الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
7 - دخول عالم القرآن دون مقررات سابقة
قد يجمع القارئ مقرراته وثقافاته من مصادر عديدة، وقد تكون هذه المصادر متعارضة أو متداخلة أو متناقضة، فينعكس هذا على مقرراته التى أخذها وثقافته التى حصلها، فيكون مشوشا فى فكره، متناقضا فى تصوراته، متعارضا فى نظراته .. وهذا حال كثير من المثقفين فى عصرنا، الذين استقوا علومهم من الينابيع الملوثة، وحصلوا ثقافاتهم من المصادر الغربية الدخيلة ..
والقرآن الكريم وحده هو النبع الصافى الثر الأصيل، الذى يخرج الإنسان المسلم المتوازن، والذى يزوده بالتصورات والحقائق والقيم والثقافات الصحيحة الصادقة اليقينية .. ولكن القرآن لن يفعل هذا إلّا بشرط، وهو أن يدخل القارئ عالم القرآن بدون مقررات سابقة كان قد حصلها من هنا وهناك من نتاج البشر .. هو أن يلقى على عتبة القرآن بكل هذا الركام وأن يدخله مجردا منه، وأن يتعامل معه من البدايات، وأن يتلقى عنه المعانى والإيحاءات والتصورات ..
إن هذا ما فعله الصحابة الكرام فى تعاملهم مع القرآن- فكانوا جيلا قرآنيا فريدا- لقد كان الرجل منهم يلقى على عتبة القرآن بكل ماضيه وتصوراته وموروثاته .. ويدخل عالمه الرحيب الطاهر صفر اليدين، ويبنى
نفسه بناء متوازنا بطيئا، ويحصل منه مقرراته وثقافاته ومناهج حياته، فيتخرج من مدرسته رجلا إيمانيا متوازيا سويا ..
القرآن الكريم يعطى القارئ الكثير من المعانى والحقائق، ويزوده بالكثير من المعارف والثقافات، ويمنحه الكثير من الكنوز والتوجيهات، ويقدم له الكثير من المقررات والتصورات .. ويطلق له من أنواره ما ينير له حياته، وينشر عليه من ظلاله ما يضفى عليه الرحمة والأنس والطمأنينة ..
وهذا كله بشرط أن لا يتعامل معه بمقررات سابقة، غريبة على التوجيه القرآنى، ودخيلة على التصور الإسلامى ..
وقد أخطأ أناس فى صلتهم بالقرآن، ولم يحسنوا دخول عالمه الرحيب، فمنهم من أحضر معه ركاما ثقيلا من المعارف والثقافات والأخلاق والعادات والأعراف والسلوكيات- وهى متناقضة مع توجيهات القرآن- فحجبت هذه عنه أنوار القرآن .. ومنهم من دخل عالم القرآن بمقرر فكرى مسبق، بقى يخايل له وهو ينظر فى القرآن، فحجب عنه الرؤية وأوقعه فى الغبش والتخليط، ومنهم من أقبل على القرآن بنية مسبقة، وخلفية سابقة، وهدف يبغى تحقيقه، فصار يعتسف الطريق، ويتكلف الأدلة، ويلوى أعناق النصوص ليا، ويقسرها قسرا، ويستنطقها استنطاقا، لتشهد له ..
وهؤلاء جميعا خرجوا بنتائج خاطئة، ومقررات مرفوضة، نسبوها إلى القرآن الكريم، وما هى إلّا نتاج غبش وتيه، وثمرة حجاب عن أنوار القرآن وحقائقه.
ومن الأمثلة السريعة لهؤلاء الذين دخلوا القرآن بمقررات سابقة فضلّوا، وخرجوا من ذلك بنتائج خاطئة فأضلوا ..
ذلك الذى أراد أن يستدل من القرآن على أن الأديان السماوية كلها وحدة واحدة، وأن أتباعها كلهم فى الجنة، وأن اليهود والنصارى- بعد نزول القرآن- هم مقبولون عند الله، وتوكأ فى كل هذا على قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)[المائدة: 69].
وذلك الذى استدل بقوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)[الأنعام: 38] على أن القرآن حوى جميع العلوم والمعارف.
وذلك الذى يركن إلى الحكام الظالمين المحاربين لله ورسوله ولدينه، فيبحث لهم عن آية توجب طاعتهم وتنفيذ أحكامهم، فيعتمد على قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
[النساء: 59].
وذلك الشيخ الذى باع دينه بدين غيره من الحكام الظالمين، فخسر الأمرين معا، وصار يبرر لهم رذائلهم وضلالهم، ويعطيه بعدا إسلاميا، ويضفى عليه ظلا قرآنيا، ويبحث عن آيات القرآن لتشهد له ..
إذا طلبوا فتوى فى الفائدة الحرام، والربا المقيت، وجدها فى آية:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً [آل عمران: 130].
وإذا والوا النصارى وأحبوهم وقربوهم، برر لهم ذلك بآية:
وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82)[المائدة: 82].
وإذا ذلوا أمام الأعداء وجبنوا عن قتالهم، وفاوضوهم على البلاد، وصالحوهم على الأوطان، وتنازلوا عن البلدان، أجاز لهم ذلك بآية:
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الأنفال: 61].
وإذا بطش هؤلاء بجنود الله، وحاربوا أولياء الله، وآذوا أحباب الله واتهموهم بكل شناعة، ونسبوا لهم كل عيب، ولفقوا لهم كل تهمة، ومدوا إليهم أيديهم وألسنتهم بكل صنوف الأذى والعدوان والاضطهاد والتعذيب.
اعتبر ذلك التاجر بدينه وقرآنه رجال الله بغاة محاربين، وطبق عليهم حد الحرابة، وذبحهم بالقرآن: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [المائدة: 33].