الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعاء للكفار بالهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت إجابة السؤال رقم (4569) . وجاء في الإجابة دعاء الشيخ بأن يهدي الله الرافضة، فهل هذا يليق؟ فالدعاء للمشركين لا يجوز. .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نشكر للأخ السائل هذا الاهتمام وسؤاله عما يستشكله في بعض الإجابات.
ثانياً: للوقوف على حكم الرافضة وبعض أقوالهم يراجع السؤال رقم (1148) و (10272) .
ثالثاً: الاستغفار للمشركين لا شك أنه محرم، وقد دل على تحريمه الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) التوبة / 113-114.
قال السعدي رحمه الله:
يعني: ما يليق ولا يحسن بالنبي والمؤمنين به " أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ " أي: لمن كفر بهُ وعبد معه غيره " وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ". . .
ولئن وجد الاستغفار من خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لأبيه فإنه "عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ " في قوله "سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" وذلك قبل أن يعلم عاقبة أبيه.
فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو للهُ سيموت على الكفر ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير "تَبَرَّأَ مِنْهُ" موافقة لربه وتأدبا معه.
"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ" أي: رجَّاع إلى الله في جميع الأمور كثير الذكر والدعاء والاستغفار والإنابة إلى ربه.
"حَلِيمٌ" أي: ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات لا يستفزه جهل الجاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه فأبوه قال له: "لَأَرْجُمَنَّكَ" وهو يقول له: "سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي" اهـ.
وروى البخاري (3884) أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض الإسلام على عمه أبي طالب وهو يموت، فأبى، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ. فَنَزَلَتْ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وَنَزَلَتْ: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) .
قال الحافظ:
(مَا لَمْ أَنَّهُ عَنْهُ) أَيْ: الاسْتِغْفَار ، وَفِي رِوَايَة:(عَنْك) اهـ.
وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي.
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: النَّهْي عَنْ الاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ اهـ.
وواضح من هذين الحديثين أن النهي إنما هو عن الاستغفار لهم وهو طلب المغفرة، ومثله الدعاء لهم بدخول الجنة أو النجاة من العذاب.
والحكمة من هذا النهي:
"أن الاستغفار لهم في هذه الحال (أي في حال تبين أنهم أصحاب الجحيم) غلط غير مفيد فلا يليق بالنبي والمؤمنين لأنهم إذا ماتوا على الشرك أو علم أنهم يموتون عليه فقد حقت عليهم كلمة العذاب ووجب عليهم الخلود في النار ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين ولا استغفار المستغفرين.
وأيضا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معهُ عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبهُ ويوالوا من والاه اللهُ ويعادوا من عاداه اللهُ والاستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار مناف لذلك مناقض له" اهـ. قاله السعدي رحمه الله.
وليس الدعاء للكفار بالهداية مما يشمله النهي عن الاستغفار لهم.
وقد ثبت دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الكفار بالهداية.
قال البخاري رحمه الله في "الصحيح": بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ. ثم ذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ. رواه البخاري (2937) ومسلم (2524) .
قال الحافظ في "فتح الباري":
ذَكَرَ البخاري حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي قُدُومِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرو الدَّوسِيِّ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "للَّهُمَّ اِهْدِ دَوسًا" وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ. وَقَوْلُه: "لِيَتَأَلَّفَهُمْ" مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ، وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ تَارَةً يَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَتَارَةً يَدْعُو لَهُمْ، فَالْحَالَة الأُولَى حَيْثُ تَشْتَدُّ شَوْكَتُهُمْ، وَيَكْثُرُ أَذَاهُمْ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ، وَيُرْجَى تَأَلُّفُهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ دَوْسٍ اهـ.
وروى الترمذي (2739) عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال الحافظ:
حَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ (يعني: الكفار) يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الأَمْر بِالتَّشْمِيتِ ، لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلا مَانِع مِنْ ذَلِكَ ، بِخِلافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلافِ الْكُفَّار اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب