المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فلما قدم الشام نزل تحت ظلّ شجرة قريبا من صومعة - التفسير المظهري - جـ ٦

[المظهري، محمد ثناء الله]

الفصل: فلما قدم الشام نزل تحت ظلّ شجرة قريبا من صومعة

فلما قدم الشام نزل تحت ظلّ شجرة قريبا من صومعة راهب فاطلع الراهب الى ميسرة فقال من هذا الرجل قال ميسرة رجل من قريش من اهل الحرم فقال ما نزل تحت هذه الشجرة قط الا نبى- وفي بعض الروايات ان الراهب دنا الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال امنت وانا اشهد انك الّذي ذكره الله في التورية فلما راى الخاتم قبّله وقال اشهد انك رسول الله النبي الأمي الهاشمي العربي المكي صاحب الحوض والشفاعة ولواء الحمد وقيل ان ميسرة قال كان إذا كانت الهاجرة واشتد الحرّ نزل ملكان يظلانه من حر الشمس وهو يسير على بعيره- ولما سمعت خديجة ذلك من ميسرة اشتاقت الى ان يتزوجها صلى الله عليه وسلم

‌فائدة

قال السهيلي في توجيه قول الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة قط الا نبى انه يريد ما نزل تحتها هذه الساعة ومبنى قوله هذا بعد العهد بالأنبياء واستبعاد بقاء الشجرة تلك المدة الطويلة واستبعاد وجود شجرة على الطريق تخلو من ان ينزل تحتها أحد قط لكن لفظة قط في الخبر يمنع هذا التوجيه- ولا شك ان المعجزات انما تكون بخرق العادات فلا وجه للاستبعاد فان الله قادر على ابقاء الشجرة وصرف الناس عن النزول تحتها زمانا طويلا على خلاف العادة والله اعلم- رجعنا الى التفسير روى سالم عن ابن عمر في هذه الاية قال المشكوة جوف محمّد صلى الله عليه وسلم والزجاجة قلبه والمصباح النور الّذي جعل الله فيه لا شرقية ولا غريبة اى لا نصرانى ولا يهودى توقد من شجرة مباركة يعنى ابراهيم عليه السلام نور على نور نور قلب ابراهيم على نور قلب محمّد صلى الله عليه وسلم وقال محمد بن كعب القرظي المشكوة ابراهيم والزجاجة إسماعيل والمصباح محمد صلى الله عليه وسلم سماه الله مصباحا كما سماه سراجا حيث قال وسراجا مّنيرا- توقد من شجرة مباركة وهى ابراهيم

ص: 530

عليه السّلام سماه مباركا لان اكثر الأنبياء من صلبه لا شرقية ولا غربية يعنى ابراهيم لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا ولكن كان حنيفا مسلما لان اليهود يصلّون قبل المغرب والنصارى قبل المشرق- يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار يكاد محاسن محمد صلى الله عليه وسلم تظهر للناس قبل ان يوحى اليه نور على نور نبى من نسل نبى نور محمد على نور ابراهيم عليهما الصلاة والسّلام- وقال بعضهم وقع هذا التمثيل لما نور به قلب المؤمن من العلوم والمعارف بنور المشكوة المثبت فيها من مصباحها ويؤيده قراءة أبيّ وابن مسعود روى ابو العالية عن ابى بن كعب قال هذا مثل المؤمن فالمشكوة نفسه والزجاجة صدره والمصباح ما جعله الله من الايمان والقران في قلبه يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ وهى الإخلاص لله وحده فمثله كمثل الشجرة الّتي التفت بها الشجر وهى خضراء ناعمة لا يصيبها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت- وكذلك المؤمن قد احترس من ان يصيبه شيء من الفتن فهو بين اربع خلال إذا اعطى شكر وإذا ابتلى صبر وإذا حكم عدل وإذا قال صدق- يكاد زيتها يضئ اى يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل ان يتبين له لموافقته إياه نور على نور قال ابى وهو ينقلب بين خمسة أنوار قوله نور وعلمه نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره الى النور يوم القيامة- وقال ابن عباس هذا مثل نور الله وهذا في قلب المؤمن يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى فاذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور قلت يعنى قلب الصوفي ينشرح بالحق قولا وفعلا واعتقادا فيقبله وينقبض بالباطل فلا يقبله ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استفت نفسك وان أفتاك المفتون- رواه البخاري في التاريخ عن وابصة بسند حسن فاذا جاءه العلم بالكتاب والسنة ازداد هدى ويقينا وقال الكلبي يعنى ايمان المؤمن وعمله وقال السدى نور الايمان ونور القران- وقال الحسن وابن زيد هذا مثل للقران فالمصباح

ص: 531

هو القران فانه كما يستضاء بالمصباح يهتدى بالقران والزجاجة قلب المؤمن والمشكوة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحى يكاد زيتها يضئ اى يكاد حجة القران يتضح وان لم يقرأ- يعنى القران نور من الله عز وجل لخلقه مع ما اقام لهم من الدلالات والاعلام قبل نزول القران فازدادوا بذلك نورا على نور- وقيل هو تمثيل للهدى الّذي دل عليه الآيات المبينات في جلاء مدلولها وظهور ما تضمنته من الهدى بالمشكاة المنعوتة- او تشبيه للهدى من حيث انه محفوف بظلمات أوهام الناس وخيالاتهم بالمصباح وانما دخل الكاف على المشكوة لاشتمالها عليه- او تمثيل لما منح الله على عباده من القوى الدراكة الخمس المترتبة الّتي ينط بها المعاش والمعاد وهى الحساسة الّتي يدرك المحسوسات بالحواس الخمس والخيالة الّتي تحفظ صور تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاءت- والعاقلة الّتي تدرك الحقائق الكلية والمتفكرة الّتي تؤلف المعقولات لتستنتج منها علم مالم يعلم والقوة القدسية الّتي يتجلى فيها لوائح الغيب واسرار الملكوت المختصة بالأنبياء والأولياء المعنيّة بقوله

تعالى وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا بالأشياء الخمسة المذكورة في الاية وهى المشكوة والزجاجة والمصباح والشجرة والزيت- فان الحساسة كالمشكوة لان لها محلها كالكوى ووجهها الى الظاهر لا يدرك ما وراءها واضاءتها بالمعقولات لا بالذات- والخيالية كالزجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب وضبطها للانوار العقلية وانارتها بما يشتمل عليها من العاقلة- والعاقلة كالمصباح لاضاءتها بالإدراكات الكلية والمعارف الالهية- والمتفكرة كالشجرة المباركة لتأديتها الى ثمرات لا نهاية لها الزيتونة المثمرة للزيت الّذي هو مادة المصباح الّتي لا تكون شرقية ولا غربية لتجردها عن اللواحق الجسمية او لوقوعها بين الصور والمعاني متصرفة

ص: 532

فى القبيلتين منتفعة من الجانبين- والقوة القدسية كالزيت فانها لصفائها وذكائها يكاد يضئ بالمعارف من غير تفكر ولا تعلم- او تمثيل للقوة العقلية فانها في بدء أمرها خالية عن العلوم مستعدة لقبولها كالمشكوة ثم تنتقش بالعلوم الضرورية بتوسط احساس الجزئيات بحيث يتمكن من تحصيل النظريات فتصير كالزجاجة متلالية في نفسها...... فاذا حصل له العلوم فان كان بفكر واجتهاد فكالشجرة الزيتونة وان كان بالحدث فكالزيت وان كان لقوة قدسية فكالذى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ لانها تكاد تعلم ولو لم يتصل بملك الوحى والإلهام الّذي مثله النار من حيث ان العقول تشتعل عنها- ثم إذا حصلت لها العلوم بحيث يتمكن من إحضارها متى شاءت كان كالمصباح فاذا استحضرها كان نورا على نور ولى في هذه الاية تأويلان آخران مبتنيان على كشف المجدد للالف الثاني رضى الله عنه أحدهما اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

يعنى موجدها ومظهرها من كتم العدم في الخارج الظلي مثل نوره اى وجوده الّذي انبسط على ماهيات الممكنات- والاضافة للتشريف كما في بيت الله وناقة الله او لانه صادر منه كما يقال نور الشمس والقمر لما انبسط على الأرض من النور لاجل مقابلتهما كمشكوة اى كنور مشكوة على حذف المضاف فيها مصباح تنورت المشكوة بذلك المصباح فكما ان المشكوة استفادت النور وتنورت بالمصباح كذلك ماهيات الممكنات استفادت نور الوجود ووجدت بمصباح صفات الله سبحانه وأسمائه الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ نعت الله سبحانه المصباح بكونها في الزجاجة لكمال التصوير- فان المجدد رضى الله عنه قال ان مبادى تعينات عامة الممكنات (سوى الأنبياء والملائكة) ظلال الأسماء والصفات وذلك ان الله سبحانه كما يعلم صفات كماله كذلك يعلم نقائضها الّتي هى مسلوبة عنه تعالى كالموت نقيض الحيوة والجهل نقيض العلم والعجز نقيض القدرة والصمم نقيض السمع والعمى نقيض البصر والبكم نقيض الكلام والجبر نقيض الارادة

ص: 533

والتعطل نقيض التكوين- وإذا اجتمعت في مرتبة العلم صفاته تعالى مع نقائضها انتقشت وتلونت صور تلك النقائض بعكوس الصفات فصارت مخلوطات حقائقها الاعدام وعوارضها عكوس الصفات- فتلك المخطوطات تسمى في اصطلاح الصوفية بظلال الصفات والأعيان الثابتة في مرتبة العلم ومبادى تعينات الممكنات وحقائقها ومربيات لها وهى كالزجاجة الّتي تنورت بنور المصباح والظرفية من حيث التجلّى فان الصفات تجلّت في الظلال.... فتنوّرت الظلال بانوارها كما ان الزجاجة تنوّرت بنور المصباح الكائن فيها والظلال تجلّت واعطت نورها المقتبس من الصفات على ماهيات الممكنات- فتنوّرت ووجدت وظهرت الماهيات بنور الظلال كما ان المشكوة تنورت بنور الزجاجة المقتبس من المصباح- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه رواه مسلم في حديث ابى موسى لعل المراد بالنور في هذا الحديث هى مرتبة الظلال وسبحات الوجه صفات الله سبحانه- فان ماهيات الممكنات لدنو رتبتها وضعف استعداداتها غير صالح للاقتباس عن الصفات من غير توسط الظلال فلولاها لانعدم الممكنات بأسرها- لكن الأنبياء والملائكة لقوة استعداداتهم اقتبسوا من الصفات كما ان الظلال اقتبسوا منها ولاجل ذلك خلقوا معصومين لانعدام الشر في أصولهم الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يعنى انها لا معة بانوار المصباح بحيث تشتبه بالمصباح على الناظرين حتى لا يكادون يميزون بينها وبين المصباح قال الشاعر

رق الزجاج ورقت الخمر

فتشابها وتشاكل الأمر

فكانّما خمر ولا زجاج

وكانّما زجاج ولا خمر

ومن أجل هذا التشابه والتشاكل بين الظلال والصفات زعم كثير من العرفاء (وهم الصوفية الوجودية) الظلال صفات لله تعالى ولم تتميّز عندهم

ص: 534

المرتبتان وقالوا الصفات عين الذات- وزعموا ماهيات الممكنات عين ما يتجلّى فيها من مربياتها- فقالوا ليس في الكون الا الله وليس في جبتى سوى الله وقال شاعرهم شعر

لا ملك سليمان ولا بلقيس

ولا آدم في الكون ولا إبليس

والكل صور وأنت المعنى

يا من هو للقلوب مقناطيس

وما هى الا هفوات نشات من السكر وغلبة العشق فلم يتميزوا بين المتجلّى وبين ما تجلّى فيه رحمهم الله يوقد ذلك المصباح من شجرة مّبركة زيتونة يعنى من زيتها اعلم ان الصفات تنوّرت اى وجدت وظهرت في الخارج الحقيقي بذات الله سبحانه فهى ممكنة في نفسها واجبة بذات الله تعالى وهى من جهة إمكانها مربيات لتعينات الأنبياء والملائكة وهى موجودة بوجود قديم مستفاد من الذات فالذات شبّهت بشجرة مّباركة زيتونة- ولاجل ذلك نعتت الشجرة بكونها لا شرقية ولا غربية لمتنزه الذات عن جميع الجهات- وهذه الصفات الّتي شبّهت بالمصباح زائدة على الذات على ما هو مستفاد من الكتاب والسنة وعليه انعقد اجماع اهل الحق من الامة- واما قول الأشعري انها لا عين الذات ولا غيرها معناه انها زائدة على الذات فليست عينها غير منفكة عنها وهو المعنى بلا غيرها وأنكر الفلاسفة والمعتزلة الصفات الزائدة وقالوا لو كانت الصفات غير الذات زائدة عليها لزم احتياج الذات إليها في ترتب الآثار- فقال المتكلمون الممتنع الاحتياج الى شيء اجنبى واما الاحتياج الى الصفات فغير ممتنع- وقال المجدد رضى الله عنه ان صفات الله تعالى الزائدة على الذات موجودة في الخارج على ما اقتضته الحكمة الخفية ودلت عليه النصوص والإجماع لكن ذاته تعالى في حد ذاته مستغن عن الصفات غير محتاجة إليها في ترتب الآثار حتى لو فرضنا عدم الصفات لكفى الذات في ترتب الآثار- فالذات كاف

ص: 535