الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريظ لمعالي الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي
وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه، والتابعين، والعاملين بهديه وسنته، إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فإنه منذ ظهرت رسالة الإسلام، وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم، تأسست قواعد الدعوة إلى الله تعالى، وظهرت أصولها، وتنوعت أساليبها، على هدي الوحي الإلهي، في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
إن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، كما أرادها الله، هي ختام الوحي الإلهي، الذي بلّغه خاتم الأنبياء إلى البشر، وهي الدعوة التي تخاطب الناس جميعا الأفراد والأمم والشعوب، إلى آخر الدهر.
يقول جلّ شأنه: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «1» .
وقد جاءت في القرآن الكريم قواعد الدعوة، وتحددت مناهجها، في مخاطبة العقول والقلوب والنفوس.
يقول تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «2» .
وكان الرسول صلوات الله عليه وسلامه في حياته الشريفة، وبالتكريم الإلهي له، قدوة للمسلمين جميعا، وأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.
لقد وصفه الله تعالى في جميع أقواله وأفعاله وأحواله بأنه على خلق عظيم، يقول تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «3» . وهو الرحمة المهداة إلى البشر وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «4» .
(1) سورة الأعراف: آية 158.
(2)
سورة النحل: آية 125.
(3)
سورة القلم: آية 4.
(4)
سورة الأنبياء: آية 107.
فالدعوة إلى الله رحمة للخلق في أهدافها وغاياتها. وهي تحتاج إلى الرحمة في ترغيب الناس فيها، وتقريبهم منها، ولذلك كانت الرحمة التي أودعها الله في قلب نبيه ورسوله للناس جميعا، أعظم عون للرسول في جمع الناس على الهدى، والاعتصام بحبل الله المتين.
ففي القرآن الكريم: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ «1» .
وعلى هذا الهدي الإلهي، في الكتاب والسنة، سار أئمة الدعاة في كل عصر من عصور الإسلام.
وكان انتشار الإسلام في أقطار الأرض كلّها نتيجة جهدهم وثمرة اتباعهم للهدي الإلهي في تبليغ الدعوة، ومخاطبة العقول، وتزكية النفوس.
وكان من أئمة الدعاة إلى الله في مختلف الأزمنة والأمكنة، القراء والفقهاء والعلماء، والصالحون من الناس.
وكان لكل منهم أثر كبير في هداية الخلق، ببيان كلمة الله، وإظهار حكمه وشرعه، وبضرب الأمثلة في حسن الأدب مع الله، والاتباع لما دعا إليه الدين من مكارم الأخلاق في التعامل مع الناس.
وهذا الجانب الأخير كان له أعظم الأثر في انتشار الإسلام بين الأمم، فإن المسلم حين يظهر بين الناس بأخلاق الإسلام وهديه، يكون قوله وفعله الذي يتأسى فيه بالرسول صلى الله عليه وسلم، من أعظم الوسائل في الدعوة إلى الله، ومن ثم يكون الاقتناع والاتباع.
إن إكمال مكارم الأخلاق يعد من أعظم المهمات، وأهم الغايات في رسالة الإسلام.
يقول عليه الصلاة والسلام: «إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» «2» .
* وأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم هي الأخلاق التي بينها ربنا جل وعز، ودعانا إلى اتباعها في القرآن الكريم، وقد أدركت ذلك، وشهدته رؤية عين، أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، في أقواله وأفعاله وأحواله، أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها فلم تجد وصفا يبين عظمة أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا بنسبة هذه الأخلاق إلى الوحي الإلهي، في كماله وجلاله. فقالت:«كان خلقه القرآن» «3» .
* ولذلك، فإن الخير كل الخير في أن تكون أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في عظمتها وشمولها، معروفة للمسلمين جميعا، ليكون الاتباع، ولتظهر الأسوة الحسنة، في حياته الشريفة، التي أرادها الله لنا مثلا في حياة الإنسان، وتعامله مع الناس على هدى الإسلام.
(1) سورة آل عمران: آية 159.
(2)
رواه مالك في «الموطأ» (2/ 904) بلاغا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البرّ: هو متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره، وانظر «كشف الخفاء» للعجلوني (1/ 244. 245) رقم (678) .
(3)
قطعة من حديث رواه أحمد في «المسند» (6/ 91 و163) والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 499) وهو حديث صحيح. والحديث في صحيح مسلم في الوتر، وفي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الجانب من جوانب الدعوة، له أهميته البالغة في هذا العصر بالذات، وفي كثير من البلاد الإسلامية.
* إن الموسوعة التي بين أيدينا، «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم» تتناول جانبا هامّا من جوانب الدعوة إلى الله تعالى، وإرشاد الخلق إلى ما فيه سعادة الدارين، وهي موسوعة تربوية تتعهد النفوس بالإصلاح والتزكية على الأساس الخلقي القويم، من الخلق النبوي الكريم، وتضع أمام المسلمين على اختلاف الشرائح العمرية والثقافية نموذجا حيّا للخلق الإسلامي، من الهدي القرآني، ومن السنة النبوية، قولا وفعلا وحالا.
وقد اجتهد واضعو هذه الموسوعة، في جمع فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم، كما وردت في المنقول الصحيح في عشرات الكتب والمراجع، لا سيما كتب السيرة والسنة النبوية، كما ورد فيها ما نهى عنه الله ورسوله، من مذموم الأقوال والأفعال والأحوال.
* وقد سلك واضعو الموسوعة، في تبويبها وترتيبها بحسب موضوعاتها، طريقة تحقق الفائدة واليسر معا.
فرتبوا الصفات والسجايا والفضائل، ترتيبا هجائيّا، ولا شك أن ذلك اقتضى منهم جهدا علميّا كبيرا، يظهر في سلامة هذا الترتيب ودقته، الذي تظهر فيه القيم الإسلامية الكبرى، وما يندرج تحتها من أفعال الرسول وصفاته وسجاياه صلى الله عليه وسلم، مما يعد تعليما وإرشادا للمسلمين، وأسوة حسنة لهم في كل ما يأتونه، وما يتجنبونه من أقوال وأفعال وأحوال.
كما تقدم هذه الموسوعة زادا علميّا لكثير من المسلمين، وتيسر البحث والمعرفة في هذا المجال على المتخصصين في الدراسات الإسلامية.
وتنفع الأئمة في المساجد والوعاظ، في حلقات الوعظ والإرشاد، بما اشتملت عليه من معرفة الفروق الدقيقة بين صفات وأفعال تستحب من المسلم، ربما تبدو متماثلة مع ما بينها من فروق دقيقة أوضحتها الموسوعة، كالفرق بين
الاستعاذة والاستعانة والاستغاثة، والفرق بين الابتهال والدعاء، والفرق بين التفكر والتدبر والتذكر، وبين الحنان والعطف، وغير ذلك مما عرضت له الموسوعة، ببيان معناه لغة أو اصطلاحا، وبيان ما يتفرع منه إلى أنواع كالأدب، وجمعت الموسوعة، هذه الصفات والسجايا من الأصلين العظيمين، القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأضافت إليهما ما ورد من آثار بشأنها، فردت كل صفة وسجية وفضيلة إلى أصلها القرآني، أو مثلها الأعلى في التطبيق النبوي.
* والناظر في هذه الموسوعة، يدرك لأول وهلة، أنها من أوليات ما تحتاج إليه الدعوة إلى الله، فهي تيسر خلق الإسلام وهديه أمام المسلم، وتظهر جانبا هامّا مما ورد في القرآن الكريم من العلوم والمعارف، وهو جانب الأخلاق، الذي جعله الرسول صلوات الله عليه وسلامه من أوليات رسالته وأهداف بعثته.
وبهذا يظهر تميز الأمة الإسلامية ببنائها الأخلاقي. هذا البناء الذي يعتبر جانبا جوهريّا وهامّا من الدين، ومنهجا إسلاميّا كاملا في السلوك.
* إن هذه الموسوعة، عمل علمي مبارك، وجهد موفق في سبيل الفضيلة، تأصيلا وتطبيقا، فجزى الله القائمين عليها خيرا، ونفع بعملهم هذا المسلمين.
وإنه لمن دواعي سروري واغتباطي، أن أكتب كلمة عن هذه الموسوعة، بناء على طلب الأخ عبد الرحمن محمد بن ملوح، المدير العام لدار الوسيلة للنشر والتوزيع، شاكرا له ولجميع العاملين فيها، والمشرفين عل إعداد الموسوعة، وفي مقدمتهم معالى الأخ الفاضل الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد، إمام الحرم المكي وخطيبه، جهدهم الكبير.
أسأل الله أن يجزل مثوبتهم، ويكتب عملهم في سجل حسناتهم.
إنه عمل يستحق الشكر والتقدير والثناء على كل من تعاون فيه.
أسأل الله أن ينفع بهذه الموسوعة أبناء المسلمين، وأن يجعل القدوة والأسوة الحسنة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قريبة منهم، ومثلا أعلى لهم، يظهر ذلك في تعاملهم مع بعضهم، ومع الناس كافة، وهي الغاية التي يسعى إليها الدعاة إلى الله تعالى في كل زمان ومكان. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية