الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[
(حرف اللّام ألف) ]
(حرف اللّام ألف) 272- « (لا إله إلّا الله) .. كنز من كنوز الجنّة» .
273-
«لا إيمان.. لمن لا أمانة له» .
274-
«لا تجتمع أمّتي.. على ضلالة» .
(حرف اللّام ألف) 272- ( «لا إله) مستغن عن كلّ ما سواه، ومفتقر إليه كلّ ما عداه (إلّا الله) بالرفع بدل من محلّ «لا» مع اسمها، وهو الرّفع بالابتداء عند سيبويه، وجملة كلمة التّوحيد مبتدأ قصد لفظها، والخبر ما بعدها. أي؛ هذا اللّفظ الّذي هو كلمة التوحيد (كنز من كنوز الجنّة» ) أي؛ ذخيرة من ذخائرها، أو من محصلات نفائسها، والمعنى أنّ قائلها يحصّل ثوابا نفيسا يدّخر له في الجنّة.
والحديث ذكره المناوي في «كنوز الحقائق» .
273-
( «لا إيمان) كامل (لمن لا أمانة له» ) فالأمانة لبّ الإيمان، وهي منه بمنزلة القلب من البدن، والأمانة في الجوارح السبعة: العين، والسمع، واللسان، واليد، والرجل، والبطن، والفرج. فمن ضيّع جزآ منها سقم إيمانه، وضعف بقدره. انتهى «مناوي وزرقاني» .
وتمام الحديث: «ولا دين لمن لا عهد له» . ذكره في «المواهب» ، و «الجامع الصغير» . وقال: رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى في «مسنديهما» ، والبيهقي في «الشعب» ؛ عن أنس. قال الذّهبي: وسنده قويّ. وصحّحه ابن حبّان. انتهى زرقاني على «المواهب» .
274-
( «لا تجتمع أمّتي) أي؛ علماؤهم (على ضلالة» ) لأنّ العامّة تأخذ عنها دينها، وإليها تفزع في النوازل؛ فاقتضت حكمة الله ذلك.
والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» وقال: أخرجه ابن أبي عاصم. انتهى.
.........
وهو في الترمذي؛ عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما بلفظ: «إنّ الله تعالى لا يجمع أمّتي على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار» .
ورواه عن ابن عمر أيضا الضّياء في «المختارة» بلفظ: «إنّ الله لا يجمع هذه الأمّة على ضلالة أبدا، وإنّ يد الله مع الجماعة؛ فاتّبعوا السّواد الأعظم، فإنّه من شذّ شذّ في النّار» .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في «تخريج المختصر» : حديث غريب؛ أخرجه أبو نعيم في «الحلية» واللالكائي في «السّنّة» ، ورجاله رجال الصحيح؛ لكنّه معلول، فقد قال الحاكم: لو كان محفوظا لحكمت بصحّته على شرط الصحيح! لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة أقوال؛ فذكرها، وذلك مقتضى الاضطراب، والمضطرب من أقسام الضعيف. انتهى مناوي على «الجامع» .
وذكره في «الكشف» بلفظ المصنّف، وقال:
رواه الإمام أحمد، والطبراني في «الكبير» ، وابن أبي خيثمة في «تاريخه» ؛ عن أبي نضرة الغفاري رفعه في حديث:«سألت ربّي ألاتجتمع أمّتي على ضلالة فأعطانيها» .
والطّبراني وحده، وابن أبي عاصم في «السنّة» ؛ عن أبي مالك الأشعري رفعه:«إنّ الله تعالى أجاركم من ثلاث خلال: 1- ألايدعو عليكم نبيّكم فتهلكوا جميعا، و 2- ألايظهر أهل الباطل على أهل الحقّ، و 3- أن لا يجتمعوا على ضلالة» .
ورواه أبو نعيم والحاكم، وأعلّه اللالكائي في «السّنّة» وابن منده.
ومن طريقه الضّياء؛ عن ابن عمر رفعه: «إنّ الله لا يجمع هذه الأمّة على ضلالة أبدا، وإنّ يد الله مع الجماعة، فاتّبعوا السّواد الأعظم، فإنّ من شذّ شذّ في النّار» . وكذا هو عند التّرمذي، لكن بلفظ «أمّتي» .
275-
«لا تختلفوا.. فتختلف قلوبكم» .
276-
«لا تسبّوا الدّنيا.. فإنّها مطيّة المؤمن» .
ورواه عبد بن حميد، وابن ماجه؛ عن أنس رفعه:«إنّ أمّتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسّواد الأعظم» .
ورواه الحاكم؛ عن ابن عباس رفعه بلفظ: «لا يجمع الله هذه الأمّة على ضلالة، ويد الله مع الجماعة» .
والجملة الثانية عند التّرمذي وابن أبي عاصم؛ عن ابن مسعود موقوفا في حديث: «عليكم بالجماعة، فإنّ الله لا يجمع هذه الأمّة على ضلالة» زاد غيره:
«وإيّاكم والتّلوّن في دين الله» .
وبالجملة فالحديث مشهور المتن، وله أسانيد كثيرة، وشواهد عديدة في المرفوع وغيره؛ فمن الأول:«أنتم شهداء الله في الأرض» . ومن الثّاني قول ابن مسعود: اذا سئل أحدكم فلينظر في كتاب الله، فإن لم يجده! ففي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجده فيها! فلينظر فيما اجتمع عليه المسلمون، وإلّا! فليجتهد. انتهى كلام «الكشف» .
275-
( «لا تختلفوا) أي: لا يتقدم بعضكم على بعض في الصّلاة (فتختلف) بالنّصب جواب النّهي (قلوبكم» ) أي: هواها وإرادتها، لأنّ تقدّم البعض على البعض مظنّة للكبر المفسد للقلوب، وسبب لتأثّرها النّاشئ عن الحنق والضّغائن،
وفيه أنّ القلب تابع للأعضاء، فإذا اختلفت اختلف، وإذا اختلف فسد ففسدت الأعضاء؛ لأنه رئيسها. انتهى شروح «الجامع» .
والحديث أخرجه الإمام أحمد ومسلم والنّسائي؛ عن أبي مسعود: عقبة بن عمرو البدري الأنصاري مرفوعا. وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود والتّرمذي؛ عن عبد الله بن مسعود الهذلي مرفوعا. وأخرجه أبو داود والنّسائي والإمام أحمد؛ عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه مرفوعا.
276-
( «لا تسبّوا الدّنيا فإنّها مطيّة المؤمن» ) توصله إلى الآخرة لكونه يتزوّد
277-
«لا تصحب.. إلّا مؤمنا، ولا يأكل طعامك.. إلّا تقيّ» .
فيها أعمالا صالحة. ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الدّيلمي في «الفردوس» ؛ أي: عن ابن مسعود رضي الله عنه.
277-
( «لا تصحب إلّا مؤمنا) وكامل الإيمان أولى، لأنّ الطّباع سرّاقة؛ ومن ثمّ قيل: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشرّ؛ كالرّيح إذا مرّت على نتن حملت نتنا، وإذا مرّت على الطّيب حملت طيبا.
وقال الشّافعيّ: ليس أحد إلّا له محبّ ومبغض؛ فإذن لا بدّ من ذلك فليكن المرجع إلى أهل طاعة الله. ولذلك قيل:
ولا يصحب الإنسان إلّا نظيره
…
وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد
وصحبة من لا يخاف الله لا تؤمن غائلتها لتغيّره بتغيّر الأعراض، قال تعالى وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)[الكهف] ، والطّبع يسرق من الطّبع من حيث لا يدري.
ومعهم قد تفسد الأخلاق
…
والطّبع من عادته سرّاق
(ولا يأكل طعامك إلّا تقيّ» ) لأنّ المطاعمة توجب الألفة، وتؤدّي إلى الخلطة، بل هي أوثق عرى المداخلة، ومخالطة غير التقي تخلّ بالدّين؛ وتوقع في الشّبه والمحظورات، فكأنّه ينهى عن مخالطة الفجّار، إذ لا يخلو عن فساد، إما بمتابعة في فعل، أو مساومة في إغضاء عن منكر، فإن سلم من ذلك ولا يكاد!! فلا تخطئه فتنة الغير به، وليس المراد حرمان غير التّقي من الإحسان، لأنّ المصطفى صلى الله عليه وسلم أطعم المشركين وأعطى المؤلفة للمئين، بل يطعمه ولا يخالطه.
والحاصل: أنّ مقصود الحديث- كما أشار إليه الطّيبي- النّهي عن كسب الحرام وتعاطي ما ينفر منه المتّقي، فالمعنى: لا تصاحب إلّا مطيعا، ولا تخالل إلّا تقيّا. انتهى مناوي على «الجامع» .
والحديث أخرجه الإمام أحمد والتّرمذي وأبو داود وابن حبّان والحاكم؛ عن أبي سعيد الخدري، وأسانيده صحيحة.
278-
«لا خير.. في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له» .
278-
( «لا خير في صحبة من لا يرى لك) أي: من الحقّ (مثل ما ترى له» ) بأن يكون عنده من الرغبة والمودّة والنّفع مثل ما عندك له، كما قال الشاعر:
إذا كان لا يدنيك إلّا شفاعة
…
فلا خير في ودّ يكون بشافع
فمن لم يكن يرى لك مثل ما ترى له؛ فلا خير في صحبته.
قال المناوي: كجاهل قدّمه المال وبذل الرّشوة في فضائل دينيّة لحاكم ظالم منعها أهلها وأعطاه مكافأة لرشوته، فتصدّر وترأس وتنكّب حتى أن يرى لأحد مثل ما يرى له، وتشبّه بالظّلمة في تبسّطهم وملابسهم ومراكبهم.
قال بعضهم: وكأنّه يشير إلى تجنّب صحبة المتكبّرين المتعاظمين في دين أو دنيا، سواء كان فوقه أو دونه، لأنّه إن كان فوقه لم يعرف له حقّ متابعته وخدمته، بل يراه حقّا عليه، وأنّه شرف بصحبته، فإن صحبته في طلب الدّين قطعك بكثرة اشتغاله عن الله، وإن صحبته للدّنيا منّ عليك برزق الله. وإن كان دونك لم يعرف لك حرمة، بل يرى له حقّا بصحبته لك، فإن صحبته في الدّين كدّره عليك بسوء معاشرته، أو للدّنيا لم تأمن من أذيّته وخيانته. انتهى كلام المناوي.
والحديث ذكره في «كشف الخفا» ، وقال: رواه الدّيلمي؛ عن أنس رضي الله عنه، ورواه العسكري؛ عن أنس رفعه بلفظ:«المرء على دين خليله؛ ولا خير في صحبة من لّا يرى لك من الخير- أو: من الحقّ- مثل الّذي ترى له» . ورواه ابن عدي في «كامله» بسند ضعيف.
وروى اللّيث عن مجاهد أنّه قال: كانوا يقولون «لا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق، مثل ما ترى له» .
ولأبي نعيم؛ عن سهل بن سعد رفعه: «لا تصحبنّ أحدا لا يرى لك من الفضل كما ترى له» . انتهى ملخّصا.
وذكره المناوي في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز ابن عدي.
279-
280-
«لا طاعة لمخلوق.. في معصية الخالق» .
279-
( «لا ضرر) أي: لا يضر الرّجل أخاه فينقصه شيئا من حقّه (ولا ضرار» ) : فعال بكسر أوّله؛ أي لا يجازي من ضرّه بإدخال الضّرر عليه؛ بل يعفو. فالضّرر فعل واحد، والضّرار فعل اثنين. أو: الضّرر ابتداء الفعل، والضّرار الجزاء عليه، والأوّل إلحاق مفسدة بالغير مطلقا، والثّاني إلحاق مفسدة بالغير على وجه المقابلة؛ أي: كل منهما يقصد ضرر صاحبه.
وفيه تحريم سائر أنواع الضّرر إلّا بدليل، لأنّ النّكرة في سياق النّفي تعمّ. وفيه حذف أصله؛ لا لحوق أو إلحاق، أو: لا فعل ضرر أو ضرار بأحد في ديننا.
أي: لا يجوز شرعا إلّا لموجب خاصّ. انتهى «مناوي» .
والحديث ذكره في «كشف الخفا» وغيره؛ وقال: رواه مالك والشّافعي. عن يحيى المازنيّ مرسلا، والإمام أحمد وعبد الرّزّاق وابن ماجه والطّبراني؛ عن ابن عباس، وفي سنده جابر الجعفي.
وأخرجه ابن أبي شيبة والدّارقطني عنه.
وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وجابر وعائشة وغيرهم. انتهى.
وفي المناوي: الحديث حسّنه النووي في «الأربعين» ، ورواه مالك مرسلا، وله طرق يقوّي بعضها بعضا.
وقال العلائيّ: للحديث شواهد؛ ينتهي مجموعها إلى درجة الصحّة أو الحسن المحتجّ به. انتهى.
280-
( «لا طاعة لمخلوق) من المخلوقين كائنا من كان؛ أبا أو أمّا، أو زوجا أو سيدا (في معصية الخالق» ) بل كلّ حقّ- وإن عظم- ساقط إذا جاء حقّ الله، فهو خبر بمعنى النهي، أي: لا ينبغي ولا يستقيم ذلك.
281-
«لا عقل كالتّدبير، ولا ورع كالكفّ، ولا حسب..
كحسن الخلق» .
وتخصيص ذكر المخلوق والخالق!! يشعر بعلّيّة هذا الحكم «1» .
قال الزّمخشري: قال مسلمة بن عبد الملك لأبي حازم: ألستم أمرتم بطاعتنا بقوله تعالى وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [59/ النساء] قال: أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحقّ بقوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [59/ النساء] .
قال ابن الأثير: يريد طاعة ولاة الأمر إذا أمروا بما فيه إثم كقتل ونحوه.
وقيل: معنى الحديث: أنّ الطّاعة لا تسلم لصاحبها، ولا تخلص إذا كانت مشوبة بمعصية. والأوّل أشبه بمعنى الحديث. انتهى «مناوي» .
والحديث ذكره في «كشف الخفا» وغيره؛ وقال: رواه الإمام أحمد، والحاكم؛ عن عمران بن حصين. ورواه أبو داود والنّسائي؛ عن علي بلفظ:
«لا طاعة لأحد في معصية الله، إنّما الطّاعة في المعروف» .
ورواه أحمد؛ عن أنس بلفظ: «لا طاعة لمن لم يطع الله» . انتهى.
قال المناوي في حديث عمران: قال الهيثميّ رجال أحمد رجال الصّحيح، ورواه البغوي عن النّواس، وابن حبّان؛ عن علي بلفظ:«لا طاعة لبشر في معصية الله» . وله شواهد في «الصّحيحين» . انتهى.
281-
( «لا عقل كالتّدبير) قال الطّيبي: أراد بالتّدبير العقل المطبوع.
وقال القيصري: هو خاطر الرّوح العقلي، وهو خاطر التّدبير لأمر المملكة الإنسانيّة، فالنّظر في جميع الخواطر الواردة عليه من جميع الجهات، ومنه تؤخذ الفهوم والعلوم الربّانيّة، وهذا الشّخص هو الملك، وإليه ترجع أمور المملكة؛ فيختار ما أمره الشّرع أن يختار ويترك ما أمره الشّرع أن يتركه، ويستحسن ما أمره الشّرع أن يستحسنه، ويستقبح ما أمره الشّرع أن يستقبحه، وصفة خاطر هذا الملك
(1) أي: جعل الخلق علّة للطاعة من المخلوق لخالقه.
282-
«لا فقر.. أشدّ من الجهل، ولا مال.. أعزّ من العقل، ولا وحشة.. أشدّ من العجب» .
التثبّت والنّظر في جميع ما يرد عليه من الخواطر، فينفّذ منها ما يجب تنفيذه، ويردّ ما يجب ردّه.
وخواطر هذا الجوهر الشّريف؛ وإن كثرت ترجع إلى ثلاثة أنواع: 1- الأمر بالتنزّه عن دنيّ الأخلاق والأعمال والأحوال ظاهرا وباطنا. و 2- الأمر بالاتصاف بمحاسن الأخلاق والأعمال والأحوال وأعاليها كذلك. و 3- الأمر بإعطاء جميع أهل مملكته حقوقهم وتنفيذ الأحكام الشّرعية فيهم.
(ولا ورع كالكفّ) أي: كفّ اليد عن تناول ما يضطرب القلب في تحليله وتحريمه.
(ولا حسب) أي؛ ولا مجد ولا شرف (كحسن الخلق» ) بالضم، إذ به صلاح الدّنيا والآخرة.
والحديث ذكره في «الجامع» مرموزا له برمز ابن ماجه، أي؛ وكذا ابن حبّان، والبيهقي في «الشعب» ؛ كلّهم عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله تعالى عنه، وإسناده ضعيف؛ كما في شروح «الجامع» .
282-
( «لا فقر أشدّ من الجهل) بالعلم الشّرعي، لأنّ العلم ميراث الأنبياء، فمن حرمه فهو الفقير على الحقيقة.
(ولا مال أعزّ من العقل) لأنّ العقل دليل المؤمن، إذ هو عقال لطبعه أن يجري بعجلته وجهله لتقدّم العقل بين يدي كلّ أمر من فعل وترك؛ مسترشدا به في عاقبته، استضاءة بنوره، فمن أعطي العقل فقد حصل على خير كبير. ولله درّ من قال:
…
«1»
(1) فراغ في الأصل!!
283-
«لا يجني على المرء.. إلّا يده» .
284-
«لا يحلّ لمسلم.. أن يروّع مسلما» .
(ولا وحشة أشدّ من العجب» ) الّذي هو استعظام العمل غافلا عن منّة الله تعالى فيه. والحديث ذكره في «كشف الخفا» بلفظ: «لا فقر أشدّ من الجهل، ولا مال أكثر من العقل، ولا وحشة أوحش من العجب، ولا ورع كالكفّ عن محارم الله، ولا حسب كحسن الخلق ولا عبادة كالتّفكّر» ، وقال: رواه ابن ماجه، والطّبراني عن أبي ذرّ. وفي الباب عن عليّ بن أبي طالب. انتهى.
قال المناوي: أخرج في «الشّعب» عن علي كرّم الله وجهه: «التّوفيق خير قائد، وحسن الخلق خير قرين، والعقل خير صاحب، والأدب خير ميراث، ولا وحشة أشدّ من العجب» قالوا: وذا من جوامع الكلم. انتهى.
283-
( «لا يجني على المرء) أي: الرّجل، والمراد الإنسان فيشمل المرأة، أي لا يوصل إليه مكروها (إلّا يده» ) لأنّه يذنب فيعاقب من الله؛ أو الحاكم، فكأنّه المعاقب لنفسه لتسبّبه في إيصال العقاب لها.
وخصّ اليد!! لمباشرتها غالبا الجنايات. انتهى «زرقاني» .
والحديث ذكره في «المواهب» ؛ وقال: رواه الشيخان؛ أي: البخاري ومسلم في حديث، ولأحمد وابن ماجه؛ من حديث عمرو بن الأحوص: إنّه شهد حجّة الوداع، وفيه:«لا يجني جان إلّا على نفسه» وقد أراد صلى الله عليه وسلم بهذا أنّه لا يؤخذ إنسان بجناية غيره؛ إن قتل أو جرح أو زنى، وإنّما يؤخذ بما جنته يده، فيده هي الّتي أدّته لذلك فهو إبطال لأمر الجاهليّة، كانوا يقودون بالجناية من يجدونه؛ من الجاني وأقاربه، الأقرب فالأقرب، وعليه الآن أهل الجفا من سكان البوادي والجفاء. انتهى.
284-
( «لا يحلّ لمسلم أن يروّع) - بالتّشديد أي: يفزّع- (مسلما» ) وإن كان هازلا؛ كإشارته بسيف أو حديدة أو أفعى، أو أخذ متاعه فيفزع لفقده، لما في
285-
«لا يزال الرّجال بخير.. ما لم يطيعوا النّساء» .
286-
«لا يشكر الله.. من لا يشكر النّاس» .
ذلك من إدخال الأذى والضّرر عليه، و «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» .
والحديث ذكره في «الجامع الصغير» مرموزا له برمز الإمام أحمد وأبي داود؛ من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجال من الصّحابة: أنّهم كانوا يسيرون مع النّبي صلى الله عليه وسلم، فقام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه، فأخذه؛ ففزّعه
…
فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الزين العراقي بعد ما عزاه لأحمد والطّبرانيّ: حديث حسن.
وذكره في «كشف الخفا» ؛ وقال: رواه الطّبراني وابن منيع؛ عن النّعمان بن بشير.
وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. انتهى.
285-
( «لا يزال الرّجال بخير ما لم يطيعوا) أي: مدة عدم إطاعتهم (النّساء» ) ، فإذا أطاعوهنّ قلّ خيرهم، وذلك من أشراط السّاعة.
والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الطّبراني.
286-
( «لا يشكر الله من لا يشكر النّاس» ) أي: من كان طبعه وعادته كفران نعمة النّاس وترك الشّكر لمعروفهم كان عادته كفران نعم الله وترك الشّكر له.
قال الحافظ ابن حجر كابن العربي: فيه أربع روايات رفع «الله» و «النّاس» ، ونصبهما، ورفع أحدهما ونصب الآخر.
وعلى رفعهما؛ معناه: من لا يشكره النّاس لا يشكره الله.
وعلى نصبهما معناه: من لا يشكر النّاس بالثّناء بما أولوه لا يشكر الله؛ فإنّه أمر بذلك عبيده، أو من لا يشكر النّاس كمن لا يشكر الله، ومن شكرهم كمن شكره.
287-
وعلى رفع أحدهما ونصب الآخر معناه: لا يكون لله شاكرا إلا من كان شاكرا للنّاس، وشكر الله ثناؤه على المحسن، وإجراؤه النّعم عليه بغير زوال.
قال الزّين العراقي: والمعروف المشهور في الرّواية نصبهما، ويشهد له حديث عبد الله بن أحمد:«من لا يشكر النّاس لا يشكر الله» . انتهى «مناوي» .
والحديث ذكره في «الكشف» وقال: رواه الإمام أحمد بسند رجاله ثقات؛ عن الأشعث بن قيس رفعه. وأبو داود والتّرمذي؛ عن أبي هريرة مرفوعا، وصححه التّرمذي؛ عن أبي هريرة. انتهى.
وذكره في «الجامع» بلفظ: «من لم يشكر النّاس لم يشكر الله» . ورمز له برمز الإمام أحمد والتّرمذي والضّياء في «المختارة» ؛ عن أبي سعيد الخدري.
قال المناوي: قال التّرمذي: حسن. وقال الهيثميّ: سند أحمد حسن.
ولأبي داود وابن حبّان ونحوه؛ من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح. انتهى.
وذكره في «الجامع» أيضا بلفظ: «التّحدّث بنعمة الله شكر وتركه كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر النّاس لا يشكر الله، والجماعة بركة والفرقة عذاب» ورمز له برمز البيهقي في «شعب الإيمان» ؛ عن النّعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما.
قال المناوي: فيه أبو عبد الرحمن الشّامي أورده الذّهبي في الضّعفاء، وقال الأزدي: كذّاب. ورواه عنه أحمد بسند رجاله ثقات، كما بيّنه الهيثمي، فكان ينبغي للمؤلف- يعني السّيوطي- عزوه له. انتهى كلام المناوي رحمه الله تعالى.
287-
( «لا يغني حذر من قدر» ) وإنّما يستعمل العبد الحذر!! لأنّه من جملة الأسباب المأمور بمباشرتها؛ فهو يحترز حسب الاستطاعة؛ معتقدا أنّه لا يدفع القضاء المبرم.
والحديث ذكره في «كشف الخفا» وقال: رواه الإمام أحمد، والحاكم
288-
«لا يلدغ المؤمن.. من جحر مرّتين» .
وصحّحه؛ عن عائشة مرفوعا. وأخرجه الدّيلمي؛ عن عائشة ومعاذ بلفظ:
«لا ينفع حذر من قدر، والدّعاء ينفع ممّا نزل» . انتهى.
وذكره في «الجامع» مرموزا له برمز الحاكم، في «كتاب الدّعاء» ؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قال المناوي: وتمامه عند الحاكم «والدّعاء ينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل، وإنّ البلاء لينزل فيتلقّاه الدّعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» .
انتهى.
ثم قال المناوي: قال الحاكم: صحيح، وتعقّبه الذّهبي في «التلخيص» بأنّ زكريا بن منصور أحد رجاله مجمع على ضعفه. انتهى.
وفي «الميزان» : ضعّفه ابن معين ووهّاه أبو زرعة. وقال البخاري: منكر الحديث، وساق له هذا الخبر، وقال ابن الجوزي: حديث لا يصحّ. انتهى كلام المناوي.
288-
( «لا يلدغ) - بالمثنّاة التحتيّة المضمومة واللام الساكنة وبالدّال المهملة المفتوحة والغين المعجمة- (المؤمن من جحر) - بضم الجيم فحاء مهملة- (مرّتين» ) .
قال الشّهاب الخفاجي: أريد بها التكرار؛ كقوله تعالى فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [3- 4/ الملك] لكنّه اقتصر على الأقل، لأنّه أنسب بالجزم.
انتهى.
قال المناوي:
روي 1- برفع الغين المعجمة نفي؛ معناه المؤمن المتيقّظ الحازم لا يؤتى من قبل الغافلة فيخدع مرة بعد أخرى، و 2- بكسر الغين نهي؛ أي؛ ليكن فطنا كيّسا لئلا يقع في مكروه بعد وقوعه فيه مرة قبلها. وذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم الّتي لم يسبق إليها.
289-
«لا يكون الرّجل من المتّقين.. حتّى يدع ما لا بأس فيه، حذرا ممّا به بأس» .
أراد به تنبيه المؤمن على عدم عوده لمحلّ حصول مضرّة سبقت له فيه، وكما أن هذا مطلوب في أمر الدّنيا؛ فكذا في أمور الآخرة، فالمؤمن إذا أذنب ينبغي أن يتألّم قلبه كاللّديغ، ويضطرب ولا يعود. انتهى.
وسبب الحديث أنّ أبا عزة الجمحي «1» أسر ببدر فمنّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يهجوه، ولا يحرّض عليه؛ فغدر، ثم أسر بأحد، فقال: يا رسول الله؛ غلبت أقلني. فقال: «لا أدعك تمسح عارضيك بمكّة تقول (خدعت محمّدا مرّتين) ! وإنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين» . ثم أمر بضرب عنقه، فصار الحديث مثلا.
ولم يسمع ذلك قبل المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نعم ذكر الشّهاب الخفاجي: أنّ من حكم اليونان وأمثالهم قولهم: لا يرمى العاقل بحجر مرتين. فانظر الفرق بين كلام النّبوّة وغيرها!!.
وفي «العزيزي» : قيل: المراد بالمؤمن في هذا الحديث الكامل الّذي أوقفته معرفته على غوامض الأمور، حتى صار يحذر مما سيقع، وأمّا المؤمن المغفّل! فقد يلدغ مرارا من جحر.
وفيه أدب شريف أدّب به النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمّته، ونبّههم كيف يحذرون ممّا يخافون سوء عاقبته. انتهى.
والحديث ذكره في «الجامع» مرموزا له برمز الإمام أحمد، والشّيخين:
البخاري ومسلم، وأبي داود، وابن ماجه كلّهم؛ عن أبي هريرة، وبرمز الإمام أحمد وابن ماجه كلاهما؛ عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
289-
( «لا يكون الرّجل من المتّقين) - أي: لا يبلغ العبد حقيقة التّقوى- (حتّى يدع ما لا بأس فيه حذرا ممّا به بأس» ) أي: يترك فضول الحلال؛ حذرا من
(1) وكان شاعرا.
290-
«لا يؤمن أحدكم.. حتّى يحبّ
…
الوقوع في الحرام، ويسمّى هذا ورع المتّقين. وهذه الدرجة الثانية من درجات الورع.
قال عمر: كنّا ندع تسعة أعشار الحلال خوف الوقوع في الحرام.
وكان بعضهم يأخذ ما يأخذ بنقصان حبّة، ويعطي ما عليه بزيادة حبّة. ولذلك أخذ عمر بن عبد العزيز بأنفه «1» من ريح المسك الذي لبيت المال، وقال: هل ينتفع إلّا بريحه!!
ومن ذلك ترك النّظر إلى تجمّل أهل الدنيا، فإنّه يحرّك داعية الرّغبة فيها. انتهى «عزيزي» .
والحديث ذكره في «الجامع» بلفظ: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين حتّى يدع ما لا بأس به حذرا ممّا به بأس» ورمز له برمز التّرمذي وابن ماجه والحاكم كلهم؛ عن عطية بن عروة السّعدي رضي الله تعالى عنه، وقال التّرمذي: حسن غريب. انتهى بزيادة من المناوي.
290-
( «لا يؤمن أحدكم) إيمانا كاملا؛ فالمراد بنفيه هنا نفي بلوغ حقيقته ونهايته، كخبر «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن» ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال مستفيض في كلامهم، كقولهم: فلان ليس بإنسان. ولا يرد استلزامه أنّ فاعل ذلك يكمل إيمانه؛ وإن ترك بقيّة الأركان!! لأنّ هذا ورد مورد المبالغة، ويستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم لأخيه المسلم ملاحظة بقية صفات المسلم. وصرّح في رواية ابن حبّان بالمراد، ولفظ «لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان» إذ معنى الحقيقة الكمال ضرورة إن من لم يتّصف بهذه الصّفة لا يكون كافرا.
(حتّى يحبّ) - بالنّصب، لأنّ «حتّى» جارّة و «أن» بعدها مضمرة،
(1) أي: يمسك بيده على أنفه لئلا يتمتع بريح المسك. (عبد الجليل) .
لأخيه ما يحبّ لنفسه» .
ولا يجوز الرّفع فتكون «حتّى» عاطفة!! لفساد المعنى، إذ عدم الإيمان ليس سببا للمحبّة. ذكره الكرماني- (لأخيه) - المسلم كما زاده في رواية الإسماعيلي ولعلّه غالبي، فالمسلم ينبغي حبّه للكافر الإسلام، وما يترتب عليه من خير وأجر- (ما يحبّ لنفسه» ) من الخير؛ كما في رواية النّسائي وابن منده والإسماعيلي والقضاعي، والمراد أن يحبّ لأخيه من الخير نظير ما حصل له من جهة لا يزاحمه فيها.
وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له مع سلبه عنه، ولا مع بقائه بعينه؛ إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلّين محال، قال الكرماني: ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشّر، ولم يذكره! لأنّ حبّ الشّيء مستلزم لبغض نقيضه، فترك النصّ عليه اكتفاء. انتهى.
وذلك ليكون المؤمنون كنفس واحدة، ومقصود الحديث انتظام أحوال المعاش والمعاد، والجري على قانون السّداد وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [103/ آل عمران] وعماد ذلك كلّه وأساسه السّلامة من الأدواء القلبيّة، فالحاسد يكره أن يفوقه أحد، أو يساويه في شيء، والإيمان يقتضي المشاركة في كل خير؛ من غير أن ينقص على أحد من نصيب أحد شيء.
نعم؛ ومن كمال الإيمان تمنّي مثل فضائله الآخروية الّتي فاقه فيها غيره.
وقوله وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ [32/ النساء] نهي عن الحسد المذموم، فإذا فاقه أحد في فضل ديني اجتهد في لحاقه، وحزن على تقصيره، لا حسدا؛ بل منافسة في الخير، وغبطة. انتهى «مناوي وزرقاني» .
قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي: جماع آداب الخير تتفرع من أربعة أحاديث «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ، وحديث «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ، وحديث «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ، وقوله للذي اختصر له في الوصية «لا تغضب» . انتهى عزيزي ك «شرح مسلم» .
291-
«لا يؤمن أحدكم.. حتّى يكون هواه
…
والحديث ذكره في «الجامع الصغير» ، قال الزّرقاني: أخرجه الشيخان:
البخاري ومسلم، والتّرمذي والنّسائي وابن ماجه؛ عن أنس رضي الله عنه.
لكن لفظ رواية مسلم: «حتّى يحبّ لأخيه- أو قال- جاره» . ورواية البخاري وغيره: «لأخيه» بلا شك. انتهى. ونحوه في «الجامع الصغير» مع المناوي رحمهم الله تعالى.
291-
( «لا يؤمن أحدكم) إيمانا كاملا (حتّى يكون هواه)، بالقصر:
ما يهواه أي: تحبّه نفسه وتميل إليه، وجمعه أهواء، والمعروف في استعمال الهوى عند الإطلاق أنّه الميل إلى خلاف الحقّ، وهذا هو الغالب، ومنه وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [26/ ص] ، وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40)[النازعات] .
ومنه قول ابن دريد:
وآفة العقل الهوى فمن علا
…
على هواه عقله فقد نجا
وقول هشام بن عبد الملك:
إذا لم تكن تعصي الهوى قادك الهوى
…
إلى بعض ما فيه عليك مقال
وقول آخر:
إنّ الهوان من الهوى قصر اسمه
…
فإذا هويت فقد لقيت هوانا
وقول آخر:
نون الهوان من الهوى مسروقة
…
وصريع كلّ هوى صريع هوان
وقد يطلق الهوى بمعنى مطلق الميل والمحبّة؛ فيشمل الميل للحقّ وغيره، ويطلب بمعنى محبّة الحقّ خاصّة، والانقياد إليه، ومنه ما في هذا الحديث، ومنه قول عائشة رضي الله عنها لما نزل قوله تعالى تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ
لما جئت به» .)
تَشاءُ [51/ الأحزاب] قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ما أرى ربك إلّا يسارع في هواك، وقول عمر رضي الله عنه في قصة المشاورة في أسارى بدر- «فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله أبو بكر ولم يهو ما قلت» ؛
فتبيّن أنّ للهوى ثلاث إطلاقات: 1- الميل إلى خلاف الحقّ، وهو الغالب.
و2- مطلق الميل الشّامل للحقّ وغيره. و 3- الميل إلى الحقّ خاصّة.
وهذا كلّه في المقصور؛ أمّا الممدود [الهواء] فهو الجرم الّذي بين السماء والأرض، وكلّ متجوّف، وجمعه أهوية.
(تبعا لما جئت به» ) من هذه الشّريعة المطهّرة الكاملة، بأن يميل قلبه وطبعه إليه؛ كميله لمحبوباته الدنيويّة الّتي جبل على الميل إليها من غير مجاهدة وتصبّر، بل يهواها كما يهوى المحبوبات المشتهيات، إذ من أحبّ شيئا أتبعه هواه، ومال عن غيره إليه، ومن ثمّ آثر التعبير بذلك، على نحو «حتّى يأتمر بكلّ ما جئت به» لأنّ المأمور بالشيء قد يفعله اضطرارا. انتهى؛ من شرح ابن حجر الهيتمي على «الأربعين النووية» .
وقال الإمام النّووي رحمه الله تعالى: يعني أنّ الشّخص يجب عليه أن يعرض عمله على الكتاب والسنّة، ويخالف هواه، ويتّبع ما جاء به النّبي صلى الله عليه وسلم، وهذا نظير قوله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [36/ الأحزاب] فليس لأحد مع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أمر ولا هوى.
وعن إبراهيم بن محمد الكوفيّ قال: رأيت الشّافعي بمكة يفتي النّاس ورأيت إسحاق بن راهواه وأحمد ابن حنبل حاضرين، فقال أحمد لإسحاق: تعال حتّى أريك رجلا لم تر عيناك مثله، فقال له إسحاق: لم تر عيناي مثله!! قال: نعم.
فجاء به فوقفه على الشّافعي.
فذكر القصة إلى أن قال: ثمّ تقدّم إسحاق إلى مجلس الشّافعي فسأله عن كراء
.........
بيوت مكة. فقال الشّافعي: هذا عندنا جائز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فهل ترك لنا عقيل من دار!!» .
فقال إسحاق: أخبرنا يزيد بن هارون؛ عن هشام؛ عن الحسن أنّه لم يكن يرى ذلك!، وعطاء وطاووس لم يكونا يريان ذلك!!
فقال له الشّافعي: أنت الّذي تزعم أهل خراسان أنّك فقيههم؟!.
قال إسحاق: كذلك يزعمون؟!
قال الشّافعي: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك فكنت آمر بفرك أذنيه.
أنا أقول: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأنت تقول: قال عطاء وطاووس والحسن وإبراهيم؛ هؤلاء لا يرون ذلك» ؟! وهل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجّة؟.
ثمّ قال الشّافعي: قال الله تعالى لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ [59/ الحشر] أفتنسب الدّيار إلى مالكين؛ أو غير مالكين؟.
قال إسحاق: إلى مالكين!.
قال الشافعي: فقول الله تعالى أصدق الأقاويل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ؛ وقد اشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دار الحجلتين!؟ وذكر الشّافعي جماعات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له إسحاق: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ [الحج/ 52] !! فقال له الشّافعي:
فالمراد به المسجد خاصّة؛ وهو الّذي حول الكعبة، ولو كان كما تزعم لكان لا يجوز لأحد أن ينشد في دور مكّة ضالّة، ولا تحبس فيها البدن، ولا تلقى الأرواث، ولكن هذا في المسجد خاصّة!.
فسكت إسحاق ولم يتكلّم. فسكت الشّافعي عنه رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ونفعنا بعلومهم آمين.
والحديث ذكره النّووي في «الأربعين» ؛ وقال: حديث صحيح روّيناه في كتاب «الحجّة» بإسناد صحيح.
.........
قال ابن حجر: كتاب «الحجّة في اتباع المحجّة» في عقيدة أهل السنّة لتضمّنه ذكر أصول الدّين على قواعد أهل الحديث، وهو كتاب جيد نافع وقدره ك «التنبيه» مرة ونصفا تقريبا، ومؤلفه هو العلامة أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني الحافظ؛ كذا قاله بعضهم! وخالفه غيره؛ فقال: إنّه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشّافعي، الفقيه الزاهد نزيل دمشق. انتهى.
قال بعضهم: ورواه محيي السّنّة في «المصابيح» و «شرح السنة» . انتهى.
قال ابن حجر: وهو على وجازته واختصاره يجمع ما في هذه «الأربعين» وغيرها؛ من دواوين السّنّة، وبيانه أنّه صلى الله عليه وسلم إنّما جاء بالحقّ وصدّق المرسلين، وهذا الحقّ إن فسّر بالدّين شمل الإيمان والإسلام والنّصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامّتهم، والاستقامة، وهذه أمور جامعة لا يبقى بعدها إلّا تفاصيلها، أو بالتّقوى فهي مشتملة على ما ذكرناه أيضا، فإذا كان كذلك؛ كان هوى الإنسان تبعا لما جاء به النّبيّ صلى الله عليه وسلم من الدّين والتّقوى.
وعلم من الحديث أنّ من كان هواه تابعا لجميع ما جاء به النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا كاملا، وضدّه؛ وهو من أعرض عن جميع ما جاء به النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومنه الإيمان- فهو الكافر؛ وأما من اتبع البعض؛ فإن كان ما اتّبعه أصل الدّين؛ وهو الإيمان، وترك ما سواه؛ فهو الفاسق، وعكسه المنافق، واستمداد الحديث من قوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ
[65/ النساء]
…
الآية، إذ فيها غاية التعظيم لحقّه صلى الله عليه وسلم والتأدّب معه، ووجوب محبّته واتّباعه فيما يأمر به من غير توقّف؛ ولا تلعثم، ومن ثمّ لم يكتف بالتّحكيم، بل عقّبه بقوله ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ولم يكتف بهذا أيضا، بل زاد التأكيد بقوله وَيُسَلِّمُوا [65/ النساء] ، ولم يكتف به أيضا، بل زاد فيه فأتى بالمصدر الرافع لاحتمال التجوّز؛ فقال تَسْلِيماً (65)[النساء] ، وبهذا التسليم تكون النّفس مطمئنّة لحكمه، منشرحة به، لا توقف عندها فيه بوجه. انتهى.
292-
«لا يؤمن عبد.. حتّى يكون قلبه ولسانه سواء» .
292-
( «لا يؤمن عبد حتّى يكون قلبه ولسانه سواء» ) في كون ما يظهر على لسانه هو ما يكنّه قلبه، من حسن معاملة الخلق والخالق.
والحديث ذكره في «كشف الخفاء» ، وقال: رواه الإمام أحمد؛ عن أنس.
وفي الباب عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. انتهى.
وذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الإمام أحمد رحمه الله تعالى.