الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: الولاية في النكاح
تعريف الولاية في اللغة والاصطلاح:
لغة: تطلق على معان عدة، منها:
النصرة، التأييد، المساندة، القدرة، المحبة وغيرها، فالوَلاية بالفتح معناها النسب والنصرة، والوِلاية بالكسر الإمارة. (1)
اصطلاحاً:
1-
هي قيام الولي بما يصلح أمر من تحت ولايته.
2-
تصرف الولي بشئون المولى عليه مطلقاً.
وتنقسم الولاية من حيث العموم إلى أقسام أربعة:
- ولاية التربية.
- ولاية المال.
- ولاية على النفس. (2)
- ولاية التزويج.
هل الولي شرط لصحة النكاح أم لا؟
اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال:
القول الأول: قَال الجمهور: إن الولي شرط لصحة النكاح، فلا يصح عقد النكاح إلا بولي، فإن كان من غير ولي فالعقد فاسد، فليس للمرأة أن
(1) انظر: النهاية 5/228 والمطلع ص 290 واللسان 15/407.
(2)
انظر: الولاية على النفس لأبي زهرة ص10 وما بعدها.
تزوج نفسها بغير ولي، فإن فعلت فالعقد غير صحيح وهذا القول يروى عن عمر وعلي وابن عباس وابن عمر وعائشة. (1)
القول الثاني: وقال أبو حنيفة أن الولي ليس بشرط في صحة عقد النكاح، وللمرأة حق في تزويج نفسها وغيرها. (2)
القول الثالث: رواية عن مالك بالتفريق بين الشريفة والدنيئة، إن كانت صاحبة مكانة فيشترط الولي وإن كانت دنيئة فلا يشترط الولي. (3)
القول الرابع: وقالت الظاهرية: بالتفريق بين البكر والثيب، فإن كانت بكراً فيشترط الولي، وإن كانت ثيباً فلا يشترط الولي. (4) .
الأدلة:
استدل الجمهور بمجموعة من الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما من الكتاب: فاستدلوا بالآيات التي خاطبت الأولياء في أمور النكاح، وهي كثيرة منها:{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} (5) خطاب للأولياء في التزويج كل من لا زوج له سواء كان ذكراً أم أنثى.
{وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (6) خطاب للأولياء في عدم تزويج من
(1) انظر: التمهيد 19/84 والحاوي 9/38 وشرح السنة 9/41 والمغني 9/345.
(2)
انظر: فتح القدير 3/256 وبدائع الصنائع 3/1365.
(3)
انظر: المدونة باب في نكاح الدنية 2/170 والتمهيد 19/91.
(4)
انظر: المحلى 9/455، 457 والتمهيد 19/97.
(5)
سورة النور آية 32.
(6)
سورة البقرة آية 221.
تحت أيديهم للمشركين {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (1) .
ومما يدل على ذلك سبب نزول هذه الآية ما جاء في البخاري وغيره عن معقل بن يسار قَال: «نزلت فيّ هذه الآية، زوجت أختاً لي من رجل فطلقها، فلما انقضت عدتها، جاء راغباً فيها، فقلت والله لن تعود إليك أبداً، فأنزل الله هذه الآية، فقال معقل بن يسار، الآن أفعل يارسول الله فزوجها إياه» (2) .
أما من السنة فهي أحاديث كثيرة منها:
"لا نكاح إلا بولي"، وفي رواية:"لا نكاح إلا بولي مرشد"، وفي رواية "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، وفي رواية:"لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له"(3) قَال في إرواء الغليل: الحديث صحيح بلا ريب. (4)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل"(5) .
(1) سورة البقرة آية 232.
(2)
أخرجه البخاري في تفسير سورة البقرة وفي النكاح باب من قَال لا نكاح إلا بولي وفي الطلاق باب وبعولتهن أحق بردهن في ذلك انظر: البخاري مع الفتح 8/143، 9/160، 425.
(3)
رواه أحمد في المسند 4/394، 413، 418 وأخرجه الترمذي في النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا بولي 2/280 رقم 1107، وأبو داود 2/229 في كتاب النكاح باب في الولي رقم 2085 والبيهقي في النكاح باب لا نكاح إلا بولي وباب لا نكاح إلا بشاهدين عدلين 7/111، 125.
(4)
انظر: 6/243.
(5)
رواه أبو داود في النكاح باب في الولي 2/229 رقم 2083 والترمذي في النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا بولي 2/281 رقم 1108 وقال هذا حديث حسن. والحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انظر: 2/168.
وأما من الإجماع: فهو قول جمع من الصحابة لا يعرف لهم مخالف.
قَال المارودي: ولأنه إجماع الصحابة فهو قول من ذكرنا من الرواة الثمانية. (1)
وأما من المعقول:
قالوا: إن عقد النكاح ليس كغيره من العقود، فهو عقد عظيم له مكانة لما يترتب عليه من المسائل والفوائد، ولما عرف من ضعف المرأة وجهالتها وعدم ممارستها من أمور النكاح، ولسرعة تأثرها، فكان لزاماً من اشتراط الولي.
واستدل الحنفية بمجموعة من الأدلة من الكتاب والسنة والمعقول.
أما من الكتاب:
فاستدلوا بالآيات التي أسند الله فيها النكاح إلى النساء وهي كثيرة، منها:
أ- قَوْله تَعَالى {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (2) الشاهد أن ينكحن.
هذا ووجه الاستدلال: أن الله عز وجل أسند النكاح إلى النساء دليل على أن المرأة تتولى أمر النكاح بنفسها. (3)
ب- ذكر الله الطلاق وقال في الآية التي تليها: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (4) . فأسند النكاح إلى المرأة.
(1) انظر: الحاوي 9/42 وشرح السنة 9/40 وشرح الزركشي 5/10.
(2)
سورة البقرة آية 232.
(3)
انظر: بدائع الصنائع 2/247.
(4)
سورة البقرة آية 230.
ج- {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (1) أسند الأمر فيها إلى النساء.
فقالوا: هذه الآيات وما شابهها دليل عدم اشتراط الولي لأن الخطاب وجه إليها وعلى هذا يجوز للمرأة أن تتولى الأمر بنفسها.
وأجاب الجمهور بأن الله عز وجل خاطب الأولياء في هذه الآيات وخاصة في مطلع كل آية خطاب للأولياء، ومما يؤيد ذلك ما جاء في قصة معقل ابن يسار ففي الحديث السابق (2) قوله:(نزلت فيّ هذه الآية) الآن أفعل يارسول الله فزوجها إياه.
فإذا كانت هذه الآيات كذلك فأصبحت هذه النصوص دليلاً للجمهور على الحنفية.
أما من السنة:
فالأحاديث السابقة كما في حديث ابن عباس (3) وحديث عائشة (4) قوله صلى الله عليه وسلم: "الثيب أحق بنفسها من وليها".
حديث الجارية السابق أيضاً التي قالت: «إن أبي زوجني وأنا كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم» (5) .
فهذه الأحاديث دليل على أن المرأة تتولى أمر النكاح، وأجاب الجمهور
(1) سورة البقرة أية 234.
(2)
قصة معقل بن يسار ص 259 من هذا البحث.
(3)
حديث ابن عباس سبق ص 241 من هذا البحث.
(4)
حديث عائشة سبق ص 243 من هذا البحث.
(5)
حديث الجارية سبق ص 246 من هذا البحث.
نعم، أن الأحاديث أثبت لها أحقية، ولكن الحق في الرضى، وفي قبول النكاح من عدمه، ولكن لم تدل الأحاديث على اشتراط الولي ولا على عدمه، وقد دلت النصوص الأخرى على اشتراط الولي.
واستدل الحنفية أيضا بما يروى عن عائشة رضي الله عنها (أنها فعلت ذلك حيث زوجت المنذر بن الزبير من بنت أخيها عبد الرحمن)(1) ، وهذا دليل على أن للمرأة أن تتولى أمر النكاح لأنها زوجت غيرها فمن باب أولى أن تزوج نفسها.
وأجاب الجمهور على ذلك بأنه نظراً لمكانة عائشة وأنها من أمهات المؤمنين، فكانت المرأة من أقاربها تخطب إليها، ثم تقوم عائشة بمقتضى الأمر من المشاورة ثم تقول لأقرب الرجال إليها:«قم فتول النكاح فإن النساء لا يلين النكاح» .
هذا هو الثابت عن عائشة، وأنه لم يرد في حديث عائشة التصريح بأنها باشرت العقد. (2)
أما من المعقول:
إن المرأة تتولى التصرف في جميع أموالها في البيع والشراء من غير استئذان، فتتصرف في نفسها من غير إذن.
وأجاب الجمهور فقالوا: أن هذا القياس غير صحيح، لأن عقد البيع عقد يسير والخسارة فيه مقبولة، والغبن فيه مردود، لثبوت الخيار فيه، بخلاف عقد
(1) رواه أبي شيبة في مصنفه 4/134 والبيهقي في كتاب النكاح باب لا نكاح إلا بولي 7/112، 113.
(2)
انظر: الحاوي 9/150 وفتح الباري 9/186
النكاح فهو عقد ليس كسائر العقود، عقد يترتب عليه المصالح والفوائد، ولا فسخ فيه، والخسارة والغبن فيه لها آثار سلبية تتضرر بها المرأة. وما عُرف من ضعف المرأة، وسرعة انخداعها، وقلة خبرتها، كان لزاما أن يتولى العقد الرجال.
قَال في المغني: ولأن المرأة إنما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة. (1)
أدلة القول الثالث:
قَالوا: نفرق بين الشريفة والدنيئة، لأن المراد من الولي هو حفظ المرأة وصيانة المرأة بأن تتزوج من غير كفء، وبأقل من مهر المثل، وهذا ينطبق على الشريفة، فمخافة أن تتزوج الشريفة من غير كفء أو بأقل من مهر المثل ألزمنا الولي في جانبها، وأما الدنيئة فلها أن تتزوج بمن تشاء وذلك لأنها لا تُعيّر سواء تزوجت بكفء أو غير كفء.
وقال الجمهور: أن هذا الكلام غير مقبول، لأن ما من امرأة دنيئة إلا ويوجد من الرجال من هو أدنى منها، وما من شريفة إلا ويوجد من الرجال من هو أشرف منها، فوجب إسقاط الفرق بينهما. (2)
ثم إن التفريق يحتاج إلى دليل، ولا دليل معكم، وجميع النصوص التي وردت في اشتراط الولي لم تفرق بين الشريفة والدنيئة، فالمرأة حينئذ على حد سواء في اشتراط الولي. قَال ابن عبد البر: ولإجماع العلماء على أن لا فرق بينهما في الدماء، وسائر الأحكام كذلك ليس في شيء منها، فرق بين الوضيع
(1) المغني 9/44.
(2)
انظر: الحاوي 9/44.
والرفيع في كتاب ولا سنة. (1)
أدلة القول الرابع:
استدلوا بالنصوص التي سبقت في باب الإذن منها حديث ابن عباس (2)«الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن وإذنها صمتها» و «ليس للولي مع الثيب أمر» و «لا تنكح الثيب حتى تستأمر» فهذه النصوص أثبتت أحقية للثيب، وقد فرقت بينهما.
وأجاب الجمهور:
أن غاية ما في هذه النصوص بيان صفة إذن المرأة في النكاح، ولم تدل على اشتراط الولي ولا على عدمه، لأن اشتراط الولي له نصوص أخرى، دلت عليه، لم تفرق بين البكر والثيب. (3)
وبهذا يتبين أن الراجح هو: ما ذهب إليه الجمهور بأن الولي شرط لصحة النكاح.
ترتيب الأولياء:
الكلام في ترتيب الأولياء يحتاج إلى التفصيل الآتي:
أولاً: إن أقرب الناس لولاية المرأة هو: الأب
أ- لكمال شفقة الأب على ابنته. لأنها بضعة منه وهي منه بمثابة نفسه.
ب- وبعد نظر الأب عن غيره من الأولياء.
ج- الحرص على مصلحة ابنته.
(1) انظر: التمهيد 19/95.
(2)
حديث ابن عباس سبق ص 241 من هذا البحث.
(3)
انظر: التمهيد 19/97.
د- أولى الناس بمعرفة الرجال.
فصار الأب بهذه المعاني أولى بالولاية في النكاح من سائر العصبة.
يرى المالكية ورواية عند الحنفية أن أولى الناس هو الابن (1) :
1-
لأنه أولى بميراث هذه المرأة.
2-
وهو أقوى تعصباً من غيره.
والصحيح والله أعلم: أن الأب هو أولى، وذلك لعدة أسباب:
أ- أن الابن هو موهوب الأب، بمعنى أن الأب هو سبب وجود هذا الابن، ولولا وجود الأب لما وجد هذا الابن، كما قَال الله على لسان إبراهيم:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ} (2) وفي الحديث: (أنت ومالك لأبيك) ، وفي رواية (أنت ومالك لوالدك)(3) فلا يقدم الموهوب على الواهب.
ب- أن الأب يعتبر أصل، والابن يعتبر فرع، فلا يقدم الفرع على الأصل بل يبقى الأصل هو مقدماً.
ج- أن الأب تولى هذا الابن، فكان ولياً عليه في حال صغره وسفهه وجنونه، فيكون الأب مقدماً على الابن. (4)
ثانياً: إذا عدم الأب فالجد هو المقدم، لأنه يأتي بعد الأب في كمال الشفقة
(1) انظر: البحر الرائق 3/127 وبدائع الصنائع 3/1371 والمدونة 2/161 وشرح الخرشي على مختصر خليل 3/180 والكافي لابن عبد البر 2/525.
(2)
سورة إبراهيم آية 39.
(3)
رواه أحمد في المسند 2/179 وانظر: سنن أبي داود كتاب البيوع باب في الرجل يأكل من مال ولده 3/289 رقم 3530 وحسنه الألباني في إرواء العليل 3/325
(4)
انظر: المغني 9/356.
والحرص على مصلحة من تحت يده، وهو قول الشافعية والحنابلة. (1)
وفي رواية لأحمد: أن الابن لو اجتمع مع الجد فإن الابن يقدم على الجد.
- لأنه أولى بالميراث.
- وأقوى تعصباً.
وفي رواية ثالثة: أن الأخ لو اجتمع مع الجد فإنه مقدم على الجد.
- لأنه أقرب من الجد.
- ولأن الجد يدلى بالأب فجهته الأبوة، والأخ درجته البنوة بالنسبة لهذا الجد، والبنوة مقدم على الأبوة.
وفي رواية رابعة: أن الأخ لو اجتمع مع الجد فهما على حد سواء.
لاستوائهما في الميراث واستوائهما في القرابة. (2)
والصحيح والله أعلم: هو تقديم الجد.
أ- لأن الجد هو الأصل وما سواه فرع، والأصل مقدم على الفرع.
ب- ثم إن من سواه يعتبر موهوباً له، فلن يقدم الموهوب على الواهب.
ج- والجد يلي هؤلاء في صغرهم لو عدم الأب.
ثالثاً: إذا عدم الأب والجد، فيرى أكثر أهل العلم أن الابن هو أولى الناس بولاية المرأة.
لأنه يعتبر أقرب الناس إلى هذه المرأة.
ولا يرى الشافعية الابن من الأولياء، فيقولون: لا ولاية للابن على أمه. (3)
(1) انظر: الحاوي 9/91 والمغني 9/356.
(2)
انظر: الشرح الكبير مع الإنصاف 20/163.
(3)
انظر: الأم 5/13، 14 ومختصر المزني 165 والمهذب 2/246 والحاوي 9/94.
لأن الابن بطبعه ينفر من تزويج أمه فليس له ولاية عليها. وكيف يكون الابن ولياً على أمه وفارق السن بينهما كبير، فالأم هنا أعلى مكانة وأعرف منه، فكيف يتولى من هو أدنى مرتبة وغير عارف بالمصالح.
والصحيح والله أعلم: هو مذهب الجمهور، أن الابن يكون ولياً على أمه إذا عدم الأب والجد.
والدليل على ذلك ما جاء في السنة من حديث أم سلمة لما انقضت عدتها أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم من يخطبها، ولم يكن عندها من الرجال إلا ابنها (عمر) فقالت له: قم يا عمر فزّوج رسول الله صلى الله عليه وسلم. فزوجه إياها. (1)
رابعاً: الأخوة، والأخوة ثلاثة أقسام:
- ما كان للأبوين.
- ما كان للأب.
- ما كان للأم.
لا ولاية للأخ للأم، لأنه من ذوي الأرحام والولاية خاصة بالتعصيب والأخ الشقيق مقدم على الأخ للأب.
قَال ابن قدامة: لا خلاف بين أهل العلم في تقديم الأخ بعد عمودي النسب لكونه أقرب العصبات بعدهم. (2)
خامساً: العمومة، ولا شك أن العم الشقيق مقدم على العم للأب، ثم سائر العصبات بعد ذلك من هذه الجهة بحسب ترتيبهم في الميراث.
(1) رواه النسائي في كتاب النكاح باب إنكاح الابن أمه 6/81 رقم الباب 28 رقم الحديث 3254، والحاكم في المستدرك 2/179 وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(2)
انظر: المغني 9/358.
إذا عدم هؤلاء فهل لغيرهم الحق في الولاية؟
أكثر أهل العلم يرون أنه لا ولاية لغير هؤلاء، مثل الخال والأخ وعم الأم ونحوهم وهم ما يعرفون بذوي الأرحام.
ومن أهل العلم من يرى ولاية مثل هؤلاء، لأنهم يعتبرون من أقرباء المرأة.
وإذا عدم الأولياء فما هو الحكم؟
يتولى ولايتها السلطان أو الحاكم أو الإمام أو نائبه أو وكيله أو من يقوم مقامه، أو من يفوضه الإمام كالقاضي مثلاً، والدليل على هذا ما جاء في الحديث السابق. (1)
أ- "لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له".
ب- أن السلطان له ولاية عامة، على الأموال، وعلى الضياع، وعلى الزواج، فيكون تزويجها من قبل السلطان. (2)
لو أوصى أحد الأولياء بالتزويج فما حكم هذه الوصية هل تنفذ أم لا؟
لا تقع هذه الوصية إلا بعد موت الموصي.
وقد اختلف الفقهاء في ثبوت الوصية في الولاية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قَال المالكية والحنابلة في رواية مشهورة: أنه تصح الوصية في الولاية. (3)
لأن الولاية ثبتت له شرعاً فهو أحق بها، وكل شيء ثبت شرعاً فإنه يجوز الوصية فيه، فكما أنه لو أوصى بالمال ينفذ وصيته، فكذلك لو أوصى بالزواج.
(1) سبق هذا الحديث في ص 259 من هذا البحث.
(2)
انْظر: شرح الزركشي 5/30 والإنصاف 8/69.
(3)
انظر: المدونة 2/166 والمبدع 7/40.
القول الثاني: قول الحنفية والشافعية وهو رواية عند الحنابلة: لا تصح الوصية في الولاية. (1)
أ- لأن الولاية تنتقل إلى غيره شرعاً، فإذا أوصى قطع الانتقال، فلا تصح الولاية إذاً.
ب- أن فيه ضرراً على بقية الأولياء، ولربما بعث ذلك العداوة والبغضاء والشحناء بينهم، والضرر لا يصح لأنه لا ضرر ولا ضرار.
القول الثالث: إذا كان لها عصبة فإنه لا تصح الوصية، حتى لا يتضرر الورثة، أما إذا كان ليس لها عصبة فتجوز الوصية. لأنه لا ضرر على الأولياء بل لو لم يوص لتضررت المرأة.
وحفظاً للمرأة فالوصي يقوم مقام الولي، وهذا من إحدى روايات عن الإمام أحمد رواية ابن حامد. (2)
هل تصح الوكالة في النكاح؟
يقوم وكيل كل واحد من هؤلاء مقامه، فهو يعتبر نائباً عنه، والتوكيل في النكاح صحيح وجائز وثابت، قَال ابن عبد البر وهو أمر لا أعلم فيه خلافاً. (3)
والدليل على هذا:
1-
ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وكّل أبا رافع في تزوجيه ميمونة، فقد جاء في الحديث فيما رواه أحمد والترمذي وغيرهما، عن أبي رافع قَال: «تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو
(1) انظر: المبسوط 4/222 والدر المختار 3/79 والإنصاف 8/86 والحاوي 9/50، 51.
(2)
انظر: المغني 9/365.
(3)
انظر: التمهيد 3/152
حلال وكنت أنا الرسول بينهما» (1) .
وفي رواية: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا رافع مولاه ورجلاً من الأنصار فزوجاه ميمونة» (2) . قَال أبو عمر في رواية مالك لهذا الحديث دليل على جواز الوكالة في النكاح وهو أمر لا نعلم فيه خلافا، والرواية متواترة (3) . وقال: وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة بنت الحارث فخطبها عليه فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب فزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم. (4)
2-
«أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن أمية الضمري إلى النجاشي فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وساق عنه أربعمائة دينار» رواه البيهقي. (5)
3-
أن عقد النكاح عقد معاوضة، يصح التوكيل فيه مطلقاً، كعقد البيع سواء بسواء. (6)
شروط الولي:
ذكر العلماء مجموعة من الشروط وهي بالجملة ستة شروط يجب توفرها في الولي:
(الإسلام، العقل، الحرية، الذكورية، البلوغ، العدالة) .
(1) رواه أحمد في المسند 6/393 والترمذي في سننه وقال هذا حديث حسن 2/167، 168 رقم 843 في أبواب الحج باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم.
(2)
رواه مالك في الموطأ رواية يحيى بن يحيى في كتاب الحج باب نكاح المحرم ص 239.
(3)
انظر: التمهيد 3/152.
(4)
انظر: التمهيد 3/160.
(5)
السنن الكبرى كتاب النكاح باب الوكالة في النكاح 7/139.
(6)
انظر: الحاوي 9/113 والمغني 9/363.
الشرط الأول: الإسلام؛ لا ولاية لكافر على المسلم بأي حال من الأحوال، وهذا محل اتفاق بين العلماء، وذلك لعدة أمور:
أ- الإجماع على ذلك، وقد نقله ابن المنذر حيث قَال:((أجمعوا أن الكافر لا يكون ولياً لابنته المسلمة)) (1) .
وقال ابن قدامة: أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال بإجماع أهل العلم. (2)
ب- ورود النصوص في ذلك: قول الله تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (3)
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} . (4)
ج- الاختلاف في الدين يمنع التوارث بينهما، فلا يرث أحدهما من الآخر، كما إن اختلاف الدين يمنع التعاقل بينهما (أي الدية) ومعنى عدم التعاقل، انقطاع الصلة والعصبة بينهما، وعدم الولاية.
وكذلك المسلم لا ولاية على الكافرة غير السيد والسلطان فلهما تزويج الأمة الكافرة على الكافر لأنها لا تحل للمسلم ولأن ولاية السلطان عامة. (5)
الشرط الثاني: العقل؛ لأن العقل مناط التكليف، وزائل العقل قاصر
(1) الإجماع لابن المنذر كتاب النكاح ص 39 رقم 352.
(2)
المغني 9/377.
(3)
سورة التوبة آية 71.
(4)
سورة الأنفال آية 73.
(5)
انْظر: المغني 9/377 والشرح الكبير مع الإنصاف 20/195.
وناقص وعديم النظر وعاجز، فهو يحتاج إلى من يتولى أمره، فكونه لا يتولى على غيره من باب أولى، وسواء كان زوال العقل لصغر أو لكبر أو لمرض أو لجنون أو ما أشبه ذلك. (1)
الشرط الثالث: الحرية؛ الرقيق أو المملوك لا يملك نفسه ولا يستطيع أن يتصرف بنفسه إلا بإذن سيده، فمن باب أولى ألا يتصرف في غيره، فهو مملوك وعليه ولاية. قَال الزركشي: بلا خلاف. (2)
الشرط الرابع: الذكورية؛ القول باشتراط الذكورية في ولي النكاح هو قول جمهور أهل العلم أن الولي شرط لصحة النكاح كما سبق بيانه. (3)
لأن الولاية تحتاج إلى كمال وبعد نظر، والمرأة قاصرة وناقصة وقليلة الخبرة وسريعة التأثر.
الشرط الخامس: البلوغ؛ ولا شك أن الصبي قاصر، عديم الإدراك، يحتاج إلى ولاية، وقد روي عن الإمام أحمد أنه قَال: إذا بلغ الصبي عشراً زوج وتزوج، ولكن الصحيح والله أعلم اعتبار ذلك بالبلوغ، لأن البلوغ هو مناط التكليف فلا تكليف إلا بعد البلوغ. (4)
الشرط السادس: العدالة؛ وهي محل خلاف بين الفقهاء، هل هي شرط في الولاية أم لا؟ على قولين:
أ- ذهب الشافعية والرواية المشهورة عند الحنابلة: أن العدالة شرط، ولا
(1) انظر: الأم 5/14، وبدائع الصنائع 3/239، الحاوي 9/166 والمبدع 7/34.
(2)
انظر: المبسوط 4/223، والمدونة 2/150 وشرح الزركشي 5/35 والحاوي 9/140.
(3)
انْظر: قول جمهور أهل العلم في أول المبحث السابع ص65.
(4)
انْظر: فتح القدير مع الهداية والعناية 3/284 وبداية المجتهد 2/9 وروضة الطالبين 7/62 والشرح الكبير مع الإنصاف 20/179، 180.
تصح ولاية الفاسق. (1)
واستدلوا بالحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: «لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل» وفي رواية: «أيما امرأة نكحها أو أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل» (2) . وكذلك ما ورد عن الإمام أحمد أصح ما في الباب حديث ابن عباس: «لا نكاح إلا بولي مرشد» (3) .
ب- وقال أكثر أهل العلم من المالكية والحنفية، ورواية عن الحنابلة، وقول للشافعية، أن العدالة ليست شرطاً فتصح ولاية الفاسق. (4)
واستدلوا على ذلك أولاً: بالنصوص العامة التي اشترطت الولي من غير تقييد: كقول الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} . (5)
وقوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث السابق (6)"لا نكاح إلا بولي" فإن مثل هذه النصوص جاءت مطلقة من غير تقييد، دلت على أنه تصح ولاية غير العدل.
ثانياً: أن غير العدل له حق عقد النكاح، فهو أحد طرفي العقد كالزوج مثلاً، فهو أحد المتعاقدين، فلا يشترط فيه العدل، فإذا كان الزوج الفاسق له
(1) انظر: روضة الطالبين 8/64 ومغني المحتاج 3/155 وشرح الزركشي 5/37 والإنصاف 8/73.
(2)
سبق تخريج هذا الحديث ص 259 من هذا البحث.
(3)
انظر: المغني 9/368.
(4)
انظر: بدائع الصنائع 3/1248والخرشي على مختصر خليل 3/187 والحاوي 9/61 روضة الطالبين 7/64 والإنصاف 8/74 وكشاف القناع 5/54.
(5)
سورة النور آية (32) .
(6)
سبق ص 259 من هذا البحث.
حق الزواج فكذلك الولي الفاسق له أن يلي عقد النكاح.
ثالثاً: إن الولاية سببها القرابة، وشرطها بعد النظر، واختيار المصلحة، وهذا يتوفر في الفاسق. (1)
هل يشترط في الولي أن يكون بصيراً؟
وما حكم ولاية الأعمى؟
لا يشترط أن يكون الولي بصيرا، لأن البصر ليس بشرط في ولاية التزويج فلا يشترط في الولاية البصر.
فقد ثبت أن شعيب عليه السلام زوج ابنتيه لموسى عليه السلام وهو ضرير.
ولأن أمور النكاح ومصالحه تعرف بالسماع والاستفاضة فلا يحتاج إلى نظر.
ولربما كان الضرير أعرف من كثير من المبصرين في مثل هذه الأمور. فيعطى من الحواس ما يعرف به الكثير من الأشياء، ولأن الأعمى من أهل الرواية والشهادة فكان من أهل الولاية كالبصير. (2)
هل يشترط في الولي أن يكون متكلماً؟
وهل ولاية الأخرس صحيحة؟
إذا كانت إشارته مفهومة ويعرفها الطرف الآخر فتصح ولايته كسائر تصرفاته الأخرى. (3)
(1) انظر: بدائع الصنائع 3/239 المغني لابن قدامة 9/369 والمبدع 7/35.
(2)
انظر: الحاوي 9/63 والمغني 9/369.
(3)
انْظر: الكافي لابن قدامة 3/18 والمغني 9/369 والشرح الكبير مع الإنصاف 20/183 والحاوي 9/63 وروضة الطالبين 7/64.
عضل الأولياء، أو العضل في النكاح:
معنى العضل:
لغة: هو المنع والحبس، وأصله مأخوذ من قولهم عضلت الدابة: بمعنى احتبس الولد في بطنها. والعرب تقول للشدائد معضلات، وتقول أيضاً: داء عضال. وهو الأمر الشديد قَال أبو عبيد: عضل الرجل أخته وابنته يعضلها عضلاً إذا منعها من التزويج وكذلك عضل الرجل امرأته. (1)
اصطلاحاً: منع الولي المرأة من أن تتزوج برجل كفء إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه. (2)
حكم العضل:
هو نوع من الظلم وقد نهى الله عنه الأولياء، وذلك في قوله:{وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (3) فلا تعضلوهن خطاب للأولياء، ومعناه: لا تحبسوهن عن الزوج كما قاله ابن عباس وغيره (4)، ومما يؤكد هذا ما رواه البخاري عن معقل بن يسار قَال:«نزلت فيّ هذه الآية. زوجت أختاً لي من رجل فطلقها، فلما انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت: والله لن تعود إليك أبداً فأنزل الله هذه الآية فقال معقل: الآن أفعل يارسول الله، فزوجها إياه» (5) .
(1) غريب الحديث 3/282 وانظر: النهاية 3/254.
(2)
انظر: المغني لابن قدامة 9/383 وشرح الزركشي 5/56.
(3)
سورة البقرة آية (232) .
(4)
انظر: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 1/269.
(5)
رواه البخاري في التفسير والنكاح انظر: فتح الباري 8/143، 9/160.
فهذه الآية المذكورة من أقوى الأدلة على اشتراط الولي.
يقول الإمام الشافعي: ((هذه أبين آية في كتاب الله دلالة على أن ليس للمرأة أن تتزوج بغير ولي. وإلا لما كان للنهي عن العضل معنى)) (1) .
لو تزوجت المرأة بأقل من مهر المثل فهل للولي منعها؟ أو فهل لها ذلك؟
الصحيح والله أعلم: أن ليس للولي المنع في هذه الحالة، باعتبار أن الصداق من حق المرأة، وما كان حقاً لها فلها أن تتصرف فيه كيف تشاء، والإسلام دعى إلى تخفيف المهور وعدم المغالات فيها بدليل: ما جاء في حديث الواهبة نفسها السابق (2)، قوله صلى الله عليه وسلم:"التمس ولو خاتما من حديد". فربما كان مهر المثل من العوائق، وهذا هو مذهب أكثر أهل العلم. (3)
لو عينت المرأة كفأً، وعين الولي كفأً، فهل المختار والمقدم هو اختيار المرأة أو الولي؟
إذا كان المعين كفأً فنقدم ما اختارته المرأة، لأنها صاحبة شأن، وأما إذا كان غير كفء فإنه حينئذ للولي حق المنع ولا يعتبر هذا عضلاً. (4)
لو عضلها الولي القريب من أن تتزوج برجل كفء:
خلاف بين الفقهاء على قولين:
القول الأول: أن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأولياء، لأن الولاية
(1) انظر: الأم 5/12 باب لا نكاح إلا بولي، ومختصر المزني ص 163، والحاوي 9/37.
(2)
حديث الواهبة سبق في ص 251 من هذا البحث.
(3)
انْظر: المبسوط 5/14 وفتح القدير 3/302 والإفصاح لابن هبيرة 2/122 ومغني المحتاج 3/153 والإنصاف 8/75 وكشاف القناع 5/54.
(4)
انظر: شرح الزركشي 5/56.
مرتبة شرعاً وهذا قول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة. (1)
القول الثاني الجمهور: لا تنتقل الولاية، وإنما يزوجها الحاكم أو السلطان، أو من يقوم مقامه (2)، لأنه جاء في بعض روايات الحديث:«فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» (3) .
والصحيح: والله أعلم هو الأول.
وأجابوا عن الحديث: بأنه محمول على ما لو عضلها جميع الأولياء، فإنها حينئذ تنتقل إلى السلطان، وإلا فالولاية ثابت انتقالها شرعا، كما لو مات القريب، أو جن أو غاب، تنتقل إلى من بعده فهذا العضل مثل ما لو غاب القريب أو جن أو مات، وإلا فلا معنى لترتيب الأولياء. (4)
لو زوج المرأة الولي الأبعد مع وجود وليها الأقرب وهو غير راض فما هو الحكم؟
كالأخ مع وجود الأب، أو العم مع وجود الأخ ولا عضل من الأب ولا من الأخ، هذه المسألة مبنية على اختلاف الفقهاء في ترتيب الأولياء، وقد اختلف فيها على ثلاثة أقوال:
الأول الشافعية والحنابلة: لا يصح هذا العقد والعقد باطل أو فاسد. لأن الولاية مرتبة شرعاً، فلا يصح تزويج الأبعد وتقديمه مع وجود الأقرب، لأن
(1) انظر: مغني المحتاج 3/153 ونهاية المحتاج 6/134 والإنصاف 8/75 والمبدع 7/54.
(2)
انظر: رد المحتار 3/82 وشرح الخرشي والعدوي على مختصر خليل 3/189 ومختصر المزني ص 165 باب اجتماع الولاة وتفريقهم والحاوي 9/112 وكشاف القناع 5/54.
(3)
سبق هذا الحديث في ص 259 من هذا البحث.
(4)
انظر: المغني لابن قدامة 9/382 وشرح الزركشي 5/55.
الأقرب يعتبر أقرب الناس إليها شرعاً، فلو قدم الأبعد على الأقرب فلا معنى للترتيب فالأقرب يحجب الأبعد كما في الميراث. (1)
الثاني المالكية يصح مثل هذا النكاح لأنه لم يرد دليل على الترتيب، ولأن الولي البعيد يعتبر من الأولياء. والولي البعيد والقريب على حد سواء.
قَال مالك: ليس للأب ههنا قول إذا زوجها الأخ برضاها. (2)
الثالث الحنفية ورواية عند الحنابلة: يصح هذا النكاح ولكنه موقوف على إجازة الولي القريب. (3)
واستأنسوا بحديث عائشة: «بأن جارية أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: أجزت ما صنع أبي ليعلم النساء أن ليس للآباء في الأمر شيء» (4) .
وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق (5) أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني وأنا كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن يرى صحة التعدي في الولاية يقول بالقول الثاني والثالث، ومن يرى عدم صحة التعدي في الولاية يقول بالقول الأول وهو الراجح إن شاء الله تعالى لأن القول بجواز نكاح الأبعد يفضي إلى الفوضى بين الأولياء مما يترتب عليه
(1) انظر: الأم 5/14 والمنهاج مع مغني المحتاج 3/154 والإفصاح 2/119 والمغني لابن قدامة 9/378، 379 والمبدع 7/39.
(2)
انظر: المدونة 2/143 وبداية المجتهد 2/10.
(3)
انظر: المبسوط 4/220 وفتح القدير 3/288 والإنصاف 8/81.
(4)
رواه النسائي في كتاب النكاح باب البكر يزوجها أبوها وهي كارهة 6/86، 87 رقم 3269 وابن ماجه في كتاب النكاح باب من زوج ابنته وهي كارهة 1/602 رقم 1874.
(5)
سبق حديث ابن عباس ص 246 من هذا البحث.
المفاسد بينهم والله أعلم.
لو غاب الولي غيبة منقطعة فما الحكم؟ هل يزوجها السلطان أم تنتقل الولاية؟
محل خلاف بين الفقهاء على قولين:
الأول قَال أكثر أهل العلم: تنتقل الولاية إلى من بعده، لأن الولاية مرتبة شرعا، كما لو جُن أو مات فتنتقل الولاية إلى من بعده. (1)
الثاني وقال الشافعية: يزوجها الحاكم أو السلطان، لأن الولي الغائب تعذر لنا الوصول إليه فيقوم الحاكم مقامه، وما جعل السلطان إلا لهذا.
وإنما ما قالوا بالانتقال، لأن هذا الولي الأصل بقاؤه.
وإنما قلنا: الأصل بقاؤه، لأنه لو زوج وهو غائب فزواجه صحيح، ولو وكل وهو غائب فتوكيله صحيح، وإنما تعذر لغيبته فناب الحاكم عنه. (2)
والصحيح: والله أعلم هو القول الأول، والسلطان لا ولاية له على هذه المرأة لأنه ولي على من لا ولي له، ولكن هذه المرأة لها ولي، ولكن لم نستطع الوصول إليه فتنتقل إلى من بعده كما لو جُن أو مات.
تحديد الغيبة المنقطعة:
محل خلاف بين الفقهاء يمكن حصرها في أربعة أقوال:
1-
إن هذه الغيبة تحدد بعدم وصول الكتاب (الرسالة) إليه، أو وصل إليه الكتاب ولكن لم يرد منه إلينا الجواب وهي رواية عند الحنابلة، واختارها
(1) انظر: المبسوط 4/221 وفتح القدير 3/289 والمبدع 7/37 والإفصاح لابن هبيرة 2/122 والمحلى 9/458.
(2)
انظر: الأم 5/14 ومختصر المزني ص 165 والحاوي 9/111.
الخرقي. (1)
2-
هي التي لا ترد إليها القوافل إلا في السنة مرة واحدة وهي رواية عند الحنفية. (2)
3-
هي مسافة القصر، كل مسافة تقصر فيها الصلاة فهو يعتبر غيبة منقطعة، وهو قول الشافعية. (3)
4-
إن الغيبة المنقطعة غير محددة، وإنما تعود إلى وجود الكلفة والمشقة في الوصول إليه، فإذا شق الوصول إليه فهو يعتبر غيبة منقطعة، لأن التحديد توقيفي يحتاج إلى دليل، ولا دليل عندنا فالاعتبار فيها بالكلفة والمشقة.
قَال ابن قدامة: وهذا القول إن شاء الله أقربها إلى الصواب (4) .
(1) انظر: مختصر الخرقي ص93 والمغني لابن قدامة 9/386 وشرح الزركشي 5/57 والمبدع 7/37.
(2)
انظر: فتح القدير مع الهداية 3/290.
(3)
انظر: الأم 5/14 ومختصر المزني 165 والمهذب 2/47.
(4)
انظر: المغني لابن قدامة 9/386.