المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بين يدي الروايات وتفسير قوله تعالى {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} - نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌بين يدي الروايات وتفسير قوله تعالى {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}

‌بين يدي الروايات وتفسير قوله تعالى {إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}

بين يدي الروايات:

وقبل أن أشرع في سَوق روايات القصة، أرى أنه لا بد من أن نذكر كلمة، تتميمًا لفائدة الرسالة، فأقول:

إن هذه القصة قد ذكرها المفسرون عند قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الحج: 52-45] .

وقد اختلفوا في تفسير قوله تعالى: {تَمَنَّى} و {أُمْنِيَّتِهِ} ، وأحسن ما قيل في ذلك: إن {تَمَنَّى} من "الأمنية" وهي التلاوة، كما قال الشاعر في عثمان رضي الله عنه حين قتل:

تمنى كتاب الله أول ليلة

وآخرها لاقى حِمام المقادر

وعليه جمهور المفسرين والمحققين، وحكاه ابن كثير عن أكثر

ص: 7

المفسرين، بل عزاه ابن القيم إلى السلف قاطبة فقال في "إغاثة اللهفان1: 1/ 93":

"والسلف كلهم على أن المعنى إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته" وبيّنه القرطبي فقال في "تفسيره: 12/ 83": وقد قال سليمان بن حرب: إن {فِي} بمعنى: عند، أي ألقى الشيطان في قلوب الكفار عند تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم كقوله عز وجل:{وَلَبِثْتَ فِينَا} [الشعراء: 18] ، أي عندنا، وهذا هو معنى ما حكاه ابن عطية عن أبيه عن علماء الشرق، وإليه أشار القاضي أبو بكر بن العربي.

قلت: وكلام أبي بكر سيأتي في محله إن شاء الله تعالى، وهذا الذي ذكرناه من المعنى في تفسير الآية، هو اختيار الإمام ابن جرير، حيث قال بعد ما رواه عن جماعة من السلف [17/ 121] : "وهذا القول أشبه بتأويل الكلام، بدلالة قوله تعالى:{فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج: 52] على ذلك، لأن الآيات التي أخبر الله جل ثناؤه أنه يحكمها لا شك أنها آيات تنزيله، فمعلوم بذلك أن الذي ألقى فيه الشيطان، هو ما أخبر تعالى ذكره أنه نَسَخ ذلك منه وأبطله ثم أحكمه بنسخه

1 انظر طبعة المكتب الإسلامي ودار الخاني، تحقيق الأستاذ محمد عفيفي، الطبعة الثانية، "1/ 150".

ص: 8

ذلك، فتأمل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله وقرأ أو حدّث وتكلم، ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه، أو في حديثه الذي حدّث وتكلم، فينسخ الله ما يلقي الشيطان بقوله تعالى: فيُذْهِب الله ما يلقي الشيطان من ذلك، على لسان نبيه ويبطله.

هذا هو المعنى المراد من هذه الآية الكريمة، وهي كما ترى ليس فيها إلا أن الشيطان يلقي عند تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم ما يفتتن به الذين في قلوبهم مرض، ولكن أعداء الدين الذين قعدوا له في كل طريق، وترصدوا له عند كل مرصد، لا يرضيهم إلا أن يدسوا فيه ما ليس منه، ولم يقله رسوله، فذكروا ما ستراه في الروايات الآتية، مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، وذلك دَيْدَنهم منذ القديم، كما فعلوا في غير ما آية وردت في غيره صلى الله عليه وسلم من الأنبياء، كداود، وسليمان، ويوسف عليهم الصلاة والسلام، فرووا في تفسيرها من الإسرائيليات ما لا يجوز نسبته إلى رجل مسلم فضلًا عن نبي مُكَرَّم. كما هو مبين في محله من كتب التفاسير والقصص.

فَحذارِ أيها المسلم أن تغتر بشيء منها فتكون من الهالكين، و "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" كما قال نبيك صلى الله عليه وسلم، {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الحج: 54] .

ص: 9