المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ من لطائف البلايا وفوائدها - موارد الظمآن لدروس الزمان - جـ ١

[عبد العزيز السلمان]

الفصل: ‌ من لطائف البلايا وفوائدها

إلَهِي لا تُعَذّبْنِي فَإنِّي

مُقِرٌّ بالذّي قَدْ كانَ مِنِّي

وَمَا لِي حِيْلَةٌ إلا رَجَائِي

وَعَفْوكَ إنْ عَفَوْتَ، وَحُسْنُ ظَني

فكَمْ مِنْ زَلّةٍ لِي في البَرايَا

وأَنْتَ عَليّ ذُو فَضْلٍ وَمَنٍّ

يَظُنُّ النّاسُ بِي خَيْرًا، وإِنِّيْ

لشَرُّ النّاسِ إنْ لم تَعْفُ عَني

أُجَنُّ بِزهْرَةِ الدّنْيَا جُنُونًا

وَأُفِِنْي العُمْرَ فيها بالتَّمَني

وَبَيْنَ يَدَيَّ مُحْتَبسُ ثَقِيلٌ

كأنِّي قد دُعِيْتُ لَهُ كَأنِّي

وَلَوْ أَنِّي صَدَقْتُ الزُّهْدَ فيها

قَلَبْتُ لأَهْلِهَا ظَهْرَ المِجَنِّ

اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ نَفْسًا مُطْمَئِنَّةً، تُؤمِنُ بِلقَائِكْ وتَرْضَى بِقَضائِكْ، وتَقْنَعُ بِعَطَائِكْ، يا أرْأفَ الرائفين، وأرحم الراحمين.

اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ التوفيق لما تُحِبُّه مِن الأعمال، ونسألُكَ صِدْقَ التوكلِ عليكْ، وحُسْنَ الظَنِّ بِكَ يَا رَبَّ العالمين.

اللَّهُمَّ اجعلنا من عبادك المُخْبِتِين، الغُرِّ المُحَجَّلِين الوَفْدِ المُتَقَبِّلين.

اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ حَيَاةً طَيِّبةً، ونَفْسًا تَقِيَّةً، وعِيْشَةً نَقِيَّةً ومِيْتَةً سَويَّةً، ومَرَدًّا غَيْرَ مُخْزِي ولا فاضح.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أهلِ الصَّلاحِ والنَّجَاحِ والفَلاحِ، ومِن المُؤَيَّدِينَ بِنَصْرِكَ وتَأْييدِكَ ورِضاكَ.

اللَّهُمَّ افْتَحْ لِدُعَائِنا بابَ القَبُولِ والإِجَابةِ واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

(فَصْلٌ) قال ابنُ رجب رحمه الله:‌

‌ مِن لَطَائِفِ البَلايَا وفوائِدِها

تكفيرُ الخطايا بها والثواب على الصبر عليها، وهل يثاب على البلاء نَفْسِهِ، فيه اختلاف بين العلماء.

ومنها: تذكير العبد بذنوبه فربما تاب ورجع منها إلى الله عز وجل.

ومنها: زوالُ قسوة القلوب وحدوثُ رقَّتِها. قال بعضُ السلف إن العبدَ

ص: 53

لَيُمْرضُ فيذكرُ ذُنُوبَهَ فَيَخْرُجَ منه مثلُ رَأَسِ الذباب من خشيةِ اللهِ فيغفرُ له.

ومنها: انْكِسارُهُ لِلَّهِ عز وجل وذِلَّهُ وذلك أَحَبُ إلى اللهِ مِن كثيرٍ مِن طاعاتِ الطائعين.

ومنها: أنها تُوجِبُ لِلعبدِ الرجُوعَ بِقلبه إلى الله عز وجل والوقوفَ ببابه والتضرعَ لَهُ والاستكانة وذلك مِن أعظَمِ فوائِدِ البَلاءِ وقد ذَمَّ اللهُ مَن لا يَسْتكينُ لَهُ عند الشدائد.

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (المؤمنون: 76) وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (الأنعام: 42) .

وفي بعضِ الكتبِ السابقةِ: إِن الله لَيبتلِي العبدَ وهو يُحبُّه لِيَسْمَعَ تَضَرُعَه.

وقال سعيدُ بنُ عبد العزيز قال داودُ عليه السلام: سبحانَ مُستخرجِ الدعاء بالبَلاء وسبحانَ مُستخرجِ الشكرِ بالرَّخَاءِ.

ومَرَّ أبو جعفر محمدُ بنُ علي بمحمدِ بن المنكدر وهو مَغْمُومٌ فسأل عن سبب غمه فقيل له: الديْنَ قَد فَدحَه. فقال أَبو جعفر: أفِتحَ له في الدعاء؟ قِيلَ: نعم، قال: لقد بورك لعبد في حاجة أكثر منها من دعاء ربه كائنه ما كانت. وكان بعضهم في الدعاء عند الشدائد يحب تعجيل إجابته خشية أن يُقطع عما فتح له.

وقال ثابت: إذا دعا الله المؤمنُ بدعوة وكلَّ الله جبريل بحاجته فيقول الله: لا تعجل بإجابته فإني أحب أن أسمعَ صوتَ عبدِي المؤمن.

وَرُوِيَ مرفوعًا من وجوه ضعيفة: رأى بعضُ السلف رب العزة في نومه فقال: يا رب كم أدعوك ولا تجيبني. قال: إني أحب أن أسمع صوتك. ومنها أن البلاء يوصل إلى قلبه لذة الصبر عليه أو الرضا به وذلك مقام عَظِيم جدًا. وقد تقدمت الإشارة إلى فضل ذلك وشرفه. ومنها أن البلاء يقطع قلب

ص: 54

المؤمن عن الإلتفات إلى المخلوق ويوجب له الإقبال على الخالق وحده.

وقد حكى الله عن المشركين إخلاص الدعاء له عند الشدائد فكيف بالمؤمنين.

شِعْرًا:

لَحَىَ الله مَنْ لا يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ

ومَنْ حَبْلُهُ في الدِّينْ غَيرِ مَتِينِ

ومَن هُو ذُوْ لَوْنَيْنِ شَرُّ مُنَافِقٍ

ومَنْ هُو للأسْرَارِ غير مَكِينِ

والبلاء يوجب للعبد تحقيق التوحيد بقلبه وذلك على أعلى المقامات وأشرف الدرجات.

وفي الإِسرائيليات يقول الله عز وجل: البلاء يجمع بيني وبينك والعافية تجمع بينك وبين نفسك.

وإذا اشتد الكرب وعظم الخطب كان الفرج حينئذٍ قريبًا في الغالب. قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} (يوسف 110) .

وقال تعالى: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} (البقرة 214) .

وأخبر عن يعقوب عليه السلام أنه لم ييأس من لقاء يوسف وقال لإخوته: {اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ} . وقال: {عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} (يوسف 83) .

ومن لطائف أسرار اقتران الفرج باشتداد الكرب، أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وجُدِ الإِياس من كشفه من جهة المخلوق ووقع التعلق بالخالق استجاب له وكشف عنه.

فإن التوكل هو قطع الاستشراف باليأس من المخلوقين كما قال الإمام أحمد. واستدل عليه بقول إبراهيم عليه السلام لما عرض عليه جبريل في الهواء وقال له: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.

ص: 55

والتوكل من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج فإن الله يكفي من توكل عليه كما قال: {َمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق 3) .

قال الفضيل والله ولو يئست من الخلق حتى لا تريد منهم شيئًا لأعطاك مولاك كما تريد، قال بعضهم:

قَالُوا حُظُوضٌ وَأَقسَامٌ فقُلَتُ لَهُمْ

نَعَمْ ولَكِنْ عَلَيْنَا السَّعْيُ والطَّلَبُ

ولِلْمَطَالِبِ أَسْبَابٌ مُقَدَّرةٌ

وَبَذْلُ سَعيِكَ في مَطْلُوبِكَ السَّبَبُ

آخر:

عَلامَ سُؤَالُ الناسِ والرِّزْقُ وَاسعٌ

وأَنْتَ صَحِيحٌ لم تَخُنْكَ الأصَابعُ

فَكُنْ طَالِبًا لِلرِّزْقِ من رَازِقِ الغِنَى

وخَلِّ سُؤالَ الناسِ فالله صَانِعُ

ومنها: أن العبد إذا اشتد عليه الكرب فإنه يحتاج حينئذٍ إلى مجاهدة الشيطان لأنه يأتيه فيقنطه ويسخطه فيحتاج العبد إلى مجاهدته ودفعه فيكون في مجاهدة عدوه ودفعه دفع البلاء عنه.

ولهذا في الحديث الصحيح: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي فيدع الدعاء» .

ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج وأيس منه ولاسيما بعد كثرة دعائه وتضرعه ولم يظهر له أثر الإِجابة رجع إلى نفسه باللائمة ويقول لها: إنما أُتِيتُ من قِبلِك ولو كان فيك خير لأجبت.

وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله. على قدر الكسر يكون الخير.

قال وهب: تعبد رجل زمانًا ثم بدت له إلى الله حاجة فصام سبعين سبتًا يأكل في كل سبت أحد عشرة تمرة ثم سأل الله حاجته فلم يعطها فرجع إلى نفسه فقال منك أُتيت، لو كان فيك خير لأعطيت حاجتك.

ص: 56

فنزل إليه عند ذلك ملك فقال: يا ابن آدم ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت وقد قضى الله حاجتك.

أهين لهم نفسي لكي يكرمونها

ولن تكرم النفس التي لا تهينها

فمن تحقق هذا وعرفه وشاهده بقلبه علم أن نعم الله على عبده المؤمن في البلاء أعظم من نعمه عليه في الرخاء.

وهذا تحقيق معنى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له وليس ذلك إلا للمؤمن» .

ومن ها هنا كان العارفون بالله لا يختارون إحدى الحالتين على الأخرى بل أيهما قدر الله رضوا به وقاموا بعبوديته اللائقة.

وفي المسند، والترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:«عرض علي ربي بطحاءِ مكة ذهبًا فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا، فإن جعت تضرعت إليك وذكرتك وإن شبعت شكرتك وحمدتك» .

قال عمر: ما أبالي أصبحت على ما أحب أو على ما أكره لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره. وقال عمر بن عبد العزيز: أصبحت ومالي سرور إلا في مواقع القضاء والقدر.

وَكَنُ بالذي قد خَطَّ باللوح رَاضِيًا

فلا مَهْرَبٌ مِمَّا قَضَاهُ وَخَطَّهُ

وإنَّ مَعَ الرِزْقِ اشْتراطُ التِمَاسِهِ

وقد يَتَعَدَّى إن تَعَدَّيْتَ شَرْطَهُ

فلو شاء ألْقَى في فِمَ الطيْرَ قُوتَهُ

ولكنَّّهُ أوْحَى إلى الطَّيْرِ لَقْطَهُ

فائدة عظيمة النفع:

التَّوحِيدْ مَفْزَعُ أَعْدَاءِ اللهِ وَأَوْلِيائِهِ فَأمَّا أَعْدَاؤُه فيُنجِيهِم مِن كربِ الدنيا.

قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} وَأَمَّا أَوْلِيَاؤُهُ فَيُنَجِيهِم بِهِ مِن كربِ الدنيا والآخرة وَشدَائدِها.

ص: 57

ولِذَلِكَ فَزِعَ إِليه يُونُسُ فنجَّاه الله مِن تِلكَ الظُلماتِ وفَزِعَ إِليهِ أَتْبَاعُ الرُسُل فنجَو به مِمَّا عَذَّبَ بِِهِ المشركون في الدنيا وما أَعَدَّ لَهُمْ في الآخِرة.

ولما فَزِعَ إِليه فِرْعون عندَ مُعَايَنة الهَلاك وإدْرَاكِ الغَرقِ لَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ.

لأِنَّ الإِيمانَ عِنْدَ المعاينة لا يُقْبَل هذه سنة الله في عِبادِهِ.

فما دُفِعَتْ شَدَائِدُ الدنيا بِمِثْلِ التَّوْحِيدْ.

ولذلِكَ كَان دُعَاء الكَرْبِ التوحيد ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فَرَّج اللهُ كَرْبَهُ بالتوحيد.

فلا يُلْقِي في الكرَبِ العَظائم إلا الشِّرك.

ولا يُنْجِي منها إلا التوحيد.

فهو مَفْزعُ الخَلِيقَةِ ومَلْجَؤهَا وحِصْنُها وغِيَاثُها.

شِعْرًا:

عَلَيْكَ بِتَوحِيدِ الإِله فَإِنَّهُ

نَجَاةٌ فَلا تُهْمِلْ كَلامي وَخُذْ بِهِ

شِعْرًا:

أذَلّ الحَرْصُ والطّمَعُ الرِّقابَا

وقَد يَعْفو الكَريمُ إذا اسْتَرَابًا

إذا أتَّضَحَ الصّوابُ فلا تَدَعْهُ

فإِنّكَ قَلّمَا ذُقتَ الصَّوابًا

وَجَدْتَ لَهُ على اللَّهَواتِ بَرْدًا

كَبَرْدِ الماءِ حِينَ صَفَا وطابًا

ولَيس بحاكِمٍ مَنْ لا يُبَالي

أأخطَأ في الحُكُومَةِ أَمْ أصابًا

وإن لِكُلِّ تَلْخِصٍ لَوجْهًا

وإنَّ لِكُلّ ذِي عَمَلٍ حِسَابًا

وإنَّ لِكُلِّ مُطّلَع لَحَدا

وإنَّ لِكُلّ ذِي أجَلٍ كِتابًا

وكُلُّ سَلامَةٍ تَعِدُ المنَايَا

وكُلُّ عِمارَةٍ تَعِدُ الخَرابًا

وكُلُّ مُمَلَّكٍ سَيَصِيرُ يَوْمًا

وما مَلَكَتْ يَدَاهُ مَعًا تُرابًا

أَبَتْ طَرَفَاتُ كُلِّ قَريرِ عَين

بها إلا اضْطِرابًا وانْقِلابًا

كَأَنَّ مَحَاسِنَ الدّنْيا سَرابٌ

وأيُّ يَدٍ تَنَاوَلتِ السرَّابًا

وإنْ يَكْ مُنْيَةٌ عَجِلَتْ بِشَيءٍ

تُسَرُّ به فإِنَّ لَهَا السَّرابًا

فَيا عَجَبًا تَمُوتُ، وأَنتَ تَبْني

وتَتَّخِذ المَصَانِعَ والقِبابًا

ص: 58

أَرَاكَ وكُلَّمَا فَتَّحْتَ بَابًا

مِنَ الدّنْيا فَتَحْتَ عَلَيْكَ نَابًا

ألمْ تَرَ أنّ غُدْوَةَ كُلِّ يَوْمٍ

تَزِيدُكَ مِن مَنِيَّتِكَ اقْتِرَابًا

وحُقّ لِمُوقِنٍ بالمَوْتِ أَنْ لا

يُسَوِّغَهُ الطَّعامَ ولا الشّرَابًا

يُدَبِّرُ ما تَرَى مَلِكٌ عَزِيزٌ

بِهِ شَهِدَتْ حَوادِثُهُ وغَابًا

أَلَيْسَ اللهُ في كُل قَريبًا؟

بَلَى! مِن حَيثُ مَا نُودِي أَجَابًا

ولم تَرَ سَائِلاً لِلَّهِ أَكْدَى

ولمْ تَرَ راجِيًا لِلَّهِ خَابًا

رَأَيْتَ الرُّوحَ جَدْبَ العَيشِ لَمَّا

عَرفتَ العَيشَ مَخْضبًا واحْتِلابًا

وَلسْت بِغَالِب الشَّهَوَاتِ حَتَّى

تُعِدَّ لَهُنَّ صَبْرًا واحْتِسَابًا

فَكُلُّ مُصِيبَةٍ عَظُمَتْ وَجَلّتْ

تَخِفُّ إذا رَجَوْتَ لَها ثَوَابًا

كَبرنا أَيُّهَا الأَتْرابُ حتى

كأنا لم نَكُنْ حِينًا شَبَابًا

وَكَنَّا كالغُصُونِ إذا تَثَنَّتِ

مِنَ الرّيحانِ مُونِعَةً رِطَابًا

إلى كَمْ طُولُ صَبْوتَنا بِدارٍ

رَأْيَتَ لها اغْتِصابًا واسْتِلابًا

ألا ما لِلكُهُولِ ولِلتَّصَابِي

إذا مَا اغْتَرَّ مُكْتَهِلٌ تَصَابَى

فَزعْتُ إلى خِضَابِ الشّيِبِ مِنّي

وإنَّ نُصُولَهُ فَصَحَ الخِضَابَا

اللَّهُمَّ يا عظيم العفو، يا واسع المغفرة، يا قريب الرحمة، يا ذا الجلال والإكرام، هب لنا العافية في الدنيا والآخرة.

اللَّهُمَّ يا حيُّ ويا قيُّوم فَرِّغْنَا لما خَلَقْتَنَا له، ولا تُشْغِلْنَا بما تَكَفَّلْتَ لنا به واجعلنا مِمَّن يُؤمِنُ بلقَائِك ويَرْضَى بقَضَائِك، ويقنعُ بعطائك ويخشَاكَ حَقَّ خَشْيَتك وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

حكم وفوائد

قال أحدُ العُلَمَاءِ: لا يَكُنْ همُّ أحدِكم في كثرةِ العَمَلَ، ولكن ليكن هَمُّه في إحكامِهِ وإتقانِهِ، وتحسينِهِ.

ص: 59

فإن العبدَ قد يُصَلِّي وهو يَعْصِي الله في صلاتِهِ، وقد يَصومُ وهو يَعْصِي الله في صِيامِهِ.

وقِيل لآخر: كيفَ أصْبَحتَ؟ فبكى، وقال: أَصْبَحتُ في غفْلةٍ عن الموتِ مَعَ ذُنُوبٍ كثيرةٍ قد أحَاطَتْ بِي وأجلٍ يُسْرِعُ كُلَّ يومٍ في عُمُري، ومَوئْل لَسْتُ أدْرِي علامَا أَهْجِمُ ثم بَكَى.

وقال آخر: لا تَغْتَم إلا مِن شيءٍ يَضُرُكَ غَدًا (أَيْ في الآخرة) ولا تَفْرَحْ بشيءٍ لا يَسرُكَ غدًا، وأنفعُ الخوفِ ما حَجزَكَ عن المعاصي، وأطالَ الحُزْنَ مِنْكَ على ما فاتَكَ مِن الطاعِة، وألْزَمَكَ الفِكْرَ في بَقيةِ عُمُرِكَ.

وقال آخر: عليكَ بصُحْبةِ مَن تُذَكِّرُكَ اللهَ عز وجل رُؤيَتُهُ، وتَقَعُ هَيْبَتُه على باطِنِكَ، ويَزيُدُ في عَمَلِكَ مَنْطِقُه.

ويُزَهِّدُكَ في الدنيا عَمَلهُ، ولا تَعْصِي اللهِ مادُمْت في قُرْبِهِ يَعِظكَ بلِسانِ فِعْلِهِ ولا يَعِظُكَ بِلِسانِ قَوْلِهِ.

قال إسرافيل: حَضَرتُ ذِي النون المِصِري وهو في الحَبْسِ وقد دَخَلَ الشُرطِيُّ بِطعامٍ لَهُ فقامَ ذُو النونِ فَنَفَضَ يَدَهُ (أيْ قَبضها عن الطعام) .

فقيل له: إن أخاك جَاءَ به، فقال: إنه على يَدَيْ ظالم، وقَالَ بعضُهم يُوبِّخُ نَفْسَهُ وَيَعِظُها: يا نَفْسُ بادِرِي بالأوقاتِ قبلَ انْصِرامها، واجْتَهدي في حَراسَةِ لَيَالي الحَياةِ وأَيَّامِهَا.

فكأنَّكِ بالقُبورِ قد تَشَقَّقَتْ، وبالأمُوُر وقد تَحَقَّقَتْ، وبِوجُوُه المتقينَ وقد أشْرَقَتْ، وبرُؤُوسِ العُصَاةِ وقدَ أَطْرَقَتْ قال تعالى وتقدس:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} يا نفس أمَّا الوُّرعون فقد جَدَّوا، وأما الواعظُون فقد نَصَحُوا. انْتَهى.

ص: 60