الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاجة لهذه الموسوعة:
إنه لما كان البر وحسن الخلق متلازمين مصداقا لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم «البرّ حسن الخلق» فإن محاسن الأخلاق ومكارمها ينبغي أن تكون من الوضوح بمكان، ولكن أين نجد ذلك من بين ما لا يحصى من صفحات أمهات كتب الفضائل والآداب والأحكام ونحوها؟ وأين نقف على التحديد الدقيق لمعنى هذه الصفة أو تلك؟
في القرآن الكريم، نعم، في كتب الحديث الشريف، نعم، في كتب السيرة النبوية، نعم، في معاجم اللغة وكتب آثار السلف الصالح رحمهم الله، نعم، ولكن أنّى للمسلم أن يقف على ذلك كله في وقت معقول وبوسيلة مناسبة؟ إن كتب السلف الصالح رحمهم الله على كثرتها وتنوعها لا تفي وحدها بالغرض المطلوب لتناثر الصفات بها من ناحية، واختلاف أسلوبها من ناحية ثانية، أما كتب المحدثين فإنها- في الغالب- قد اقتصرت على صفات معيّنة يغلب عليها طابع الانتقاء، وهنا كان التفكير في أن نوجد في المكتبة الإسلامية، ما تفتقر إليه من وجود مرجع موحد شامل، لما هو مشتت في مئات الكتب، أي إيجاد عمل موسوعي يضم شتات صفات التربية الإسلامية وقيمها لما أمر به وما نهي عنه في الكتاب والسنة في مصدر موثق صحيح، يعيد عرضها على نحو منظم ومتكامل، وبأسلوب قريب سهل التناول يناسب عامة الناس في هذا العصر بحيث يسهل على الآباء أن يفهموها ويفهموها أبناءهم، وعلى المدرسين أن يعلموها تلاميذهم، وعلى الخطباء والدعاة أن يوضحوها لمن يتلقى عنهم ويستمع إليهم، وعلى رجال الصحافة والإذاعة وغيرهما من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية أن ينشروها بين الناس، ويوفروا بذلك قدرا هائلا من المعلومات الصحيحة والمركزة مما يساعد على رفع مستوى جودة المعلومات لديهم، ويعطي مرونة كبيرة في اختيار المادة العلمية وطريقة عرضها.
إن المسلم والداعية المتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، لابد أن يدعو نفسه أولا إلى التمسك بالخلق الحميد ويربيها على ذلك في أفعاله وأقواله، وكل ذلك اقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحبا له، فإذا أحبه وجد حلاوة الإيمان، بل اكتمل بذلك إيمانه لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وقوله صلى الله عليه وسلم عن أنس- رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» «2» .
ومن اكتمل إيمانه، حسن خلقه مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:«أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «3» . ومن باب المحبة لله عز وجل الإيمان به والمحبة لرسوله صلى الله عليه وسلم والتصديق بما جاء به، تؤخذ محبة الخلق والتأدب معهم ومعاملتهم بالإحسان وحسن الخلق، ولنا أن نتأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» «4» .
(1) البخاري- الفتح 1 (21) ، ومسلم (43) .
(2)
البخاري- الفتح 1 (15) ، ومسلم (45) .
(3)
انظر هذا الحديث بتمامه في صفة حسن الخلق (5/ 1575) ، وقد خرّجناه هناك.
(4)
البخاري- الفتح (1/ 13) .
وبهذا يكون الداعية من الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بذلك يحمل برهان حب الله له قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ «1» ، وإذا أحب الله العبد حبب فيه الناس، ووضع له القبول في الأرض مصداق ذلك ما جاء في الحديث الشريف:«إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض» «2» .
فإذا ربّى الإنسان نفسه على حب الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، توجه إلى أهله وأبنائه وعشيرته الأقربين فدعاهم لما يحييهم ويضمن لهم الفوز في الدنيا والآخرة، ثم توجه بالدعوة بعد ذلك لكل من يستطيع دعوتهم. وهذا هو عين الخير وحسن الخلق وكمال الإيمان، وثمرة ذلك كله هو القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنة النعيم لقوله صلى الله عليه وسلم:
«إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» «3» .
ولكي تؤتي هذه الدعوة ثمارها المرجوة فإن على الدعاة أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في:- أ- أن تكون الدعوة على بصيرة وعلم، يقول الله تعالى:
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي «4» .
قيل في تفسير البصيرة هي اليقين والحق «5» . وهذه البصيرة إنما تتحقق بالتفقه في الدين، الذي هو دليل إرادة الخير للداعية، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» «6» .
ب- أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، مصداقا لقوله تعالى:
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ «7» .
حيث حثه ربه على أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمين إلى يوم القيامة «8» ، ويقول الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ «9» .
هي إذن موسوعة للدعوة، ومنهاج للدعاة تزودهم بالبصيرة وتمدهم بالحكمة من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله وتوجيهاته، وهي في الوقت نفسه موسوعة لتربية النفوس، وتربية الأجيال على الإيمان الصادق والإسلام الصحيح، والإحسان المرجو، وبعبارة أوجز هي موسوعة «التربية الدينية» الصحيحة لأنها تعتمد على ما جاء به القرآن الكريم ودعت إليه السّنّة النبوية المطهرة. لذا كان من الوضوح بمكان تفسير قوله تعالى لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم:
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
(1) آل عمران/ 31.
(2)
البخاري- الفتح 13 (7485) ، ومسلم (2637) .
(3)
رواه الترمذي (2018) وقال: حديث حسن، وانظر صفات المحبة وحسن الخلق والأدب.
(4)
يوسف/ 108.
(5)
تفسير القرطبي، (9/ 274) .
(6)
البخاري- الفتح، حديث رقم 71.
(7)
النحل/ 125.
(8)
انظر تفسير القرطبي (10/ 200) .
(9)
آل عمران/ 159.