الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن التواضع من خصال المتقي
…
وبه التقي إلى المعالي يرتقي
ومن العجائب عجب من هو جاهل
…
في حاله أهو السعيد أم الشقي؟
وفي كلمات واضحة لأمثالنا من أهل الذنوب والمعاصي، أصحاب الكسل والغفلة قال ابن المبارك: إذا عرف الرجل قدر نفسه يصير عند نفسه أذل من الكلب (1).
قال سفيان: إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قال الناس (2).
أخي المسلم:
أول ذنب عصى الله به
أبوا الثقلين: الكبر والحرص. فكان الكبر ذنب إبليس اللعين، فآل أمره إلى ما آل إليه. وذنب آدم على نبينا وعليه السلام: كان من الحرص والشهوة، فكان عاقبته التوبة والهداية، وذنب إبليس حمله على الاحتجاج بالقدر والإصرار، وذنب آدم أوجب له إضافته إلى نفسه، والاعتراف به والاستغفار.
فأهل الكبر والإصرار، والاحتجاج بالأقدار: مع شيخهم وقائدهم إلى النار: إبليس.
وأهل الشهوة: المستغفرون التائبون المعترفون بالذنوب، الذين لا يحتجون عليها بالقدر: مع أبيهم آدم في الجنة.
ونعم الله عز وجل التي يغدقها على العباد قد تتحول من نعمة إلى نقمة ومن خير إلى شر إذا صرفت في غير مصرفها الصحيح
(1) حلية الأولياء: 8/ 168.
(2)
الزهد للإمام أحمد، ص 507.
وطريقها الشرعي، قال قتادة: من أعطي مالاً أو جمالاً أو ثيابًا أو علمًا؛ ثم لم يتواضع فيه كان عليه وبالاً يوم القيامة (1).
ولأن مما شاع في هذه الأيام المباهاة بالمآكل والمشارب والملابس والمراكب حتى أصبحت شغل الكثير وأضاعت من الأموال الكثير ..
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البذاذة من الإيمان، البذاذة من الإيمان، البذاذة من الإيمان» (2).
قال عبد الله (ابن أحمد بن حنبل) سألت أبي قلت: ما البذاذة؟ قال: التواضع في اللباس (3).
وأثر التواضع في الدنيا محسوس ملموس.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: التواضع يرفع المرء قدرًا، ويعظم له خطرًا، ويزيده نبلاً (4).
وقد حرصوا على طلب مرضاة الله عز وجل بالتواضع ونفي الكبر والبعد عنه وأخذ النفس على الحق.
قال بكر بن عبد الله (المزني): إذا رأيت من هو أكبر منك فقل: هذا سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني، وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل: سبقته إلى الذنوب والمعاصي فهو خير مني،
(1) التواضع والخمول، ص 142.
(2)
رواه الحاكم وابن ماجه وأبو داود.
(3)
الزهد للإمام أحمد، ص 20.
(4)
روضة العقلاء، ص 60.
وإذا رأيت إخوانك يكرمونك ويعظمونك فقل: هذا فضل أخذوا به، وإذا رأيت منهم تقصيرًا فقل: هذا ذنب أحدثته.
هذا في أمر الآخرة أما في أمر الدنيا وشرفها فكما قال عروة بن الزبير: التواضع أحد مصائد الشرف، وكل ذي نعمة محسود عليها إلا التواضع. لأنها تثمر ثمرة يشرف المرء بها على قومه ومن حوله؛ وذلك طاعة لله عز وجل، وامتثالاًَ لأمره، ومعرفة بنعمته وفضله.
قال بعض الحكماء: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة.
أخي الحبيب: أين نحن من هؤلاء؟
كان الحسن بن علي رضي الله عنهما: يمر بالسؤال وبين أيديهم كسر، فيقولون: هلم إلى الغداء يا ابن رسول الله، فكان ينزل ويجلس على الطريق ويأكل معهم ويركب، ويقول: إن الله لا يحب المستكبرين (1).
وكان عثمان رضي الله عنه يلي وضوء الليل بنفسه، فقيل له: لو أمرت بعض الخدم فكفوك، قال: لا. الليل لهم يستريحون فيه (2).
وعن عمرو بن قيس: أن عليًا رضي الله عنه رئي عليه إزار مرقوع فعوتب في لبوسه، فقال: يقتدي به المؤمن، ويخشع القلب (3).
(1) الإحياء 2/ 262.
(2)
تأريخ الخلفاء، ص 153.
(3)
التواضع والخمول لابن أبي الدنيا ص 165.
قال نوح عليه السلام لابنه سام: يا بني لا تدخلن القبر وفي قلبك مثقال ذرة من الشرك بالله فإنه من يأت الله مشركًا فلا حجة له، ويا بني لا تدخلن القبر وفي قلبك مثقال ذرة من الكبر فإن الكبرياء رداء الله عز وجل فمن ينازع الله رداءه يغضب عليه، ويا بني لا تدخلن القبر وفي قلبك مثقال ذرة من القنط فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا ضال (1).
وللمسرفين والمسرفات والمبذرين والمبذرات في فستان يلبس ليلة واحدة، أو حلي للمباهاة والمفاخرة؛ إليهم نصح الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز لأحب وأقرب الناس إليه.
فقد بلغ عمر بن عبد العزيز أن ابنًا له اشترى خاتمًا بألف درهم، فكتب إليه عمر: بلغني أنك اشتريت فصًا بألف درهم، فإذا أتاك كتابي، فبع الخاتم وأشبع به ألف بطن، واتخذ خاتمًا بدرهمين، واجعل فصه حديدًا حينيًا، واكتب عليه:«رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه» .
ولو فعل البعض مثل ذلك أو قريبًا منه لما مات جائع مسلم في آسيا .. ولما تنصرت أم مسلمة في أفريقيا .. ولما اغتصبت فتاة مسلمة في أوربا .. والله المستعان .. البعض يهنأ بالمراكب والفرش والحرير وإخوانه يموتون جوعًا وهو يرى ويسمع .. ووسائل الإعلام تقيم عليه الحجة ليلاً ونهارًا .. فما عذره أمام الله عز وجل؟ !
(1) كتاب الزهد للإمام أحمد، ص 88.