المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ملحق)ما يختص بالمذهب الثاني: - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ١٧

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌(ملحق)ما يختص بالمذهب الثاني:

"أبغض الحلال إلى الله الطلاق".

قال الحاكم: صحيح الإسناد. وقال الذهبي: على شرط مسلم.

وأورده البيهقي

(1)

من طرق موصولًا ومن أخرى مرسلًا، ورجّح بعضُ الحفاظ إرساله، قال صاحب الجوهر النقي: "

فهذا يقتضي ترجيح الوصل، لأنه زيادة وقد جاء من وجوه". (الجوهر النقي مع سنن البيهقي)

(2)

.

أقول: وإن كان مرسلًا فمرسلٌ صحيحٌ، له شواهد وعواضد، فهو صالحٌ للحجة، إن شاء الله تعالى.

ولا خفاء أن الله عز وجل إنما أحله مع بغضه له؛ لعلمه أن الحاجة تشتدُّ إليه، ومن القواعد المقررة أن ما أبيح للضرورة قُدِّر بقدرها، والضرورة أو الحاجة المشروعة يكفي للتخلص منها واحدة، وأما المنافع التي تقدم أن الزوج قد يحتاج إلى تعجلها، فقد مر الكلام عليها.

(ملحق)

ما يختص بالمذهب الثاني:

قالوا: قد صح عن ابن مسعود أنه قال: "طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر تطليقة، فإذا كان آخر ذلك فتلك العدة التي أمر الله بها"(سنن الدارقطني 427)

(3)

. أخرجه من طريق حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله.

(1)

"السنن الكبرى"(7/ 322).

(2)

"الجوهر النقي"(7/ 323).

(3)

(4/ 5).

ص: 669

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"

(1)

: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله، فذكره بنحوه.

وأخرجه ابن جرير

(2)

مطولًا: ثنا ابن حميد ثنا جرير عن مطرِّف عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قال: "يطلقها بعدما تطهر من قبل جماع، ثم يدعها حتى تطهر مرة أخرى، ثم يطلقها إن شاء، ثم إن أراد أن يراجعها راجعها، ثم إن شاء طلَّقها، وإلا تركها حتى تتم ثلاثُ حِيضٍ، وتبين منه". (تفسير ابن جرير 2/ 259).

قالوا: وقول الصحابي: "السنة كذا" في حكم الرفع.

وجاء عن ابن عباس نحوه.

أخرج ابن جرير

(3)

في تفسير سورة الطلاق، من طريق ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس:"أنه كان يرى طلاق السنة طاهرًا من غير جماع، وفي كل طهر، وهي العدة التي أمر الله بها"(تفسير ابن جرير ج 28/ص 77).

قالوا: وهذا هو المروي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من التابعين.

(1)

(9/ 515).

(2)

"تفسيره"(4/ 128).

(3)

المصدر نفسه (23/ 23).

ص: 670

وقد ثبت في الصحيحين

(1)

وغيرهما من حديث ابن عمر في قصة طلاقه امرأته وهي حائض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر: "مُرْه فليراجعْها، ثم ليمسكْها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعدُ، وإن شاء طلَّق قبل أن يمس".

قالوا: وإنما لم يرخص له أن يطلق في الطهر الذي يلي تلك الحيضة؛ لأن محل الطلاق كان في الطهر الذي قبلها، ليكون بينه وبين الطلقة الثانية طهر وحيضة كاملة، فلما أوقعه في الحيضة أمره أن لا يوقع الطلقة الثانية إن أراد إلا بعد أن تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ليتم له طهر وحيضة كاملة بين الطلقتين، فدل الحديث على جواز إيقاع الطلقة بعد الطلقة إذا كان بينهما طهر لم يقربها فيه، ثم حيضة كاملة.

جواب المذهب الثالث: قالوا: الأعمش وأبو إسحاق إمامان ولكنهما مدلسان، وابن حميد هو محمد بن حميد الرازي متهم، والصحيح عن ابن مسعود أنه قال:"الطلاق للعدة طاهرًا من غير جماع". أخرجه ابن جرير من طرق (تفسير ابن جرير ج 28/ص 76 - 77)، وذكر الحافظ في الفتح

(2)

أن سنده صحيح. (فتح الباري ج 9/ص 276)

(3)

.

وقال ابن أبي شيبة

(4)

: ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي

(1)

البخاري (5251) ومسلم (1471).

(2)

"الفتح"(9/ 346).

(3)

أشار المؤلف هنا إلى ملحق في آخر الرسالة.

(4)

"المصنف"(9/ 511) طبعة عوامة.

ص: 671

الأحوص عن عبد الله قال: "من أراد الطلاق الذي هو الطلاق، فليطلقها تطليقة ثم يدعها حتى تحيض ثلاث حيض".

وبسند صحيح عن طاوس

(1)

: "طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته طاهرًا في غير جماع، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها".

وبسندٍ صحيح عن أبي قلابة

(2)

نحوه.

وقال

(3)

: ثنا ابن إدريس عن هشام عن ابن سيرين عن عَبيدة عن علي قال: "ما طلَّق رجل طلاق السنة فندم"، وفسَّره في رواية أخرى

(4)

فقال: "يطلقها واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض".

وقال

(5)

: ثنا وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون أن يطلقها واحدةً، ثم يتركها حتى تحيض ثلاثَ حِيَضٍ.

ثنا

(6)

: شبابة بن سوَّار عن شعبة عن الحكم وحماد في الطلاق السنة قالا: "يطلق الرجل امرأته ثم يدعها حتى تنقضي عدتها"

(7)

.

وأما أثر ابن عباس فهو مختصر من حديثه في قصة طلاق ركانة،

(1)

المصدر نفسه (9/ 511).

(2)

المصدر نفسه (9/ 512).

(3)

المصدر نفسه (9/ 511).

(4)

المصدر نفسه (9/ 512).

(5)

المصدر نفسه (9/ 512).

(6)

المصدر نفسه (9/ 512).

(7)

هنا نهاية الملحق، ثم يرجع الكلام إلى صفحة (8).

ص: 672

وسيأتي، وليس فيه ذكر "السنة"، وإنما فيه بعد أن ذكر القصة:"فكان ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر".

ولفظ "السنة" في هذا المختصر إما من قول عكرمة، وإما من قول من بعده، وسيأتي بقية الكلام على هذا.

قالوا: وأما حديث ابن عمر فالطلقتان فيه ليستا متتابعتين، فإنه أمره بالمراجعة من الأولى، وعليه فالطلقة الثانية تكون في قُبُل العدة، فأين هذا من مذهبكم؟

وقد ذكر العلماء توجيهات أخرى غير ما قلتم، منها قولهم: لو طلَّقها عقب تلك الحيضة كان قد راجعها ليطلقها، وهذا عكس مقصود الرجعة، فإنها شرعت لإيواء المرأة، ولهذا أسماها إمساكًا، فأمره أن يمسكها في ذلك الطهر، وأن لا يطلق فيه حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر، لتكون الرجعة للإمساك.

ويؤيد ذلك أن الشارع أكد هذا المعنى حين أمره أن يمسكها (يمسها) في الطهر الذي يلي الحيض الذي طلَّقها فيه، لقوله في رواية عبد الحميد بن جعفر

(1)

: "مُره أن يراجعها، فإذا طهرت مسَّها، حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلَّقها، وإن شاء أمسكها".

فإذا كان قد أمره بأن يمسكها (يمسَّها) في ذلك الطهر، فكيف يصح له أن يطلقها فيه؟ وقد ثبت النهي عن "الطلاق في طهرٍ جامعها فيه" (فتح الباري

(1)

ذكرها الحافظ في "الفتح"(9/ 350).

ص: 673

ج 9/ ص 280)

(1)

.

وقوله في الرجعة: إنها شرعت لإمساك المرأة يُبيّنه أن الله تعالى قيَّد استحقاقها بإرادة الإصلاح، قال تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} ، وقال:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} ، وقال:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} .

وفي الحديث دليل لنا، فإنه ذكر الطلقة الثانية، ثم قال:"فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء"، ولم يذكر بعد الطلقة الثانية إلا التنبيه على الآية، ودلالة الآية ظاهرة فيما ذهبنا إليه، فلذلك ــ والله أعلم ــ اكتفى بها عن أن يقول: ثم لا تطلق الثالثة إلا إذا راجعت من الثانية، ولو كان الأمر كما قلتم لكان الظاهر أن يذكر الثالثة

(2)

، لأن ما قلتم خلاف ظاهر الآية

(3)

.

وأما سكوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تعليم ابن عمر، فالظاهر أن عمر وابنه كان يعلمان ذلك، وقد روي عنهما تحريم إيقاع الثلاث جميعًا، والظاهر أن ابن عمر كان يعلم حرمة الطلاق في الحيض، وإنما وقعت منه زلَّةٌ، ولم يعلم هو وأبوه كيف المَخْلَص منها، فلذلك سأل عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والله أعلم.

ومما يدل على علمه ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تغيظ لما أخبره عمر.

وأما ركانة فإنه أخبر أنه إنما أراد واحدة، وحلف على ذلك، فلما تبين أنه إنما طلَّق واحدةً، لم يكن هناك باعث في الحال إلى بيان تحريم إيقاع

(1)

(9/ 350).

(2)

في الأصل: "الثانية".

(3)

ثم يتصل الكلام بالملحق الذي في الصفحة الآتية.

ص: 674

الثلاث دفعة.

وأما عبد الرحمن بن عوف فقد ثبت أنه إنما طلَّقها آخر ثلاث تطليقات كانت لها، انظر الجوهر النقي مع سنن البيهقي (ج 7/ ص 330).

أقول: ولقصة ابن عمر وركانة تعلقٌ بوقوع الثلاث دفعة أو عدمه، وكذلك حديث أبي موسى، وحديث محمود بن لبيد، بل لهذا الحكم ــ أعني تحريم إيقاع الثلاث دفعة أو إباحته ــ علاقة بذلك، فانتظر بيانها في الباب الثاني، إن شاء الله تعالى.

* * * *

ص: 675