المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(حرف الياء) ] - منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول - جـ ٤

[عبد الله عبادى اللحجى]

الفصل: ‌(حرف الياء) ]

[ ‌

(حرف الياء) ]

(حرف الياء) 293- «يا ابن آدم؛ ارض من الدّنيا.. بالقوت؛ فإنّ القوت لمن يموت كثير» .

294-

«يا أبا بكر؛ ما ظنّك باثنين الله ثالثهما» . قاله له في الغار.

(حرف الياء) 293- ( «يا ابن آدم) المراد ب «ابن آدم» الجنس (ارض من الدّنيا بالقوت) ؛ أي: بما يسدّ الرّمق بغير زيادة على ذلك، قيل: سمّي قوتا! لحصول القوة منه؛ ذلك لأن ما أحوج من الفقر مكروه، وما أبطر من الغنى مذموم، والكفاف حالة متوسّطة بين الفقر والغنى، وخير الأمور أوساطها، ولذلك سأله المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله:«اللهمّ اجعل رزق آل محمّد قوتا» . ومعلوم أنّه لا يسأل [الله] إلّا أفضل الأحوال.

(فإنّ القوت لمن يموت كثير» ) هذا مبالغة في التقلّل من الدّنيا، وإلّا! فإن الإنسان لا يستغني عن القوت، إذ هو البلغة، وبه قوام البنية.

وأقطاب القوت: الكنّ، والكسوة، والشّبع، والرّيّ؛ فمن توفّرت له فهو مكفيّ، كما جاء ذلك في حديث رواه التّرمذي في «الزّهد» ، والحاكم في «الرّقاق» كلاهما؛ عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه:«ليس لابن آدم حقّ فيما سوى هذه الخصال، بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز، والماء» قال التّرمذي:

حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح، وأقرّه الذّهبيّ. والله أعلم.

294-

( «يا أبا بكر) - الصّدّيق- (ما ظنّك باثنين) - يعني: نفسه وأبا بكر- (الله ثالثهما) بالنّصرة والإعانة. وفي رواية: «اسكت؛ يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما» . وهذا (قاله) النّبيّ صلى الله عليه وسلم (له) ؛ أي: لأبي بكر الصّدّيق وهما ماكثان (في الغار) المعهود؛ وهو غار ثور جبل من جبال مكّة بأسفلها؛ على مسير

ص: 104

295-

«يا أبا ذرّ؛ جدّد السّفينة، فإنّ البحر عميق» .

296-

«يا أنس؛ أطب كسبك.. تستجب دعوتك» .

ساعتين تقريبا، وذلك في خروجهما متوجّهين إلى المدينة للهجرة، ولمّا بعثت قريش الطّلب في آثارهما؛ وكانا مختفيين في الغار المذكور، ووصلت قريش إلى باب الغار؛ قال سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم: لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصارنا! فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ما ظنّك باثنين الله ثالثهما» !

والحديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما؛ عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه؛ وفيه منقبة ظاهرة لسيّدنا أبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه.

295-

( «يا أبا ذرّ؛ جدّد السّفينة) - أي: أكثر من الأعمال الصّالحة ما دمت في هذه الحياة الدّنيا- (فإنّ البحر عميق» ) يعني: يوم القيامة الّتي تستقلّ فيه الأعمال الصّالحة لما اشتمل عليه من الهول؛

فشبّه الأعمال الصّالحة الكثيرة في تعاضدها؛ إذ يتسبب عنها تخليص صاحبها من الأهوال؛ بالسّفينة الجديدة في قوّتها وتحمّلها ما يطرأ عليها من مصادمات وأخطار المتسبّب ذلك في نجاة ركابها.

وشبّه يوم القيامة وما اشتمل عليه من أهوال يشيب فيها الوليد؛ بحيث لا ينجيه من ذلك إلّا كثرة الأعمال الصّالحة؛ شبّهه بالبحر العميق المحاط بالأخطار، بحيث لا ينجيه منه إلّا السّفينة السليمة الآلات، القوية في المعدات، أمّا غيرها! فيخشى عليه الوقوع في الهلاك. وهذا من أبدع الكلام وأحسن الاستعارة.

وهذا الحديث ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الدّيلمي في «الفردوس» .

296-

( «يا أنس؛ أطب كسبك) - أي: مطعمك، وكسوتك، وتوابعهما، وأهمّها المطعم بأن يكون ذلك من حلال، سليما من الشّبهة، فإذا فعلت ذلك (تستجب دعوتك» ) أي: دعاؤك إن دعوت الله تعالى في أمر من الأمور، وحاجة من الحاجات.

ص: 105

297-

«يا حرملة؛ ائت المعروف واجتنب المنكر» .

وهذا كقوله لسعد: «أطب طعمتك تجب دعوتك» . أمّا من كان مطعمه من حرام، وملبسه من حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له!!.

والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الدّيلمي في «الفردوس» .

297-

( «يا حرملة) - بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الميم- ابن عبد الله بن إياس- وربّما نسب إلى جدّه فظنّ أنّه غيره- وهو التميمي العنبري الصحابي، كان من أهل الصّفّة، ونزل البصرة، قال: قلت يا رسول الله؛ ما تأمرني به أعمل!! فقال:

(ائت المعروف) أي: افعله. والمعروف: ما عرفه الشّرع، وهو الواجب والمندوب، (واجتنب المنكر» ) ؛ أي: لا تقربه، والمنكر: ما أنكره الشّرع، وهو المكروه والحرام.

والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الطّيالسي.

وذكره في «الجامع» بلفظ: «ائت المعروف، واجتنب المنكر، وانظر ما يعجب أذنك أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فأته. وانظر الّذي تكره أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فاجتنبه» .

ورمز له برمز البخاري في «الأدب المفرد» ، والبيهقي في «شعب الإيمان» ، وابن سعد، والبغوي في «معجمه» ، والباوردي في «معرفة الصحابة» ؛ كلّهم عن حرملة المذكور وليس له غيره.

قال المناوي: يعني لا يعرف له رواية غير هذا الحديث.

ثمّ قال المناوي: وكلام الحافظ ابن حجر مصرّح بحسن الحديث، فإنّه قال:

حديثه- يعني حرملة- في «الأدب المفرد» للبخاري، «ومسند الطيالسي» وغيرهما بإسناد حسن. انتهى.

ص: 106

298-

«يا حبّذا كلّ ناطق عالم، وكلّ مستمع واع» .

299-

«يا حذيفة؛ عليك بكتاب الله» .

300-

«يا عبادة؛ اسمع وأطع في عسرك ويسرك» .

298-

(يا) للتنبيه؛ أو للنّداء، والمنادى محذوف أي: يا قوم (حبّذا) :

كلمة مدح ركبت من كلمتين «حبّ» فعل ماض، و «ذا» اسم إشارة، وأصله حبّب بضمّ الحاء- وهو مسند إلى اسم الإشارة إلّا أنهما جريا بعد التّركيب مجرى الأمثال الّتي لا تتغيّر؛ أي حبّ هذا الأمر المذكور في قوله

(كلّ ناطق عالم) ؛ أي: متكلّم عن علم بما يتكلّم، لا سيما إذا انضاف إلى ذلك العمل بما يعلمه وبما يقوله، (وكلّ مستمع واع) ؛ أي: حافظ لما يسمعه من العلم، فإنّ هذا هو الّذي يزداد علما كلما طلعت عليه شمس يوم.

والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الدّيلمي في «الفردوس» .

299-

( «يا حذيفة) بن اليمان (عليك) اسم فعل بمعنى «الزم» ، وقوله (بكتاب الله» ) ! بباء الجر، واستشكاله بتعديته بنفسه في نحو عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائدة/ 105] !! دفعه الرضيّ بأن أسماء الأفعال؛ وإن كان حكمها في التعدّي واللّزوم حكم الأفعال التي هي بمعناها؛ لكن كثيرا ما تزاد الباء في مفعولها؛ نحو «عليك به» لضعفها في العمل. انتهى «مناوي» .

أي: الزم تلاوة كتاب الله تعالى القرآن، وتدبّره، واتّخذه إماما وقائدا، آمن بمتشابهه، واعتبر بأمثاله، واعمل بأحكامه.

والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الإمام أحمد.

300-

( «يا عبادة؛ اسمع وأطع) أميرك في كلّ ما يأمر به؛ وإن شقّ ما لم يكن إثما، وجمع بينهما تأكيدا!! للاهتمام بالمقام؛ أي: اسمع وأطع على كل حال (في عسرك) ؛ أي: ضيقك وشدّتك، (ويسرك» ) - بضمّ أوّله وسكون

ص: 107

301-

«يا عقبة؛ صل من قطعك، وأعط من حرمك» .

302-

«يا عليّ؛ لا ترج إلّا ربّك، ولا تخف إلّا ذنبك» .

303-

«يا عمرو؛ نعمّا بالمال الصّالح للرّجل الصّالح» .

السّين المهملة-: نقيض العسر، يعني: في حال فقرك وغناك.

والحديث ذكره المناوي في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الإمام أحمد.

301-

( «يا عقبة؛ صل من قطعك) من ذوي قرابتك وغيرهم، (وأعط من حرمك» ) عطاءه أو مودّته، أو معروفه.

والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الإمام أحمد.

302-

( «يا عليّ؛ لا ترج) في قضاء حاجتك (إلّا ربّك) ؛ لا غيره من المخلوقين، (ولا تخف) أحدا (إلّا ذنبك» ) يعني؛ إذا وقعت في الذّنب فخف أن يصيبك من الله شيء؛ عقابا لذنبك الّذي ارتكبته.

والحديث ذكره المناوي في «الكنوز» مرموزا له برمز الدّيلمي في «الفردوس» .

303-

( «يا عمرو) بن العاص (؛ نعمّا بالمال) قال في «النّهاية» : أصله «نعم ما» ؛ فأدغم وشدّد، و «ما» غير موصوفة ولا موصولة، كأنّه قال: نعم شيئا المال (الصّالح) . والباء زائدة مثل زيادتها في وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)[الأحزاب] انتهى.

(للرّجل الصّالح) الّذي يقيم به أوده، ويستعين به على آخرته.

والحديث ذكره في «مجمع الزوائد» عن عمرو بن العاص قال: بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «خذ عليك ثيابك وسلاحك ثمّ ائتني» ، - قال: فأتيته وهو يتوضّأ فصعّد فيّ البصر ثمّ طأطأ؛ فقال: «إنّي أريد أن أبعثك على جيش فيسلّمك الله ويغنمك وأرغب لك من المال رغبة صالحة» ، فقلت: - يا رسول الله

ص: 108

304-

«يا عمّ رسول الله؛ أكثر من الدّعاء بالعافية» ، قاله للعبّاس.

305-

«يا فاطمة؛ كوني له أمّة.. يكن لك عبدا» .

ما أسلمت من أجل المال، ولكنّي أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال: «يا عمرو نعمّا بالمال الصّالح للمرء الصّالح» رواه أحمد، وقال: كذا في النّسخة «نعمّا» بنصب النّون وكسر العين، وقال أبو عبيدة: بكسر النّون والعين.

ورواه الطّبراني في «الأوسط» و «الكبير» وقال فيه: ولكن أسلمت رغبة في الإسلام وأكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: «نعم ونعمّا بالمال الصّالح للمرء الصّالح» . انتهى كلام «مجمع الزوائد» .

304-

(يا عمّ رسول الله؛ أكثر من الدّعاء بالعافية» ) أي: السّلامة من الشّدائد والبلايا والمكاره الدّنيوية والآخرويّة، أي: أكثر من الدّعاء بدوامها واستمرارها عليك، لأنّها جامعة لأنواع خير الدّارين من الصّحة في الدّنيا؛ والسّلامة في العقبى، ومن كملت له العافية علّق قلبه بملاحظة مولاه، وعوفي من التّعلّق بسواه.

قال الدّيلمي: وهذا (قاله للعبّاس) عمّه حين قال: يا رسول الله؛ علمني شيئا أسأله الله. فذكره.

والحديث ذكره في «الجامع» مرموزا له برمز الحاكم؛ عن ابن عباس.

ورواه عنه الطّبراني باللّفظ المزبور، وفيه راو ضعّفه جمع، وبقيّة رجاله ثقات. وذكره المناوي في «الكنوز» باللفظ المزبور.

305-

( «يا فاطمة؛ كوني له) - أي: زوجها عليّ- (أمة) - أي: مطيعة كالأمة المطيعة لسيّدها- (يكن لك) - أي: بعلك- (عبدا» ) موافقا منقادا، كالعبد الموافق لسيّده في أغراضه.

ص: 109

306-

«يبصر أحدكم القذى في عين أخيه.. وينسى الجذع في عينه» .

307-

«يسّروا

306-

( «يبصر أحدكم القذى) - جمع: قذاة، وهي ما يقع في العين والماء والشّراب من نحو تراب وتبن ووسخ- (في عين أخيه) - في الإسلام- (وينسى الجذع) - واحد: جذوع النّخل- (في عينه» ) أي: في عين نفسه، كأنّ الإنسان لنقصه وحبّ نفسه يتوفّر على تدقيق النّظر في عيب أخيه فيدركه مع خفائه، فيعمى به عن عيب في نفسه ظاهر لا خفاء به.

وهذا مثل ضرب لمن يرى الصغير من عيوب النّاس ويعيّرهم به، وفيه من العيوب ما نسبته إليه كنسبة الجذع إلى القذاة، وذلك من أقبح القبائح وأفضح الفضائح، فرحم الله من حفظ قلبه ولسانه ولزم شأنه، وكفّ عن عرض أخيه، وأعرض عمّا لا يعنيه، فمن حفظ هذه الوصيّة دامت سلامته وقلّت ندامته، فتسليم الأحوال لأهلها أسلم، والله أعلى وأعلم. ولله درّ القائل:

أرى كلّ إنسان يرى عيب غيره

ويعمى عن العيب الّذي هو فيه

فلا خير فيمن لا يرى عيب نفسه

ويبصر عيبا كائنا بأخيه

والحديث ذكره في «الجامع الصغير» مرموزا له برمز أبي نعيم في «الحلية» ؛ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

قال المناوي في «شرحه» : ورواه القضاعي، وهو حديث حسن. انتهى.

وذكره في «كشف الخفا» وقال: رواه الإمام أحمد؛ عن أبي هريرة، وابن أبي الدّنيا في «المداراة» ؛ عن بكر بن عبد الله المزني قال:«إذا رأيتم الرّجل موكّلا بذنوب النّاس، ناسيا لذنبه، فاعلموا أنّه قد مكر به» .

وروى الدّيلمي؛ عن أنس: «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس» . انتهى.

307-

( «يسّروا) - بفتح فتشديد-؛ أي: خذوا بما فيه التّيسير على النّاس

ص: 110

ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا» .

بذكر ما يؤلّفهم لقبول الموعظة في جميع الأيّام، لئلا يثقل عليهم فينفروا، وذلك لأن التّيسير في التعليم يورّث قبول الطاعة، ويرغّب في العبادة، ويسهل به العلم والعمل.

(ولا تعسّروا) ؛ لا تشدّدوا، أردفه بنفي التعسير مع أنّ الأمر بشيء نهي عن ضده تصريحا بما لزم ضمنا للتأكيد. ذكره الكرماني. وأولى منه قول جمع (عقّبه به إيذانا بأن مراده نفي التّعسير رأسا، ولو اقتصر على «يسّروا» لصدق على كل من يسّر مرّة وعسّر كثيرا) ، كذا قرره أئمة هذا الشّأن، ومنهم النّووي وغيره.

(وبشّروا) بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، وشمول عفوه ومغفرته؛ من التّبشير، وهو إدخال السّرور، والبشارة: الإخبار بخبر سار.

وقوله «بشّروا» بعد قوله «يسّروا» فيه جناس خطيّ «1» ، ولم يكتف به، بل أردفه بقوله:

(ولا تنفّروا» ) لما مرّ وهو من التّنفير؛ أي: لا تذكروا شيئا تنهزمون منه، ولا تصدّروا بما فيه الشّدّة.

وقابل «2» به «بشّروا» مع أنّ ضد البشارة النّذارة!! لأن القصد من النفارة التّنفير، فصرّح بالمقصود منها.

وهذا الحديث- كما قاله الكرماني وغيره- من جوامع الكلم لاشتماله على الدّنيا والآخرة، لأن الدّنيا دار العمل؛ والآخرة دار الجزاء، فأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالدّنيا بالتسهيل، وفيما يتعلّق بالآخرة بالوعد الجميل والإخبار بالسّرور؛ تحقيقا لكونه رحمة للعالمين في الدّارين.

(1) وهو المسمّى «جناسا غير تامّ» لعدم اتحاد نوع الحروف.

(2)

من المقابلة أحد أنواع علم البديع؛ من علوم البلاغة، وهي ذكر المعنى وضدّه.

ص: 111

308-

«اليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع» .

وفيه الأمر بالتّيسير بسعة الرّحمة والنّهي عن التّنفير بذكر التّخويف؛ أي: من غير ضمّه إلى التّبشير، وتأليف من قرب عهده بالإسلام، وترك التّشديد عليه والأخذ بالرّفق، وتحسين الظّنّ بالله لكن لا يجعل وعظه كلّه رجاء، بل يشوبه بالخوف.

انتهى مناوي على «الجامع» .

والحديث ذكره في «الجامع» مرموزا له برمز الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنّسائي؛ كلهم عن أنس رضي الله تعالى عنه.

قال المناوي. ورواه البخاري وغيره؛ عن أبي موسى الأشعري، وذكر أنّه قال ذلك له ولمعاذ لمّا بعثهما إلى اليمن، وزاد- بعد ما ذكر هنا-:«وتطاوعا ولا تختلفا» .

قال أبو البقاء: وإنّما قال «يسّروا» بالجمع مع أنّ المخاطب اثنان!! لأن الاثنين جمع في الحقيقة، إذ الجمع ضمّ إلى شيء إلى شيء. أو يقال: إن الاثنين أميران، والأمير إذا قال شيئا توقع قبول الأمر إلى الجمع، أو أراد أمرهما وأمر من يوليانه. انتهى.

308-

( «اليمين الفاجرة) - أي: الكاذبة- (تدع) - أي: تترك- (الدّيار بلاقع» ) بفتح الباء واللّام، وكسر القاف؛ جمع: بلقع؛ وهي الأرض القفراء الّتي لا شيء فيها.

يريد أن الحالف كاذبا يفتقر، ويذهب ما في بيته من الرّزق.

وقيل: هو أن يفرّق الله شمله، ويغيّر عليه ما أولاه من نعمه.

والحديث ذكره في «المواهب» ، وقال: رواه الديلمي في «مسند الفردوس» من حديث أبي هريرة مرفوعا، وذكره في «الجامع» بلفظ:«ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرّحم، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع» ورمز له برمز البيهقي في «سننه» ؛ عن أبي هريرة

ص: 112

309-

«اليوم.. الرّهان، وغدا.. السّباق، والغاية.. الجنّة، والهالك.. من دخل النّار» .

رضي الله تعالى عنه، وإسناده حسن؛ كما في «العزيزي» .

309-

( «اليوم) - أي: الدّنيا- (الرّهان) - بكسر الرّاء- قال المجد:

المخاطرة والمسابقة على الخيل. انتهى. استعير للمسابقة على الأعمال في الدنيا، كما قال تعالى سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [21/ الحديد] قال البيضاوي: سابقوا؛ سارعوا مسارعة المتسابقين في المضمار.

(وغدا) - أي: يوم القيامة- (السّباق) - بالكسر- مصدر سابق مسابقة وسباقا بمعنى السّبق- بفتحتين-: ما يجعل من المال رهنا على المسابقة، استعير للأعمال التي يلقاها العاملون يوم القيامة.

(والغاية) التي يقع عليها الرّهان (الجنّة)، فيه حذف دلّ عليه المذكور؛ أي: والنّار. فالفائز من دخل الجنّة، (والهالك من دخل النّار» ) .

والمعنى: الفائز من عمل الأعمال الصّالحة، وفعل المأمورات، واجتنب المنهيّات؛ فدخل الجنّة، فرفعت له فيها الدّرجات، والهالك من فعل المعاصي، فال إلى استحقاق دخول النّار.

وحاصل معنى الحديث: أنّ الدّنيا بتمامها للنّاس كيوم يتسابق فيه المتسابقون على خيلهم إلى غاية معلومة لهم، وقد جعلوا مالا يأخذه السّابق غدا، فمن عمل الصّالحات فاز بذلك الجعل؛ الذي هو الجنّة، بمقتضى الوعد الصادق. ومن عمل السّيئات حرم الجعل واستحقّ النّار، بمقتضى الوعيد ما لم يعف عنه؛ إن كان مسلما. هذا ما ظهر لي، ولم أر أحدا شرحه.

وبقيّة الحديث: «أنا الأوّل، وأبو بكر الثّاني، وعمر الثّالث، والنّاس بعد على السّبق الأوّل فالأوّل» . رواه الطّبرانيّ، وابن عديّ، والخطيب؛ عن ابن عبّاس بتمامه مرفوعا، وفيه أصرم بن حوشب: منكر الحديث. انتهى «زرقاني» .

ص: 113

310-

«يا أيّها النّاس؛ ألا تستحيون؟! تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون» .

311-

«يا أيّها النّاس؛ أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا والنّاس نيام.. تدخلوا الجنّة بسلام» .

310-

( «يا أيّها النّاس)، قال ابن مالك في «شرح الكافية» : إذا قلت «أيّها الرّجل» ف «أيّها» و «الرّجل» كاسم واحد، و «أيّ» مدعوّ، و «الرّجل» : نعت له ملازم، لأنّ «أيّ» مبهم لا يستعمل بغير صلة؛ إلّا في الجزاء والاستفهام.

و «ها» حرف تنبيه، فإذا قلت «يا أيّها الرّجل» لم يصحّ في «الرّجل» إلّا الرّفع، لأنّه المنادى حقيقة، و «أيّ» يتوصّل به إليه، وإن قصد به مؤنّث زيدت التّاء، نحو يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)[الفجر] . انتهى «مناوي» .

(ألا تستحيون) من الله تعالى!! (تجمعون ما لا تأكلون) أي: ما يزيد على كفايتكم، (وتبنون ما لا تسكنون» ) ؛ بل عن قريب منه راحلون!!. أو المراد ما يزيد على قدر حاجتكم.

311-

( «يا أيّها النّاس؛ أفشوا السّلام) - بقطع الهمزة-، أي: انشروه وأعلنوه بين من تعرفونه، ومن لا تعرفونه من المسلمين الّذين يندب عليهم السلام.

(وأطعموا الطّعام) للبرّ والفاجر، أي: تصدّقوا بما فضل عن حاجة من تلزمكم نفقته. فالمراد: بذل الطّعام والمال ونحوه؛ لا خصوص إطعام الطّعام.

(وصلوا) بكسر الصّاد؛ أمر من الصّلة (الأرحام) أي: أحسنوا إلى أقاربكم بالقول والفعل.

(وصلّوا) باللّيل (والنّاس نيام) ، جملة حاليّة، أي: تهجّدوا حال نوم غالب النّاس، والأولى من اللّيل السّدس الرّابع والخامس، فإذا فعلتم ما ذكر؛ (تدخلوا الجنّة بسلام» )، أي: مع سلامة من الآفات الآخرويّة.

والمراد: أنّ فعل المذكورات من الأسباب الموصلة إلى الجنّة.

ص: 114

312-

«يا معاذ» ، قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك. قال:

«يا معاذ» ، قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك، قال:«يا معاذ» ، قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك، (ثلاثا)، قال:«ما من عبد يشهد ألاإله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله صدقا من قلبه.. إلّا حرّمه الله على النّار»

والحديث أخرجه التّرمذيّ؛ عن عبد الله بن سلام الإسرائيليّ الصّحابيّ الجليل رضي الله تعالى عنه؛ وقال: حديث صحيح.

312-

( «يا معاذ» ) أي: ابن جبل (قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك)، اللّبّ بفتح اللّام-: معناه هنا الإجابة، والسّعد: المساعدة، كأنّه قال: لبّا لك وإسعادا لك، ولكنّهما ثنّيا على معنى التّأكيد والتّكثير، أي: إجابة بعد إجابة، وإسعادا بعد إسعاد. وقيل في أصل «لبّيك» واشتقاقها غير ذلك. انتهى «فتح الباري» .

(قال: «يا معاذ» . قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك. قال: «يا معاذ» قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك، ثلاثا) أي: النّداء والإجابة قيلا ثلاثا. (قال) أي: النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ( «ما من عبد يشهد ألاإله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله صدقا من قلبه) - متعلّق ب «صدقا» ، أي: يشهد بلفظه، ويصدّق بقلبه- (إلّا حرّمه الله على النّار» ) .

فإن قلت: إنّ ظاهر هذا يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشّهادتين النار، لما فيه من التّعميم والتّأكيد، وهو مصادم للأدلّة القطعيّة الدّالّة على دخول طائفة من عصاة الموحّدين النار، ثمّ يخرجون بالشّفاعة؟

أجيب: بأنّ هذا مقيّد 1- بمن قالها تائبا ثمّ مات على ذلك. أو أنّ المراد بالتّحريم هنا: تحريم الخلود؛ لا أصل الدخول. أو أنّه خرج مخرج الغالب؛ إذ الغالب أنّ الموحّد يعمل الطّاعة، ويجتنب المعصية، أو 2- من قال ذلك مؤدّيا حقّه وفرضه.

ص: 115

قال: يا رسول الله؛ أفلا أخبر بها النّاس فيستبشروا؟ قال: «إذا يتّكلوا» . فأخبر بها معاذ- عند موته- تأثّما. رواه الشّيخان:

البخاريّ ومسلم.

قوله: (تأثّما) أي: خوفا من الإثم في كتم هذا العلم.

أو المراد: تحريم النّار على اللّسان النّاطق بالشّهادتين، كتحريم مواضع السّجود.

(قال) - أي معاذ- (: يا رسول الله؛ أفلا) - بهمزة الاستفهام، وفاء العطف المحذوف معطوفها، والتّقدير: أقلت ذلك فلا- (أخبر بها النّاس فيستبشروا؟!) نصب بحذف النّون لوقوع الفاء بعد النّفي؛ أو الاستفهام، أو العرض، وهي تنصب في كلّ ذلك، والتّقدير: فأن يستبشروا.

(قال) صلى الله عليه وسلم: ( «إذا) - أي: إن أخبرتهم- (يتّكلوا» ) . بتشديد المثنّاة الفوقيّة، وكسر الكاف، أي: يعتمدوا على الشّهادة المجرّدة، وهو جواب وجزاء ونصب.

(فأخبر بها معاذ- عند موته-) - أي: موت معاذ (تأثّما) - بفتح المثنّاة الفوقية؛ وفتح الهمزة؛ وتشديد المثلّثة المضمومة؛ أي: تجنّبا عن الإثم- (رواه الشّيخان: البخاريّ) في «كتاب العلم؛ باب: من خصّ بالعلم قوما دون قوم» .

(ومسلم) واللّفظ له في «كتاب الإيمان؛ باب: الدّليل على أنّ من مات على التّوحيد دخل الجنّة قطعا» ؛ كلاهما عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل رديفه على الرّحل قال: «يا معاذ

» فذكره.

(قوله: «تأثّما» ) ؛ بالتّشديد. (أي: خوفا من) الوقوع في (الإثم في) أي: بسبب- (كتم هذا العلم) الّذي أمر الله بتبليغه، حيث قال وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [187/ آل عمران] ، وليس فيه مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ نهيه مقيّد بالاتّكال، إذ كانوا حديثي عهد بالإسلام، فلما زال القيد، وصاروا حريصين على العبادة لم يبق نهي، أو أنّ النّهي لم يكن للتّحريم، بل للتّنزيه، وإلّا! لما كان يخبر به أصلا. قال في «الفتح» : وهذا أوجه، لكون معاذ أخّر ذلك إلى وقت موته. والله أعلم.

ص: 116