الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: أي شيء التواضع يا أبا سعيد؟
قال: يخرج من بيته فلا يلقى مسلمًا إلا ظن أنه خير منه.
ومن التواضع الذلة لله عز وجل وخوف التقصير والزلل ..
كان بكر بن عبد الله إذا رأى شيخًا قال: هذا خير مني، عبد الله قبلي، وإذا رأى شابًا قال: هذا خير مني، ارتكبت من الذنوب أكثر مما ارتكب (1).
قال عبد الله بن مسعود: لو تعلمون ما أعلم من نفسي حثيتم على رأسي التراب.
وعندما قيل للإمام أحمد بن حنبل: ما أكثر الداعين لك! فتغرغرت عينه وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجًا (2).
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الهلاك في شيئين: العجب، والقنوط. وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب والتشمير، والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى.
قال مطرف رحمه الله: لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا، أحب إليَّ من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا.
وأعلم أن
العجب يدعو إلى الكبر
، لأنه أحد أسبابه، فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة، وهذا مع الخلق.
(1) حلية الأولياء 2/ 226.
(2)
الآداب الشرعية 3/ 437.
فأما مع الخالق، فإن العجب بالطاعات نتيجة استعظامها، فكأنه يمن على الله تعالى بفعلها، وينسى نعمته عليه بتوفيقه لها، ويعمى عن آفاتها المفسدة لها. وإنما يتفقد آفات الأعمال من خاف ردها دون من رضيها وأعجب بها.
والعجب إنما يكون بوصف كمال من علم أو عمل، فإن انضاف إلى ذلك أن يرى حقًا له عند الله إدلالاً، فالعجب يحصل باستعظام ما عجب به، والإدلال يوجب توقع الجزاء، مثل أن يتوقع إجابة دعائه وينكر رده (1).
وكان حوشب يبكي ويقول: بلغ اسمي مسجد الجامع.
وعن عطاء بن مسلم أحسبه قال: كنت وأبو إسحاق ذات ليلة عند سفيان وهو مضطجع، فرفع رأسه إلى أبي إسحاق فقال: إياك والشهرة.
قال: وقال أبو مسهر: ما بينك وبين أن تكون من الهالكين إلا أن تكون من المعروفين (2).
وقال عبد الله بن المبارك: كن محبًا للخمول كراهية الشهرة، ولا تظهر من نفسك أنك تحب الخمول فترفع نفسك (3).
أخي المسلم:
قال علي رضي الله عنه: تبدل لا تشهر، ولا ترفع شخصك
(1) مختصر منهاج القاصدين، ص 255.
(2)
التواضع والخمول، ص 13.
(3)
صفة الصفوة 4/ 137.
لتذكر وتعلم، وأكثر الصمت تسلم، تسر الأبرار وتغيظ الفجار.
وقال أيوب: ما صدق الله عبد إلا سره أن لا يشعر بمكانه (1).
وقال سعيد بن عبد الغفار: كنت أنا ومحمد بن يوسف الأصبهاني، فجاء كتاب محمد بن العلاء بن المسيب من البصرة إلى محمد بن يوسف فقرأه، فقال لي محمد بن يوسف: ألا ترى إلى ما كتب به محمد بن العلاء؟ وإذا فيه: يا أخي، من أحب الله أحب أن لا يعرفه الناس (2).
وأثر الخير على الإنسان واضح جلي خاصة إذا كان من معدن زكي كما قال يحيى بن خالد البرمكي: الشريف إذا تنسك تواضع، والسفيه إذا تنسك تعاظم.
وقال يحيى بن معاذ موضحًا المعاملة بالمثل لمن استدرجه الشيطان وأطاح بتواضعه: التكبر على ذي التكبر عليك بما له تواضع.
ويقال: التواضع في الخلق كلهم حسن، وفي الأغنياء أحسن، والتكبر في الخلق كلهم قبيح، وفي الفقراء أقبح.
ويقال: لا عز إلا لمن تذلل لله عز وجل، ولا رفعة إلا لمن تواضع لله عز وجل، ولا أمن إلا لمن خاف الله عز وجل، ولا ربح إلا لمن ابتاع نفسه من الله عز وجل (3).
(1) التواضع والخمول، ص 119.
(2)
التواضع والخمول، ص 119.
(3)
الإحياء 3/ 362.