الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بتواضعهم وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالتواضع فقال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1)، وقال:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (2)، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بخلقه فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (3). وكان خلقه التواضع لأنه روي في الخبر أنه كان يركب الحمار، ويجيب دعوة المملوك، فثبت أن التواضع من أحسن الأخلاق، وكان الصالحون من قبل أخلاقهم التواضع، فوجب علينا أن نقتدي بهم رضي الله تعالى عنهم (4).
و
من أنواع الكبر
المهلكة:
أولاً: الكبر على الله عز وجل مثل قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (5) إذ استنكف أن يكون عبدًا لله.
ثانيًا: الكبر على الرسل من حيث تعزز النفس وترفعها على الانقياد لبشر مثل سائر الناس، ولذا لا تطاوعه نفسه للانقياد للحق والتواضع للرسل كما حكى الله قولهم:{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} (6)، وقولهم:{إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} (7).
(1) سورة الحجر، الآية:88.
(2)
سورة الشعراء، الآية:215.
(3)
سورة القلم، الآية:4.
(4)
تنبيه الغافلين، ص 97.
(5)
سورة النازعات، الآية:24.
(6)
سورة المؤمنون، الآية:47.
(7)
سورة إبراهيم، الآية:19.
ثالثًا: التكبر على العباد، وذلك بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره ويزدريهم. ويكون التكبر على العباد بأمور دنيوية منها:
* العلم: وبعض من آتاه الله علمًا دينيًا أو دنيويًا يستعظم نفسه ويستحقر الناس وينظر إليهم نظرة البهائم وأنه ينبغي أن يخدموه، وأن يكرموه وأن يكونوا أذلاء بين يديه .. وهو يفرح بكل ذلك مع كثرة جدله وحبه للمراء والمناظرة والغلبة على الخصوم بحق أو باطل.
* العبادة: بأن يرى أن الناس هالكين ويرى نفسه ناجيًا، ولذا يرى أنه أحق بالزيارة والتوسع له في المجلس وذكر زهده وعلمه وورعه.
* التكبر بالحسب والنسب: فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه علمًا وعملاً، وقد يتكبر بعضهم فيرى أن الناس له أموال وعبيد، وكان من عادات الجاهلية التفاخر بالأحساب والأنساب.
* التفاخر بالجمال: وذلك أكثر ما يجري بين النساء ويدعو إلى التنقص والغيبة والاستهزاء.
* الكبر بالمال: وذلك يجري بين الملوك في خزائنهم ومن التجار في بضائعهم. وتأمل في حال قارون وهو في ماله ثم أين انتهى به الكبر والعياذ بالله: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو
حَظٍّ عَظِيمٍ} (1).
* الكبر بالقوة: وذلك في أهل القوة الجسمية والعسكرية وذلك بالبطش بالضعفاء وإهانتهم وتعذيبهم.
* التكبر بالأتباع والأنصار والتلامذة والعشيرة والأقارب والبنين.
قال أبو سليمان: لا يتواضع العبد حتى يعرف نفسه.
وقال أبو يزيد: ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر، فقيل له: فمتى يكون متواضعًا؟ قال: إذا لم ير لنفسه مقامًا ولا حالاً. وتواضع كل إنسان على قدر معرفته بربه عز وجل ومعرفته بنفسه.
قال وهب بن منبه: آية المنافق أنه يكره الذم ويحب الحمد (2).
ولقد كثر ذلك في زماننا والله المستعان، فأصبح البعض يحب المدح والثناء ويسر به ويكرم من يقوم له بذلك ويغدق عليه الأموال، وبعض المدراء والرؤساء يقرب المداحين المنافقين ويبعد الناصحين المحبين! ! والمسلم إن مدح بحق فهو لا يؤجر على هذا المدح .. فما بالك بمن يمدح بباطل ويحرص على أن تجمع له الكلمات وتصف له الحروف؟ !
قال أبو سليمان: لو اجتمع الخلق على أن يضعوني كاتضاعي
(1) سورة القصص، الآية:79.
(2)
الزهد للإمام أحمد، ص 517.
عند نفسي ما قدروا عليه.
وقال عروة بن الورد: التواضع أحد مصائد الشرف. وكل نعمة محسود عليها صاحبها إلا التواضع (1).
ولا شك أن من علامة التواضع أن يكره المرء أن يذكر بالبر والتقوى والصلاح والتقى بين الناس.
هذا إما أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله عندما ذكر عنده أخلاق الورعين فقال: أسأل الله أن لا يمقتنا، أين نحن من هؤلاء؟ (2)
وهذا علم آخر من أعلام السلف لا يرى لنفسه حقًا على غيره مع علمه وورعه وطاعته وعبادته! !
قال أحمد بن عبد الله العجلي: آجر سفيان نفسه من جمال إلى مكة، فأمروه أن يعمل خبزة، فلم تجئ جيدة، فضربه الجمال، فلما قدموا مكة، دخل الجمال فإذا سفيان قد اجتمع حوله الناس، فسأل، فقالوا: هذا سفيان الثوري، فلما انفض عنه الناس تقدم الجمال إليه وقال: لم نعرفك يا أبا عبد الله، قال: من يفسد طعام الناس يصبه أكثر من ذلك (3).
(1) الإحياء 3/ 362.
(2)
السير 11/ 226.
(3)
السير 7/ 275.
أخي المسلم:
تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة
…
فإن رفيع القوم من يتواضع
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أفضل الناس من تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرة، وأنصف عن قوة، ولا يترك المرء التواضع إلا عند استحكام التكبر، فلا يتكبر على الناس أحد إلا بإعجابه بنفسه، وعجب المرء بنفسه أحد حماد عقله، وما رأيت أحدًا تكبر على من دونه إلا ابتلاه الله بالذلة لمن فوقه (1).
وتأمل أخي الحبيب في صورة التواضع العجيبة من خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقد ضربا أروع الأمثلة على جلالة قدرهما وعظم منزلتهما:
قال علماء السير: كان أبو بكر رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا منائح دارنا، فسمعها فقال: بل أحلبها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه، عن خلق كنت فيه، فكان يحلب لهم (2).
وهذا ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب لنا مثلاً في التواضع، قال طلحة بن عبيد الله: خرج عمر ليلة في سواد الليل فدخل بيتًا، فلما أصبحت ذهبت إلى ذلك البيت،
(1) روضة العقلاء، ص 62.
(2)
صفة الصفوة 1/ 258.
فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقلت لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ فقالت: إنه يتعاهدني مدة كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقلت في نفسي: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع (1).
ومن خصال المتكبرين التي نراها ونشاهدها:
- جر الثياب بطرًا ورياء، والتفاخر بها والتعالي على الناس بكل ملبوس غالي الثمن.
- أن لا يمشي إلا ومعه أحد يمشي خلفه.
- أن لا يزور أحدًا تكبرًا على الناس.
- أن يستنكف من جلوس أحد إلى جانبه أو مشيه معه.
- أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته.
- أن لا يحمل متاعه من سوقه إلى بيته.
- ذكر ما لديه من الأموال والدور والقصور تكبرًا ومباهاة.
وجماع ذلك كله أن يرى أنه فوق الناس وهم دونه سواء في أمر معين كالعلم أو المال أو الجمال أو الحسب والنسب أو بها جميعًا.
ومن تأمل في تلك علم أنها ربما تزول في لحظات؛ فالعلم إلى زوال، والمال إلى نهاية، والجمال إلى شيخوخة أو قبل ذلك بطارق من طوارق الزمن .. ولنا في ما ذكره الله عز وجل عن صاحب المال
(1) البداية والنهاية 7/ 139.
أخي الحبيب:
لا تفخرن بما أوتيت من نعم
…
على سواك وخف من كسر جبار
فأنت في الأصل بالفخار مشتبه
…
ما أسرع الكسر في الدنيا لفخار (2)
قال علي بن ثابت: لو لقيت سفيان الثوري في طريق مكة ومعك فلسان تريد أن تتصدق بهما وأنت لا تعرف سفيان ظننت
(1) سورة الكهف، الآيات: 32 - 42.
(2)
شذرات الذهب 6/ 248.
أنك ستضعها في يده. وما رأيت سفيان في صدر المجلس قط، إنما كان يقعد إلى جانب الحائط ويستند إلى الحائط ويجمع بين ركبتيه.
إذا شئت أن تزداد قدرًا ورفعة
…
فلن وتواضع واترك الكبر والعجبا (1)
قال سعيد بن عامر: قيل إن يونس بن عبيد قال: إني لأعد مائة خصلة من خصال البر ما في خصلة واحدة (2).
وتأمل في المجالس إلى من يزكون أنفسهم ويمجدون أفعالهم حبًا في الثناء وطمعًا في الشهرة .. وقد كثر هذا في الناس لقلة العلم الشرعي وضعف التقوى ومحبة الدنيا.
قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: إن الرجل إذا أخذ يمدح نفسه ذهب بهاؤه (3).
وقال الفضيل: إن استطعت أن لا تكون محدثًا ولا قارئًا ولا متكلمًا. إن كنت بليغًا، قالوا: ما أبلغه، وأحسن حديثه، وأحسن صوته، ليعجبك ذلك فتنتفخ، وإن لم تكن بليغًا ولا حسن الصوت، قالوا: ليس يحسن يحدث، وليس صوته بحسن، أحزنك ذلك وشق عليك فتكون مرائيًا، وإذا جلست فتكلمت فلم تبال من ذمك ومن مدحك، فتكلم (4).
قال شعبة: ربما ذهبت مع أيوب (السختياني) لحاجة، فلا
(1) التواضع والخمول، ص 12.
(2)
السير 6/ 291.
(3)
السير 8/ 109.
(4)
السير 8/ 109.