المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في كلام نافع في بيان فوائد الجوع وآفات الشبع - موارد الظمآن لدروس الزمان - جـ ٤

[عبد العزيز السلمان]

الفصل: ‌فصل في كلام نافع في بيان فوائد الجوع وآفات الشبع

يَسْرِي لا مَحَالَةَ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَأَصْلُ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ الْحِفْظُ مِنْ قُرنَاءِ السُّوءِ. قُلْتُ: ويحذر من التلفاز والفيديو والمذياع والمجلات الهَدَّامَةِ لِلأَخْلاقِ.

الأَدَبُ السَّابِعَ وَالْعُشْرُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّمَ شَجَاعَةَ الْقَلْبِ وَالصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدَ وَتمْدحَ هَذِهِ الأَوْصَافِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِسَمَاعِهِ لَهَا يَنْغَرِسُ فِي قَلْبِهِ حُسْنُهَا وَيَتَعَوَّدُهَا.

الأَدَبُ الثَّامِنُ وَالْعُشْرُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمَ طاعة والديه ومُعلمه ومؤدّبه وكل من هو أَكبر منه سنًّا من قريب أَوْ بعيد أَوْ أجنبي من المسلمين وأن يكون ناظرًا إليهم بعين الجلالة والتعظيم، وأن يترك اللعب بين أيديهم فهذه الآداب كلها متعلقة بسن التمييز في حالة الصغر قبل البلوغ. انتهى باختصار.

والله أعلم وصلي الله علي محمد وآله وصحبه وسلم.

‌فصل في كَلامٍ نافعٍ في بيان فوائد الجوع وآفات الشبع

فقَالَ رحمه الله

الْفَائِدَةُ الأُولى: صَفَاءُ الْقَلْبِ وَاتِّقَادُ الْقَرِيحة وَنَفَاذُ الْبَصِيرَةِ، فَإِنَّ الشَّبَعَ يُورثُ الْبَلادةَ وَيعْمِي القلبَ وَيُكِثر الْبُخَارَ في الدِّمَاغِ يشبهِ السُّكْر حتَّى يَسْتَوْلِي على مَعَادِنِ الْفِكْرَةِ فَيَثْقُلُ القلبُ بِسببِ ذلك الجريانِ في الأَفْكَارِ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: رِقَّةُ القلب التي يَتَهَيَّأُ بِهَا لإِدْرَاكِ حَلاوَةِ المناجاةِ للهِ عز وجل، فَكَمْ مِنْ ذِكْرٍ يَجْرِي عَلَى اللسانِ مَعَ حُضُورِ القلبِ.

ولكن الْقَلْبُ لا يَلتذَ بِهِ ولا يَتَأَثَّرُ عنه حتَّى كَأَن بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابًا مِن قَسَاوَةِ الْقَلْبِ.

وَقَدْ يَرِقٌ في بعضَ الأَحْوَالِ فَيَعْظُم تَأَثُّرُهُ بالذكرِ وتَلّذُذُهُ بالمناجاة، وَخُلُّو المعدةِ هو السَّبَبَ الأظهر في ذلك.

ص: 177

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الانْكِسَارُ والذلُ وزوالُ البَطَرِ والفَرَح والأشَرِ الذي هو مَبْدأَ الطُغيانِ والغفْلةِ عن الله تعالى.

ولا تَنْكَسِرُ النَّفْسُ ولا تَذَلّ كَمَا تَذِلُّ بالجُوع، فعِنْدَهُ يَسْتَكِينَ العبدُ لِرَبِّهِ وَيَخْشَعُ لَهُ وَيَقِفُ عَلى عَجُزِهِ وَذُلِّهِ.

والبَطْرُ والفَرَحَ بَابَانِ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ وَأَصْلُهُمَا الشِّبعُ، وَالذُّلُ والانْكِسَارُ بَابَانِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَأَصْلُهُمَا الْجُوع.

وَمَنْ أَغْلَقَ بابًا مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ فَقَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ بِالضَّرُورَةِ لأَنَّهُمَا مُتَقَابِلانِ كَالْمَغْرِبُ وَالْمَشْرِقُ، فَالْبُعْدُ مِنْ أَحَدِهِمَا قَرْبٌ مِنَ الآخر.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ، لا يُنْسَى بلاءَ الله وعذابه ولا ينسى أهل البلاءِ، فإنَّ الشَّبْعَان يَنْسَى الجَائِعِينَ وَيَنْسَى الجُوعَ، وَالمؤمنُ الفَطِنُ لا يَشَاهِدُ بَلاءً إِلا وَيَذَكِّره بَلاءَ الآخِرَةِ، وَيَتَذَكَّرَ مِنْ عَطَشِهِ الْخَلائِقِ في عَرَصَاتِ القِيامة، ومِن جُوعِهِ جُوعَ أَهْلِ النَّارِِ حِينَ يَجُوعُونَ فَيُطْعَمُونَ مِنَ الزَّقُّومِ، وَالضَّرِيعِ وَيُسْقَوْنَ الْغَسَّاقَ وَالْمَهْلَ.

الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: كَسْرُ شَهَوَاتِ الْمَعَاصِيَ كُلِّهَا وَالاستيلاءُ على النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، فَإِنّ مَنْشَأَ الْمَعَاصِي كُلِّهَا الشَّهَواتُ.

وَنَيْلُ الشَّهَوَاتِ مَادَةُ الْقُوى، وَمَادَّةُ الشَّهَوَاتِ وَالْقُوى لا مَحَالَةُ الأَطْعِمَة، فَبِقِلَّتِهَا تضعفُ كُلَّ شَهْوَةٍ وَقُوُّةٍ.

وَالسَّعَادَةُ كُلَّها أَنْ يَمْلِكَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَالشَّقَاوَةُ فِي أَنْ تَمْلِكَ الإِنْسَانَ نَفْسَهُ وَتَكُونُ هيَ الْمَسْتَوْلِيَةُ عَلَيْهِ.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: رَفْعُ النَّوْمِ وَدَوَامُ السَّهَرِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ شَبعَ شَرِبَ كَثِيرًا، وَمَنْ كَثَرَ شُرْبُهُ كَثَرُ نَوْمُه.

وَفِي كُثْرَةِ النَّوْمِ ضَيَاعُ العمر وفوتُ التَّهجُّدِ وبلادَةُ الطبعِ وقساوةُ القلبِ، والعُمُرُ أَنْفَسُ الْجَوَاهِر وَهُوَ مَالِ الإنْسَانِ الَّذِي به يَتَّجِرُ.

ص: 178

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: تَيْسِيرُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ فَإِن كَثْرَةَ الأَكْلِ تَمْنَعُ مِنْ كُثْرَةِ الْعِبَادَةِ.

لأَنَّ الأَكْلَ يَحْتَاجُ إلى زَمَانٍ يَشْتَغِلُ فِيهِ بالأَكْلِ، وَرُبَّمَا احْتَاجَ إلى زَمَانٍ في شِرَاءِ الطَّعَامِ وَطَبْخِهِ ثُمَّ يَحْتَاجُ إلى غسلِ الْيَدِ وَالخلالِ ثم يَكْثُرُ ترَدّدهُ لِلْخُرُوجِ إلى بَيْتِ الْمَاءِ.

وَهَذِهِ أَوْقَاتٌ يمكنُ صَرْفُهَا إلى الْعِبَادَةِ عِوضًا عَنِ الأَكْلِ الْمُبَاحِ وَلَيْسَ لها سَبَبٌ إِلا كثرة الأَكَلِ وَالتوسّعُ في الشَّبَعِ.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: صحة البدنِ ودفع الأَمراضِ فإن سببها كثرةُ الأكلِ وحُصول فضلات الأَخلاطِ في المعدةِ والعروق.

ثم إن المَرض يمنعُ من العباداتِ ويُشوش القلوب ويمنعُ من الذكرِ والفكرِ ويُنغص ويُحْوجُ إلى الفصدِ والحِجامة والدواءِ والطبيبِ، وكُلُّ ذلك يحتاجُ إلى أُمورٍ كثيرةٍ وتبعاتِ وفي الجُوع ما يمنعُ من ذلكَ كُله.

الْفَائِدَةُ التاسعة: خِفَّةُ المؤنةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَعَوَّدَ قِلَّةِ الأَكْلِ كَفَاهُ مِن المالِ قَدرٌ يَسير.

والذي تَعَوَّدَ الشَّبعَ صَارَ بَطْنُه غَرِيمًا مُلازمًا يَأْخذُ بِمِخْنَقِه كُلَّ يَوْمٍ فَيَقُولُ مَاذا تَأْكُلُ الْيومَ.

فيحتاجُ إلى أَنْ يَدْخل في المداخِلِ الْخَبِيثَة مِن الْحَرَامِ فَيَعْصِي أَوْ مِنْ الْحَلالِ فَيذِلَ وَيَتْعَبُ.

وربّما يَحْتَاجُ إلى أَنْ يمدَّ عَيْنَيْه إلى الْخَلْقِ بالطمعِ فِيمَا في أَيديهم وهو غايةُ الذُّلِّ والمؤمنُ خَفِيفُ المؤنة.

الْفَائِدَةُ العاشرةُ: التمكنُ من الإيثارِ والتصدّقِ بِمَا فَضَلَ مِنِ الأَطعمةِ على اليَتَامى والمساكين، ويكونُ يومَ القِيامة في ظِلِّ صَدَقَتِهِ كما ورد في الخبر.

ص: 179

فَمَا يَأْكلهُ فَخِزَانَتُهُ الْكَنِيف وَمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فخزِانَتُهْ فَضْل اللهِ وَرَحْمَتُه.

فهذه جُمْلَةُ ما نريد ذِكْرَهُ مِن فَوَائِدِ الجوعِ، وأَما آفات الشّبع فهو نقائض هذه الخصال التي أوردناها فلا حاجة لنا إلى تكريرها انتهى.

والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

وقال الشَّيْخُ عَلِيّ بنُ حُسَيْن بنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ رحمهم الله حِينَ جَلَوْ مِن الدَّرْعِيَّةِ بَعْدَ اسْتِيلاءِ الأَعْدَاءِ عَلَيْهَا سُقْنَاهَا لَعَلَّ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَيْقِظُو مِنْ رَقْدَتِهِمْ وَيَرْجِعُوا إلى اللهِ وَيَأْمُروا بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوا عَنْ الْمُنْكَرِ قَوْلاً وَفِعْلاً وَيَخْشَوْا الْعُقُوبَةَ الَّتِي جَاءَتْ لا تَخُصُّ الظَّالِمِينَ.

اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بعبادك الصالحين، واغفرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

شِعْرًا:

خَلِيلِي عُوْجَا عَنْ طَرِيقِ الْعَوَاذِلِ

بِمَهْجُورِ لَيْلَى فَابْكِيَا فِي الْمَنَازِلِ

لَعَلَّ انْحِدَارَ الدَّمْعِ يُعْقِبُ رَاحَةً

مِنَ الْوَجْدِ أَوْ يَشْفِي غَلِيلَ الْبَلابِلِ

أَرَى عَبْرَةً غَبْرَاءَ تَتْبَعُ أُخْتَهَا

عَلَى إِثْرِ أُخْرَى تَسْتَهِلُّ بِوَابِلِ

تُهَيِّجُ ذِكْرًا لِلأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ

تُشِيبُ النَّوَاصِي وَاللِّحَا لِلأَمَاثِلِ

وَتُسْقِطُ مِنْ بَطْنِ الْحَوَامِل حَمْلَهَا

وَتُذْهِلُ أَخْيَارَ النِّسَاءِ الْمَطَافِلِ

>?

ص: 180

.. فَبَيْنَا نَسُودُ النَّاسَ وَالأَمْرُ أَمْرُنَا

وَتَنْفُذُ أَحْكَامٌ لَنَا فِي الْقَبَائِلِ

وَتَخْفِقُ رَايَاتُ الْجِهَادِ شَهِيرَةً

بِشَرْقٍ وَغَرْبٍ يَمْنَةً وَشَمَائِلِ

تَبَدَّلَتَ النَّعْمَاءُ بُؤْسًا وَأَصْبَحَتْ

طُغَاةٌ عُتَاةٌ مَلْجَئًا لِلأَرَاذِلِ

وَبَثَّ عُتَاتُ الدِّينِ فِي الأرض بَغْيَهُم

وَرِيعَتْ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ الْغَوَافِلِ

وَأَقْبَلَ قَادَاتِ الضَّلالَةِ وَالرَّدَى

وَسَادَاتُهَا فِي عَسْكَرٍ وَجَحَافِلِ

وَشُتِّتَ شَمْلُ الدِّينِ وَأنْبَتَّ أَصْلُهُ

فَأَضْحَى مُضَاعًا كَالْبُدُورِ الأَوَافِلِ

وَفَرَّعَنِ الأَوْطَانِ مَنْ كَانَ قَاطِنًا

تَرَاهُمْ فُرَادَى نَحْوَ قِطْرٍ وَسَاحِلِ

وَفُرِّقَ شَمْلٌ كَانَ لِلْخَيْرِ شَامِلاً

وَزَالَتْ وُلاةُ الْمُسْلِمِينَ الأَعَادِلِ

وَسَادَ شِرَارُ الْخَلْقِ فِي الأرض بَعْدَهُمْ

وَدَارَتْ رَحَىً لِلأَرْذَلِيْنَ الأَسَافِلِ

فَأَصْبَحَتِ الأَمْوَالُ فِيهِمْ نَهَائِبًا

وَأَضْحَتْ بِهَا الأَيْتَامُ خُمْصَ الْحَوَاصِلِ

>?

ص: 181

.. فَكَمْ دَمَّرُوا مِنْ مَسْكَنٍ كَانَ آنِسًا

وَكَمْ خَرَّبُوا مِنْ مَرْبَعٍ وَمَعَاقِلِ

وَكَمْ خَرَبُوا مِنْ مَسْجِدٍ وَمَدَارِسٍ

يُقَامُ بِهَا ذِكْرُ الضُّحَى وَالأَصَائِلِ

وَكَمْ قَطَعُوا مِنْ بَاسِقَاتٍ نَوَاعِمٍ

وَكَمْ أَغْلَقُوا مِنْ مَعْقَلِ وَمَنَازِلِ

وَكَمْ أَهْلَكُوا حَرْثًا ونَسْلاً بِبَغْيِهِمْ

وَكَمْ أَيْتَمُوا طِفْلاً بِغَدْرٍ وَبَاطِلِ

وَكَمْ هَتَكُوا سِتْرًا حَيّيًا مُمَنَعًا

وَكَمْ كَشَفُوا حُجْبَ الْعَذَارَى الْعَقَائِلِ

وَكَمْ حَرَقُوا مِنْ كُتُبِ عِلْمٍ وَحِكْمَةٍ

وَفِقْهٍ وَتَوْحِيدٍ وَشَرْحِ مَسَائِلِ

وَكَمْ هَدَمُوا سُورًا وَقَصْرًا مُشَيَّدًا

وَحِصْنًا حَصِينًا أَوْهَنُوا بِالْمَعَاوِلِ

وَكَمْ أَسَرُوا مِنْ حَاكِمٍ بَعْدَ عَالِمٍ

وَكَمْ زَلْزَلُوا مِنْ مُحْصَنَاتِ غَوَافِلِ

وَكَمْ قَتَلُوا مِنْ عُصْبَةِ الْحَقِّ فِتْيَةً

تُقَاةً هُدَاةً فِي الدُّجَى كَالْمَشَاعِلِ

يَذُودُونَ عَنْ وِرْدِ الدَّنَايَا نُفُوسَهُمْ

وَسْعَوْنَ جُهْدًا لاقْتِنَاءِ الْفَضَائِلِ

فَمَا بَعْدَهُمْ وَاللهِ فِي الْعَيْشِ رَغْبَةٌ

ص: 182

.. (لَدَى مُخْلِصٍ حُرٍّ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ)

مَضَوْا وَانْقَضَتْ أَيَّامُهُمْ حِينَ أَوْرَثُوا

ثَنَاءً وَمَجْدًا كَالْهُدَاةِ الأَوَائِلِ

فَوَا أَسَفًا مِنْ فُقْدِهِمْ وَفُرَاقِهِمْ

وَوَاسَوْءَتَا مِنْ بَعْدِ أَهْلِ الْفَضَائِلِ

فَجَازَاهُمُ الرَّبُّ الْكَرِيمُ بِرَحْمَةٍ

تَعُمُّ عِظَامًا أَوْدِعَتْ فِي الْجَنَادِلِ

وَأَبْقِي لَهُمْ نَصْرًا وَأَهْلاً مُؤَثَّلاً

يُعِزُّ هُدَاةَ الدِّينِ بَيْنَ الْجَحَافِلِ

لَقَدْ بَخِلَتْ عَيْنٌ تَظُنُّ بِمَائِهَا

عَلَى فَقْدِهِمْ أَوْ دَمْعُ عَيْنٍ تُهَامِلِ

فَقَدْ كُسِفَتْ شَمْسُ الْمَعَارِفِ بَعْدَهُمْ

وَسَالَتْ جُفُونٌ بِالدُّمُوعِ الْهَوَاطِلِ

فَكَمْ عَاتِقٍ غَرَّاءَ تَبْكِي بِشَجْوِهَا

وَأَرْمَلَةٍ ثَكْلَى وَحُبْلَى وَحَائِلِ

ينُحْنَ بِأَكْبَادٍ حِرَارٍ وَعَبْرَةٍ

وَيُكْظِمْنَ غَيْظًا فِي الْجَوَانِبِ دَاخِلِ

يُرَجِّعْنَ أَلْحَانَ التَّعَزّي بِحُرْقَةٍ

وَيُظْهِرْنَ صَبْرًا عَنْ شُمَاةٍ وَعَاذِلِ

فَلَوْ شَهِدَتْ عَيْنَاكَ يَوْمَ رَحِيلِهِمْ

عَنْ الْمَسْكَنِ الأَعْلَى الرَّفِيعِ الْمَنَازِلِ

ص: 183

.. وَفُرِّقَتْ الأَحْبَابُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ

وَسَارَ بِهِمْ حِزْبُ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ

يَسُوقُونَهُمْ سَوْقًا عَنِيفًا بِشِدَّةٍ

وَيُزْجُونَ أَشْيَاخًا بِتِلْكَ الْقَوَافِلِ

لَذَابَتْ جُفُون الْعَيْنِ وَاحْتَرَقَ الْحَشَا

وَسَالَتْ خُدُودٌ بِالدُّمُوعِ السَّوَائِلِ

فَقَدْ عَاثَتْ الأَحْزَابُ فِي الأرض بَعْدَهُمْ

بِكُلِّ مَكَانٍ نَاصِبِينَ الْحَبَائِلِ

فَكَمْ غَارَةٍ غَبْرَاءَ يُكْرَهُ وِرْدُهَا

عَلَى إِثْرِ أُخْرَى بَيْنَ تِلْكَ الْقَبَائِلِ

وَكَمْ فِتْنَةٍ كُبْرَى تُتَابِعُ أُخْتَهَا

عَلَى إِثرِ صُغْرَى مِنْ قَتِيلٍ وَقَاتِلِ

تَرَى خَيْلَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُغِيرَةً

عَلَى دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ أَوْ مُسَابِلِ

عَسَى وَعَسَى أَنْ يَنْصُرَ اللهُ دِينَنَا

وَيَجْبُرَ كَسْرًا مُثْقَلاً بِالْحَبَايِلِ

وَيَعْمُرَ لِلسَّمْحَاءِ رُبُوعًا تَهَدَّمَتْ

وَيُعْلِي مَنَارًا لِلْهُدَى غَيْرَ زَائِلِ

وَيَكْسِرَ أَعْلامَ الضَّلالَةِ إِنَّهُ

قَرِيبٌ مُجِيبٌ مُسْتَجِيبٌ لِسَائِلِ

وَيَطْمِسَ آثَارَ الْفَسَادِ بِدِيمَةٍ

ص: 184

.. مِنْ النَّصْرِ هَتَّانِ الْجَوَانِبِ وَابِلِ

فَيَنْبُتُ زَرْعُ الْحَقِّ أَخْرَجَ شطأة

مُسِحًا بِخَيْرٍ لِلثِّمَارِ الْحَوَاصِلِ

إلَهِي فَحَقِّقْ ذَا الرَّجَاءَ فَإِنَّنَا

عَبِيدُكَ تُبْنَا لَسْتَ عَنَّا بِغَافِلِ

أغِثْنَا أَغِثْنَا وَأَرْفَعْ الضُّرَّ وَالْبَلا

بِعَفْوِكَ عَنَّا يَا قَرِيبٌ لآمِلِ

فَإِنْ لَمْ تُغْثِنَا يَا قَرِيبُ فَمَنْ لَنَا

لِنَقْصُدَ فِي دَفْعِ الأُمُورِ الثَّقَائِلِ

إِلَيْكَ أَنَبْنَا فَاغْفِرْ الذَّنْبَ وَالْخَطَا

إِلَيْكَ رَجَعْنَا فَارْجِعِ الْخَيْرَ كَامِلِ

فَقَدْ سَامَنَا الأَعْدَاءُ سَوْمًا مُبَرِّحًا

بِقَتْلٍ وَأَسْرٍ مُوثَقًا بِالْحَبَائِلِ

عَلَى غَيْرِ جُرْمٍ غَيْرِ تَوْحِيدِ رَبِّنَا

وَهَدْمِ قِبَابِ الْمُشْرِكِينَ الأَبَاطِلِ

وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْكَارِ مُنْكَرٍ

وَفِعْلِ صَلاةٍ فِي الْجَمَاعَةِ حَافِلِ

وَأَخْذِ زَكَاةِ الْمَالِ فَرْضًا مُؤَكَّدًا

يُرَدُّ لِذِي فَقْرٍ وَغُرْمٍ وَعَامِلِ

وَحَجٍ وَتَقْوِيم الْجِهَادِ لأَنَّهُ

أَمَانٌ وَعِزٌ عَنْ مَذَلَّةِ خَاذِلِ

ص: 185

.. إِذَا مَا مَلَكْنَا قَرْيَةً أَوْ قَبِيلَةً

أَقَمْنَا بِهَا شَرْعَ الْهُدَاةِ الْكَوَامِلِ

فَنَهْدِمُ أَوْثَانًا وَنَبْنِي مَسَاجِدًا

وَنَكْسِرُ مِزْمَارًا وَطَبْلاً لِجَاهِلِ

وَنَقْطَعُ سُرَّاقًا وَنَرْجُمُ مُحْصَنًا

وَنَجْلِدُ سَكْرَانًا بِنَصِّ الرَّسَائِلِ

نَكُفُّ ظُلُومَ الْبَدْوِ وَالْحَضْرِ إِنْ غَدَا

يُغِيرُ عَلَى حَقِّ الضِّعَافِ الأَرَامِلِ

وَنَتْبَعُ آثَارَ الرَّسُولِ وَصَحْبِهِ

مَعَ السَّلَفِ الْبِرِّ التُّقَاةِ الأَفَاضِلِ

كَأَحْمَدَ وَالنُّعْمَانِ قُلْ لِي وَمَالِكٍ

كَذَا الشَّافِعِي رُكْنِ الْحَدِيثِ وَنَاقِلِ

فَمَاذَا عَلَيْنَا إِذْ سَلَكْنَا سَبِيلَهُمْ

بِقَوْلٍ وَفِعْلٍ مُسْعِدٍ فَنَُوَاصِلِ

أَلا أَيُّهَا الإِخْوَانُ صَبْرًا فَإِنَّنِي

أَرَى الصَّبْرَ لِلْمَقْدُورِ خَيْرَ الْوَسَائِلِ

وَلا تَيْأَسُوا مِنْ كَشْفِ ذَا الْكَرْبِ وَالْبَلا

فَذُو الْعَرْشِ فَرَّاجُ الأُمُورِ الْجَلائِلِ

عُيُونُ الْقَضَا لَيْسَتْ نِيَامًا وَسَهْمُهُ

مُصِيبٌ فَمَا يُخْطِي عُيُونَ الْمُقَاتِلِ

فَطُوبَى لِعَبْدٍ قَامَ للهِ مُخْلِصًا

ص: 186

.. تَرَنَّمَ فِي مِحْرَابِهِ مُتَمَايِلِ

يَمُدُّ يَدَيْهِ سَائِلاً مُتَضَرِّعًا

لِرَبٍّ قَرِيبٍ بِالإِجَابَةِ كَافِلِ

فَجَاءَتْ سِهَامُ اللَّيْلِ تَهْوِي بِسُرْعَةٍ

إلى ظَالِمٍ عَنْ ظُلْمِهِ مُتَغَافِلِ

أَصَابَتْ نِيَاطَ الْقَلْبِ فِي وَسْطِ نَحْرِهِ

فَآبَ بِخَسْرَانٍ وَحَرِّ بِلابِلِ

فَقُمْ قَارِعًا لِلْبَابِ وَالنَّابِ نَادِمًا

عَلَى مَا جَرَى وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَسَائِلِ

وَأَمَّا بَنُو الدُّنْيَا فَلا تَرْج نَفْعَهُمْ

فَلا مُرْتَقَى مِنْهُمْ يُرْجَى لِنَازِلِ

فَإِنِّي تَتَبعْتُ الأَنَامَ فَلَمْ أَجِدْ

سِوَى حَاسِدٍ أَوْ شَامِتٍ أَوْ مُعَاذِلِ

فَلَمْ أَرَى أَنْكَى لِلْعَدُوِّ مِنَ الدُّعَا

كَرَمِي بِنَبْلٍ أُوتِرَتْ بِالْمَنَاصِلِ

فَلا تَدْعُ غَيْرَ اللهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ

وَخَلِّ جَمِيعَ الْخَلْقِ طُرًا وَعَازِلِ

سَأَلْتُكَ يَا ذَا الْجُودِ وَالْمَنِّ وَالْعَطَا

تَجُودُ وَتَعْفُو عَنْ عُبَيْدِكَ يَا وَلِي

وَتُرْسِلَ طَاعُونًا وَرِجْزًا وَنِقْمَةً

وَطَعْنًا لِطَعَّانِ وَقَتْلاً لِقَاتِلِ

ص: 187

.. يَعْم لأَحْزَابِ الضَّلالِ وَصَحْبِهِمْ

بِسَوْطِ عَذَابٍ عَاجِلٍ غَيْرَ آجِلِ

فَإِنَّكَ قَهَّارٌ عَلَى كُلِّ قَاهِرِ

وَأَمْرُكَ غَلابٌ لِكُلِّ مُحَاوِلِ

وَأَزْكَى صَلاةً لا تَنَاهَى عَلَى الَّذِي

لَهُ أنْشَقَّ إِيوَانٌ لِكِسْرَى بِبَابِلِ

مُحَمَّدٍ وَالأَصْحَابُ مَا هَبَّتِ الصَّبَا

وَآلِ رَسُولِ اللهِ زيْنِ الْمَحَافِلِ

>?

اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لَهِذِه الأُمَّةُ أَمْرَ رُشْدِ يُعَزُّ فِيهِ أَهْلَ طَاعَتِكَ وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ مَعْصِيَتِكَ وَيُؤْمَرُ فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَى فِيهِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُزَالُ بِهِ مَا حَدَثَ مِنْ بِدَعٍ وَمُنْكَرَاتٍ وَمَعَاصِي وَيَحْيَا بِهِ بَدَلُهَا مَا أُمِيتَ مِنْ سُنَّةٍ وَغِيرَةٍ وَشِيمَةٍ كَرِيمَةٍ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ وَبِالإِجَابَةِ جَدِير.

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا بَدِيع السَّمَاواتِ والأرض نَسْأَلُكَ أَنْ تُوفِّقَنا لِمَا فِيهِ صَلَاحُ دِينِنَا وَدُنْيَانَا، وَأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا وَأَكْرِمْ مَثْوَانَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ.

(فَصْلٌ)

كَانَ صلى الله عليه وسلم مُتَوَاضِعًا كَانَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ فَقَدْ أَرْدَفَ بَعْضَ نِسَائِهِ وَأَرْدَفَ مُعَاذ بن جَبَلٍ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، وَقَدْ رُوِيَ عليه الصلاة والسلام كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِإصْلاحِ شَاةٍ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَيَّ ذَبْحُهَا. وقال آخَرُ: عَلَيَّ سَلْخُهَا. وقال آخَرُ: عَلَيَّ طَبْخُهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَعَلِيَّ جَمْعُ الْحَطَبِ)) . فَقَالَوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَكْفِيكَ الْعَمَلَ فَقَالَ: ((عَلِمْتُ أَنَّكُمْ تُكْفُونَنِي وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ أَتَمَيَّزَ عَلَيْكُمْ، وَإِنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يَكْرَهُ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرَاهُ مُتَمَيِّزًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ)) . وَقَدْ جَاءَ وَفْدُ النَّجَاشِي فَقَامَ

ص: 188

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَخْدِمُهُم فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: نَكْفِيكَ، قَالَ:((إِنَّهُمْ كَانُوا لأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ)) .

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَاحِبَ بز فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَخَرَجَ وَهُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اكْسِنِي قَمِيصًا كَسَاكَ اللهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ فَنَزَعَ الْقَمِيصَ فَكَسَاهُ إِيَّاهُ ثُمَّ رَجَعَ إلى صَاحِبِ الْحَانُوتِ فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَبَقِيَ مَعَهُ دِرْهَمَانِ، فَإِذَا هُوَ بِجَارِيَةٍ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ تَبْكِي فَقَالَ:((مَا يُبْكِيكِ)) ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ دَفَعَ إِليَّ أَهْلِي دِرْهَمَيْنِ اشْتَرِي بِهِمَا دَقِيقًا فَهَلَكَا فَدَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهَا الدِّرْهَمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ.

ثُمَّ وَلَّتْ وَهِيَ تَبْكِي فَدَعَاهَا فَقَالَ: ((مَا يُبْكِيكِ وَقَدْ أَخَذْتِ الدِّرْهَمَيْنِ)) . فَقَالَتْ: أَخَافُ أَنْْ يَضْرِبُونِي فَمَشَى مَعَهَا إلى أَهْلِهَا فَسَلَّمَ فَعَرَفُوا صَوْتَهُ ثُمَّ عَادَ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَادَ فَثَلَّثَ فَرَدُّوا.

فَقَالَ: ((أَمَا سَمِعْتُمْ أَوَّلَ السَّلامِ)) . فَقَالَوا: نَعَمْ وَلَكِنْ أَحْبَبْنَا أَنْ تَزِيدَنَا مِن السَّلامِ فَمَا أَشْخَصَكَ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا قَالَ: ((أَشْفَقَت هَذِهِ الْجَارِيَةُ أَنْ تَضْرِبُوهَا)) .

قَالَ صَاحِبُهَا هِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللهِ لِمَمْشَاكَ مَعَهَا فَبَشَّرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَيْرِ وَالْجَنَّةِ.

وقال: ((لَقْدَ بَارَكَ اللهِ فِي الْعَشَرَةِ كَسَا اللهُ نَبِيَّهُ قَمِيصًا وَرَجُلاً مِن الأَنْصَارِ قَمِيصًا وَأَعْتَقَ مِنْهَا رَقَبةً وَأَحْمَدُ اللهَ هُوَ الَّذِي رَزَقَنَا هَذَا بِقُدْرَتِهِ)) . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ كَمَا فِي مَجْمَعِ الزوائد (في 9 ص 13) .

فَهَذَا الْحَدِيثُ يَشْهَدُ لِتَوَاضُعِهِ صلى الله عليه وسلم وَسَمَاحَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ رواه البخاري.

ص: 189

وعن الأَسْوَدِ بن يَزِيدٍ قَالَ سَأَلْتُ عَاِئَشَة رضي الله عنها مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِه، يَعْنِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إلى الصلاة. رواه البخاري.

وَدَخَلَ الْحَسَنُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَرَكِبَ الْحَسَنُ ظَهْرَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأبْطَأَ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَقَدْ أَطَلْتَ سُجُودَكَ قَالَ: ((إِن ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ)) .

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُبَاسِطُ أَصْحَابَهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها كَانَ رَسُولُ اللهِ ? إِذَا خَلا فِي بَيْتِهِ أَلْيَنَ النَّاسِ بَسَّامًا ضَحَّاكًا.

وَعَن الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقِلُ التُّرَابَ وَقَدْ وَارَى الْبَيَاضُ بَيَاضَ بَطْنِهِ.

وَعَنْ أنسٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَأْتِي دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ وَلَقْدَ رَأَيْتُهُ يَوْمًا عَلَى حِمَارٍ خِطَامُهُ لِيفٌ.

وعن أنس رضي الله عنه ما كانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ.

وَعن الحسنِ رضي الله عنه أَنَّهُ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لا وَاللهِ مَا كَانَ يُغْلِقُ دُونَهُ الأَبْوَابُ وَلا يَقُومُ دُونَهُ الْحِجَابُ، وَلا يُغْدَى عَلَيْهِ بِالْجِفَانِ وَلا يُرَاحُ عَلَيْهِ بِهَا وَلَكِنَّهُ بَارِزًا مَنْ أَرَادَ أَنْ

ص: 190

يُلْقَى نَبِيَّ اللهِ لَقِيَهُ كَانَ يَجْلِسُ بِالأرض وَيُوضَعُ طَعَامُهُ بِالأرض وَيَلْبَسُ الْغَلِيظَ وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيُرْدِفُ بَعْدَهُ وَيَلْعَقُ وَاللهِ يَدَهُ صلى الله عليه وسلم.

وَعَنْ قُبَيْس بنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ اسْتَقْبَلَتْهُ رِعْدَةٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: ((هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ مَلِكًا إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأَكُلُ الْقَدِيدَ)) .

وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ حَسْمًا لِمَوَادِّ الْكِبْرِ وَقَطْعًا لِذَرَائِعِ الإِعْجَابِ وَكَسْرًا لأَشَرِ النَّفْسِ وَبَطِرِهَا وَتَذْلِيلاً لِسَطْوَةِ الاسْتِعْلاءِ وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى الْخِلافَةَ يَحْلِبُ لِلضُّعَفَاءِ مِمَّنْ حَوْلَهُ أَغْنَامَهُمْ فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلافَةَ سَمِعَ جَارِيَةً تَقُولُ: الْيَوْمَ لا تُحْلَبُ لَنَا مَنَائِحُ دَارِنَا فَسَمِعَهَا فَقَالَ: بَلَى لَعَمْرِي لأَحْلُبَنَّهَا لَكُمْ فَكَانَ يَحْلِبُهَا وَرُبَّمَا سَأَلَ صَاحِبَتِهَا يَا جَارِيَةُ أَتُحِبِّينَ أَنْ أُرْغِي لَكِ أَمْ أُصَرِّحْ فَرُبَّمَا قَالَتْ أَرغِ وَرُبَّمَا قَالَتْ صَرِّحْ فَأَيُّ ذَلِكَ قَالَتْ فَعَلْ.

وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ نَادَى الصَّلاةُ جَامِعَة فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لَقَدْ رَأَيْتَنِي أَرْعَى عَلى خَالاتٍ لِي مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَيَقْبِضْنَ لِي الْقَبْضَةَ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَأَظَلُّ الْيَوْمَ وَأَيُّ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَاللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْتَ عَلَى أَنْ قَصَّرْتَ بِنَفْسِكَ. فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنِّي خَلَوْتُ فَحَدَّثَتْنِي نَفْسِي فَقَالَتْ أَنْتَ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ أَفْضَلُ مِنْكَ فَأَرَدْتُ أَنْ أُعَرِّفَهَا نَفْسَهَا.

ص: 191

ج

شِعْرًا:

تَوَاضَعْ لِرَبِّ الْعَرْشِ عَلَّكَ تُرْفَعُ

فَمَا خَابَ عَبْدٌ لِلْمُهَيْمِنِ يَخْضَعُ

وَدَاوِ بِذِكْرِ اللهِ قَلْبَكَ إِنَّهُ

لأَشْفَى دَوَاءً لِلْقُلُوبِ وَأَنْفَعُ

آخر:

تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْم لاحَ لِنَاظِرِ

عَلَى صَفَحَاتِ الْمَاءِ وَهُوَ رَفِيعُ

????

????

وَلا تَكُ كَالدُّخَانِ يَرْفَعُ نَفْسِهُ

إلى طَبَقَاتِ الْجَوِّ وَهُوَ وَضِيعُ

>?

????

???? وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَوْ دُعِيتُ إلى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِليَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ)) .

وَعَنْ بن أَبِي أَوْفى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? لا يَأْنَفُ وَلا يَسْتَكْبِرُ أَنْ يَمْشِي مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينْ فَيَقْضِي لَهُ حَاجَتَهُ وَعَنْ أَنَس رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ في عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لي إِلَيْكَ حَاجَةً قَالَ: ((يَا أُمُّ فُلانٍ خُذِي فِي أَيِّ طَرِيقٍ شِئْتِ قُومِي حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ)) . فَخَلا مَعَهَا رَسُولُ اللهِ ? يُنَاجِيَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهَا.

وَقَالَت عائشة رضي الله عنها كنتُ أَرَى امرأَةً تدخلُ على النبي ? وكان يُقْبِلُ عليها بِحَفَاوَةٍ فَشَقَّ ذلكَ عَليَّ فَعَلِمَ ذلك مِني فقَالَ: ((يا عائشةُ هَذِهِ كانَتْ تَغْشَانا أيامَ خَدِيجَة وإن حُسْنَ العَهدِ مِن الإيمان)) .

قُلْتُ: ولله در القائل:

وَإِنَّ أَوْلَى الْمَوَالي أَنْ تُوَالِيَهُ

عِنْدَ السُّرُورِ الَّذِي وَاسَاكَ فِي الْحُزُنِ

????

????

إِن الْكِرَامَ إذا ما أَيْسَرُوا ذَكَرُوا

مَن كَانَ يَألفهُم في المَنْزِلِ الخَشِنِ

>?

????

???? وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَأَبِي ذَرٍّ قَالا: كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يَجْلِسُ

ص: 192

بَيْنَ ظَهْرَانِي أَصْحَابِهِ فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ فَلا يَدْرِي أَيْهمُ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ فَطَلَبْنَا إلى رَسُولِ اللهِ ? أَنْ يَجْعَلَ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا مِنْ طِينٍ فَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَنَجْلِسُ بِجَانِبِيهِ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ كُلْ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ مُتَّكِئًا فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ قَالَ: ((لا بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ)) .

وَعَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ? جَاءَنِي مَلَكٌ فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّّا مَلِكًا فَنَظَرْتُ إلى جِبْرِيلُ فَأَشَارَ لِي ضَعْ نَفْسَكَ فَقُلْتُ: ((نَبِيًّا عَبْدًا)) . وَعَنْ عَبْدُ اللهِ بن أَبِي أَوْفَى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يُكْثِرُ الذِّكْرَ وَيُقِلُّ اللَّغْوَ وَيُطِيلُ الصَّلاةَ وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ وَلا يَأْنَفُ وَلا يَسْتَنْكِفَ أَنْ يَمْشِي مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ يَقْضِي لَهُمَا حَاجَتَهُمَا.

وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدَرِيّ رضي الله عنه قَالَ كُنْتُ فِي عِصَابَةٍ مِن الْمُهَاجِرِينَ جَالِسًا وَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِن الْعُرْي وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا فَكُنَّا نَسْتَمِعُ إِلى كِتَابِ اللهِ فَقَالَ النَّبِي ?: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أُصَبِّرَ مَعَهُمْ نَفْسِي)) . ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ ? وَسْطَنَا لِيَعْدَلَ بَيْنَنَا بِنَفْسِهِ فَقَالَ: ((أَبْشِرُوا مَعَاشِرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَذَلِكَ خَمْسُمائةِ عَامِ)) .

ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ ?

شِعْرًا:

إِلَيْكَ رَسُولَ اللهِ مِنَّا تَحِيَّةً

وَصَلَّى عَلَيْكَ الْعَابِدُ الْمُتَهَجِّدَ

????

????

فَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ هَادٍ وَمُهْتَدٍ

نَبِيُّ هُدَىً لِلأَنْبِيَاءِ مُؤَيَّدُ

????

????

وَقَدْ قَالَ حَسَّانٌ وَفِي الشِّعْرِ شَاهِدٌ

تُجَدِّدُهُ الأَيَّامُ يُرْوَى وَيُنْشَدُ

????

????

(أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتِمٌ

مِن اللهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ وَيُشْهِدُ)

>?

????

????

(وَضَمَّ الإِلهُ اسْمَ النَّبِيّ إلى اسْمِهِ

إِذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذَّنُ أَشْهَدُ)

????

????

فَقُلْتُ شَبِيهًا بِالَّذِي قَالَ إِنَّنِي

بِهِ مُؤْمِنًا حَقًّا لِرَبِّي مُوَحَّدُ

????

????

فَلا يُقْبَلُ التَّوْحِيدُ إِلا بِذِكْرِهِ

لِيَقْرِنَهُ عِنْدَ النِّدَاءَ الْمُوَحَّدُ

????

????

ص: 193

.. وَمَا جَاءَ يَدْعُونَا بِغَيْرِ دَلالَةٍ

وَلَكِنْ بِآيَاتٍ تَدُلُّ وَتَشْهَدُ

????

????

وَمَنْ ذَاكَ جَذْعٌ حَنَّ شَوْقًا إِلى الرِّضَا

وَمَا زَالَ سَاعَاتٍ يَمِيلُ وَيُسْنَدُ

????

????

وَقَدْ سَمِعُوا صَوْتًا مِن الْجِذْعِ بَيِّنًا

فَيَا عَجَبًا مِمَّنْ يَشُكُّ وَيُلْحِدُ

????

????

وَمِنْ ذَاكَ شَاةٌ خِلْوَةُ الضَّرْعِ مَسَّهَا

فَدَرَّتْ بِغَزْرٍ حَافِلٍ يَتَزَيَّدُ

????

????

فَقَامَ إِلَيْهَا الْحَالِبَانِ فَأَتْرَعَا

أَوَانِيهِمَا وَالضَّرْعُ مَلآنَ أَبْرَدُ

????

????

وَسَارَ إلى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ لَيْلَةً

مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَارِدًا لَيْسَ يُطْرَدُ

????

????

يُخْبِّرُ بِالْعِيرِ الَّتِي فِي طَرِيقِهِ

ليُوقِنَ أَهْلُ الشِّرْكِ ذَاكَ فَيَسْعَدُوا

????

????

وَمِنْ ذَاكَ أَخْبَارٌ عَنْ الْغَيْبِ قَالَها

يُعَايَنُ مِنْهَا الصِّدْقُ فِيهَا وَيُوجِدُ

????

????

فَسُؤدَدُهُ بِاللهِ إِذْ كَانَ وَحْيُهُ

إِلَيْهِ وَهَلْ فَوْقَ النُّبُوَّةِ سُؤْدَدُ

????

????

فَأَظْهَرَ بِالإسلام دَعْوَةَ صَادِقٍ

فَضَلَّ بِهِ قَوْمٌ وَقَوْمٌ بِهِ هُدُوا

????

????

تُسَلِّمُ أَحْجَارٌ عَلَيْهِ فَصِيحَة

إِذَا مَا خَلا فِي حَاجَةٍ يَتَفَرَّدُ

????

????

وَيُسْمَعُ مِنْ أَصْوَاتِهَا فِي طَرِيقِهِ

تُمَجّدُه إِنَّ النَّبِيَّ مُمُجَّدُ

????

????

وَأَنْشَأَ رَبِّي مُزْنَةً فَوْقَ رَأْسِهِ

رَآهَا بُحَيْرُ الرَّاهِبُ الْمُتَعَبِّدُ

????

????

تُظَلِّلُهُ مِنْ كُلِّ حَرٍّ يُصِيبُهُ

تَقِيمُ عَلَيْهِ مَا أَقَامَ فَيَرْكُدُ

????

????

وَإِنْ سَارَ سَارَتْ لا تُفَارِقُ رَأْسَهُ

فَقَالَ لَهُمْ هَذَا النَّبِيُّ مُحَمَّدُ

????

????

حَلِيمٌ رَحِيمٌ لَيِّنٌ مُتَوَاضِعٌ

سَخِيٌ حَيِيُّ عَابِدٌ مُتَزَهِّدُ

>?

????

????وَقَالَ آخَر:

نَبِيٌّ تَسَامَى فِي الْمَشَارِقِ نُورُهُ

فَلاحَتْ بَوَادِيهِ لأَهْلِ الْمَغَارِبِ

????

????

أَتَتْنَا بِهِ الأَنْبَاءُ قَبْلَ مَجِيئهِ

وَشَاعَتْ بِهِ الأَخْبَارُ فِي كُلِّ جَانِبِ

????

????

وَرَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ جِنٌّ فَزَيَّلَتْ

مَقَاعِدَهُم مِنْهَا رُجُومُ الْكَوَاكِبِ

????

????

هَدَانَا إلى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي لَهُ

... لِطُول الْعَمَى مِنْ وَاضِحَاتِ الْمَذَاهِبِ

????

????

ص: 194

.. وَجَاءَ بِآيَاتٍ تَبَيَّنَ أَنَّهَا

دَلائِلُ جَبَّارٍ مُثِيبٍ مُعَاقِبِ

????

????

فَمِنْهَا نُبُوعُ الْمَاءِ بَيْنَ بَنَانِهِ

وَقَدْ عَدِمَ الْوُرَّادُ قُرْبَ الْمَشَارِبِ

????

????

فَرَوَّى بِهِ جَمًّا غَفِيرًا وَأَسْهَلَتْ

بِأَعْنَاقِهِ طَوْعًا أَكُفُّ الْمَذَانِبِ

????

????

وَبِئْرٍ طَغَتْ بِالْمَاءِ مِنْ مَسَّ سَهْمِهِ

وَمِنْ قَبْلُ لَمْ تَسْمَحْ بِمَذْقِهِ شَارِبِ

????

????

وَضَرْعٍ مَرَاهُ فَاسْتَدَرَّ وَلَمْ يَكُنْ

بِهِ دِرَّةٌ تَصْغَى إلى كَفِّ حَالِبِ

????

????

وَنُطْقِ فَصِيحٍ مِنْ ذِرَاعِ مُبَينَةً

لِكَيْدِ عَدُوِّ لِلْعَدَاوَةِ نَاصِبِ

????

????

وَمِنْ تَلْكُم الآيَاتِ وَحَتَّى أَتَى بِهِ

قَرِيبُ الْمَآتِي مُسْتَجِمُّ الْعَجَائِبِ

????

????

تَقَاصَرتِ الأَفْكَارُ عَنْهُ فَلَمْ يَطَعْ

بَلِيغًا وَلَمْ يَخْطُرَ عَلَى قَلْبِ خَاطِبِ

????

????

حَوَى كُلَّ عِلْمٍ وَاحْتَوَى كُلَّ حِكْمَةٍ

وَفَاتَ مَرَامَ الْمُسْتَمِر الْمُوَارِبِ

????

????

أَتَانَا بِهِ لا عَنْ رَوِيَّةِ مُرْتَئِيَ

وَلا صُحْفِ مُسْتَمْلٍ وَلا وَصْفِ كَاتِبِ

????

????

يُوَاتِيهِ طَوْرًا فِي إِجَابَةِ سَائِلِ

وَإِفْتَاءٍ مُسْتَفْتٍ وَوَعْظِ مُخَاطِبِ

????

????

وَإيتَانِ بُرْهَانِ وَفَرْضِ شَرَائِعِ

وَقَصِّ أَحَادِيِثٍ وَنَصِّ مَآرِبِ

????

????

وَتَصْرِيفِ أَمْثَالٍ وَتَثْبِيتَ حُجَّة

وَتَعْرِيفِ ذِي جَحْد وَتَوْقِيفِ كَاذِبِ

????

????

وَفِي مَجْمَعِ النَّادِي وَفِي حَوْمَةِ الْوَغَى

وَعِنْدَ حُدُوثِ المُعْضَلاتِ الْغَرَائِبِ

????

????

فَيَأْتِي عَلَى مَا شِئْتَ مِنْ طُرُقَاتِهِ

قَوِيمَ الْمَعَانِي مُسْتَدِرَّ الضَّرَائِبِ

????

????

يُصَدِّق مِنْهُ الْبَعْضُ بَعْضًا كَأَنَّمَا

يُلاحِظُ مَعْنَاهُ بِعَيْنِ الْمُرَاقِبِ

????

????

وَعَجْزُ الْوَرَى عَنْ أَنْ يَجِيئُوا بِمثْلِ مَا

وَصَفْنَاهُ مَعْلُومٌ بِطُولِ التَّجَارُبِ

????

????

وَكَانَ رَسُولَ اللهِ أَكْرَمَ مُنْجِبٍ

جَرَى في ظُهُورِ الطَّيبينَ المنَاجِبِ

????

????

عَلَيْهِ سَلامُ اللهِ في كُلِّ شَارِقٍ

أَلاحَ لَنَا ضُوءًا وَفِي كُلِّ غَارِبِ

>?

????

????

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَى أَنْ

ص: 195

تُعْتِقَ رِقَابَنَا وَرِقَابَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا مِنَ النَّارِ وَالدِّينِ وَالْمَظَالِمِ يَا عَزِيزَ يَا غَفَّارُ يَا كَرِيمُ يَا سَتَّارُ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

مَوْعِظَة

عباد الله اقْتَضَتْ حِكْمةُ الله العليمِ الخبير بأنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ ابتداء لا بُدَّ له مِن نِهَايَةٍ، وكُلَّ شَيْءٍ لهُ أول حَتْمًا لا مَنَاصَ لَهُ آخِر، والعِبرةُ بالخاتمةِ نسأل الله حُسْنَهَا.

وَأَنَّ الأَيامَ وَالليالي تَمرُ والعُمُرُ يَنْقَضِي والحياةُ تَزُولُ، ولا يَبْقَى إلا ما قَدَّمْتَهُ مِن صالح الأعمالِ يَنْفَعُكَ {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} .

فالأَمرُ أَيُّها المسلمُ خَطِير فَإِن مَوْقِفًا مِنْ مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ تَشِيبُ مِنْ هَوْلِهِ الوِلدان يومَ تمورُ فيه السماءُ مُورًا وتسيرُ الجبالُ سيرًا.

يَوم تذهلُ فيهِ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ حَمْلٍ حَمْلَهَا {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ *وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} .

يُنَادِ بِالحشرِ: يَا أَيُّتهَا الْعِظامُ الْبَالِيةُ وَالأَوْصَالُ الْمُتَقَطَّعَةُ وَاللُّحُومُ الْمُتَمَزِّقَةُ والشعورُ المتفرقةُ، إن الله يأمرُكن أن تجتمَعْنَ لِفَصِل القضاء، فَتَخْرُجُ الخلائقُ مِن قبورها.

إن يومًا هذا بعضُ أحوالِهِ جَدِير أن يُسْتَعَدَّ له بصالحِ الأعمال.

فيا عِبَادَ اللهِ كُونُوا من الدنيا على حَذَرٍ وأَكْثِرُوا ذِكْرِ هَاذِم اللذات وَتَذَكَّرُوا مَا ذَهَبَ مِنْ أَعماركم كَمْ وَفَاتَ فَكَأني بِكم وَقَدْ نَقَلَكُم الأَجلُ إلى انقضاءِ المدةِ.

ص: 196

فيا رَهَائِنَ الموتِ وأعراضَ المنغمسينَ في الآثامِ أَعلَى الله تَجْتَرِؤُن، وعلى الدنيا وحطامِها الفاني تَتَنَافَسُون، وفي دار النُقْلَةِ تَتَحَاسِدُون.

أمرتُم بِخَرَابِهَا فَعَمَرتُموها وَنُهِيتُم عن تَزْيِينِهَا فَزَخْرَفْتُمُوهَا وَنُذْبِتُم لطلب الآخرةِ فَأَهْمَلتُمُوهَا وَدَعَتْكُم الخداعةُ الغَرَّارَةُ بِدَاوَعِيهَا فَأَجَبْتُمُوهَا فَشَغَلتْكُمْ بلذاتها وقمَعَتْكُمْ بِشَهَوَاتِهَا ورَضِيتمُ مِن الكثير باليسيرِ وبِعْتُم الجزيلَ بالحقيرِ وَتَكَاسَلْتُم عن الجِدِ وَالتَّشْمِير وأقمتمُ على التَّسْوِيفِ والتَّعْذِيرِ.

عباد الله أَيْنَ الْخَوْفُ وَالْوَجَلُ وَالاستغفَارُ، وَأَيْنَ الْخُشُوعُ وَالْخُضُوعُ وَالبكاءُ وجريان الدموعِ على الذنوبِ التي تَذَكّرُها يَرُوع، أينَ التفكرُ والاعتبار.

ألا فاحْذروا المعاصي فإنها جَالِبَةُ النَّقَمِ وَمُغَيرَةِ النَّعِم والأحوال وَقَالَ الله جل وعلا: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} .

عِبَادَ اللهِ لا تَغُرَّنَكُمْ الدنيا كمال غَرَّتْ مَن قَبْلَكم فَإِنَّ حَظَّهَا مَشْؤُم وإن نَعِيمَهَا وَإِنْ طَالَ لا يَدُوم:

وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا عَرُوسًا وَجَدَّتَها

بِمَا قَتَلَتْ أَوْلادَها لا تُزَوَّجُ

>?

????

????ويقول الأخر:

وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مِن الإِنْسِ لَمْ تَكُنْ

سِوَى مُوْمِسٍ أَفْنَتْ بِمَا سَاءَ عُمْرَهَا

>?

????

???? عِبَادَ اللهِ لا يخدعنكم الأملُ فإن الأجلَ مَحتُوم ولا يَصدنكم الشيطانُ عما خلقُتم لَهُ مِنْ عِبادة الحي القيومِ ولا تغرنكُ الأَماني فإنها حلم المستيقض وسَلْوَةُ المحزون، قَالَ الله جل وعلا:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} وقال تعالى {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} .

ص: 197

شِعْرًا:

لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ

فَلا يُغِرُّ بِطِيب العيش إنسان

????

????

هي الأمورُ كما شَاهَدْتَهَا دُوَل

مَن سَرَّهُ زَمَنٌ سَآته أَزْمَان

????

????

وَعَالم الكَوْنِ لا تَبقَى محاسِنُه

ولا يَدُومُ على حالٍ لَهَا شانَ

????

????

يُمزّقُ الدهُر حَتْمًا كُلَّ سَابِغَةٍ

إِذَا نَبِتْ مشرفيات وَخِرْصَان

????

????

وَيُنْتَضَى كُلَّ سَيْفٍ لِلْفَنَاءِ ولو

كان ابنَ ذِي يَزَنٍ وَالْغُمْدُ غُمدان

????

????

أينَ الملوكُ ذُووا التِّيجَانِ مِنَ يَمنِ

وأينَ منهم أكاليل وَتِيجانُ

????

????

وأينَ ما شادَهُ شَدَّادُ مِن إِرْمٍ

وأينَ مَا سَاسَه في الفُرس ساسان

????

????

وأينَ ما حَازَهُ قَارُونُ مِن ذَهَبٍ

وأينَ عَادٌ وَشَدادٌ وَقَحْطانُ

????

????

أَتَى على الْكُلّ أَمْرٌ لا مَرَدَّ لَهُ

حَتَّى قَضَوا فَكَانَّ الكلَّ ما كَانوا

????

????

وَصَارَ مَا كَانَ مِن مُلْكٍ وَمِن مَلِكٍ

كَمَا حَكَى عَنْ خَيَالِ الطيف وَسَنَانُ

????

????

دَارَ الزَّمَانُ عَلَى دَارَا وَقَاتِلِهِ

وَأَمَّ كِسْرى فَمَا آوَاهُ إِيوَانُ

????

????

كَأَنَّمَا الصَّعْب لم يَسْهُلْ لَهُ سَبَبُ

يَوْمًا وَلَمْ يَمْلِكِ الدُّنْيَا سُلَيْمَانُ

????

????

فَجَائِعُ الدَّهْرِ أَنْواعٌ مُنَوَّعَةٌ

وَلِلزَّمَانِ مَسَرِّاتٌ وَأَحْزَانُ

????

????

وَلِلْمَصَائِبِ سُلْوَانُ يُهَّوِنُهَا

وَمَا لِمَا حَلَّ بِالإسلام سُلْوَانُ

????

????

دَهىَ الْجَزِيرَةَ أَمْرٌ لا عَزَاء لَهُ

هَوىَ لَهُ أَحَدٌ وَإِنْهَدَّ ثَهْلانُ

????

????

أَصَابَهَا الْعَيْنُ فِي الإسلام فَإرْتَزأَتْ

حَتَّى خَلَتْ مِنْهُ أَقْطَارٌ وَبلدان

????

????

فاسألْ بَلنَسْيَةً مَا َشأنُ مُرْسيةٍ

وَأَيْنَ قُرْطبةٌ أَمْ أَيْنَ جَيَّانُ

????

????

وَأَيْنَ حِمْصٌ وَمَا تَحْوِيهِ مِنْ نُزَهٍ

وَنَهْرُهَا الْعِذْبُ فَيَّاضٌ لَهُ شَانُ

????

????

كَذَا طُلَيْطلةٌ دَارُ العُلُومِ فَكَمْ

من عالمٍ قَدْ سَمَا فيهَا لَهُ شَانُ

????

????

وَأَيْنَ غُرْناطةٌ دَارُ الجهادِ وَكَمْ

أُسْدٌ بِهَا وَهُمُ في الحَرْبِ عُقْبَانُ

????

????

ص: 198

.. وَأَيْنَ حَمْرَاؤُهَا الْعَلْيَا وَزُخْرُفُهَا

كَأَنَّهَا مِنْ جِنَانِ الْخُلْدِ عَدْنَانُ

????

????

قَوَاعِدٌ كُنَّ أَركَانَ البلادِ فَمَا

عَسَى البقاءُ إِذَا لم تَبْقَى أركانُ

????

????

وَالماءُ يَجْرِي بِسَاحَاتِ الْقُصُورِ بها

قَدْ حَفَّ جَدوَلَهَا زَهْرٌ وَرَيْحَانُ

????

????

وَنَهْرُهَا الْعَذْبُ يَحْكِي فِي تَسَلْسُلِهِِ

سُيُوفَ هِنْدٍ لَهَا فِي الْجَوّ لَمْعَانُ

????

????

وَأَيْنَ جَامِعُهَا الْمَشْهُورُ كَمْ تُلَيَتْ

في كُلِّ وَقْتٍ بِهِ آيٌ وَفُرْقَانُ

????

????

وَعَالِم كَانَ فِيهِ لِلْجَهُولِ هُدَى

مُدَرِّسٌ وَلَهُ فِي الْعِلْمِ تِبْيَانُ

????

????

وَعَابِدٌ خَاضِعٌ للهِ مُبْتَهِلٌ

وَالدَّمْعُ مِنْهُ عَلَى الْخَدَّيْنِ طُوفَان

????

????

وَأَيْنَ مَالِقَةٌ مَرْسَى المراكب كَمْ

أُرْسَتْ بِسَاحَتِهَا فُلْكٌ وَغُرْبانُ

????

????

وَكَمْ بِدَاخِلِهَا مِنْ شَاعِرٍ فَطِنٍ

وَذِي فُنُونٍ لَهُ حِذْقٌ وَتِبْيَانُ

????

????

وَكَمْ بِخَارِجِهَا مِنْ مَنْزَهٍ فرجٍ

وَجَنَّةٍ حَوْلَهَا نَهْرٌ وَبُسْتَانُ

????

????

وَأَيْنَ جَارَتُهَا الزَّهْرَا وَقُبَتَّهَا

وَأَيْنَ يَا قَوْمُ أَبْطَالُ وَفُرْسَانُ

????

????

وَأَيْنَ بَسْطَةُ دَارِ الزَّعْفَرَانِ فَهَلْ

رَأى شَبِيهًا لَهَا في الحُسْنِ إِنْسَانُ

????

????

وَكَمْ شُجَاع زَعِيمٍ في الوغَى بَطلٍ

تَبْكِيهِ مِنْ أَرْضِهِ أَهْلٌ وَوِلْدَانُ

????

????

وَوَادِيًا مَن غَدَتْ بِالْكُفْرِ عَامِرَةً

وَرَدَّ تَوْحِيدَهَا شِرْكٌ وَطُغْيَانُ

????

????

كَذَا الْمَرَيَّةُ دَارُ الصَّالِحِينَ فَكَمْ

قُطْبٌ بِهَا عِلْمٌ بَحْرٌ لَهُ شَانُ

????

????

تَبْكِي الْحَنِيفيةُ الْبَيْضَاءُ مِنْ أَسَفٍ

كَمَا بَكَى لِفِرَاقِ الإِلْفِ هَيْمَانُ

????

????

حَتَّى الْمَحَارِيب تَبْكِي وَهِيَ جَامِدَة

حَتَّى الْمَنَابِرَ تَبْكِي وَهِيَ عِيدَانُ

????

????

عَلَى دِيَارٍ مِنْ الإسلام خَالِيَةٍ

قَدْ أَقْفَرَتْ وَلَها بِالْكُفْرِ عُمْرَانُ

????

????

حَيْثُ الْمَسَاجِدَ قَدْ أَمْسَتْ كَنَائِسَ مَا

فِيهِنَّ إِلا نَوَاقِيسٌ وَصُلْبَانُ

????

????

يَا غَافِلاً وَلَهُ فِي الدَّهْرِ مَوْعِظَةٌ

إِنْ كُنْتَ فِي سِنةٍ فَالدَّهْرُ يَقْظَانُ

????

????

وَمَاشيًا مَرِحًا يُلْهِيهُ مَوْطَنُهُ

أَبَعْدَ حِمْصٍ تَغُرُ المرءَ أَوْطَانُ

????

????

ص: 199

.. تِلْكَ الْمصِيبَةُ أَنْسَتْ مَا تَقَدَّمَهَا

وَمَا لَهَا مَعْ طَوِيلِ الدَّهْرِ نِسْيَانُ

????

????

يَا رَاكِبِينَ عِتَاقَ الْخَيْلِ ضَامِرَةً

كَأَنَّهَا فِي مَجَالِ السَّبْقِ عقبانُ

????

????

وَحَامِلِينَ سُيُوفَ الْهِنْدِ مُرْهَفَةً

كَأَنَّهَا فِي ظَلامِ اللَّيْلِ نِيرَانُ

????

????

وَرَاتِعِينَ وَرَاءَ النَّهْرِ فِي دَعَةٍ

لَهُمْ بِأَوْطَانِهِمْ عَزٌ وَسُلْطَانُ

????

????

أَعِنْدَكُمْ نَبَأَ مِنْ أَمْرِ أَنْدَلُسِ

فَقَدْ سَرَى بِحَدِيثِ الْقَوْمِ رُكْبَانُ

????

????

كَمْ يَسْتَغِيثُ صَنَادِيدُ الرِّجَال وَهُمْ

أَسْرَى وَقَتْلَى فَلا يَهْتَزُ إِنْسَانُ

????

????

إِلا نُفُوسٌ أَبْيَاتٌ لَهَا هِممٌ

أَمَا عَلَى الْخَيْرِ أَنْصَارٌ وَأَعْوَانُ

????

????

يَا مَنْ لِنُصْرَةِ قَوْمٍ قُسِموا

سَطَا عَلَيْهِمْ بِهَا كُفْرٌ وَطُغْيَانُ

????

????

بِالأَمْسِ كَانُوا مُلُوكًا فِي مَنَازِلهِم

وَالْيَوْمَ هُمْ في قُيُودِ الْكُفْرِ عُبْدَانُ

????

????

فَلَوْ تَرَاهُمْ حَيَارَى لا دَلِيلَ لَهُمْ

عَلَيْهِمْ مِنْ ثِيَابِ الذُّلِ أَلْوَانُ

????

????

وَلَوْ رَأَيْتَ بُكَاهُم عِنْدَ بِيعِهِمْ

لَهَالَكَ الأَمْرُ وَاسْتَهْوَتْكَ أَحْزَانُ

????

????

يَا رُبَّ طِفْل وَأُمٍّ حِيلَ بَيْنَهُمَا

كَمَا تُفَرّقَ أَرْوَاحٌ وَأَبْدَانُ

????

????

وَطَفلَةٍ مِثْلَ حُسْنُ الشَّمْسِ إِذ طَلَعَتْ

كَأَنَّمَا هِيَ يَاقُوتٌ وَمُرْجَانُ

????

????

لِمثْلِ هَذَا يَذُوبْ الْقَلْبُ مِنْ كَمَدٍ

إِنْ كَانَ فِي الْقَلْبِ إسلامٌ وَإِيمانُ

????

????

هَلْ لِلْجَهَادِ بِهَا مِنْ طَالِبِ فَلَقَدْ

تَزَخْرَفَتْ جَنَّةُ الْمَأْوَى لَهَا شَانُ

????

????

وَأَشْرَفَ الْحُورُ وَالوِلْدَانُ مِن غُرَفٍ

فَازَتْ وَرَبِّ بِهَذَا الْخَيْرِ شُجَعَانُ

????

????

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرٍ

مَا هَبَّ رِيحُ الصَّبَا وَاهْتَزَّ أَغْصَانُ

>?

????

????هذه منظومة وعظية نقلناها من مقامات الحريري:

خَلِ ادَّكَارَ الأَرْبِعِ

وَالمَعْهَدِ المُرْتَبِعِ

????

????

وَالظَّاعِنِ المُوَدَّعِ

وَعَدِّ عَنْهُ وَدَعِ

????

????

وَانْدُبْ زَمَانًا سَلَفَا

سَوَّدَتَ فِيهِ الصُّحُفَا

????

????

ص: 200

.. وَلَمْ تَزَلْ مُعْتَكِفَاً

عَلَى الْقَبِيحِ الشَّنِعِ

????

????

كَمْ لَيْلَةٍ أَوْدَعْتَهَا

مَآثِمًا أبَدْعَتْهَا

????

????

لِشَهْوَةٍ أَطَعْتَهَا

في مَرْقَدٍ وَمَضْجَعِ

????

????

وَكَمْ خُطَى حَثَثْتَهَا

في خَزْنَةٍ أَحْدَثْتَهَا

????

????

وَتَوْبَةٍ نَكَثْتَهَا

لِمَلْعَبِ وَمَرْتَعِ

????

????

وَكَمْ تَجَرَّأْتَ عَلَى

رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْعُلَى

????

????

وَلَمْ تُرَاقِبْهُ وَلا

صَدَقْتَ فِيمَا تَدَّعِي

????

????

وَكَمْ غَمَصْتِ بِرَّهُ

وَكَمْ أَمِنْتَ مَكْرَهُ

????

????

وَكَمْ نَبَذْتَ أَمْرَهُ

نَبْذَ الحَذَاء الْمُرَقَّعِ

????

????

وَكَمْ رَكَضْتَ في اللَّعِب

وَفُهْتَ عَمْدًا بِالْكَذِبِ

????

????

وَلَمْ تُرَاعِ مَا يَجِبْ

مِنْ عَهْدِهِ الْمُتَبَّعِ

????

????

فَالْبِسْ شِعَارَ النَّدَمِ

وَاسْكُبْ شَآبِيبَ الدَّمِّ

????

????

قَبْلَ زَوَالِ الْقَدَمِ

وَقَبْلَ سُوءِ الْمَصْرَعِ

????

????

وَاخضَعْ خُضُوعَ الْمُعْتَرفْ

وَلُذْ مَلاذَ الْمُقْتَرفْ

????

????

وَاعْصِ هَوَاكَ وَانْحَرَفْ

عَنْهُ انْحِرَافَ الْمُقْلِعِ

????

????

إِلامَ تَسْهُو وتَنَيِ

وَمُعْظَمُ الْعُمُرِ فَنِي

????

????

فِيمَا يَضُرُّ الْمُقْتَنِي

وَلَسْتَ بِالْمُرْتَدِعِ

????

????

أَمَا تَرَى الشَّيْبَ وَخَطْ

وَخَطَّ فِي الرَّأْسِ خُطَطْ

????

????

وَمَنْ يَلِحْ وَخْطَ الشَّمَطْ

بِفَوْدِهِ فَقَدْ نُعِي

????

????

وَيْحَكِ يَا نَفْسُ احْرِصِي

عَلَى ارْتِيَادِ الْمَخْلَصِ

????

????

وَطَاوِعِي وَاخْلِصِي

وَاسْتَمِعِي النُّصْحَ وَعِي

????

????

ص: 201

.. وَاعْتَبِرِي بِمَنْ مَضَى

مِن الْقُرُونِ وَانْقَضَى

????

????

وَأَخْشَى مُفَاجَأَةَ الْقَضَا

... وَحَاذِرِي أَنْ تُخْدَعِي

????

????

وَانْتِهَجِي سُبْلَ الْهُدَى

وَادَّكِرِي وَشْك الرَّدَى

????

????

آهًا لَهُ بَيْتُ الْبَلَى

وَالْمَنْزِلِ الْفَقْرِ الْخَلا

????

????

وَمَوْرِدِ السَّفْرِ الأُولَى

وَاللاحِقِ الْمُتَبَّعِ

????

????

بَيْتٌ يُرَى مَن أَُودِعَهْ

قَدْ ضَمَّهُ وَاسْتَوْدَعَهْ

????

????

بَعْدَ الْفَضَاءِ وَالسَّعَةْ

قَيْدَ ثَلاثِ أَذْرُعِ

????

????

لا فَرْقَ أَنْ يَحِلَّهُ

دَاهِيَةٌ أَوْ أَبْلَهُ

????

????

أَوْ مُعْسِرٌ أَوْ مَنْ لَهُ

مُلْكٌ كَمُلْكِ تُبَّعِ

????

????

وَبَعْدَهُ الْعَرْضُ الَّذِي

يَحْوِي الْحِيّي وَالْبذِي

????

????

وَالْمُبْتَدِي وَالْمُحْتَذِي

وَمَنْ رَعَى وَمََنْ رُعِي

????

????

فَيَا مَفَازَ الْمُتَّقِي

وَرِبْحَ عَبْدٍ قَدْ وُقِي

????

????

سُوءَ الْحِسَابِ الْمُوبِقِ

وَهَوْلَ يَوْمَ الْمَفْزَعِ

????

????

وَيَا خَسَارَ مَنْ بَغَى

وَمَنْ تَعَدَّى وَطَغَى

????

????

وَشَبَّ نِيرَانَ الْوَغَى

لِمَطْعَمِ أَوْ مَطْمَعِ

????

????

يَا مَنْ عَلَيْهِ الْمُتَّكَلْ

قَدْ زَادَ مَا بِي مِنْ وَجَلْ

????

????

لِمَا اجْتَرَمْتُ مِنْ زَلَلْ

فِي عُمْرِي الْمُضَيِّعِ

????

????

فَاغْفِرْ لِعَبْدٍ مُجْتَرِمْ

وَارْحَمْ بُكَاهُ الْمُنْسَجَمْ

????

????

فَأَنْتَ أَوْلَى مَن رَحِمْ

وَخَيْرَ مَدْعُوٍّ دُعِي

>?

????

???? اللَّهُمَّ ثَبت مَحَبَّتَكَ فِي قُلُوبِنَا وَقَوِّهَا وَوَفِّقْنَا لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَارْزُقْنَا التَّأهُبَ وَالاسْتِعْدَادِ لِلِقَائِكِ وَاجْعَلْ خِتَامَ صَحَائِفِنَا كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ واغْفِرْ لَنِا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

ص: 202