا فُرُوجَهُمْ الّا على أزواجهم او ما ملكت ايمانهم فانّهم غير ملومين ولمّا كان الاستثناء معلوما بالضرورة عقلا ونقلا حذف من اللفظ- قال ابو العالية كل ما وقع في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنى والحرام الا في هذا الموضع فانه أراد به الاستتار حتى لا يقع البصر عليه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 491

احفظ عورتك الا من زوجتك او ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله أفرأيت إذا كان الرجل خاليا قال فالله أحق ان يستحيى منه- رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والتعري فان معكم من لا يفارقكم الا عند الغائط وحين يفضى الرجل الى اهله فاستحيوهم وأكرموهم- رواه الترمذي ذلِكَ اى غض البصر وحفظ الفرج أَزْكى لَهُمْ اى انفع لهم او اطهر لما فيه من التباعد عن الزنى إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) لا يخفى عليه اجالة أبصارهم واستعمال سائر حواسهم وتحريك جوارحهم وما يقصدون بها فليكونوا على حذر منه اخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل قال بلغنا ان جابر بن عبد الله حدث ان اسماء بنت مرثد كانت في نخل لها فجعل النساء يدخلن عليها غير متازّرات فيبدو ما في أرجلهن يعنى الخلاخل وتبدو صدورهن وذوائبهن فقالت اسماء ما أقبح هذا فانزل الله في ذلك.

وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ اى ليغضضن عمّا لا يحل النظر اليه وهذه الاية تدل على انه لا يجوز للمرءة النظر الى الرجل الأجنبي مطلقا وبه قال الشافعي- وقال ابو حنيفة جاز لها ان ينظر من الرجل الى ما ينظر الرجل اليه إذا امنت الشهوة- احتج الشافعي بحديث أم سلمة انها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة رضى الله عنهما إذا قبل ابن أم مكتوم فدخل عليه (وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجبا منه فقلت يا رسول الله اليس هو أعمى لا يبصرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افعميا وان أنتما ألستما تبصر انه- رواه احمد وابو داود والترمذي واحتج ابو حنيفة بحديث ابن عباس قال جاءت امراة من خثعم عام حجة الوداع قالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج أدركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستوى على الراحلة فهل يقضى عنه ان أحج عنه قال نعم قال ابن عباس كان الفضل ينظر إليها و

ص: 492

تنظر اليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الاخر الحديث- رواه البخاري ورواه الترمذي من حديث علىّ نحوه وزاد فقال العباس لوّيت عنق ابن عمك فقال رايت شابّا وشابة فلم أمن عليهما الشيطان صححه الترمذي واستنبط ابن القطان من هذا الحديث جواز النظر عند الامن من الفتنة من حيث انه لم يأمرها بتغطية وجهها ولو لم يفهم العباس ان النظر جائرة ما سال ولو لم يكن ما فهم لما أقرّه عليه وبحديث فاطمة بنت قيس ان زوجها طلقها فبتّ طلاقها فامرها النبي صلى الله عليه وسلم ان تعتد في بيت ابن أم مكتوم وهذا يدل على جواز نظر المرأة الى الأعمى ونحوه يعنى عند الامن من الشهوة- (مسئلة) ولا يجوز للمرءة النظر الى عورة المرأة يعنى تحت السرة الى الركبة ولا للرحل النظر الى عورة الرجل لحديث ابى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الرجل الى عورة الرجل ولا المرأة الى عورة المرأة- ولا يفضى الرجل الى الرجل في ثوب واحد ولا يفضى المرأة الى المرأة في ثوب واحد- رواه مسلم وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ كالحلى والثياب والاصباغ فضلا عن مواضعها إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فان في سترها حرجا وقيل المراد بالزينة مواضع الزينة على حذف المضاف او ما يعم المحاسن الخلقية والتزينية- والمستثنى هو الوجه والكفان وابى حنيفة ومالك واحمد والشافعي لما روى الترمذي من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الوجه والكفان ومن طريق عطاء عن عائشة نحوه وفي رواية المستثنى الوجه والكفان والقدمان والمشهور عن الشافعي الوجه فقط لما روى الطبراني من طريق مسلم الأعور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هى الكحل وتابعه خصيف عن عكرمة عن ابن عباس عند البيهقي فالوجه مستثنى باتفاق العلماء الاربعة والكفان

ص: 493

عند ابى حنيفة ومالك وفي رواية للشافعى واحمد- لكن في مختلفات قاضى خان ان ظاهر الكف وباطنه ليسا عورتين الى الرسغ وفي ظاهر الرواية ظاهره عورة كذا قال ابن همام- والقدمان عورة الا في رواية عن ابى حنيفة والحجة على كون القدمين عورة حديث أم سلمة انها سالت النبي صلى الله عليه وسلم اتصلي المرأة في درع وخمار وليس لها إزار فقال لا بأس إذا كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها رواه ابو داود والحاكم وأعله عبد الحق بان مالكا وغيره رووه موقوفا وهو الصواب وقال ابن الجوزي في رفعه مقال لانه من رواية عبد الرحمان بن عبد الله وقد ضعفه يحيى وقال ابو حاتم الرازي لا يحتج به- وايضا قوله تعالى وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ يدل على ان الخلخال من الزينة الباطنة فموضعه يعنى القدم عورة- قال البيضاوي الأظهر ان هذا في الصلاة لا في النظر فان كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر الى شيء منها الا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة- وفي كتب الحنفية كون وجه الحرة خارجا عن العورة غير مختص بالصلوة قال في الهداية

لا يجوز ان ينظر الرجل الى الاجنبية الا وجهها وكفيها لقوله تعالى وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الا ما ظهر منها ولان في إبداء الكف والوجه ضرورة لحاجتها الى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وغير ذلك- فان كان الرجل لا يأمن من الشهوة لا ينظر الى وجهها الا لحاجة كتحمل الشهادة وأدائها والقضاء- ولا يباح إذا شك في الاشتهاء كما إذا علم او كان اكبر زأيه ذلك قلت ومذهب ابى حنيفة يؤيده ما رواه ابو داؤد مرسلا الجارية «1» إذا حاضت لم يصلح يرى منها الا وجهها ويدها الى المفصل- قلت إبداء المرأة زينتها الخفية لغير اولى الاربة من الرجال جائز اجماعا ثابت بنص الكتاب لعدم خوف الفتنة فابداء

(1) وفي النسخة الّتي بايدينا ان المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها ان يرى منها الا هذا وهذا وأشار (اى النبي صلى الله عليه وسلم الى وجهه وكفيه قال ابو داود هذا مرسل 12 الفقير الدهلوي.

ص: 494

زينتها الظاهرة لهم اولى بالجواز ونظر الرجل الى وجه امرأة اجنبية إذا شك في الاشتهاء لا يجوز على ما قال صاحب الهداية ايضا- وقال ابن همام حرم النظر الى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ويلزم هذا الحكم الحكم بان لا تبدو المرأة وجهها لرجل اجنبى إذا شك منه الشهوة والا لكان تعرضا للفساد وزوال احتمال الشهوة من الرجل الأجنبي ذى الاربة للمرءة الاجنبية غير متصور فيلزمنا القول بانه لا يجوز للمرءة الحرة إبداء وجهها لرجل ذى اربة غير الزوج والمحرم فان عامة محاسنها في وجهها فخوف الفتنة في النظر الى وجهها اكثر منه في النظر الى سائر اعضائها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عورة فاذا خرجت استشرفها الشيطان- رواه الترمذي عن ابن مسعود فان هذا الحديث يدل على انها كلها عورة غير ان الضرورات مستثناة اجماعا- والضرورة قد تكون بان لا تجد المرأة من يأتى بحوائجها من السوق ونحو ذلك فتخرج متقنعة كاشفة احدى عينيها لتبصر الطريق- فان لم تجد ثوبا سائغا تخرج فيما تجد من الثياب ساترة ما استطاعت وقد تكون إذا احتاجت الى الطّبيب او الشهود او القاضي- فالمراد بالزينة في الاية ان كان نفس الزينة كما فسرناه تبعا لما قال البيضاوي بالحلى والثياب والاصباغ- ويكون حينئذ تحريم إبداء مواضع الزينة بدلالة النص بالطريق الاولى فلا خفاء على هذا في تأويل الاستثناء- حيث يقال معنى إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها الا ثيابها الظاهرة قال البغوي قال ابن مسعود هى الثياب بدليل قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وأراد به الثياب- وان كان المراد بها مواضع الزينة فمعنى الاستثناء الّا ما ظهر منها عند الضرورات ضرورة الخروج لقضاء الحوائج او ضرورة الاستشهاد او نحو ذلك يعنى من غير قصد الى ابدائها فاستثناء الوجه والكفين من عورة الحرة ليس الا لاجل الصلاة- ويدل على عدم جواز إبداء المرأة وجهها قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ

ص: 495

يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ

الاية- قال ابن عباس وابو عبيدة أمرت نساء المؤمنين ان يغطين رءوسهن ووجوههن بالجلابيب الا عينا واحدا يعلم انهن حرائر- وما ذكرنا من حديث جاءت امراة من خثعم عام حجة الوداع سائلة مسئلة قضاء الحج عن أبيها محمول على جواز خروجها لضرورة السؤال عن المسألة وما ذكر من ان الفضل كان ينظر إليها وتنظر اليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الاخر صريح في المنع عن النظر الى وجه المرأة الاجنبية لعدم الا من عليهما من الشيطان- (مسئلة) هذه الاية مختص حكمها بالحرائر من النساء اجماعا- واما الإماء سواء كن قنات او مكاتبات او مدبرات او أمهات أولاد فيجوز لهن ابدأ الرأس والوجه والساقين والساعدين فان عورة الامة عند مالك والشافعي واحمد كعورة الرجل من السرة الى الركبة وزاد ابو حنيفة بطنها وظهرها- وقال اصحاب الشافعي كلها عورة الا مواضع التقليب منها وهى الرأس والساعدات والساق روى الشيخان في الصحيحين في قصة صفية ان حجبها فهى زوجة وان لم يحجبها فهى أم ولد- وهذا الحديث يدل على ان الامة تخالف الحرة فيما تبديه وقال انس مرت بعمر بن الخطاب رضى الله عنه جارية متقنعة فعلاها بالدرة وقال يا لكاع «1» أتشتبهين بالحرائر القى القناع- وايضا قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ايضا بمفهومه يدل على ان حكم الامة غير حكم الحرة قلت وجاز ان يكون حكم هذه الاية شاملة للاماء ايضا وانما جاز لها إبداء الراس والساعدين والساق للاستثناء- فان خروجها لخدمة المولى كثير وثياب مهنتها قصيرة فهذه الأعضاء تظهر منها غالبا بالضرورة والله اعلم

(1) والرواية الصحيحة يا لكعاء أتشبهين بالحرائر قال في مجمع البحار والمرأة لكاع كقطام واكثر مجيئه في النداء وهو اللئيم 12 الفقير الدهلوي.

ص: 496

وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ اى يضعن خمرهن من ضرب يده على الخائط اى وضعها عَلى جُيُوبِهِنَّ سترا لشعورهن وصدورهن وأعناقهن وقرطهن- قال البغوي قالت عائشة رضى الله عنها رحم الله النساء المهاجرات الاول لمّا انزل الله تعالى وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهن فاختمرن به قرأ نافع وعاصم وهشام بضم الجيم والباقون بكسرها وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الاضافة للعهد يعنى زينتهن المستثناة منها ما ظهر منها كرره لبيان من يحل له الإبداء ومن لا يحل له إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ فلهم هم المقصودون بالزينة ولهم ان ينظروا الى جميع أبدانهن حتى فروجهن لكنه يكره النظر الى الفرج لقوله صلى الله عليه وسلم إذا اتى أحدكم اهله فليستتر ولا يتجردان تجرد العيرين- رواه الشافعي والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود عن عتبة بن عنبر والنسائي عن عبد الله بن سرجس والطبراني ايضا عن ابى امامة وروى ابن ماجة عن عائشة قالت ما نظرت او ما رايت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أَوْ آبائِهِنَّ وكذا اباء الآباء واباء الأمهات وان علوا بدلالة النص والإجماع أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ كذلك أَوْ أَبْنائِهِنَّ وأبناء الأبناء وأبناء البنات وان سفلوا بدلالة النص والإجماع أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ كذلك أَوْ إِخْوانِهِنَّ سواء كانوا من اب او من أم أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ وبنى أبنائهم وأبناء بناتهم وان سفلوا أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ او أبناء أبنائهن او أبناء بناتهن وان سفلوا أباح الله تعالى للنساء إبداء محاسنهن لهؤلاء لكثرة مداخلتهم عليهن واحتياجهن الى مداخلتهم وعدم توقع الفتنة من قبلهم الا نادرا لما في الطباع من النفرة عن مماسة القرابة والغيرة في انتسابهن الى الفاحشة وأباح لهم ان ينظروا منهن ما يبدو عند المحنة والخدمة وهو الوجه والرأس والصدر والساقان والعضدان ولا يجوز لهم النظر الى ظهورهن ولا الى بطونهن ولا الى ما بين السرة الى الركبة لانها لا تنكشف عادة فلا ضرورة في النظر إليها- وهذا حكم جميع من لا يجوز المناكحة بينه وبينها على التأييد بنسب كان او برضاع او مصاهرة- وانما لم يذكر الأعمام

ص: 497

والأخوال في الاية لانهم في معنى بنى الاخوان وبنى الأخوات بدلالة النص والإجماع فانه لما جاز للعمة إبداء زينتها لابن أخيها جاز لبنت الأخ إبداء زينتها لعمها بطريق المساوات ولما جاز للخالة إبداء زينتها لابن أختها جاز لبنت الاخت إبداء زينتها لخالها- ويحتمل ان يكون ترك ذكر الأعمام والأخوال في الاية للاشارة الى ان الأحوط ان يتسترن عنهم حذرا ان يصفوهن لابنائهم- (مسئلة) لا بأس للرجل ان يمس ما جاز اليه النظر من ذوات محارمه لتحقق الحاجة الى ذلك في المسافرة- وقلة الشهوة للحرم المؤبدة الا إذا كان يخاف عليها او على نفسه الشهوة فحينئذ لا ينظر ولا يمس لقوله صلى الله عليه وسلم العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش- وفي رواية العينان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان والفرج يزنى- رواه احمد والطبراني عن ابن مسعود مرفوعا وحرمة الزنى بذوات المحارم اغلظ فيجتنب أَوْ نِسائِهِنَّ يعنى جاز للمرءة ان تنكشف للمرءة مؤمنة كانت او كافرة حرة كانت او امة الا ما بين سرتها وركبتها وجاز لها النظر إليها بوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا وعن ابى حنيفة ان نظر المرأة الى المرأة كنظر الرجل الى محارمه- وقيل المراد بنسائهنّ النساء المؤمنات فلا يجوز للمرءة المسلمة ان تنكشف للمرءة الكافرة لانها ليست من نسائنا لكونها اجنبية في الدين وذلك لانهن لا يتحرجن عن وصفهن للرجال- عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها كانه ينظر إليها- متفق عليه قال البغوي كتب عمر بن عبد العزيز الى ابى عبيدة بن الجراح ان يمنع نساء اهل الكتاب ان يدخلن الحمام مع المسلمات أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ عن ابن جريج انه قال المراد بنسائهنّ المؤمنات الحرائر منهن وبما ملكت ايمانهنّ الإماء دون العبيد فلا يحل لامراة مسلمة ان تتجرد بين يدى امراة مشركة الا إذا كانت المشركة امة مملوكة لها فعلى هذا التأويل لا يجوز لها الانكشاف بين يدى عبدها- ولا يجوز للعبد ان ينظر

ص: 498

الى سيدته الا الى ما يجوز للاجنبى النظر اليه منها وبه قال ابو حنيفة رحمه الله وبه قال بعض اصحاب الشافعي قال الشيخ

ابو حامد من الشافعية الصحيح عند أصحابنا ان العبد لا يكون محرما لسيدته- قال النووي هذا هو الصواب بل لا ينبغى ان يجرى فيه خلاف بل يقطع بتحريمه- والقول بانه محرم لها ليس له دليل ظاهر فان الصواب في الاية انها في الإماء قال صاحب الهداية لنا انه فحل غير محرم ولا زوج والشهوة متحققة لجواز النكاح في الجملة يعنى بعد زوال ملكها والحاجة قاصرة لانه يعمل خارج البيت والمراد بالنص يعنى بهذه الاية الإماء قال سعيد بن المسيب والحسن وغيرهما لا تغرنكم سورة النور فانها في الإناث دون الذكور- وهذا التأويل لا يصح الا على تقدير كون المراد بنسائهن المسلمات الحرائر دون عامتهن والا لزم التكرار والخلو من الفائدة- فيلزم على مذهب ابى حنيفة عدم جواز الانكشاف للمرءة المسلمة عند الكافرة- وقال مالك ما ملكت ايمانهن يعم العبيد والإماء فيجوز للسيدة- الانكشاف عند عبده كسائر المحارم ويجوز له النظر إليها ما يجوز من النظر الى محارمه- والشافعي ايضا نص على ذلك وهو الأصح عند جمهور أصحابه لان الحاجة متحققة لدخوله عليها من غير استيئذان قال البغوي وروى ذلك عن عائشة وأم سلمة ويؤيده حديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم اتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فلمّا راى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال انه ليس عليك بأس انما هو أبوك وغلامك- رواه ابو داؤد لكن يمكن ان يكون العبد صغيرا كما يدل عليه اطلاق لفظ الغلام ويؤيده ايضا حديث أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت عند مكاتب أحدا كن وفاء فلتحجب منه- رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة لكن الاستدلال به بمفهوم المخالفة أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ اى غير اولى الحاجة الى النساء وهم الشيوخ الهرم سماهم بالتابعين لانهم لا يقدرون على الاكتساب فيتبعون القوم ليصيبوا

ص: 499

فضل طعامهم- قال الحسن هو الّذي لا ينتشر ذكره ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن وعن ابن عباس انه العنين وقال سعيد بن جبير المعتوه وقال عكرمة المجبوب وقيل هو المخنث وقال مقاتل هو الشيخ الهرم والعنين والخصى والمجبوب والصحيح ان الخصى والمجبوب في النظر الى الاجنبية كالفحل قال في الهداية لان الخصى فحل يجامع يعنى يحتمل المجامعة وكذا المجبوب لانه يسحق وينزل وكذا المخنث في الردى من الافعال لانه فحل فاسق يؤخذ فيه بمحكم كتاب الله يعنى قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم فانه محكم يشتمل المجبوب والخصى والمخنث وقوله تعالى أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ غير قطعى الشمول لهؤلاء فلا بد فيهم الحكم بغض البصر قال في الكفاية قيد في الهداية المخنث بالردى من الافعال وهو ان يمكّن غيره من نفسه احترازا عن المخنث الّذي في أعضائه لين وفي لسانه انكسار باهل الخلقة لا يشتهى النساء- ولا يكون مخنثا في الردى من الافعال فانه قد رخص بعض مشائخنا في ترك مثله في النساء لانه من غير اولى الاربة من الرجال- قلت واما الخنثى الأصلي يعنى الّذي له ذكر وفرج فان ظهر له علامات النساء وهو ان يكون له ثدى كثدى المرأة او نزل له لبن في ثديه او حاض او حبل او أمكن الوصول اليه من الفرج فحكمه حكم الأنثى وإلا فله حكم الذكر لا يجوز للنساء الانكشاف عنده ولا يجوز له النظر إليهن- وان كان مشكلا يوخذ فيه بالأحوط فلا ينكشف هو عند الرجال ولا تنكشف النساء عنده والله اعلم روى الشيخان في الصحيحين عن أم سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت مخنث فقال لعبد الله بن ابى امية (أخي أم سلمة) يا عبد الله ان فتح الله لكم غدا الطائف فانى أدلكم على ابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم- احتج بعض العلماء بهذا الحديث على منع المخنثين من الدخول

ص: 500

على النساء وفي الاحتجاج به نظر بل يمكن الاحتجاج بهذا الحديث على جواز دخول المخنثين على النساء لان النبي صلى الله عليه وسلم أقره في البيت ولم يمنعه من الدخول الا بعد ما وصف ابنة غيلان بانها تقبل بأربع وتدبر

بثمان وهذا امر اخر منع النبي صلى الله عليه وسلم لاجله عن دخول المرأة على المرأة كما مر في حديث ابن مسعود والله اعلم قرأ أبو بكر وابن عامر وابو جعفر غير اولى الاربة بالنصب على الحال او على انه بمعنى الّا للاستثناء معناه يبدين زينتهن للتابعين الا ذا الاربة منهم فانهن لا يبدين زينتهن لمن كان منهم ذا اربة وقرأ الباقون بالجر على انه صفة للتابعين- أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ الطفل جنس وضع موضع الجمع اكتفاء بدلالة الوصف يعنى لم يبلغوا او ان القدرة على الوطي من ظهر على فلان إذا قوى وقدر عليه- او المعنى لم يظهروا اى لم يكشفوا عن عورات النساء بالجماع من الظهور بمعنى الغلبة ولذلك عدّى بعلى او من الظهور بمعنى الاطلاع فان الكشف يستلزم الاطلاع والمراد بعدم الظهور وعدم الكشف ايضا عدم صلاحية ذلك فالحاصل انهم لم يبلغوا حد الشهوة وقال مجاهد معناه لم يعرفوا العورة من غيرها لاجل الصغر وعدم التميز- والاولى هو الاول فان الطفل ان كان مميزا لكنه لم يبلغ حد الشهوة جاز للنساء الانكشاف عنده الا من السرة الى الركبة- ولا يجوز لها بحضرته كشف ما تحت السرة كما يدل عليه قوله تعالى لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ- وان كان طفلا غير مميز بالكلية فهو كالجمادات والبهائم لا بأس لو كشفت عنده ما تحت الإزار ايضا- وان كان مراهقا يشتهى فحكمه حكم الرجال لانه استعد للظهور على عوراتهن- اخرج ابن جرير عن حضرمى ان امراة اتخذت صرتين من فضة واتخذت جذعا فمرت على قوم وضربت برجليها فوقع الخلخال على الجذع فصوتت فانزل الله تعالى

ص: 501

وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ قال البغوي كانت المرأة إذا مشت ضربت برجلها لتسمع صوت خلخالها فنهيت عن ذلك لانه يورث في الرجال ميلا إليها- قال البيضاوي وهو ابلغ من النهى عن إبداء الزينة وادل على المنع من رفع الصوت لها ولذا صرح في النوازل بان نغمة المرأة عورة وبنى عليها ان تعلمها القرآن من المرأة أحب الىّ لان نغمتها عورة ولذا قال عليه السلام التسبيح للرجال والتصفيق للنساء- متفق عليه من حديث سهل بن سعد فلا يحسن ان يسمعها الرجل قال ابن همام وعلى هذا لو قيل إذا جهرت المرأة بالقراءة في الصلاة فسدت كان متجها- ولذا منعها عليه السلام من التسبيح بالصوت لاعلام الامام بسهوه الى التصفيق وهذه الاية تدل على ان القدم عورة- وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فانه لا يكاد يخلو أحد منكم في إتيان أوامره والانتهاء عن مناهيه من التفريط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون- رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي قيل معناه راجعوا الى طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في هذه السورة وقيل معناه توبوا عما كنتم تفعلونه في الجاهلية وان جب بالإسلام لكن يجب الندم عليه والعزم على الكف عنه كلما تتذكروا قرأ ابن عامر ايّه المؤمنون هاهنا وفي الزخرف يآيّه السّاحر وفي الرحمان ايّه الثّقلان بضم الهاء في الثلاثة وصلا ويقف بلا الف- والباقون بفتح الحاءات على الأصل ووقف ابو عمرو والكسائي ايها بالألف والباقون بغير الف لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) فان سعادة الدارين بالتوبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا- وعن ابن عمر انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا ايها الناس توبوا الى ربكم فانى أتوب الى ربى كل يوم مائة مرة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله انى لاستغفر الله وأتوب اليه في اليوم اكثر من سبعين

ص: 502

مرة- رواه البخاري وعن الاعرابى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله وأتوب اليه في اليوم مائة مرة- رواه مسلم وعن ابن عمر قال انا كنا نعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول رب اغفر لى وتب علىّ انك أنت التواب الغفور مائة مرة- رواه الترمذي وابو داود وابن ماجة.

وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ لمّا نهى الله تعالى عما يفضى الى السفاح غالبا امر بالنكاح فانه اغض للبصروا منع من السفاح فقال وانكحوا ايّها الأولياء والسادة الأيامى منكم- والأيامى جمع ايّم مقلوب ايايم كيتافى أصله يتايم وهو من لا زوج له رجلا كان او امراة وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ وهذا امر استحباب وتخصيص الصالحين بالذكر ليس للاحتراز بل لان إحصان دينهم والاهتمام بشأنهم أهم وقيل المراد به الصالحون للنكاح والقيام بحقوقه- (مسئلة) النكاح واجب عند غلبة الشهوة إذا خاف الوقوع في الحرام وفي النهاية ان كان له خوف وقوع الزنى بحيث لا يتمكن من التحرز عنه كان فرضا قال ابن همام ليس الخوف مطلقا يستلزم بلوغه الى عدم التمكن فليكن عند ذلك فرضا والا فواجب ما لم يعارضه خوف الجور فان عارضه خوف الجور كره- وايضا قال ابن همام انه ينبغى تفصيل خوف الجور كتفصيل خوف الزنى فان بلغ ما افترض فيه النكاح حرم وإلا كره كراهة تحريم- وفي البدائع قيد الافتراض في التوقان بملك المهر والنفقة فان من تاقت نفسه بحيث لا يمكنه الصبر عنهن وهو قادر على المهر يعنى على ما لا بد من تعجيله وعلى النفقة ولم يتزوج يأثم- واما في حالة الاعتدال فقال داود وأمثاله من اهل الظواهر انه فرض عين على الرجل والمرأة في العمر مرة ان كان قادرا على الوطي والانفاق لقوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وحديث سمرة ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل- رواه الترمذي وابن ماجة وقوله صلى الله عليه وسلم

ص: 503

لعكاف هل لك من زوجة قال لا قال ولا جارية قال لا قال وأنت موسر بخير قال وانا موسر قال أنت اذن من اخوان الشياطين- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان سنتنا النكاح شراركم عزابكم واراذل موتاكم عزابكم أبا لشيطين يحرسون- رواه احمد وقد مرّ هذا الحديث وحديث انس كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود انى مكاثر بكم الأتقياء يوم القيامة- رواه احمد وابو داود والنسائي ونحوه في سورة النساء في تفسير قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ- وقال بعض الحنفية واجب على الكفاية وادلة الوجوب على الكل لا ينفى كونه على الكفاية والمعرف لكونه يسقط بفعل البعض عن الباقين ان سبب شرعيته ابقاء المسلمين وعدم انقطاعهم وذلك يحصل بفعل البعض والإجماع على عدم كونه فرضا على الأعيان- ولا عبرة بقول داود وأمثاله وقيل واجب على الكفاية لان قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مسوق لبيان العدد- وهذه الاية خطاب للاولياء موجب لعدم ممانعتهم إذا أراد الأيامى النكاح وأحاديث الآحاد لا توجب الفرضية وقيل سنة مؤكدة وقيل مستحب إذا كان قادرا على الوطي والانفاق ولا يخاف الجور والا فهو حرام او مكروه- وجه كونه سنة فعله صلى الله عليه وسلم وقوله يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فان الصوم له وجاء- متفق عليه من حديث ابن مسعود وما روى ابن ماجة من حديث عائشة النكاح من سنتى فمن لم يعمل بسنتى فليس منى تزوجوا فانى مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصوم «1» في اسناده عيسى بن ميمون ضعيف وفي الصحيحين من حديث انس لكنى أصوم وأفطروا تزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى- وروى الترمذي

(1) وفيه فان الصوم له وجاء 12 الفقير الدهلوي.

ص: 504

عن ابى أيوب اربع من سنن المرسلين الحياء والتعطر والسواك والنكاح- وروى ابن ماجة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أراد ان يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر ما ذكرنا كله بمذهب علماء الحنفية رحمهم الله تعالى وبه قال احمد وقال الشافعي النكاح مستحب على كل حال ان كان قادرا على الوطي والانفاق ولا يخاف الجور لكن تركه لاجل الانقطاع للعبادة أفضل وان خاف الجوار ولم يكن قادرا على الانفاق او الوطي فعليه حرام او مكروه- وفي حالة التوقان وخوف الوقوع في الحرام يتاكد في حقه ويكون أفضل من نوافل الصلاة والصوم والجهاد والحج وبه قال مالك- فحاصل كلام الفريقين انه من خاف ان لا يقدر على أداء حقوق النكاح او وقع بالنكاح في امر حرام فالنكاح في حقه مكروه او حرام- ومن كان تائقا يخاف على نفسه الزنى ان لم ينكح وهو قادر على أداء حقوق النكاح فالنكاح في حقه واجب على ما قال ابو حنيفة ومتأكد على ما قال الشافعي- قلت لا أشك في ان ضد الحرام يعنى الزنى واجب فلا بد من القول بالوجوب عند خوف الزنى- بقي الكلام في انه من كان في حالة الاعتدال لا يخاف على نفسه الزنى ان لم ينكح ولا يخاف الجور وهو قادر على أداء حقوق النكاح فالنكاح في حقه وان كان مستحبّا سنة لكن ترك النكاح لاجل التخلّي للعبادة في حقه أفضل أم النكاح أفضل- قال ابو حنيفة النكاح أفضل من التقبل والتخلي للعبادة وقال الشافعي التخلي والتبتل أفضل وجه قول الشافعي ان الله سبحانه مدح يحيى بن زكريا عليهما السلام بعدم إتيان النساء مع القدرة عليه حيث قال سَيِّداً وَحَصُوراً ايضا وهذا معنى الحصور وقال ابن همام في جوابه ان حال يحيى ذلك كان أفضل في شريعتهم وقد نسخت الرهبانية في شريعتنا وإذا تعارض حال يحيى بحال نبينا صلى الله عليه وسلم وجب تقديم حال النبي صلى الله عليه وسلم الا ترى ان حال النبي صلى الله عليه وسلم الى الوفاة كان النكاح ومحال ان يقرر الله تعالى أفضل أنبيائه على ترك

ص: 505

الأفضل مدة حياته- روى الشيخان في الصحيحين ان نفرا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواجه عن عمله في السر فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله واثنى عليه وقال ما بال أقوام قالوا كذا ولكنى أصلي وأنام وأصوم وأفطروا تزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى وروى البخاري عن ابن عباس انه قال تزوجوا فان خير هذه الامة كان أكثرهم نساء يعنى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مر نهيه صلى الله عليه وسلم عن التبتل نهيا شديدا- وتحقيق المقام عندى ان من راى من نفسه ان النكاح واشتغاله بامر الأهل والعيال لا يمنعه عن الإكثار في الذكر والانقطاع الى الله من غيره وتعمير الأوقات بالطاعات فالنكاح في حقه أفضل من تركه وكان هذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وكثير من الأنبياء والصالحين من عباد الله وكيف لا يكون أفضل فان مجاهدته أشد واكثر من مجاهدة العزب فان القيام على العبادة مع الموانع اكثر ثوابا منه مع عدم الموانع ومن أجل ذلك كان خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وعوامهم أفضل من عوامهم ومن عط راى من نفسه ضعفا وراى ان النكاح واشتغاله بامور الأهل والعيال يمنعه من الإكثار في الذكر والانقطاع الى الله وتعمير الأوقات ولا يخاف من نفسه الوقوع في الزنى فترك النكاح في حقه أفضل قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وقال الله تعالى قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وقال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا

ص: 506

لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ

- وكيف يكون النكاح أفضل من الاشتغال بعبادات الله النافلة مع

ان النكاح في نفسه امر مباح ليس بعبادة وضعا واستحبابه انما هو بالنظر الى ما يترتب عليه من المصالح ولو كان النكاح في نفسه عبادة لكان الإسلام شرطا لاتيانها كما هو شرط لسائر العبادات وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه- متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب ولو كان النكاح في نفسه عبادة لكانت الهجرة لاجل النكاح هجرة لله تعالى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب الىّ من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عينى في الصلاة- رواه النسائي وكذا روى الطبراني واسناده حسن وهو صريح في ان النكاح من الأمور الدنيوية المباحة كالطيب وتسميته سنة في قوله صلى الله عليه وسلم اربع من سنن المرسلين النكاح والتعطر الحديث بمعنى كونه سنة زائدة من السنن العادية لا انه من سنن الهدى فان سنة الهدى ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العبادة لا يقال ان قوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتى فليس منى- يدل على كونه من سنن الهدى لانا نقول لا يدل هذا على ذك لان الرغبة عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم واستحسنه قبيح يوجب الإنكار والعتاب لكن تركه لا يوجب العتاب كما يوجب ترك سنة الهدى- فان قيل ورد في الحديث حبب الىّ من الدنيا ثلاثة الطيب والنساء وجعلت قرة عينى في الصلاة- فهذا اللفظ يدل على كون الصلاة ايضا من الأمور الدنيوية- قلنا قال الحافظ ابن حجر لم نجد لفظة ثلاث في شيء من الطرق المسندة وحديث الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة- رواه مسلم عن عمرو بن العاص مرفوعا وهذا ايضا يدل على كون النكاح من الأمور الدنيوية المباحة فكل امر وقع في باب النكاح في الكتاب او السنة محمول على الإباحة او الاستحباب واما حديث عكاف أنت اذن

ص: 507

من اخوان الشياطين واقعة حال محمول على حالة شدة التوقان وخوف الفتنة- ثم النكاح يكون عبادة باقتران حسن النية بان يريد كثرة اهل الإسلام وغض البصر ونحو ذلك- وهذا شيء غير مختص بالنكاح بل الاكل والشرب والبيع والشراء والاجارة وسائر المعاملات المباحة كلها مع اقتران حسن النية تصير عبادات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة بعد الفريضة رواه الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود ورواه الطبراني عن انس بن مالك بلفظ طلب الحلال واجب على كل مسلم- وكما ان النكاح فرض على الكفاية لبقاء النسل كذلك الاكل والشرب بقدر ما يسد الرمق فرض عين والتجارة وسائر انواع الحرف فرض على الكفاية ايضا لو تركها الناس أجمعون اختل امر معاشهم ومعادهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التاجر الصدوق الامين مع النبيين والصديقين والشهداء- رواه الترمذي عن ابى سعيد الخدري وحسنه ورواه ابن ماجة من حديث ابن عمر نحوه والبغوي في شرح السنة عن انس نحوه لكن حسن تلك الأشياء انما هو بالغير واما حسن الذكر والانقطاع الى الله فانما هو بذواتهما فاين هذا من ذك عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله سبحانه لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحببته الحديث رواه البخاري ولم يقل الله سبحانه لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنكاح او بالأكل والشرب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اوحى الىّ ان اجمع المال وأكون من التاجرين ولكن اوحى الىّ ان اسبح بحمد ربك وأكن من الساجدين- رواه البغوي في تفسير سورة الحجر- وما قيل في جواب حال يحيى انه كان أفضل في شريعتهم وقد نسخت الرهبانية في شريعتنا فليس بشيء بل النكاح كان أفضل من العزوبة في كل دين كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم اربع من سنن المرسلين

ص: 508