الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأصلي وأسلم على نبينا وقدوتنا محمَّد، وعلى آله الطيبن الطاهرين، وأصحابه الصالحين المصلحين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد خصصتُ هذا الكتاب للأحكام النقدية التي أصدرها الإِمام البيهقي في بعض رجال "السنن الكبرى" جرحًا وتعديلًا.
وكانت هذه المادة النقدية الهامة منثورة في أرجاء الكتاب فعملت على جمعها وتنسيقها، وقمت بتتبع رواتها في مصادر كتب الرجال، ثم رتبتهم على حروف المعجم ليسهل الوصول إليهم في هذا المعجم. وقد كلفني هذا العمل الكثير من الجهد والمصابرة، وأخذ مني وقتًا واسعًا حتى تمكنت من إنجازه، والفضل لله على تيسيره وتوفيقه وإعانته.
ويعتبر هذا المعجم -من خلال ما احتوى عليه من مادة علمية نقدية- مرجعًا غنيًا في صناعة الجرح والتّعديل لأسباب عدة:
منها: أنّ نصوصه جآءت بأكملها مسندة، منسوبة إلى قائليها من النقاد الكبار في الكتاب الأصل عند الاقتباس.
ومنها: أنه اشتمل على مئات الأحكام النقدية النادرة، التي ضاعت أصولها، فاحتفظ لنا البيهقي بقسم كبير منها. لا سيما وأنَّ موارد البيهقي في
الجرح والتّعديل معظمها أصلية متخصصة، وأنَّ أصحاب هذه الموارد عاصروا هؤلاء الرواة الذين قاموا بجرحهم أو تعديلهم.
ومنها -أيضًا-: أنَّ للإمام البيهقي أحكامًا خاصة على بعض الرواة لم يتكلم فيهم سواه، أو تُكُلِّم فيهم إلَّا أنَّ العلماء اعتمدوا قول البيهقي في جرحهم أو تعديلهم لقوته وسداده (1).
وَّلما كان البيهقي لم يصنِّف كتابًا في الجرح والتّعديل فإنّ هذه المحاولة البِكر في جمع نثار أحكامه النقدية تَسُدُّ هذا الفراغ. وتبرزُ قدرة هذا الإِمام في هذه الصناعة، وتقدم للباحثين والدراسين مصدرا جديدًا ومفيدًا في هذا المجال الهام.
وقد بلغت أحكامُهُ النقدية أكثر من ثلاثة آلاف مقالة موجهة لستمائة وبضع وعشرين راويًا .. ومعنى هذا: أنَّ البيهقي قد يصدر في الراوي الواحد عدة أقوال متباينة في دلالاتها، ومتسقة في هيكلها العام. فينتقد الراوي الذي وثقه في موطن سابق لوصمة تدليس أو إرسال أو انقطاع خفي ظهر منه في موطن آخر. وقد يوثِّق الراوي في حديثه عن جماعة ويضعفه في آخرين وفق منهج علم العلل. وقد يضعف الراوي في موضع ما، ثمَّ يُحَسِّن حديثه في موضع آخر لزوال علَّة تضعيفه من سوءِ الحفظ وكثرةِ الخطأ بوجود ما يشهد له على صحة روايته وسلامتها. ومن هنا تبرز قيمة هذه الأحكام النقدية لأنها جاءت معللة ومدللة ومسندة.
(1) انظر: "نقد الرواة" في الفصل الثاني من الباب الرابع من "الصناعة الحديثية في السنن الكبرى" للمؤلف.