الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
الجرح لغة: جرحه يجرحه. إذا أحدث فيه جرحًا بالسّنان أو اللّسان.
فإنهم يقولون: جرحه بلسانه جرحًا، إذا عابه وتنقّصه (1).
والعدالة في اللّغة: القصد في الأمور، وهو خلاف الجَوْرِ (2).
قال ابن الأثير في تعريف العدل: "هو الذي لا يميل به الهوى، فيجور في الحكم"(3).
وهما في الاصطلاح: الطعن في عدالة الراوي، أو الثناء عليه، أو ضبطه بما يضعف روايته أو يقويها (4). فهو علم يبحث في مراتب الرواة من حيث قبول رواياتهم أو ردّها بألفاظ مخصوصة. وهي تعابير دقيقة الصياغة محددة الدلالة (5).
(1) الفيومي- المصباح المنير: 1/ 104 طبعة مصطفى الحلبي، الفيزآبادي- القاموس المحيط: 1/ 217.
(2)
الفيومي- المصباح المنير: 2/ 44 - 45 نفس الطبعة. وانظر: مادة "عدل" في لسان العرب: 11/ 430 - 432. بيروت.
(3)
ابن الأثير - النهاية: 3/ 191.
(4)
انظر: د. الجوابب - الجرح والتّعديل: 1، د. فاروق حمادة- المنهج الإِسلامي في الجرح والتّعديل: 19 - 22، د. أبو لبابة- الجرح والتّعديل: 19 - 22.
(5)
د. عجاج الخطيب- أصول الحديث: 261، د. أكرم العمري- بحوث في تاريخ السنة:83.
ولهذا العلم أهمية جليلة. فهو علم قائم بذاته، وهو ثمرة علم الحديث (1).
ولقد قام منهج المحدثين على ثلاث قواعد كلية، وهي:
1 -
أنَّ الحديث ورد إلينا في لغة.
2 -
أنَّ هذا الحديث يمثل خبرًا.
3 -
أنَّ هذا الخبر قد نقله رجال عن رجال.
هذه الدعائم الثلاث جعلت أصحاب الحديث يُحكمون من حولها.
فالنصّ الحديثي نصّ عربي يستقيم مع العربية حيث تستقيم. وقد كشفنا في الباب الثالث صناعة البيهقي في "غريب ألفاظ الحديث"(2) ومقدار عنايته الفائقة به.
والنص الحديثي -بإسناده ومتنه- ومن هنا نشأت فكرة نقد السند، ونقد المتن. وظهرت علوم الجرح والتّعديل، ودراسة الرجال بما يؤكد أنّ منهج المسلمين يبدأ بتمحيص الناقل لمعرفة صحة المنقول أساسًا، ثم فحص ما نقله من الرواية للتأكد من سلامتها من الوهم والخطأ. وبراعتها من العلل (3).
وقد راعَ الإمامَ البيهقي هذا المجهود الضخم في تمحيص الرواة، وكشف أحوالهم فقال مشيدًا به:
"ومَنْ أنعم النظر في اجتهاد أهل الحفظ في معرفة أحوال الرواة، وما يقبل من الأخبار، وما يرد علم أنهم لم يألوا جهدًا في ذلك، حتى إذا كان
(1) انظر: الحاكم- معرفة علوم الحديث: 52.
(2)
انظر كتابنا الصناعة الحديثية في "السنن الكبرى".
(3)
د. الراجحي- مصطلح الحديث وأثره على الدرس اللغوي: 283 - 284 بتصرف يسير. وهو كتاب جيد. توصل فيه إلى نتائج هامة قائمة على دراسة ونظر.
الابن يقدح في أبيه إذا عثر منه على ما يوجب ردّ خبره، والأب في ذلك، والأخ في أخيه، لا تأخذه في الله لومة لائم ولا تمنعه في ذلك شجنة رحم، ولا صلة مال. والحكايات عنهم في ذلك كثيرة، وهي في كتبي المصنفة في ذلك مكتوبة" (1).
وهكذا توفرت للبيهقي هذه الحصيلة الكبيرة المتنوعة من جهود الأئمة الأفذاذ في علوم الرواة. وتواريخهم، وطبقاتهم ومراتبهم، وبيان أحوالهم.
فتلقاها عن أعلام عصره من أئمة المحدثين بالسماع الشرعي. وضم إليها ما تلقاه من شيوخه وأقرانه وما توصل إليه من خلال بحثه ودراسته. وقام متفننا في استعمال هذه الثروة الجليلة في كتابه "السنن الكبرى" وعمل على توسيع شرطه فيه فلم يقصره على الصحيح، وإنما ذكر فيه الحسن والضعيف بكل درجاته. وقام بكشف أحوال الرواة ومراتبهم، وحال المروي، وما يليق به من الحكم العام في الباب.
وقد انْجَرَّ عن هذا التوسع النوعي في الرواة والمروي إلى إيداع عشرات الآلاف من النصوص مصحوبة بأحكامها في كتابه السنن مع تبيان أحوال رواتها ما أمكن فتكشفت صناعته في الجرح والتّعديل في أبهى صورها. وبرزت في سائر الكتاب مبثوثة في الكتب والأبواب ملفتة للنظر وقوة سبكها.
(1) البيهقي- دلائل النبوة: 1/ 59 طبعة المجلس الأعلى.