المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: الرد على الدعوة البهائية - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ١٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الثاني: المعاملات

- ‌المطلب الثالث: أحكام أخرى

- ‌المطلب الأول: الرد على الدعوة البابية

- ‌المطلب الثاني: الرد على الدعوة البهائية

- ‌المطلب الثالث: شبهات البابية والبهائية في ختم النبوة

- ‌المبحث الثامن: حكم البابية والبهائية والانتماء إليهما

- ‌مراجع للتوسع

- ‌المطلب الأول: التعريف بالقاديانية

- ‌المطلب الثاني: نشأة القاديانية

- ‌المطلب الثالث: أسباب النشأة

- ‌المطلب الرابع: أهداف القاديانية

- ‌أولا: اسمه وأسرته

- ‌ثانيا: ثقافته وحياته الاجتماعية

- ‌ثالثا: صفاته وأخلاقه

- ‌رابعا: عمالة القادياني وأسرته للإنجليز

- ‌تمهيد

- ‌أولا: اتجاهه للتأليف

- ‌ثانيا: ادعاء الإلهام والكشف

- ‌ثالثا: مرحلة المهدي المنتظر والمسيح الموعود

- ‌رابعا: ادعاؤه الوحي والنبوة

- ‌خامسا: غلوه وتفضيله نفسه على الأنبياء وغيرهم

- ‌المطلب الثالث: هلاك القادياني

- ‌المطلب الأول: زعماء القاديانية بعد هلاك القادياني

- ‌المطلب الثاني: فرق القاديانية

- ‌المطلب الثالث: تنظيمات القاديانية

- ‌المطلب الرابع: أسباب انتشار القاديانية ومواطن انتشارهم

- ‌المبحث الرابع: أهم عقائد القاديانية وأفكارها

- ‌المطلب الأول: التناسخ والحلول

- ‌المطلب الثاني: التأويل

- ‌المطلب الثالث: إلغاء الجهاد

- ‌المطلب الرابع: استمرار الوحي والنبوة وتأويل معنى ختم النبوة

- ‌المطلب الخامس: مجمل عقيدة القاديانية

- ‌المطلب السادس: علاقتهم بالإسلام والمسلمين وغير المسلمين

- ‌المطلب الأول: الرد الإجمالي

- ‌المطلب الثاني: الرد على القاديانية فيما يتعلق بالمهدي والمسيح

- ‌أولاً: ختم النبوة في القرآن الكريم:

- ‌ثانياً: خصائص القرآن دليل على ختم نبوته:

- ‌ثالثاً: خصائص الرسول والرسالة:

- ‌رابعاً: ختم النبوة في السنة المطهرة

- ‌خامساً: إجماع الصحابة

- ‌سادساً: كذب القادياني في نبوءاته

- ‌المطلب الرابع: أهم المؤلفات في الرد عليهم

- ‌المبحث السادس: حكم القاديانية والانتماء إليها وفتاوى أهل العلم بذلك

- ‌مراجع للتوسع

- ‌الفصل الحادي عشر: طائفة اليزيدية

- ‌المطلب الثاني: أصل التسمية

- ‌المبحث الثالث: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المبحث الرابع: آراء اليزيدية في الشيخ عدي

- ‌المطلب الأول: أسماء اليزيديين

- ‌المطلب الثاني: أمراء اليزيديين

- ‌المبحث السادس: مراتبهم وطبقاتهم

- ‌المطلب الأول: كتب اليزيدية وهما كتاب الجلوة، ومصحف رش

- ‌المطلب الثاني: اللغة التي كتب كتاباهم بها

- ‌المطلب الثالث: نصوص كتبهم

- ‌المبحث الثامن: معتقداتهم

- ‌المبحث التاسع: شرائعهم ومقرراتهم الدينية

- ‌المبحث العاشر: الأدعية والأوراد والذكر عند اليزيدية

- ‌المبحث الحادي عشر: المحرمات عنده اليزيدية

- ‌المبحث الثاني عشر: أعيادهم

- ‌الفصل الثاني عشر: فرقة الأحباش

- ‌المبحث الأول: التعريف

- ‌المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌المطلب الأول: عقيدتهم في الله

- ‌المطلب الثاني: عقيدتهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته

- ‌المبحث الرابع: موقف الحبشي من الصحابة والأئمة والعلماء

- ‌المبحث الخامس: الفقه الشاذ عند الأحباش

- ‌المبحث السادس: من فتاوى الحبشي

- ‌المبحث السابع: إباحيتهم

- ‌المبحث الثامن: إبطال دعواهم أنهم على منهج الشافعي

- ‌المبحث التاسع: ذكر بعض مخالفاتهم

- ‌المبحث العاشر: المؤسسات والأنشطة

- ‌المبحث الحادي عشر: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌المبحث الثاني عشر: حكم فرقة الأحباش والانتماء إليها وفتاوى أهل العلم فيها وموقفهم منها

- ‌المبحث الثالث عشر: هلاك زعيمهم عبد الله الحبشي

الفصل: ‌المطلب الثاني: الرد على الدعوة البهائية

‌المطلب الثاني: الرد على الدعوة البهائية

بعد أن عرضنا بعض الجوانب العامة لتلك النحلة البهائية والتي تعتبر امتدادا للحركة البابية – بعد ذلك نقف معها هنا لنوضح بطلانها على ضوء ما تقدم من جوانبها.

أولا: حياة البهاء كانت شبيهة بحياة سلفه الباب من حيث النشأة الصوفية التي عاشها كل منهما حيث رأينا من قبل أنه كان (معدودا من كبار المتصوفة وشيوخهم) ولعل ذلك الاتجاه الصوفي كان له أثر كبير في توجيهه إلى ذلك الانحراف والخروج على عقيدة المسلمين بدعوى النبوة؛ إذ إن المجاهدات الصوفية التي يعيشها أهل التصوف قد تؤثر على أعصاب من يبالغ فيها لشدة الجوع والألم الذي يعانيه ذلك المتصوف.

زد على ذلك مخالطته لأستاذه الباب وانخداعه بأفكاره وآرائه.

ثانيا: إن أول ما ظهر به البهاء هو دعواه أنه المسيح ابن مريم وذلك لأنه يعلم أن المسلمين يعتقدون عودة المسيح عليه السلام إلى هذه الأرض فظن أنه لو ادعى أنه هو المسيح لانخدعوا بدعواه تلك إذ ليست أقل من ادعاء سلفه الباب حينما ادعى أنه المهدي الموعود فكان له أتباع وأنصار، علما بأن صفات المهدي عند كلا المذهبين – السني والشيعي – لا تنطبق على الباب فما المانع أن يدعي هو أنه المسيح فادعى ذلك وقال:(قال يا قوم قد رجع الروح مرة أخرى ليتم ما قال) وقال: (اعلم بأن الذي صعد إلى المساء قد نزل بالحق) وهو يعلم كذب تلك الدعوى كما يعلمها كل إنسان له عقل إذ كيف أن الذي صعد نزل مع أن هذا الميرزا حسين معروف أنه ولد على الأرض بين الشيعة أنفسهم وتنقل بين مخابئ التصوف فكيف يدعي أنه هو المسيح نزل مرة أخرى، ولكن التأويل الآثم الذي فتحته الباطنية المجوسية هو القاعدة الأساسية لكل دعوة تريد أن تخرج على الدين فإنها تستطيع أن تدعي لكل آية ظاهرا هو ما فهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده وباطنا وهو ما علمه فروخ مزدك وأحفاد ماني وبذلك تكون أفهامهم وعقولهم أصدق وأعلم من فهم وعقل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

وهذا المسلك – مسلك الباطن والظاهر– لو سلكه الناس في أي شيء من حياتهم لاختلت موازين الحياة ومفاهيمها إذ كل إنسان يستطيع أن يدعي لكل قول يقوله أو يقال له إن له ظاهرا وباطنا حتى مع هؤلاء الباطنيين ويقال للباطن كذلك إن له باطنا وللباطن باطنا وهكذا .. وهكذا سلسلة من المغالطات والمعارضات ليس لها رصيد من نقل ولا عقل ولو سلمنا لهذا المدعي أنه المسيح فما علامة صدقة؟ نحن نعلم من الآثار الواردة عن المسيح عليه السلام أنه ينزل في دمشق وأنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقتل الدجال وتنزل الأمنة في عصر .. إلخ تلك الصفات التي وردت فيه فأين هي في ذلك الدعي؟ ثم إنه لما علم أن المسيح لا ينسخ الإسلام بل يعمل به ويقيم شرعه– وهو مرسل لنسخ الإسلام– ادعى النبوة استقلالا، وأن الله عز وجل قد تراجع عن ختم النبوة بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ففتحها للبهاء كما زعم ذلك حيث قال (لا تحسبن أنا أنزلنا لكم الأحكام بل فتحنا ختم الرحيق المختوم بأصابع القدرة والاقتدار يشهد بذلك ما نزل من قلم الوحي).

ص: 8

فما الذي طرأ على علم الله سبحانه وتعالى حتى يلغي إرادته السابقة والتي قد أخبرنا بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم والنسخ لا يدخل الأخبار لأن الخبر ليس له إلا حالتان إما أن يكون صادقا أو غير ذلك وأخبار الله عز وجل كلها صدق وعدل فما أخبرنا بوقوعه فإنه لا محالة واقع؛ إذ الله عز وجل لا يهزل ولا يكذب ولا يجهل حتى يدعي هذا الدجال أنه فتح باب النبوة يا لها من حماقة تلك التي ارتكبها ذلك المفتري على الله عز وجل حينما أعلن فريته تلك، وزعم أن الله عز وجل (فك ختم النبيين) وسيذكر هو وأتباعه ذلك الإجرام عندما يقول الملك الحق سبحانه وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ [الصافات:24] ولكن عندما نرى الحلقة الأخيرة من حلقات الضلال التي تدرج فيها ألا وهي الاعتداء على مقام الربوبية، فإنا نتيقن أنه لم يكن في كامل قواه العقلية عندما كان يظهر إلهاماته تلك، وإلا فهل هذا القول (يا ملأ الإنشاء اسمعوا نداء مالك الأسماء إنه يناديكم من شطر سجنه الأعظم أنه لا إله إلا هو المقتدر المتكبر المتسخر المتعالي العليم الحكيم أنه لا إله إلا هو المقتدر على العالمين) هل هذا قول إنسان عاقل حيث يصف نفسه بهذه الصفات التي لا تليق إلا بالله ثم يكون في سجن ثم أي عبارة هذه التي اخترعها (المتسخر) ومن أي القواميس أخذها ولم يكن أتباعه بأقل حماقة منه حيث كانوا يصفونه بصفات الربوبية كذلك كقولهم (ربنا الأبهي) وقولهم (الله عز وجل اسمه وعز ذكره)(1).

ثالثا: أما أدلته على استمرار الوحي فلا يخرج بعضها عما اعتاده أهل التشيع الغالي منهم والمعتدل حيث كانوا يستشهدون في دعاواهم بأقوال ينسبونها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو أحد أئمتهم الوارثين لعلي رضي الله عنه ولما كان البهاء قد عاش في وسط شيعي فإنه لا بد أن يسلك مسلك سلفه الشيعة للاحتجاج على ما يريد ولهذا فقد افترى تلك الكذبة الآثمة على علي رضي الله عنه وقد تكون مما افتراه غيره ثم استغله هو كذلك.

وهذه القولة المزعومة على علي رضي الله عنه والتي تقول: (أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن وأين المتخير لإعادة الملة والشريعة) هذه القولة قولة آثمة يتبرأ منها علي رضي الله عنه ولا يستطيع أحد أن يثبت سندها إليه.

ثم لماذا يترقب علي رضي الله عنه ذلك وقد كان الدين في عهده لا يزال غضا طريا؟ عجبا للباطل كيف يجد وسائله التي ينخدع العقلاء بها بل إن العقلاء أبعد من أن تنطلي عليهم تلك الأكاذيب، ولكن النفوس المريضة التي لم تخالطها بشاشة الإيمان يسهل قيادها بسلسلة الخداع والبهتان.

أما ما نسب إلى جعفر الصادق رضي الله عنه فليست هي الأولى من تزويراتهم عليه إذ قد زوروا عليه من الأقوال ما لا يحصى حتى أن كتاب (الكافي) الذي هو أكبر أصول الشيعة قد احتوى منها على مئات الأقوال فلا يستغرب إذن من أحد سلالات الشيعة أن يحذو حذو آبائه من قبل وحتى لو ثبت ذلك عن أبي جعفر الصادق فإنه ليس نبيا يؤخذ عنه ما يقول فهو كأي عالم آخر لا يقبل قوله في أقل أمور الشريعة – وليس فيها قليل – إلا بدليل فكيف يؤخذ عنه ما يهدم الإسلام ويخالف نصوص القرآن والسنة الصريحة كما رأينا طرفا منها في أول هذا البحث والتي تنفي مجيء نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)((كتاب البهائية)) لمحب الدين الخطيب (ص: 39 - 45).

ص: 9

أما استشهاده بقوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ. [المائدة:64]، فإن ذلك في غاية العجب إذ أحدث لها تفسيرا لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين ولا عن أحد من الأمة الإسلامية إلى اليوم. فالآية توبخ اليهود وتفضح عقائدهم الباطلة في الله عز وجل حيث يصفونه تعالى بالبخل عليهم وعدم العطاء لهم هذا هو معنى الآية الكريمة يقول الطبري رحمه الله:(إنهم قالوا: إن الله يبخل علينا ويمنعنا فضله فلا يفضل كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف)(1).وقال ابن كثير رحمه الله: (يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة بأنهم وصفوه – تعالى عن قولهم علوا كبيرا – بأنه بخيل كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء وعبروا عن البخل بأن قالوا: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64] (2). هذا هو فهم علماء الأمة الإسلامية لكلام الله عز وجل ليس كما يزعم البهاء أن اليهود قالوا: إن الله بعد أن خلق الطلعة الموسوية أصبحت يده مغلولة.

ولكنها الباطنية الخبيثة تتجلى في كل عصر بمظهر جديد يتناسب مع البدعة التي تظهر بها وقد بدأت سلسلة التأويلات المنحرفة من زمن بعيد على أيدي أولئك الباطنيين ليهدموا بها شريعة الإسلام التي كانت شجي في حلوقهم وسهاما في قلوبهم المريضة لأنها حالت بينهم وبين شهواتهم المنحرفة فأعملوا في ذلك عقولهم حتى أوجدوا لهم ما يستطيعون به إتيان الأمور المحرمة في ظل التأويل الباطني.

ولو ترك الأمر لكل ضال ختال ليقول في القرآن برأيه لما بقيت للشريعة الإسلامية باقية لأن أوجه الاحتيال تتعدد وتتنوع من شخص لشخص ومن عصر لآخر وهكذا.

رابعا: لقد جاء البهاء بتعاليم غريبة وعجيبة تحمل في داخلها دليل بطلانها وفسادها وقد رأينا ما ذكره فيها من تحريم الدخول في حمامات العجم ووصفها بالنتن والعفونة .. وهذه وصمة لتلك الأمة وتشهير بها على مدى الزمن لو تغيرت أوضاعها.

فأية تعاليم هذه التي تشجب أمة من الناس لوجود عيب في بعضهم يمكن أن يزول؟ وهلا دعا إلى نظافتها والاهتمام بها إن كان عاقلا؛ إذ تلك الصفة قد تزول وتنتهي وتبقى المذمة مدونة في كتاب البهائية على مدى الدهر ثم إنه ليس كل حمامات العجم على صورة واحدة كأي مجتمع بشري آخر منها النظيف ومنها دون ذلك ثم إن كان هذا خطابة لغير العجم فما هو تشريعه للعجم في ذلك.

وإن هذا لدليل واضح على كذب البهاء في نسبة دعوته إلى الله عز وجل إذ يتعالى الله سبحانه عن مثل هذه الهذيانات الهابطة.

ولكنها حماقات إنسان فقد وعيه وانساق وراء وساوس الشيطان حتى أصبح لا يدري ماذا يقدمه لأتباعه فهام في أودية الحمامات وتنقل في مستنقعات العجم فوجدها منتنة كنتن عقيدته التي لا تعدو أن تكون صورة لتشريعه ذلك ..

(1)((تفسير الطبري)) (10/ 451).

(2)

((تفسير ابن كثير)) (2/ 75).

ص: 10

وأما قوله: (أن الذي ربى ابنه أو أبناءه كأنه ربى أحد أبنائي) فإن وجود ذلك في كتاب (الأقدس) الذي يعتبر وحي البهاء فإما أن يزعم البهاء أن هذا من كلام الله فيكون قد أثبت له أبناء كما للبشر أبناء وهذه الفرية قد نفاها القرآن لكريم بشدة واعتبرها كبيرة يكاد الكون كله يتشقق لذكرها حيث قال الله عز وجل ذكره: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:88 - 93].

وأما إن كان يعني ابن نفسه هو فقد أبطل زعم أن كتابه وحي من السماء وادعى لنفسه صفات الألوهية في قوله: (كأنه ربى أحد أبنائي عليه بهائي وعنايتي ورحمتي التي سبقت العالمين) فكونه يرعاه ويرحمه برحمته التي سبقت العالمين فإنه ليس بشرا عاديا بل قد شارك الله عز وجل في قدرته على العناية والرحمة التي وجدت قبل وجود العالمين إذن فقد وجد هو قبل العالمين .. إنه اضطراب وخلط عجيب.

وعبارات (الأقدس) مرة تكلم باسم الله ثم فجأة وإذا بها تتكلم باسم البهاء نفسه مما يدل على عدم قدرته على حبك قضيته.

وقد ورد غير ما تقدم ما يلي (سوف يرتفع النعاق من أكثر البلدان اجتنبوا يا قوم ولا تتبعوا كل فاجر لئيم هذا ما أخبرناكم به إذ كنا في العراق وفي أرض السرو في هذا المنظر المنير).

فهو يتحدث عما سيحدث ويوصيهم بعدم اتباع الفجار اللئام – كما يزعم – ثم إذا به يتحدث باسم نفسه فيذكرهم أنه قد أخبرهم بهذا القول في العراق إذ لا يعقل أن الله عز وجل قد كان بالعراق ثم انتقل إلى عكا إذ إن هذه من صفات البشر الذين يعيشون داخل هذا الكون أما إله الكون فهو أكبر من كل شيء سبحانه وتعالى.

وهكذا ظلمات بعضها فوق بعض وتناقض لا يخفى على من أراد الحق إلا أن الضلال إذا تمكن من شخص فإنه يصمه ويعميه عن سماع الحق ورؤيته أعاذنا الله من خذلانه.

هذا جانب من تعاليم البهائية التي كانت امتدادا للبابية وكلاهما كونا ديانة جديدة زعم أتباعها أنها نسخت الإسلام فأي نعمة تستفيدها البشرية من هذه التعاليم التي تتضمن رد الناس إلى الديانة المجوسية وطمس الجوانب الكريمة في الإنسان وإركاسه في مستنقعات الذلة والصغار إذ يحرم عليه أن يشم رائحة الحرية والتي تعتبر قاعدة متينة لكل دعوة صحيحة وقد كانت متمثلة في واقع المجتمعات الإسلامية التي يقول كتابها وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، فأي حياة تلك التي تختفي منها حرية الإنسان.

وهذه الدعوة من البهاء هي دعوة للرضا بالاستعمار الذي حمى تلك الدعوة ومكنها من القيام إن لم يكن خطط لها وأوجدها، ولهذا فإننا نرى عبد البهاء ينسخ الجهاد صريحا

الجهاد الذي يفزع الاستعمار وبذلك يمكن عقيدة الذلة التي أرسى قواعدها أبوه من قبل. يقول عبد البهاء في ذلك: (ويفتح ذلك المظهر الكلي بالقوى الريحانية لا بالحرب والجدل وبالصلح والسلام لا بالسيف والسنان ويؤسس هذه السلطنة الإلهية بالمحبة الصحيحة لا بالقوة الحربية وروح هذه التعاليم الإلهية بالمحبة والصلاح لا بالعنف والسلاح)(1).

وبذلك يتمكن المستبدون من إذلال الأمم وإفساد أديانها ونهب خيراتها وهم آمنون من القوة الحربية؛ إذ قد أصبحت البشرية في متناول يد كل طاغية وهذا ما أراده الاستعمار ودعا إليه البهاء.

(1)(ص: 53) من كتابه ((النور الأبهي)).

ص: 11

خامسا: أما كتاب البهائية (الأقدس) فهو عبارة عن خيالات صوفية وعبارات فلسفية أراد صاحبها أن يبهر الذين يقرؤونها بتلك الهالات من الألفاظ التي لا يجد تحتها القارئ فائدة تذكر مع ما فيه من عجمة اللفظ وسقم العبارة.

ففي أوائل ذلك الكتاب (قل من حدودي يمر عرف قميصي وبها تنصب أعلام النصر على القنن والإتلال وقد تكلم لسان قدرتي في جبروت عظمتي مخاطبا لبريتي أن اعملوا حدودي حبا لجمالي طوبى لحبيب وجد عرف المحبوب من هذه الكلمة التي فاحت منها نفحات الفضل على شأن لا توصف بالأذكار لعمري من شرب رحيق الإنصاف من أيادي الألطاف أنه يطوف حول أوامري المشرقة من أفق الإبداع) وفي أواخره يقول: (يا أهل الإنشاء إذا طارت الورقاء عن أيك الثناء وقصدت المقصد الأقصى الأخفى) وهذا الأسلوب يرجع إلى النشأة الصوفية التي عاشها كما رأينا ذلك في ترجمته أما عباراته فلا يخفى على القارئ ما فيها من مظاهر العجمة التي لا تمت إلى اللغة العربية بصلة فهو مع سوء التركيب غامض المعنى، فانظر مثلا إليه وهو يقول:(قد أخذهم سكر الهوى على شأن لا يرون مولى الورى) ويقول كذلك: (لعل تسطع) و (لعل تجدون) و (لعل تدعون) ويقول: (اذكروا يا قوم نعمة الله عليكم إذ كنتم رقداء أيقظكم من نسمات الوحي) ويقول: (قد أخذتنا الأحزان بما رأيناك تدور لاسمنا) وهكذا أكثر عبارات ذلك الكتاب عجمة في اللفظ وركة في الأسلوب وفساد تصور في العقيدة كما في الجملة الأخيرة التي تصف الله عز وجل بأنه قد حزن عليه وهو تائه (تدور) أي تبحث ولهذا فإن أحد دعاة البهائية الكبار يقول (نحن معاشر الأمة البهائية نعتقد بأن مظاهر أمر الله ومهابط وحيه هم بالحقيقة مظاهر جميع أسمائه وصفاته ومطالع شموس آياته وبيناته لا تظهر صفة من صفات الله في الرتبة الأولى إلا منهم ولا يمكن إثبات نعت من النعوت الجلالية والجمالية إلا بهم ولا يعقل إرجاع الضمائر والإشارات في نسبة الأفعال إلى الذات إلا إليهم؛ لأن الذات الإلهية والحقيقة الربانية غيب في ذاتها متعال عن الأوصاف بحقيقتها منزه عن النعوت بكينونتها)(1). وبهذا يصبح البهاء على كرسي العظمة الربانية تسبغ عليه كل الصفات الربانية وتنسب إليه كل أفعال الكون لأنه مشهودة والله الخالق غيب وهكذا الضلال يتتابع ويتوالد وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَاّ نَكِدًا [الأعراف:58]

فأي دين هذا الذي بدأ بالمسيحية وانتهي بالربوبية إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وتتضح حقيقة تلك الدعوة المنحرفة عندما نرى صلتها بالاستعمار الحاقد على الإسلام وأهله وباليهود أعداء البشرية أجمع والذين يقفون وراء كل معول يهدم الأديان والأخلاق لتسهل عليهم السيطرة على الحياة البشرية في غيبة الحق وانطماس أنواره.

ويريد بعد هذا الخلط والسفه أن يستبدل كتابه هذا بالقرآن الكريم الذي تحدى بإعجازه فطاحل العربية وفصائحها والذين كانت أذواقهم العربية في ذروة الأذواق حتى كان يبلغ الأمر بأحدهم إذا سمع عبارة فصيحة بليغة يخر لها ساجدا ثم يأتي هذا الأعجمي الذي لا يحسن مبادئ العربية لينسخ بلكنته الأعجمية ذلك المعجز ولعل الفصاحة القرآنية كانت إحدى الأسباب في هزيمة هذه النحلة في البلاد العربية فاتجهت إلى البلاد الأعجمية للبحث لها عن موطن لا يستطيع عوام الناس فيه أن يروا عوارها أو يكشفوا أستارها، وأن العلماء في تلك المجتمعات قد هاجموها وبينوا زيفها إلا أن الطبقة غير المتعلمة تبقي فريسة لأمثال تلك الدعوات الضالة.

وتتضح الرؤية لتلك الدعوات الضالة بدرجة أكثر إذا رأينا صلاتها بأعداء الإسلام من يهود ونصارى وغيرهم إذ هم الذين كانوا يقفون وراءها كل دعوة تهدم الأديان وتفسد الأخلاق.

‌المصدر:

عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية لأحمد بن سعد الغامدي – ص: 229

(1)((الدرر البهية)) (ج 54) نقلا عن ((البهائية)) (ص: 35 – 37).

ص: 12