الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمات
المقدمة وسبب تاليف الرسالة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله الذي اصطفى نبينا على سائر البشر، وعصمه من الشيطان أن يوحي إليه بشرِّ، فقال تعالى مخاطبًا إبليس اللعين:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] ، بل جعل تعالى له السلطة على شيطانه القرين، فكيف من كان عنه من المبعدين؟. كما أشار إلى ذلك قول رسوله الكريم:"ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن" قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: "وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير"1. وصلى الله على محمد الذي مكنه الله تعالى من إبليس حتى كاد أن يخنقه، وهَمّ أن يربطه بسارية من سواري مسجد المدينة2 وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد؛ فقد كتب إلي بتاريخ 14/ 7/ 1952م بعض الأساتذة
1 أخرجه أحمد "رقم 3647، 3778، 3801، 4393" طبعة المكتب الإسلامي، ومسلم "8/ 139" عن ابن مسعود.
2 جاء ذلك في "صحيح البخاري""3/ 62" بشرح ابن حجر، ومسلم "2/ 72"، غيرهما.
من الإخوان الأعزة من الباكستان -حيث أُوفد إليها لغاية علمية- يسألني عن رأيي في حديث الغرانيق الذي اختلف فيه قول حافظين كبيرين، هما: ابن كثير الدمشقي، وابن حجر المصري، فقد أنكره الأول وقواه الآخر. وطلب مني أن لا أضن بالجواب عليه، فلبثت بعض الأشهر أترقب فرصة أستطيع فيها إجابة طلبه. ثم لقيني أحد الأحبة عقب صلاة عيد الأضحى لهذه السنة -1371هـ- فسألني أيضًا عن حديث الغرانيق، فأجبته بأنه لا يصح، بل هو باطل موضوع، فذكر لي أن أحد الشباب ممن في قلوبهم مرض احتج به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان -وحاشاه- يتكلم بما يرضي المشركين جذبًا لهم إليه، لأنه بزعمه الباطل لم يكن نبيًا صادقًا، وإنما كان يتظاهر بذلك تَرَؤُسًا عليهم كما يهرف بذلك بعض الملاحدة قديمًا وحديثًا، فحملني ذلك على أن أغتنم فرصة العيد المذكور، فشرعت -متوكلًا على الله الغفور- في جمع طرق تلك القصة من كتب التفسير والحديث، وبينت عللها متنًا وسندًا، ثم ذكرت قول الحافظ ابن حجر في تقويتها، وتعقبته بما يبين وَهْيَ ما ذهب إليه، ثم عقّبت على ذلك بذكر بعض البحوث والنقول عن بعض الأئمة الفحول ذوي التحقيق في الفروع والأصول، تؤيد ما ذهبنا إليه من نكارة القصة وبطلانها، ووجوب رفضها، وعدم قبولها، تصديقًا لقوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9] ، فجاءت رسالة فريدة في بابها، قوية في موضوعها، ترفع حيرة الأخ المؤمن، وتطيح بشبهة الملحد الأرعن، وقد سميتها:
"نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق" أسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه، ويقبلها مني نصرة لنبيه، ويدّخر لي ثوابها ليوم أحْوَجُ ما نكون فيه إلى شفاعته، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89] إنه هو السميع العليم، والبر الرحيم.
دمشق في: 2 - 1 - 1372 هـ - 21 - 9 - 1952م
محمد ناصر الدين الألباني