الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: شرائعهم ومقرراتهم الدينية
لليزيدية عادات وآداب وسنن ممزوجة بالتقاليد الموروثة. وقد ظهر بعضها في الديانات المختلفة المعاصرة والمجاورة لها، وتتمثل بالسجود للشمس والقمر كالمجوسية والهندوسية، وبتحريم بعض الأطعمة كاليهود، والضرب على الطبل والنفخ بالمزمار كالمسيحية في مراسمهم الدينية، وكثير من العبادات الإسلامية كالصوم والصلاة والحج والزكاة والأضحية وغير ذلك ...... "
وتزداد بعض المراسم وتقل من منطقة يزيدية إلى أخرى. وقد يختلف مظهرها أيضا، إما بحكم الجار كما جاء في كتاب (الجلوة):" احفظوا ما تلقنونه وحافظوا عليه، ولا تذكروه بحضور الغرباء، ولا تعطوهم شيئا من كتابكم المقدس حتى لا يغيروه من غير أن تعلموا. وإن قرأتم بعض شرائعكم بحضورهم، وسألوكم هل هذا صحيح أولا؟ فلا تجيبوهم صراحة، واعمدوا إلى الجواب المرهوم والمحتمل، من غير أن تقولوا الحقيقة ". فأول فرائضهم الدينية كتمان العقائد. وهم بهذا مختلفون عن سائر الأديان. لكن هذا التشدد يختلف من منطقة إلى أخرى، فيزيدية شيخان مثلا أكثر ليونة من يزيدية سنجار. ويزيدية سنجار أكثر اعتقادا برجال الإسلام ولا سيما بالسادة العلويين لاندماجهم أكثر بالمسلمين منذ وجودهم في سنجار، وهم يساعدونهم ويدافعون عنهم. وكما أن أركان الإسلام خمسة فإن أركان دينهم: الصوم، والصلاة، والزكاة والحج.
الصوم:
لهم نوعان من الصوم: صوم عمومي وصوم خصوصي. وهم يعتقدون بأن شهر رمضان كان أصم. فلما فرض الله الصوم على المسلمين أمر اليزيدية به كذلك، ولكن باللسان الكردي، فقال لهم " سي "، ومعناها بلغتهم ثلاثة لا ثلاثون والتي هي " سه "(1). ولما كان شهر رمضان أطرش فقد فهم الثانية مكان الأولى، لهذا فاليزيدية يصومونه ثلاثة أيام صحيحا، والمسلمون يصومونه ثلاثين يوما خطأ (2). وهم يصومون هذه الأيام الثلاثة (الثلاثاء والأربعاء والخميس) من شهر كانون الأول الشرقي، يعني أقصر أيام السنة، ويصومونها من الصباح إلى المساء. ومنهم من يقول: إنهم يصومون ثلاثة أيام وهي تعادل ثلاثين يوما، أليس الله هو القائل: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام: 160] وهذا يدل على اعتقادهم بكثير مما ورد في القرآن. وهذا هو الصوم العام.
أما الصوم الخاص فهو ثمانون يوما. والورع منهم هو الذي يصوم نصفها في 20 كانون الأول الشرقي، ونصفها في 20 تموز الشرقي. ويذهب الرؤساء الدينيون أربعة أربعة إلى مقبرة الشيخ عدي، ويصومون هناك ثلاثة أيام، وهي بقية الأربعين يوما، ثم يعودون إلى قراهم ليمضوا بقية الصوم.
وهم يرون أن المرء إذا نام وقد نوى الصيام، وأحضر إليه أحدهم طعاما في صباح اليوم التالي، فإنه يأكله ويظل صائما، ولا يحتاج إلى صيامه ثانية، وآداب صومهم ومبطلاته شبيهة بصوم المسلمين تقريبا. ومن عاداتهم أنهم يفطرون على خبز وملح. وفي أيام شهر رمضان يتظاهرون بالصوم مراعاة للمسلمين.
الصلاة:
ليس لهم صلوات عمومية (جماعية)، إنما لهم صلوات خصوصية. وهم لا يسمونها صلاة، لأن الصلاة عندهم محرمة. ومن هذا الصلوات صلاة الشروق. حيث ينهض اليزيدي عند شروق الشمس، ويتجه نحوها حافيا، ويخر راكعا على وجهه ثلاث ركعات إكراما للشمس. ويفضل أن يفعل ذلك في مكان خال يؤدي فيه واجباته براحة وهدوء واطمئنان بال. ويدعو ربه في صلاة الشروق بكلام مزيج من العربية والكردية والفارسية.
الحج:
(1) بالمنسابة إن اللغة الفارسية هنا عكس الكردية؛ فثلاثة بالفارسية سه، وثلاثون سي.
(2)
كلام إسماعيل بك جول: (96).
لهم كعبة يقصدونها للزيارة، ويحتفلون بذلك في مواعيد محددة من السنة. وكعبتهم هذه هي مرقد الشيخ عدي قرب عين سفني، وهي مركز منطقة شيخان في الموصل. ويقولون إن جبل لاليش الذي فيه مرقد الشيخ عدي يعتبر مثل مكة التي يقصدها المسلمون. وهي إن لم تكن أعلى منها فليست بأقل منها. ويختمون موسم الحج من يوم 15 أيلول الشرقي (28 أيلول الغربي)، وينتهي في اليوم العشرين (3 تشرين الأول الغربي). وهو فرض على كل يزيدي مهما كانت سنه، وأينما كان، ويمضون فيه أفراحا في الشراب والطرب.
ويروون أن الشيخ عدي ذهب لزيارة مكة مع الشيخ عبد القادر الكيلاني. وبقي هناك أربعين سنة، ثم دعاه الملك وتشبه بصورته. وتجادل معه أهل مكة، وما قبلوا وصيته. ولما يئس منهم ذهب إلى السماء. وبعد موته ظهر لهم ملاك، وقال لهم: إن هذا الشيخ عدي نفسه، عند ذلك اعتبروه وقدروه وجعلوا بيته مزارا، يجب أن يزوره كل يزيدي في السنة. ومن زاره ولم يقدم شيئا للشيخ والقوالين بحضور صورة الملك طاووس فهو كافر.
أما سبب جعلهم مرقد الشيخ كعبتهم وتفضيلهم إياه على مكة المكرمة أن علماءهم وأشرافهم يقولون دوما: كلما زرنا الشيخ عدي ليهدينا ويرشدنا أفدنا من وعظه وأصغينا إلى نصائحه ". والغرض من حج بيت الله هو لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:27]
وينتهز القوالون فرصة أيام الحج ليحملوا معهم مقدارا من تربة مرقد الشيخ، حيث يصنعون منها كرات أو أقراصا يسمونها " براءة "، فيمنحونها هدية للزوار للتبرك وحفظ الروح. وعلى كل يزيدي أن يحتفظ بواحدة من " براءة " ليقبلها صباحا ومساء بكل احترام. ويعتقدون أن هذا القرص يحفظه من كل مصيبة أو أذى. والأموال التي يجنيها القوالون من هذه الأقراص تعتبر وسيلة عيشهم. وهم كذلك يبيعونها للمرضى. ويعتقدون أن من يأكل القرص ينجو من المرض طوال العام روحا وجسدا ببركة الملك طاووس.
الزكاة:
يختلف مفهوم الزكاة عندهم عما هو في الإسلام. فهي عندهم ضرائب دينية. ويقولون: إن الشيخ عدي رأى في زمانه أن الشيوخ والرؤساء الدينين كانوا مختلفين فيما بينهم ومتخاصمين. وكان اختلافهم حول مزارعهم وأملاكهم وتنمية أموالهم. فباشر ببث روح الفضيلة بينهم، وبإبعاد الجشع والطمع عنهم. حتى وفق إلى تزهيدهم بالدنيا وما حوت من زائل، وتوجيه أنظارهم نحو الآخرة. وسرعان ما تنازل الشيوخ والرؤساء عن أموالهم لمريديهم وفرض الشيخ عدي على المريدين سهما من عائداتهم، بحيث يدفع الواحد منهم مقدارا من غلاته للمالك الأصلي السابق، وهو ذلك الشيخ. فغدا هذا الدفع بمثابة الإرث، أو الضريبة الثابتة. وفرض على كل مريد أن يدفع للشيخ عشر محصوله، ويدفع للبير نصف حصة الشيخ، وللمربي نصف حصة بير، وللفقير ثلاثة أرباع السهم، وللكوجك سهما، أي على المرد أن يدفع لرجال دينه 25ر19% من محصوله السنوي، بالإضافة إلى دفعات أخرى (1).
وهم يدفعون صدقات حين تمر بهم السناجق وحين يبيعون محاصيلهم ويربحون يعطون من أموالهم القوالين والمشايخ وغيرهم خيرات باسم الملائكة. وهؤلاء يقبلون هداياهم، ويرجون الله إدخال المتصدقين الجنة.
المصدر:
اليزيديون واقعهم تاريخهم معتقداتهم لمحمد التوبخي – ص90
(1) أملاها علينا أحد الشبان اليزيديين، ولعلنا أول من يشرح مسألة الزكاة بهذه الدقة.