المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الأول في طبه صلى الله عليه وسلم] - منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول - جـ ٤

[عبد الله عبادى اللحجى]

الفصل: ‌[الفصل الأول في طبه صلى الله عليه وسلم]

[الفصل الأوّل في طبّه صلى الله عليه وسلم]

الفصل الأوّل في طبّه صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى.. نفث على نفسه بالمعوّذات، ومسح عنه بيده.

(الفصل الأوّل) من الباب الثّامن (في) ذكر شيء من الأحاديث الواردة في (طبّه صلى الله عليه وسلم ، الّذي تطبّب به، والّذي وصفه لغيره.

قال ابن القيّم: كان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه. انتهى.

وكان صلى الله عليه وسلم تارة يرقي بالطّبّ الرّوحانيّ، وتارة بالجسمانيّ؛ كالأجزاء، وتارة بهما. انتهى «حفني» .

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى)، أي: مرض (نفث) - بالمثلّثة-، أي:

أخرج الرّيح من فمه مع شيء من ريقه (على نفسه بالمعوّذات) - بالواو المشدّدة- أي: المعوّذتين وسورة الإخلاص، ففيه تغليب.

أو المراد: الكلمات المعوّذات بالله من الشّيطان والأمراض؛ أي: قرأها ونفث الرّيح على نفسه.

(ومسح عنه بيده) ؛ أي: المحلّ الّذي تصل إليه يده؛ وإن زاد على محلّ الوجع.

قال الطّيبيّ: الضّمير في عنه راجع إلى ذلك النّفث، والجارّ والمجرور حال، أي: نفث على بعض جسده، ثمّ مسح بيده متجاوزا عن ذلك النّفث إلى جميع أعضائه.

ص: 118

قوله: (المعوّذات) يعني: المعوّذتين، والإخلاص.

وفائدة النّفث: التّبرّك بتلك الرّطوبة؛ أو الهواء الّذي ماسّه الذّكر، كما يتبرّك بغسالة ما يكتب من الذّكر، وفيه تفاؤل بزوال الألم وانفصاله؛ كانفصال ذلك الرّيق.

وخصّ المعوّذات! لما فيها من الاستعاذة من كلّ مكروه؛ جملة وتفصيلا، ففي الإخلاص كمال التّوحيد الاعتقاديّ، وفي الاستعاذة من شرّ ما خلق ما يعمّ الأشباح والأرواح. انتهى «مناوي» .

وبقيّة الحديث- كما في «البخاريّ» ؛ في آخر المغازي-: فلمّا اشتكى وجعه الّذي توفّي فيه؛ طفقت أنفث على نفسه بالمعوّذات الّتي كان ينفث، وأمسح بيد النّبيّ صلى الله عليه وسلم عنه» .

وفي رواية في «الصّحيحين» : وأمسح بيده رجاء بركتها.

والحديث ذكره في «الجامع الصّغير» مرموزا له برمز متّفق عليه- يعني رواه البخاريّ ومسلم- وبرمز أبي داود، وابن ماجه، زاد المناوي: والنّسائي؛ كلّهم عن عائشة رضي الله تعالى عنها.

فائدة: قال القاضي: شهدت المباحث الطّبيّة على أنّ الرّيق له دخل في النّفع وتبديل المزاج، ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصليّ؛ ودفع نكاية المغيّرات، ولهذا ذكروا في تدبير المسافر أنّه يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها، حتى إذا ورد غير الماء الّذي تعوّد شربه ووافق مزاجه؛ جعل شيئا منه في سقايته، ويشرب الماء من رأسه ليحفظ عن مضرّة الماء الغريب، ويأمن تغيّر مزاجه بسبب استنشاق الهواء المغاير للهواء المعتاد.

ثمّ إن الرّقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها.

انتهى «مناوي» .

و (قوله: المعوّذات) - بالواو المشدّدة المكسورة- (يعني: المعوّذتين) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)[الفلق] ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)[الناس] ، (والإخلاص)

ص: 119

وكان صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى.. رقاه جبريل؛ قال:

باسم الله يبريك، من كلّ داء يشفيك، ومن شرّ حاسد إذا حسد، وشرّ كلّ ذي عين.

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)[الإخلاص] ، فهو من باب التغليب. والله أعلم.

(و) أخرج مسلم في «صحيحه» ؛ عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنّها قالت: (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى) - أي: مرض- (رقاه جبريل، قال:

باسم الله) - أي: ببركة اسمه- (يبريك)، أو أنّ لفظ «باسم» مقحم. أي: الله يبريك. من قبيل سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)[الأعلى]، ولفظ «اسم» : عبارة عن الكلمة الدّالّة على المسمّى، والمسمّى هو مدلولها، لكنّه قد يتوسّع فيوضع الاسم موضع المسمّى مسامحة. ذكره القرطبي. انتهى «مناوي» وغيره.

(من كلّ داء) جارّ ومجرور متعلّق بقوله (يشفيك.

ومن شرّ حاسد) أي: متمنّ زوال النّعمة، (إذا حسد) .

وخصّه بعد التّعميم! لخفاء شرّه.

(وشرّ كلّ ذي عين) ؛ من عطف الخاصّ على العامّ، لأن كلّ عائن حاسد، ولا عكس. فلمّا كان الحاسد أعمّ؛ كان تقديم الاستعاذة منه أهمّ. وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعيون؛ تصيبه تارة وتخطئه أخرى، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثّرت فيه ولا بدّ، وإن صادفته حذرا شاكي السّلاح؛ لا منفذ فيه للسّهام خابت، فهي بمنزلة الرّمي الحسّيّ، لكن هذا من النّفوس والأرواح، وذلك من الأجسام والأشباح.

ولهذا قال ابن القيّم: استعاذ من الحاسد! لأنّ روحه مؤذية للمحسود؛ مؤثّرة فيه أثرا بيّنا لا ينكره إلّا من هو خارج عن حقيقة الإنسانيّة. وهو أصل الإصابة بالعين؛ فإنّ النّفس الخبيثة الحاسدة تتكيّف بكيفيّة خبيثة، تقابل المحسود؛ فتؤثّر فيه بتلك الخاصّيّة.

والتّأثير كما يكون بالاتّصال قد يكون بالمقابلة؛ وبالرّؤية، وبتوجّه الرّوح؛

ص: 120

وكان صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى.. اقتمح كفّا من شونيز، وشرب عليه ماء وعسلا.

وبالأدعية؛ والرّقى؛ والتعوّذات، وبالوهم؛ والتّخييل؛ وغير ذلك.

وفيه ندب الرّقية بأسماء الله، وبالعوذ الصّحيحة من كلّ مرض وقع أو يتوقّع، وأنّه لا ينافي التّوكّل ولا ينقصه. وإلّا! لكان المصطفى صلى الله عليه وسلم أحقّ النّاس بتحاشيه، فإنّ الله لم يزل يرقّي نبيّه في المقامات الشّريفة والدّرجات الرّفيعة إلى أن قبضه، وقد رقي في أمراضه حتّى مرض موته!! فقد رقته عائشة في مرض موته، ومسحته بيدها ويده وأقرّ ذلك. انتهى «مناوي» .

والحديث أخرجه أيضا مسلم والتّرمذيّ وابن ماجه؛ عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه أنّ جبريل أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمّد أشتكيت؟ قال:

«نعم» . قال: «باسم الله أرقيك من كلّ شيء يؤذيك، من شرّ كلّ نفس وعين حاسد، باسم الله أرقيك والله يشفيك» .

(و) في «الجامع الصّغير» مرموزا له برمز الخطيب؛ عن أنس رضي الله تعالى عنه- قال المناوي: ورواه عنه أيضا باللّفظ المزبور الطّبرانيّ في «الأوسط» ، وفي العزيزي أنّه حديث حسن لغيره-:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى اقتمح) أي: استفّ. وفي رواية:

«تقمّح» - بتقديم الميم فيها على الحاء المهملة- وأمّا ما في بعض النّسخ من أنه اقتحم أو تقحّم! فتحريف.

(كفّا) - أي: ملء كفّ- (من شونيز) بضمّ الشّين المعجمة: هو الحبّة السّوداء. (وشرب عليه) - أي: على أثر استفافه- (ماء وعسلا) : أي: ممزوجا بعسل، لأنّ لذلك سرّا بديعا في حفظ الصّحة لا يهتدي إليه إلّا خاصّة الأطباء.

ومنافع العسل لا تحصى، حتى قال «ابن القيّم» : ما خلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبا منه، ولم يكن معوّل الأطبّاء إلّا عليه. وأكثر كتبهم

ص: 121

ومعنى (اقتمح) أي: استفّ. و (الشّونيز) : الحبّة السّوداء.

وكان صلى الله عليه وسلم يشرب العسل بالماء على الرّيق.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أصابه رمد، أو أحدا من أصحابه.. دعا بهؤلاء الكلمات:

لا يذكرون فيها السّكّر البتّة. انتهى «مناوي» .

(ومعنى اقتمح) - بالقاف فالمثنّاة الفوقيّة، فميم بعدها حاء مهملة- (أي:

استفّ) أي: أخذ الدواء غير ملتوت. وكلّ دواء يؤخذ غير معجون؛ فهو سفوف، - بفتح السّين-.

(و) معنى (الشّونيز) - بالشّين المعجمة المضمومة- هو (الحبّة السّوداء) المعروفة. وبعض النّاس يسمّيها قحطة.

(و) في «زاد المعاد» : (كان) النّبيّ صلى الله عليه وسلم يشرب العسل) ؛ أي: عسل النّحل، إذ هو المراد لغة وطبّا (بالماء) أي: الممزوج بالماء البارد (على الرّيق) .

قال ابن القيّم: وفي هذا من حفظ الصّحّة ما لا يهتدي إلى معرفته إلّا أفاضل الأطبّاء، فإنّ شربه ولعقه على الرّيق يذيب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات، ويسخّنها باعتدال، ويفتح سددها «1» .

والماء البارد رطب يقمع الحرارة، ويحفظ على البدن رطوباته الأصليّة، ويردّ عليه بدل ما تحلّل منها، ويرقّق الغذاء، وينفذه في العروق. أي: فجمعه مع العسل غاية في التّعديل، وإنّما يضرّ بالعرض لصاحب الصّفراء!! لحدّته وحدّة الصّفراء.

فربّما هيّجها فدفع ضرره لصاحبها بالخلّ. انتهى. مع زيادة من الزّرقاني.

(و) أخرج ابن السّنيّ في «الطّبّ النّبويّ» ، والحاكم في «الطّبّ» بسند فيه ضعفاء- كما قال الذّهبيّ-؛ عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه؛ قال:(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابه رمد) - بفتح الرّاء والميم: وجع عين- (أو) أصاب (أحدا من أصحابه؛ دعا بهؤلاء الكلمات) ؛ أي: لنفسه؛ أو لغيره. لكن يأتي

(1) بضمّ السين المهملة- جمع سدّة، كغرفة وغرف؛ وهي الحاجز بين الشيئين. (هامش الأصل) .

ص: 122

«اللهمّ؛ متّعني ببصري، واجعله الوارث منّي، وأرني في العدوّ ثأري، وانصرني على من ظلمني» . قال في «لسان العرب» :

(وفي الحديث في دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:

«اللهمّ؛ أمتعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث منّي» .

قال ابن شميل:

بعبارة غير هذا تناسب بأن يقول: «اللهمّ متّعه.. الخ» . ويحتمل أنّ المراد:

وأمر من أصابه الرّمد أن يدعو بها؛ وهي:

( «اللهمّ؛ متّعني ببصري، واجعله الوارث منّي) كناية عن بقائه إلى الموت.

وإلّا! فالوارث يبقى بعد الموت، والبصر لا يبقى بعد الموت.

(وأرني في العدوّ ثأري) ؛ أي: مثل ما فعل بي وأعظم منه؛ لينقمع عنّي.

(وانصرني على من ظلمني» ) أي: مع بقاء بصري.

وهذا من طبّه الرّوحانيّ، فإنّ علاجه صلى الله عليه وسلم للأمراض كان ثلاثة أنواع: بالأدوية الطّبّيّة، وبالأدوية الإلهيّة، وبالمركّب منهما، فكان يأمر بما يليق به ويناسبه.

انتهى شروح «الجامع الصغير» .

(قال) - أي: ابن منظور- (في) كتابه: ( «لسان العرب» ) في مادة «ورث» :

(وفي الحديث) الّذي في «جامع التّرمذيّ» وغيره؛ (في دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «اللهمّ؛ متّعني) - هكذا هو في رواية، وفي سائر الرّوايات: أمتعني- (بسمعي وبصري، واجعلهما) - بالتّثنية- (الوارث منّي» .

قال) الإمام أبو الحسن النّضر (ابن شميل) - بضمّ الشّين المعجمة مصغّرا- ابن خرشة بن يزيد بن كلثوم بن عميرة بن عروة المازنيّ البصريّ، الإمام في العربيّة واللّغة، وهو من تابعي التّابعين.

سكن «مرو» ، اتّفقوا على توثيقه؛ وفضيلته.

ص: 123

أي أبقهما معي صحيحين سليمين حتّى أموت. وقيل: أراد بقاءهما وقوّتهما عند الكبر وانحلال القوى النّفسانيّة، فيكون السّمع والبصر وارثي سائر القوى، والباقيين بعدها. ثمّ قال: وفي رواية:

«واجعله الوارث منّي» ، فردّ الهاء إلى الإمتاع، فلذلك وحّده) اهـ

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حمّ.. دعا بقربة من ماء، فأفرغها على قرنه،

روى له البخاريّ ومسلم في «صحيحيهما» ، وهو أوّل من أظهر السّنّة بمرو وخراسان، وهو من فصحاء النّاس؛ وعلمائهم بالأدب؛ وأيّام النّاس.

ولد سنة ثلاث وعشرين ومائة، وتوفي سنة أربع ومائتين. وقيل: ثلاث ومائتين- رحمه الله تعالى-.

(أي: أبقهما معي صحيحين سليمين حتّى أموت) ؛ أي: فالمراد دوامهما مدّة الحياة. (وقيل: أراد بقاءهما وقوّتهما عند الكبر) - التّقدم في السنّ- (وانحلال القوى النّفسانيّة) - أي: ضعفها- (فيكون السّمع والبصر وارثي سائر القوى، والباقيين بعدها) . وقال غيره: أراد بالسّمع وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر الاعتبار بما يرى؛ ونور القلب الّذي يخرج به من الحيرة والظّلمة إلى الهدى.

(ثمّ قال) في «اللّسان» : (وفي رواية: «واجعله) - بإفراد الضّمير- (الوارث منّي» فردّ الهاء) في «اجعله» (إلى الإمتاع)، المفهوم من أمتع (فلذلك وحّده) - بتشديد الحاء المهملة- فعلى رواية الإفراد معناه: أبقه معي حتى أموت. والله أعلم (انتهى) أي: كلام «لسان العرب» .

(و) أخرج الطّبرانيّ في «الكبير» ، والحاكم في «الطّبّ» ، والبزّار- بسند فيه راو ضعيف- كلّهم؛ عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه قال:

(كان رسول الله) صلى الله عليه وسلم (إذا حمّ) - أي أخذته الحمّى: التي هي حرارة بين الجلد واللّحم- (دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه) - بفتح القاف، أي: رأسه-

ص: 124

فاغتسل. و (القرن) : الرّأس. وكان صلى الله عليه وسلم لا يصيبه قرحة ولا شوكة.. إلّا وضع عليها الحنّاء.

وفي «الصّحيحين» : عن أبي حازم:

(فاغتسل) بها (والقرن) المذكور في الحديث؛ المراد به: (الرّأس) .

قال الحفني- تبعا للمناوي-: ومحلّ طلب ذلك إذا كان بقطر حارّ وفي زمن حارّ، ولم تحدث فيه الحمّى ورما، وإلّا! ضرّه الماء. انتهى.

(و) أخرج التّرمذيّ وابن ماجه في «سننه» - وهذا لفظه-: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة؛ قال: حدّثنا زيد بن الحباب؛ قال: حدّثنا فايد- مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع-؛ قال: حدّثني مولاي عبيد الله؛ قال: حدّثتني جدّتي سلمى أمّ رافع؛ مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» قالت:

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيبه قرحة) - بفتح القاف، أو ضمّها-: خراج في البدن، (ولا شوكة) : هي حمرة تعلو الوجه، بلفظ واحدة الشّوك (إلّا وضع عليها الحنّاء) ، لأنّها قابضة يابسة تبرد، فهي في غاية المناسبة للقروح والجروح، وهذا من الطّبّ النّبويّ.

(وفي «الصّحيحين» ) : البخاريّ في: «الطّهارة والجهاد والمغازي والطّبّ» ، ومسلم في «المغازي» ، والتّرمذيّ في «الطّبّ» ، وابن ماجه في «الطّبّ» كلّهم؛

(عن أبي حازم) سلمة بن دينار المدنيّ الأعرج، التّابعيّ الزّاهد الفقيه، المشهور بالمحاسن، مخزوميّ «مولى الأسود بن سفيان المخزوميّ» ، وقيل: مولى لبني ليث. سمع سهل بن سعد الساعدي، وأكثر الرّواية عنه في «الصّحيحين» وغيرهما، وسمع خلقا من التّابعين؛ منهم سعيد بن المسيّب؛ وعطاء بن أبي رباح؛ وعطاء بن يسار؛ وأبو سلمة بن عبد الرّحمن؛ وأمّ الدّرداء الصّغرى.

(1) هي زوج أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 125

أنّه سمع سهل بن سعد يسأل عمّا دووي به جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد؟

وروى عنه خلائق لا يحصون؛ منهم ابناه: عبد العزيز؛ وعبد الجبار.

والزّهريّ- وهو أكبر من أبي حازم-، ومنهم مالك بن أنس، وابن إسحاق، وسفيان الثّوري؛ وابنا عيينة: سفيان ومحمّد.

وأجمعوا على توثيقه وجلالته، وروى له البخاريّ ومسلم.

قيل لابن أبي حازم: سمع أبوك أبا هريرة؟! قال: من حدّثك أن أبي سمع أحدا من الصّحابة غير سهل بن سعد؛ فقد كذب.

وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائة رحمه الله تعالى.

واعلم أنّ في هذه المرتبة اثنين يكنّيان أبا حازم؛ أحدهما هذا المشهور بالرّواية عن سهل، والثاني: أبو حازم سلمان- مولى عزّة الأشجعيّة- المشهور بالرّواية عن أبي هريرة رضي الله عنه. قاله النّوويّ في «التّهذيب» . (إنّه) - أي: أبا حازم- (سمع) أبا العبّاس- أو أبا يحيى- (سهل بن سعد) بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ السّاعديّ المدنيّ.

كان اسمه حزنا فسمّاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم سهلا.

شهد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين.

قال الزّهري: سمع من النّبي صلى الله عليه وسلم، وكان له يوم وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة، وتوفّي بالمدينة المنوّرة سنة: ثمان وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين.

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثمانية وثمانون حديثا؛ اتّفقا منها على ثمانية وعشرين، وانفرد البخاريّ بأحد عشر.

روى عنه الزّهريّ وأبو حازم وغيرهما رضي الله تعالى عنه.

(يسأل) - بضمّ أوّله مبنيّا للمفعول- (عمّا دووي) بضمّ الدّال المهملة وسكون الواو الأولى، وكسر الثّانية، بعدها تحتيّة، مبنيا للمفعول؛ قاله القسطلّاني.

(به جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الّذي جرحه (يوم أحد؟

ص: 126

فقال: جرح وجهه، وكسرت رباعيته، وهشّمت البيضة على رأسه، وكانت فاطمة بنت النّبيّ صلى الله عليه وسلم تغسل الدّم، وكان عليّ ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يسكب عليها بالمجنّ، فلّما رأت فاطمة الدّم لا يزيد إلّا كثرة.. أخذت قطعة [من] حصير فأحرقتها، حتّى إذا صارت رمادا ألصقتها بالجرح، فاستمسك الدّم.

فقال) - أي سهل- (: جرح وجهه) الشّريف، جرحه عبد الله بن قمئة- أقمأه الله- وقد سلّط الله عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطّعه قطعه قطعة؛ استجابة لدعوة نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، كما أخرجه الطّبرانيّ.

ولمّا جرح النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد أخذ شيئا فجعل ينشّف به الدّم؛ وقال: «لو وقع منه شيء على الأرض؛ لنزل عليهم العذاب من السّماء» (وكسرت رباعيته) - بفتح الراء وتخفيف الموحّدة-: السّنّ الّذي بين الثّنيّتين والنّاب. والمكسورة هي اليمنى السّفلى، كسرها عتبة بن أبي وقّاص أخو سعد. ومن ثمّ لم يولد من نسله ولد فيبلغ الحنث إلا وهو أبخر أو أهتم!! أي: مكسور الثّنايا، يعرف ذلك في عقبه، وهذا من شؤم الآباء على الأبناء، ولكنّ حاطب بن أبي بلتعة ضرب عتبة بالسّيف؛ فطرح رأسه- كما في «مستدرك الحاكم» -.

(وهشّمت) - أي كسرت- (البيضة) - بفتح الموحدة؛ والضّاد المعجمة؛ بينهما تحتيّة ساكنة: الخوذة، وهي: قلنسوة من حديد- (على رأسه) يوم أحد (وكانت فاطمة) الزّهراء (بنت النّبيّ صلى الله عليه وسلم تغسل الدّم) عن وجهه الشّريف؛ ليجمد ببرد الماء. (وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يسكب عليها) الماء (بالمجنّ) - بكسر الميم؛ وفتح الجيم؛ وتشديد النون: بالتّرس- على الجرح (فلمّا رأت فاطمة) رضي الله عنها (الدّم لا يزيد إلّا كثرة؛ أخذت قطعة من حصير فأحرقتها، حتّى إذا صارت رمادا؛ ألصقتها بالجرح؛ فاستمسك الدّم) - أي:

ص: 127

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم على هامته، وبين كتفيه، ويقول:«من أهراق من هذه الدّماء.. فلا يضرّه أن لا يتداوى بشيء لشيء» .

وكان صلى الله عليه وسلم يحتجم في رأسه، ويسمّيها: أمّ مغيث.

انقطع- لأن الرّماد من شأنه القبض؛ لما فيه من التّجفيف.

وفيه امتحان الأنبياء لتعظيم أجرهم ويتأسّى بهم من نالته شدّة فلا يجد في نفسه غضاضة. انتهى «قسطلّاني» .

(و) أخرج أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن؛ عن أبي كبشة الأنماريّ عمر بن سعد- أو سعد بن عمر- رضي الله تعالى عنه قال:

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم على هامته) - أي: رأسه- (وبين كتفيه، ويقول: «من أهراق) - بالتّحريك؛ أي: أراق- (من هذه الدّماء) - أي: بإخبار من يعرف بأنّ إراقة الدّم نافعة لذلك الشّخص- (فلا يضرّه ألايتداوى بشيء) من الأدوية (لشيء» ) من الأمراض، يعني أنّ الحجامة تغني عن كثير من الأدوية.

(و) أخرج الخطيب؛ في ترجمة محمود الواسطي- بسند فيه راو مضعّف- عن ابن عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنهما قال:

(كان) النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحتجم في رأسه) - وفي رواية عند الطبراني: في مقدّم رأسه- (ويسمّيها) - أي: الحجامة- (أمّ مغيث) بصيغة اسم الفاعل، وفي رواية: ويسمّيها المغيثة، وفي أخرى: المنقذة، وفي أخرى: النّافعة.

قال ابن جرير: وكان يأمر من شكا إليه وجعا في رأسه بالحجامة وسط رأسه، ثمّ أخرج بسنده؛ عن ابن أبي رافع؛ عن جدّته سلمى قالت: ما سمعت أحدا قطّ يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع رأسه إلا قال: «احتجم» . انتهى مناوي على «الجامع» .

ص: 128

وكان صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين.

(و) أخرج التّرمذيّ؛ في «الجامع» و «الشمائل» ، والحاكم في «الطّبّ» ؛ عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، والطّبرانيّ في «الكبير» ، والحاكم في «الطّبّ» ؛ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال التّرمذيّ:

حسن غريب. وقال الحاكم: على شرطهما، وأقرّه الذّهبي في موضع، لكنّه قال في آخر: لا صحّة له. وفي العزيزي أنّه حديث حسن.

(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين) ؛ عرقين في محل الحجامة من العنق، (والكاهل) - بكسر الهاء-؛ وهو مقدّم أعلى الظّهر مما يلي العنق، وهو الثّلث الأعلى، وفيه ستّ فقرات، وقيل: ما بين الكتفين.

(وكان يحتجم لسبع عشرة) تمضي من الشّهر، لأنّ القمر حينئذ في النّقصان، بخلاف الحجامة لثلاث عشرة مثلا، فإنّ الحجامة والقمر في الزّيادة مذمومة؛ قاله الحفني.

(و) يحتجم ل (تسع عشرة) من الشّهر، (وإحدى وعشرين) منه، وعلى ذلك درج أصحابه، فكانوا يستحبّون الحجامة لوتر من الشهر، لأفضليّة الوتر عندهم، ومحبّتهم له لحبّ الله له.

ثم إنّ ما ذكر من احتجامه في الأخدعين والكاهل لا ينافيه ما قبله من احتجامه في رأسه وهامته، لأنّ القصد بالاحتجام طلب النّفع، ودفع الضّر. وأماكن الحاجة من البدن مختلفة باختلاف العلل؛ كما بيّنه ابن جرير. انتهى «مناوي» وغيره.

وأفضل أوقات الحجامة: يوم الاثنين إذا وافق سبع عشرة؛ أو تسع عشرة؛ أو إحدى وعشرين، كما دلّت عليه الأحاديث، ومنها ما رواه أبو داود؛ عن أبي هريرة مرفوعا:«من احتجم لسبع عشرة؛ أو تسع عشرة؛ وإحدى وعشرين، كان شفاء من كلّ داء» . انتهى.

ص: 129

و (الأخدعان) : عرقان في جانبي العنق.

وكان صلى الله عليه وسلم يكتحل كلّ ليلة، ويحتجم كلّ شهر، ويشرب الدّواء كلّ سنة.

وفي «الصّحيحين» : عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجّام أجره.

(والأخدعان) بخاء معجمة؛ ودال وعين مهملتين. قال في «النّهاية» : هما (عرقان في جانبي العنق) . وفي «القاموس» : الأخدع: عرق في المحجمتين، وهو شعبة من الوريد، وهما أخدعان؛ كما في «الصّحاح» . وهما عرقان خفيان في موضع الحجامة من العنق. قال الجوهري وربّما وقعت الشّرطة على أحدهما، فينزف صاحبه. أي: لأنّه شعبة من الوريد. انتهى بزيادة من الشرح.

(و) أخرج ابن عدي- بسند قال فيه: إنّه منكر، وقال الحافظ العراقي: فيه سيف بن محمّد! كذّبه أحمد وابن معين-؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ قالت:

(كان صلى الله عليه وسلم يكتحل كلّ ليلة) بالإثمد، ويقول:«إنّه يجلو البصر، وينبت الشّعر» . وخصّ اللّيل! لأنّ الكحل عند النّوم يلتقي عليه الجفنان، ويسكّن حرارة العين، وليتمكّن الكحل من السّراية في تجاويف العين وطبقاتها، ويظهر تأثيره المقصود من الانتفاع.

(ويحتجم كلّ شهر) مرّة (ويشرب الدّواء كلّ سنة) مرّة، فإن عرض له ما يوجب شربه أثناء السّنة شربه أيضا، فشربه كلّ سنة مرّة كان لغير علّة، بخلاف ما يعرض في أثنائها، ولم أقف على تعيين الشّهر الّذي كان يشربه فيه في حديث ولا أثر؛ قاله المناوي.

(وفي «الصّحيحين» : البخاريّ في «البيوع والإجارة والطّب» ومسلم في «البيوع» . وكذا رواه أبو داود في «البيوع» ، والتّرمذيّ في «الشّمائل» كلّهم؛ (عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجّام أجره) ولو كان حراما لم يعطه.

ص: 130

وفي «الصّحيحين» أيضا: عن أنس رضي الله تعالى عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة؛ فأمر له بصاعين من طعام، وكلّم مواليه،

قال النّوويّ في «شرح مسلم» : اختلف العلماء في كسب الحجّام؟.

فقال الأكثرون من السّلف والخلف: لا يحرم كسب الحجّام، ولا يحرم أكله؛ لا على الحرّ ولا على العبد. وهو المشهور من مذهب أحمد. وقال في رواية عنه قال بها فقهاء المحدّثين-: يحرم على الحرّ دون العبد! وحجّتهم أحاديث النّهي عن كسب الحجّام، وكونه خبيثا، ومن شرّ الكسب- كما جاء ذلك في «صحيح مسلم» وغيره-.

واحتجّ الجمهور بحديث ابن عبّاس المذكور، وحملوا أحاديث النّهي على التنزيه، والارتفاع عن دنيء الكسب؛ والحثّ على مكارم الأخلاق؛ ومعالي الأمور. ولو كان حراما لم يفرّق بين الحرّ والعبد. فإنه لا يجوز للرجل أن يطعم عبده ما لا يحلّ. انتهى بتصرف قليل.

(وفي «الصّحيحين» أيضا) : البخاري في «البيوع والإجارة والطّبّ» ومسلم في «البيوع» ، وكذا رواه أبو داود والتّرمذيّ في «الشّمائل» و «الجامع» في «البيوع» كلّهم؛ (عن أنس) - أي: ابن مالك- (رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة) - بفتح الطّاء المهملة، وسكون التحتية، وبعد الموحّدة تاء- اسمه: نافع على الصّحيح، وحكاية ابن عبد البرّ أنّه دينار!! وهّموه فيها، بأنّ دينارا الحجّام تابعيّ، روى عن أبي طيبة، وحديثه عند ابن منده، لا أنّه أبو طيبة نفسه. وعند البغويّ بإسناد ضعيف. أنّ اسمه ميسرة. وقال العسكريّ:

الصّحيح أنّه لا يعرف اسمه. انتهى «قسطلّاني» .

(فأمر له بصاعين من طعام) - أي: تمر، وفي رواية: بصاع؛ أو مدّ؛ أو مدّين-.

(وكلّم) صلى الله عليه وسلم (مواليه) - هم بنو حارثة على الصّحيح، ومولاه منهم:

محيّصة بن مسعود. وإنّما جمع الموالي مجازا، كما يقال: بنو فلان قتلوا رجلا،

ص: 131

فخفّفوا عنه من ضريبته، وقال:«خير ما تداويتم به.. الحجامة» .

وروى ابن ماجه في «سننه» : أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا صدّع

ويكون الفاعل منهم واحدا. وحديث جابر أنّه مولى بني بياضة وهم! فإنّ مولى بني بياضة آخر؛ يقال له: أبو هند- أن يخفّفوا عنه من خراجه.

(فخفّفوا عنه من ضريبته) التي كانت عليه لمواليه، وهي الخراج المضروب عليه. وكان خراجه ثلاثة آصع من تمر، فوضعوا عنه صاعا، بشفاعته صلى الله عليه وسلم؛ كما في «الشّمائل» .

قال النّوويّ في «شرح مسلم» وحقيقة المخارجة: أن يقول السّيد لعبده:

تكتسب وتعطيني من الكسب كلّ يوم درهما مثلا، والباقي لك، أو في كلّ أسبوع كذا وكذا. ويشترط رضاهما.

(وقال) صلى الله عليه وسلم يخاطب أهل الحجاز، ومن بلادهم حارّة، أو عامّا:( «خير ما تداويتم به) من هيجان الدّم (الحجامة» ) لأنّ دماء أهل الحجاز؛ ومن في معناهم رقيقة تميل إلى ظاهر أجسادهم، لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح البدن، فالحجامة تنقي سطح البدن أكثر من الفصد، وقد تغني عن كثير من الأدوية.

قال في «زاد المعاد» : الحجامة في الأزمان الحارّة؛ والأمكنة الحارّة؛ والأبدان الحارّة التي دم أصحابها في غاية النّضج أنفع، والفصد بالعكس. ولذا كانت الحجامة أنفع للصّبيان؛ ولمن لا يقوى على الفصد. انتهى «قسطلّاني» .

(وروى ابن ماجه في «سننه» ؛ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا صدّع) - بتشديد الدّال- مبنيّ للمفعول. قال المجد: صدّع بالضمّ تصديعا، ويجوز في الشّعر صدع ك:

عني، فهو مصدوع، فقصر التخفيف على الشّعر. انتهى «زرقاني» .

ص: 132

غلّف رأسه بالحنّاء، ويقول:«إنّه نافع بإذن الله تعالى من الصّداع» .

وذكر أبو داود في «سننه» : أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم استعط.

(غلّف) - بفتح الغين المعجمة، واللّام مخفّفة ومثقّلة؛ أي: ضمّخ- (رأسه بالحنّاء) - بالكسر والمد- (ويقول: «إنّه نافع بإذن الله تعالى من الصّداع» )

قال في «المواهب» : وفي صحّته نظر، وهو علاج خاصّ بما إذا كان الصّداع من حرارة ملتهبة، ولم يكن عن مادّة يجب استفراغها!! وإذا كان كذلك- أي:

حارا- لم ينشأ عن مادّة نفع فيه الحنّاء نفعا ظاهرا. قالوا: وإذا دقّ وضمّدت به الجبهة مع الخل سكّن الصّداع!. وهذا لا يختصّ بوجع الرّأس، بل يعمّ جميع الأعضاء. أي: وجعها كلها. أمّا إذا كان ناشئا عن مادّة؟ فلا ينجع فيه إلّا استفراغ هذه المادّة، وإذا كان من برد، لم ينفع فيه الحنّاء، بل يزيده لبردها. انتهى مع زيادة من الزرقاني.

(وذكر أبو داود في «سننه» ) في «كتاب الطّبّ» ، وكذا في «الصحيحين» في «الطّبّ» كلّهم؛ عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما.

(أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم استعط)، أي: استعمل السّعوط- بفتح السّين المهملة- بأن استلقى على ظهره، وجعل بين كتفيه ما يرفعهما؛ لينحدر رأسه الشّريف، وقطّر في أنفه ما تداوى به ليصل إلى دماغه؛ ليخرج ما فيه من الدّاء بالعطاس. قاله القسطلّاني.

ولفظ «الصحيحين» ؛ عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه احتجم وأعطى الحجّام أجره، واستعط. انتهى.

ص: 133