الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويؤيِّد هذا الوجهَ في الدلالة على النسخ وجهٌ آخر، وهو أن الله عز وجل أكَّد معنى ..... (ص 19 رقم 1)
(1)
.
ووجهٌ آخر، وهو في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} .... (ص 19 رقم 2)
(2)
.
واعلم أن
المواريث على ضربين:
الضرب الأول: مَن كان مستحقًّا للصلة والمواساة من الورثة.
الضرب الثاني: مَن كان من العصبة الذين من شأنهم الحماية عن المورث والدفاع عنه.
وباستقراء المواريث يُعلَم أن الله عز وجل جعل للمستحقين فرائض معلومة، وترك العصبة على ما بقي، ولا يختلف هذا إلّا لعلةٍ، فالأب جامعٌ بين الأمرين، فقدَّر له الفرض حيث خِيفَ أن ..... عن السدس، وذلك مع الولد، وحيث لم يكن ولد لم يُفرض له، لا لأنه ليس .... الاستحقاق، بل لأن ...................
ثم إن من الورثة مَن يجتمع فيه الأمران، كالأب والابن، ويقرب منهما الإخوة الأشقّاء أو لأب. ومنهم مَن ينفرد بالاستحقاق، كالأم والبنت والأخت وأحد الزوجين والإخوة لأم. ومنهم من يضعف استحقاقه، فلا يُعتدّ إلا بعصوبته كالأعمام وبنيهم. ومنهم من ضعف استحقاقه وليس بعصبة.
(1)
لم أجد الموضع المشار إليه.
(2)
لم أجد الموضع المشار إليه.
فأما القسم الثالث والرابع فلم يُذْكرا في القرآن إلا بالإجمال في قوله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ} إلخ، كما قدمنا.
وقدَّم الله تعالى الأول، فذكَر أهم أركانه، وهم الأب والابن والأخ شقيقًا أو لأبٍ، وترك ذِكْر الجدود وأبناء الأبناء إلى الاجتهاد والنظر، وذَكَر الأم مع الأب لأنها قرينته، وكذا البنت مع الابن، مع أنها إذا كانت معه كان لها حكم خاص. وأما الإخوة فإنما ذكرهم إجمالًا على ما تقدم، لأنهم دون الآباء والأبناء في الاستحقاق وفي العصبية، مع أن القرآن كان ينزل بحسب الوقائع والدواعي. وقد عُلِم من ذكر الإخوة في النوع الأول أنهم جامعون بين الاستحقاق والعصبية، وهذا إنما يصحُّ في الأشقاء أو لأب. هذا من حيث استحقاقهم، فأما من حيث حَجْبُهم للأم فلا يلزم ذلك. وبهذا فُهِم من كون الإخوة يحجبون الأمّ أنهم الأخوة من أيّ نوعٍ كانوا، وفُهِم من حَجْبهم الوارثَ أنهم يرثون.
ثم ختم هذا النوع بقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وكان مقتضى الظاهر بالقياس على ما يأتي أن يُذكَر هذا القيد عَقِبَ ميراث الأولاد، فتركه هناك اكتفاءً بهذا إشارةً ــ والله أعلم ــ إلى إرادة التقسيم الذي ذكرناه، وأنهم نوع واحد. وأكّد ذلك بقوله: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ
…
}، فتبيَّن بذلك أن هذه الآية خاصة بنوع.
وكرَّر هذا القيد فيما يأتي ثلاثًا، ولم يكتفِ في التقييد في الأخير لأمرين، الأول: الإشارة ــ والله أعلم ــ إلى أن هناك اختلافًا بين ميراث الزوجين والميراث الذي ذكره بقوله: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ
…
}، وهذا
الاختلاف ظاهر على قول عامة المسلمين: إن هذا ميراث الإخوة لأم، فإن الاختلاف بينهم وبين الزوجين من حيث إن صلة الزوجين سببية وصلتهم سببية، وذكره عَقِبَ ميراث الأزواج ثم عَقِب ميراث الزوجات، ولم يكتفِ بالأخير منهما لأن الميراثين لا يجتمعان، والله أعلم.
ولما خرج عن النوع الأول إلى النوع الثاني يئس السامع أن يبيِّن في هذا الموضع ميراث الداخلين في النوع الأول من الإخوة، وهم الأشقّاء أو لأب، ولم ييأس من بيان حكم الإخوة لأمّ، لأنهم من النوع الثاني، فذكر الله عز وجل النوع الثاني، وهم الأزواج أو الزوجات والإخوة لأم.
ولما كان ميراث الأزواج آكدَ من ميراث الإخوة لأمّ، بدليل عدم سقوطه بحال، ويُحتاج إليه في دفع ما يتوهم مما تقدم أن للأولاد جميع المال بعد سدس الأبوين، وللأب جميع المال بعد ثلث الأم وغير ذلك= بدأ عز وجل به فقال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ
…
}.
وهل هذا داخل تحت قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} كما بيَّنا دخول قوله: {وَلِأَبَوَيْهِ
…
}؟ عندي أنه داخل أيضًا، والتقدير هكذا:(يوصيكم الله في أولادكم) كلًّا منكم في أولاده، ( ..... و) في آبائكم كلًّا منكم في أبويه أن يكون (لأبويه .... و) في أزواجكم كلًّا منكم في زوجه أن يكون (لكم .... ).
فإن قلت: قد مرَّ أن توجيه الوصية إلى الرجال بصفتهم مورثين المراد منه تحذيرهم من تغيير المواريث بالوصية، وهذا لا يأتي هنا، لأن الأزواج هنا وارثون.
قلت: إن الأزواج غالبًا يكونون ذوي نفوذٍ وسلطانٍ على أزواجهم، يضطرُّونهن إلى الإيصاء لهم، أو يستأثرون بأموالهن بدون وصية، فكانوا هم الذين ينبغي توجيه الوصية إليهم؛ إذ الوصية إنما وُجِّهت إلى مَن يُخشى منه مضارَّة المواريث، وهي هنا مخشيَّة من الأزواج، فتدبَّر.
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَ} أن يكون {لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ} منكم {يُورَثُ} ميراثَ {كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} تورث كلالةً، وسيأتي في الآية التي آخرَ السورة أن الكلالة هنا هي قرابة الإخوة العصبيين، فالمعنى على هذا:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ} ميراثَ {كَلَالَةً} أي إخوة عصبية، يعني مستحقًّا أن يَرِثه الإخوة العصبيون بأن لم يكن هناك حاجبٌ لهم، وليس في هذا حصرٌ كما لا يخفى. وعليه ففي الآية الدلالةُ على أن الإخوة لأمٍّ لا يحجُبُهم إلا مَن يحجب الإخوة العصبيين. وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى في الحجب.
والقول الآخر: إن الكلالة اسم للمورث الذي ليس له ولدٌ ولا أب، والكلام عليه ظاهر.
{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَـ} أن يكون {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} الأخ أو الأخت {السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا} الإخوة {أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} .
وانعقد الإجماع على أن المراد بالأخ والأخت وأكثر من ذلك: الإخوة لأم، وروى البيهقي
(1)
بسند صحيح إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يقرؤها: "وله أخ أو أخت من أم"، ونُسب مثله إلى ابن مسعود وأُبي بن كعب.
ولعله ــ والله أعلم ــ نَسْخُ لفظ "من أم" له في الآيات ما يدلُّ عليه:
أولًا: ما قدَّمنا من أن المذكور في الآيتين الأوليين من كان جامعًا بين الاستحقاق والعصبية، وذكر معهم غيرهم تبعًا، وأجمل ميراث الإخوة فبقيت النفس متطلعة إلى بيانه، فلما خرج من النوع الأول ودخل في النوع الثاني يئس من بيان حكم الأشقّاء أو لأب في هذا الموضع، ولم ييأس من بيان حكم الإخوة لأم، فلما ذكر حكم الإخوة في النوع الثاني كان معلومًا أنهم الإخوة من أم أولًا، لأن النفس إنما بقيت متطلعةً إليهم.
وثانيًا: لذكرهم في النوع الثاني: وليس الأشقاء والإخوة لأب منه.
وأمر ثالث: وهو أنه فرض للأخ السدس مطلقًا، وقد علمتَ مما تقدم أن الفرائض إنما جُعِلت بإزاء الاستحقاق، والأخ الشقيق أو لأبٍ الغالبُ فيه جانب العصبية.
وأمر رابع: وهو أن الكلالة المراد بها قرابة الإخوة العصبيين، كما يأتي في تفسير الآية التي آخر السورة، فكأنه تعالى قال: "وإن كان رجل يورث
(1)
في "السنن الكبرى"(6/ 231). وأخرجه أيضًا سعيد بن منصور في "سننه"(592 ــ تفسير) والدارمي (2/ 366) والطبري في "تفسيره"(6/ 483) وابن المنذر (1450) وابن أبي حاتم (3/ 887).
بالإخوة العصبية وله أخ أو أخت". فقوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} لا يمكن أن يكون تفسيرًا للكلالة، لأنه عطف عليها بالواو، والعطف يقتضي التغاير، فتعين أن يكون أراد: أخ أو أخت غير عصبيّ، أعني من أمٍّ فقط.
وهذا الأمر يأتي على تفسير الكلالة بالمورث الذي ليس له ولدٌ ولا أبٌ، لأن قوله:{يُورَثُ كَلَالَةً} معناه ــ والله أعلم ــ يُورث من حيث هو كلالة، وإنما يَرِثه مِن حيثُ هو كلالةٌ إخوتُه العصبيون، فكأنه قال: وإن كان رجل يورث بالإخوة العصبية. والله أعلم.
وقد نازع الجيراجي في تفسير الآية، ودفع قولَ عامة المسلمين بوجوه، فقال
(1)
(ص 103 مسودة) ....
قال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} أي الإخوة كما يأتي إن شاء الله.
{الْكَلَالَةِ}
الكلام على الكلالة يحتاج إلى بسط وتحقيق، أما الجيراجي فإنه مرَّض القول فيها، وبنى الكلام على ما زعمه من أن الوارث في قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} هو العهدي، وقد علمتَ بطلانه. وعلى أن الإخوة لا يرثون مع الولد والأب بالاتفاق، وهو غلط. فإن أراد بالولد ما يتناول البنت كما هو قوله، فإن الجمهور يُورِّثون الإخوةَ مع البنت والبنتين،
(1)
انظر كلامه حول تفسير الآية في "الوراثة في الإسلام"(ص 45 ــ 48). ولم أجد ردّ المؤلف عليه ولا المسودة التي أشار إليها.
وصحَّ ذلك في أحاديث كثيرة كما ستأتي إن شاء الله تعالى. وإنما نازع ابن عباس في ذلك، ونزاعه ضعيف من حيث الدليل، ويحتمل التأويل كما يأتي إن شاء الله تعالى.
ومن الأمة مَن يُورِّث الإخوة مع الأب، وهو مذهب الشيعة ومرويّ عن ابن عباس، وهو مقتضى الرواية عن عمر رضي الله عنه، ومعترك الخلاف في الكلالة هو هذا، أيَرِثُ الإخوة مع الأب أم لا؟ فادّعاءُ الاتفاق فيه غلط محض.
وجعل الجيراجي الأمَّ مثل الأب بلا دليل غير مجرَّد الإدلاء
(1)
، والإدلاء ــ مع كونه لا يتحقق إلّا في الإخوة وفي نصيبها من الأشقّاء ــ لا يصلح أن يكون دليلًا، إذ لا نصَّ من الشارع أنه لا يرث أحدٌ مع مَن يُدلِي به. وبناؤه على تفسيره "الأقربين" قد بطل ببطلان ذلك التفسير كما تقدم. والإجماع إنما انعقد في الإدلاء المسلسل: أبو الأب، أُم الأم، ابن الابن، فلا يقاس عليه الإدلاء غير المسلسل: ابن الأب، ابن الأم.
فأما الإجماع في عدم توريث ابن الأخ مع الأخ وابن العم مع العم فإنما هو مبني على أن ابن العم وابن الأخ عصبة محض، وذهاب الجمهور إلى أن الإخوة لا يرثون مع الأب ليس للإدلاء، وإنما هو لأنهم لا يكونون معه إلّا عصبة، وهو أقربُ تعصيبًا منهم، كما تقدم في قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} .
أما نحن فنقول في الكلالة: إنها مصدر من: كَلَّ السيفُ إذا ضعُفَ حدُّه،
(1)
انظر "الوراثة في الإسلام"(ص 42).
والطَّرْفُ: إذا ضعُفَ بصره، والرجلُ: إذا ضعُفَ اقتدارُه. تُطلَق على القرابة الضعيفة، يقولون: هذا ابن عمِّي لَحًّا، وذاك ابن عمِّي كلالةً، يريدون أن بنوَّة عمِّ الأول تامَّة، وبنوَّة عمِّ الثاني ضعيفة.
وأحسن ما ذكره أهل اللغة فيها: قول الزمخشري رحمه الله في "أساس البلاغة"
(1)
: " [كلَّ فلانٌ كلالةً: إذا لم] يكن ولدًا ولا والدًا، أي كلَّ عن [بلوغ القرابة المماسَّة] ".
لكن لابدَّ من اشتراط كونه ذا قرابةٍ، إذ لا يقال لمن لا قرابة له أصلًا: كلالة. ثم رأيتُ في "شرح السراجية" للسيد الشريف ما لفظه: "لفظ الكلالة في الأصل بمعنى الإعياء وذهاب القوة، كقوله
(2)
:
فآليتُ لا أرثي لها من كلالةٍ
ثم استعيرتْ لقرابة مَن عدا الولد والوالد، كأنها كلالةٌ ضعيفة بالقياس إلى قرابة الولادة.
ومما ذُكِر علمتَ أن تُطلَق على الإخوة والأخوات، لكن إذا كانوا من الأقربين، أي أشقَّاء أو لأبٍ، فإنهم لا يعتدُّون بقرابة الأمّ كما قدَّمنا في "الأقربين".
ويشهد له قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ
…
} كما قدَّمنا، فإنها
(1)
(ص 550) مادة "كلل".
(2)
عجزه:
ولا من حَفًى حتى تلاقي محمدا.
والبيت للأعشى من داليته المشهورة في الديوان (ص 185).
تدلُّ على أن الإخوة لأمٍّ ليسوا بكلالةٍ، للعطف المقتضي للتغاير. وكذا تشهد لذلك الأدلّةُ التي دلَّت على أن المراد بالإخوة في هذه الآية الأشقَّاء أو لأبٍ، ومنها الإجماع.
وفي البخاري
(1)
في بعض روايات حديث جابر أنه قال: "يا رسولَ الله، إنما يَرِثني كلالة". وفي بعض الروايات في "الصحيح"
(2)
: "كيف أصنعُ في مالي ولي أخواتٌ". ففي هذا إطلاق الكلالة على الأخوات، وكانت أخواته شقائقَ أو من أبيه، فقد جاء بيانُ ذلك في أحاديث أخرى من رواية جابر
(3)
رضي الله عنه.
وأخرج الإمام أحمد
(4)
عن عمرو القاريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على سعدٍ وهو وَجِعٌ مغلوب، فقال: يا رسول الله، إنَّ لي مالًا وإنِّي أورث كلالةً". وقد ثبت في "الصحيح"
(5)
أنه كان له ابنةٌ. فإما أن يكون أطلق الكلالة على البنت لضعفها المعنوي، وإما أن يكون أراد أنه يَرِثه مع ابنته بنو أخيه عتبة وغيرهم، والثاني هو الظاهر.
وقد قُرِئ في الآية التي أوّلَ النساء "يُورِث" بكسر الراء مخففةً، وبكسرها مشدَّدة. والظاهر على هاتين القراءتين أن "كلالةً" منصوب على
(1)
رقم (194، 5676) ومسلم (1616/ 8).
(2)
البخاري (6743). وأخرجه أيضًا أبو داود (2886) وأحمد (14298) وغيرهما.
(3)
منها ما أخرجه البخاري (4052)، وفيه: "إنّ أبي قُتِل يومَ أحدٍ، وترك تسع بنات كن لي تسع أخوات
…
". وفي صحيح مسلم (2/ 1087) نحوه.
(4)
في "مسنده"(1440، 1474، 1479).
(5)
البخاري (5659) ومسلم (1628).
المفعولية، فهو يُطلَق على الورثة، والمراد ذوو كلالةٍ، وهو لا يخالف قراءةَ الفتح على ما قدَّرناه في تفسيرها.
وجاء في بعض عبارات الصحابة: الكلالة ما دونَ الولد والوالد، وهو ظاهر في أنه يُطلق على الورثة. ففي "سنن البيهقي"
(1)
عن الشعبي قال عمر رضي الله عنه: الكلالة ما عدا الولد. وقال أبو بكر: الكلالة ما عدا الولد والوالد
…
إلخ.
وهذا هو الراجح عندي أن الكلالة اسم لقرابة الإخوة العصبيين وغيرهم من العصبية، لا للورثة ولا للمورث ولا للوراثة. على أنه لا مانعَ من إطلاقها على كلٍّ من هذه تجوُّزًا، وأكثرها الأول، فيقال: هم كلالةٌ، كما يقال: قرابة، أي ذَوُو كلالةٍ، وإطلاقُها على المورث بمعنى: ذُو ذَوي كلالة، أي ذو أقاربَ ذوي كلالةٍ، ففيه كثرة الحذفِ، فهو أضعف من الأول. إلّا أن لفظ الكلالة في القرآن لا يُحمل إلّا على المعنى المشهور المعروف أو ما يُقاربه، كيف وقد صحَّ في حديث جابر بن عبد الله كما تقدم، وسؤاله سبب نزول هذه الآية التي في آخر النساء، كما أخرجه الإمام أحمد والنسائي
(2)
من حديث أبي الزبير عن جابر، وهو في "سنن أبي داود"
(3)
: ثنا أحمد بن حنبل ثنا سفيان قال: سمعتُ ابن المنكدر أنه سمع جابرًا
…
فقلتُ: يا رسول الله،
(1)
(6/ 224). وأخرجه أيضًا عبد الرزاق في "المصنف"(19191) وابن أبي شيبة في "المصنف"(11/ 415، 416) والطبري في "تفسيره"(6/ 475، 476).
(2)
"مسند أحمد"(14998)، والنسائي في "الكبرى"(6324، 7513).
(3)
رقم (2886) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 224) بهذا الإسناد. وهو في "مسند أحمد"(14298).
كيف أصنع في مالي ولي أخواتٌ؟ قال: فنزلت آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} . وهو في "صحيح مسلم"
(1)
من طريق أخرى عن سفيان.
وأطلق في بعض الروايات الثابتة في "الصحيحين"
(2)
فقال: "فنزلت آية الميراث". ووقع في بعض الروايات الصحيحة
(3)
: "فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ
…
} "، وهذا في قول بعض العلماء تفسيرٌ من الراوي على ما ظنَّه، أو لعله انتقل ذهنُه إلى قصة بنتَي سعد بن الربيع التي هي سببٌ لنزول قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ
…
}، فإنها من رواية جابر. والدليل على ذلك أن جابرًا كما ثبت في "الصحيح" لم يكن له إلّا أخوات
(4)
.
أما الحافظ ابن حجر
(5)
فاختار الجمعَ بين الروايات بأن قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} الآيات، وقوله:{يَسْتَفْتُونَكَ} الآية، نزلتا معًا في جابرٍ وبنتَيْ سعد بن الربيع، والمتعلق بجابر من الأولى ذكر الكلالة.
وأقول: لا ريبَ أن الجمع أولى من ردّ بعض الروايات الصحيحة، ولكن قد يُتعقَّب هذا الجمع بأمرين:
أحدهما: أن قضية كون ذكر الكلالة في أول السورة متعلقًا بجابر أن
(1)
رقم (1616/ 5).
(2)
انظر البخاري (5651، 6723، 7309) ومسلم (1616/ 7).
(3)
انظر صحيح مسلم (1616/ 6).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
في "فتح الباري"(8/ 244).
يكون لجابر أختٌ أو أخ .................... إما شقائق وإما من أب ........... بيانه في الأحاديث ............ في "الصحيحين" عن عمر سؤال عن الكلالة وقول النبي ............ آية الصيف.
وهذا يقتضي أن الآية الأولى نزلت في غير الصيف، وكون الاثنتين نزلتا في جابر يستلزم نزولهما في وقتٍ واحد.
ويجاب عن الأول بأن غاية ما في الأحاديث الإخبار بأن لجابرٍ أخواتٍ شقائقَ أو لأب، وليس فيها نفي أن يكون له أخ أو أخت أو إخوة لأم.
وعن الثاني بأنه قد لا يكون أراد بقوله "آية الصيف" تمييزها عن
(1)
الآية الأخرى في الكلالة، بل التمييز عن سائر آيات القرآن النازلة في تلك السنة، وربما يُستأنَس لهذا بقوله:"التي آخرَ سورة النساء".
وهذا الجواب ليس بالقوي، ولكنه أولى من تغليط بعض الروايات الصحيحة. والله أعلم.
فتحصَّل ممّا قدَّمنا أن الكلالة اسم للقرابة الضعيفة، والمراد بها قرابة مَن عَدا الولد والأب، لأن الولد والأب أقرب من غيرهم، وإن كانوا لشدة القرب لا يتناولهم لفظ "الأقربين"، فهي على هذا اسمٌ لقرابة الإخوة العصبيين وغيرهم من العصبة، وفي الآية التي آخرَ النساء اسم لقرابة الإخوة؛ لأنه اقتصر في جواب السؤال عن الكلالة على بيان ميراثهم، فدلَّ على أنهم هم المراد.
(1)
في الأصل: "في".
{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} فيه احتمالانِ على قول مَن يجعل الكلالة اسمًا للمورث:
أحدهما: أن يقول: إن المراد بـ "امرؤ": كلالة، وعليه فما يكون قوله تعالى:{لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} ؟ أيُجعَل تكرارًا مع ما يتضمنه لفظ كلالة من عدم الولد؟ فما فائدةُ ذلك؟ قد زعم الجيراجي أنه تأكيد، أي لم يكن له ولدٌ إلى أسفل. فإن أراد أن لفظ الكلالة لا يتضمن نفي الولد إلى أسفل، فكيف يقول: تأكيدٌ، وإن أراد أنه يتضمن ولكن أكّد، فكيف يقول: أي لم يكن له ولد؟ وعلى كلِّ حال فالتأكيد غير ظاهر، فيلزم منه أن الشخص لا يمنعه وجودُ الولد عن أن يسمَّى كلالةً، فتكون الكلالة حينئذٍ المراد به من مات أبوه، وهو استعمال معروف، يقال لليتيم: كَلٌّ، ويحتمله قول الشاعر
(1)
:
وإن أبا المرءِ أحمَى له
…
ومولى الكلالةِ لا يَغضبُ
وقد رُوي عن عمر ما يوافق هذا، قال في الكلالة: هو ما خلا الأب
(2)
. وعلى هذا فيضطرب الكلام في تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} إذا فُسِّرتْ كلالة بما فُسِّرت به هنا ــ أعني من توفي أبوه ــ اسمًا للمورث، فيكون الظاهر أن الإخوة لأمٍّ يرثون مع الولد. وعلى كلِّ حال إن هذا التفسير باطلٌ بدليل السياق، ولو أُريد لقيل: "
…
في الكلالة إن هلك" أو "إن كلالة هلك".
(1)
البيت بلا نسبة في "تهذيب اللغة"(9/ 448) و"لسان العرب"(كلل).
(2)
سبق تخريجه.
ثانيهما: أن يقول: إنه أُريد بقوله: {إِنِ امْرُؤٌ
…
} بيانُ الكلالة، فيلزمه أن الكلالة هو مَن لا ولد له. وله وجهٌ في اللغة كما تقدم، ووجهٌ آخر وهو أن الرجل إذا لم يكن له ولدٌ كان ضعيفًا، وبموته ينقطع نسبُه، إذ لم يترك مَن ينتسب إليه، ويبقى النظر في البنات، فإنهن وإن كنّ أنفسهنَّ ينتسِبْنَ إلى المورث، إلّا أنهن ضعافٌ لا يُفِدْن قوةً، مع أنه بموتهنّ ينقطع النسب؛ لأن بَنِيهنّ لا يُنسَبون إليه.
وهذا الوجه هو الذي اختاره عمر بن الخطاب [رضي] الله عنه آخرَ عمرِه، فقد روى جماعة منهم الحاكم
(1)
بإسنادٍ ــ قال: على شرط الشيخين، وأقرَّه الذهبي ــ عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوصى عند الموت، فقال: الكلالة ما قلتُ، قال ابن عباس: وما قلتَ؟ قال: مَن لا ولدَ له.
وفي "مسند" الطيالسي
(2)
عن شعبة عن عمرو بن مُرَّة أنه قال لمرّة: ومَن شكَّ في الكلالة؟ أمَا هو دون الولد والوالد؟ قال: إنهم يشكُّون في الوالد.
وفي حواشي "السراجية": المرويُّ عن ابن عباس في أظهر الروايتين
(1)
في "المستدرك"(2/ 303، 304). وأخرجه أيضًا عبد الرزاق في "المصنف"(19187، 19188)، وسعيد بن منصور في "السنن"(589 ــ تفسير)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(11/ 415) والطبري في "التفسير"(6/ 480) والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 225).
(2)
رقم (60). ومن طريقه أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 225).
أن الكلالة ما سوى الولد
(1)
، فإنه قد روى عطاء أنه قال: سألتُ ابن عباس رضي الله عنه عن الكلالة، فقال: ما عدا الولد، فقلت: إنهم يقولون: ما عدا الوالد والولد، فغضب، قال: أنتم أعلم أم الله؟ قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}
(2)
.
وفي "سنن" البيهقي
(3)
وغيره عن الحسن بن محمد بن الحنفية أنه سأل ابن عباس عن الكلالة، فقال: ما دون الوالد والولد، فقال الحسن: إنما قال الله عز وجل: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} . قال: فانتهرني.
وقد روى البيهقي في "السنن"
(4)
حديث جابر من طريق أبي داود، وزاد في آخره:"من ليس له ولد وله أخوات". ولم أر هذه الزيادة في نسخة "سنن" أبي داود
(5)
، لكن عقبَ هذا الحديث "باب من ليس له ولد وله أخوات"، فذكر حديث أبي الزبير عن جابر
(6)
. وعندي أن لفظ "باب"
(1)
قال الطبري في تفسيره (6/ 479): هذا قولٌ عن ابن عباس، وهو الخبر الذي ذكرناه قبلُ من رواية طاوس عنه أنه ورَّث الإخوة من الأمّ السدسَ مع الأبوين. وقد أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(19027) والطبري (6/ 468) والبيهقي (6/ 227).
(2)
لم أجد هذه الرواية عن عطاء عن ابن عباس، ويناقضها ما يذكره المؤلف عن ابن الحنفية عن ابن عباس.
(3)
(6/ 225). وأخرجه أيضًا عبد الرزاق في "المصنف" و (19189) وسعيد بن منصور (588 ــ تفسير) وابن أبي شيبة (11/ 416).
(4)
(6/ 224).
(5)
رقم (2886) وهو في "مسند أحمد"(14298).
(6)
رقم (2887). وأخرجه أيضًا أحمد (14998) وعبد بن حميد في "مسنده"(1064) والطيالسي (1742) والنسائي في "الكبرى"(6324، 7513) والبيهقي (6/ 231) وغيرهم.
مدرج، وأن الصواب ما في "سنن" البيهقي
(1)
. وقد راجعتُ "مسند أحمد"، فإذا فيه الحديث (ج 3 ص 308)
(2)
، وزاد بعد قوله:{يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} : "كان ليس له ولد وله أخوات {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} "
(3)
.
فهذه الأدلة تقتضي أن الكلالة اسم للمورث الذي ليس له ولد.
وعلى كل حالٍ فالآية تقتضي أن الأب لا يحجب الإخوة. أما إذا قلنا: إن الكلالة هو المورث الذي ليس له ولد، فظاهر؛ لأنه لم يُشترط في توريث الإخوة غير تفسير الكلالة، أعني عدم الولد. وأما إذا قلنا: إنه اسم للإخوة فكذلك؛ لأنّ وجود الابن والأب لا يمنع إطلاق كلالة عليهم، فهم كلالةٌ وإن وُجِد الأب والابن. وإنما اشْتُرِط في توريثهم عدم الولد فقط، وهو يُفهِم أن
(1)
أي بحذف كلمة "باب"، وجَعْل ما بعدها متصلًا بالحديث السابق. وهو ــ كما صححه المعلمي ــ في طبعة محمد عوامة للسنن (3/ 405)، وقد قال في هامشها: هكذا جاء آخر الحديث في الأصول كلها إلا (ك)، فإنه ختم الحديث بكلمة "الكلالة"، وبعدها:"باب من كان ليس له ولد وله أخوات". وفي (ظ) ضبة بين كلمة "الكلالة" و"من كان
…
". وفي (ح) ضبة كذلك لكن مع كتابة كلمة "باب" في الهامش على الحاشية، وأنه كذلك في نسخة.
(2)
كذا في الأصل، والحديث في "المسند"(3/ 307). ورقمه في الطبعة المحققة (14298).
(3)
في هامش الطبعة المحققة: أُقحِم في منتصف الآية في (م) و (س) و (ت): "كان ليس له ولد وله أخوات". ولم ترد في (ظ 4) فحذفناها.
وجود الأب لا ينقصهم شيئًا. وهكذا إذا قلنا: إن الكلالة أُطلِقت على الوراثة.
فعلى كل حالٍ إن إطلاق هذه الآية يقتضي أن الإخوة يرثون مع الأب. فإذا أضفنا إلى هذا أن عمر رضي الله عنه كان أشدَّ الناس سؤالًا للنبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، وقد أوصى بما علمتَ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم طعنَ في صدرِه وقال:"أما يكفيك آيةُ الصيف التي في آخر سورة النساء؟ "
(1)
، وهذه الآية تدلُّ على ما علمتَ، وأن هذه الآية وقعتْ جوابًا للاستفتاء عن الكلالة، وجوابُ الاستفتاء ينبغي أن يكون مستوفيًا= تَرجَّح
(2)
أن الإخوة يرثون مع الأب.
ولكن قد قدّمنا في تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ
…
} ما يدفع هذا، فارجع إليه. وعليه فيقال: إنه لما سكت هنا عن التقييد بعدم الوالد أحاله على ما تقدم هناك، والقرآن يُبيِّن بعضُه بعضًا. والله أعلم.
بقي أن الجيراجي
(3)
زعم أن وجود الأمِّ يمنع إطلاق "كلالة".
وهو قول بلا دليل، أما إذا قلنا: إن الكلالة تُطلَق على الإخوة فظاهر، وأما إن قلنا: إنه يُطلَق على المورث، فهذه الآية تدلُّ أنه الذي لا ولد له، وإنما فهمنا نفيَ الأب مما تقدم في الآية التي أوَّلَ النساء، وليس فيها دليلٌ على نفي الأمّ كما تقدم هناك. وإطلاقُ بعض الصحابة وأهل اللغة أنه مَن لا ولدَ له ولا والد، أو على ما عدا الولد والوالد، مع كونه ليس بحجة، فالوالد إنما هو حقيقة في الأب كما تقدم.
(1)
أخرجه مسلم (567، 1617) عن عمر.
(2)
جواب "فإذا أضفنا
…
".
(3)
في "الوراثة في الإسلام"(ص 47).
وزعم
(1)
أن البنت وبنت الابن وبني البنات يدخلون تحت "الولد".
فأما البنت وبنت الابن فقد وافقه غيرُه، وبيَّنّا في فصل الأولاد أن ذلك إن قيل له فهو من عموم المجاز، والأولى الوقوف عند الحقيقة، وإنما لا يُفرَض للأخت مع البنت وبنت الابن بأدلة أخرى، كالأحاديث الدالة على أن الإخوة والأخوات مع البنات عصبات. وسيأتي في مبحث ميراث الإخوة من الحجب إن شاء الله تعالى.
وقد جاء عن ابن عباس أنه كان ينكر في بنت وأخت أن تُعطَى الأختُ النصفَ، ويقول: إنما قال الله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} فقلتم أنتم: لها النصف وإن كان له ولد
(2)
.
وهذا ضعيف، أما إذا قلنا: إن البنت ليست داخلةً تحت كلمة "ولد" فظاهر، وأما إن قلنا: إنها داخلة فلأنّ الذي في الآية: {فَلَهَا النِّصْفُ} أي فرضًا كما هو ظاهر، ونحن لا نُعطيها النصف فرضًا، بل نُعطيها ما بقي بعد الفرائض. وكونُه يقع نصفًا في بعض الصور لا ينافي الآية، وهذا كما نُعطي الأب النصف في: بنت وأب، مع أن الله تعالى إنما فرض له السدس.
والعجب أن ابن عباس يورث الأخ مع البنت، مع أن دلالة الآية على عدم ميراثه معها أوضح من هنا كما سيأتي، وهذا مما يدفع به قوله. ومع هذا
(1)
المصدر السابق (ص 29).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(19023) والحاكم في "المستدرك"(4/ 339) والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 233).
فقد تضافرت الأدلة الصحيحة الصريحة بتوريث الإخوة مع البنات، كما سيأتي بسطها إن شاء الله تعالى.
فأما بنو البنات فإنهم ليسوا بأولادٍ حقيقةً كما هو ظاهر، ودعوى دخولهم بالمجاز لا دليلَ عليها إلا قياسُهم على بني البنين، وهو قياس في اللغة، مع أن قائلهم يقول
(1)
:
بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا
…
بنوهنَّ أبناءُ الرجالِ الأباعد
ونحن إنما ورَّثنا أبناءَ البنين بالنصوص التي وردت في ذلك، كحديث ابن مسعود وغيره، ثم بالإجماع. وليس في بني البنات نصٌّ ولا إجماع، بل الإجماع على أنهم لا يرثون. والله أعلم.
{وَلَهُ أُخْتٌ} شقيقة أو من الأب، لا أنها لا تكون كلالةً إلّا إذا كانت كذلك كما قدَّمنا، ولأن حكم الإخوة من الأمّ قد تقدم في موضعه على خلاف هذا، ولأن الإخوة هنا شُبِّهوا في فرائضهم بالأبناء، وهذا لا ينبغي إلّا في الأشقّاء أو لأبٍ، لأنهم من العصبة، فأما الإخوة من أم فإنهم أباعدُ، والإجماع فوق ذلك، والله المستعان.
{فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} المرء المورث، أي أخوها من أبيها وأمّها أو من أبيها، وقد تقدم ما تدلُّ عليه نسبة الفرض إلى "ما ترك" من إبطال رأي الجيراجي في العول.
(1)
البيت بلا نسبة في "الحيوان"(1/ 346) و"شرح شواهد المغني"(2/ 848). ونُسب إلى الفرزدق في "خزانة الأدب"(1/ 213)، ولا يوجد في ديوانه.
{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فيأخذ جميع مالها أو ما يبقى بعد الفرائض التي لا تسقط، وإن فُسِّر الولد هنا بما يعمُّ البنتَ كان ظاهره أن الأخ يسقط معها، ولا يأتي هنا الجواب المتقدم في الأخت، والجواب أن الدلالة إنما هي بمفهوم الشرط.
{فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} تقدم ما فيه.
{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ} منهم {مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} قد تقدم ما فيه، ولم يكتفِ به هنا عن بيان ميراث الاثنتين، لأن في ذلك نوعَ غموض، فلا يحسن أن يكون غامضًا في الموضعين. وأغمضَ هنا ميراث ما فوق الاثنتين لأنه بيَّنه هناك، وهذا حثٌّ لطالب العلم أن يتدبَّر القرآن كلَّه، ولا يقتصر على بعضه، والله أعلم.
وقوله: {إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً} ثلاثتها جموعٌ، زعم الجيراجي أن المراد بها الجنس، حتى تصدُقَ على الأخ الواحد مع الأخت الواحدة مثلًا. وهذا غير لازم، أما "إخوة" فإنه صادق في الصورة المذكورة، لأن أقلّ الجمع اثنان في لسان الأنصار وغيرهم، وصحَّ ذلك في لفظ "إخوة" المتقدم في أول السورة، كما بيَّنا ذلك هناك.
وأما "رجال ونساء" فلا داعي لإخراجها عن ظاهرها، بل نقول: إنهما لا يَصدُقان في الصورة المذكورة، ولا يَصدُق "رجال" في صورة: أخ وأخوات، ولا "نساء" في صورة: إخوة وأخت، لكن حكم هاتين الصورتين يُعلَم بالقياس، والله أعلم.
{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ} حكم الكلالة كراهيةَ {أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
قال الجيراجي
(1)
: "فإن قيل: أيُّ ضلالٍ أكبر من أنه ما اتفق عليها الصحابة رضي الله عنهم، ولم يعلمها عمر رضي الله عنه، فكان يقول: اللهمَّ مَن كنتَ بيَّنتَها له فإنها لم تتبيَّنْ لي
(2)
. وما زال الخلاف إلى اليوم. قلنا: ليس هذا ضلالاً، هذا هو البيان الموعود .... ".
فقوله: "هذا هو البيان الموعود" لا أدري أشار إلى ما تقدَّم من أنه ما اتفق عليها الصحابة
…
إلخ، أم إلى ما بيَّنه هو في تفسيرها؟ والأول بعيد جدًّا، فتعيَّن الثاني، وفيه من التبجُّح ما لا يخفى.
ولعَمر اللهِ ما أنصف إذ جعلَ الصحابة رضي الله عنهم ــ وهم المخاطَبون أولًا وبالذات بقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} ــ جعلَهم وسائرَ الأئمة وعلماء الأمة وجميع أفرادها أجمعوا كلُّهم على ضلالٍ في بعض أحكام الكلالة لتوريث الإخوة مع الأم، ولم يَجْنِ جَنى البيانِ ولا رُزِقَه إلا الحافظ أسلم الجيراجي! فالله المستعان.
قال
(3)
: "فيُدرِك بعضهم الصوابَ فيؤجَر عشرة أجور، ويُقصِّر آخر فيؤجَر أجرًا واحدًا".
(1)
"الوراثة في الإسلام"(ص 51).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(10/ 305) والطبري في "التفسير"(7/ 725).
(3)
"الوراثة في الإسلام"(ص 52).
هذا خلاف الحديث المشهور
(1)
: "إذا اجتهد القاضي فأصاب فله أجرانِ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد". وكأن الجيراجي ذهب إلى الحديث الآخر: "مَن همَّ بحسنةٍ لم يَعملْها كُتِبتْ له حسنةٌ واحدة، فإن عَمِلَها كُتِبْت له عشرةُ حسنات"
(2)
. ولم يعلم أن المراد بقوله: "ولم يعملها" بأن عرضَ له مانعٌ، فكفَّ عنها مختارًا، فأما مَن عمل عملًا ظنَّه حسنةً فلا يدخل في هذا، بل الظاهر أن يُؤتَى الأجر كاملًا، إنما الأعمال بالنيات
(3)
. والحديث الأول يدلُّ على هذا، ولكن أعطى الله المصيب أجرينِ، وذلك عبارةٌ عن عشرين حسنةً، وأعطى المخطئ أجرًا كاملًا، وهو عبارة عن عشر حسناتٍ {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]
(4)
.
(الوصية)
استدلَّ الجيراجي
(5)
بآية الوصية، وقد تقدم تفسيرها وأنها تحتمل وجهين، أحدهما لا دلالةَ فيه على المدَّعَى أصلًا، ولكننا لا نتمسك به، بل نبني كلامنا على الوجه الآخر، فنقول: إن هذه الآية منسوخة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع.
(1)
أخرجه البخاري (7352) ومسلم (1716) من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة وأبي سلمة.
(2)
أخرجه البخاري (6491) ومسلم (130) من حديث ابن عباس.
(3)
أخرجه البخاري (1) ومسلم (1907) من حديث عمر بن الخطاب.
(4)
بعدها في المجموعة 14 صفحة لا علاقة لها بالمواريث، ثم يبدأ الكلام على الوصية في صفحة 54.
(5)
انظر "الوراثة في الإسلام"(ص 2 ــ 7).
أما الكتاب فأوّلًا هي نفسُها تدلُّ على أنها لا تصلُح أن تكون حكمًا دائمًا، وذلك أنه بيَّن فيها أن الموصي مُعرَّضٌ للجنف والإثم، ولم يشرع لذلك حلًّا كافيًا إلّا مجرد نفي الإثم عمن أراد أن يصلح بينهم، والصلح مداره على الرضا.
واعلم أن الإنسان غالبًا .... ص 4
(1)
.
فإذا تأملتَ هذا مع ما سيأتي بيانه من منافاة حكم الوصية للمصلحة الحقيقية، ولاحظتَ أن أهل الجاهلية كانوا يخصُّون أولادهم بأموالهم، إلى غير ذلك من أهوائهم، وكنتَ ممن يفهم حكمة الله عز وجل في الخلق والأمر من بناء الإصلاح على التدريج، رِفقًا بالخلق وتألُّفًا لهم وتعليمًا لهم طُرُقَ الحكمة= علمتَ أن الله عز وجل إنما شرع حكم الوصية تعديلًا لعادات الجاهلية مما لا يُنفِّر النفوس ويُعاكِس المألوف، فبيَّن أن للوالدين والأقربين حقًّا، ولم يُحتِّم أداءه، بل وكَلَه إلى رغباتهم، فمن شاء أكثر ومن شاء أقلَّ. وعلى كل حالٍ فالأمر يهونُ عليهم؛ لأنهم يرون أن الأمر راجعٌ إلى رضاهم، وليس قسرًا عليهم، ولكنه مع هذا نبَّههم على أنهم معرَّضون للجنف والإثم، ولم يجعل لذلك حلًّا كافيًا كما تقدم. ومن ذلك يعلم المتدبّر أن هذا حكم مؤقَّت، وفي هذا دلالة ظاهرة أن هذا الحكم سيُنْسَخ.
ثانيًا: آيات المواريث، والدلالة فيها على النسخ من طريقين، إجمالية وتفصيلية.
(1)
أشار المؤلف هنا إلى ص 4 رقم 1 لإكمال الكلام حول الموضوع في دفتر آخر، ولم نجده، وهكذا أشار المؤلف في الصفحة التالية ومواضع أخرى.
أما التفصيلية فقد تقدمت في تفسير الآيات، وهي في مواضع:
1 ــ {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ} .
2 ــ {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} .
3، 4، 5 ــ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} .
6 ــ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
…
}.
7 ــ {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} وهو يشتمل على عدة أوجه.
8 ــ {غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} .
وأما الإجمالية فمن وجوه:
1) تعيين مواريث ..... ص 11
وأجاب الجيراجي
(1)
عن هذا الوجه بما مرَّ دفعُه في تفسير {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} .
2) أن آية الوصية خاصة .... ص 13
3) أن قسمة العليم الحكيم
…
ص 13
وثَمَّ غيرُ ذلك من الدلالات أشرنا إلى بعضها في تفسير الآيات.
واستدلَّ الجيراجي
(2)
على بقاء حكم الوصية لقرابته بآية الوصية في
(1)
في "الوراثة في الإسلام"(ص 4).
(2)
المصدر نفسه (ص 5).