الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: حكم النكاح
بمعنى الصفة الشرعية: أي ما يثبت للنكاح شرعاً هل مطلوب فعله أو مطلوب تركه؟
والصفة الشرعية للنكاح تختلف باختلاف الإنسان نفسه، فهي لا بد لها من مقومات ثلاث:
الأول: القدرة على مطالب النكاح.
الثاني: الثقة في إقامة العدل بالنسبة لمعاملة المرأة.
الثالث: اعتدال الغريزة الطبيعية في الإنسان من عدمها.
فبالنظر إلى هذه المقومات نجد أن الصفة الشرعية تنقسم إلى حالات ثلاث:
الحالة الأولى:
إذا كان الرجل قادراً على مطالب النكاح، واثقاً في إقامة العدل في معاملة المرأة، ويخشى من الوقوع في الزنا.
فالنكاح واجب في هذه الحالة (1)، لأنه لا بد للمسلم من إعفاف نفسه من الوقوع في المحرم وهناك قاعدة شرعية أصولية وهي:(ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)(2) .
الحالة الثانية:
أن يكون الفرد قادراً على مطالب النكاح، واثقاً في إقامة العدل في
(1) انظر: الإفصاح لابن هبيرة 2/110، والمغني 9/340، وشرح فتح القدير لابن الهمام 3/187
(2)
انظر: القاعدة في كتاب القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام القاعدة 17 ص 94
معاملة المرأة، معتدل الطبيعة البشرية، لا يخشى على نفسه من الوقوع في الزنا.
فهذه الحالة محل خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قَال الظاهرية بالوجوب، وهو رواية عند الحنابلة، وقول عند الشافعية. (1)
القول الثاني: النكاح مباح في هذه الحالة، والتخلي للعبادة أفضل، وهو مذهب الشافعية. (2)
القول الثالث: النكاح سنة مؤكدة، وهذا مذهب جمهور أهل العلم. (3)
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بظواهر النصوص الدالة على الزواج، وقالوا إنَّ هذه النصوص الأمر فيها للوجوب، ومن هذه النصوص:
أ - قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (4) .
ب - وقوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} (5) .
ج _ واستدلوا أيضاً بحديث عكّاف بن وداعة الهلالي الَّذِي رواه أحمد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال له:"ياعكاف هل لك من زوجة؟ " قَال: لا، قَال "ولا جارية؟ " قَال ولا جارية، قَال:"وأنت موسر بخير"، قَال: وأنا موسر بخير، قَال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك من
(1) انظر: المحلى 9/440 والحاوي الكبير 9/31 والمبدع 7/5
(2)
انظر: مختصر المزني باب الترغيب في النكاح ص 163 والمهذب 2/35 وروضة الطالبين 7/18
(3)
انظر: المغني 9/ 341 وشرح فتح القدير 3/189 والخرشي على مختصر خليل 3/165
(4)
النساء آية 3
(5)
النور آية 32
أخوان الشياطين" (1) . فهذا تنفير من النبي صلى الله عليه وسلم على من ترك النكاح وهو قادر عليه.
واستدل الشافعية أولاً: بقول الله عز وجل مادحاً يحيى عليه السلام: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (2)، وقالوا إن معنى الحصور هو: من يتجنب النساء مع القدرة على ذلك قاله الشافعي (3) ، ولو كان النكاح أفضل لما مدح الله عز وجل يحيى بتركه.
ثانياً: بقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} (4) الآية.
وهذه الآية جاءت في سياق الذم وهذا يدل على أن التخلي للعبادة أفضل.
قَال البغوي: فيه إشارة إلى التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة. (5)
واستدل الجمهور:
بأن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ على النكاح ورغّب فيه، وفعله عليه الصلاة والسلام، وهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم يدل على أنه سنة، وترغيبه وحثه يدل على أنه سنة مؤكدة.
(1) انظر: المسند 5/163 ومصنف عبد الرزاق 6/171 يرقم 10387 والحديث ضعيف انظر: الموسوعة الحديثية مسند الإمام أحمد 35/355، وذكر ابن حجر لهذا الحديث طرقا وقال: لا تخلو من ضعف واضطراب. انظر: الإصابة 2/489.
(2)
آل عمران آية 39
(3)
انظر: مختصر المزني ص 163 والحاوي 9/32 والسنن الكبرى 7/83
(4)
آل عمران آية 14
(5)
تفسير البغوي 1/284
وفَعَلَه الصحابة رضي الله عنهم من بعده، ولم ينقل إلينا بأنه واجب كما نقلت إلينا الواجبات الأخرى كالصلاة والصيام وما أشبه ذلك.
وقد لام النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الرهط في الصحيحين من ترك النكاح فقال: "من رغب عن سنتي فليس مني" وفي الحديث عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل (1) . والمراد بالتبتل الانقطاع عن النكاح أو عن النساء إلى العبادة. (2)
الترجيح: الراجح والله أعلم هو مذهب جمهور أهل العلم.
وقد أجابوا عن أدلة الظاهرية: بأن الأمر فيها ليس للوجوب والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم الصحابة الإلزام المعهود في مثل الواجبات ولو ألزمهم لبلغ إلينا ذلك.
وأما حديث عكّاف فأجابوا عنه من وجهين:
أولاً: إن هذا الحديث ضعيف، لأنه من رواية معاوية بن يحيى الصدفي وهو متكلم فيه، ضعيف الحديث ليس بقوي. (3)
ثانياً: على فرض صحة الحديث، قالوا: لعل عكّافاً توفرت فيه شروط الوجوب، فترغيبه له لا يدل على أن هذا الأمر سائغ لجميع الناس.
وأجابوا عن أدلة الشافعية:
الدليل الأول: من وجهين:
(1) رواه أحمد في المسند 3/158 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 81، 82 وابن حبان 6/135 وحسنه الهيثمي في المجمع 4/258
(2)
انظر: شرح السنة 9/5 وفتح الباري 9/118
(3)
انظر: الجرح والتعديل للحافظ الرازي 8/383، 384 رقم 1753.
1-
إن هذا شرع من قبلنا وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يكن في شرعنا ما يخالف ذلك، وفي شرعنا، أمر وفعل وحث وترغيب على النكاح، قَال ابن قدامة: وأما ما ذكر عن يحيى فهو شرعه وشرعنا وارد بخلافه فهو أولى. (1)
2-
يحتمل أن يكون معنى الحصور هو من يمنع نفسه عن الشهوات والمحرمات أو أنه كان لا يشتهي النساء وعلى هذا لا يصح أن تكون هذه الآية دليلاً لهم.
وأجابوا على الدليل الثاني:
تكون هذه الأشياء المذكورة في الآية في معرض الذم متى ما تهافت الناس عليها وعلى غيرها من متع الدنيا وتركوا ما يتعلق بالآخرة، وأما التوسط في حب هذه الأشياء وعدم المبالغة فيه فهو أمر محمود وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فيتوجه الذم إلى سوء القصد فيها وبها. (2)
الحالة الثالثة:
أن يكون الإنسان معتدل الغريزية وقادراً على مطالب النكاح، ولكن لا يحسن التعامل مع المرأة بل يتيقن من الوقوع في ظلم المرأة، فهذا النكاح محرم، لأنه وسيلة إلى الظلم، والظلم حرام، ففي الحديث:"لا ضرر ولا ضرار"(3)، وفي الحديث القدسي:"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا"(4) .
(1) انظر: المغني 9/343
(2)
انظر: زاد المسير لابن الجوزي 1/360 - 384 وتفسير ابن كثير 351 -361.
(3)
رواه أحمد بلفظ: «لا ضرر ولا أضرار» انظر: المسند 1/313 وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه 2/58
(4)
رواه مسلم كتاب البر باب تحريم الظلم 4/1994 رقم 2577
وفي حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: "الظلم ظلمات يوم القيامة"(1) .
وفي رواية عن جابر: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» (2) .
(1) رواه البخاري في المظالم باب الظلم ظلمات يوم القيامة انظر: البخاري مع الفتح 5/73 ومسلم في كتاب البر باب تحريم الظلم 4/1996 رقم 2579
(2)
رواه مسلم في كتاب البر باب تحريم الظلم 4/1996 رقم 2578