الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: في الخِطبة والخُطبة
تعريف الخطبة لغة: خطبت على المنبر خُطبة بالضم وخطبت المرأة خِطبة بالكسر وهي مأخوذة من الخطاب وهو الكلام أو الحديث أو التلفظ، وإما أن تكون مأخوذة من الخَطُب وهو الأمر المهم أو الشأن المهم. (1)
أما اصطلاحاً: فيمكن تعريف الخِطبة بالكسر بأحد التعريفات التالية:
1-
طلب يد المرأة للتزوج بها.
2-
التماس النكاح ممن يعتبر منه.
3-
إظهار الرغبة في النكاح وإعلام المرأة وولي أمرها بذلك. (2)
* هل ذكرت الخِطبة - بالكسر - في القرآن؟
ذكرت الخطبة في القرآن أثناء الحديث عن المرأة المعتدة من الوفاة تعريضاً لا تصريحاً ففي سورة البقرة قوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (3) فهذه الآية خطاب لمن أراد الزواج بالمرأة المعتدة والتعريض هو الإيماء وهو خلاف التصريح وهو جائز في عدة الوفاة. (4)
* ما الحكمة من الخطبة أو لماذا شرعت الخطبة؟
الخِطبة من مقدمات النكاح وقد شرعها الله قبل عقد النكاح حتى لا يُقدم
(1) انظر: الصحاح 1/121 والنهاية 2/45 واللسان 1/360 والمصباح 1/173
(2)
انْظر: المغني 9/ 567 وتهذيب الأسماء للنووي 3/92، 93 ومغني المحتاج 3/ 135 والخرشي على مختصر خليل ومعه حاشية العدوي 3/ 167.
(3)
البقرة آية 135
(4)
انْظر: معالم التنْزيل للبغوي 1/216.
أحد الزوجين على صاحبه إلا بعد المعرفة التامة بصاحبه، فيكون الإقدام حينئذ على هدى ومعرفة وبصيرة. (1)
وقد قَال أهل العلم أن النكاح جائز بغير خطبة. (2)
* ما الَّذِي يترتب على الخطبة؟
الخطبة هي مجرد طلب أو تقدم للزواج يمكن قبوله أو رده وليست بزواج، وإنما الزواج لا يتم إلا بشروطه وأركانه، فالخِطبة إذاً لا يترتب عليها شيء، والمرأة المخطوبة امرأة أجنبية كغيرها من الأجنبيات لا يجوز الخلوة ولا السفر بها، ولا استدامة النظر إليها كما هو واقع في حال كثير من الأسر في هذا الزمان، ومعلوم خطورة الخلوة، وفي الحديث:"ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان"(3) وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: "لا يخلو رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"(4) .
* أنواع الخطبة أو أساليبها:
تنقسم الأساليب أو الأنواع إلى قسمين:
1-
ما كان بلفظ صريح وهو أن يعبر الرجل عن رغبته في النكاح بلفظ صريح لا يحتمل أمراً غيره، كأن يقول إذا خاطب المرأة: أريد أن أتزوجك، وإذا كان يخاطب وليها يقول: أريد أن أتزوج من فلانة ويسميها.
(1) انظر: فقه السنة 2/24
(2)
انظر: فتح الباري 9/ 202.
(3)
رواه الترمذي في أبواب الفتن باب لزوم الجماعة في حديث طويل وقال هذا حديث حسن صحيح 3/315 رقم 2254
(4)
رواه البخاري في كتاب النكاح باب لا يخلو رجل بامرأة انظر: البخاري مع الفتح 9/330، 331 رقم 5233
2-
ما كان بلفظ غير صريح وهو ما يعرف بالتعريض أو الإيماء أو التلميح وهو يحتمل الأمرين: الخطبة وغيرها، وقد جاء هذا في كتاب الله، في خطبة المرأة المعتدة من الوفاة:{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (1)، وهذا النوع له أساليب: الأول: أن يتحدث الرجل أمام المرأة، أو أمام ولي أمرها عن صفاته هو التي ترغب النساء فيه، ويشعر من الحديث رغبته في هذه المرأة، كأن يتحدث عن خلق من الأخلاق كالكرم والسخاء يفهم منه أنه يريد هذه المرأة.
الثاني: أن يتحدث الرجل أمام المرأة أو أمام وليها أو أمام من يوصل إليها الحديث عن صفات هذه المرأة كأن يقول: أنت امرأة عاقلة، ذكية، مدبرة، راعية لأولادها. يشعر برغبته في هذه المرأة.
الثالث: أن يتحدث الرجل أمام المرأة عن الصفات من حيث العموم، يحتمل هذه المرأة ويحتمل غيرها، ولكن يشعر بأنه يريد المرأة. كأن يقول مثلاً: أنا أحب المرأة العاقلة، ما أحسن المرأة العاقلة، ما أحسن المرأة التي تقوم بواجبها خير القيام وهكذا. (2)
* شروط صحة الخطبة:
لها عدة شروط:
1-
ألا تكون المرأة متزوجة، أي ذات زوج.
2-
ألا تكون المرأة معتدة مطلقاً من طلاق أو وفاة.
3-
ألا تكون المرأة مخطوبة الغير. أي لخاطب آخر.
(1) البقرة آية 235
(2)
انْظر: الحاوي 9/248 وروضة الطالبين 7/31 والمغني 9/573، 574 والشرح الكبير مع الإنصاف 20 / 70 والخرشي على مختصر خليل 3/167.
أما الشرط الأول: فيحرم خطبة ذات الزوج من غير خلاف.
وأما الشرط الثاني: فالمعتدة: هي التي فارقها زوجها بطلاق أو وفاة، وهي لا تخلو إما أن تكون:
1-
معتدة من طلاق رجعي وهي ما تسمى الرجعية.
2-
معتدة من الوفاة أو طلاق الثلاث وتسمى البائن التي لا تحل للزوج.
أما الأولى: فهي محل اتفاق بين العلماء أنه لا يصح خطبتها تعريضاً أو تصريحاً لأنها في حكم الزوجات. (1)
وأما الثانية: فالتصريح بخطبتها لا يصح، وأما التعريض فيجوز. (2)
ويجوز التعريض بهذه المرأة لورود النص في ذلك ومنه قوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (3) فالآية جاءت في المعتدة من الوفاة، ولكن لا يجوز العقد عليها لقوله تعالى في الآية:{وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (4) .
ولحديث فاطمة بنت قيس لما طلقها زوجها ثلاثاً قَال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا حللت فآذنيني"(5) .
(1) انظر: المغني 9/572 وروضة الطالبين 7/30 والمحلى 9/478 وفقه السنة 2/25
(2)
انظر: الحاوي 9/247، 248 وشرح السنة 9/298
(3)
سورة البقرة آية 235
(4)
سورة البقرة آية 235
(5)
رواه مسلم كتاب الطلاق باب المطلقة ثلاثاً 2/1114-1116 رقم 1480 والترمذي في ما جاء أن لا يخطب الجل على خطبة أخيه 2/301 رقم 1143.
* لماذا صح التعريض دون التصريح؟
أما من ناحية التعريض لأنها انقطعت من الزوجية وانقطع النكاح والأسباب المؤدية إليه فهذه المرأة لا زوج لها، وانقضاء العدة بالنسبة لها أمر جلي لا شك فيه، وذلك إما بوضع الحمل أو بانقضاء أربعة أشهر وعشراً.
وإنما يحرم التصريح:
1-
مراعاة لحال زوجها فهي لا تزال معتدة.
2-
محافظة على شعور أسرة الزوج، فهم يتأذون بخطبة هذه المرأة ولا يرغبون من شخص آخر يتقدم لخطبتها.
3-
ضعف المرأة وجهل كثير من النساء فربما ادعت المرأة انقضاء العدة (1) .
* النظر إلى المرأة المخطوبة:
لا يصح للرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية منه والنظر إليها لا يخلو إما أن يكون لغير سبب فهذا ممنوع ومحرم، لقوله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (2) فهذا نهي عن إطلاق النظر، ثم أمر الله النساء بما أمر به الرجال {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (3) فدل على منع النظر بغير سبب.
وفي حديث جرير بن عبد الله سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري. (4) وفي حديث علي: "ياعلي لا تتبع النظرة النظرةَ فإن لك
(1) فقه السنة 2/25.
(2)
النور آية 30
(3)
النور آية 31
(4)
رواه مسلم كتاب الآداب باب نظر الفجأة 3/1699 رقم 2159 والترمذي في سننه 4/191
الأولى وليست لك الآخرة" (1) .
فهذه النصوص وما شابهها دليل على تحريم النظر بدون سبب.
وأما أن يكون النظر بسبب؛ فهذا ينقسم إلى أقسام ثلاثة:
1-
إذا كان للضرورة، وذلك مثل الطبيب المعالج، ينظر إلى موضع الحاجة ولا يتعداه إلى غيره لأن الضرورة تقدر بقدرها.
2-
إذا كان النظر لمصلحة: وذلك مثل تحمل الشهادة، وكذلك في حال المبايعة.
3-
النظر إلى المرأة المخطوبة، فإنه يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة المخطوبة، (2) كما في حديث جابر بن عبد الله قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" قَال جابر: فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى نظرت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها. رواه أبو داود. (3)
وحديث المغيرة بن شعبة: أنه خطب امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"(4) أي أدعى إلى الجمع بين قلبيكما. تكون بينكما
(1) رواه أحمد في المسند 5/351 وأبو داود في النكاح باب ما يؤمر به من غض البصر 2/246 رقم 2149 والترمذي في أبواب الاستئذان والآداب باب ما جاء في نظرة الفجاءة 4/191 رقم 2926 الباب رقم 62، وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك.
(2)
انْظر: الحاوي 9/35 وروضة الطالبين 7/29 والشرح الكبير مع الإنصاف 20/43.
(3)
انظر: سنن أبي داود كتاب النكاح باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها 2/228، 229 رقم 2082
(4)
أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن، أبواب النكاح باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة 2/275 رقم 1093 والنسائي في كتاب النكاح بلفظ أجدر 6/69، 70 رقم 3235
المحبة والاتفاق (1) .
وحديث أبي هريرة أن رجلاً خطب امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أنظرت إليها"، قَال: لا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً".
وفي رواية: "هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئاً"(2) .
واختلف في المراد بقوله: شيئاً، فقيل: صفر وقيل: زرقة وقيل: عمش. (3)
وحديث سهل بن سعد الساعدي في المرأة الواهبة نفسها، فنظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم فصعّد النظر وصوّبه (4) ، أما صعّد بالتشديد أي رفع، وأما صوّب بالتشديد أي خفض. والمراد أنه نظر أعلاها وأسفلها. (5)
فهذه النصوص دلت على جواز النظر إلى المرأة المخطوبة.
مقدار النظر إلى المرأة المخطوبة
اختلف الفقهاء في مقدار النظر إلى المرأة المخطوبة على أقوال:
القول الأول:
يجوز النظر إلى جميع بدن المرأة، وهذا مذهب داود (6) ، واستدل على ذلك
(1) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 1/142 وشرح السنة 9/17
(2)
رواه مسلم كتاب النكاح باب ندب النظر إلى وجه المرأة لمن يريد تزوجها 2/1040 رقم 1424
(3)
انظر: شرح مسلم للنووي 9/210 وفتح الباري 9/181
(4)
رواه البخاري في كتاب النكاح باب النظر إلى المرأة قبل التزويج انظر: البخاري مع الفتح 9/180، 181 ومسلم في كتاب النكاح باب الصداق 2/1040، 1041 رقم 1425
(5)
شرح النووي لمسلم 9/212 وفتح الباري 9/212
(6)
انظر: المغني 9/490 وشرح النووي 9/ 209.
بحديث المغيرة بن شعبة: "انظر إليها" وغيره من الأحاديث، فهو جاء بلفظ عام مطلق حيث أطلق النظر، وعند الإطلاق يشمل جميع البدن.
قَال النووي: وهذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع. (1)
القول الثاني:
ينظر إلى الوجه فقط، وهذه إحدى الروايتين عند الإمام أحمد، وعللوا:
بأن النظر إلى المرأة محرم، وأبيح في حال الخطبة للحاجة فقط، وتندفع هذه الحاجة بالنظر إلى الوجه فقط، لأن الوجه مكمل الجمال ومجمع الحسن، فبالنظر إليه يستطيع أن يتعرف على جمالها. (2)
القول الثالث:
ينظر إلى الوجه والكفين فقط، وهذا هو مذهب الشافعية والمالكية (3) .
واستدلوا بقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (4) ، فقد جاء في تفسير {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين. (5)
كما استدلوا بحديث جابر السابق (6) : "فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل"، فقالوا: النظر إلى الوجه والكفين يكفي، لأن الوجه موضع حسن، والنظر إلى الكفين يعرف منه نعومة المرأة ولينها وخصوبتها.
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 9/210
(2)
انظر: المغني 9/490 والشرح الكبير 4/155 والإنصاف 8/17
(3)
انظر: الخرشي على مختصر خليل 3/165 والمهذب 2/44 والحاوي 9/33 وحلية العلماء 6/318
(4)
النور آية 31
(5)
انظر: جامع البيان لابن جرير الطبري 10/119 وزاد المسير 6/31
(6)
سبق تخريج الحديث ص 225 من هذا البحث.
القول الرابع:
ينظر إلى الوجه والكفين والقدمين وهو قول الحنفية (1) : وعللوا بأن النظر إلى هذه الأشياء فيه زيادة إيضاح بالنسبة للمرأة، فالوجه يتبعه الشعر، ويتبع الكفين الذراعين، ويتبع القدمين الساقين.
القول الخامس:
نقل عن الأوزاعي، ينظر إلى مواضع اللحم (2)، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا
…
} (3) . الَّذِي يظهر من المرأة غالبا مواضع اللحم مثل الكفين والفخذين والساقين.
القول السادس:
وهو المذهب عند الحنابلة: أن يُنظر إلى ما يظهر من المرأة غالبا أي ما ينظر إليه المحارم أو ما يظهر من المرأة أثناء عملها. (4)
وعللوا هذا بأن الأحاديث التي جاء الإذن فيها تفيد أن ينظر إلى ما يظهر غالبا من غير تحديد إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر فقط دون غيره، والنصوص لم تنص على شيء معين، ولا يمكن تخصيص الوجه فقط، فدل على أن ينظر إلى ما يظهر عادة ويؤيد هذا قول الله تعالى:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (5) أي ما ظهر منها عادة، فيباح النظر إليه كذوات المحارم. (6)
(1) انظر: الهداية 10/24 وحاشية ابن عابدين 3/8
(2)
انظر: المغني 9/490 وشرح مسلم 9/210 وسبل السلام 3/182
(3)
النور آية 31
(4)
انظر: الإنصاف 8/18 والمبدع 7/6
(5)
النور آية 31
(6)
انظر: المغني 9/491 والشرح الكبير 4/115 والمبدع 7/7، 8
هل يشترط إذن المخطوبة في النظر إليها؟
محل خلاف على قولين:
الأول: الجمهور على أنه لا يشترط إذنها في النظر إليها حال الخطبة كما لا يشترط إعلامها، بل له ذلك في غفلتها فيجوز النظر بإذنها وبغير إذنها.
لما ورد في حديث جابر قَال: فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها.
ولأنه إن كان النظر مباحا لم يفتقر إلى إذن وإن كان محظورا لم يستبح بالإذن، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالنظر وأطلق. (1)
الثاني: ويرى المالكية إذن المرأة أو إخبارها حال النظر إليها، مخافة أن ينظر منها حال التكشف إلى مالا يجوز كالعورة. (2)
والصحيح والله أعلم مذهب الجمهور، وقول المالكية هذا ضعيف لما يأتي:
1-
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في ذلك مطلقاً ولم يشترط استئذانها.
2-
ولأن ذلك يخالف طبيعة المرأة، وربما تزينت.
3-
ولأن المرأة في الغالب تستحي من الإذن.
ومتى يكون النظر إلى المرأة المخطوبة؟
قولين لأهل العلم: (3)
الأول: أن النظر إلى المرأة يكون قبل الخطبة بعد الرغبة الصادقة، قَال به الشافعية وعللوا ذلك:
مراعاة لشعور المرأة إذ ربما لا تعجبه فيتخلى عنها، وتتضرر المرأة بذلك.
(1) انظر: الحاوي 9/35 والمغني 9/489 وسبل السلام 3/182
(2)
انظر: الخرشي على مختصر خليل 3/166
(3)
شرح النووي لصحيح مسلم 9/210، 211
الثاني: أكثر أهل العلم على أن النظر بعد الخطبة وقبل العقد، لكن القول الأول أولى. قَال النووي: ولهذا قَال أصحابنا يستحب حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء بخلافه بعد الخطبة (1)
* ضوابط النظر إلى المرأة:
1-
أن يكون الرجل قاصد الزواج حقيقة بعد السؤال والتحري عن خلقها ودينها.
2-
أن يكون النظر إليها مع وجود المحرم فلا يخلو بها، لخطورة الخلوة بالأجنبية.
3-
أن يكون النظر في حدود ما أباحه الشارع الحكيم.
* فوائد النظر (الحكمة منه) إلى المرأة:
1-
دوام الألفة والمحبة بين الزوجين، لما في حديث المغيرة السابق (2) :"فإنه أن أحرى أن يؤدم بينكما".
2-
إطلاع الزوجين كليهما على صاحبه، حتى لا يكون الإقدام إلا على علم ومعرفة تامة.
3-
اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما دل عليه النصوص الشرعية السابقة في إباحة النظر. (3)
إذا لم يتمكن من النظر إلى المخطوبة ماذا يفعل؟
(1) انظر: شرح النووي 9/211 وسبل السلام 3/182
(2)
سبق تخريج الحديث ص 225 من هذا البحث.
(3)
كما في حديث جابر والمغيرة وأبي هريرة وسهل بن سعد وغيرها في ص 225 من هذا البحث.
أباح الشارع الحكيم التعرف إلى المرأة بأحد الأسلوبين:
أولاً: النظر إلى المرأة وهذا ما سبق الكلام عنه آنفا.
ثانياً: أن يرسل من يثق به من النساء إلى هذه المرأة للنظر إليها وتخبره بصفتها وهذا كما روى أنس أنه صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم إلى امرأة وقال لها: "انظري إلى عرقوبها، وشمي معاطفها" وفي رواية: "وشمي عوارضها"(1) .
العوارض: هي الأسنان، والمعاطف ناحيتا العنق، والعرقوب: من الإنسان فوق العقب. (2)
الشرط الثالث: من شروط صحة الخِطبة بالكسر:
أن لا تكون المرأة مخطوبة للغير:
فالرجل إذا تقدم لخِطبة المرأة فلا تخلو من ثلاث حالات:
الأولى: القبول والموافقة على الفور.
الثانية: الرفض والرد على الفور بمعنى عدم القبول.
الثالثة: أن يطلبوا منه المهلة والانتظار للمشاورة والتحري.
ولكل حالة من هذه الحالات الثلاث حكم خاص بها:
الحالة الأولى:
لا يجوز للمسلم في هذه الحالة أن يتقدم لخطبة المرأة، وهذا لأمرين اثنين:
1-
قطع النّزاع والخصومة بين الناس، ودرء مفسدة العداوة والبغضاء بينهم.
(1) رواه أحمد في المسند 3/231 والحاكم في المستدرك كتاب النكاح 2/166 وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه والبيهقي في السنن الكبرى كتاب النكاح 7/87 وأبو داود في المراسيل برقم 190 وصفحة 147 وقد ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 3/432 برقم 1273
(2)
انظر: النهاية 3/212، 221، 257 وسبل السلام 3/182.
2-
ورود النصوص الصريحة الصحيحة في تحريم ذلك ومنها:
قوله: صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض".
وفي رواية قَال صلى الله عليه وسلم: "لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له".
وفي رواية عن أبي هريرة قَال: "لا يسم المسلم على سوم أخيه ولا يخطب على خطبته"(1) .
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب"(2) .
قَال ابن قدامة: ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم. (3)
الحالة الثانية:
في هذه الحالة يجوز لرجل آخر أن يتقدم لخطبة المرأة لأنه لم يثبت للرجل الأول حق، فالمرأة شاغرة في هذه الحالة، ولا ضرر في ذلك، إلا أنه ينبغي للخاطب الآخر أن يتأخر قليلاً مراعاة لشعور أخيه المسلم.
الحالة الثالثة:
وهي حالة المهلة اختلف الفقهاء فيها على ثلاث أقوال:
القول الأول: تجوز الخطبة على الخطبة في حال المهملة، ولا تحرم إلا في
(1) رواه مسلم كتاب النكاح باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك، 2/1033، 1033 رقم 1412.
(2)
رواه البخاري كتاب النكاح باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع، انظر: البخاري مع الفتح 9/198 رقم 5142.
(3)
انْظر: المغني 9/567 والشرح الكبير مع الإنصاف 20/ 73.
حالة الموافقة.
واستدلوا بحديث فاطمة بنت قيس حين ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم بن حذيفة خطبها فقال صلى الله عليه وسلم لها: "أنكحي أسامة"(1) .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أحد من الخطاب خطبة فاطمة بنت قيس، دليل على جواز الخطبة في هذه الحالة وأنها لا تحرم إلا في حالة الموافقة فقط، وإلا لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
قال البغوي: فيه دليل على جواز الخطبة على خطبة الغير إذا لم تكن المرأة قد أذنت للأول وركنت إليه (2) .
وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم لترك معاوية أنه رجل صعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فرجل لا يضع عصاه عن عاتقه (كناية عن السفر، أو كثرة الضرب) .
القول الثاني: يحرم الخطبة في هذه الحالة، كالحالة الأولى سواء بسواء: لأن العلة لا تزال موجودة وهي العداوة والبغضاء والشحناء.
والنصوص التي جاء فيها النهي عن الخطبة، تشمل كلا الحالتين ولم تفرق بينهما.
القول الثالث: لا يجوز الخطبة إلا إذا كان الخاطب الثاني أفضل من الأول، واستدلوا على ذلك بقصة فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليها بأسامة، فالنبي صلى الله عليه وسلم اختار ما كان لها أجمل صحبة كما استدلوا أيضاً بحديث:"الدين النصيحة"(3) ، فعلى الأولياء أن يختاروا من كان أحسن ديناً وخلقاً
(1) سبق تخريج حديث فاطمة.
(2)
انظر: شرح السنة 9/299
(3)
رواه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان أن الدين النصيحة رقم الحديث 55 انظر: صحيح مسلم 1/74.
لموليته. (1)
* حكم العقد على مخطوبة الغير:
أما العقد فهو محل خلاف على أقوال ثلاثة:
الأول: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن العقد صحيح، إلا أن المرأة والخاطب الثاني وولي المرأة آثمون. ولا تعارض بين صحة العقد مع الحرج والإثم، وإن هذا الأمر مثل من غصب ثوباً وصلى به فصلاته صحيحة ولكنه آثم.
الثاني: النكاح فاسد والعقد باطل، والنهي في الأحاديث يقتضي البطلان، ويجب عودة المرأة للخاطب الأول وتعزير الخاطب الثاني، درءاً للمفاسد، ولما يتسبب من العداوة والبغضاء.
الثالث: إذا تم العقد والدخول معاً، فالعقد صحيح، وإذا لم يتم الدخول فالعقد فاسد درءاً للمفاسد المترتبة عليه.
الراجح: قول الجمهور، لأن الخطبة لا يترتب عليها شيء، والعقد يتم بدون الخطبة. (2)
* خطبة النكاح:
ما سبق بالكسر وهذه بالضم وسواء كانت هذه الخطبة من العاقد أو الخاطب أو الولي أو من أحد الشهود أو من رجل آخر فالأمر فيها واسع.
وأقل ما يجزئ في هذه الخطبة هو قوله:
الحمد لله والثناء عليه، والشهادتين، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بالتقوى.
واستحب أكثر أهل العلم خطبة ابن مسعود رضي الله عنه قَال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) انْظر: المغني 9/ 568 والشرح الكبير مع الإنصاف 20 /76.
(2)
انظر: الأم للشافعي 5/40 والتمهيد 13/23 والمغني 9/ 570 وفقه السنة 2/28.
التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة، ثم ذكر التحيات وقال بعد ذلك والتشهد في الحاجة: إن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي
…
ثم يقرأ ثلاث آيات آية آل عمران، وآية النساء، وآية الأحزاب. رواها أصحاب السنن. (1)
ثم يقول أما بعد فإن الله أمر بالنكاح ونهى عن السفاح، ثم يقرأ ما تيسر من آيات النكاح. (2)
ويرى داود أنها واجبة، واستدل على ذلك بحديث:"كل أمر لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر" وفي رواية (أقطع) وفي رواية (أجذم) رواه أحمد وأصحاب السنن (3) .
وبحديث: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" رواه الترمذي (4) .
(1) سبقت الإشارة إلى خطبة الحاجة في أول المقدمة وانظر: سنن أبي داود كتاب النكاح باب في خطبة النكاح 2/238 رقم الحديث 2118 والنسائي في كتاب الجمعة باب كيف الخطبة 3/105 وسنن الترمذي باب ما جاء في خطبة النكاح 2/285 رقم الحديث 1111 وابن ماجه في كتاب النكاح 2/182
(2)
انْظر: الحاوي 9/163 وروضة الطالبين 7/34 والمغني 9/464 والشرح الكبير مع الإنصاف 20/81
(3)
انظر: المسند 2/259 وسنن أبي داود كتاب الأدب باب الهدى في الكلام 2/560 وابن ماجه في كتاب النكاح باب خطبة النكاح 1/610 والحديث ضعيف. انظر: إرواء الغليل 1/ 30 والموسوعة الحديثية 14/329.
(4)
في كتاب النكاح باب ما جاء في خطبة النكاح وقال: هذا حديث حسن غريب. انظر: سنن الترمذي 2/286 رقم الحديث 1112
وتمسك الجمهور:
أ- بحديث الواهبة نفسها: حينما قَال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال النبي:"زوجتكها بما معك من القرآن"(1) ولم يخطب ولو خطب لنقل إلينا.
ب- وبما رواه أبو داود والبيهقي: «أن رجلاً من بني سليم خطب أمامة بنت عبد المطلب، فقال أنكحني أمامة بنت عبد المطلب ولم يتشهد» (2) . وإسناده ضعيف. (3)
ج_ وبما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه زوّج مولاةً له فقال للرجل: ((زوجناك على أمر الله {إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ولم يزد على ذلك (4) .
قَال الترمذي: وقد قَال بعض أهل العلم أن النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم (5) .
(1) متفق عليه رواه البخاري في كتاب النكاح باب السلطان ولي انظر: البخاري مع الفتح 9/190.
ومسلم في النكاح باب الصداق رقم الحديث 1425، 2/1040
(2)
كتاب النكاح باب في خطبة النكاح 2/239 رقم الحديث 2120، والسنن الكبرى 7/147.
(3)
انظر: إرواء الغليل 6/222.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف من كتاب النكاح 6/189 وابن أبي شيبة من كتاب النكاح.
انظر: المصنف 4/143
(5)
الجامع الصحيح 2/286 وانظر: فتح الباري 9/202
* ماذا يقال للمتزوج؟
يستحب الدعاء للمتزوج، وأن يدعى له بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومما ورد قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:"اللهم بارك لهما وبارك عليهما واجمع بينهما في الخير"(1) .
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، قَال:"ما هذا"؟، قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قَال صلى الله عليه وسلم:"بارك الله لك أولم ولو بشاة" متفق عليه (2) .
وكذا حديث عقيل أنه تزوج امرأة فقيل له بالرفاء والبنين فقال: «لا تقولوا هكذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، قولوا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"بارك الله لكم وبارك عليكم"(3) ، ومعنى الرفاء النمو والزيادة، وكره أهل العلم الرفاء والبنين لعدة أسباب:
أولاً: أن هذه الكلمات من عادات الجاهلية، وكانوا يقولون ذلك تفاؤلاً لا دعاءً، فأراد الإسلام تركه.
ثانياً: ليس فيه دعاء ولا ذكر لله ولا الثناء عليه، والَّذِي ينبغي الدعاء للمتزوج.
(1) رواه أحمد في المسند 2/38 وانظر: سنن أبي داود ما يقال للمتزوج في كتاب النكاح 2/241 رقم الحديث 2130 وسنن الترمذي 2/277 رقم الحديث 1097 وقال: حسن صحيح.
(2)
رواه البخاري في النكاح باب كيف يدعى للمتزوج انظر: البخاري مع الفتح 9/221 ومسلم كتاب النكاح باب الصداق 2/1042 رقم الحديث 1427
(3)
رواه أحمد في المسند 1/201 والنسائي في النكاح باب كيف يدعى للمتزوج 6/128 وابن ماجه في كتاب النكاح باب تهنئة النكاح 1/615 رقم الحديث 1906، وهو حديث صحيح لغيره انظر: الموسوعة الحديثية 3/260.
ثالثاً: أنه خص البنين دون البنات، لأن الخيرة ما اختاره الله، فلا ينبغي تخصيص أحدهما دون الآخر. (1) .
ما يقول المتزوج؟
إذا دخل الرجل على أهله يقول كما جاء في مسائل صالح بن أحمد عن أبيه (2) اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لأهلي فيّ، وارزقني منهم، وارزقهم مني، ويصلي ركعتين (3) وفي الحديث أن يقول الرجل:"اللهم إني أسألك من خيرها ومن خير ما جُبلت عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جُبلت عليه ويصلي ركعتين"(4) .
(1) انظر: روضة الطالبين 7/ 36 وفتح الباري 9/222
(2)
انظر: المسائل 2/303، 305 رقم 923، 924.
(3)
ورواه عبد الرزاق في المصنف في كتاب النكاح باب ما يبدأ الرجل الَّذِي يدخل على أهله 6/191 والمصنف لابن أبي شيبة 2/217 والسنن الكبرى للبيهقي 3/67.
(4)
رواه أبو داود في سننه كتاب النكاح باب في جماع النكاح 2/248 رقم الحديث 2160 وابن ماجه في سننه في كتاب النكاح 1/617، والحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح على ما ذكرناه من رواية الأئمة الثقات. انظر: 2/186.