الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحانه وتعالى، ولا سيّما وهو مما لم يَتوقف على صحته أمر ديني، ولا معنى آية، ولا سِوى أنها يتوقف عليها حصول شبه في قلوب كثير من ضعفاء المؤمنين لا تكاد تدفع إلا بجهد جهيد".
وهذا آخر الكلام في تحقيق بطلان قصة الغرانيق.
وقد بقي علينا التعرض لذكر فائدة سبقت مناسبتها وهي سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءة سورة "النجم" وهي تضمن بيان سبب ذلك فأقول:
سبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم:
رب سائل يقول: إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة والسلام جملة "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك من عادتهم؟
والجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفًا:
"وليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم، وإلا لما سجدوا، لأننا نقول: يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى
وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى، وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى، وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} إلى آخر الآيات [النجم: 50-40] . فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، ولعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم ولو لم يكن عن إيمان، كافٍ في دفع ما توهَّموه، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فقد نزلت سورة "حم السجده" بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس. ذكره السيوطي في أول "الإتقان" فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها:{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصّلت: 13] ! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال:"كيف وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب" وقد أخرج ذلك البيهقي في "الدلائل" وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
ويمكن أن يقال على بعد: إن سجودهم كان لاستشعار مدح آلهتهم، ولايلزم منه ثبوت ذلك الخبر، لجواز أن يكون ذلك الاستشعار من قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ
الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19-20] ، بناء على أن المفعول محذوف وقدّروه حسبما يشتهون، أو على أن المفعول:{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} [النجم: 21] . وتوهّموا أن مصب الإنكار فيه كون المذكورات إناثًا، والحب لشيء يعمي ويُصمّ، وليس هذا بأبعد من حملهم "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" على المدح حتى سجدوا لذلك آخر السورة، مع وقوعه بين ذمين المانع من حمله على المدح في البين كما لا يخفى على من سلمت عين قلبه من الغين".
"وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك".
محمد ناصر الدين الألباني
انتهى تبيض هذه الرسالة صباح يوم الإثنين الواقع في 7/3/1372هـ - 23/11/1952م أسأل الله تعالى أن يفيد بها السائل وسائر المسلمين ويجعلها خالصة لوجه الكريم.