الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الثّالث في رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام]
الفصل الثّالث في رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما:
…
(الفصل الثّالث) ؛ من الباب الثّامن (في) ما جاء في (رؤيته صلى الله عليه وسلم الرؤية- التي بالتاء- تشمل رؤية البصر في اليقظة، ورؤية القلب في المنام، ولهذا احتاج المصنّف إلى تقييدها بقوله (في المنام) .
و [الرؤيا] الّتي بالألف خاصّة برؤية القلب في المنام، وقد تستعمل في رؤية البصر أيضا، قال المازري: مذهب أهل السّنّة: أنّ حقيقة الرّؤيا خلق الله تعالى في قلب النّائم اعتقادات كخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء؛ لا يمنعه نوم ولا يقظة، وخلق هذه الاعتقادات في النائم علم على أمور أخر يلحقها في ثاني الحال؛ كالغيم علما على المطر. انتهى؛ ذكره في «جمع الوسائل» .
وإنّما أورد المصنّف باب الرؤية في المنام آخر الكتاب بعد بيان صفاته الظاهرة وأخلاقه المعنوية!! إشارة إلى أنّه ينبغي أوّلا ملاحظة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوصافه الشريفة وأخلاقه المنيفة ليسهل تطبيقه الرؤية بعد في المنام عليها، والإشعار بأنّ الاطلاع على طلائع صفاته الصّوريّة، وعلى بدائع نعوته السّريّة بمنزلة رؤيته البهية. انتهى «باجوري» .
(عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما) كذا في النّسخ الّتي بأيدينا، وهو كذلك في نسخة «الشّمائل» التي كتب عليها المناوي، وكذلك في المطبوعة مع «حاشية الباجوري» ، لكن في نسخة «الشمائل» التي كتب عليها الشرّاح الثلاثة:
ملا علي قاري، وجسّوس المغربي، والباجوري في «حاشيته» ؛ «عن عبد الله»
عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من رآني في المنام.. فقد رآني، فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي» .
فقط، وفسّره هؤلاء الثلاثة ب «ابن مسعود» ، قالوا- كما في نسخة-: وذلك يوافق ما في «سنن ابن ماجه» ، والترمذي في «الجامع» بسند «الشّمائل» وقال:
حديث حسن صحيح، فإنّ ابن ماجه رواه من طريق وكيع عن سفيان، والتّرمذيّ رواه في «الجامع» و «الشمائل» ؛ من طريق عبد الرّحمن بن مهدي، عن سفيان؛ عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص؛ عن عبد الله رضي الله تعالى عنه.
(عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من رآني في المنام) ؛ أي: في حال النّوم، (فقد رآني)، أي: فليبشّر بأنّه رآني حقيقة، أي: رأى حقيقتي كما هي؛ لا شبهة ولا ريب فيما رآه، فلم يتّحد الشّرط والجزاء. أو هو في معنى الإخبار؛ أي: من رآني فأخبره بأنّ رؤيته حقّ ليست بأضغاث أحلام، ولا من تمثيل الشّيطان، بل هي من قبل الله تعالى.
ثمّ أردف ذلك بما هو تتميم للمعنى وتعليل للحكم؛ فقال: (فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي» ) . وفي رواية لمسلم: «فإنّ الشّيطان لا ينبغي له أن يتشبّه بي» .
وفي أخرى له: «لا ينبغي أن يتمثّل في صورتي» .
وفي رواية لغير مسلم: «لا يتكوّنني» أي: لا يستطيع ذلك لئلّا يتذرّع بالكذب على لسانه في النّوم؛ كما استحال تصوّره بصورته يقظة؛ إذ لو وقع اشتبه الحقّ بالباطل؛ ومنه أخذ أنّ جميع الأنبياء كذلك.
وظاهر الحديث أنّ رؤياه صحيحة؛ وإن كانت على غير صفته المعروفة، وبه صرّح النّوويّ، مضعّفا لتقييد الحكيم التّرمذيّ وعياض وغيرهما؛ بما إذا رآه على صورته المعروفة في حياته، وتبعه عليه بعض المحقّقين.
قال المناوي- على «الشمائل» ؛ في شرح قول المصنّف «فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي» -: أي: لا يستطيع ذلك، سواء رآه الرائي على صفته المعروفة؛ أو
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
…
غيرها، على المنقول المقبول عند أهل العقول، لأنّه سبحانه وتعالى جعله رحمة للعالمين؛ هاديا للضّالّين؛ محفوظا من وسواس الشّياطين.
وإذا تنوّر العالم بنور وجوده، ورجمت الشّياطين لميلاده، وهدمت بنيان الكهنة لظهوره؛ فكيف يتصوّر أن يتمثّل الشّيطان بصورته!! ولو قدر أن يتمثّل بصورته لتمثّل في الخارج كذلك، فرؤياه حقّ على أيّ صورة كانت.
ثمّ إن كانت بصورته الحقيقة في وقت مّا، سواء كان في شبابه؛ أو رجوليّته؛ أو كهوليّته؛ أو أواخر عمره، لم تحتج لتأويل، وإلّا احتيجت لتعبير متعلق بالرّائي. ومن ثمّ قيل: من رآه شيخا، فهو في غاية سلم، أو شابا؛ فهو في غاية حرب، أو متبسما؛ فهو متمسك بسنّته، أو على حالته وهيئته؛ فهو دليل على صلاح حال الرّائي وكمال وجاهته وظفره. وعكسه؛ لأنّه كالمرآة الصّقيلة ينطبع فيها ما يقابلها، وإن كان ذاتها على أحسن حال.
وبه علم صحّة رؤية جمع له؛ في آن واحد؛ في أقطار متباعدة؛ بأوصاف متخالفة. وكما أنّ الشّمس يراها كلّ إنسان في الشّرق والغرب في ساعة واحدة وبصفات مختلفة؛ فكذلك هو صلى الله عليه وسلم.
وحكي عن البارزيّ واليافعيّ والجيليّ والشّاذليّ والمرسيّ وعلي وفاء والقطب القسطلّانيّ وغيرهم أنّهم رأوه يقظة. قال ابن أبي جمرة: ومنكر ذلك!! إن كان ممّن يكذّب بكرامات الأولياء؛ فلا كلام معه، وإلّا! فهذه منها؛ إذ يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالم العلويّ والسفليّ. انتهى.
وسبقه لنحوه حجّة الإسلام؛ فقال في كتاب «المنقذ» : وهم- يعني: أرباب القلوب- في يقظتهم، يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتا، ويقتبسون منهم فوائد. انتهى كلام المناوي رحمه الله تعالى.
(و) أخرج التّرمذيّ في «الشّمائل» ؛ (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام..
فقد رآني، فإنّ الشّيطان لا يتصوّر- أو قال لا يتشبّه- بي» .
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام) - بصفتي الّتي أنا عليها، أو بغيرها؛ على ما تقدّم- (فقد رآني) - أي: رأى حقيقتي على كمالها- (فإنّ الشّيطان لا يتصوّر) بي، لا مناما ولا يقظة؛ حفاظا للشّريعة المعلومة بالكتاب والسّنّة.
ثمّ إن رآه الرّائي على صورته كان الرّائي كاملا، وإلّا! فهو ناقص، فتكون الرّؤية حينئذ تنبيها له ليتوب، فمن رآه ميتا دلّ على موت الشّريعة في الرّائي، فإن كان مستقيما! دلّ على موت الشّريعة في ذلك المكان.
(أو قال) - شكّ من الرّاوي- (: «لا يتشبّه بي» )، التصوّر: قريب من التّمثّل، وكذا التشبّه.
قال بعض شرّاح «المصابيح» : ومثله في ذلك جميع الأنبياء والملائكة.
انتهى.
وما ذكره احتمالا جزم به البغويّ في «شرح السّنّة» ؛ قال: وكذلك حكم القمرين، والنّجوم، والسّحاب الذي ينزل منه الغيث: لا يتمثّل الشّيطان بشيء منها.
لكن ذكر المحقّقون أنّه خاصّ به صلى الله عليه وسلم؛ ذكره العزيزي على «الجامع الصغير» وغيره.
والحديث رواه البخاريّ، ومسلم، وأبو داود؛ من حديث أبي هريرة بلفظ:
«من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثّل الشّيطان بي» . ورواه الطّبراني؛ وزاد: «ولا بالكعبة» . وقال: لا تحفظ هذه اللّفظة إلّا في هذا الحديث.
ولمسلم؛ من حديث جابر: «من رآني في المنام فقد رآني، فإنّه
.........
لا ينبغي للشّيطان أن يتمثّل في صورتي» . وفي رواية: «فإنّه لا ينبغي للشّيطان أن يتشبّه بي» .
وفي حديث أبي سعيد الخدريّ؛ عند البخاري: سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «من رآني فقد رأى الحقّ، فإنّ الشّيطان لا يتكوّنني» ، أي: لا يتكوّن كوني، أي:
لا يتصور تصوّرا كصورتي، فحذف المضاف ووصل المضاف إليه بالفعل.
وفي حديث أبي قتادة؛ عند «البخاري ومسلم» بلفظ: «من رآني فقد رأى الحقّ، فإنّ الشّيطان لا يتراءى بي» - بالرّاء-؛ بوزن: يتعاطى، ومعناه لا يستطيع أن يتمثّل بي، ووقع عند الإسماعيلي؛ في «مستخرجه» :«من رآني في المنام فقد رآني في اليقظة، فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي» . ومثله عند ابن ماجه، وصحّحه التّرمذيّ؛ من حديث ابن مسعود المتقدّم.
والحاصل: أنّ هذا الحديث متواتر، وقد ذكره السّيوطيّ في «الأزهار المتناثرة» وقال: أخرجه الشّيخان؛ عن أنس، وأبي سعيد، وأبي قتادة، وأبي هريرة.
ومسلم، عن جابر. والتّرمذيّ؛ عن ابن مسعود.
وابن ماجه؛ عن ابن عباس، وأبي جحيفة.
وأحمد؛ عن أبي قتادة، وأبي مالك الأشجعيّ.
والطّبرانيّ؛ عن أبي سعيد، وابن عمرو، وأبي بكرة، ومالك بن عبد الله الخثعميّ.
والبخاريّ في «التّاريخ» ؛ عن طارق بن أمية الأشجعيّ. انتهى.
فائدة: سئل شيخ الإسلام؛ زكريّا الأنصاريّ رحمه الله تعالى: عن رجل زعم أنّه رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول له: «مر أمّتي بصيام ثلاثة أيّام، وأن يعيّدوا بعدها، ويخطبوا» ، فهل يجب الصّوم، أو يندب، أو يجوز، أو يحرم؟!
.........
وهل يكره أن يقول أحد للنّاس: أمركم النّبيّ عليه الصلاة والسلام، بصيام أيام لأنّه كذب عليه، ومستنده الرّؤيا الّتي سمعها من غير رائيها، أو منه.
وهل يمتنع أن يتسمّى إبليس باسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ويقول للنّائم: إنّه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ويأمره بطاعته، ليتوصّل بذلك إلى معصيته؛ كما يمتنع عليه التّشكّل في صورته الشّريفة أم لا!! [وبم] تتميّز الرؤية له صلى الله عليه وسلم الصادقة من الكاذبة، وهل يثبت شيء من أحكام الشّرع بالرؤية في النّوم؟ وهل المرئيّ ذاته صلى الله عليه وسلم، أو روحه، أو مثل ذلك.
أجاب- رحمه الله تعالى- بقوله: لا يجب على أحد الصّوم؛ ولا غيره من الأحكام بما ذكر، ولا مندوب. بل قد يكره؛ أو يحرم، لكن إن غلب على الظّنّ صدق الرّؤيا فله العمل بما دلّت عليه؛ ما لم يكن فيه تغيير حكم شرعيّ. ولا يثبت بها شيء من الأحكام؛ لعدم ضبط الرّائي، لا للشّكّ في الرّؤيا.
ويحرم على الشّخص أن يقول: أمركم النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكذا؛ فيما ذكر، بل يأتي بما يدلّ على مستنده من الرّؤيا، إذ لا يمتنع عقلا أن يتسمّى إبليس باسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليقول للنّائم: إنّه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ويأمره بالطّاعة؛ والرّؤيا الصّادقة هي الخالصة من الأضغاث.
والأضغاث أنواع:
الأوّل: تلاعب الشّيطان ليحزن الرّائي؛ كأن يرى أنّه قطع رأسه.
الثّاني: أن يرى أنّ بعض الأنبياء يأمره بمحرّم؛ أو محال.
الثّالث: ما تتحدّث به النّفس في اليقظة تمنّيا؛ فيراه كما هو في المنام.
ورؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك لذاته؛ ورؤيته بغير صفته إدراك لمثاله، فالأولى: لا تحتاج إلى تعبير، والثّانية: تحتاج إليه.
ويحمل على هذا قول النّوويّ «الصّحيح أنّه يراه حقيقة؛ سواء كانت صفته المعروفة أو غيرها» . وللعلماء في ذلك كلام كثير ليس هذا محلّ ذكره، وفيما
وعن يزيد الفارسيّ- وكان يكتب المصاحف- قال: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام زمن ابن عبّاس، فقلت لابن عبّاس:
إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّوم، فقال ابن عبّاس:
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنّ الشّيطان لا يستطيع أن يتشبّه بي، فمن رآني في النّوم.. فقد رآني» ،
…
ذكرته كفاية. انتهى بنصّه؛ ذكره المناوي؛ في «كبيره» .
(و) أخرج التّرمذيّ في «الشّمائل» ؛ من حديث عوف بن أبي جميلة؛
(عن يزيد الفارسيّ) ابن هرمز المدنيّ الليثيّ، «مولاهم؛ ومولى ابن عثمان أو غيره» ، تابعيّ، خرّج له مسلم؛ وأبو داود؛ والنّسائيّ.
وقال الذّهبيّ: كان رأس الموالي يوم الحرّة. وهو والد عبد الله الفقيه، بقي إلى سنة مائة؛ قاله المناوي رحمه الله تعالى.
لكن قال في «جمع الوسائل» : الصّحيح أنّه غيره، فإنّ يزيد بن هرمز مدنيّ من أوساط التّابعين؛ ويزيد الفارسيّ بصريّ مقبول، من صغار التّابعين- كما يعلم من «التقريب» و «تهذيب الكمال» -. انتهى.
(وكان يكتب المصاحف) فيه إشارة إلى بركة عمله، ولذلك رأى هذه الرّؤيا العظيمة، لأنّ رؤياه صلى الله عليه وسلم في صورة حسنة تدلّ على حسن دين الرّائي، بخلاف رؤيته في صورة شين أو نقص في بعض البدن، فإنّها تدلّ على خلل في دين الرّائي، فبها يعرف حال الرّائي، فلذلك لا يختصّ برؤيته صلى الله عليه وسلم الصّالحون.
(قال) ؛ أي: يزيد (: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام زمن ابن عبّاس) ؛ أي: في زمن وجوده، أي: في حياته؛ (فقلت لابن عبّاس:
إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّوم!!
فقال ابن عبّاس: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنّ الشّيطان لا يستطيع أن يتشبّه بي، فمن رآني في النّوم فقد رآني» ) ؛ أي: فليبشّر بأنّه رآني حقيقة، أي:
هل تستطيع أن تنعت هذا الرّجل الّذي رأيته في النّوم؟
قال: نعم، أنعت لك رجلا بين الرّجلين؛ جسمه ولحمه أسمر إلى البياض، أكحل العينين، حسن الضّحك، جميل دوائر الوجه، قد ملأت لحيته ما بين هذه إلى هذه؛
…
رأى حقيقتي كما هي، فلم يتّخذ الشّرط والجزاء، أو هو في معنى الإخبار؛ أي:
من رآني فأخبره بأنّ رؤياه حقّ، لا أضغاث أحلام وتخيّل شيطان.
(هل تستطيع أن تنعت هذا الرّجل الّذي رأيته في النّوم) ؛ أي: تصفه بما فيه من حسن، فالنّعت وصف الشّيء بما فيه من حسن، ولا يقال في القبيح إلّا بتجوّز، والوصف يقال في الحسن والقبيح؛ كما في «النهاية» .
(قال) أي: الرائي؛ وهو يزيد الفارسي (: نعم؛ أنعت لك رجلا) بالنّصب على أنّه مفعول «أنعت» - (بين الرّجلين) ؛ في القصر والطّول، لا بائن ولا قصير، كما سبق، وقوله «بين رجلين» خبر مقدّم، وقوله (جسمه ولحمه) مبتدأ مؤخّر، أو هو فاعل بالظرف، والجملة صفة ل «رجلا» ، يريد أنّه متوسط في القصر والطّول والسّمن ومقابله.
(أسمر) ؛ أي: أحمر مائل (إلى البياض) ؛ لأنّه كان أبيض مشربا بحمرة كما تقدّم-، فالسّمرة تطلق على الحمرة، وقوله «أسمر» بالرفع: على أنّه خبر مبتدأ مقدّر، وبالنّصب: على أنّه نعت ل «رجلا» ، أو خبر ل «كان» مقدّرة؛ ومثله قوله:
(أكحل) ؛ من الكحل وهو سواد (العينين) خلقة، (حسن الضّحك) ؛ لأنّه كان يتبسّم في غالب أحواله، (جميل دوائر الوجه) ؛ أي: حسن أطراف الوجه، فالمراد بالدّوائر: الأطراف، فلذلك صحّ الجمع، وإلّا! فالوجه له دائرة واحدة؛ (قد ملأت لحيته ما بين هذه) الأذن (إلى هذه) الأذن الآخرى، وكان الأظهر في التعبير أن يقول «ما بين هذه وهذه» لأنّ «ما بين» لا تضاف إلّا إلى متعدّد. أو
قد ملأت نحره.
فقال ابن عبّاس: لو رأيته في اليقظة.. ما استطعت أن تنعته فوق هذا.
وعن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني- يعني في النّوم- فقد رأى الحقّ» .
يقول «من هذه إلى هذه» لأن «من» الابتدائيّة تقابل ب «إلى» الانتهائيّة.
وأشار بذلك إلى أنّ لحيته الكريمة عريضة عظيمة؛ (قد ملأت نحره) أي:
كانت مسترسلة إلى صدره، كثّة، وهو إشارة إلى طولها.
(فقال ابن عبّاس) ليزيد الرّائي- لما أخبره بنعت من رآه في النّوم- (: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا) أي: فما رأيته في النّوم موافق لما عليه الواقع.
(و) أخرج الإمام أحمد، والبخاريّ في «التعبير» ، ومسلم، والتّرمذيّ في «الشّمائل» ؛
(عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي، أو عمرو، أو النّعمان الأنصاريّ.
شهد أحدا وما بعدها- وتقدمت ترجمته- (رضي الله تعالى عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني- يعني في النّوم-) : تفسير مدرج من بعض الرواة (فقد رأى الحقّ» .) أي: رؤيته حقّ، أي: رأى الرّؤيا الصّادقة الصّحيحة، وهي الّتي يريها الملك الموكّل بضرب أمثال الرّؤيا بطريق الحكمة لبشارة أو نذارة أو معاتبة، ليكون على بصيرة من أمره.
وأبعد بعضهم فقال: يمكن أن يراد بالحقّ هو الله مبالغة؛ تنبيها على أنّ من رآه على وجه المحبّة والاتّباع كأنّه رأى الله تعالى كقوله: «من أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أطاعني فقد أطاع الله» . انتهى.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام.. فقد رآني، فإنّ الشّيطان لا يتخيّل بي» .
وردّ بأنّه يأباه قوله «فإنّ الشّيطان لا يتزيّا بي» - بالزّاي المعجمة- أي: لا يظهر في زيّي؛ أي: لا يستطيع ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى؛ وإن مكّنه من التصوّر في أيّ صورة أراد؛ فإنّه لا يمكّنه من التّصوّر في صورة النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
(و) أخرج الإمام أحمد، والبخاريّ، والتّرمذيّ في «الجامع» و «الشّمائل» :
(عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام) أي: في حال النّوم- (فقد رآني) حقيقة؛ أي: رأى حقيقتي كما هي، (فإنّ الشّيطان لا يتخيّل بي» ) . أي: لا يمكنه أن يظهر لأحد بصورتي، فمعنى التخيّل يقرب من معنى التصوّر.
فإن قيل: كيف يكون ذلك وهو في المدينة المنوّرة؛ والرائي في المشرق أو المغرب مثلا!؟
أجيب: بأنّ الرّؤية أمر يخلقه الله تعالى، ولا يشترط فيها عقلا مواجهة؛ ولا مقابلة؛ ولا خروج شعاع؛ ولا غيره. ولذا جاز أن يرى أعمى الصّين بقّة أندلس!!.
فإن قلت: كثيرا يرى على خلاف صورته المعروفة، ويراه شخصان في حالة واحدة في مكانين؛ والجسم الواحد لا يكون إلّا في مكان واحد؟!
أجيب: بأنّه يعتبر في صفاته؛ لا في ذاته، فتكون ذاته عليه الصلاة والسلام مرئيّة وصفاته متخيّلة غير مرئيّة، فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار، ولا قرب المسافة، فلا يكون المرئيّ مدفونا في الأرض ولا ظاهرا عليها، وإنّما يشترط كونه موجودا، ولو رآه يأمر بقتل من يحرم قتله!! كان هذا من صفاته المتخيّلة؛ لا المرئيّة. كذا قاله القسطلّاني في «شرح البخاري» .
قال: «ورؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزآ من النّبوّة» .
(قال:) ؛ أي: أنس- على ما هو ظاهر صنيع المصنّف- وإلّا لقال «وقال» ! لكنّه موقوف في حكم المرفوع! ولا يبعد أن يكون الضّمير له صلى الله عليه وسلم، بل هو الأقرب، لأنّ الأشهر أنّ هذا مرفوع في البخاري وغيره.
( «ورؤيا) - مصدر؛ كالرّجعى- (المؤمن) والمؤمنة الصالحين، والمراد غالب رؤياهما، وإلّا! فقد تكون رؤياهما أضغاث أحلام؛ أي: أخلاط أحلام فلا يصحّ تأويلها لاختلاطها؛ (جزء من ستّة وأربعين جزآ من النّبوّة» ) .
وجه ذلك- على ما قيل-: أنّ زمن الوحي ثلاثة وعشرون سنة، وأوّل ما ابتدئ به صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة، وكان زمنها ستّة أشهر، ونسبة ذلك إلى سائر المدّة المذكورة جزء من ستة وأربعين جزآ، ولا حرج على أحد في الأخذ بظاهر ذلك.
لكن لم يرد أثر أنّ زمن الرؤيا ستّة أشهر!! مع كون هذا التوجيه لا يظهر في بقية الرّوايات غير هذه الرّواية؟! فإنّ [هـ] ورد في رواية: «من خمس وأربعين» ، وفي رواية «من أربعين» ، وفي رواية «من خمسين»
…
إلى غير ذلك، واختلاف الرّوايات يدلّ على أنّ المراد التكثير؛ لا التحديد.
ولا يبعد أن يحمل اختلاف الأعداد المذكورة على اختلاف أحوال الرّائي في مراتب الصّلاح، وأظهر ما قيل في معنى كون الرؤيا جزآ من أجزاء النّبوّة: أنّها جزء من أجزاء علم النّبوّة، لأنّها يعلم بها بعض الغيوب، ويطلع بها على بعض المغيّبات، ولا شكّ أنّ علم المغيّبات من علم النّبوّة، ولذلك قال الإمام مالك رضي الله عنه لما سئل: أيعبّر الرّؤيا كلّ أحد؟ قال: أبالنّبوّة يلعب!! ثمّ قال:
الرّؤيا جزء من النّبوّة. وليس المراد أنّها نبوّة باقية حقيقة.
ويؤيّد ذلك الحديث الّذي رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: «لم يبق من النّبوّة إلّا المبشّرات» ، قالوا: وما المبشّرات؟ قال: «الرّؤيا الصّالحة؛ يراها
وقوله [صلى الله عليه وسلم] : (من رآني في المنام فقد رآني) قال الباجوريّ: أي: من رآني في حال النّوم.. فقد رآني حقّا، أو.. فكأنّما رآني في اليقظة.
فهو على التّشبيه والتّمثيل؛ وليس المراد رؤية جسمه الشّريف وشخصه المنيف، بل مثاله على التّحقيق.
الرّجل المسلم، أو ترى له» . أخرجه البخاريّ.
والتعبير بالمبشّرات للغائب، وإلّا! فقد تكون من المنذرات. وبالجملة: فلا ينبغي أن يتكلّم في تعبير الرّؤيا بغير علم، لما علمت من أنّها جزء من أجزاء النّبوّة.
(وقوله) في الحديث: ( «من رآني في المنام فقد رآني» !! قال:) شيخ الإسلام إبراهيم (الباجوريّ) - رحمه الله تعالى؛ في «حاشية الشّمائل» -:
(أي: من رآني في حال النّوم) بأيّ صفة كانت؛ (فقد رآني حقّا) ؛ أي: رأى حقيقتي على كمالها؛ لا شبهة ولا ريب فيما رأى، (أو فكأنّما رآني في اليقظة، فهو على التّشبيه والتّمثيل) ، لأنّ ما رآه في النّوم مثاليّ، وما يرى في عالم الحسّ حسّيّ، فهو تشبيه خياليّ بحسيّ.
(و) قال الغزاليّ: (ليس المراد) بقوله: «فقد رآني» (رؤية جسمه الشّريف وشخصه المنيف، بل) رؤية (مثاله) الّذي صار آلة يتأدّى بها المعنى الذي في نفس الأمر إليه، وكذلك قوله:«فسيراني في اليقظة» !! ليس المراد أنّه يرى جسمي وبدني؛ بل المثال.
قال: والآلة تارة تكون حقيقيّة، وتارة تكون خيالية، والنّفس غير المثال المتخيّل، فما رآه من الشّكل ليس هو روح المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ ولا شخصه، بل مثال له (على التّحقيق) .
قال: ومثل ذلك من يرى الله تعالى في المنام، فإنّ ذاته تعالى منزّهة عن الشّكل والصّورة، ولكن تعريفاته تعالى إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور؛ أو
وقوله [صلى الله عليه وسلم] : (فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي) أي: لا يستطيع ذلك؛ لأنّه سبحانه وتعالى جعله صلى الله عليه وسلم محفوظا من الشّيطان في الخارج، فكذلك في المنام،
…
غيره، ويكون ذلك المثال آلة حقّا في كونه واسطة في التعريف، فيقول الرّائي «رأيت الله عز وجل في المنام» لا يعني أنّي رأيت ذات الله؛ كما يقول في حقّ غيره.
وقال الغزاليّ أيضا؛ في بعض فتاويه: من رأى الرّسول صلى الله عليه وسلم يعني: في المنام لم ير حقيقة شخصه المودع روضة المدينة المنوّرة، وإنّما رأى مثاله؛ لا شخصه.
ثمّ قال: وذلك المثال مثال روحه المقدّسة عن الصّورة والشّكل. انتهى.
(وقوله: «فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي» ) ؛ أي: لا يحصل للشّيطان مثال صورتي، ولا يتشبّه بي، (أي: لا يستطيع ذلك، لأنّه سبحانه وتعالى جعله صلى الله عليه وسلم محفوظا من الشّيطان في الخارج) ؛ أي: في حال اليقظة، (فكذلك في المنام) ؛ أي: فكما منعه الله أن يتصوّر بصورته في اليقظة منعه ذلك في النّوم؛ لئلّا يشتبه الحقّ بالباطل.
وأورد الشّيخ أكمل الدّين «1» في «شرح المشارق» : إنّ عظمة الله تعالى أتمّ من عظمة كلّ عظيم، مع أنّ إبليس تراءى لكثير وخاطبهم بأنّه الحقّ ليضلّهم، فضلّ جمع حتّى ظنّوا أنّهم رأوا الحقّ وسمعوا خطابه.
وأجاب: بأنّ كلّ عاقل يعلم بأنّ الحقّ لا صورة له معيّنة توجب الاشتباه، بخلاف النّبيّ فصورته معيّنة معلومة؛ وبأنّ مقتضى حكمة الحقّ أنّه يضلّ من يشاء، ويهدي من يشاء، بخلاف النّبيّ؛ فإنّه متّصف بالهداية ظاهر بصورتها، ورسالته
(1) البابرتي الحنفي.
سواء رآه على صفته المعروفة أو غيرها على المنقول المقبول عند ذوي العقول، وإنّما ذلك يختلف باختلاف حال الرّائي، كالمرآة الصّقيلة ينطبع فيها ما يقابلها؛
…
إنّما هي لذلك؛ لا للإضلال، فلا يكون منه إضلال لأحد البتة، فوجب عصمة صورته من أن يظهر بها شيطان.
وقال القاضي عياض: لم يختلف العلماء في جواز صحّة رؤية الله تعالى في النّوم، وإن رؤي على صفة لا تليق بحاله من صفات الأجسام؛ لتحقّق أنّ المرئيّ غير ذات الله، إذ لا يجوز عليه التّجسيم؛ ولا اختلاف الحالات، بخلاف النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فكانت رؤياه تعالى في النّوم من باب التّمثيل والتّخييل.
وقال ابن العربي: رؤيا الله في النّوم أوهام وخواطر في القلب؛ لا تليق به الحقيقة، ويتعالى عنها، وهي دلالات للرّائي على أمر كان؛ أو يكون كسائر المرئيّات.
وقال غيره: رؤياه تعالى مناما حقّ وصدق؛ لا كذب فيها في قول ولا فعل.
انتهى «مناوي وزرقاني» رحمهما الله تعالى.
ورؤياه صلى الله عليه وسلم في المنام حقّ، (سواء رآه على صفته المعروفة؛ أو غيرها على المنقول المقبول عند ذوي العقول) ، كما هو ظاهر الحديث، وبه صرّح النّوويّ، مضعّفا لتقييد الحكيم التّرمذيّ والقاضي عياض وغيرهما بما إذا رآه على صورته المعروفة في حياته، وتبعه عليه بعض المحقّقين.
(وإنّما ذلك يختلف باختلاف حال الرّائي) ، فإن كانت رؤيته بصورته الحقيقيّة في وقت ما؛ سواء كان في شبابه، أو رجولته، أو كهولته، أو أواخر عمره؛ لم تحتج لتأويل، وإلّا! احتيجت لتعبير متعلّق بالرّائي، ومن ثمّ قيل: من رآه شيخا؛ فهو في غاية سلم، أو شابّا فهو في غاية حرب، أو متبسّما فهو متمسّك بسنّته، أو على حالته وهيئته؛ فهو دليل على صلاح حال الرّائي وكمال وجاهته وظفره، لأنّه صلى الله عليه وسلم (كالمرآة الصّقيلة ينطبع فيها ما يقابلها) ، وإن كان ذاتها على أحسن حال؛
فقد رآه جمع بأوصاف مختلفة،
…
قاله المناوي رحمه الله تعالى.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله تعالى: رؤيته صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة الّتي كان عليها إدراك له على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال، فإنّ الصّواب أنّ الأنبياء لا تغيّرهم الأرض، ويكون إدراك الذّات الكريمة حقيقة، وإدراك الصّفات إدراك المثال؛ لا الحقيقة.
أي: فالأولى لا تحتاج إلى تعبير، والثّانية تحتاجه.
وللصّوفيّة ما يوافق معنى هذا؛ وإن اختلف اللّفظ، حيث قالوا: هنا ميزان يجب التّنبّه له؛ وهو: أنّ الرّؤيا الصّحيحة أن يرى بصورته الثّابتة بالنّقل الصّحيح، فإن رآه بغيرها كطويل أو قصير؛ أو شيخ؛ أو شديد السّمرة!! لم يكن رآه.
وحصول الجزم في نفس الرّائي بأنّه رآه غير حجّة، بل ذلك المرئيّ صورة الشّرع «1» بالنّسبة لاعتقاد الرّائي، أو حاله، أو صفته، أو حكم من أحكام الإسلام، أو بالنّسبة للمحل الّذي رأى فيه تلك الصّورة. قال القونويّ كابن عربي الحاتمي: وقد جرّبناه فوجدناه لم ينخرم. انتهى «زرقاني» .
(وقد) علم من ذلك صحّة أن (يراه جمع) ؛ في آن واحد؛ في أقطار متباعدة؛ (بأوصاف مختلفة) ، لأنّه صلى الله عليه وسلم سراج ونور، والشّمس في هذا العالم مثال نوره في العوالم كلّها، فكما أنّ الشّمس يراها كلّ إنسان في الشّرق والغرب في ساعة واحدة؛ وبصفات مختلفة؛ فكذلك هو صلى الله عليه وسلم، والاختلافات إنّما ترجع إلى اختلاف الرّائين؛ لا المرئيّ- كما تقدّم-.
قال أبو سعيد؛ أحمد بن محمّد نصر: من رأى نبيّا على حاله وهيئته فذلك دليل على صلاح حال الرّائي، وكمال جاهه، وظفره بمن عاداه، ومن رآه متغيّر
(1) يفهم هذا مما ذكره في «سعادة الدارين» ص 426. (هامش الأصل) .
ومثله في ذلك جميع الأنبياء والملائكة. كما جزم به البغويّ في «شرح السّنّة» .
الحال عابسا مثلا؛ فذلك دليل على سوء حال الرّائي.
وقال العارف ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى: من رآه بصورة حسنة؛ فذلك حسن في دين الرّائي، وإن كان في جوارحه شين أو نقص؛ فذلك خلل في الرّائي من جهة الدّين. قال: وهذا هو الحقّ؛ فقد جرّب ذلك فوجد على هذا الأسلوب، وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبيّن للرّائي: هل عنده خلل؛ أم لا! لأنّه عليه الصلاة والسلام نورانيّ مثل المرآة الصّقيلة؛ ما كان في الناظر إليها من حسن أو غيره تصوّر فيها، وهي في ذاتها على أحسن حال؛ لا نقص فيها، أي: فكذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم، هو على صفته الّتي ليس شيء أحسن منها، والتغير إنّما هو في صفة الرّائي، قال: وكذلك يقال في كلامه عليه الصلاة والسلام في النّوم: إنّه يعرض على سنّته؛ فما وافقها فهو حقّ، وما خالفها؛ فالخلل في سمع الرّائي.
فرؤيا الذّات الكريمة حقّ، والخلل إنّما هو في سمع الرّائي؛ أو بصره. قال:
وهذا خبر ما سمعته في ذلك. انتهى كلام ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى.
(ومثله) صلى الله عليه وسلم (في ذلك جميع الأنبياء والملائكة. كما) ذكره بعض شرّاح «المصابيح» احتمالا، و (جزم به) ركن الدّين محيي السّنّة، أبو محمّد:
الحسين بن مسعود بن محمد؛ المعروف ب «الفرّاء» ، (البغويّ) نسبة إلى «بغشور» ؛ على غير قياس، ويقال:«بغ» ؛ بلدة من بلاد خراسان بين مرو وهراة- الفقيه الشّافعي المحدّث المفسّر، صاحب المصنّفات، المبارك له فيها لقصده الصّالح، المتعبّد النّاسك الرّبّانيّ، المتوفّى ب «مرو» في شوّال سنة:
خمسمائة وستة عشر هجرية. رحمه الله تعالى آمين.
(في) كتاب ( «شرح السّنّة» ) ، وهو كتاب في الحديث مرتّب على الأبواب الفقهيّة مشتمل على السّنن، وما هو في حيّزها؛ أو له تعلّق بها.
وكذلك حكم القمرين والنّجوم والسّحاب الّذي ينزل فيه الغيث، فلا يتمثّل الشّيطان بشيء منها.
قال مؤلّفه في مقدّمته: هذا كتاب يتضمّن كثيرا من علوم الأحاديث وفوائد الأخبار المرويّة عن النّبي صلى الله عليه وسلم؛ من حلّ مشكلها، وتفسير غريبها، وبيان أحكامها، وما يترتّب عليها من الفقه واختلاف العلماء، وجمل لا يستغنى عن معرفتها، وهو المرجوع إليه في الأحكام، ولم أودع فيه إلّا ما اعتمده أئمّة السّلف الّذين هم أهل الصّنعة المسلّم لهم الأمر، وما أودعوه كتبهم، وأمّا ما أعرضوا عنه؛ من المقلوب والموضوع والمجهول واتّفقوا على تركه؛ فقد صنت هذا الكتاب عنه
…
إلى آخر ما قال. ثمّ بدأ بكتاب الإيمان.
لكن ذكر المحقّقون أنّ ذلك خاصّ به صلى الله عليه وسلم، دون غيره من الأنبياء.
وقالوا في حكمة ذلك: إنّه صلى الله عليه وسلم وإن ظهر بجميع أسماء الحقّ وصفاته تخلّقا وتحقّقا؛ فإنّ من مقتضى مقامات رسالته ودعوته الخلق إلى الحقّ: أن يكون الأظهر فيه؛ حكما وسلطنة، من صفات الحقّ وأسمائه صفة الهداية، والاسم الهادي؛ فهو صلى الله عليه وسلم صورة الاسم الهادي ومظهر صفة الهداية.
والشّيطان مظهر اسم المضلّ والظّاهر بصفة الضّلالة؛ فهما ضدّان، ولا يظهر أحدهما بصفة الآخر، ولو ظهر إبليس بصفته لالتبس على النّاس فضلّوا بما يلقيه إليهم لظنّهم أنّه الرّسول صلى الله عليه وسلم، فعصم الله صورته من أن يتصوّر بها شيطان. انتهى.
والحكمة المذكورة تقتضي عمومه في جميع الأنبياء والملائكة.
قال البغويّ: (وكذلك حكم القمرين) : الشّمس والقمر، فهو من باب التّغليب، (والنّجوم) المضيئة، (والسّحاب الّذي ينزل فيه الغيث، فلا يتمثّل الشّيطان بشيء منها) . قال:
ورؤية الأنبياء والملائكة بمكان نصرة لأهله وفرج إن كانوا في كرب. وخصب إن كانوا في جدب. ورؤية الأنبياء شرف في الدّنيا، ورؤية الملائكة شرف فيها
ونقل ابن علّان: إنّ الشّيطان لا يتمثّل بالله تعالى كما لا يتمثّل بالأنبياء، وهذا هو قول الجمهور.
وقال بعضهم: يتمثّل بالله، فإن قيل: كيف لا يتمثّل بالنّبيّ ويتمثّل بالله على هذا القول؟
وشهادة في العقبى، لأنّ الأنبياء كانوا يخاطبون النّاس والملائكة لا تراهم النّاس لأنّهم عند ربهم.
وقال تعالى في الشّهداء فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [277/ البقرة] . قال: ومن رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرا في المنام لم يزل خفيف المال مقلّا من الدّنيا من غير حاجة. انتهى.
(ونقل) العلّامة المحقّق المحدّث المفسّر؛ محمد بن علي.
(ابن علّان:) - بفتح العين المهملة، وتشديد اللّام، وآخره نون- ابن إبراهيم بن محمد علّان البكري الصدّيقي. حافظ عصره وإمام وقته. فارس التّفسير وجهبذ الحديث، وفخر علماء مكة المكرمة في القديم والحديث.
ولد في حدود: الثّمانين وتسعمائة هجريّة تقريبا، ومات سنة ثمان وخمسين وألف هجريّة.
له المؤلّفات النافعة الّتي بلغت أكثر من أربعمائة مؤلّف ما بين مطوّل ومختصر، فهو سيوطيّ زمانه، ودفن بالمعلاة في مقبرة آبائه رحمه الله تعالى. ترجمه الشيخ.
حسن العجيمي في «خبايا الزوايا» .
(إنّ الشّيطان لا يتمثّل بالله تعالى كما لا يتمثّل بالأنبياء، وهذا) القول (هو قول الجمهور. وقال بعضهم: يتمثّل بالله) بمعنى أنّه يتراءى للنّاس؛ ويخاطبهم بأنّه الحقّ ليضلّهم.
(فإن قيل:) عظمة الحقّ سبحانه أتمّ من عظمة كلّ عظيم ف (كيف لا يتمثّل) إبليس (بالنّبيّ) صلى الله عليه وسلم؛ أي: لا يستطيع أن يظهر بصورة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، (ويتمثّل) اللّعين (بالله على هذا القول؛) الّذي قاله بعضهم- بمعنى أنّ الشّيطان تراءى لكثيرين
أجيب: بأنّ النّبيّ بشر، فلو تمثّل به لا لتبس الأمر، والباري جلّ وعلا منزّه عن الجسميّة والعرضيّة؛ فلا يلتبس الأمر بتمثّله به؛ كما في «درّة الفنون في رؤية قرّة العيون» .
ولا تختصّ رؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالصّالحين، بل تكون لهم ولغيرهم.
وخاطبهم بأنّه الحقّ؛ طلبا لإضلالهم، وقد أضلّ جماعة بمثل هذا حتّى ظنّوا أنّهم رأوا الحقّ وسمعوا خطابه؟!.
(أجيب) عن ذلك (ب) أمرين:
أحدهما: ب (أنّ النّبيّ) صلى الله عليه وسلم (بشر) له صورة معيّنة معلومة مشهودة، (فلو تمثّل به لالتبس الأمر) على النّاس فضلوا بما يلقيه لهم، لظنّهم أنّه الرّسول، فعصم الله صورته من أن يتصوّر بها شيطان. (والباري جلّ وعلا) كلّ عاقل يعلم أنّه ليست له صورة معيّنة توجب الاشتباه؛ وهو (منزّه عن) صفات المخلوقين؛ ك (الجسميّة والعرضيّة) واختلاف الحالات، (فلا يلتبس الأمر بتمثّله به) .
ثانيهما: أنّ من مقتضى حكمة الحقّ أنّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، بخلاف النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنّه متّصف بالهداية؛ ظاهر بصورتها، ورسالته إنّما هي لذلك؛ لا للإضلال، فلا يكون منه إضلال لأحد البتّة، فوجب عصمة صورته من أن يظهر بها شيطان لبقاء الاعتماد وظهور حكم الهداية فيمن شاء الله تعالى هدايته به، عليه الصلاة والسلام، ولولا ذلك لم يظهر سر قوله تعالى وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) [الشورى] ولم تحصل فائدة البعثة؛ (كما في) كتاب ( «درّة الفنون في رؤية قرّة العيون» :) كتاب مختصر في الرّؤية؛ على ستّة فصول، وهو للشّيخ العلّامة المؤرّخ الصّوفي: عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن محمد البسطامي؛ زين الدين الأنطاكي الحنفي. ولد بإنطاكية، وتعلم في القاهرة، وسكن بروسة، وتوفي بها سنة: ثمان وخمسين وثمانمائة. رحمه الله تعالى.
(ولا تختصّ رؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام (بالصّالحين؛ بل تكون لهم ولغيرهم)
وحكي عن بعض العارفين- كالشّيخ الشّاذليّ وسيّدي عليّ وفا-:
أنّهم رأوه صلى الله عليه وسلم يقظة، ولا مانع من ذلك، فيكشف لهم عنه صلى الله عليه وسلم في قبره، فيروه بعين البصيرة،
…
- كما علم مما مر-.
(وحكي) ؛ أي: حكى ابن أبي جمرة، والقاضي شرف الدّين البارزي، وعفيف الدين اليافعيّ وغيرهم؛ (عن بعض) الصّالحين (العارفين) بالله تعالى:
(كالشّيخ) أبي الحسن (الشّاذليّ) - كما حكاه عنه التّاج بن عطاء الله السّكندري- (وسيّدي) أبي العباس المرسي، والقطب القسطلّاني، والشّيخ عبد القادر الجيلاني، وسيّدي (علي وفا) بن سيّدي محمد وفاء، وغيرهم:
(أنّهم رأوه صلى الله عليه وسلم يقظة) - بفتح القاف-. وذكر ابن أبي جمرة عن جمع أنّهم حملوا على ذلك رواية «فسيراني في اليقظة» . وأنّهم رأوه نوما فرأوه يقظة بعد ذلك، وسألوه عن تشويشهم في أشياء فأخبرهم بوجوه تفريجها، فكان كذلك بلا زيادة ولا نقصان.
(ولا مانع من ذلك) عقلا؛ ولا شرعا؛ ولا عادة، ومنكر ذلك إن كان ممن يكذّب بكرامات الأولياء فلا كلام معه، وإلّا! فهذه منها. إذ يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالم العلويّ والسّفليّ.
وجرى على ذلك الغزالي؛ فقال في كتابه «المنقذ من الضّلال» : وهم يعني: أرباب القلوب- في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتا، ويقتبسون منهم فوائد. انتهى.
(فيكشف لهم) - وهم بأقصى المشرق؛ أو المغرب- (عنه صلى الله عليه وسلم بأن لا يجعل بينهم وبين الذّات الشّريفة وهي (في) محلّها من (قبره) الشّريف ساترا؛ ولا حاجبا، بأن يجعل تلك الحجب كالزّجاج الّذي يحكي ما وراءه.
(فيروه بعين البصيرة) ، وهي قوّة القلب المنوّر بنور اليقين؛ ترى حقائق
ولا أثر للقرب؛ ولا للبعد في ذلك،
…
الأشياء، (ولا أثر للقرب؛ ولا للبعد في ذلك) ، ونحن نعلم أنّه صلى الله عليه وسلم حيّ في قبره يصلّي، فإذا أكرم الإنسان برؤيته يقظة فلا مانع من أن يكرم بمحادثته ومكالمته وسؤاله عن الأشياء، وإنّه يجيبه عنها.!! وهذا كلّه غير منكر شرعا؛ ولا عقلا.
قال السّيوطي: وأكثر من يقع له ذلك إنّما يقع له قرب موته؛ أو عند الاحتضار، ويكرم الله بها من يشاء. انتهى.
وأنكر رؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم في اليقظة؛ أنكرها جماعة؛
منهم العلّامة بدر الدين السّيّد: حسين بن عبد الرّحمن الأهدل، مؤلّف «تحفة الزّمن» رحمه الله تعالى، فقال في مسألة الرّؤية له:
إنّ وقوعها للأولياء قد تواترت بأجناسها الأخبار، وصار العلم بذلك قويّا؛ انتفى عنه الشّكّ، ومن تواترت عليه أخبارهم لم يبق له فيه شبهة. ولكن يقع لهم ذلك في بعض غيبة وحسّ وغموض طرف لمورود حال؛ لا تكاد تضبطها العبارة، ومراتبهم في الرّؤية متفاوتة. وكثيرا ما يغلط فيها رواتها، فقلّما تجد رواية متّصلة صحيحة عمّن يوثق به.
وأمّا من لا يوثق!! به فقد يكذب، وقد يرى مناما؛ أو في غيبة حسّ فيظنّه يقظة، وقد يرى خيالا أو نورا؛ فيظنّه الرّسول صلى الله عليه وسلم، وقد يلبس عليه الشّيطان فيجب التّحرّز في هذا الباب.
وبالجملة: فالقول برؤيته صلى الله عليه وسلم بعد موته بعين الرّأس في اليقظة يدرك فساده بأوائل العقول؛ لاستلزامه خروجه من قبره، ومشيه في الأسواق، ومخاطبته للنّاس، ومخاطبتهم له، وخلوّ قبره عن جسده الشّريف؛ فلا يبقى منه فيه شيء، بحيث يزار مجرّد القبر؛ ويسلّم على غائب. انتهى.
ومنهم: أبو العباس القرطبيّ في «المفهم» في الرّد على من قال «بأنّ الرّائي له في المنام رؤيا حقيقيّة يراه بعد ذلك في اليقظة» . قال: وهذه جهالات لا يقول
فمن كرامات الأولياء: خرق الحجب لهم، فلا مانع عقلا ولا شرعا أنّ الله تعالى يكرم وليّه؛ بأن لا يجعل بينه وبين الذّات الشّريفة ساترا ولا حاجبا) .
بشيء منها من له أدنى مسكة من المعقول، وملتزم شيء من ذلك مختلّ مخبول.
انتهى.
وهذه الإلزامات كلّها ليس شيء منها بلازم، وقد أشار للجواب عنها بقوله:
(فمن كرامات الأولياء: خرق الحجب لهم) ؛ يعني: أنّ رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة لا تستلزم خروجه من قبره؛ لأنّ من كرامات الأولياء- كما مرّ- أنّ الله تعالى يخرق لهم الحجب، (فلا مانع عقلا؛ ولا شرعا) ؛ ولا عادة:(أنّ الله تعالى يكرم وليّه بأن لا يجعل بينه وبين الذّات الشّريفة ساترا؛ ولا حاجبا) بأن يجعل تلك الحجب كالزّجاج الّذي يحكي ما وراءه، وحينئذ يقع بصره عليه صلى الله عليه وسلم. وإذا أكرم الإنسان بوقوع بصره على ذاته الشّريفة؛ فلا مانع أن يكرم بمحادثته ومكالمته، وسؤاله عن أشياء، وأنّه يجيب عنها، وهذا كلّه غير منكر شرعا؛ ولا عقلا.
وممن أنكرها صاحب «فتح الباري» العلّامة الحافظ؛ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- رحمه الله تعالى- حيث قال:
وهذا مشكل جدّا، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصّحبة إلى يوم القيامة!!.
ويردّ بأنّ الشّرط في الصّحابي أن يكون رآه في حياته، حتى اختلفوا فيمن رآه بعد موته؛ وقبل دفنه: هل يسمى صحابيا، أم لا؟! على أنّ هذا أمر خارق للعادة، والأمور التي كذلك لا تغيّر لأجلها القواعد الكلّيّة.
ونوزع أيضا بأنّه لم يحك ذلك عن أحد من الصّحابة، ولا من بعدهم، وبأنّ فاطمة اشتدّ حزنها عليه صلى الله عليه وسلم حتّى ماتت كمدا بعده بستّة أشهر، وبيتها مجاور لضريحه الشّريف صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عنها رؤيته تلك المدّة!!.
.........
ويردّ أيضا: بأنّ عدم نقله لا يدلّ على عدم وقوعه، فلا حجّة في ذلك كما هو ظاهر، وكذلك موت فاطمة كمدا؛ لأنّه قد يكرم المفضول بما لا يكرم به الفاضل.
وتأوّل الأهدل وغيره ما وقع للأولياء من ذلك: بأنّه إنّما هو في حال غيبتهم فيظنّونه يقظة، وفيه إساءة ظنّ بهم حيث يشتبه عليهم رؤية الغيبة برؤية اليقظة، وهذا لا يظنّ بأدون العقلاء فكيف بالأكابر!!.
قاله ابن حجر- رحمه الله تعالى-.
وتعقّبه العلّامة علي القاري رحمه الله تعالى: بأنّ هذا ليس من باب إساءة الظّنّ، بل من باب التّأويل الحسن؛ جمعا بين المنقول والمشاهد المعقول، فإنّه لو حمل على الحقيقة؛ لكان يجب العمل بما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم من أمر ونهي وإثبات ونفي.
ومن المعلوم أنّه لا يجوز ذلك إجماعا، كما لا يجوز بما يقع حال المنام؛ ولو كان الرّائي من أكابر الأنام.
وقد صرح المازريّ: بأنّ من رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصّفات المتخيّلة؛ لا المرئيّة، فيتعيّن أن تحمل هذه الرّؤية أيضا على رؤية عالم المثال؛ أو عالم الأرواح- كما تقدّم تحقيقه عن الإمام حجّة الإسلام الغزالي؛ رحمه الله تعالى-.
وبعد حملنا على عالم المثال؛ فيزول الإشكال على كل حال، فإن الأولياء في عالم الدّنيا مع ضيقها قد يحصل لهم أبدان مكتسبة وأجسام متعدّدة، تتعلّق حقيقة أرواحهم بكلّ واحد من الأبدان؛ فيظهر كلّ في خلاف الآخر من الأماكن والأزمان، وحينئذ لا نقول: بأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم مضيّق عليه في عالم البرزخ بكونه محصورا في قبره، بل نقول: إنّه يجول في العالم السّفلي والعالم العلوي، فإنّ أرواح الشّهداء- مع أن مرتبتهم دون مرتبة الأنبياء- إذا كانت في أجواف طير خضر تسرح في رياض الجنّة، ثمّ تعود إلى قناديل معلّقة تحت العرش؛ كما هو مقرّر في
.........
محلّه محرر، مع أنّه لم يقل أحد أنّ قبورهم خالية من أجسادهم؛ وأرواحهم غير متعلّقة بأجسامهم، لا يسمعوا سلام من يسلّم عليهم.
وكذا ورد أنّ الأنبياء يلبّون ويحجّون، فنبينا صلى الله عليه وسلم أولى بهذه الكرامات، وأمّته مكرّمة بحصول خوارق العادات، فيتعيّن تأويل الأهدل وغيره، فتأمّل.
ومن جملة تأويلاته قوله في قول العارف أبي العبّاس المرسي «لو حجب عني رسول الله طرفة عين ما عددت نفسي مسلما» بأنّ هذا فيه تجوّز؛ أي: لو حجب عنّي حجاب غفلة، ولم يرد أنّه لم يحجب عن الرّوح الشّخصيّة طرفة عين؛ فذلك مستحيل!! أي: عرفا وعادة، إذ لا يعرف استمرار خرق العادة أصلا؛ لا شرعا؛ ولا عقلا. فاندفع قول ابن حجر «لا استحالة فيه بوجه أصلا» . انتهى كلام ملّا علي قاري؛ في «جمع الوسائل» .
وفي «الفتاوي الحديثيّة» للإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى؛ عن «المدخل» لابن الحاجّ المالكي: رؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة باب ضيّق؛ قل من يقع له ذلك إلّا من كان على صفة عزيز وجودها في هذا الزّمان، بل عدمت غالبا، مع أنّنا لا ننكر من يقع له هذا من الأكابر الّذين حفظهم الله تعالى في ظواهرهم وبواطنهم، قال:
وقد أنكر بعض علماء الظّاهر ذلك، محتجّا بأنّ العين الفانية لا ترى العين الباقية، وهو صلى الله عليه وسلم في دار البقاء؛ والرّائي في دار الفناء!!
وردّ بأنّ المؤمن إذا مات يرى الله، وهو سبحانه لا يموت، والواحد منهم يموت في كلّ يوم سبعين مرّة!! وأشار البيهقي إلى ردّه بأنّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم رأى جماعة من الأنبياء ليلة المعراج.
قال البارزي: وقد سمع من جماعة من الأولياء في زماننا وقبله أنّهم رأوا النّبي صلى الله عليه وسلم يقظة؛ حيّا بعد وفاته!! قال ابن حجر رحمه الله تعالى: والحكايات في ذلك عن أولياء الله تعالى كثيرة جدّا، ولا ينكر ذلك إلّا معاند أو محروم، وعلم ممّا
.........
مرّ عن ابن العربي أنّ أكثر ما تقع رؤيته صلى الله عليه وسلم بالقلب، ثمّ بالبصر، لكنّها به ليست كالرّؤية المتعارفة، وإنّما هو جمعيّة لحالية وحالة برزخيّة، وأمر وجدانيّ، فلا يدرك حقيقته إلّا من باشره؛ كذا قيل.
ويحتمل أنّ المراد الرّؤية المتعارفة؛ بأن يرى ذاته صلى الله عليه وسلم طائفة في العالم، أو تكشف الحجب بينه وبين النّبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو في قبره، فينظره حيّا فيه رؤية حقيقيّة، إذ لا استحالة، لكن الغالب أنّ الرّؤية إنّما هي لمثاله؛ لا لذاته، وعليه يحمل قول الغزالي «ليس المراد أن يرى جسمه وبدنه، بل مثالا له صار ذلك المثل آلة يتأدّى بها المعنى الّذي في نفسه
…
» إلى آخر ما تقدّم.
قال ابن حجر: ثمّ رأيت ابن العربي صرّح بما ذكرته من أنّه لا يمتنع رؤية ذات النّبي صلى الله عليه وسلم بروحه وجسده؛ لأنّه وسائر الأنبياء أحياء ردّت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا، وأذن لهم في الخروج من قبورهم، والتصرّف في الملكوت العلويّ والسّفلي!! ولا مانع من أن يراه كثيرون في وقت واحد؛ لأنّه كالشّمس.
وإذا كان القطب يملأ الكون- كما قاله التّاج ابن عطاء الله- رحمه الله تعالى- فما بالك بالنّبي صلى الله عليه وسلم!!! ولا يلزم من ذلك أنّ الرّائي صحابي؛ لأنّ شرط الصّحبة الرّؤية في عالم الملك، وهذه رؤية؛ وهو في عالم الملكوت، وهي لا تفيد صحبة، وإلّا! لثبتت لجميع أمّته لأنّهم عرضوا عليه في ذلك العالم؛ فرآهم ورأوه، كما جاءت به الأحاديث. انتهى كلام ابن حجر مقتطفا.
وقال العفيف اليافعي في «روض الرّياحين» : أخبرني بعضهم أنّه يرى حول الكعبة الملائكة والأنبياء وأكثر ما يراهم ليلة الجمعة، وليلة الاثنين، وليلة الخميس. وعدّ لي جماعة كثيرة من الأنبياء، وذكر أنّه يرى كلّ واحد منهم في موضع معيّن؛ يجلس فيه حول الكعبة، ويجلس معه أتباعه من أهله وقرابته وأصحابه.
وذكر أنّ نبينا صلى الله عليه وسلم يجتمع عليه من أولياء الله تعالى خلق لا يحصي عددهم إلّا الله
.........
تعالى، ولم تجتمع على سائر الأنبياء.
وذكر أنّ إبراهيم وأولاده يجلسون بقرب الكعبة بحذاء مقامه المعروف، وموسى وجماعة من الأنبياء بين الرّكنين اليمانيّين، وعيسى وجماعة معه في جهة الحجر، ورأى نبيّنا صلى الله عليه وسلم جالسا عند الرّكن اليماني مع أهل بيته وأصحابه وأولياء أمّته. انتهى.
وحكي عن بعض الأولياء أنّه حضر مجلس فقيه، فروى ذلك الفقيه؛ حديثا، فقال له الولي: هذا باطل. فقال الفقيه: من أين لك هذا!؟ فقال: هذا النّبي صلى الله عليه وسلم واقف على رأسك؛ يقول: «إنّي لم أقل هذا الحديث» . وكشف للفقيه فرآه.
انتهى.
وقد ألّف الإمام الحافظ جلال الدّين السّيوطي رحمه الله تعالى رسالة سمّاها «تنوير الحلك في رؤية النّبي والملك» قال فيها- زيادة على ما تقدّم؛ ما ملخصه-: وفي بعض المجاميع أنّ سيدي أحمد الرّفاعي رحمه الله تعالى لما وقف تجاه الحجرة النّبويّة الشّريفة أنشد:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها
…
تقبّل الأرض عنّي وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت
…
فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فخرجت اليد الشّريفة من القبر فقبّلها؛ قال: وزاد بعض من روى هذه الحكاية ورآها كلّ من حضر-؛ قال: ولا تمتنع رؤية ذاته الشّريفة بجسده وروحه؛ وذلك لأنّه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء أحياء؛ ردّت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا، وأذن لهم في الخروج من القبور، والتصرّف في الملكوت العلوي والسّفلي.
وقد ألّف البيهقي جزآ في «حياة الأنبياء» «1» ؛ وقال في «دلائل النّبوّة» :
الأنبياء أحياء عند ربّهم كالشّهداء. وقال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن
(1) مطبوع.
.........
طاهر البغدادي: المتكلّمون المحقّقون من أصحابنا على أنّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم حيّ بعد وفاته، وأنّه يسرّ بطاعة أمّته، ويحزن بمعاصي العصاة منهم؛ وأنّه تبلغه صلاة من يصلّي عليه من أمّته، وقال: الأنبياء لا يبلون، ولا تأكل الأرض منهم شيئا؛ وقد مات موسى في زمانه، وأخبر نبيّنا صلى الله عليه وسلم أنّه رآه في السّماء الرّابعة، ورأى آدم وإبراهيم!! وإذا صحّ لنا هذا الأصل؛ قلنا: نبينا قد صار حيّا بعد وفاته، وهو على نبوّته. انتهى.
وقال القرطبيّ في «التّذكرة» في حديث الصّعقة؛ نقلا عن شيخه: «الموت ليس بعدم محض، وإنّما هو انتقال من حال إلى حال» .
ويدلّ على ذلك أنّ الشّهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون، فرحين مستبشرين، وهذه صفة الأحياء في الدّنيا، وإذا كان هذا في الشّهداء؛ فالأنبياء أحقّ بذلك وأولى!!.
وقد صحّ أنّ الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنّه صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس؛ وفي السماء، ورأى موسى قائما يصلّي في قبره!.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنّه يردّ السّلام على كلّ من يسلم عليه
…
إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأنّ موت الأنبياء إنّما هو راجع إلى أنهم غيّبوا عنّا بحيث لا ندركهم؛ وإن كانوا موجودين أحياء، وكذلك الحياة في الملائكة، فإنّهم موجودون أحياء، ولا يراهم أحد إلّا من خصّه الله تعالى بكرامة. انتهى.
وأخرج أبو يعلى في «مسنده» ، والبيهقي في كتاب «حياة الأنبياء» ؛ عن أنس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون» .
وأخرج البيهقي؛ عن أنس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الأنبياء لا يتركون بعد أربعين ليلة، ولكنّهم يصلّون بين يدي الله تعالى حتّى ينفخ في الصّور» .
وروى سفيان الثّوري في «الجامع» قال: قال شيخ لنا: عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبيّ في قبره أكثر من أربعين ليلة حتّى يرفع.
.........
قال البيهقي: فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله تعالى.
وروى عبد الرّزّاق في «مصنفه» ؛ عن الثّوري؛ عن أبي المقدام؛ عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبيّ في الأرض أكثر من أربعين يوما.
وأبو المقدام: هو ثابت بن هرمز الكوفي؛ شيخ صالح.
وأخرج ابن حبّان في «تاريخه» ، والطّبراني في «الكبير» ، وأبو نعيم في «الحلية» ؛ عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبيّ يموت ويقيم في قبره إلّا أربعين صباحا» .
وقال إمام الحرمين في «النّهاية» ؛ ثمّ الرّافعي في «الشرح» :
روي أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أكرم على ربّي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث» .
زاد إمام الحرمين: «أكثر من يومين» .
وزاد أبو الحسن الزّاغوني الحنبلي؛ في بعض تصانيفه حديث: «إنّ الله تعالى لا يترك نبيّا في قبره أكثر من نصف يوم» . وقال الإمام بدر الدين بن الصّاحب في «تذكرته» ؛ فصل في حياته صلى الله عليه وسلم بعد موته في البرزخ: وقد دلّ على ذلك تصريح المشايخ وإيماؤهم. ومن القرآن قوله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)[آل عمران] . فهذه الحالة؛ وهي الحياة في البرزخ بعد الموت حاصلة لآحاد الموتى من الشّهداء، وحالهم أعلى وأفضل ممّن لم تكن لهم هذه المرتبة؛ لا سيّما في البرزخ.
ولا تكون رتبة أحد من الأمّة أعلى من مرتبة النّبي صلى الله عليه وسلم، بل إنّما حصلت لهم هذه الرّتبة بتزكيته وتبعيّته. وأيضا فإنّما استحقّوا هذه الرّتبة بالشّهادة، والشّهادة حاصلة للنّبي صلى الله عليه وسلم على أتمّ الوجوه.
.........
وقال عليه الصلاة والسلام: «مررت على موسى عليه الصلاة والسلام ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر؛ وهو قائم يصلّي في قبره» . وهذا صحيح «1» في إثبات الحياة لموسى؛ فإنّه وصفه بالصّلاة، وأنّه كان قائما، ومثل هذا لا توصف به الرّوح، وإنّما يوصف به الجسد. وفي تخصيصه بالقبر، فإنّ أحدا لم يقل: أرواح الأنبياء مسجونة في القبر مع الأجساد، وأرواح الشّهداء والمؤمنين في الجنّة.
وفي حديث ابن عبّاس: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكّة والمدينة، فمررنا بواد؛ فقال:«أيّ واد هذا؟» . فقلنا: وادي الأزرق، فقال:«كأنّي أنظر إلى موسى واضعا أصبعيه في أذنيه، له جؤار إلى الله تعالى بالتّلبية، مارّا بهذا الوادي» . ثمّ سرنا حتّى أتينا على ثنيّة؛ فقال: «كأنّي أنظر إلى يونس على ناقة حمراء؛ عليه جبّة صوف، مارّا بهذا الوادي ملبّيا!!» .
وسئل هنا: كيف ذكر حجّهم وتلبيتهم، وهم أموات، وهم في الآخرى، وليست دار عمل؟!.
فأجيب بأن الشّهداء أحياء عند ربهم يرزقون، فلا يبعد أن يحجّوا ويصلّوا ويتقرّبوا بما استطاعوا، وأنّهم؛ وإن كانوا في الآخرى؛ فإنّهم في هذه الدّنيا الّتي هي دار العمل، حتّى إذا فنيت وأعقبتها الآخرى الّتي هي دار الجزاء انقطع العمل، هذا لفظ القاضي عياض؛ رحمه الله تعالى.
فإذا كان القاضي عياض يقول: إنّهم يحجّون بأجسادهم؛ ويفارقون قبورهم، فكيف يستنكر مفارقة النّبي صلى الله عليه وسلم لقبره!! فإنّ النّبي صلى الله عليه وسلم إذا كان حاجّا، وإذا كان مصلّيا بجسده في السّماء؛ فليس مدفونا في القبر.
قال الإمام الحافظ السّيوطي- رحمه الله تعالى-:
فحصل من مجموع هذه النّقول والأحاديث: أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم حيّ بجسده وروحه،
(1) لعلها: صريح!.
.........
وأنّه يتصرّف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض في الملكوت، وهو بهيئته الّتي كان عليها قبل وفاته؛ لم يتبدّل منه شيء، وأنّه مغيّب عن الأبصار؛ كما غيّبت الملائكة، مع كونهم أحياء بأجسادهم، فإذا أراد الله رفع الحجاب عمّن أراد إكرامه برؤيته رآه على هيئته الّتي هو عليها؛ لا مانع من ذلك، ولا داعي إلى التّخصيص برؤية المثال. انتهى كلام السّيوطي في كتاب «تنوير الحلك» ملخّصا.
قال المصنّف الشّيخ يوسف النّبهاني رحمه الله تعالى: وقد رأيت رسالة في حجم كرّاسة منسوبة للشّيخ نور الدّين علي الحلبي؛ سمّاها «تعريف أهل الإسلام والإيمان بأنّ محمّدا صلى الله عليه وسلم لا يخلو منه مكان ولا زمان» .
فممّا قاله فيها؛ بعد نقل كثير من كلام السّيوطي:
قلت: وأمّا كلامنا والّذي نقوله- إن شاء الله تعالى-: إنّ الأمر كما قاله الجلال السّيوطي، وأخصّ من ذلك أنّ الّذي أراه أنّ جسده الشّريف لا يخلو منه زمان؛ ولا مكان، ولا محل، ولا إمكان، ولا عرش؛ ولا لوح، ولا كرسي؛ ولا قلم، ولا بحر؛ ولا بر، ولا سهل؛ ولا وعر، ولا برزخ؛ ولا قبر، كما أشرنا إليه أيضا. وأنّه امتلأ الكون الأعلى به كامتلاء الكون الأسفل به، وكامتلاء قبره به، فتجده مقيما في قبره؛ طائفا حول البيت؛ قائما بين يدي ربه لأداء الخدمة؛ تامّ الانبساط بإقامته في درجة الوسيلة.
ألا ترى أنّ الرّائين له يقظة؛ أو مناما في أقصى المغرب يوافقون في ذلك الرّائين له كذلك في تلك السّاعة بعينها في أقصى المشرق!!؟ فمتى كان كذلك مناما كان في عالم الخيال والمثال، ومتى كان يقظة كان بصفتي الجمال والإجلال، وعلى غاية الكمال، كما قال القائل:
ليس على الله بمستنكر
…
أن يجمع العالم في واحد
وأطال في ذلك بذكر الأدلّة. فراجعه في تلك الرّسالة، فهي بكمالها قد تضمنّها كتاب «جواهر البحار في فضائل النّبيّ المختار» للمصنّف الشّيخ يوسف النّبهاني
.. انتهى.
وقد بسطت الكلام على رؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كتابي «أفضل الصّلوات على سيّد السّادات» فمن شاء الزّيادة فليرجع إليه.
رحمه الله تعالى آمين. (انتهى) . أي: كلام الباجوريّ رحمه الله تعالى ملخّصا.
(وقد بسطت الكلام على رؤية النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقظة ومناما (في كتابي) : «سعادة الدّارين في الصلاة على سيّد الكونين» ، وفي كتابي ( «أفضل الصّلوات على سيّد السّادات» ) في موضعين منه:
الأوّل: قبيل الفصل الخامس. والثّاني: في الكلام على الصّلاة السّادسة والأربعين؛ في ترجمة الشّيخ أبي المواهب الشّاذليّ رحمه الله تعالى.
(فمن شاء الزّيادة) على ما هنا؛ (فليرجع إليه)، أي: إلى كتاب «أفضل الصّلوات» ، وكذلك «سعادة الدّارين» ؛ فإنّه أتى فيها بما يشفي العليل، ويروي الغليل، واستوعب نقول العلماء في ذلك بما لم يوجد قبله مجموعا في كتاب، فجزاه الله خير الجزاء، ورحمه رحمة الأبرار. آمين.