المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد - نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - المقدمة

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌[موسوعة نظرة النعيم]

- ‌الإشراف العام

- ‌لجنة الإعداد:

- ‌لجنة المراجعة والضبط:

- ‌لجنة اللغة والتدقيق والفهرسة:

- ‌إعداد السيرة النبوية:

- ‌إعداد المقدمة التربوية:

- ‌الإدارة والمتابعة:

- ‌برامج الحاسب الآلي:

- ‌الجمع والتنضيد

- ‌[من شارك في إعداد هذه الموسوعة]

- ‌[محتويات المقدمة]

- ‌[محتويات الموسوعة]

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌[تقديم الناشر]

- ‌الحاجة لهذه الموسوعة:

- ‌أهداف الموسوعة وتحديات المستقبل:

- ‌اقتراحات وتوصيات:

- ‌الثمرات المرجوة:

- ‌روح الأمل والمستقبل:

- ‌نصر الله وعد الحق:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌تقريظ لمعالي الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين

- ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد

- ‌الغاية والهدف:

- ‌أصول البناء في هذه الموسوعة علما ومنهجا:

- ‌الخاتمة

- ‌ثراء في الإيمان…وثروة في لغة القرآن

- ‌مقدمة اللجنة اللغوية

- ‌فصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌الحياة والنفس الإنسانية بقلم: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح

- ‌تمهيد:

- ‌تكليف الإنسان وابتلاؤه:

- ‌العلاقة بين الإنسان والحياة:

- ‌بين الابتلاء وحسن الخلق:

- ‌الأخلاق الكريمة والعبادة:

- ‌الإيمان ومكارم الأخلاق:

- ‌العبادة ونور الفطرة:

- ‌ إغواء الشيطان

- ‌إرسال الرسل:

- ‌ الصراط المستقيم

- ‌الابتلاء والصراط المستقيم

- ‌النفس الإنسانية

- ‌النفس لغة:

- ‌النفس اصطلاحا:

- ‌قوى النفس الناطقة:

- ‌أقسام النفس الإنسانية:

- ‌صفات النفس الإنسانية:

- ‌أولا: النفس المطمئنة (حقيقة الطمأنينة وعلامتها) :

- ‌النفس المطمئنة وفرح القلب:

- ‌كمال القلب ونعيمه وسروره (بالطمأنينة) :

- ‌سجود القلب:

- ‌اليقظة أول مفاتيح الخير وهي (منشأ الطمأنينة) :

- ‌اليقظة أول منازل النفس المطمئنة:

- ‌ثانيا: النفس اللوامة:

- ‌ثالثا: النفس الأمارة:

- ‌قرين النفس المطمئنة:

- ‌قرين النفس الأمارة:

- ‌مقتضيات النفس المطمئنة والنفس الأمارة:

- ‌صراع النفس الأمارة مع النفس المطمئنة:

- ‌خصائص وعجائب النفس الأمارة:

- ‌فضيلة الاستعاذة من شر النفس الأمارة وقرينها:

- ‌اعرف نفسك:

- ‌النفس ومراحل الحياة الإنسانية:

- ‌علاقة النفس الإنسانية بالكون:

- ‌النفس الإنسانية ودورها في المجال الأخلاقي:

- ‌الدور الأخلاقي للنفس المطمئنة:

- ‌الدور الأخلاقي للنفس الأمّارة:

- ‌الدور الأخلاقي للنفس اللوامة:

- ‌الابتلاء والقيم الخلقية:

الفصل: ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد

‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد

إمام وخطيب المسجد الحرام وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا المنهج العلمي للموسوعة الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، أرسله على حين فترة من الرسل وحاجة من البشر، بعثه بالدلائل الواضحة والحجج القاطعة والبراهين الساطعة. أيقظ به العقول من سباتها وصرف به النفوس عن أهوائها فكان صلى الله عليه وسلم بإذن ربه مصدر خير ومبعث نور وشمس هداية، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ودعا إلى الحق، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه حيّا وميتا أفضل صلاة وأطيب سلام وأزكى بركة. نشر الله محبته ورفع في أعلى عليين درجته وصلى ورضي على آله وأصحابه وورثة هديه من العلماء العاملين والدعاة المصلحين الذين فقهوا دين الله وأدركوا مراميه وفهموا مقاصده واستنوا بهديه وعملوا بأحكامه ودعوا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وبذلوا أنفسهم ونفيسهم فهدى الله بهم العباد وفتح على أيديهم البلاد.

أما بعد فإن أولى ما اختاره الإنسان لنفسه بعد إيمانه بربه أن يكون مرتاضا بمكارم الأخلاق ومحاسنها متجافيا عن سيئها متنزها عن سفسافها آخذا في جميع الأحوال بالفضائل، عادلا في كل أفعاله عن طرق الرذائل، يجعل مقصده اكتساب كل شيمة سليمة من المعايب، ويصرف همته إلى اقتناء كل خيم «1» كريم خالص من الشوائب، يبذل جهده في تجنب كل خصلة رديئة ويستفرغ وسعه في اطراح كل خلة ذميمة، فيحوز الكمال بتهذيب خلائقه، ويكتسي حلل الجمال بدماثة شمائله.

وإن المبتديء في تطلب هذه المرتبة والراغب في بلوغ هذه المنزلة ربما خفيت عليه الخلال المستحسنة التي يعنيه تحريها وقد تلتبس عليه الصفات المستقبحة التي غرضه توقيها.

ويزداد الغموض ويغلظ اللبس في هذه العصور المتأخرة التي تعيش الأمم في أغلبها حياة مادية مظلمة يتنكرون فيها للدين ويسخرون من القيم، ابتلوا فيه بما ينهك الروح ويرهق الأعصاب، إيغال في التقدم المادي مظلم وحضارة عند العقلاء حمقاء، انفلت فيها زمام العقل والخلق، وطغت في جنباتها ظلمات الإلحاد وانطفأ في

(1) خيم: خلق ووصف.

ص: 53

أرجائها نور الإيمان وانحسرت القيم الخلقية فلم يعد لها في موازين الناس حساب.

من المؤسف حقّا أن تكون هذه هي الصورة في أغلب مجتمعات اليوم وشعوبه إلا ما رحم ربنا.

ولكن الإسلام دين الله الحق- قرآنا وسنة- قد جعل لمهمة تهذيب الأخلاق وتزكية النفوس واكتساب الفضائل مكانة كبرى ورتبة عليا ومقاما ساميا.

ولا بد في هذه المقدمة من وقفات مع الإسلام ونبي الإسلام، نوضح فيها هذا المقصد من خلال النظرة القرآنية ومقاصد البعثة المحمدية.

إن من حق قرآننا علينا أن نتدبر معانيه وأن نفهم مقاصده. ففيه ما يدل على هذه الأخلاق وتهذيبها ويرشد إلى الآداب الإسلامية واكتسابها، فهي أمور محكمة وآداب لكل خير جامعة.

ذلك أن القرآن هو كتاب الله الخالد ومعجزة رسوله الباقية ونعمته السابغة وحجته الدامغة وهو ينبوع الحكمة وآية الرسالة ونور الأبصار والبصائر وبحر لا يدرك غوره ولا تنفد درره ولا تفنى عجائبه ولا تقلع عن الغيث المدرار سحائبه ولا تنقضي آياته. أنزله ربنا لنقرأه تدبرا ونتأمله تبصرا ونسعد به تذكرا ونحمله على أحسن وجوهه ومعانيه ونجتهد في إقامة أوامره ونواهيه وكلما ازدادت البصائر فيه تأملا زادها هداية وتبصرا. أنزله ربنا وصرّفه وعدا ووعيدا وأمرا ونهيا وترغيبا وترهيبا وتشريفا وسياسة وحكمة وعلما ورحمة وعدلا واشتمل على أصول العقائد وقواعد الأحكام ودعائم الأخلاق.

وهذه إشارة لنموذج قرآني من حشد الوصايا الأخلاقية حثّا على المحمود وتنفيرا من المذموم انتظمت في سورة واحدة وسياق متتابع، يقول سبحانه: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً* رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً* وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً* وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً* إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً* وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً* وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا* وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً* وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا* وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* وَلا تَقْفُ ما

ص: 54

لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا* وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا* كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً* ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً «1» .

إن المتأمل في هذه الآيات القرآنية يدرك غاية القرآن وتركيزه الشديد على بناء الشخصية الإسلامية على أساس من القيم الأخلاقية الرفيعة تركيزا يبتديء من تصحيح العقائد وتطهير النفوس من درن الشرك والجاهلية والتحلي بالعلم الصحيح وتنظيم العلائق الاجتماعية والهداية إلى السداد من القول والعمل.

وهكذا يتجلى القرآن العظيم إرشادا لمحجة وتبصرة لعبرة وتذكرة لمعرفة وإرشادا من غي وبصيرة من عمى وحثّا على تقى وحياة للقلب وغذاء للروح ودواء وشفاء وعصمة ونجاة.

نعم إن إدامة النظر وإطالة التدبر في هذا القرآن العظيم تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغايتهما وثمراتهما ومآل أهلهما وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه. هذا عن القرآن.

أما نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم فمن المعلوم كل العلم أن أي حياة فاضلة لابد لها من رائد كما أن الأحياء الأتقياء لا غنى لهم عن أسوة وقائد. ومن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم رائد للحياة وقائد للأحياء؟ إنه الموجه إلى الخير الهادي إلى البر الداعي إلى أكرم طريق، هو الرائد الأمين والمبلغ المبين والبشير النذير والسراج المنير، جاء بالدين الحق والإسلام الخاتم والشريعة الخالدة لتنظيم أمر الحياة والأحياء انتظاما كاملا ولضبط العلائق فيما بينهم أفرادا وجماعات وحكاما ومحكومين.

إن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عقيدة استعلاء من أخص خصائصها أنها تبعث في روح المؤمن إحساس العزة من غير كبر وعلو الهمة من غير بطر وروح الثقة في غير اغترار وشعورا بالأمان والاطمئنان من غير تواكل.

دين يشعر أتباعه بالمسئولية الملقاة على عواتقهم وتبعة الأمانة في الاستقامة على الحق والدعوة إليه في المشارق والمغارب.

لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام من عند ربه الذي رضيه وأكمله وأتم به نعمته الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «2» .

وبكماله وتمامه بلغه صلى الله عليه وسلم إلى الأحمر والأسود وعلمه أصحابه لتلاميذهم من التابعين في أرجاء الأرض وأقطارها قرنا فقرنا فتلقاه العربي والأعجمي والقريب والبعيد فعرفوا فيه نظام الحياة المتكامل الجامع بين العدل

(1) الإسراء: 23- 39.

(2)

المائدة: 3.

ص: 55

والرحمة والحق والقوة وعلى دعائمه قامت أعظم قواعد الأخلاق ومباديء السلوك وفي مثل هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» «1» .

إن الناظر والدارس لهذا الدين يرى ذلك الفيض الغامر وذلك التراث الثر من التربية والتعليم والإصلاح والتقويم في توجيه واسع وشامل في القول والعمل والفرد والجماعة حتى تحقق وصف الله في نبيه صلى الله عليه وسلم وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.

ولقد طال الأمر على المسلمين واشتد مكر أعدائهم فصار كثير منهم إلى حال من المسخ والتشويه والضعف والهوان في رقعة من الأرض ذات اتساع جغرافي وتكاثر سكاني لكنهم يجهلون كثيرا من حقائق الإسلام عقيدة وشريعة وأدبا وخلقا، يعيشون في أمشاج من الأساطير والخيالات وضعوها لأنفسهم بجهالاتهم وبعدهم عن المصدر الحق، وقد يكون منها ما وضعه أعداؤهم من أجل المباعدة بينهم وبين الصحيح من الدين. فاستمرءوا الذل والضعف واستوبئوا «2» العزة والقوة ونزلوا عن كرامتهم وشموخهم الإسلامي ليقتاتوا بقوت متعفن من بقايا موائد الحضارة المادية. وهذا ما حاق بهم في أوطانهم فاستعبدتهم أمم لا تذكر معهم في حساب العد والإحصاء.

وعند النظر والمقارنة بين الواقع والمثال، الواقع المر والمثال النموذجي الأسوة ولأن المصدر باق محفوظ بحفظ الله. فقد توجهت همة بعض الأفاضل والغيورين للقيام بعمل لعله أن يكون من اللبنات الصالحة التي يقوم عليها إعادة بناء الأمة على المنهج الحق. إنه عمل موسوعي في منهج الأخلاق نظرا وتطبيقا. عمل يرجى أن تنعكس نتائجه على ذوي الشأن من المربين والمتعلمين.

عمل حرص على أن يتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة، فالمسلمون منذ أن أظلهم الله بظل الإسلام قد شغفوا بجمع كل ما يتصل بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ومكارم أخلاقه وشمائله ثم مضوا يتدارسون هذا الذي جمعوه يفيضون فيه ويستلهمون منه.

وإن متغيرات الحياة وطرائق التفكير المستجدة وتكاثر قنوات المعلومات والمعارف جعلت من العزيز والشاق أن يستفيد طالب الاستفادة من خضم هذا الفيض الغامر. ليخرج بدراسة جامعة منظمة تتسق مع متغيرات العصر وتنظيماته العلمية.

إنها دراسة موسوعية قصد بها توثيق الاتصال بحياة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في سيرته والارتباط بمكارم أخلاقه وتجمع له الشتات المتوزع في شتى المصادر والمراجع.

إنها دراسة شاملة تعني ببيان محمود الأخلاق ومذمومها وتشحذ الهمم نحو سمو أخلاقي يحقق أهدافا

(1) أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي.

(2)

استوبؤوا العزة والقوة: أي عدوهما من الوباء.

ص: 56

سامية لعل فيها طريقا للنجاة ومسلكا للخير والسعادة والعزة والقوة.

عمل علمي يرجى أن يسترشد به من كانت له همة سنية تسمو به إلى مباراة أهل الفضل ونفس أبية تنبو به عن مساواة أهل الدناءة والنقص.

وإليك- رعاك الله- بعض التفاصيل عن إعداد هذا العمل وطريقة الاستفادة منه ومراحل تنفيذ هذه الموسوعة:

الموسوعة مصطلح معاصر تعني في مدلولها جمع المعارف في فن معين أو فنون متعددة طبقا لخطة إخراج خاصة تنتج حصيلة ضخمة من المعلومات بين يدي القاريء متخصصا أو غير متخصص على حد سواء.

وثمت خطتان غالبتان لتحرير الموسوعات:

إحداهما: تبني أسلوب تجميع المعلومات حسب وحدة الموضوع بحيث تقدم عرضا شاملا له.

ثانيهما: اعتماد الحروف الأبجدية ومن ثمّ تتوزع المعلومات في خانات وجداول ترتبط بنوع الحرف من غير رعاية لوحدة الموضوع الشاملة.

وقد جرت هذه الموسوعة على الطريق الثاني تمشيا مع طبيعة غرض هذه الموسوعة وتحقيقا لغاية الواضعين.

وهي في ذات الوقت أسهل لتناول القاريء لمواد الموسوعة.

وفكرة الموسوعة وليدة نظر الأخ عبد الرحمن بن محمد بن ملوح، الذي عرضها عليّ فتبلورت الفكرة لدينا، وأخذت مسارها العلمي دراسة وبحثا ومنهاجا وتم وضع المنهج الذي سوف يوصف لك لاحقا.

ولقد مرت الموسوعة في فترة إعدادها بمراحل من الطروحات وألوان من الصعوبات جلبت معها اختلافات في وجهات النظر بين الباحثين في بعض مواقع الدراسة وأساليب البحث ومعالم المنهج ولكنها مع الزمن والخبرة انصهرت لتتبلور في المنهج الذي تراه بين يديك. وما كان ذلك إلا بتوفيق الله أولا ثم الإخلاص وحسن القصد مع اجتماع الإرادة على تقديم عمل نافع للناس وخادم للعلم بإذن الله.

لا سيما إذا علمت- حفظك الله- أن مادتها قد تم استعراضها وقراءتها قراءة متأنية وأعيدت صياغتها أكثر من مرة أمام المشرف والباحثين مجتمعين في جلسات منتظمة. ولا يدّعي معدوها أنها بلغت الكمال، فالكمال لله وحده ولكنها لقيت من العناية والدقة والمتابعة ما يؤكد احترام القاريء والباحث، وإن عملا واسعا مثل هذا لا يسلم من نقد ونظر بل من اختلاف الأنظار فيه ولكن المرجو ممن يجد خطأ أو يستحسن فكرة أن يبعث بها مشكورا مثابا لعله يمكن تلافي النقص ومقاربة التسديد في طبعات قادمة، ورحم الله من أهدى إلينا عيوبنا.

ص: 57