الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالحِليمُ الذي لا يَعْجَلُ، لا رَادَّ لأمْركَ وَلا مُعَقِّبَ لِحُكَمِكَ، نَسْأَلَكَ أَنْ تَغفرَ ذُنوبَنَا وَتُنَورَ قلوبنَا وَتُثَبِّتَ مَحَبَّتَكَ فِي قُلُوبِنَا وَتُسْكِنَنَا دَارَ كَرَامَتِكَ إِنك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فَصْلٌ) : في ذِكْرِ طِرَفٍ مِنَ
الفَوَائِدِ المُتَرَتِّبَةِ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةَ
وَبَذْلِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ
والْمَضَارِّ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ: أولاً:
1-
امْتَثَالُ أَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ.
2-
تَقْدِيمُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ عَلَى مَحَبَّةِ الْمَالِ.
3-
أَنَّ الصَّدَقَةَ بُرْهَانٌ عَلَى إِيمَانِ صَاحِبِهَا كَمَا فِي الحَدِيثِ وَالصَّدقَةُ بُرْهَانٌ.
4-
شُكْرُ نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَفَضِّلِ عَلَى الْمُخْرِجِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الْمَالِ.
5-
السَّلامَةُ مِنْ وَبَالِ الْمَالِ في الآخِرَةِ.
6-
تَنْمِيَةُ الأَخْلاقِ الحَسَنَةِ وَالأَعْمَالِ الفَاضِلَةِ الصَّالِحَةِ.
7-
التَّطْهِيرُ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ وَالأخْلاقِ الرَّذِيلَةِ قَالَ اللهَ تَعَالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} .
8-
أَضْعَافُ مَادَّةِ الحَسَدِ وَالحِقْدِ وَالبُغْضِ أَوْ قَطْعِهَا كُلِّيًا.
9-
تَحْصِينُ الْمَالِ وَحِفْظِهِ لِحَدِيثِ: «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بَالزَّكَاةِ» .
10-
إِنَّ الصَّدَقَةَ دَوَاءٌ مِنْ الأَمْرَاضِ لِحَدِيثِ: «دَاوُو مَرْضَاكُمْ بَالصَّدَقَةِ» .
11-
الاتِّصَافِ بَأَوْصَافِ الكُرَمَاءِ.
12-
إِنَّهَا سَبَبٌ لِدَفْعِ البَلاءَ.
13-
التَّمَرُّنِ عَلى البَذْلِ والعَطَاءِ.
14-
أَنَّهَا سَبَبٌ لِدَفْعِ جَمِيعِ الأَسْقَامِ لِحَدِيثِ: «بَاكِرُوا بالصَّدَقَةِ فَإِنَّ البَلاءَ لا يَتَخَطَّاهَا» .
15-
أَنَّهَا سَبَبٌ لِجَلْبِ الْمَوَدَّةِ لأنَّهَا إِحْسَانٌ، وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا.
16-
أَنَّهَا سَبَبٌ لِلدُّعَاءِ مِنْ القَابِضِ لِلدَّافِعِ وَتَقَدَّمَتْ الأَدِلَّةُ.
17-
أَنَّ مَنْعَ الزَّكَاةِ سَبَبٌ لِمَنْعِ القَطْرِ لِحَدِيثِ: «وَلا مَنَعُوا الزَّكَاةَ إِلا حٌبِسَ عَنْهُمْ القَطْرُ» .
19-
الفَوْزُ بَالْمَطْلُوبِ وَالنَّجَاةِ مِنْ الْمَرْهُوبِ، قَالَ اللهُ تَعَالى:{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَقَدْ فُسِّرَ الفَلاحَ بِأَنَّهُ الفَوْزُ بَالْمَطْلُوبِ وَالنَّجَاةُ مِنْ الْمَرْهُوبِ وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الكَلِمْ.
20-
أَنَّهَا تَدْفَعُ مَيْتَةَ السَّوءِ كَمَا فِي الحَدِيثِ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ مِيْتَةَ السُّوءِ» .
21-
أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ يَكُونُ فِي ظَلِّ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَمَا فِي الحَدِيثِ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ وَذَكَرَ مِنْهُمْ َرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» . الحَدِيثِ وَتَقَدَّمَ، وِفِي الحَدِيثِ الآخَرِ:«وَإِنَّمَا يَسْتَظِلُّ الْمُؤْمِنُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ» .
22-
الفَوْزُ بالثَّنَاءِ مِنْ اللهِ لأنَّ اللهَ مَدَحَ الْمُنْفِقِينَ وَالْمُتَصَدِّقِينَ.
23، 24، 25 - الفَوْزَ بالأَجْرِ مِنْ اللهِ وَالأَمْنِ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ وَنَفْي الحَزَنَ عَنًهُمْ قَالَ اللهُ تَعَالى:{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
26-
أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ سَبَبٌ لِنُزُولِ القَطْرِ كَمَا أنَّ مَنْعَهَا سَبَبٌ لِحَبْسِهِ.
27-
أَنَّهَا سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لأنَّ الْمُتَصَدِّقَ مُحْسِنٌ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
اللَّهُمَّ نَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ النَّارِ وَعَافِنَا مِنْ دَارِ الخِزْيِ وَالبَوَادِ، وَأَدْخِلْنَا بِفَضْلِكَ الجَنَّةِ دَارَ القَرَارِ، وَعَامِلْنَا بِكَرَمِكَ وَجُودِكَ يَا كِرِيمُ يَا غَفَّارُ، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فَصْلٌ) : 28- السَّلامَةُ مِنْ كُفْرِ نِعْمَةِ اللهِ.
29-
الخُرُوجُ مِنْ حُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ الضُّعَفَاءِ.
30، 31، 32- أَنَّهَا سَبَبٌ لِلرِّزْقِ وَالنَّصْرِ كَمَا فِي الحَدِيثِ:«وَكَثْرَةُ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا» .
33-
أَنَّهَا تُطْفِئُ عَنْ أَهْلِهَا حَرَّ القُبُورِ كَمَا فِي الحَدِيثِ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ عَنْ أَهْلِهَا حَرَّ القُبُورِ» .
34-
أَنَّهَا تَزِيدُ فِي العُمْرِ كَمَا فِي الحَدِيثِ: «أَنَّ صَدَقَةَ الْمُسْلِمِ تَزِيدُ فِي العُمْرِ» .
35-
السَّلامَةُ مِنْ الَّلعْنِ الوَارِدِ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ لِمَا رَوَى الأَصْبَهَانِي عَنْ عَلَيَّ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ
الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ وَالْمُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ) .
36-
الفَوزُ بالقُرْبِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ قَالَ تَعَالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} . وَقَالَ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} الآيَةِ.
37-
الوَعْدُ بَالخَلَفِ لِلْمُنْفِقِ لِحَدِيثُ: «اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا» .
38-
الظَّفَرُ بِدُعَاءِ الْمَلائِكَةِ لِلْمُنْفِقِ.
39-
أَنَّ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ حَلٌّ لِلأَزَمَاتِ الاقْتِصَادِيَّةِ وَسُوءِ الحَالَةِ الاجْتَمَاعِيَّةِ فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الأَمْوَالِ الزَّكَويَّةِ تَنَسَّخُوا مِنْهَا وَوَضَعُوهَا فِي مَوَاضِعِهَا لَقَامَتْ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ وَزَالَتْ الضَّرورَاتِ وَانْدَفَعَتْ شُرُورُ الفُقُرَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ أَعْظَمُ حَاجِزِ وَسَدّ يَمْنَعُ عَبَثَ الْمُفْسِدِينَ، وَفِي الْحَدِيثِ:«وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُم عَلى أَنْ سَفُكُوا دِمَاءَهُم وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» .
40-
أَنَّ اللهَ يُعِينُ الْمُتَصَدِّقَ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُهَيِّئْ لَهُ طَرِيقُ السَّدَادِ وَالرَّشَادِ وَيُذَلِّلُ لَهُ سُبُلَ السَّعَادَةِ قَالَ اللهُ تَعَالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} .
41-
أَنَّ مَنْعَ الزَّكَاةِ يُخَبِّثُ الْمَالَ الطَّيِّبَ لِحَدِيثِ: «مَنْ كَسَبَ طَيِّبًا خَبَّثَهُ مَنْعُ الزَّكَاةِ، وَمَنْ كَسَبَ خَبِيثًا لَمْ تُطَيِّبْهُ الزَّكَاةُ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِي في الكَبِيرِ مَوْقُوفًا بِإسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ.
42-
أَنَّ مَنْعَ الزَّكَاةِ سَبَبٌ لِتَلَفِ الْمَالِ لِحَدِيثِ: «مَا تَلِفَ مَالٌ فِي بَرٍّ
وَلا بَحْرٍ إلا بَحَبْسِ الزَّكَاةِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِي فِي الأَوْسَطِ وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
43-
أَنَّ مَنْعَ الزَّكَاةِ سَبَبٌ لِلابْتِلاءِ بِالسِّنِينَ لِمَا فِي الحَدِيثِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مَنَعَ قُوْمٌ الزَّكَاةَ إلا ابْتَلاهُم اللهُ بالسِّنِينَ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِي فِي الأَوْسَطِ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
44-
أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤَدِّي حَقَّ اللهِ فِي مَالِهِ أَنَّهُ أَحَدُ الثَّلاثَةِ الذين هُمْ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: فَالشَّهِيدُ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ: فَأَمِيرٌ مُسَلِّطٌ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لا يُؤَدِّي حَقَّ اللهِ فِي مَالِهِ، وَفَقِيرٌ فَخُورٌ» . رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ مُفَرَّقًا فِي مَوْضِعِينِ.
45، 46- أَنَّ الصَّدَقَةَ يُذْهِبُ اللهُ بِهَا الكِبْرَ وَالْفَخْرَ لِحَدِيثِ:«إِنَّ صَدَقَةَ الْمُسْلِمِ تَزِيدُ فِي العُمْرِ وَتَمْنَعُ مَيْتَةَ السُّوءِ وَيَذْهَبُ بِهَا الكِبْرُ وَالفَخْرُ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِي.
47-
السَّلامَةُ مِنْ التَّطْوِيقِ بِالشُّجَاعِ الأَقْرَعِ كَمَا في الحَدِيثِ: «مَا مِنْ أَحَدٍ لا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إِلا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَطَوَّقُ بِهِ عُنُقَهُ» .
48-
السَّلامَةُ مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِيَن لِمَا فِي الحَدِيثِ: «ظَهَرَتْ لَهُمْ الصَّلاةُ فَقَبِلُوهَا، وَخَفِيَتْ لَهُمْ الزَّكَاةُ فَأَكَلُوهَا أُولَئِكَ هُمْ الْمُنَافِقُونَ» . رَوَاهُ البَزارُ.
49، 50- «إِنَّ البَلاءَ لا يَتَخَطَّى الصَّدَقَةَ وَأَنَّهَا تَسُدُّ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ
السُّوءِ» . رَوَاهُ الطَّبَرانِي فِي الكَبِيرِ، وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْبَلَاءَ لَا يَتَخَطَّاها» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِي مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ وَلَعَلَّهُ أَشْبَهُ.
51-
أَنَّ الصَّدَقَةَ حِجَابٌ مِنْ النَّارِ لِمَنْ احْتَسَبَهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفْتِنَا عَنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: «إِنَّهَا حِجَابٌ مِنْ النَّارِ لِمَنْ احْتَسَبَهَا يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ عز وجل» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِي.
52-
أَنَّ إخْرِاجَ الصَّدَقَةِ يُؤْلِمُ سَبْعِينَ شِيْطَانًا، لِمَا وَرَدَ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يُخْرِجُ شَيْئًا مِنْ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لِحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِي، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ.
53-
أَنَّ اللهَ يُسَخِّرُ لِلْمُتَصَدِّقِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِنُمُوِّ مَالِهِ كَبَرَكَةٍ فِي ظَماءِ نَهْرٍ وَسَقْيِ أَرْضٍ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا رَجُلٌ فِي فَلَاةٍ مِنْ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابٍة: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاج قَدْ اسْتَوْعَبَتِ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٍ قَائِمٍ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمَسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٍ للإسْمِ الذي سَمِعْ فِي السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي؟ قال: سَمِعْتُ فِي السَحَابِ الذي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لاسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذَ قُلْتَ فَإِنِّي أنْظُرُ إلى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلثَه، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلَثهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
54-
أَنَّ الصَّدَقَةَ لا تُنْقِصُ الْمَالَ خِلافًا لِمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الجُهَّالِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» . الحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
55-
أَنَّ الصَّدَقَةَ إِذَا كَانَتْ مِنْ كَسْبِ طَيِّبِ فَإِنَّ اللهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَرُبُّهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلا يَقْبَلُ اللهُ إِلا الطَّيبَ فَإِنَّ اللهَ يَقْبَلها بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكم فُلُوِّه حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
56-
أَنَّ الصَّدَقَةَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْمَعِيَّةِ الخَاصَّةِ لأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ مُحْسِنٌ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} .
57-
أَنَّ الْمُصَّدِقِينَ يُضَاعِفُ اللهُ لَهم ثَوَابَ أَعْمَالِهم الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلى سَبْعِمائةِ ضِعْفٍ إِلى حَيْثُ شَاءَ اللهُ عز وجل قَالَ تَعَالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} .
58-
«أَنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ» . رَوَاهُ التِّرمذي، وابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ التِّرمِذِي: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
59-
أَنَّ بِإخْرَاجِ الزَّكَاةِ كُلَّ سَنَةٍ يَرَى الفُقَرَاءُ أَنَّ الأَغْنِيَاء لَهُمْ فَضْلٌ عَلَيْهِمْ فَيُدَافِعُونَ عَنْهُمْ مَا اسْتَطَاعُوا أَمَّا كَفُّ اليَدِ عَنْهُمْ وَمَنْعُ مَعْرُوفِهِمْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يُوغِرُ صُدُورَهُمْ وَيَمْلَؤُهَا حِقْدًا عَلَيْهِمْ وَيَجْتَهِدُونَ فِي سَلْبِ حَيَاتِهِمْ لِلْوُصُولِ إِلى أَمْوَالِهِمْ الْمَخْوُزْنَةِ فَتَكُونُ الحَيَاةُ مُهَدَّدَةٌ وَالأَمْنُ مَفْقُودًا.
60-
أَنَّ مَنْعَ الصَّدَقَاتِ يُزِيلُ النِّعَمَ وَيُخَرِّبُ الدِّيَارَ العَامِرَةَ وَتَأَمَّلْ قِصَّةَ أَصْحَابِ الجَنَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ نُ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ قَالَ تَعَالى: {فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ} . إِلى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} . وَتَأَمَّلْ قِصَّةَ ثَعْلَبَةَ في سُورَةِ التَّوْبَةِ قَالَ تَعَالى: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} . وَاللهُ أَعْلَم وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.
(13)
موعظة
عِبَادَ اللهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ باللهِ حَقًّا يَبْتَعِدُ عَنْ الْمَعَاصِي كَمَا يَبْتَعِدُ عَنْ النَّارِ فَإِذَا زَلَّ مَرَّةً مِنَ الْمَرَّاتِ اضْطَرَبَتْ أَعْصَابُهُ وَجَعَلَ قَلْبُهُ يَخْفِقُ وَأَصَابَهُ نَدَمٌ عَظِيمٌ وَكُلَّمَا تَذَكَّرَ تِلْكَ الهَفْوَةِ احْمَرَّ وَجْهُهُ خَجَلاً وَهَاجَتْ عَلَيْهِ أَحْزَانُهُ وَتَذَكَّرَ عِصْيَانَهُ لِسَيِّدِهِ وَمَوْلاهُ وَلا يَزَالُ مُوجَعَ القَلْبِ مِنْكَسِرُهُ حَتَّى يُفَارِقُ الدُّنْيَا وَيُوَارَى في التُّرَابِ.
هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الْمُؤْمِنِ، وَلا يُعْرَفُ سِوَاهُ فِي أَهْلِ الإِيمَانِ لأَنَّهم يُدْرِكُونَ تَمَامًا أَنَّهُم إِنْ عَصَوا خَالِقَهُم وَرَازِقَهُم أَنَّهُم سَيَنْدَمُونَ وَيُعَاقَبُونَ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا إِلى مَوْلاهُمْ، هَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، وَانْظُرْ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ اليَوْمَ فِي هَذَا العَصْرِ الْمُظْلِمِ مِنْ الجُرْأَةِ عَلَى انْتِهَاكِ مَحَارِمِ اللهِ تَتَمَثَّلُ أَمَامَكَ حَالُهُم بِحَالَةِ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِثَوَابٍ وَلا عِقَابٍ تَرَاهُمْ قَدْ أَضَاعُوا الصَّلاةِ، وَأَصَرُّوا عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ إِلا النَّوَادِرَ مِنْهُمْ، تَرَاهُم يُطَارِدُونَ النِّسَاءَ فِي الأَسْوَاقِ، وَيَشْرَبُونَ الدُّخَانَ عَلنًا
وَيَحْلِقُونَ اللحَى، كَذَلِكَ وَيَغُشُّونَ فِي مُعَامَلاتِهم، تَرَاهُمْ أَمَامَ الْمَلاهِي وَالْمُنْكَرَاتِ لِيلاً وَنَهَارًا، تَرَاهُمْ يُوَالُونَ أَعْدَاءَ اللهِ وَيُعَظِّمُونَهُمْ، تَرَاهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا بالْمَعَاصِي فِي بِلادِهِم بَلْ يَذْهَبُونَ إلى البِلادِ الأُخْرَى، بِلادِ الفِسْقِ وَالفُجُورِ وَالحُرِّيَةِ وَيُنْفِقُونَ فِيهَا الأَمْوَالَ الطَّائِلَةَ فِي مَا يُغْضِبُ اللهَ الذي أَغْنَى وَأَقْنَى وَلَكِنْ لِيَعْلَمْ هَؤُلاءِ الفَسَقَةُ أَنَّ اللهَ لا يَغْفَلُ عَنْ أَعْمَالِهِم السَّيِّئَةِ وَسَوْفَ تَشْهَدُ عَلَيْهِم بِهَا الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتِ، وَلا تَبْكِي عَلَيْهِمْ لا هَذِهِ وَلا هَذِهِ يَوْمَ يَتَجَرَّعُونَ كَأْسَ الْمَمَاتِ، وَيَشْهَدُ بِهَا عَلَيْهِمْ الْمَلَكَانِ كَاتِبُ الحَسَنَاتِ، وَكَاتِبُ السَّيِّئَاتِ، وَيَشْهَدُ بِهَا عَلَيْهِمْ الحَفَظَةَ الذينَ يَتَعَاقَبُونَ عَلَى حِفْظِهِمْ تَعَاقُبَ الحُرَّاسِ وَيَشْهَدُ بِهَا عَلَيْهِمْ جَوَارِحُهُمْ التي بَاشَرَتْ فِعْلَ الْمَعَاصِي وَيَشْهَدُ بِهَا خَيْرُ شَاهِدٍ وَهُوَ مَوْلاهُمْ جَلَّ وَعَلا الذي تَسْتَرِي الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ وَالغُيُوبُ، وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ كُتُبُ أَعْمَالِهِمْ التي كُلُّ مَا فَعَلُوا بِهَا مَكْتُوبٌ حَتَّى إِذَا رَأَوْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي حِسَابٍ فَزِعُوا وَقَالُوا:{يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} ، كُلُّ هَؤُلاءِ يَشْهَدُونَ عَلَى العَاصِينَ بالْمَعَاصِي فَيُسَجِّلُونَ عَلَيْهِمْ مَا قَدَّمَتْهُ أَيْدِيهِمْ وَلَيْسَ لِذَلِكَ نَتِيجَةٌ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا إِلا غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ، وَإلْقَاؤُهُمْ في دَارِ المُجْرِمِينَ الجَانِينَ جَهَنَّمَ، وَإِذَا كَانَ الأَمْرُ هَكَذَا فَلِمَاذَا يَفْرَحُ العُصَاةُ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ التِي لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ. التِي تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ.
شِعْرًا:
وَلَم يَمرُر بِهِ يَومٌ فَظيعٌ
…
أَشَدُّ عَلَيهِ مِن يَومِ الحِمامِ
وَلَم يَمرُر بِهِ يَومٌ فَظيعٌ
…
أَشَدُّ عَلَيهِ مِن يَومِ الحِمامِ
وَيَومُ الحَشرِ أَفظَعُ مِنهُ هَولاً
…
إِذا وَقَفَ الخَلائِقُ بِالمَقامِ
فَكَم مِن ظالِمٍ يَبقى ذَليلاً
…
وَمَظلومٍ تَشَمَّرَ لِلخِصامِ
وَشَخصٍ كانَ في الدُّنْيَا فَقيراً
…
تَبَوَّأَ مَنزِلَ النُجبِ الكِرامِ
وَعَفوُ اللَهِ أَوسَعُ كُلّ شَيءٍ
…
تَعالى اللَهُ خَلاقُ الأَنامِ
آخر:
وَكَيْفَ قَرَّتْ لأهْلِ العِلْمِ أَعْيُنُهُمْ
أَوْ اسَتَلَذُّوا لِذِيذَ النَّوْمِ أَوْ هَجَعُوا
وَالمَوْتُ يُنْذِرُهُمْ جَهْرًا عَلانِيَةً
لَوْ كَانِ لِلْقَوْمِ أَسْمَاعٌ لَقَدْ سَمِعُوا
وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لا بُدَّ مَوْرِدُهُمْ
وَلَيْسَ يَدْرُونَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ
آخر:
وَكَيْفَ يَلَذُّ العَيْشَ مَنْ كَانَ مُوقِنًا
بَأَنَّ الْمَنَايَا بَغْتَةً سَتُعَاجِلُهْ
وَكَيْفَ يَلَذُّ العَيْشَ مَنْ كَانَ مُوقِنًا
بَأَنْ إِلهَ الخَلْقِ لا بُدَّ سَائِلُهْ
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالى النَّجَاةَ مِنْهَا وَأَنْ يُوَفِّقْنَا لِلأَعْمَالِ الْمؤَهِّلَةِ لِدَارِ الخُلْدِ وَأَنْ يُوَفقَ وُلاتَنَا لِلْقِيَامِ عَلَى هَؤُلاءِ المُجْرِمينِ، وَرَدْعِهِمْ وَإِلْزَامِهِمْ سُلُوكَ طُرِقِ الحَقِّ إِنَّهُ القَادِرُ عَلَى ذَلِكَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قُلُوبِنَا نُورًا نَهْتَدِي بِهِ إِلَيْكَ وَتَوَلَّنَا بِحُسْنِ رِعَايَتِكَ حَتَّى نَتَوَكَلَ عَلَيْكَ وَارْزُقْنَا حَلاوَةَ التَّذَلُّلَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ.
الفَصْلُ الأَوَّلُ
شَهْرُ رَمَضَانَ
1-
دَرْسُ اليَوْمِ الأَوَّلِ:
يَقُولُ اللهُ تَعَالى:
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ:
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَآمِرًا لَهُمْ بِالصِّيَامِ وَهُوَ الإِمْسَاكُ عَنْ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، وَالوِقَاعِ، بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ للهِ عز وجل لِمَا فِيهِ مِنْ زَكَاةِ النُّفُوسِ وَطَهَارَتِهَا وَتَنْقِيَتِهَا مِنْ الأَخْلاطِ الرَّدِيئَةِ وَالأَخْلاقِ الرَّّّذِيلَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ فَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهِمْ فَلَهُم فِيهِمْ أُسْوَةٌ وَلِيَجْتَهِدَ هَؤُلاءِ فِي أَدَاءِ هَذَا الفَرْضِ أَكْمَلَ مِمَّا فَعَلَهُ أُولئِكَ. (انْتَهَى كَلامُهُ رحمه الله .
وَقَدْ وَرَدَتْ فِي فَضْلِهِ، وَمُضَاعَفَةِ أَجْرِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ:
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالنِّسَائِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِقُدومِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَيَقُولُ:
وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: (هَذَا الحَدِيثُ أَصْلٌ فِي تَهْنِئَةِ النَّاسِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا بِشَهْرِ رَمَضَانَ) .
وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ:
وَعَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا:
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» .
ولمسلم: «فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ» . وَفِي الصَّحِيحيْنِ عَنْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ غَيْرُهُمْ» . وفي رواية: «فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ البَابُ» . وفي رواية: «من َدَخَلَ مِنْهُ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا» .
ولمسلم أيضًا: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعًا: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَأغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» .
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النّيران،ِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ. وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» .
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» .
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذي وَحَسَنٌهُ، وابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصَالِحِ الأَعْمَالَ، وَنَجِّنَا مِنْ جَمِيعِ الأَهْوَالِ، وَأَمَنّا مِنَ الفَزَع الأَكْبَر يومَ الرجْفِ والزلْزَالْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ.
(فصل) وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ في رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ: خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ الحِيتَانُ حَتَّى يُفْطِرُوا، وَيُزَيِّنُ اللهُ عز وجل كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ الْمُئْوَنَةَ، وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ، وَتُصْفَدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينَ فلا يَخْلُصُوا فِيهِ إِلى مَا كَانُوا يَخْلصُونَ إِلْيهِ فِي غَيْرِهِ، وَيَغْفِرُ لَهُمْ في آخِر لَيْلَةٍ» .
قِيلَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ أَهِي لَيْلَةُ القَدْرِ؟
قَالَ: «لا، وَلَكِنَّ العَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرُهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ» .
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَعِدْ الْمَنْبَرَ، فَقَالَ:«آمِينَ، آمينَ، آمِينَ» . قِيلَ يَا رَسُولُ اللهِ: إِنَّكَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ فَقُلْتَ: «آمِينَ، آمينَ، آمِينَ» ، فَقَالَ:«إِنَّ جَبْرَيلُ عليه السلام أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهْ، فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ» . الحَدِيثِ.
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَظَلَّكُم شَهْرُكُمْ هَذَا، بِمَحْلُوفِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا مَرَّ بَالْمُسْلِمِينَ شَهْرٌ خَيْرُ لَهُمْ مِنْهُ، وَلا مَرَّ بِالْمُنَافِقِينَ شَهْرُ شَرٍّ لَهُمْ مِنْهُ بِمَحْلُوفِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ اللهَ لَيَكْتُبُ أَجْرَهُ وَنَوَافِلَهُ قِبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُ، وَيَكْتُبُ إِصْرَهُ وَشَقَاءَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُعِدُّ فِيهِ القُوتَ وَالنَّفَقَةَ لِلْعِبَادَةِ، وَيَعُدُّ فِيهِ الْمُنَافِقُ أتبَاعَ غَفَلاتٍ الْمُؤمِنِينَ وإتِّبَاعَ عَوْرَاتِهِم، فَغُنْمٌ يَغْنَمُهُ الْمُؤْمِنُ» .
وَقَالَ بَنْدَارُ فِي حَدِيثِهِ: «فَهُوَ غُنْمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغْتَنِمُهُ الفَاجِرُ» . رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ.
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِبُلُوغِ رَمَضَانَ، فَكَانَ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قَالَ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِي وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بن مَرَوَانَ: (كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ عِنْدَ حُضُورِ شَهْرِ رَمَضَانَ: اللَّهُمَّ قَدْ أَظَلَّنَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَحَضرَ فَسَلِّمْهُ لَنَا وَسَلِّمْنَا لَهُ، وَارْزُقْنَا صِيَامَهُ وَقِيامَهُ، وَارْزُقْنَا فِيهِ الجِدَّ وَالاجْتِهَادَ وَالنَّشَاطَ، وَأَعِذْْنَا فِيهِ مِنْ الفِتَنِ» .
وَقَالَ مُعَلَّى بْنِ الفَضْلِ: كَانُوا يَدْعُونَ الله سِتَّةَ أَشْهُرِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ رَمَضَانُ، ثُمَّ يَدْعُونَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ مِنْهُمْ. وَقَالَ يَحْيَى بِنْ أَبِي كَثِيرِ كَانَ مِنْ دُعَائِهِمْ:(اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي إلى رَمَضَانَ وَسَلِّمْ لِي رَمَضَانُ وَتَسَلَّمْهُ مِنّي مُتَقَبَّلاً) .
اللَّهُمَّ يَا مَنْ فَتَحَ بَابَهُ للطَّالِبَيْنَ، وَأَظْهَرَ غِنَاهُ لِلرَّاغِبينَ نَسْأَلُكَ أَنْ تَسْلَكَ بِنَا سَبِيلَ عِبَادِكَ الصَّادِقِينَ، وَأَنْ تَلْحِقَنَا بِعبَادِكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ أُحْيِ قُلُوبًا أَمَاتَهَا البُعْدُ عَنْ بَابِكَ، وَلا تَعذِّبْهَا بَأَلِيمٍ عِقَابِكَ، يَا كَرِيمُ يَا مَنَّانُ، يَا مَنْ جَادَ عَلَى
عِبَادِهِ بالأنْعَامِ وَالأفضَالِ، اللَّهُمَّ أَيْقِظْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا بُلُطْفِكَ وَإِحْسَانِكَ وَتَجَاوَزْ عَنْ جَرَائِمْنَا بِعَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَارْزُقْنَا مَا رَزَقْتَ أَوْلِيَاءِكَ، مِنْ نَعِيم قُرْبكِ، وَلَذَّةِ مُنَاجَاتِكَ، وَصِدْقِ حُبِّكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ.
وَخُذْ فِي بَيَانِ الصَّومِ غَيْرُ مُقَصِّرٍ
عِبَادَةِ سِرِّ ضِدَّ طَبْعٍ مُعَوَّدِ
وَصَبْرُ لِفَقْدِ الإِلْفِ مِنْ حَالَةِ الصِّبَا
وَفَطْمٌ عَنْ المَحْبُوبِ وَالْمُتَعَوَّدِ
فَثِقْ فِيهِ بَالْوَعْدِ القَدِيمِ مِنْ الذِي
لَهُ الصَّوْمُ يُجْزِي غَيْرَ مُخْلِفِ مَوْعِدِ
وَحَافِظْ عَلى شَهْرِ الصِّيَامِ فَإِنَّهُ
لَخَامِسُ أَرْكَانٍ لِدِينِ مُحَمَّدِ
تُغَلِّقُ أَبْوَابُ الجَحِيمِ إِذَا أَتَى
وَتُفْتَحُ أَبْوَابُ الجِنَانِ لِعُبَّدِ
تُزَخْرَفُ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَحُورُهَا
لأَهْلِ الرِّضَا فِيهِ وَأَهْلُ التَّعَبُّدِ
وَقَدْ خَصَّهُ اللهُ العَظِيمُ بِلَيْلَةٍ
عَلَى أَلْفِ شَهْرٍ فُضِّلَتْ فَلْتُرَصَّدِ
فَارْغِمْ بَأنْفِ القَاطِعِ الشَّهْرِ غَافِلاً
وَأَعْظِمْ بَأَجْرِ الْمُخْلِصِ الْمُتَعَبِّدِ
فَقُمْ لَيْلَةُ وَاطْوِ نَهَارَكَ صَائِمًا
وَصُنْ صَوْمَهُ عَنْ كُلِّ مُوْهٍ وَمُفْسِدِ
اللَّهُمَّ أَهِلَّ شَهْرَنَا عَلَيْنَا بِالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ وَالأَمْنِ وَالإِيمَانِ، وَاغْفِرْ لَنَا كُلَّ قَبِيحٍ سَلَفَ وَكَانَ، وَأَعْتِقْنَا فِيهِ مِنْ لَفَحَاتِ النِّيرَان، وَأَعِنَّا عَلَى الخَيْرِ يَا كَرِيمُ يَا مَنَّانُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ.
موعظة
عِبَادَ اللهِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِِيحِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ» . عِبَادَ اللهِ إِنَّ هَذَا الحَدِيثُ عَلَى إِيجَازِهِ لَيَحْتَوِي عَلَى وَصِيَّةٍ ثَمِينَةٍ مِنْ أَبْلَغِ الوَصَايَا وَأَقْيَمِهَا وَأَجَلِّهَا وَأَنْفَعِهَا فَقَدْ اشْتَمَلَ عَلى الأَمْرِ بِحِفْظِ عُضْوَينِ عَلَيْهِمَا مَدَارٌ عَظِيمٌ حَقِيقِينَ بِتَعَاهُدِهمَا بالرِّعَايَةِ وَالاسْتِقَامَةِ وَالرَّقَابَةِ وَالصِّيَانَةِ أَلا وَهمَا: اللسَانُ، وَالفَرْجُ، وَلا شَكَّ أَنَّهُمَا إِنْ أُطْلِقَ سَرَاحُهُمَا فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَاتِ وَطُرُقِ الغَيِّ وَالفَسَادِ كَانَا أَصْلاً لِلْبَلاءِ وَالفِتْنَةِ وَالشِّرِّ وَالَهَلاكِ وَالدَّمَارِ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وُقِيَ شَرَّ قَبْقَبِهِ وَذَبْذَبِهِ وَلَقْلَقِهِ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» . الحَدِيثِ أَخْرَجَهُ مَنْصُورُ الدَّيْلَمِي مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه. وَالقَبْقَبُ: البَطْنُ. والذَّبْذَبُ: الفَرْجُ. وَاللقْلَقُ: اللسَانُ.
فَهَذِهِ الشَّهَواتِ بِهَا يَهْلَكُ أَكْثَرُ الخَلْقِ وَسُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّارَ فَقَالَ: «الأَجْوَفَانِ: الفَمَّ، وَالفَرْجُ» .
فَالْعَاقِلُ مَنْ يُبْصِرُ مَوَاقِعَ الكَلامِ وَيَحْفَظُ لِسَانَهُ مِنْ الفُضُولِ وَالْهَذَيَانِ وَلا يَتَعَدَّى بِفَرْجِهِ زَوْجَتَهُ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينَهُ.
شِعْرًا:
إِذَا مَا أَرَدْتَ النُّطْقَ فَانْطِقْ بِحِكْمَةٍ
…
وَزِنْ قَبْلَ نُطْقَ مَا تَقُولُ وَقَوِّمِ
فَمَنْ لَمْ يَزِنَ ما قال لا عَقْل عِنْدهُ
…
وَنُطْقٌ بِوَزْنٍ كَالبِنَاءِ المُحَكَّمِ
فَإِنْ لَمْ تَجِدْ طُرْقَ المقالِ حَمِيدَةً
…
تَجَمَّلْ بحُسْنِ الصَّمْتِ تُحْمَد وتَسْلَمِ
فَكَمْ صَامِتًا يَلْقَى المَحَامِدَ دَائِمًا
…
وَكَمْ نَاطِقٍ يَجْنِي ثِمارَ التَّنَدُّمِ
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» إِذَا فَهِمْتَ ذَلِكَ فَاْعْلَمْ أَنَّ زَلاتِ اللسَانِ عَظِيمَةٌ فَزَلَّةٌ مِنْ زَلاتِهِ قَدْ تُؤَدِّي بِالإنْسَانِ إلَى الهَلاكِ وَالعَطَبِ وَمُفَارَقَةِ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ فَلْيَحْذَرْ الإِنْسَانُ مِمَّا يَجْرِي بِهِ لِسَانُهُ.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلا يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» . الحَدِيثِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَرْفُوعًا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ أصبحت الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُذَكِّرُ اللِّسَانَ أَيْ تَقُولُ: اتَّقِ اللهِ فِينَا فَإِنَّكَ إِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإْن اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بَنْ الخطَّابِ رضي الله عنه رَأَى أَبا بَكْرٍ الصِّديقُ رضي الله عنه وَهُوَ يَمُدُّ لِسَانَهُ بِيَدِهِ فَقَال لَهُ: مَا تَصْنَعُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَذَا أَوْرَدَنِي المَوَارِدَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ شَيءٌ مِنْ الجَسَدِ إلا يَشْكو إلى اللهِ اللِسَانَ عَلَى حِدَّتِهِ» .
وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ أَنَّه كَانَ عَلى الصَّفَا يُلَبِّي وَيَقُولُ: يَا لِسَانُ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمُ مِنْ قَبْلِ أنْ تَنْدَمَ فَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَهَذَا شَيءٌ تَقُولُه أَوْ شَيءٌ سَمِعْتَهُ فَقَالَ لا بَلْ شيءٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَكْثَرَ خَطَايَا ابْنِ آدَم في لِسَانِهِ» .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَفَّ لِسَانَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ مَلَكَ غَضَبَهُ وَقَاهُ اللهُ عَذَابَهُ وَمَنْ اعْتَذَرَ إَلَى اللهِ قَبِلَ اللهُ عُذْرَهُ.
شِعْرًا:
وَإِذَا خَشِيتَ مَلامةً مِنْ مَنْظِقٍ
…
فاَخْزِنْ لِسَانَكَ في اللَّهَاةِ وَأَطْرِقِ
وَاحْفَظْ لِسَانَكَ أَنْ تَقُولَ فَتُبْتَلَى
…
إِنَّ البَلاءَ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِخْزِنْ لِسَانَكَ إلا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّكَ بِذَلِكَ تَغْلِبُ الشَّيْطَانَ» . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُم المُؤْمِنَ صَمُوتًا وَقُورًا فادْنُوا مِنْهُ فَإْنَّهُ يُلَقَّنُ الحِكْمَةَ» .
وَأَخْرَجَهُ ابنُ مَاجَة مِنْ حَدِيثِ خَلادٍ بِلَفْظ: «إِذَا رَأَيْتُم الرَّجُلَ قَدْ أُعْطِيَ زُهْدًا في الدُّنْيَا وَقِلَّةَ مَنْطِقٍ فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلقَّى الحِكْمَةَ» .
وَلا تَحْسَبَنَّ حِفْظَ اللِّسَانِ قَاصِراً عَلَى الصَّمْتِ في مَوْضِعِهِ أَوْ الكَلامَ بل يَتَعَدَّى إلَى حِفْظِهِ مِنْ طَعَامٍ مَشْبُوهٍ أَوْ حَرَامٍ وَإنَّ مِنْ المَعْلُومِ أَنَّ اللِّسَانَ هُو الوَسِيلَةُ لِمَضْغِ مَا يَأْكُلُهُ المَرْءُ وَقَذْفِهِ في المَعِدَةِ بَيْتِ الطَّعَامِ وَمُسْتَقَرُّهُ مِنْ الزَّلَلِ وَالحَرَامِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ في عَاقِبَةِ أَمْرَهِ.
وَأَمَّا حِفْظُ الفَرْجِ فَبِتَرْكِ التَّعَدِّي عَلَى أَعْرَاضِ النَّاسِ وَحُرُمَاتِهِم وَوَضْعِهِ في الحَلالِ في الطُّرُقِ المَشْرُوعَةِ وَكفِّهِ عَن الزِّنَا وَالحَرَامِ وَالزِّنَا آفةٌ وَبَيْلَةٌ عَلَى المُجْتَمَعِ الإِنْسَانِي وَقَدْ بَيَّنَا مَضَارَّهُ في الجُزْءِ الثَّانِي. واللهُ أَعْلَمُ.
عَجِبْتُ لِذي التَّجارِبِ كَيفَ يَسْهُو
…
وَيَتْلُو اللَّهوَ بَعْدَ الإحتِباكِ
وَمُرْتَهَنُ الفَضائِحِ وَالخَطايا
…
يُقَصِّرُ بِاِجتِهادٍ لِلفِكاكِ
وَموبِقُ نَفسِهِ كَسَلاً وَجَهَلاً
…
وَمورِدُها مَخوفاتِ الهَلاكِ
بِتَجديدِ المَآثِمِ كُلَّ يَومٍ
…
وَقَصدٍ لِلمُحَرَّمِ بِاِنتِهاكِ
سَيَعلَمُ حينَ تَفجُؤُهُ المَنايَا
…
وَيَكثُفُ حَولَهُ جَمعُ البَواكي
اللَّهُمَّ جُدْ عَلَيْنَا بِكَرمِكَ، وَافض علينا مِن نِعَمِكَ، وَتَغَمَّدْنَا بِرَحْمَتِكَ،
وعاملنا بِرأفْتكْ، وَوَفِّقْنَا لِخدْمَتِكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ مَكِّنْ حُبَّكَ في قُلُوبِنَا وَأَلْهِمْنَا ذَكْرَكَ وَشُكْرَكَ وَوَفِّقْنَا لامْتِثَالِ طَاعَتِكَ وَأَمْرِكَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فصل)
5-
لا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلا غَيْرُهُ مِنَ الصِّيَامِ الوَاجِبِ إلا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ.
1-
حُكْمُ صَوْمِ رَمَضَانَ:
صَوْمُ رَمَضَانَ فَرِيضَةً: وَالأصْلُ في فَرِيضَتِهِ: الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَالإِجْمَاعِ.
أَمَّا الدَّلِيلُ مِنَ الكِتَابِ فُقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ» .
وَأَمَّا الإِجْمَاعُ، فَأَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى فَرِيضَةِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
2-
بَيَانُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ:
وَيُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ قَادِرٍ أَدَاءٌ وَقَضَاءً وَلا يَجِبُ عَلَى كَافَرٍ - سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًا أًوْ مُرْتَدًا - لإنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ لا تَصِحُّ مِنْهُ في حِالِ كُفْرِهِ، وَلا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} .
وَلأنَّ فِي إِيجَابِ قَضَاءِ مَا فَاتَ في حَالِ كُفْرِهِ تَنْفِيرًا عَنِ الإِسْلامِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا مَضَى مِنْ الأَيَّامِ وَيَصُومُ مَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ.
وَلِحَدِيثِ ابن مَاجَة في وَفْدِ ثَقِيفٍ: قَدِمُوا عَلَيْهِ في رَمَضَانَ فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةٌ بِالمَسْجِدِ. فَلَمَّا أَسْلَمُوا صَامُوا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّهْرِ، إِذْ أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ.
وَلا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَجْنُونٍ، وَلا صَبِيٍّ حَتَّى يَبْلُغَ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٌ: عَنْ الصَّبِي حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» .
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ القُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ فَلأَنَّ مَنْ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَهُوَ الكَبِيرُ وَالعَجُوزُ - إَذا كَانَ الصَّوْمُ يُجْهِدُهُمَا وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةَ شَدِيدَةً - فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} : لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ فِي الشَّّّّّيْخِ الكَبِيرِ، وَالمَرْأَةِ الكَبِيرَةِ اللَّذَيْنِ لا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمِ فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
وَرُوِيَ أَنَّ أَنس بنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - ضَعُفَ عَنِ الصَّوْمِ فَصَنَعَ جِفْنَةً مِنْ ثَرِيدٍ، فَدَعَا ثَلاثِينَ مِسْكِينًا فَأَطْعَمَهُمْ.
وَالمرِيضُ الذي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ، حُكْمُهُ حُكْمُ الشَّيْخِ الكَبِيرِ، يُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. واللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
(فصل)
3-
مَا يَثْبُتُ بِهِ الشَّهْرُ:
وَيَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلالِهِ، أَوْ إِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ
يَوْمًا وَتَثْبُتْ رُؤْيَةُ هِلالِ رَمَضَانَ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ أُنْثَى.
قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بِنْ عُمَرَ – رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإَذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غَمَّ عَلَيْكُمْ فَاقدُرُوا له» .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (تَرَاءى النَّاسُ الهِلالَ فَأَخْبَرْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّ أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَال: إِنِّي رَأَيْتُ الهِلالَ، فَقَالَ:«أَتَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ» ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ:«أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ:«فَأَذِّن فِي النَّاسِ يَا بِلالُ أَنْ يَصُومُوا غَدًا» .
وَيُسْتَحَبُّ إِذَا رَأَى الهِلالُ أَنْ يَقُولَ مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ ابنِ عُمَرٍ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى الهِلالَ قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ بِن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، (أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الهِلالَ قَالَ:«اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، هِلالٌ رُشْدٍ وَخَيْرٍ» .
وَإِنَّ حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الهِلالِ لَيْلَةَ الثَّلاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ أَوْ غَيْرُهُمَا، فَإِنَّهُ لا يِجِبُ صَوْمُهُ وَلا يُسْتَحَّبُ، بَلْ المَشْرُوعُ فِطْرُهُ لِمَا وَرَدَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأْكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ» .
وَعَنْ عَمَّارِ بِنْ يَاسِرٍ رضي الله عنهما قَالَ: (مَنْ صَامَ اليَوْمَ الذي يَشكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم» .
وَعَنْ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُم وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَكَمِّلُوا العِدَّةِ ثَلاثِين وَلا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبالاً» .
وَيُسْتَثْنَى القَضَاء، والنَّذُرُ وَالعَادَةُ، فَيَجُوزُ صَوْمُهَا فِيهِ.
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمُهُ» . واللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
(فصل)
4-
فِيَما يَتَرتَّبُ عَلى ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الهِلالِ:
وإِذَا ثَبَتَ رُؤْيَةُ هِلالِ رَمَضَانَ بِبَلَدٍ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُم الصَّوْمُ إِذَا اتَّفَقَتْ المَطَالِعُ لَما رَوَى (كُرَيْبٌ) قالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، وَاسْتَهَلَّ عَليّ رَمَضَانَ وَأَنَا بالشَّام، فَرَأَيْتُ الهِلالَ لَيْلَةَ الجُمُعَةَ، ثَمَّ قَدِمْتُ المَدِينَة في آخر الشَّهْر فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ بن عَبَّاسٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الهِلالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُم الهِلالَ؟ قُلْتُ: رََأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةَ فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلا نَزَالُ نَصُومَ حَتَّى نَكْمِلَ ثَلاثِينَ أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ: أَفَلا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصَيَامِهَ؟ فَقَالَ: لا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وَمَنْ رََأَى وَحْدَهُ هِلالَ رَمَضَانَ وَرُدَّ قَوْلُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَجَمِيعُ أَحْكَامِ الشَّهْرِ مِنْ طَلاقٍ وَعِتْقٍ، وَغَيْرِهِمَا مُعَلَّقَيْنِ بِهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَلأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَزِمَهُ صَوْمُه وَأَحْكَامُهُ بِخِلافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، وَمَنْ رَأَى وَحْدَهُ هِلالَ شَوَّالَ لَمْ يُفْطِرْ لِحَدِيثِ: «الفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضْحِّي النَّاسُ» .
وَحَدِيثِ: «الفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضْحُّونَ» .
وَرَوَى أَبُو رَجَاءٍ عَنْ أَبِي قَلابَةَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا الْمَدِينَةِ وَقَدْ رَأَيَا الهِلالَ، وَقَدْ أَصْبَحَ النَّاسُ صِيامًا فَأَتيَا عُمَرَ، فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لأحَدِهِمَا: أَصَائِمٌ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ مُفْطِرٌ. قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَصُومَ وَقَدْ رَأَيْتُ الهِلالَ، وَقَالَ لِلآخَرِ، قَالَ إِنِّي صَائِمٌ، قَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: لَمْ أَكُنْ لأفْطِرَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ. فَقَالَ لِلذِي أَفْطَرَ: لَوْلا مَكَانَ هَذَا لأَوْجَعْتُ رَأْسَكَ، ثُمَّ نُودِيَ فِي النَّاسِ أَنْ أَخْرُجُوا.
وَإِنَّمَا أَرَادَ ضَرْبَهُ لإِفْطَارِهِ بِرُؤْيَتِهِ وَحْدَهُ، وَدَفَعَ عَنْهُ الضَّرْبَ لِكَمَالِ الشَّهَادَةِ بِهِ، وَلَوْ جَازَ لَهُ الفِطْرُ لَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَلا تَوَعَّدَهُ، وَإِنْ صَامَ النَّاسُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ: ثَلاثِينَ يَوْمًا فَلَمْ يَرَوْا الهِلالَ أَفْطَرُوا لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا» .
وَإِذَا قَامَتْ البََيِّنَةُ أَثْنَاءَ النَّهَارِ لَزِمَ أَهْلَ وُجُوبِ الصَّوْمِ الإِمْسَاكَ وَلَوْ بَعْدَ أَكْلِهِمْ لِتَعَذُّرِ إمْسَاكِ الجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَأْتُوا بِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وَحَدِيثِ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
5-
لا يَصِحُّ صِيَامُ رَمَضِانَ إلا بِنِيَّةٍ مِنْ الليْلِ:
وَلا يَصِحُّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَلا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ الوَاجِبِ إلا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلَّ يَوْمٍ. رَوَتْ حَفْصَةُ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» .
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» .
وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أَتَى بَعْدَ النِّيَّةِ فِي اللَّيْلِ بِمَا يُبْطِلُ الصِّيَامَ كَالأَكْلِ، لَمْ تَبْطُلُ النِّيَةُ لِظَاهِرِ الخَبَرِ وَلأَنَّ اللهَ أَبَاحَ الأَكْلَ إِلى آخِرِ اللَّيْلِ فَلَوْ بَطَلَتْ بِهِ فَاتَ مَحَلُّهَا، وَمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى، لأَنَّ النِّيةَ مَحَلُّهَا القَلْبُ، وَالأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ نِيَّةٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُو حِينَ يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلَوْ نَوَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ صَوْمَ غَدٍ وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ لَيْلاً صَحَّ لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
يَا ذَا الذي مَا كَفَاهُ الذَّنْبُ فِي رَجَبٍ
…
حَتَّى عَصَى رَبَّهُ فِي شَهْر شَعْبَانِ
لَقَدْ أَظَلَّكَ شَهْرُ الصَّوْمِ بَعْدهُمَا
…
فَلا تُصَيِّرهُ أَيْضًا شَهْرَ عِصْيانِ
وَاتْل القُرْآنَ وَسَبِّحْ فِيهِ مُجْتَهِدًا
…
فَإِنَّهُ شَهْرُ تَسْبِيحٍ وَقُرْآنِ
كَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِمَّنْ صَامَ في سَلَفٍ
…
مَنْ بَيْنِ أَهْلٍ وَجِيرَانٍ وَإخْوَانِ
أَفْنَاهُمُ الْمَوْتُ واسْتبقاكَ بَعْدَهُمُ
…
حَيًا فَمَا أَقْرَبَ القَاصِي مِنْ الدَّانِ
اللَّهُمَّ أنْظُمْنَا فِي سِلْكِ الفَائِزِينَ بِرِضْوَانِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ الْمُتَّقِينَ الذِينَ أَعْدَدْتَ لَهُمْ فَسِيحَ جِنَانِكَ، وَأَدْخِلْنَا بِرَحْمَتِكَ فِي دَارِ أَمَانِكَ وَعَافِنَا يَا مَوْلانَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ جَمِيعِ البَلايَا وَأَجْزِلْ لَنَا مِنْ مَوَاهِبِ فَضْلِكَ وَهِبَاتِكَ وَمَتِّعْنَا بَالنَّظَرِ إِلى وَجْهِكَ الكَرِيمِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ
المُسْلِمِينَ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
(فَصْلٌ)
وَيَبْحَثُ في:
1-
حُكْمِ صَوْمِ التَّطَوّعِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ.
2-
فِيمَنْ يُبَاحُ لَهُ الفِطْرُ وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ.
3-
مَنْ عَرَضَ لَهُ جُنُونٌ أَوْ إِغْمَاءٌ.
1-
حُكْمِ صَوْمِ التَّطَوّعِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ:
وَيَصِحُّ صَوْمُ التَّطَوّعِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذات يَوْم فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ» ؟ فَقُلْنَا: لا، فقَالَ:«فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ:«أَرِنِيهُ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا» فَأَكَلَ.
وَزَادَ النِّسَائِي، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ الْمُتَطَوِّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا» . وَمِنْ لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّمَا مَنْزِلَةُ مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْسَكَهُ» .
شِعْرًا:
وَفي النَّاس مَنْ أَعْطَى الجَمِيلَ بَدَيهَةً
…
وَظَنَّ بِفِعْلِ الخَيْرِ لِمَّا تَفَكَّرَا
آخر:
وَمَا كُلُّ هَاوٍ لِلْجَمِيلِ بِفَاعِلٍ
…
وَمَا كُلُّ فَعَّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ
قَالَ البُخَارِي: وَقَالَتْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: لا، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي. قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ،
وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ رضي الله عنهم.
وَيُحْكَمُ بالصَّوْمِ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مَنْ وَقْتَ النِّيَّةِ، لِحَدِيثِ:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلَّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَمَا قَبْلَهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَصْدُ القُرْبَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لا يُوجَدَ مُنَافٍ غَيْر نِيَّةِ الإفْطَارِ، اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَنَظرًا إِلى أَنَّ الإِمْسَاكَ هُوَ الْمَقْصُودُ الأَعْظَمُ، فَلا يُعْفَى عَنْهُ أَصْلاً، فَإِنْ فَعَلَ قَبْلََ النِّيةِ مَا يُفَطِّرُهُ لَمْ يَجُزْ الصِّيَامُ، فَلا يَصِحُّ صَوْمُ مَنْ أَكَلَ ثُمَّ نَوَى بَقِيَّةَ يَوْمِهِ لِعَدَمِ حُصُولِ حِكْمَةِ الصَّوْمِ، وَيَصِحُّ تَطَوُّعُ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَتْ فِي يَوْمٍ بِصَوْمِ بَقِيَّتِهِ وَتَطَوُّعُ كَافِرٍ أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَأتِيَا فِيهِ بِمُفْسِدٍ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ بَلَغَ صَبِيُّ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، وَهُمْ مُفْطِرُونَ، لَزِمَهُمْ الإِمْسَاكُ عَنْ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ، لِحُرْمَةِ الوَقْتِ وَلِزَوَالِ الْمُبِيحِ، وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفْسَاءَ، أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ مُفْطِرٌ.
فَعَلَيْهِمْ الإِمْسَاكُ وَالقَضَاءُ وَلا خِلاف فِي وُجُوبِ القَضَاءَ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {
…
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فُنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ. وَكَذَا الحُكْمُ فِي الْمَرِيضِ إِذَا صَحَّ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَكَانَ مُفْطِرًا.
وَيُسَنُّ الفِطْرُ لِمُسَافِرٍ يُبَاحُ لَهُ القَصْرُ، وَلِمَرِيضٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالى:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، وَلِحَدِيثِ:«لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: ثُمَّ قَالَ سَوُلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«
…
عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ التي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا» وَإنْ صَامِ أَجْزَأَهُ.
ولِحَدِيْثِ: «هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» .
وَعن َحَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ أنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: َأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» . وَاللهُ أَعْلَمَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ.
(فصل)
2-
فِيمَنْ يُبَاحُ لَهُ الفِطْرُ وَمَنْ يَجِبْ عَلَيِْهِ:
وَيُبَاحُ الفِطْرُ، لِحَاضِرٍ سَافر في أَثْنَاءِ النَّهَارِ. لِحَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ الغِفَارِي: أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةِ مِنْ الفِسْطَاطَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَدَفَعَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ، فَلَمْ يُجَاوِزْ البُيُوتَ حَتَّى دَعَا بَالسُّفْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَرِبْ! قِيلَ: أَلَسْتَ تَرَى البُيُوتَ؟ قال: أَتَرْغَبْ عَنْ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَكَلَ.
وَإنْ صَامِ أَجْزَأَهُ، لِحَدِيْثِ:«هِي رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» .
وَيُبَاحُ الفِطْرُ لِحَامِلٍ، وَمُرْضِعٍ، إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، فَيُفْطِرَانُ وَيَقْضِيَانِ كَالْمَرِيضِ الخَائِفْ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلِدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا، وَلَزِمَ وَليُّ الوَلَدِ إطْعَامُ مُسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخ الكَبِيرِ، وَالْمَرْأَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَلا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَة وَلَيْسَ لِمَنْ جَازَ لَهُ الفِطْرُ بِرَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ غَيْرَهُ فِيهِ لأَنَّهُ لا يَسْعُ غَيْرَ مَا فُرِضَ فِيهِ وَلا يَصْلحُ لِسِوَاهُ، وَيَجِبْ الفِطْرُ عَلَى مَنْ احْتَاجَهُ لإِنْقَاذِ مَعْصُومٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ. كَغَرَقٍ لأَنَّهُ يُمْكِنْهُ تَدَارُكَ الصَّوْمِ بَالقَضَاءِ بِخَلافِ الغَرِيقِ وَنَحْوِهِ، وَيَجِبُ الفِطْرُ عَلَى الحَائِض وَالنُّفَسَاءَ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدَرِيْ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3-
مَنْ عَرَضَ لَهُ جُنونٌ أَوْ إِغْمَاءٌ:
وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ جَنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ، وَلَمْ يُفِقْ جُزْءًا مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لأَنَّ الصَّوْمَ: الإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ عز وجل: كُلَّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أُجْزِي بِهِ يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي
…
» . فَأَضَافَ التَّرْكَ إِلَيْهِ، وَهُوَ لا يُضَافُ إِلى المَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ وَالنَّيةُ وَحْدَهَا لا تُجزِي، وَيَصِحُّ الصَّوْمُ مِمَّنْ أَفَاقَ جُزْءًا مِنْهُ حَيْثُ نَوَى لَيْلاً لِصِحَّةِ إِضَافَةِ التَّرْكِ إِلَيْهِ إِذًا، وَيُفَارِقُ الجُنُونُ الحَيْضَ بِأَنَّهُ لا يَمْنَعُ الوُجُوبَ بَلْ يَمْنَعُ الصِّحَّةِ وَيَحْرُمُ فعْلُهُ، وَيَصَحُّ صَوْمُ مِنْ نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ لأَنَّ النَّوْمَ عَادَة لا يَزُولُ الإِحْسَاسُ بِهِ بالكُلِّية لأَنَّهُ مَتَى نُبِّهَ انْتَبَهَ. وَيَقْضِي مُغْمَى عَلَيْه زَمَنَ إغْمَائِهِ لأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، وَلأَنَّ مُدَّةَ الإغْمَاء لا تَطُولُ غَالِبًا، وَلا ثَبْتُتْ الولايَةُ عَلَيْهِ، وَلا يَقْضِي مَجْنُونٌ زَمَنَ جُنُونِهِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ.
اللَّهُمَّ أحْي قُلُوبًا أَمَاتَهَا البُعْدُ عَنْ بَابِكَ، وَلا تُعَذّبْنَا بَأليمِ عِقَابِكَ يَا أَكْرَمَ مَنْ سَمَحَ بالنَّوَالِ وَجَادَ بَالإِفْضَالِ، اللَّهُمَّ أَيْقَضْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا بُلطْفِكَ وَإِحْسَانِكَ،
وَتَجَاوَزْ عَنْ جَرَائِمِنَا بَعَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(14)
موعظة
إخْوَانِي إِنَّ الغَفْلَةَ عَنْ اللهِ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ تَعَالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} فَمَنْ غَفَلَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَأَلْهَتْهُ الدُّنْيَا عَنْ العَمَلِ لِلدَّارِ الآخِرَةِ أنْسَاهُ العَمَلَ لِمَصَالِحَ نَفْسِهِ فَلا يَسْعَى لَهَا بِمَا فِيهِ نَفْعُهَا وَلا يَأْخُذُ فِي أَسْبَابِ سَعَادَتِهَا وَإِصْلاحِهَا وَمَا يُكَمِّلُهَا وَيَنْسَى كَذَلِكَ أَمْرَاضَ نَفْسِهِ وَقَلْبِهِ وَآلامَهُ فَلا يَخْطُرْ بِبَالِهِ مُعَالَجَتُهَا وَلا السَّعْي في إِزَالَةِ عِلَلِهَا وَأَمْرَاضِهَا التي تَؤُلُ إِلى الْهَلاكِ وَالدَّمَارِ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمُ العُقُوبَاتِ فَأَيُّ عُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ مِنْ أَهْمَلَ نَفْسَهُ وَضَيَّعَهَا وَنَسِيَ مَصَالِحَهَا وَدَاءَهَا وَدَوَاءَهَا وَأَسْبَابَ سَعَادَتِهَا وَفَلاحِهَا وَحَيَاتِهَا الأَبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَوْضِعَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الخَلْقِ قَدْ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَيَّعُوهَا وَأَضَاعُوا حَظَّهَا وَبَاعُوهَا بِثَمَنٍ بَخْسٍ بَيْعَ الْمَغْبُونِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَيَتَجَلَّى ذَلِكَ كُلَّهُ يَوْمَ التَّغَابُنِ {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} الآيةُ.
{يَوْمَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} إنَّهَا لَحَسْرَةٌ عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ دُونَهَا كُلُّ حَسْرَةٍ، هَؤُلاءِ هُمْ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ. نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ.
شِعْرًا:
القَلْبُ أَعْلَمُ يَا عَذُولُ بِدَائِهِ
…
مَا غَيَرُ دَاءِ الذَّنْبِ مِنْ أَدْوَائِهِ
وَالذَّنْبُ أَوْلَى مَا بَكَاهُ أَخُو التُّقَى
…
وَأَحَقُّ مِنْكَ بِجَفْنِهِ وَبِمَائِهِ
فَوَمَنْ أُحِبُّ لأَعْصِيَنَّ عَواذِلي
…
قَسَمًا بِهِ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ
مَنْ ذَا يَلُومُ أَخَا الذُّنُوبِ إِذَا بَكَى
…
إِنَّ الْملامةَ فِيهِ مِنْ أَعْدَائِهِ
فَوَحَقِّ مَنْ خَافَ الفُؤادُ وَعِيدَهُ
…
وَرَجَا مَثُوبَتَهُ وَحُسْنَ جَزَائِهِ
مَا كُنْتُ مِمَّنْ يَرْتَضِي حُسْنَ الثَّنَا
…
ببَدِيعٍ نَظْمِي فِي مَدِيحٍ سِوَائِهِ
مَنْ ذَا الذِي بَسَطَ البَسِيطَةَ لِلْوَرَى
…
فُرُشًا وَتَوْجِيهًَا بِسَقْفِ سَمِائِهِ
مَنْ ذَا الذِي جَعَلَ النُّجُومَ ثَواقِباً
…
يَهْدِي بِهَا السَّارِينَ في ظَلْمَائِهِ
مَنْ ذَا أَتَى بَالشَّمْسِ فِي أُفُقِ السَّمَا
…
تَجْرِي بِتَقْدِيرٍ عَلَى أَرْجَائِهِ
أَسِوَاهُ سَوَّاهَا ضِيَاءً نَافِعًا
…
لا وَالذِي رَفَعَ السَّمَا بِبِنَائِهِ
مَنْ أَطْلعَ القَمَرَ الْمُنِيرِ إِذَا دَجَى
…
لَيْلٌ فَشَابَهَ صُبْحَِهُ بِضَيَائِهِ
مَنْ طَوِّلَ الأَيَّامَ عِندَ مَصْيفها
…
وَأَتَتْ قِصَارًا عِنْدَ فَصْلِ شَتَائِهِ
مِنْ ذَا الذِي خَلَقَ الخَلائِقَ كُلَّهَا
…
وَكَفَى الجَمِيعَ بِبِرِّهِ وَعَطَائِهِ
وَأَدَرَّ لِلطِّفْلِ الرَّضِيعِ مَعَاشَهُ
…
مَنْ أُمِّهِ يَمْتَصُّ طِيبَ غَذَائِهِ
يَا وَيْحَ مَنْ يَعْصِي الإِلهَ وَقَدْ رَأَى
…
إِحْسَانَهُ بِنَوَالِهِ وَنَدائِهِ
وَرَأَى مَسَاكِنَ مَنْ عَصَى مِمَّنْ خَلا
…
خِلْواً تَصِيحُ البُومُ في أَرْجَائِهِ
وَدَع الجَبَابَرةَ الأَكَاسِرَةَ الأُلَى
…
وَانْظَرْ لِمَنْ شَاهَدْتَ فِي عَلْوَائِهِ
كَمْ شَاهَدَتْ عِينَاكَ ِمْن مَلِكٍ غَدَا
…
يَخْتَالُ بَيْنَ جِيُوشِهِ وَلِوَائِهِ
مَلأَتْ لَهُ الدُّنْيَا كُؤُوسًا حُلْوةً
…
وَسَقَتْهُ مُرَّ السُّمِ فِي حَلْوائِهِ
مَا طَلَّقَ الدُّنْيَا اخْتِيارًا إِنَّمَا
…
هِيَ طَلْقَتْهُ وَمَتَّعَتْهُ بِدَائِهِ
جَعَلَتْ لَهُ الأَكْفَانَ كسْوَةَ عُدَّةِ
…
وَاللَّحْدَ سُكْنَاهُ وَبَيْتَ بَلائِهِ
وَيَضُمُّهُ لا مُشْفِقًا فِي ضَمِّهِ
…
حَتَّى تَكُونَ حَشَاهُ في أَحْشَائِهِ
وَهُنَاكَ يُغْلَقُ لَحْدُهُ عَنْ أَهْلِهِ
…
بِحِجَارَةٍ وَبَطِينَةٍ وَبِمَائِهِ
وَيَزُورُهُ الْمَلكَانِ قَصْدَ سُؤَالِهِ
…
عَنْ دِينِهِ لا عَنْ سُؤالِ سِوَائِهِ
فَإِذَا أَجَابَ بـ (لَسْتُ) أَدْرِي أَقْبَلاً
…
ضَرْبًا لَهُ فِي وَجْهِهِ وَقَفَائِهِ
وَيَرَىَ مَنَازِلَهُ بقَعْرِ جَهَنَّمِ
…
وَيُقيمُ فِي ضِيقِ لِطُولِ عِنَائِهِ
يَا رَبِّ ثَبِّتْنَا بِقَوْلٍ ثَابِتٍ
…
عِنْدَ امْتِحَان العَبدِ تَحْتَ ثَرَائِهِ
أَنَا مُؤْمَنٌ باللهِ ثُمَّ بِرُسْلِهِ
…
وَبِكُتُبِهِ وَبِبَعْثِهِ وَلِقَائِهِ
ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ
…
وَالآلِ أَهْلِ البيتِ أَهْل كِسَائِهِ
اللَّهُمَّ يَا مَنْ لا تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ وَلا تَنْفَعُه الطَّاعَةِ أَيْقِظْنَا مِنْ نَوْمِ الغَفْلَةِ وَنَبِّهْنَا لاغْتِنَامِ أَوْقَاتِ الْمُهْلَةِ وَوَفِّقْنَا لِمَصَالِحْنَا وَاعْصِمْنَا مِنْ قَبَائِحْنَا وَلا تُؤاخِذْنَا بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ ضَمَائِرُنَا وَأكنَّتْهُ سَرَائِرُنَا مِنْ أَنْوَاعِ القَبَائحِ والْمَعَائبِ التي تَعْلَمُهَا مِنَّا وامنُنْ عَلَيْنَا يَا مَوْلانَا بِتَوْبَةٍ تَمْحُ بِهَا عَنَّا كُلَّ ذَنِبٍ وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
مَوْعِظَة
إخْوَانِي أَيْنَ أَحْبَابُكُمْ الذين سَلَفُوا أَيْنَ أَتْرَابُكم الذين رحَلُوا وَانْصَرَفُوا أَيْنَ أَصْحَابُ الأَمْوَالِ وَمَا خَلَّفُوا.
نَدَمُوا وَاللهِ عَلَى التَّفْرِيط يَا لَيْتَهُمْ عَرَفُوا هَوْلَ مَقَامِ يَشِيبُ منه الوليد، إذا {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} .
فَوَاعَجَبًا لَكَ كُلَّمَا دُعِيتَ إِلى اللهِ تَوَانَيْت، وَكُلَّمَا حَرَّكَتْكَ الْمَوَاعظُ إِلى الخيراتِ أَبُيت، وعلى غَيَّكَ وَجَهْلِكَ تَمَادَيْت، وَكَمْ حُذِّرت مَن الْمَنُون فما التَفَتَّ إلى قول الناصِحِ وَتَركْتَهُ وما بَالَيْت.
يا مَنْ جَسَدُهُ حَيٌ وَلَكِنْ قلبه مَيْت، سُتَعَاين عند قُدُومِ هَادِم اللَّذاتِ مَا لا تَشْتَهِي وَتُرِيد {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} .
كم أَزْعَجَ الْمَوتُ نُفُوسًا مِنْ دِيَارِهَا، وَكَمْ أَتَلَفَ البَلَى من أجسادٍ مُنَعَّمَةٍ
لَمْ يُدَارِهَا، وَكَمْ أَذَلَّ في التُّرَابِ وَجُوهًا نَاعِمَةً بَعْدَ رِفْعَتِهَا وَاسْتَقْرَارِهَا.
انتبه يا أخي فالدنيا أَضْغَاثُ أحلام، ودارُ فَنَاءٍِ لَيْسَتْ بدَارِ مَقَام سَتَعْرِفُ وتفهم نُصْحِي لَكَ بعدَ أيام.
وما غابَ عَنْكَ سَتَراه على التمام إذ أُكُشفَ الغِطاء عَنْكَ وَصَارَ بَصرُكَ حَديد، وهناك تَنْدَمُ ولاتَ ساعَة ندم.
شِعْرًا:
قُلْ للَّذِي أَلِفَ الذَّنُوبَ وَأَجْرَمَا
…
وَغَدَا عَلَى زَلاتِهِ مُتَنَدِّمًا
لا تَيْأَسَنْ واطْلُبْ كَرِيمًا دَائِمًا
…
يُولِي الجَمِيلِ تَفْضُّلا وَتَكَرُّمَا
يَا مَعْشَرَ العَاصِينَ جُودٌ وَاسِعٌ
…
عِنْدَ الإِله لِمَنْ يَتُوبَ وَيَنْدَمَا
يَا أَيُّهَا العَبْدُ الْمُسِيء إلى مَتَى
…
تُفْنِي زَمَانَكَ فِي عَسَى وَلَرُبَّمَا
بَادِرْ إِلى مَوْلاكَ يَا مَنْ عُمْرُهُ
…
قَدْ ضَاعَ فِي عِصْيَانِهِ وَتَصَرَّمَا
وَاسْأَلَهُ توفِيقًا وَعَفْوًا ثَم قُلْ
…
يَا رَبَّ بَصِّرْنِي وَزِلْ عَنِّي العَمَا
ثُمَّ الصلاةُ على النبي أَجَلُّ مِنْ
…
قَدْ خَصَّ بالتَّقْرِيبِ مِنْ رَب السَّمَا
وَعَلى صَحَابتِهِ الأفاضَلِ كُلِّهِم
…
مَا سَبَّحَ الدَّاعِي الإِلهَ وَعَظَّمَا
اللَّهُمَّ أَنْظِمْنَا فِي سِلكِ حَزبِكَ الْمُفْلِحِينَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عَبِادَكِ الْمُخْلِصِينَ النَّبِيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهداء والصالِحِينَ وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فصل) : يَحْرُمُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقَلٍ تَنَاوُلُ مُفَطِّرٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صَوْمُ الدَّهرِ كُلَّهِ وَإِنْ صَامَهُ» .
وَعَنْ أَبِِي أُمَامَةَ البَاهِلِي رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَتَانِي رَجُلانِ، فَأَخَذَا بَضَبْعَيَّ، فَأَتِيَا بِي جَبَلاً وَعْرًا فَقَالا: اصْعَدْ، فَقُلْتُ: إِنِّي لا أُطِيقُهُ، فَقَالا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ، فَصَعَدْتَ حَتَّى إِذَا كُنْتَ فِي سََرَاةِ الجَبَلِ إِذَا بَأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، قُلْتَ: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟ قَالا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي، فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةً أَشْدَاقهُم، تَسِيلُ أَشْدَاقهُم دَمًا قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: الذين يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ» . الحَدِيثِ رَوَاهُ ابنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ حِبَّانِ في صَحِيحِهِمَا.
وَمِمَّا يَحْرُمَ عَلَى الصَّائِمِ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ بَعْدَ تَبَيُّنِ الفَجْرِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} .
فَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مُخْتَارًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَبْطَلَهُ، لأَنَّهُ فَعَلَ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
2-
حُكْمُ مَا إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا:
وَلا يُفْطِرُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» .
وَرَوىَ الْحَاكِمُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَفْطَرَ في رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلا كَفَّارَةَ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَسَدَ صَومُهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ» .
وَمَنْ ذَرَعَهُ القَيءُ فَلا شَيءَ عَلَيْهِ، لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقِيءُ فَلا قَضَاءَ عَلْيهِ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ القْضَاءُ» .
وَمِمَّا يُفْطِرُ: الْحِجَامَةُ، لِمَا وَرَدَ عَنْ شَدَّادِ بن أَوْسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَتَى عَلى رَجُلٍ بِالبَقِيعِ وَهُو يَحْتَجِمُ في رَمَضَان، فَقَالَ:«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ والْمَحْجُومُ» .
وَعَنْ رَافِعَ بِنْ خدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ والْمَحْجُومُ» .
وَمِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ، وَيُبْطِلُ صِيامَهُ الْجِمَاعُ في نَهَارِ رمَضَانَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ والْكَفَّارَةُ، وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعُ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوُسٌ عِنْدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولُ اللهِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«وَمَا أَهْلَكَكَ» ؟ . قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً» ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:«اجْلِسْ» . وَمَكَثَ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلى ذَلِكَ أَتَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَرقٍ فِيهِ تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ - قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ» ؟ قَالَ: أنا قَالَ: «خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ» . فقَالَ الرجل: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنّي يَا رَسُول الله؟ ، فوللهِ ما بَيْنَ لا بَيْتِها - يُرِيدُ الحَرَّتَيْن - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثمَّ قَالَ:«أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَتَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ فِيهَا دَوْنَ الفَرْجِ إِنْ ظَنَّ إِنْزَالا، فَإِنْ بَاشَرَ فِيهَا دُونَ الفَرْجِ، فَأَنْزَل مَنِيَّا فَسَدَ صَوْمُهُ، لأَنَّهُ إِنْزَالٌ عَنْ مُبَاشَرَةٍ، فَأَشْبَهَ الجِمَاعَ.
وَمِمَّا يُفَطِّرُ: (الرِّدَّةُ عَنْ الإسْلامَ - أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا) قَالَ اللهُ
تَعَالى: {لََئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزُّمَر: 65) .
وَقَالَ تَعَالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} . (الْمَائِدَة: 5) .
وَمِمَّا يُفَطِّرُ: إِيصَالُ الأَغْذِيةِ بَالإبْرَةِ إلى الجَوْفِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الأَكْلِ وَالشَّرْبِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، وَأَمَّا الحُبُوبُ الغِذَائِيَّةِ وَالدَّوَائِيَّةِ وَالْمُشْتَرِكَةِ فَيُفْطِرُ مَنْ أَكَلَهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
مَوْعِظَةٌ
عِبَادَ اللهِ إِنَّ قَوَارِعَ الأَيَّامِ خَاطِبَةٌ، فَهَلْ أُذُنٌ لِعِظَاتِهَا وَاعِيةٌ، وَإِنَّ فَجَائِعَ الْمَوْتِ صَائِبَةٌ فَهَلْ نَفْسٌ لأَمْرِ الآخِرَةِ مُرَاعِيَةٌ، إِنَّ مَطَالِعَ الآمَالَ إِلى الْمُسَارَعَةِ إلى الخَيْرَاتِ سَاعِيَةٌ أَلا فَانْظُرُوا بِثَواقِبِ الأَبْصَارِ وَالبَصَائِرِ فِي نَوَاحِي الجِهَاتِ وَالأقْطَارِ فَمَا تَرَوْنَ فِي حُشُودِكُمْ وَجُمُوعِكُمْ إلا الشَّتَاتَ وَلا تَسْمَعُوا فِي رُبُوعِكُم إلا فُلانٌ مَرِيضٌ وَفُلانٌ مَاتَ، أَيْنَ الآبَاءُ الأَكَابِرُ؟ أَيْنَ العُلَمَاءُ العَامِلُونَ بِعِلْمِهِمْ الذين لا تَأْخُذُهُمْ فِي الله لَوْمَةُ لائِمٍ الْمُنَاصِحُونَ لَوْلاتِهِمْ وَأَمَّتِهم الزَّاهِدُونَ فِي حُطَامِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ؟ أَيْنَ الكُرَمَاءُ الأَفَاضِلُ الذِينَ يَغَارُونَ إِذَا انْتُهِكَتْ المَحَارِمُ؟ أَيْنَ الهَاجِرُونَ الْمُصَارِمُونَ لِلفَاسِقِ وَالفَاجِرِ؟ أَيْنَ الْمُنَاصِرُونَ لِلْقَائِمِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ؟ أَيْنَ أَهْلُ الوَلاءِ وَالبَرَاءِ المُحِبُّونَ في اللهِ الْمُبْغِضُونَ لأَعْدَائِهِ؟
أَيْنَ الْمُنَقُّونَ لِمَآكِلِهِمْ وَمَلابِسِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ عَنْ الحَرَامِ وَالْمُشْتَبِهِ وَهُوَ مَا كَانَ القَلْبُ في الأَقْدَامِ عَلَيْهِ وَالكَفِّ عَنْهُ حَائِرٌ؟
أَيْنَ الذينَ لا يَسْكُنُونَ إِلا بِرِضَا صَاحِبِ الْمُلْكِ خَوْفًا مِنْ الْمُخَاطَرَةِ
فِي صَلاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَنِكَاحِهِمْ وَمُكْثِهِمْ فِي الأَمْلاكِ الْمَسْكُونَة قَهْرًا وَغَضْبًا؟
أَيْنَ الْمُتَفَقِّدُونَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الذِينَ لَيْسَ لَهُم مَوَارِدٌ؟
عَثَرَتْ واللهِ بِهِمْ العَوَاثِرُ وَأَبَادَتْهُمْ السِّنِينُ الغَوَابِرُ، وَبَتَرَتْ أَعْمَارُهُم الحَادِثَاتُ البَوَاتِرُ وَاخْتَطَفَهَمُ عَقَبَاتٌ كَوَاسِر. وَخَلَتْ مِنْهُمْ الْمَشَاهِدُ وَالْمَحَاضِرُ وَعُدِمَتْ مِنْ أَجْسَادِهِمْ تِلْكَ الجَوَاهِرُ وَطَفِئَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ الأَنْوَارُ الزَّوَاهِرُ وَابْتَلَعَتْهُمْ الحُفَرُ وَالْمَقَابِرُ إِلي يَوْمِ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَلَوْ كُشِفَتْ عَنْهُمْ أَغْطِيَةُ القُبُورِ بَعْدَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثِ لَيَالٍ لَرَأَيْتَ الأَحْدَاقَ عَلَى الخُدُودِ سَائِلَةٌ وَالأوْصَال بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ مَائِلَةٌ وَدِيدَانَ الأَرْضِ فِي نَوَاعِمِ تَلْكَ الأَبْدَانِ جَائِلَةٌ وَالرُّؤُوسَ الْمُوَسَّدَةُ عَلَى الإِيمَانِ زَائِلَةً يُنْكِرُهَا مَنْ كَانَ عَارِفًا بِهَا وَيَنْفُرُ عَنْهَا مَنْ لَمْ يَزَلْ آلِفًا بِهَا.
فَلا يُعْرَفُ السَّيدُ مِنْ الْمَسُودِ وَلا الْمَلِكَ مِنْ الْمَمْلُوكِ وَلا الذَّكِيُّ مِنْ البَلِيدِ وَلا الغَنيُّ مِنْ الفَقِيرِ فَرَحِمَ اللهُ عَبْدًا بَادَرَ بالإقْلاعِ عَنْ السَّيِّئَاتِ وَوَاصَلَ الإِسْرَاعَ وَالْمُبَادَرَةَ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ قَبْلَ انْقِطَاعِ مُدَدِ الأَوْقَاتِ وَطَيِّ صَحَائِفِ الْمُسْتَوْدَعَاتِ وَنَشْرِ فَضَائِحِ الاقْتِرَافَاتِ وَالجِنَايَاتِ فَلا تَغْتَرُّوا بِحَيَاةٍ تَقُودُ إلى الْمَمَاتِ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّمَا تُوْعَدُونَ لآتٍ فَالبِدَارَ الْبِدَارَ قَبْلَ أَنْ تَتَمَنَّوا الْمُهْلَةَ وَهَيْهَاتَ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حِفْظَ جَوَارِحِنَا عَنْ الْمَعَاصِي مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَنَقِّ قُلُوبَنَا مِنْ الحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالإحَنْ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ وَعُضَالِ الدَّوَاءِ وَخَيْبَةُ الرَّجَاءِ وَزَوَال النِّعْمَةِ. اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بَالصَّلِحِينَ غَيْرَ
خَزَايَا وَلا مَفْتُونِينَ وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
شِعْرًا:
نَمْضِي عَلَى سُبُلٍ كَانُوا لَهَا سَلَكُوا
أَسْلافُنَا وَهُمُ لِلدِّين ِقَدْ شَادُوا
لَنَا بِهِمْ أُسْوَةٌ إِذْ هُمْ أَئِمَّتُنَا
وَنَحْنُ لِلْقَوْمِ أَبْنَاءٌ وَأَحْفَادُ
وَالصَّبْرُ يَا نَفْسُ خَيْرٌ كَلُّهُ وَلَهُ
عَوَاقِبٌ كُلُّهَا نُجْحٌ وَإِمْدَادُ
فَاصْبِرْ هُدِيتََ فَإِنَّ الْمَوْتَ مُشْتَرَكٌ
بَيْنَ الأَنَامِ وَإِنْ طَاوَلْنَ آمَادُ
وَالنَّاسُ فِي غَفَلاتٍ عَنْ مَصَارِعِهِمْ
كَأَنَّهُمْ وَهُمْ الأَيْقَاظُ رُقَّادُ
دُنْيَا تَغُرُّ وَعَيْشٌ كُلُّهُ كَدَرٌ
لَوْلا النُّفُوسُ التِي لِلْوَهْمِ تَنْقَادُ
كُنَّا عَدَدْنَا لِهَذَا الْمَوْتِ عُدِّتَهُ
قَبْلَ الوَفَاةِ وَأَنْ تُحْفَرْنَ أَلْحَادُ
فَالدَّارُ مِنْ بَعْدِ هَذِي الدَّارِ آخِرَةٌ
تَبْقَى دَوَامًا بِهَا حَشْرٌ وَمِيعَادُ
وَجَنَّةٌ أُزْلِفَتْ لِلْمُتَّقِينَ وَأَهْـ
ـلُ الحَقِّ وَالصَّبْرِ أَبْدَالٌ وَأَوْتَادُ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ مِنْ قَبْلِ الْمَمَاتِ وَلا
تَعْجَلْ وَتَكْسَلْ فَإِنَّ الْمَرْءَ جَهَّادُ