الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صراحة أو ضمنا، مثال ذلك أن نذكر مع صفة الابتهال صفات: الدعاء- الضراعة- الاستغاثة- الاستخارة- الاستعانة- الاستعاذة على أنها صفات متقاربة، ثم نذكر في ضد ذلك:
الإعراض- الغفلة- اليأس- القنوط على أنها صفات مضادة «1» ، وقد رأينا إتماما للفائدة أن تتضمن الفهارس الفنية فهرسا خاصا لهذه الحقول الدلالية التي تدخل الصفات في أطرها، وأطلقنا عليه فهرس «الإحالايث» نظرا لأنه يساعد قارىء الصفة بإحالته إلى المواطن المشابهة أو المضادة.
إن الجهد اللغوي في هذه الموسوعة قد تضمن أيضا تفسير كثير من آي الذكر الحكيم، كما تناول تفسير الألفاظ والعبارات الغريبة التي وردت في الحديث الشريف، وقد رجعنا في ذلك إلى المتداول من كتب شرح الحديث مثل فتح الباري، وشرح الإمام النووي لصحيح مسلم، وكتب غريب الحديث وخاصة الأمهات منها، ونعنى بذلك غريب الحديث لأبي عبيد (م 224 هـ) ، وغريب الحديث لابن قتيبة (م 276 هـ) ، وغريب الحديث للخطابي (م 388 هـ) ، وأخيرا كنا نرجع إلى الكتب الجامعة في الغريب مثل الفائق في غريب الحديث للزمخشري والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير «2» .
فصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لقد كان حديثه صلى الله عليه وسلم كما يقول الجاحظ: هو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام وقلة الكلام، ولم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا، ولا أقصد لفظا، ولا أعدل وزنا، ولا أجمل مذهبا، ولا أكرم مطلبا، ولا أحسن موقعا، ولا أسهل مخرجا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى من كلامه صلى الله عليه وسلم «3» .
وقد جاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ترويه أم معبد- أنه كان إذا «تكلم سما وعلاه البهاء.. حلو المنطق، فصل، لا نذر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن..» «4» ، وقد لفتت فصاحته صلى الله عليه وسلم أنظار من كانوا مضرب الأمثال في الفصاحة والبيان حتى قال قائلهم وقد سمع المصطفى صلى الله عليه وسلم يجري حوارا مع بعض الصحابة: يا رسول الله ما أفصحك! ما رأينا الذي هو أعرب منك «5» ، وقد فسّر العلماء ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم «لم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة، وشيد بالتأييد ويسر بالتوفيق» «6» .
(1) انظر على سبيل المثال ص 2 من المجلد الثاني.
(2)
المراد بالغريب هنا تلك الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم لقلة استعمالها.
(3)
البيان والتبين 2/ 17.
(4)
انظر حديث أم معبد كاملا في قسم الشمائل ص (416) .
(5)
انظر هذا الحوار الذي نقله السيوطي عن البيهقي في المزهر 1/ 35، ومعنى أعرب منك: أي أفصح منك من الإعراب، بمعنى الإبانة والفصاحة.
(6)
البيان والتبيين 2/ 17.
وإذا كان الأمر كذلك فإن لسائل أن يسأل: لماذا كثر الغريب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لقد كان «غريب الحديث» بمعنى: الألفاظ أو العبارات الغامضة الواردة في متون الأحاديث من أسبق علوم الحديث ظهورا، وكان السابق إلى التأليف فيه هو الإمام: أبو عبيدة معمر بن المثنى (م 216 هـ) ، ثم توالى التأليف فيه إلى يوم الناس هذا، وهنا قد يتبادر سؤال إلى الذهن خلاصته: كيف يكثر الغريب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ مع أن الغرابة عيب يخل بالفصاحة ومع ذلك فقد ثبت أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أفصح العرب قاطبة.
إن مناقشة تفصيلية لهذه القضية لا يتسع لها هذا المجال «1» وإنما نكتفي بالإشارة إلى أن الغرابة أمر نسبي يختلف باختلاف الزمان والمكان، كما يختلف باختلاف المتحدّث إليهم، فما يكون غريبا عند قوم قد لا يكون غريبا عند آخرين، وما يكون غريبا في عصر قد يكون هو- لا غيره- أفصح الفصيح في عصر آخر، وإذا طبقنا هذه المعايير على الحديث النبوي الشريف- وقد طبقناها فعلا- على ما أورده أبو عبيد في كتابه «غريب الحديث» لكانت النتيجة «أنه صلى الله عليه وسلم لم يستعمل إلا الواضح المألوف في بيئته، وإلا ما كان مفهوما لمن يتوجّه إليهم بالخطاب، وأن هذا لا ينفي بالطبع أن بعض الألفاظ الحديثية قد قل استعمالها فيما بعد نتيجة لتطور اللغة، كما اتضح أن بعض هذه الألفاظ كانت غامضة المعنى عند غير من يخاطب بها «2» ، وأن ذلك كان هو السبب في إطلاق وصف الغرابة عليها» «3» .
لقد تكفل الإمام الخطابي- رحمه الله تعالى- ببيان السبب الذي من أجله كثر غريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد بعث صلى الله عليه وسلم مبلغا ومعلما، فهو لا يزال في كل مقام يقومه وموطن يشهده يأمر بمعروف وينهى عن منكر، ويشرع في حادثة، ويفتي في نازلة، والأسماع إليه مصغية، والقلوب لما يرد عليها من قوله واعية، وقد تختلف عنها عباراته، ويتكرر فيها بيانه، ليكون أوقع للسامعين، وأقرب إلى فهم من كان منهم أقل فقها وأقرب بالإسلام عهدا، وأولو الحفظ والإتقان من فقهاء الصحابة يرعونها (كلها) سمعا، ويستوفونها حفظا، ويؤدونها على اختلاف جهاتها، فيجتمع لذلك في القضية الواحدة عدة ألفاظ، تحتها معنى واحد، وذلك كقوله:«الولد للفراش، وللعاهر الحجر» «4» ، وفي رواية أخرى:«وللعاهر الإثلب» «5» . قال الخطابي: وقد مر بمسامعي ولم يثبت عندي: «وللعاهر الكثكث» .
(1) لقد أفردنا هذه المسألة بالتأليف في كتابنا: الغرابة في الحديث النبوي، دراسة لغوية تحليلية في ضوء ما أورده أبو عبيد في «غريب الحديث» ط. أولى القاهرة 1407 هـ.
(2)
مثال ذلك أن يخاطب أحد المغاربة بعض أهله بلهجته المحلية، ويكون أحد السعوديين بجانبه، وفي هذه الحالة يكون كلام المغربي مفهوما لبني جلدته، وغريبا بالنسبة للسعودي، وإذا انتقلنا من الشاهد إلى الغائب اتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب أبناء القبائل بلهجتهم، وحوله من الصحابة الكرام من لا يفهم هذه اللهجة، وهنا يكون كلامه صلى الله عليه وسلم مفهوما للمخاطبين غريبا بالنسبة للصحابي الذي لا يعرف تفاصيل هذه اللهجة.
(3)
الغرابة في الحديث النبوي للدكتور عبد الفتاح البركاوي ص 209 (بتصرف) .
(4)
أخرجه البخاري 4/ 4، ومسلم 2/ 1080.
(5)
رواه أحمد 2/ 179، 207 من حديث ابن عمر.
وقد يتكلم صلى الله عليه وسلم في بعض النوازل وبحضرته أخلاط من الناس، قبائلهم شتى، ولغاتهم مختلفة، ومراتبهم في الحفظ والإتقان غير متساوية، وليس كلهم يتيسّر لضبط اللفظ وحصره، أو يتعمد لحفظه ووعيه، وإنما يستدرك المراد بالفحوى، ويتعلق منه بالمعنى، ثم يؤديه بلغته، ويعبر عنه بلسان قبيلته، فيجتمع في الحديث الواحد اذا انشعبت طرقه عدة ألفاظ مختلفة موجبها شيء واحد، وهذا كما يروى:«أن رجلا كان يهدي إلى رسول الله كل عام راوية خمر، فأهداها عام حرمت، فقال: إنها حرمت، فاستأذنه في بيعها، فقال له: إن الذي حرم شربها حرم بيعها، قال: فما أصنع بها؟ قال: سنّها في البطحاء، قال: فسنّها» ، وجاء في رواية اخرى:«فهتّها» ، وفي رواية أخرى:
«فبعّها» «1» . والمعنى واحد» «2» . ويعني هذا أن اختلاف الرواة قد يكون هو المسئول عن غرابة كثير من الألفاظ.
وقال الخطابي أيضا: وبلغني أن أبا عبيد القاسم بن سلام مكث في تصنيف كتابه (غريب الحديث) أربعين سنة يسأل العلماء عما أودعه من تفسير الحديث، والناس إذ ذاك متوافرون، والروضة أنف، والحوض ملآن، ثم قد غادر الكثير منه لمن بعده، ثم سعى له أبو محمد (ابن قتيبة) سعي الجواد إذا استولى على الأمد «3» ، فأسأر «4» القدر الذي جمعناه في كتابنا هذا، وقد بقي من وراء ذلك أحاديث ذات عدد لم أتيسر لتفسيرها، تركتها ليفتحها الله على من يشاء من عباده، ولكل وقت قوم، ولكل نشء علم. قال الله تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (الحجر/ 21)«5» .
ولله در الخطابي فقد كان الناس فعلا إذ ذاك (أي في الصدر الأول) يفقهون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خلف من بعدهم خلف يحتاجون إلى الكتب الطوال التي تشرح غريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كان حرصنا على أن تتضمن الموسوعة بيانا لهذه الألفاظ وشرحا لها مما يغني القارىء عن الرجوع إلى كتب الغريب وشروح الحديث.
لقد كانت طموحات الشيخ عبد الرحمن بن ملوح أوسع من الرجوع إلى كتب الغريب وشروح الحديث.
لقد كانت طموحات الشيخ عبد الرحمن بن ملوح أوسع من أن تقف عند ما أنجزته اللجنتان الأولى والثانية، فكان يشير علينا بين الحين والآخر لإضافة هذه الصفة أو تلك، وكان يتضح عقب إنجاز هذه الصفات مدى الفائدة العظيمة والخير العميم من إضافتها، وكان من ذلك صفات: الإغاثة- الإنذار- الإنصاف- التبليغ- تكريم الإنسان- التوحيد- عيادة المريض- الفضل- كفالة اليتيم- اللين- معرفة الله عز وجل الكلم الطيب- المسارعة في الخيرات- النظر والتبصر
…
ونحو ذلك من الصفات المأمور بها.
(1) الفائق 3/ 254، 255 وجاء فيه: الثلاثة- يعني السّنّ، والهتّ، والبعّ- في معنى الصب، إلا أن السن في سهولة، والهت في تتابع، والبع في سعة وكثرة، وروى بالثاء، أي قذفها، من ثع يثع، إذا قاء.
(2)
غريب الحديث للخطابي 1/ 15.
(3)
يشير إلى قول النابغة: «سبق الجواد إذا استولى على الأمد» ، وأبو محمد هو ابن قتيبة. وجاء في اللسان (أمد) : أمد الخيل في الرهان: مدافعها في السباق ومنتهى غاياتها التي تسبق إليه.
(4)
أسأر: أي أبقي شيئا قليلا.
(5)
غريب الحديث الخطابي 1/ 15- 16.
ومن الصفات المنهي عنها: الإحباط- إفشاء السر- الانتقام- التكاثر- التنازع- التناجش- التنصل من المسئولية- التهاون- التبذير- الحقد- الرشوة- الرياء- السخرية- الطغيان- العتو- الغرور- الغش- الغي والإغواء- الفتنة- المجاهرة بالمعصية.
وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يشير إلى إضافات مهمة في صفات عديدة يصعب إحصاؤها نذكر منها:
المساواة، وقد أضيفت إلى صفة العدل، والإحصان (بالزواج) ، وقد أضيفت إلى صفة حفظ الفرج لأن الزواج من وسائل ذلك، والعجب، الذي أضيف إلى الكبر، والمصابرة، التي أضيفت إلى الصبر، والشدة التي أضيفت إلى القوة.
وفيما يتعلق بالفهارس فقد بذلت اللجنة جهدا ندعو الله أن يكون موفقا ومباركا فيه، وسنتحدّث عنه وعن كيفية استخدام هذه الفهارس في مقدمة المجلد الثاني عشر بإذن الله تعالى.
لقد اجتهدنا ما وسعنا الجهد في إبراز تلك الصفات في صورة أقرب ما تكون إلى الكمال البشري، أما الكمال المطلق فهو لله تعالى، نسأله- عز وجل أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به إنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير.
ولا يسعني في ختام هذه الكلمة إلّا أن أتقدم بالشكر وافرا وجزيلا لأخي وصديقي الشيخ عبد الرحمن بن محمد ابن ملوح على تلك الجهود المباركة التي بذلها في نشر هذه الموسوعة (ولم تكن تلك الجهود مادّيّة فحسب وإنما كانت أيضا جهودا معنوية وعلمية، حثيثة ورائعة، وأن نتوجه إلى المولى عز وجل بأن يجزيه على ذلك خير الجزاء وأن يجعله من أصحاب الحياة الطيبة في الدنيا ومن أهل «نضرة النعيم» في الآخرة إنه سبحانه أكرم المسئولين وأجزل المعطين «1» .
سبحانك ربنا لا علم لنا إلّا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بقلم: أ. دكتور عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى مكة المكرمة في العشرين من ربيع الأول 1418 هـ.
(1) لما كان الجزاء من جنس العمل، فإننا ندعو الله- عز وجل للشيخ والذين ساهموا معه بأن يكونوا من أصحاب نضرة النعيم.