الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
8 - الثقة المطلقة بالنص القرآنى وإخضاع الواقع المخالف له
القرآن كلام الله، ولا بدّ أن ينظر له على أنه كلام الله، ويتم التعامل معه على أنه كلام الله، ويوثق به على أنه كلام الله، ويسلم به ويصدق به على أنه كلام الله، وهو الحق المطلق والصدق المطلق والخير المطلق والهدى المطلق .. وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) [النساء: 87]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) [النساء: 122].
وموقف القارئ من القرآن هو التسليم التام به، والثقة بنصوصه، والتصديق الجازم بمعانيه وحقائقه ودلالاته .. فما قاله فهو الحق، وما قرره فهو الصدق، وما أشار له ووجه إليه فهو الخير، وما أمر به فهو الهدى والصواب، وما نهى عنه فهو الشر والفساد .. فهذا القرآن من قال به صدق ومن حكم به عدل، ومن التزم به استقام، ومن صدّق به اطمأن، ومن وثق به اهتدى، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم.
وكيف يجيز مسلم لنفسه أن «يتعالم» على الله فى كتابه، وأن يجعل عقله البشرى القاصر فوق كلامه أو ندا له، وأن يعمل فى نصوص القرآن بالتحريف أو التعطيل أو التأويل، أو التقزيم أو التفريغ أو التلبيس .. وأن
يتشكك فى معانيها ومقرراتها وحقائقها، أو يتفلسف على دلالاتها وإيحاءاتها، أو «يتخير» ما شاء من أحكامها ومبادئها ..
على القارئ البصير أن تكون نظرته لنصوص القرآن، وتعامله معها واقتناعه بها وتسليمه لها محكوما بقوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)[النساء: 65]. وبقوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36)[الأحزاب: 36] .. فلا يكون «مزاجيا» فى تعامله مع القرآن وثقته بنصوصه، فيفعل فعل اليهود فى التوراة، ذلك الفعل الذى يقوم على «المزاجية» والهوى، والذى ذمه الله بقوله: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ [البقرة: 85]. وبقوله تعالى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)[البقرة: 87] إنه هو الصلة المزاجية اليهودية التى «قرطست» التوراة قراطيس، فمزقتها وقزّمتها وطمست نورها كما قال تعالى: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً [الأنعام: 91] ولكننا كم نرى من مسلمى هذا الزمان من هم مزاجيون فى نظرتهم إلى نصوص القرآن! وثقتهم بها! وتسليمهم لها! كم نرى من هؤلاء من يحكم فى هذه النظرة الهوى والشهوة والمصلحة والرغبة .. كم نرى من هؤلاء من «يقرطس» أحكام القرآن ونظمه وتشريعاته «قرطسة» مرذولة مقيتة، تشابه قرطسة اليهود لتوراتهم، وتكاد تخرجه من دين الله ..
إذا أخبرنا عن وجود الملائكة وصفاتهم فهو صدق يجب الإيمان به
والثقة فيه. وقل مثل هذا فى إخباره عن إبليس والشياطين وعن الجن، وعن الأنبياء ومعجزاتهم، وعن الأعداء وهلاكهم، وعن تسبيح كل من فى الكون لله وسجودهم
له، وعن الجنة ونعيمها، وعن النار وعذابها .. وغير ذلك ..
وإذا تضمنت نصوص القرآن حكما أو تشريعا، فلا بدّ من التصديق به والتسليم له، فالخمر ولحم الخنزير والربا والنظرة المحرمة والزنا، والكذب والغدر، وموالاة الأعداء ونصرتهم، ومصالحتهم والجبن والذل أمامهم، وإيذاء أولياء الله واضطهادهم. كل هذه محرمات فى دين الله، لما فيها من إفساد وتخريب وفوضى ودمار ..
وإذا قرر القرآن أمرا، أو تضمن من الله حكما أو وعدا، أو عرض سنّة أو حقيقة، ثم رأى القارئ أن الواقع الذى يعيشه، والأمر الذى يشاهده يتعارض مع ما قرره القرآن، ويتناقض معه، ويتخلف عنه .. فلا تضعف ثقته المطلقة بالنص القرآنى، ولا يتزعزع تصديقه به وتسليمه له، ولا يقبل على هذا النص بالتحريف والتعطيل والتأويل، فلا يجعل ما يراه من مخالفة هو الأصل، وما يوحى به القرآن هو التابع له، الذى يجب أن يخضع له، وأن يؤوّل ليوافقه ..
إن النص القرآنى هو الأساس والقاعدة والأصل، وإن الواقع هو التابع له، فإذا ما تعارضا فى ظاهر الأمر، فلا بدّ أن فى الأمر شيئا، ولا بدّ أن الشروط والمواصفات التى قررها القرآن لم تتحقق، والأسباب التى أشار إليها لم توجد .. فلو وجدت الأسباب كاملة وتحققت الشروط وافية، فلا بد أن نرى الواقع متطابقا مع النص .. فلا بدّ إذن من إخضاع الواقع المخالف لتقريرات القرآن وحقائقه ..
قوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)[النساء: 141]. هو الأصل والواقع له تبع. وقوله تعالى: فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ [الأنعام: 6]. سنة لا تتخلف والبصير هو الذى يراها قادمة ..
وقوله تعالى مهددا آكلى الربا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة: 279] يعلن الحرب عليهم، والمؤمن هو الذى يراها الآن حربا أعلنها الله على العالم أجمع لأكله الربا، كما قال فى الآية الأخرى، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ [البقرة: 276].
وقوله تعالى عن اليهود: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران: 112] حكم قاطع دائم يتضمن الاستثناء فى الحبال الممدودة إليهم فى هذه الأيام، حبل الله بالإمهال، وحبال أمريكا بالمساعدات المالية، وحبال روسيا بالسيل البشرى، وحبال عملائهم بالتحالف والتعاهد، وحبال الأمة بالجبن والذل وترك الجهاد.
وقوله تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7)[محمد: 7] تعليل لسر انتصار المسلمين السابقين، وتعليل لسر هزائم المسلمين المعاصرين، وهو يقرر قاعدة عامة وسنة ربانية ثابتة تتضمن شرطا بشرط، وهو المتمثل فى فعل الشرط وجوابه ..