الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخي الحبيب:
أين نحن من هؤلاء
؟ !
قال علي بن ثابت: ما رأيت سفيان الثوري في صدر المجلس قط، إنما كان يقعد إلى جانب الحائط ويستند إلى الحائط ويجمع بين ركبتيه (1).
وعندما قيل لأبي عبد الله - إمام أهل السنة أحمد بن حنبل: ما أكثر الداعين لك؟ فتغرغرت عينه، وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجًا.
لو قيلت هذه الكلمة لبعض الناس اليوم .. لأطلق ضحكة تجلجل وأتبعها ما قام به من أعمال في سبيل هذا الدين وعد كل شاردة وواردة! وكل ذلك رفعة ومباهاة مع جهل وغفلة.
قال يونس بن عبيد: دخلنا على محمد بن واسع نعوده فقال: وما يغني عني ما يقول الناس، إذا أخذ بيدي ورجلي فألقيت في النار؟ !
وقال يونس: قلت لأبي عبد الله (يعني أحمد بن حنبل) أن بعض المحدثين قال لي: أبو عبد الله لا يزهد في الدراهم وحدها، قد زهد في الناس. فقال أبو عبد الله: ومن أنا حتى أزهد في الناس! الناس يريدون يزهدون فيَّ.
وقال أبو عبد الله: أسأل الله أن يجعلنا خيرًا مما يظنون، ويغفر لنا ما لا يعلمون (2).
(1) صفة الصفوة 3/ 147.
(2)
الورع لأحمد بن حنبل، ص 152.
ومن تواضع أهل الطاعة والعبادة وعدم تزكيتهم أنفسهم ما قاله محمد بن واسع عن نفسه وهو علم من الأعلام وعابد من العباد: لو كان للذنوب ريح ما جلس إلي أحد (1).
وكان أيوب السختياني يقول: إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل (2).
وقال الشافعي: أرفع الناس قدرًا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلاً من لا يرى فضله (3).
ولهذا التواضع وإنزال النفس منزلتها قال أبو حاتم: الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة، لكان الواجب عليه أن لا يتزيَّا بغيره.
ولأثر الكبر السيء وسوء فعله في الأنفس والعقول قال محمد ابن الحسين بن علي: ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك قل أو كثر (4).
أخي الحبيب:
التواضع تواضعان: أحدهما محمود، والآخر مذموم.
فالتواضع المحمود: ترك التطاول على عباد الله، والإزراء بهم.
(1) السير 120/ 6، صفة الصفوة 3/ 268.
(2)
تذكرة الحفاظ 10/ 131.
(3)
السير 10/ 99.
(4)
الإحياء 3/ 358.
والتواضع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه.
فالعاقل يلزم مقارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها (1).
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين في منزلة الخشوع:
ولقد شهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من ذلك أمرًا لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيرًا: ما لي شيء ولا مني شيء ولا في شيء، وكان كثيرًا ما يتمثل بهذا البيت:
أنا المكدي وابن المكدي
…
وهكذا أبي وجدِّي
هذه إجاباتهم وهذا تواضعهم وهم أئمة هذا الدين وعلماء زمانهم، ولهم البلاء والجهاد المعلوم المعروف .. فما يقول من هو دونهم علمًا وعبادة؟ !
وكان إذا أثني عليه رحمه الله في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت وما أسلمت بعد إسلامًا جيدًا.
قال محمد بن زهير: أتيت أبا عبد الله (أحمد بن حنبل) في شيء أسأله عنه فأتاه رجل فسأله عن شيء، أو كلمه في شيء، فقال له: جزاك الله عن الإسلام خيرًا فغضب أبو عبد الله وقال له: من أنا حتى يجزيني عن الإسلام خيرًا، بل جزى الله الإسلام عني خيرًا (2).
(1) روضة العقلاء، ص 59.
(2)
طبقات الحنابلة 1/ 298.