المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: الأسس التي وضعها لاختيار الزوجين - مقدمات النكاح

[محمد بن عبد العزيز السديس]

الفصل: ‌المبحث الثالث: الأسس التي وضعها لاختيار الزوجين

‌المبحث الثالث: الأسس التي وضعها لاختيار الزوجين

المبحث الثالث: الأسس التي وضعها الشارع لاختيار الزوجين

لا شك أن المرأة هي أساس البيت وعماده فإذا كانت المرأة صالحة صلح البيت، وإذا كانت فاسدة فسد البيت، ولهذا يجب على الرجل أن يفكر طويلاً في اختيار الزوجة، وأن يحكم العقل لا مجرد العاطفة بل لا بد من التأني والروّية في اختيار الزوجة، ومعلوم أن أكثر المشاكل والخلافات الزوجية تعود إلى سوء اختيار الزوجة وإلى سوء اختيار الزوج فما هي الأسس التي وضعها الشارع الحكيم في هذا الأمر.

نبدأ أولاً بالأسس التي تراعى عند اختيار الزوجة هي:

أولاً: أن تكون الزوجة ذات دين، متدينة، متمسكة بدينها، وقد رسم لنا النبي صلى الله عليه وسلم وبين لنا هذا الطريق بقوله في الحديث المتفق عليه:"تنكح المرأة لأربع، لمالها ولجماها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"(1) .

فهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم باختيار ذات الدين وأن من ظفر بذات الدين فليتمسك بها ولا يعدل عنها، لأن المرأة الصالحة تقوم بواجبها خير قيام من تربية أولادها، والقيام بحقوق زوجها، فالمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، وكما في الحديث:"الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة"(2)

(1) رواه البخاري في كتاب النكاح باب الأكفاء في الدين انظر: البخاري مع الفتح 9/132 رقم 5090 ومسلم كتاب الرضاع باب استحباب نكاح ذات الدين 2/1086 رقم 1466

(2)

رواه مسلم كتاب الرضاع باب خير متاع الدنيا 2/1090 رقم 1467

ص: 214

ومعنى تربت يداك بمعنى التصقتا بالتراب وهي كناية عن الفقر وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته (1)، فهي من أسماء الأضداد حيث تطلق أيضاً على الغنى. وقد تأول العلماء معنى «تربت يداك» بعدة تأويلات:

1-

أن هذا كناية عن شدة الفقر التي تعتري الإنسان الَّذِي لم يظفر بذات الدين والخلق.

2-

استغنت يداك إذا ظفرت بذات الدين.

3-

أن مثل هذا الكلام جرى مجرى المخاطبة، لا يقصد به ذماً ولا مدحاً. (2)

ومعنى الحديث على وجه العموم:

أن الناس اعتادوا اختيار الزوجة على مزية من المزايا المذكورة في الحديث، فمن الناس من يختار الزوجة لمالها وثروتها وغناها، ومنهم من يختار المرأة لعلو مكانتها وشرفها، ومنهم من يختارها لجمالها وحسنها، ومنهم من يختارها لدينها.

من اختارها لدينها فهو الحق والصواب، لأن المرأة الصالحة تعين الرجل في أموره كلها، ودينها يمنعها من الوقوع في معصية الزوج، ومن يهمل الدين فإنه يندم أشد الندم، نعم إذا اجتمع مع الدين الجمال والحسب والمال فنعم الاختيار.

ثانياً: أن تكون المرأة كريمة الأصل، ومعناه: أن تكون المرأة من أسرة معروفة بالصلاح والمروءة والشهامة والكرم ذات خلق وعقل حتى تقف المرأة بجانب زوجها وتشد من أزره فإن الإنسان في هذه الحالة تعتريه الصعوبات فإذا

(1) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 2/93 وفتح الباري 9/135

(2)

انظر: الحاوي الكبير 9/490، 491

ص: 215

كان كذلك يجد من وقفت بجانبه، وحسبك مثالاً خديجة بنت خويلد لما وقفت مع النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءها خائفاً زملوني زملوني، فقالت:

خديجة «كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً» (1) فوقفت بجانب النبي صلى الله عليه وسلم وآزرته، ويتجنب الحمقاء لأن النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها، وربما تعدى ذلك إلى ولدها وقد قيل اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها بلاء. (2)

ثالثاً: أن تكون المرأة ولوداً وهذا يعرف بأقاربها، من أخواتها وعماتها وخالتها وبنات جنسها، وذلك لأن هذه المرأة تنجب الأولاد وتربيهم تربية صحيحة، فيكثر النسل، وبه يتحقق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأُمته يوم القيامة وذلك بقوله:"تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"(3) ، فيستحب أن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة.

رابعاً: أن تكون المرأة بكراً والبكر هي التي لا تعرف الرجال ولا يعرفونها بخلاف الثيب، فالزواج بالأبكار أدعى إلى الاستقرار ودوام الحياة الزوجية، وقد جاء في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال له:"أتزوجت يا جابر"؟ قَال: نعم، قَال:"أثيباً أم بكرا"ً، قَال: بل ثيباً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك" متفق عليه. (4)

(1) رواه البخاري في حديث طويل كتاب التفسير سورة اقر أباسم ربك الَّذِي خلق انظر: البخاري مع الفتح 8/715 رقم 4953

(2)

انظر: المغني 9/512 والشرح الكبير 4/154

(3)

رواه أحمد في المسند 3/158 وأخرجه أبو داود في النكاح باب تزويج الأبكار 2/220 رقم 2050 والنسائي 6/ 65وصححه ابن حبان انظر: رقم 4017 الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 6/134.

(4)

انظر: البخاري مع الفتح كتاب النكاح باب تزويج الثيبات 9/121 رقم 5079، 5080 ومسلم كتاب الرضاع باب استحباب نكاح البكر 2/1087 وفي لفظ عند مسلم «فهلاً بكراً تلاعبها» .

ص: 216

ويروى موقفاً ومرفوعاً عن عطاء قوله: "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأرضى باليسير"(1) . ومعنى الحديث قوله:

أعذب أفواهاً: هي كناية عن حسن النطق وقلة كلامها.

أنتق أرحاماً: كناية عن كثرة الولد، يقال امرأة ناتق ومنتاق: كثيرة الأولاد فهي ترمي بالأولاد رمياً والنتق الرمي. (2)

أرضى باليسير: ترضى وتقتنع بكل ما يتكلم به الرجل ويأتي به زوجها.

وقال معاذ بن جبل عليكم بالأبكار فإنهن أكثر حباً وأقل خباً. (3)

خامساً: أن تكون الزوجة بعيدة عن الرجل، أي أنها ليست من أسرة الرجل وبيئته وأقاربه، وذلك لأن لكل أسرة من الأسر خصائص ومميزات تتميز بها عن الأخرى فإذا كانت المرأة بعيدة اكتسب الأولاد خصائص الأسرتين ولا شك أن خصائص الأسرتين أقوى من خصائص أسرة واحدة، ويكون الولد أنجب ولهذا يقال اغتربوا لا تضووا، يعني انكحوا الغرائب كي لا يضعف أولادكم وقيل المعنى أنكحوا في الغرائب دون القرائب فإن ولد الغريبة أنجب

(1) رواه ابن ماجه في النكاح باب تزويج الأبكار 1/598 رقم 1861 والبيهقي في السنن الكبرى كتاب النكاح 7/81. وجاء في زوائد ابن ماجه: في إسناده محمد بن طلحة قَال فيه أبو حاتم لا يحتج به قَال البخاري لم يصح حديثه. انظر: 1/326 رقم 668.

(2)

انظر: شرح السنة 9/16 والنهاية 5/13.

(3)

الخب بالفتح الخداع وبالكسر الفساد يقال رجل خب وامرأة خبة بالفتح وقد تكسر خاؤه فأما المصدر فبالكسر لا غير. انظر: النهاية 2/4واللسان 1/342 والمصباح 1/162.

ص: 217

فبنت العم أصبر والبعيدة أنجب. (1)

سادساً: أن يكون هناك ثمة تقارب بين الزوجين من حيث المستوى والمعيشة والعمر، ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لأن التقارب أدعى إلى الاستمرار، وابتعاد المستوى يؤدي إلى التنافر والقطيعة.

* الأسس التي ينبغي مراعاتها عند اختيار الزوج:

يجب على ولي المرأة أن يختار لكريمته ووليته الرجل الكفء، أي الرجل الصالح، صاحب الدين والكرم والشهامة، إلى آخر الصفات، لأن الرجل الصالح لا يظلم المرأة في الغالب، وإنما يعاملها بالحسنى، فهو إن عاشرها عاشرها بالمعروف، وإن سرّحها سرّحها بالمعروف، على حد قول الله تعالى:{فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (2) .

وقد جاء رجل إلى الحسن بن علي وقال له: ((إن عندي بنتاً ممن ترى أزوجها؟ قَال: زوجها من يخاف الله عز وجل، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها)) (3) .

ويروى عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: ((النكاح رق، فلينظر أحدكم أين يرق عتيقته)) (4) .

وثبت في الحديث عند الترمذي وغيره قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد" وفي رواية: "إذا

(1) انظر: المغني 9/512 والنهاية 3/106 واللسان 14/489

(2)

البقرة آية 229

(3)

انظر: شرح السنة 9/11 وفقه السنة 2/24

(4)

رواه البيهقي انظر: السنن الكبرى 7/82

ص: 218

خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" (1) .

قَال النووي: ويستحب عرض الولي موليته على أهل الفضل والصلاح (2) .

وجاء في صحيح البخاري باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير وذكر حديث عمر بن الخطاب حين حين تأيمت حفصة أنه عرضها على عثمان وأبي بكر فامتنع عثمان وسكت أبو بكر ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها فقال أبو بكر لعمر لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها (3) .

(1) انظر: سنن الترمذي أبواب النكاح باب ما جاء في من ترضون دينه فزوجوه 2/274 رقم 1090، 1091 واخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح باب الاكفاء 1/632 رقم 1967 والحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. كتاب النكاح 2/164، 165

(2)

روضة الطالبين 7/ 36.

(3)

انْظر: صحيح البخاري مع الفتح، كتاب النكاح 9/ 175 رقم 5122 باب 33.

ص: 219