الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: أركان عقد النكاح
تعريف العقد في اللغة والاصطلاح:
أما لغة: هو الربط والشد والإحكام والإبرام، وهذه المعاني نقيض (الحل) . ومنه عقدة النكاح، يقال عقدت الحبل فهو معقود وكذلك العهد، وأصل العقد ربط الشيء بالشيء. (1)
أما اصطلاحاً: فهو اقتران الإيجاب بالقبول على وجه مشروع (2) ، والإيجاب والقبول عند أهل العلم ركن من أركان العقد، ولا وجود للعقد بدونهما فلو وجد القبول فقط فلا وجود لعقد النكاح ولو وجد الإيجاب فقط فلا وجود لعقد النكاح أيضاً فلا بد من وجود الإيجاب والقبول معاً.
ما معنى الإيجاب والقبول في عقد النكاح أو ما في صفتهما:
يرى أكثر أهل العلم أن الإيجاب في عقد النكاح هو ما يصدر عن ولي المرأة، أو وكيل المرأة، ويعبر عنه بالطرف الأول، أو المتعاقد الأول، أما القبول فهو ما يصدر من الزوج أو من وكيله بالموافقة على ذلك الإيجاب.
ويرى الحنفية إن الإيجاب ما يصدر أولاً من أحد المتعاقدين أو من أحد الطرفين، والقبول هو ما يصدر ثانياً من المتعاقد أو الطرف الثاني فهما جميعا ركن واحد فلو وجد الإيجاب من أحد المتعاقدين كان له أن يرجع قبل الآخر كما في البيع. (3)
(1) انظر: المطلع على أبواب المقنع ص 408، واللسان 3/296.
(2)
انْظر: رد المحتار 2/355 والعناية مع فتح القدير 5/74 والتعريفات للجرجاني ص153.
(3)
انْظر: بدائع الصنائع 2/232.
ألفاظ وصيغ عقد النكاح، وهل له صيغة ولفظ معين أم لا؟
تنقسم ألفاظ عقد النكاح إلى قسمين، منها ما هو حقيقة في النكاح، ومنها ما هو كناية فيه، أو منها ما هو صريح في النكاح ومنها ما هو غير صريح.
أقوال العلماء في ألفاظ النكاح:
اختلف العلماء في ألفاظ النكاح على قولين:
القول الأول: لا يصح عقد النكاح إلا بلفظ مشتق من لفظ النكاح أو الزواج وهو مذهب الشافعية والحنابلة ورواية عند المالكية (1)(وهذا ما عبرنا عنه حقيقة في النكاح وهو القسم الأول)، وعللوا قولهم بما يلي:
أولاً: خطورة عقد النكاح، ومكانته فإنه يقتصر على ما كان حقيقة فيه فقط.
ثانياً: تمييز هذا العقد بين سائر العقود، بوجوب الإشهاد عليه، والشهود لا يشهدون إلا ما كان حقيقة وصريحاً.
ثالثاً: إن الكناية أو غير الصريح يحتاج إلى النية أو القرينة.
رابعاً: لا يصح العدول عن الحقيقة إلى غيرها، إلا لسبب.
خامساً: لم يرد النكاح في كتاب الله إلا بلفظ الحقيقة، النكاح أو الزواج. قَال تعالى:{زَوَّجْنَاكَهَا} (2) وقال تعالى: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} (3) .
القول الثاني - توسع الحنفية والمالكية ومن سلك مسلكهم في ألفاظ النكاح، فأجازوا العقد بكل لفظ دل على الزواج سواء كان حقيقة أو كناية،
(1) انظر: التمهيد 21/11 والحاوي 9/154، وروضة الطالبين 7/36، والمغني 9/460.
(2)
سورة الأحزاب آية 37
(3)
سورة النساء آية 22
وسواء كان صريحاً أو غير صريح.
فألفاظ الحقيقة عند الحنفية والمالكية كألفاظ الحقيقة عند غيرهم (زوجتك وأنكحتك)، وأما الكناية فقسموها إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: ما أتفق على جواز عقد النكاح به وهو بكل لفظ دل على معناه إذا قرن بذكر الصداق أو قصد النكاح، كهذه الألفاظ الأربعة:(التمليك، والهبة، والصدقة، والجُعل)(1) لأن مثل هذه الألفاظ تفيد ملك العين، وملك العين يفيد ملك المنفعة.
إضافة إلى ورود لفظ الهبة في القرآن الكريم {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} (2) .
وأجاب الجمهور بأن هذا اللفظ خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل قول الله: {خَالِصَةً لَكَ} كما ورد لفظ التمليك في السنة في حديث المرأة الواهبة نفسها، فجاء في بعض الروايات:«ملكتك بما معك من القرآن» (3) ولعل هذا رواية بالمعنى من بعض الرواة. قَال في المغني: وأما الخبر فقد روي من طرق صحيحة والقصة واحدة والظاهر أن الراوي روى بالمعنى ظناً منه أن معناها واحد فلا تكون حجة، وأن كان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الألفاظ فلا حجة لهم فيه لأن النكاح انعقد بأحدها والباقي فضلة. (4)
القسم الثاني: ما اتفق على أنه لا يجوز عقد النكاح به، وهذا هو لفظ
(1) انظر: فتح القدير 3/193، والمبسوط 5/59، وبداية المجتهد 2/3
(2)
سورة الأحزاب آية 50
(3)
حديث الواهبة رواه البخاري في كتاب النكاح باب التزويج على القرآن انظر: البخاري مع الفتح 9/305
(4)
المغني لابن قدامة 9/461، وانظر: فتح الباري 9/214.
الإباحة ولفظ الإحلال ولفظ الإعارة والرهن، لأن مثل هذا اللفظ لا يفيد ملك العين وإنما يفيد ملك المنفعة، وملك المنفعة لا يكون سبباً لملك الجماع بحال. (1)
القسم الثالث: ما وقع فيه الخلاف لكن الصحيح فيه جواز عقد النكاح به، وهو لفظ البيع والشراء، لأن البيع والشراء يفيد ملك العين وملك المنفعة أيضاً ولوجود القرينة يراد به عقد النكاح.
القسم الرابع: ما وقع فيه خلاف والصحيح عدم جواز العقد به، وهذا ما كان بلفظ الوصية أو الإجارة، لأن الوصية لا تكون إلا بعد الموت والإجارة تكون مؤقتة، وهذا يخالف مقتضى العقد. (2)
هل يصح عقد النكاح بصيغة المضارع أو الاستفهام أو الماضي؟
أما صيغة الماضي يجوز العقد بها ويصح، وأما غير هذه الصيغة فهي محل خلاف على قولين:
الأول: من توسع في ألفاظ النكاح قَالوا: يجوز بكل صيغة.
الثاني: لا يصح بهذه الصيغ لأن عقد النكاح لابد أن يكون حالاً ومنجزا ومباشرا.
وهل يصح العقد بغير العربية؟
إذا كان أطراف النكاح لا يحسنون اللغة العربية، أو لا يعرفون معناها، فإنه يجوز عقد النكاح بلغتهم، أما إذا كانوا يعرفون اللغة العربية فهذا محل خلاف بين العلماء:
(1) انظر: تبيين الحقائق 2/97، والبحر الرائق 3/91
(2)
انظر: بدائع الصنائع 2/230، 231 والشرح الكبير مع الانصاف20/94وفتح القدير 3/195، 196.
1-
من أهل العلم من قَال لا يصح إلا باللغة العربية، لأن العدول عنها إلى غيرها، كالعدول عن الحقيقة إلى غيرها، ولا يصح العدول من الحقيقة إلا بسبب معقول.
2-
ومن العلماء من وسع فيه فقال: يجوز بكل لغة وبكل لفظ يدل على معنى النكاح لأنه أتى بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بلفظ العربية. (1)
والصحيح القول الأول: لأن المسلم مخاطب باللغة العربية.
بيان هل يصح النكاح بعاقد واحد:
الأصل في عقد النكاح أن يكون من طرفين أو من متعاقدين، فهل يصح أن يكون العاقد أحد طرفي العقد فقط دون الآخر.
يتصور العاقد الواحد في النكاح في صور خمسة:
الأولى: إذا كان العاقد ولياً من الطرفين، وهذا مثل الجد.
الثانية: إذا كان وكيلاً من الطرفين، فالنكاح يصح فيه الوكالة من الطرفين الرجل والمرأة.
والدليل على ذلك ما جاء عن عقبة بن عامر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة"، قَال نعم، وقال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلاناً"، فقالت نعم، فزوج أحدهما صاحبه» (2) .
(1) انظر: المغني لابن قدامة 9/461 والشرح الكبير مع الإنصاف 20/98، وروضة الطالبين 7/36، والحاوي 9/162
(2)
رواه أبو داود في كتاب النكاح في باب فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات انظر: سنن أبي داود 2/239 رقم 2117، والحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انظر: 2/182.
الثالثة: أن يكون أصيلاً من جهة وولياً من جهة أخرى، وهذا يتصور في ابن العم إذا زوج بنت عمه من نفسه.
الرابعة: أن يكون أصيلاً من جهة ووكيلاً من جهة أخرى، كما في قصة عبد الرحمن بن عوف أنه قَال لأم حكيم أتجعلين أمرك إلي، قالت نعم، فقال قد تزوجتك. (1)
الخامسة: أن يكون وكيلاً من جهة، وولياً من جهة أخرى إذا وكلت امرأة رجلا ليتزوجها من نفسه. (2)
شروط صيغة عقد النكاح أي الإيجاب والقبول
1-
موافقة القبول للإيجاب في كل من الزوجة والمهر، لو قال الولي: زوجتك ابنتي فاطمة، فقال الزوج: قبلت ابنتك سعاد، فما تم العقد هنا بسبب الاختلاف.
2-
اتحاد مجلس القبول والإيجاب وعدم الفصل بينهما.
3-
سماع كل من الطرفين كلام الآخر، وفهم المراد منه.
4-
عدم رجوع أحدهما عن قوله قبل إتمام الآخر كلامه، أي عدم رجوع الموجب عن إيجابه قبل قبول القابل.
5-
كون الصيغة منجزة، حالة، مباشِرة، غير مضافة إلى زمن مستقبل.
6-
كون الصيغة مؤبدة، غير مؤقتة. (3)
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح باب إذا كان الولي هو الخاطب انظر: البخاري مع الفتح 9/188.
(2)
انظر: مختصر القدوري 2/24 والمبسوط 5/18 وبدائع الصنائع 2/231 والخرشي على مختصر خليل 3/190 ومغني المحتاج 3/136 والأنصاف 8/84
(3)
انظر: بدائع الصنائع 2/232والحاوي 9/163 والمغني 9/463وشرح الزركشي 5/44، 48.
حكم تقدم القبول على الإيجاب
الأصل أن يكون الإيجاب أولاً والقبول ثانياً فإن قدم القبول وأخر الإيجاب فهل يصح العقد؟ قولين لأهل العلم في ذلك:
القول الأول: يرى جواز ذلك ولا مانع من تقدم القبول قياساً على عقد البيع، فيجوز فيه تقديم القبول على الإيجاب.
القول الثاني لا يجوز التقديم، لأننا إذا قدمنا القبول على الإيجاب فقدَ معناه وبه قَال الحنابلة رواية واحدة.
وأجابوا عن القياس إن قياس عقد النكاح على عقد البيع غير صحيح، لأن الإيجاب والقبول في عقد النكاح ركن، وهو ليس بواجب في عقد البيع، فلا يشترط في البيع صيغة الإيجاب والقبول بل يصح بالمعاطاة، ولا يتعين فيه لفظ بل يصح بأي لفظ كان مما يؤدي المعنى. (1)
حكم تراخي (تأخر) القبول عن الإيجاب
إذا تراخى القبول فهو إما أن يكون في المجلس أو في غيره، فإذا كان في المجلس فلا مانع بشرط ألا ينشغلا عنه، وإذا انشغل عنه فلا بد من إعادة الإيجاب.
أما إذا كان في غير المجلس وتراخى، لا مانع من تراخ يسير (وهو ما تعارف عليه الناس) .
حكم عقد الأخرس:
لا يخلو حال الأخرس أن تفهم إشارته أو لا؟ فإن فهمت إشارته تم عقده
(1) انظر: المغني 9/462 والشرح الكبير مع الإنصاف 20/103
كسائر التصرفات الأخرى، أما إذا لم تفهم الإشارة فلا يصح عقده كسائر العقود الأخرى، ولو فهم الطرف الآخر، ولم يفهم الشهود فالعقد أيضاً باطل. (1)
ما حكم عقد الهازل والمازح؟
باتفاق العلماء يصح العقد من الهازل واللاعب والمازح، وذلك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، النكاح والطلاق والعتاق" وفي بعض الروايات: (الرجعة) بدل (العتاق) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. (2)
فلا خلاف بين العلماء أن من جرى لسانه بالأمور الثلاثة المذكورة في الحديث وهو بالغ عاقل، بأن تطبق عليه أحكامه، وذلك لكي لا تتعطل الأحكام.
قال البغوي: اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع، وإذا جرى صريح لفظ الطلاق على لسان العاقل البالغ لا ينفعه أن يقول كنت فيه لاعباً أو هازلاً، لأنه لو قبل ذلك منه لتعطلت الأحكام ولم يشأ مطلق أو ناكح أو معتق أن يقول: كنت في قولي هازلاً فيكون في ذلك إبطالاً لإحكام الله فمن تكلم بشيء مما جاء ذكره في الحديث لزمه حكمه، وخص هذه الثلاث بالذكر لتأكيد أمر الفرج والله أعلم. (3)
(1) انظر: المغني 9/462 وروضة الطالبين 7/36.
(2)
انظر: سنن الترمذي أبواب الطلاق واللعان 2/328 رقم 1195 ورواه أبو داود باب في الطلاق على الهزل من كتاب الطلاق 2/259 رقم 2194.
(3)
شرح السنة 9/220.