الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
15 - توسيع التفسير ليشمل السيرة وحياة الصحابة
قصر بعض الدارسين للقرآن والناظرين فيه التفسير فى زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام على مجال واحد من مجالاته وهو المجال النظرى، فصاروا يبحثون فى كتب الحديث وكتب التفسير بالمأثور، عن الروايات والأحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام والمتعلقة ببيان معنى كلمة قرآنية أو توضيح حكم قرآنى، واكتفوا بها فقط كنماذج لتفسير رسول الله عليه الصلاة والسلام .. ثم توجهوا إلى أقوال الصحابة فى تفسير القرآن، وقصروها على بيان الصحابى لمعنى كلمة غريبة أو سبب نزول أو توضيح حكم أو تحديد ناسخ ومنسوخ أو غير ذلك .. وإذا نظرنا فى الحصيلة التى خرجوا بها من جمعهم لهذه الروايات والآثار فإنها ستكون قليلة وبخاصة إذا اعتمدنا ما صح سنده منها .. وهذه الروايات نجدها فى كتب الصحاح والسنن، وفى كتب التفسير بالمأثور وفى مقدمتها جامع البيان للطبرى، وتفسير القرآن العظيم لا بن كثير، والدر المنثور فى التفسير بالمأثور للسيوطى ..
إن التفسير فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ليس مقصورا على الجانب النظرى، لأنهم هم لم يقصروه عليه، وكم نخسر لو قصرناه عليه ..
لقد كانوا أبصر بالقرآن منا، وأكثر إدراكا لأغراضه منا، وأشد تعلقا وارتباطا
به منا، وأعظم حرصا على أن يعيشوا به منا، ويحولوه من توجيهات نظرية إلى حقائق حياتية معاشة، ويكونوا الصورة العملية الواقعية الحية لنصوصه وآياته ..
إن التفسير زمن الرسول عليه السلام وأصحابه شمل جانبين: جانب نظرى وهو ما أشرنا إليه، وإلى قلته وضآلته بالقياس إلى الجانب الآخر ..
وهو الجانب العملى التطبيقى الواقعى .. لقد عاش رسول الله عليه الصلاة والسلام بالقرآن عمليا، وكان يحرص على أن يلتزم توجيهاته وأحكامه، وأن ينفذ أوامره
وواجباته، فكان هو بسيرته وحياته أول مفسر للقرآن الكريم .. ولهذا كم كانت السيدة عائشة رضى الله عنها حكيمة وذكية ونافذة البصر والبصيرة، عند ما كان جوابها على سؤال وجه إليها عن خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقالت:«كان خلقه القرآن» ، وكأنها تعنى ما قلناه من أن سيرته وحياته وخلقه وسلوكه تفسير لتوجيهات وآيات القرآن .. وبهذا الفهم للتفسير لا بدّ أن ننظر إلى صلة الصحابة بالقرآن وإلى ممارستهم لحياتهم الواقعية اليومية، فقد كانوا جيلا قرآنيا فريدا يعيشون بالقرآن عمليا، وكان القرآن حاضرا متجددا معهم، ويمكن أن تستخرج من نصوصه صورة شبه متكاملة لحياة الصحابة ومستواهم الإيمانى، والتزامهم العملى، ووقوعهم أحيانا فى تقصيرات وأخطاء يسيرة عالجها القرآن فى وقتها .. إن أى ناظر فى كتب أسباب النزول وفى سيرة رسول الله عليه السلام، وفى مغازيه وجهاده، وفى الكتب التى تحدثت عن حياة الصحابة وطبقاتهم ومناقبهم .. سيقف على ثروة ضخمة لهؤلاء الكرام، يصدق عليها أنها تفسير عملى للقرآن الكريم .. فلماذا نستبعد كل هذه الثروة الغنية، ونكتفى بألفاظ وكلمات يسيرة منقولة عنهم فى تفسير القرآن؟ وكثير منها لم يصح سنده؟
فعلى القارئ المتدبر للقرآن أن يوسع التفسير، وأن يدخل فيه كل سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام ومغازيه، وشمائله وفضائله، وكل ما صح من حياة الصحابة بالقرآن، وجهودهم وجهادهم لأن يبقوا على القمم التى وضعهم عليها القرآن .. وعندها يستفيد هذا القارئ فائدة تفسيرية وتربوية وسلوكية وإيمانية وعملية ..