المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ساعة وساعة الدارس لطبائع الناس يدرك أن الإنسان سريع التأثر باللحظة - منهج القرآن في القضاء والقدر

[محمود محمد غريب]

الفصل: ‌ ‌ساعة وساعة الدارس لطبائع الناس يدرك أن الإنسان سريع التأثر باللحظة

‌ساعة وساعة

الدارس لطبائع الناس يدرك أن الإنسان سريع التأثر باللحظة التي يعيشها، فساعة تلين له الدنيا، فيشعر أنه صاحب الأمر والنهي، وساعة تميل عنه الدنيا، وتكشر له من أنيابها، فيحسد النمل على طمأنينته وسعيه.

فالنمرود - طاغية العراق في عهد إبراهيم الخليل -

أخذه الغرور حتى قال: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)

وفرعون أطغاه المنصب، فأعماه عن حقيقة حجمه، فقال:(يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى).

وقارون عندما طُلب منه حق الله في المال، أنكر دور القدر في الرزق وقال:(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي).

ونابليون في التاريخ الحديث - قال: لا مستحيل.

لحظات تنتاب الضعاف من الناس فيتناسوا حقيقتهم.

ص: 25

فإذا وصل الإنسان إليها، أو قاربها، جاء القرآن معالجاً، وجاءت آياته تخفف عن النفس غرورها الذي انحدر بها إلى التعالي.

في مثل هذا المقام، يسوق القرآن الآيات التي تجرد الإنسان حتى من ملكية نفسه (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)

(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)

إذن كل شيء بيد الله، وكل الدنيا ليس لها من الأمر شيء.

(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38).

(وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85).

بهذه الحقائق يعالج القرآن نشوز النفس، ويعيدها إلى حجمها من الاعتدال، هذه ساعة.

وساعة أخرى يصاب الإنسان بضعف الإرادة، وفقدان العزيمة،

ص: 26

ويضيق به الفضاء، فيفقد السيطرة حتى على نفسه، ويشعر أنه ريشة في مهب الريح، تعبث به الأقدار حيث تشاء.

وإنسان بهذا العجز عبء على الحياة ثقيل.

وهنا يأتي القرآن ليغرس فيهم الأمل، وينمي شعورهم بأنفسهم ويرفع إرادتهم الحرة حتى يوصلهم إلى درجة الاعتدال، بما يؤلهم لتحمل المسئولية، وهذا دور الآيات التي تثبت الإرادة والمشيئة والقدرة على التغيير للإنسان.

(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)

(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)

(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)

(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

ص: 27

(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ).

آيات تدفع الإنسان إلى جادة الطريق، وتغرس فيه العزم.

فنحن نلهوا والقدر جاد، ولا عذر لمتباطئ.

والكون من حوله سريع، ومن انزوى عن الحياة لأول خسارة واجهته خسر نفسه.

هذا منهج القرآن في علاج متناقضات النفس.

وواجب الداعي أن يكون طبيبا، يأخذ لكل نفس من القرآن ما يصلحها.

فالمتعالي على الأقدار، وعلى الناس، يعالجه القرآن، والهابط إلى الارتخاء، يجذبه لمركب الحياة.

والآيات في كلا الجانبين حقيقة.

فمشيئتنا شعاع من مشيئة الله

(إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30).

ص: 28

فلا تعارض بين الحقائق القرآنية في الموضوعين، ولكن التعارض والتمزق في نفوس أصحاب الأهواء من المتنطعين (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28).

ويزيد الطين بلَّة، بعض الذين يتصدون للدعوة وهم ليسوا من فرسانها، فلا يجيد تخير الدواء لمريضه من " صيدلية القرآن الكريم ".

إن الدعوة إلى الله إخلاص وبصيرة (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).

والأخذ بيد المستضعفين، يغاير علاج المستكبرين، ولكل مقام مقال، كما أن الحديث في مجتمع انكبَّ على العمل، وتكالب على الدنيا، ونسي ما وراءها، يجب أن يختلف عن الحديث في مجتمع تكاسل عن ركب الحياة، ورغب عنها.

إن المال - في نظر القرآن -

ص: 29