الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَأَيْتُ خَيَالَ الظِلِّ أكْبَرَ عْبَرَةٍ
…
لِمَنْ هُوَ فِي عِلْمِ الحَقِيْقَةِ رَاقٍ
شُخُوصٌ وَأشْبَاحٌ تَمُرُّ وَتَنْقَضِي
…
جَميْعاً وتَفْنَى والمُحَرِّكُ باقٍ
قال ثابت بن قرة: راحة الجسم فِي قلة الطعام، وراحة الروح فِي قلة الآثام، وراحة اللسان فِي قلة الكلام قُلْتُ إلا بذكر الله وما ولاه.
والذُّنُوب للقلب بمنزلة السموم إن لم تهلكه أضعفته ولابد، والضعيف لا يقوي عَلَى مقاومة العوارض. قال عَبْد اللهِ بن المبارك:
رَأَيْتُ الذُنُوبَ تُمِيْتُ القُلُوبَ
…
وقَدْ يُورثُ الذُلَّ إدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُنُوبَ حَيَاةُ القُلُوبِ
…
وخَيْرٌ لِنَفْسِِكَ عِصْيَانُهَا
كل شَيْء إِذَا كثر رخص إلا العلم والعقل كُلَّما كثر أحدهما غلا. وَاللهُ أَعْلم وصلي الله عَلَى مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.
[فصل فِي الحكمة]
قال الله تبارك وتعالى (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة فقَدْ أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولَوْ الألباب) وعن عَبْد اللهِ بن عمر رضي الله عنهما قال قَالَ رَسُولُ اللهِ ? "ما أهدي المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من حكمة يزيده بِهَا هدي ويرده بِهَا عن ردي" أخرجه البيهقي فِي شعب الإيمان وأبو نعيم فِي الحلية.
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام "أوتيت جوامِعَ الكلم واختصرت لي الحكمة اختصاراً.
وفِي الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةِ رضي الله عنه عن النَّبِيّ ? قال: "بعثت بجوامِعَ الكلم".
وعن ابن مسعود قال سمعت رسول الله ? يَقُولُ " لا حسد إلا فِي اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه عَلَى هلكته فِي الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بِهَا ويعلمها ". رواه البخاري ومسلم.
وقيل: إن فِي التوراة أنَّ الله قال لموسي عَلَيْهِ وعَلَى نبينا أفضل الصَّلاة والسَّلام [عظم الحكمة فإني لا أجعل الحكمة فِي قلب عبد إلا وأردت أن أغفرَ لَهُ فتعلمها ثُمَّ اعمل بِهَا ثُمَّ ابذلها كي تنال بذَلِكَ كرامتي فِي الدُّنْيَا والآخرة] .
وأخرَجَ أبو يعَلَى الموصلي من حديث عُمَر بن الْخَطَّاب رضي الله عنه عن النَّبِيّ ? قال: إني أوتيت جوامِعَ الكلم وخواتمه واختصر لي الكلام اختصاراً وَقَالَ ?: أعطيت جوامِعَ الكلم واختصر الْحَدِيث لي اختصاراً.
وَقَالَ لقمان: إن الْقَلْب يحيا بالكلمة من الحكمة كما تحيا الأرض بوابل المطر.
وَقَالَ أبان بن سليم: كلمة حكمة من أخيك خَيْر لك من مالٍ يعطيك.
وَقَالَ بعض الحكماء الحكمة صديقة العقل، وميزان العدل، وعين البيان، وروضة الأرواح، ومزيحة الهموم عن النُّفُوس بإذن الله.
وأنس المستوحش وأمن الخائف ومتجر الرابح وحظ الدُّنْيَا والآخرة بإذن الله لمن وفقه الله.
وسلامة العاجل والآجل لمن وفقه الله.
وَقَالَ آخر: الحكمة نور الأبصار وروضة الأفكار ومطية الحلم وكفيل النجاح.
وضمين الْخَيْر والرشد والداعية إلي الصواب والسفير بين العقل والقلوب.
لا تندرس آثارها ولا تعفو ربوعها كُلّ ذَلِكَ لمن وفقه الله تعالى.
وروي عن الشعبي أنه قال: لَوْ أن رجلاً سافر من أقصي الشام إلي أقصي اليمن ليسمَعَ كلمة واحدة ينتفع بِهَا فيما يستقبل من عمره ما رَأَيْت أن سفره قَدْ ضاع.
وَقَالَ بعض الْعُلَمَاء من تفرد بالعلم لم توحشه الخلوة ومن تسلي
بالكتب لم تفته سلوة وإن هذه القُلُوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.
والحكمة موقظة للقُلُوب من سنة الغَفْلَة ومنقذة للبصائر من سنة الحيرة ومحيية لها بإذن الله من موت الجهالة ومستخرجة لها من ضيق الضلالة لمن وفقه الله تعالى.
[فائدة عظيمة]
اعْلم أن من كَانَ داؤه المعصية، فشفاؤه الطاعة، ومن كَانَ داؤه الغَفْلَة، فشفاؤه اليقظة، ومن كَانَ داؤه كثرة الانشغال، فشفاؤه فِي تفريغ المال.
فمن تفرغ من هموم الدُّنْيَا قَلْبهُ، قل تعبه، وتوفر من العبادة نصيبه، واتصل إلي الله مسيره، وارتفع فِي الْجَنَّة مصيره، وتمكن من الذكر والفكر والورع والزهد والاحتراس من وساوس الشيطان، وغوائل النفس.
ومن كثر فِي الدُّنْيَا همه، أظلم طريقه، ونصب بدنه، وضاع وقته، وتشتت شمله، وطاش عقله، وانعقَد لِسَانه عن الذكر، لكثرة همومه وغمومه، وصار مقيد الجوارح عن الطاعة، من قَلْبه فِي كُلّ واد شعبة، ومن عمره لكل شغل حصة.
فاستعذ بِاللهِ من فضول الأعمال والهموم فكل ما شغل الْعَبْد عن الرب فهو مشئوم، ومن فاته رضي مولاه فهو محروم، كُلّ العافية فِي الذكر والطاعة، وكل البَلاء فِي الغَفْلَة والمخالفة، وكل الشفاء فِي الإنابة والتوبة، وانظر لَوْ أن طبيباً نصرانياً نهاك عن شرب الماء البارد لأجل مرض فِي جسدك لأطعته فِي ترك ما نهاك عنهُ، وأَنْتَ تعلَمُ أن الطبيب قَدْ يصدق وقَدْ يكذب وقَدْ يصيب وقَدْ يخطئ وقَدْ ينصح وقَدْ يغض، فما بالك لا تترك ما نهاك عنهُ أنصح الناصحين وأصدق القائلين وأوفِي الواعدين لأجل مرض الْقَلْب الَّذِي إِذَا لم تشف منه فأَنْتَ من أهلك الهالكين.