الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: الشهادة في النكاح
تعريف الشهادة:
هي الإخبار بما شاهده وشهده، والشاهد هو الحاضر، والمشاهدة هي المعاينة بمعنى الخبر القاطع، والشهادة لا تخلو بأن تكون بمعنى التحمل أو الأداء. (1)
هل الشهادة شرط في عقد النكاح؟
خلاف بين أهل العلم على قولين:
القول الأول: يرى الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، أن الشهادة شرط، ومن غير الشهود النكاح باطل غير صحيح. (2)
واستدلوا على ذلك بمجموعة من الأدلة:
أ- نظراً لمكانة عقد النكاح، وعظم هذا العقد وما يترتب عليه من المصالح والفوائد كان لزاما من اشتراط الشهادة في عقد النكاح، ومن مصالح النكاح كما هو معروف: الإرث، والنسب، والمصاهرة، والمحرمية وما أشبه ذلك.
ب- في الإشهاد على عقد النكاح منعاً للتجاحد بين المتعاقدين، وبعداً لسوء الظن بينهما، وحفاظاً على حق الولد بينهما.
ج- في الشهادة على النكاح تفريق بين الحلال والحرام، فالحلال يبين
(1) انظر: الصحاح 2/494، والنهاية 2/514 والمطلع ص 406 واللسان 3/239 والمصباح 1/324، 325.
(2)
انظر: بدائع الصنائع 3/1376 والحاوي 9/57 والمبدع 7/27 والإنصاف 8/12.
بالإخبار، والإعلام والظهور، والحرام شأنه الخفاء والتستر وعدم الظهور.
د- قوله تعالى في آية المداينة: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (1) . دلت الآية على الإشهاد على عقد البيع، والإشهاد على عقد النكاح من باب أولى، لأن عقد النكاح أعظم من عقد البيع.
?- قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق (2) : "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل".
القول الثاني: الشهادة ليست بشرط بل يكفي الإعلان به، وهي رواية عن الأمام أحمد، وقول للمالكية، وقال به ابن المنذر، وهو مذهب الظاهرية. (3)
واستدلوا بمجموعة من الأدلة:
أ- عموم النصوص التي دلت على مشروعية النكاح، ولم يذكر فيها الإشهاد كقول الله:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (4) وقوله تعالى {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (5) وغيرها.
ب- وبالنصوص من السنة التي دلت على إعلان النكاح، كقوله صلى الله عليه وسلم:" أعلنوا النكاح " من حديث عائشة والزبير وجابر والربيع بن معوذ ومحمد بن حاطب.
(1) سورة البقرة آية 282.
(2)
سبق هذا الحديث في ص 259 من هذا البحث.
(3)
انظر: الخرش على مختصر خليل 3/167 والكافي في فقه أهل المدينة 2/519 والإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/691 وحلية العلماء 6/365 والمحلى 11/47 والحاوي 9/58 وشرح الزركشي 5/22.
(4)
سورة النساء آية 3.
(5)
سورة النور آية 32.
وفي رواية: "أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف" وفي رواية: "أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف" وفي رواية: "أعلنوا النكاح واضربوا عليه في الغربال" وفي رواية: "أعلنوا النكاح في المساجد" وفي رواية: "فرق ما بين الحلال والحرام في النكاح رفع الصوت وضرب الدف" وفي رواية: "أظهروا النكاح" وغيرها. (1)
ج - واستدلوا بحديث الواهبة نفسها السابق (2) : "أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال للرجل الَّذِي قَال زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، قَال "زوجتكها بما معك من القرآن" ولم يشهد على ذلك.
الراجح: هو القول الأول، لما استدلوا به، ثم إن أدلتهم خاصة ومقيدة، وأدلة أصحاب القول الثاني عامة ومطلقة، والمقيد يقدم على المطلق.
ما هو وقت الشهادة؟
الأمر في ذلك واسع.
فأكثر أهل العلم يرون أن وقت الشهادة عند العقد فحضور الشهود هو وقت وجود ركن العقد وهو الإيجاب والقبول من أجل أن يسمع الشهود ذلك. (3)
(1) رواه أحمد في المسند 3/418، 4/259، 4/5 والنسائي في كتاب النكاح 6/104، وسنن أبي داود 2/295، 297، وابن ماجه في كتاب النكاح 1/611 رقم 1895 والترمذي من أبواب النكاح 2/276 رقم 1094، 1095 والحاكم في المستدرك كتاب النكاح وقَال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه انْظر: 2/183.
(2)
حديث الواهبة سبق ص 251 من هذا البحث.
(3)
انْظر: بدائع الصنائع 2/256 وروضة الطالبين 7/47، 48.
منعاً للتجاحد، ودفعاً لسوء الظن بينهما، وسداً للذريعة، ودفعاً لتهاون الناس وعدم المبالاة بالإشهاد.
وإن النكاح الخالي من الشهود والبينة والإعلان هو نكاح السر، وهذا النكاح لا يصح، لكن لو أوصى الزوج أو الولي الشهود بكتمان العقد، فالعقد صحيح، ولا يسمى ذلك بنكاح السر، لأنه تم بشروطه.
شروط الشهادة:
قسم الفقهاء شروط الشهادة إلى قسمين:
القسم الأول: شروط محل اتفاق وهي خمسة: العقل والبلوغ وسماع كلام المتعاقدين والعدد والإسلام.
القسم الثاني: شروط محل خلاف وهي ثلاثة: العدالة والذكورية والحرية.
القسم الأول: الشروط التي محل اتفاق (1)
أ- ب- أما العقل والبلوغ فهما مناط التكليف، فالمجنون والصبي ليسا مكلفين لحديث عائشة وعلي وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث، عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ
…
" الحديث (2) ، فلا تكليف على الصغير والمجنون، لأن كلاً منهما قاصر وعاجز، فهما ليسا من أهل الشهادة لا تحملاً ولا أداءً.
(1) انْظر: بدائع الصنائع 2/253 -255 وفتح القدير 2/356 وروضة الطالبين 7/45 والمغني 9/350.
(2)
رواه أحمد في المسند 6/100، 101 وأبو داود في كتاب الحدود باب في المجنون يسرق 4/139، 140 رقم 4398 والترمذي في الحدود 2/438 رقم 1446 والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم 2/59.
ج - سماع كلام المتعاقدين من أجل فهم المراد من الولي والزوج، فالأصم والأخرس ليسا من أهل الشهادة، لا تحملاً ولا أداءً، لأنهما لا يفهمان المراد.
د- العدد: ومعناه: أن يكون الشهود اثنين فصاعداً، وهذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق (1) :" لا نكاح إلا بشهود " وفي رواية: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ".
? - الإسلام لأن الشهادة من باب الولاية ولا ولاية للكافر على المسلم بحال فعقد النكاح ينزه من حضور الكفار لمكانة هذا العقد وعظمه وما يترتب عليه.
القسم الثاني: شروط مختلف فيها:
1-
العدالة:
ذهب الجمهور إلى اشتراط العدالة في الشهود، وأنه لا تصح شهادة الفاسق والفاجر على عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق (2) :"لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل". ولأن الفاسق مردود غير مقبول الخبر والشهادة من باب الخبر قَال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (3) .
وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط العدالة في الشهادة، لأن الفاسق ينشىء عقد النكاح ويتولى أمر العقد، ويكون أحد المتعاقدين في عقد النكاح، ولأن الشهادة تحمل فهي كسائر التحملات. (4)
(1) سبق الحديث ص 259 من هذا البحث.
(2)
سبق الحديث ص 259 من هذا البحث.
(3)
سورة الحجرات آية 6.
(4)
انظر: بدائع الصنائع 2/255 والهداية مع فتح القدير 3/199 والحاوي 9/59 والمغني لابن قدامة 9/349، 350.
والصحيح والله أعلم: مذهب الجمهور لمكانة هذا العقد، وخطورته، فهو ينزه من الفساق والفجار.
2-
الذكورية:
قَال الجمهور لا مدخل للنساء في الشهادة على عقد النكاح ولا بالاشتراك مع الرجل. (1)
أ- واستدلالهم على ذلك بما جاء عن الزهري قوله: «مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق» (2) .
ب- ولأن عقد النكاح ليس من العقود المالية، فهو ليس بمال ولا يقصد منه مال، فلا دخل للنساء فيه كعقود البيوع وغيرها.
ج- ولما عرف من مكانة عقد النكاح وعظمه، وما يترتب على ذلك من المصالح والفوائد، ولما عرف من المرأة من الضعف والغفلة والنسيان، فلا حاجة لها في عقد النكاح كشاهد.
د- ولأن عقد النكاح ليس عقد ضرورة فيتوقف على النساء ففي الرجال كفاية.
وقال الحنفية:
أن الذكورية ليست بشرط فيجوز اشتراك المرأة في النكاح، لأن عقد
(1) انْظر: الحاوي 9/59 وروضة الطالبين 7/45 والمغني 9/349 والشرح الكبير مع الإنصاف 20/246.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في كتاب الحدود انظر: المصنف 10/58.
النكاح عقد معاوضة كالبيوع يجوز الاشتراك لها فيها، فيجوز لها الإشهاد في عقد النكاح. (1)
3-
الحرية:
ذهب الجمهور إلى أن الحرية شرط، فلا تصح شهادة الرقيق والمملوك، لأن الشهادة من باب الولاية، والرقيق لا ولاية له على نفسه، فلا يتولى على غيره من باب أولى. (2)
وقال الحنابلة: إن الحرية ليست بشرط، فتجوز شهادة الرقيق على عقد النكاح كغيره سواء بسواء. (3) وعللوا لهذا الأمر بمجموعة من التعليلات:
أ- لم يرد دليل لا من الكتاب ولا من السنة على اشتراط الحرية وهذا دليل على أنه يجوز شهادة الرقيق.
ب- ثبوت قبول روايات الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقبول غيرها من باب أولى.
ج- إن الأساس في قبول الأخبار أن يكون الشاهد أميناً صادقاً ثقة عدلاً، وهذه الأمور لا تتصادم مع الحرية.
د- أن جلّ علماء الإسلام والكثير منهم ممن نقلوا إلينا علوم التفسير والحديث والفقه من المماليك كعطاء وعكرمة والليث وغيرهم كثير.
الراجح: القول الثاني لما عللوا به. والله أعلم.
(1) انظر: فتح القدير 3/199 والحاوي 9/59 وحلية العلماء 8/246.
(2)
انْظر: بدائع الصنائع 2/253 وروضة الطالبين 7/45.
(3)
انظر: المحرر 2/503 والمبدع 10/236 والإنصاف 12/60 وشرح الزركشي 7/350.
المبحث العاشر: الوليمة (وليمة العرس)
الوليمة عند الإطلاق يراد بها وليمة العرس، وإذا أريد غيرها فلا بد من ذكر ذلك حيث يقال: وليمة كذا وكذا بالقرينة.
والوليمة في الأصل مشتقة ومأخوذة من الولم، ولهذا سمي القيد وَلَم لاجتماع اليدين أو الرجلين، أو لاجتماعهما معاً، وسميت وليمة العرس بهذا الاسم لاجتماع الزوجين.
وجمع وليمة ولائم. (1)
وقد ذكر العلماء مجموعة من الولائم المباحة منها:
1-
وليمة العرس: وهي الطعام المصنوع للعرس ودعوة الناس إليه.
2-
العذيرة (الإعذار) : وهي الطعام المصنوع للختان.
3-
العقيقة: وهي الطعام المصنوع في اليوم السابع للمولود.
4-
وليمة الخرس: وهو الطعام المصنوع لسلامة المرأة عند الولادة.
5-
الوكيرة: وهي الطعام المصنوع للسكن الجديد، وتسمى دعوة البناء.
6-
النقيعة: وهي الطعام المصنوع للمسافر عند حضوره.
7-
الوظيمة: وهي الطعام المصنوع للسلامة من المصيبة.
8-
المأدبة: وهي الطعام المصنوع للضيافة مطلقاً لسبب أو بدون سبب.
9-
الحذاق: وهو الطعام عند حذق الصبي.
10-
التحفة وهي طعام القادم. (2)
(1) انظر: تهذيب اللغة 15/406 والنهاية 5/226 واللسان 12/643 والمصباح 2/672.
(2)
انظر: التمهيد 10/182 والحاوي 9/555 والمغني لابن قدامة 10/191 والكافي 3/120 وشرح الزركشي 5/338 وفتح الباري 9/247 وشرح النووي على مسلم 9/217.
إذا كانت الدعوة لهذه الولائم عامة لجميع الناس تسمى (دعوة الجفلاء) .
وإذا كانت لمعينين تسمى (دعوة النقري) .
وهذه الولائم ليست واجبة، إلا وليمة العرس فقد وقع الخلاف فيها بين الفقهاء على قولين:
القول الأول: قَال أكثر أهل العلم: بأن وليمة العرس سنة مؤكدة، فهي مستحبة كغيرها من الولائم.
القول الثاني: إنها واجبة وهو مذهب الظاهرية والمالكية في رواية، وقول عند الشافعية. (1)
الأدلة:
استدل أصحاب القول الثاني بما جاء في الأحاديث ومنها:
1-
في الصحيحين عن عبد الرحمن بن عوف: «أن النبي رأى عليه صفرة، فقال:"ما هذا يا عبد الرحمن"؟ قَال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بارك الله لك أولم ولو بشاة"(2) . وهذا أمر يدل على الوجوب.
2-
روى الإمام أحمد لما خطب علي فاطمة قَال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا بد للعرس
(1) انظر: الأم 6/181 والمهذب 2/82 والمغني لابن قدامة 10/192 وشرح الزركشي 5/327 والمبدع 7/179.
(2)
سبق تخريجه ص 237 من هذا البحث.
من وليمة " (1) وهذا في معنى الوجوب.
3-
ما جاء عن رجل من ثقيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: " الوليمة حق "(2) وظاهره يدل على لزوم الوليمة. وهذا إسناد ضعيف (3)
4-
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعلان النكاح، وأمره يدل على الوجوب، والوليمة من إعلان النكاح، فتأخذ حكمه.
5-
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يخلي النكاح من الوليمة في كل وقت سعة أو وقت ضيق.
6-
أن إجابة دعوة الوليمة واجبة فتأخذ الوليمة نفس الحكم. (4)
واستدل الجمهور:
بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، أما الأمر فهو حديث عبد الرحمن بن عوف، وحملوا الأمر على عدم الوجوب، وكذلك فعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس:" ما أولم على شيء من نسائه كما أولم على زينب أولم بشاة"(5) . وهذا يدل على الاستحباب، لأنه لم يأمر بها أمره المعهود، جاء أمره من غير تأكيد ومن غير إلزام، ولو كانت واجبة لنقل إلينا ولعرف ذلك الصحابة، لأنها مما تعم بها البلوى فلو كانت
(1) انظر: المسند 5/359 قَال الساعاتي: لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد انْظر: الفتح الرباني 16/205.
(2)
انظر: المسند 5/371 ورواه أبو داود كتاب الأطعمة 2/307 وابن ماجه كتاب النكاح 1/617.
(3)
انظر: إرواء الغليل 7/8.
(4)
انظر: الحاوي 9/556.
(5)
رواه البخاري في كتاب النكاح باب الوليمة ولو بشاة انظر: البخاري مع فتح الباري 9/332 ومسلم كتاب النكاح باب زوج زينب بنت جحش 2/1049 رقم 90، 91.
واجبة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم كالواجبات الأخرى.
وقت الوليمة:
الأمر في وقت الوليمة واسع وقد اختلف السلف في وقتها على أقوال قيل:
1-
أنها قبل العقد.
2-
وقيل بعد العقد.
3-
وقيل بعد الدخول.
4-
وقيل قبل الدخول.
5-
وقيل عند العقد.
والراجح والله أعلم: أنها بعد العقد وقبيل الدخول، والأمر في هذا واسع والله أعلم. (1)
أما حكم إجابة دعوة الوليمة فقد اختلف الفقهاء على أقوال كثيرة:
1-
الجمهور على وجوب إجابة الدعوة.
2-
ومن أهل العلم من يرى أن إجابة الدعوة فرض عين.
3-
ومنهم من يرى أن إجابة الدعوة فرض كفاية.
4-
ومنهم من يرى أن إجابة الدعوة في الوليمة وغيرها واجبة.
5-
ومنهم من يرى أن إجابة الدعوة في الوليمة وغيرها غير واجبة. (2)
الراجح والله أعلم: قول الجمهور وهو القول الأول.
واستدلوا بمجموعة من الأدلة:
(1) انظر: فتح الباري 9/230، 231 ونيل الأوطار 6/176 وفقه السنة 2/236.
(2)
انظر: التمهيد 1/272، 10/178 والحاوي 9/557 والمغني لابن قدامة 10/193.
منها قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها" متفق عليه (1) ،
والمراد بالوليمة: وليمة العرس.
وفي رواية لمسلم: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو غيره"(2)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى إليها من يأباها، ويمنعها من يأتيها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله".
وفي رواية: "بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله"(3) .
لو كان المدعو إلى الوليمة صائماً هل يلزم الحضور؟
الصيام لا يمنع من الحضور إلى الوليمة، لأن المقصود ليس الأكل وإنما المقصود التواصل والتآلف والتراحم، فحضور الصائم لا يتنافى مع الصوم، فإن كان الصيام واجباً يدعو لأهل الوليمة كما جاء في الحديث:"إذا دعا أحدكم أخاه فليجب فإن كان صائماً فليصل وإن كان مفطراً فليطعم".
وفي بعض الروايات: "إن شاء طعم وإن شاء ترك"(4) .
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح باب حق إجابة الوليمة انظر: البخاري مع فتح الباري 9/240 ومسلم في كتاب النكاح باب الأمر بالإجابة 2/1052 رقم 1429.
(2)
رواه مسلم في كتاب النكاح باب الأمر بالإجابة 2/1053 رقم 1429.
(3)
رواه البخاري في كتاب النكاح باب من ترك الدعوة انظر: البخاري مع فتح الباري 9/244 رقم 5177 ومسلم في كتاب النكاح باب الأمر بإجابة الداعي 2/1054، 1055 رقم 1432.
(4)
رواه مسلم في كتاب النكاح باب الأمر بإجابة الداعي 2/1054 رقم 1430.
من الَّذِي يلزمه الحضور؟
إذا كانت الدعوة خاصة فيلزمه الحضور، أما إذا كانت الدعوة عامة (الجفلاء) فلا يلزم الحضور. كأن يقول: أيها الناس أجيبوا الوليمة، فحينئذ الدعوة عامة فلا يلزم الحضور.
شروط الداعي:
1-
البلوغ: فإن كان الداعي صغيراً لا يلزم الحضور، لأن الصغير لا يصح منه التصرف.
2-
العقل: فلا يلزم إجابة دعوة المجنون.
3-
أن يكون رشيداً جائز التصرف، فلو كان محجوراً عليه فلا يلزم إجابته.
4-
أن يكون حراً فإذا كان رقيقاً أو مملوكاً لا يلزم إجابته لأنه ليس له حق التصرف.
5-
أن يكون مسلماً، فإن كان الداعي ذمياً:
فمن أهل العلم من يرى عدم الجواز لعدة أمور:
أ- لا يؤمن على المسلم عند الذمي.
ب- ولأنه لا ولاء للذمي.
ج- ولأنه لا كرامة له. (1)
شروط المدعو:
1-
التكليف: وهو البلوغ والعقل، فالصبي والمجنون لا يتوجه إليهما
(1) انظر: الحاوي 9/558 والمغني لابن قدامة 10/195 والشرح الكبير مع الإنصاف 21/321.
خطاب الالتزام، ولا يعرفان حكم الإجابة.
2-
الحرية، فالرقيق والمملوك وقتهما لسيدهما.
3-
ألا يكون المدعو مشغولاً بنفسه، كمرض أو خائفاً على نفسه أو على أهله. (1)
موانع إجابة الدعوة:
1-
ألا يكون في الوليمة شبهة، فإذا كان في الوليمة شبهة والشبه كثير فلا يلزم الحضور:
إذا كان صاحب الوليمة معروفاً بأكل أموال الناس بالباطل، أو أكل أموال اليتامى أو أكل الربا، أو عدم التوقي من المحرم.
2-
إذا كانت الدعوة خاصة بالأغنياء دون الفقراء، والدليل على ذلك الحديث السابق (2) : "شر الطعام طعام الوليمة
…
".
3-
إذا كان في الوليمة محرم أو معصية كالخمر والخنزير وآلات اللهو والمعازف، إلا إذا أنكر المنكر. لعموم الحديث:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد - فلا يجلس- على مائدة يدار فيها - عليها – الخمر"(3) .
4-
إذا كان في الوليمة من يتأذى بحضورك، أو لا يليق بك مجالسته، كالفساق وأهل الأهواء وما أشبه ذلك، إلا إذا كان هناك مصلحة.
(1) انظر: الحاوي 9/559.
(2)
سبق هذا الحديث آنفا.
(3)
رواه الترمذي في أبواب الاستئذان والأدب باب ما جاء في دخول الحمام وقال هذا حديث حسن غريب انظر: سنن الترمذي 4/199 رقم 2953 والبيهقي في كتاب الصداق باب الرجل يدعى إلى الوليمة وفيها المعصية انظر: السنن الكبرى 7/266.
5-
إذا كان في الحضور مشقة وكلفة كبعد المكان أو خوف الطريق فلا يلزم الحضور.
لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} (1)، ولعموم الحديث:"لا ضرر ولا ضرار"(2) .
6-
إذا كانت الوليمة ثلاثة أيام فدعي في اليوم الأول فيلزمه الحضور، وفي اليوم الثاني فهو بالخيار، وفي اليوم الثالث لا يلزم الحضور بل يكره إليه. (3)
وبهذا انتهت بحمد الله مباحث هذا الموضوع الَّذِي هو بعنوان الوسطية في مقدمات النكاح الشرعية حيث ذكرت فيه المسائل المتعلقة بأحكام الناكح ابتداءً بتعريف النكاح وحكمه وأدلة مشروعيته والأسس الشرعية لاختيار الزوجة وبياناً لأحوال الخطبة والنظر إلى المخطوبة وتعريفاً للولاية في النكاح والكفاءة فيه والإشهاد عليه وغير ذلك مما له صلة في هذا الموضوع وحسبي أنني اجتهدت في ذكر هذه المسائل بصورة سهلة ومبسطة لمن أراد الإطلاع عليها والاستفادة منها، أسأل الله عز وجل أن يغفر لي ما كان من تقصير أو تفريط أو زلل وأن يعصمني من القول عليه أو على رسوله أو على أحد من علماء الأمة
(1) سورة البقرة آية 286.
(2)
رواه أحمد في المسند 1/313 وعند ابن ماجه في كتاب الأحكام 2/784 رقم 2340، 2341 وأخرجه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم انظر: المستدرك 2/58.
(3)
انظر: الحاوي 9/560 وشرح السنة 9/143، 149 والمغني لابن قدامة 10/194، 207 وفتح الباري 9/250.
ما ليس لي به علم وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.