الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: التناسخ والحلول
نجد جذور فكرة الحلول لدى النصارى الذين يقولون بأن الله تعالى حل في المسيح الإنسان ليتكون المسيح الإله من طبيعتين، وهي فكرة اتحاد اللاهوت والناسوت، أو حلول اللاهوت في الناسوت.
وقد تأثر بهذه الفكرة بعض غلاة الشيعة مثل الدروز الذين يقولون بحلول الله تعالى في شخص الحاكم بأمر الله، والنصيرية الذين يدعون حلول الله تعالى في علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وغلاء الشيعة الذين يزعمون حلول الله تعالى في جعفر الصادق، رضي الله عنه، ومن غلاة الصوفية الحلاج صاحب المقولة الشهيرة عنه:"أنا الحق".
ومفهوم الحلول عند هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى حل في بعض خلقه وامتزج به بحيث تلاشت الذات الإنسانية في الذات الإلهية، فصارتا متحدتين غير منفصلتين.
أما التناسخ: فهو انتقال الروح بعد الموت من جسد إلى آخر، وقد يكون التناسخ من جسم إنساني إلى جسم آخر إنساني أو حيواني أو نباتي من إنسان إلى جماد.
وقد يُعرف التناسخ بأنه تجوال للروح أو تكرار للمولد، والهدف من تكرار المولد في زعم القائلين بالتناسخ تطهير روح الإنسان من أرجاسها وأدرانها، وقد ترتب على القول بالتناسخ القول بعدم انقطاع النبوة لأنه بموت الرسول لا تنقطع الرسالة، لحلول روح الرسول في بدن شخص آخر يحمل رسالة الرسول الذي مات.
ولعلنا نستطيع أن نفهم الآن العلاقة القوية بين الحلول والتناسخ، فالقول بالتناسخ يؤدي إلى القول بالحلول. والحقيقة أننا نجد في كتابات المرزا غلام أحمد نصوص واضحة تؤكد القول بالحلول والتناسخ وزعم أن الله حلَّ روح عيسى في روحه، ثم مضى مئات الأفراد تحققت فيهم الحقيقة المحمدية.
المصدر:
القاديانية للدكتور عامر النجار - ص61، 62
وعلى هذا الاعتقاد الفاسد قرر أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد ولد بعادته وفكرته ومشابهته القلبية بعد وفاته بنحو ألفي سنة وخمسين، في بيت عبد لله بن عبد المطلب وسمي بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه الولادة حصلت لعيسى عليه السلام حينما ظهر بمظهر القادياني أيضاً. وأن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم بعث مرتين - كما صرح القاديانيون بذلك - بعثته الأولى وبعثته الأخرى حينما حلت روحانيته في القادياني نفسه. وفي هذا يقول القادياني:(إن مراتب الوجود دائرة، وقد ولد إبراهيم بعادته وفطرته ومشابهته القلبية بعد وفاته بنحو ألفي سنة وخمسين، في بيت عبد الله بن عبد المطلب وسمي بمحمد صلى الله عليه وسلم (1).وقال أيضاً: (وتحل الحقيقة المحمدية وتتجلى في متبع كامل)(2).وقد مضى مئات الأفراد تحققت فيهم الحقيقة المحمدية وكانوا يسمون عند الله عن طريق الظل محمداً وأحمد) (3). ويقصد بطريق الظل أنهم أشباح للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على طريقة التأويلات الباطنية.
(1)((ترياق القلوب)) (ص155).
(2)
يقصد بالمتبع الكامل نفسه.
(3)
((آئينة كمالات إسلام)) (ص346)، المصادر عن ((ما هي القاديانية)).
ويجاب عن هذا بقول الله تعالى: أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:78] فمن الذي أخبره بأن هؤلاء الأظلة هم عند الله محمد وأحمد. ويقول عن حلول شخصية المسيح ابن مريم في شخصه، هو حين أرسله الله:(إن الله أرسل رجلاً كان أنموذجاً لروحانية عيسى، وقد ظهر في مظهره وسمي المسيح الموعود؛ لأن الحقيقة العيسوية قد حلت فيه. ومعنى ذلك أن الحقيقة العيسوية قد اتحدت به)(1).ثم يقول: وقد مضى مئات من الأفراد تحققت فيهم الحقيقة المحمدية، وكانوا يسمون عند الله عن طريق الظل محمد وأحمد" (2).
وفي نفس الكتاب يزعم غلام أحمد أنه قد أعطي نصيباً من الصفات التي كانت للأنبياء، وأن الله تعالى أراد أن يتمثل جميع الأنبياء في شخصه فيقول:"لقد أُعطيتُ نصيباً من جميع الحوادث والصفات التي كانت لجميع الأنبياء .. .. ولقد أراد الله أن يتمثل جميع الأنبياء والمرسلين في شخص رجل واحد، وإنني ذلك الرجل"(3).ويزعم أنه يوحى إليه من السماء، وأن لسانه ينطلق بكلمات عي من صنع الله تعالى فيقول في الخطبة الإلهامية:"أوحى الرب صباح عيد الأضحى إبريل 1900م أن أخطب اليوم بالعربية، وقد وهبتم القوة على ذلك، وأيضاً أوحى إلي بكلام عربي، كلام أفصح عن لدن رب كريم، فعندئذ قمت لصلاة العيد للخطاب بالعربية، والله يعلم أنني أعطيت قوة من الغيب وكان لساني ينطلق بخطاب عربي فصيح يفوق كل ما أملك من قوة .. .. وسبحان الله إن عينا نضاحة من الغيب كانت تتدفق عندئذٍ ولم أكن أشعر عندئذٍ أنني أنا أتكلم أم ملك من الملائك يصرن أعنة لساني، لأنني أعرف أن قوة غيبية تسيطر على مداركي، ولم ينطلق لساني إلا بكلمات هي من صنع الله عز وجل، وكانت كل جملة آية بينة من بينات الله، وهذه معجزة تجلى فيها الله تعالى وليس لأحد أن يأتي لها مثيل"(4).
المصدر:
القاديانية للدكتور عامر النجار - ص62،63
وهذه العقيدة المجوسية - أي عقيدة التناسخ - إنما تأثر بها لأمور:
منها: بعده عن الدين وعن الحقائق التي ذكرت فيه لمصير الروح بعد الموت.
ومنها: مجاورته للهندوس وميله إليهم في هذا المبدأ خصوصاً وأنه يحقق لهم مكاسب، في أولها هذه العقيدة التي تسبغ عليه شخصية المسيح وشخصية محمد عليهما الصلاة والسلام. فلا عجب بعد ذلك في تأكيده لعقيدة الحلول والتناسخ (5) بين البشر، بل الأدهى والأمرُّ من ذلك أنه ادعى حلول الله عز وجل فيه؛ حيث قال:(إن الله أُنْزِل فيَّ وأنا واسطة بينه وبين المخلوقات كلها)(6).
المصدر:
فرق معاصرة لعواجي 2/ 814
المبحث الثاني: التشبيه:
ولقد زاد على جهله بحق الأنبياء الجهل بحق الله عز وجل؛ فها هو يثبت أن الله قال له: (أنت مني بمنزلة أولادي).
تعالى الله عن هذا المعتقد الجاهلي فإن الله تعالى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فهو منزه عن الصاحبة والولد: إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:93 - 95].
بل هو قول عظيم جداً: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا [مريم:90]
(1)((آئينة كمالات إسلام)) (ص180)، المصادر عن ((ما هي القاديانية)). .
(2)
([16103]) مرزا غلام أحمد: ((آئينة كمالات إسلام))، (ص344، 346).
(3)
([16104]) مرزا غلام أحمد: ((آئينة كمالات إسلام)) (ص89، 90).
(4)
([16105]) مرزا غلام أحمد: ((الخطبة الإلهامية)) (ص1، 2).
(5)
انظر: ((القادياني والقاديانية)) (ص74 - 75).
(6)
((كتاب البرية)) (ص75) للغلام.
ولقد أخبر الله أن كل من نسب إلى الرحمن ولداً فإنه كاذب، كما قال تعالى: أَلا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الصافات:151 - 152].
ومن حكم الله عليه بأنه كاذب فقد استحق المقت وعدم الالتفات إلى قوله؛ فإن المؤمن لا يكون كذاباً، لا يستحله ولا يستمر عليه إلا من مقته الله. ولهذا فإن خطاب الله له بقوله:(اسمع يا ولدي) ونسبة هذا الفجور إلى وحي الله - جريمة كبرى وكلام لم يقله نبي من الأنبياء ولا ذُكِرَ في كتاب من الكتب المنزلة، ولم يقل به إلا الجهال الذين يقولون المنكر والزور.
وقول القادياني: إن الله خاطبه بقوله: يا شمس يا قمر؛ فمعاذ الله أن يصدر هذا من الله عز وجل، وإنما هذا قول الفارغين العاطلين عن المعرفة، وليس هناك ما يدعو إلى هذا الغزل، فإنه لم يؤت جمال يوسف ولا بهاءه، ومع ذلك لم يوصف يوسف بمثل هذا الوصف فأين القادياني وأين الشمس والقمر؟!.
ثم ذكر القادياني تعبيراً مجوسياً وثنياً جل الله عنه؛ حيث زعم أن الله ألهمه: أنت من مائنا وهم من فشل!! كبرت كلمة تخرج من فمه كذباً وزوراً وتنزه الله عن كل نقص: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18]، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93].
المصدر:
فرق معاصرة لعواجي 2/ 806، 807
كما أن للقادياني أقوالاً كفرية في وصف الله تعالى؛ فهو يزعم أن الله قال عن نفسه جل وعلا: بأنه يصلي ويصوم ويصحو وينام، وأنه يخطئ ويصيب. قال القادياني:(قال لي الله: إني أصلي وأصوم وأصحو وأنام)(1). وقال أيضاً: (قال الله: إني مع الرسول أجيب؛ أخطئ وأصيب، إني مع الرسول محيط)(2).ويبلغ منتهى التشبيه والتجسيم حين زعم أنه رأى في الكشف أنه قدم أوراقاً كثيرة إلى الله تعالى ليوقع عليها ويصدق على طلباته التي اقترحها؛ فوقع الله عليها بحبر أحمر، وكان عنده - كما يزعم - في وقت الكشف رجل من مريديه اسمه عبد الله، ثم نفض الرب القلم فسقطت منه قطرات الحبر على أثوابه وأثواب مريده، وحينما انتهى الكشف رأى - كما يكذب - بالفعل أن أثوابه وأثواب عبد الله لطخت بتلك الحمرة (3).وقد وصف الله تعالى بأنه مثل الأخطبوط على طريقته البدائية؛ حيث قال: نستطيع أن نفرض لتصوير وجود الله تعالى بأنه له أياد وأرجل كثيرة، وأعضاءه بكثرة لا تعد ولا تحصى، وفي ضخامة لا نهاية لطولها وعرضها، مثل الأخطبوط له عروق كثيرة امتدت إلى أنحاء العالم وأطرافه (4). بل يصف القادياني إله العالمين بصفات في غاية القبح والشناعة، ننزه عن ذكرها أسماع وأبصار طلاب العلم؛ كلها تدور حول الجنس والولادة على طريقة الباطنية وغلاة التشبيه والتجسيم، بل وعلى طريقة النصارى الذين ادعوا أن لله ولدا (5) ً.
وفي صراحة تامة يصرح الغلام بأن الله له فم - تعالى الله عن قوله - ينفخ به الصور تأييداً لدعوته المشئومة، حيث قال:(ستؤسس جماعة وينفخ الله الصور بفمه لتأييدها، وينجذب إلى هذا الصوت كل سعيد ولا يبقى إلا الأشقياء الذين حقت عليهم الضلالة وخلقوا ليملئوا جهنم)(6).
(1)((البشرى)) للقاديانى (2/ 97).
(2)
((البشرى)) للقاديانى (2/ 97). والمصادر عن ((القادياني والقاديانية))
(3)
((ترياق القلوب)) (ص33) حقيقة الوحي للقادياني (ص255)، كلاهما للغلام.
(4)
((توضيح المرام)) للقادياني (ص75).
(5)
انظر: ((القاديانية)) لإحسان إلهي ظهير رحمه الله تعالى (ص99 - 100) وعنها أخذت تلك المصادر.
(6)
((براهين أحمدية)) (5/ 82).
لقد وصل في تشبيه رب العالمين إلى مثل ما وصل عتاة التجسيم والتشبيه؛ مثله مثل هشام بن الحكم الرافضي وغيره، ممن ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يظن أنه يحسن صنعاً.
وأغلب الظن أن الغلام كان متأكداً من حركته، بأنه لم يحسن فيها صنعاً، ولكن غلبته شهوته وحبه الزعامة. ولقد شبه الله بإنسان له قصر، فيه باب يمنع الداخلين إلا بإذنه. قال في ضميمة الوحي:(ولا يوصل إلى قصر الله وبابه إلا هذا الدين الأجلى)(1).
ومما لا ريب فيه أن من تصور أن الله تعالى يصلي ويصوم، أو يفعل غيرهما من العبادة أنه لا حظَّ له من العقل فضلاً عن الدين، فلمن يصلي ويصوم الرب عز وجل؟ ومن الذي كلفه بهذه التكليفات؟ تعالى الله عن هذا المعتقد الجاهلي البدائي.
وأما كونه عز وجل يلحقه النوم والصحو، والخطأ والصواب، وغير ذلك من صفات النقص التي تحل بالبشر لنقصهم وافتقارهم إلى ذلك، فإن الله تعالى هو الخلاق العظيم، والقوي العزيز، يعلم ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى. وورد في الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال:((إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)) (2).
وهو حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لا يكون إلا ما أراد، تنزه سبحانه عن الخطأ لأنه محال عليه عز وجل لنفاذ علمه بكل شيء.
ووصْفُه تعالى بالتوقيع والكتابة، أو أنه مثل الأخطبوط، أو أن له ولداً كل هذه الأوصاف إنما يطلقها على الله تعالى من خرج عن الحق واتبع هواه وأفسد عقله قرناء السوء من الجن والإنس، وصار أضل من الأنعام واتخذ دينه لهواً ولعباً وفضل العقائد الوثنية والخرافية على دين الإسلام، فانسلخ منه وأضله الله على علم. نعوذ بالله من الزيغ والضلال.
المصدر:
فرق معاصرة لعواجي 2/ 815 - 817
(1)((ضميمة الوحي)) (ص19).
(2)
أخرجه مسلم (1/ 162).