المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علاقة النفس الإنسانية بالكون: - نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - المقدمة

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌[موسوعة نظرة النعيم]

- ‌الإشراف العام

- ‌لجنة الإعداد:

- ‌لجنة المراجعة والضبط:

- ‌لجنة اللغة والتدقيق والفهرسة:

- ‌إعداد السيرة النبوية:

- ‌إعداد المقدمة التربوية:

- ‌الإدارة والمتابعة:

- ‌برامج الحاسب الآلي:

- ‌الجمع والتنضيد

- ‌[من شارك في إعداد هذه الموسوعة]

- ‌[محتويات المقدمة]

- ‌[محتويات الموسوعة]

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌[تقديم الناشر]

- ‌الحاجة لهذه الموسوعة:

- ‌أهداف الموسوعة وتحديات المستقبل:

- ‌اقتراحات وتوصيات:

- ‌الثمرات المرجوة:

- ‌روح الأمل والمستقبل:

- ‌نصر الله وعد الحق:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌تقريظ لمعالي الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين

- ‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد

- ‌الغاية والهدف:

- ‌أصول البناء في هذه الموسوعة علما ومنهجا:

- ‌الخاتمة

- ‌ثراء في الإيمان…وثروة في لغة القرآن

- ‌مقدمة اللجنة اللغوية

- ‌فصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌الحياة والنفس الإنسانية بقلم: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح

- ‌تمهيد:

- ‌تكليف الإنسان وابتلاؤه:

- ‌العلاقة بين الإنسان والحياة:

- ‌بين الابتلاء وحسن الخلق:

- ‌الأخلاق الكريمة والعبادة:

- ‌الإيمان ومكارم الأخلاق:

- ‌العبادة ونور الفطرة:

- ‌ إغواء الشيطان

- ‌إرسال الرسل:

- ‌ الصراط المستقيم

- ‌الابتلاء والصراط المستقيم

- ‌النفس الإنسانية

- ‌النفس لغة:

- ‌النفس اصطلاحا:

- ‌قوى النفس الناطقة:

- ‌أقسام النفس الإنسانية:

- ‌صفات النفس الإنسانية:

- ‌أولا: النفس المطمئنة (حقيقة الطمأنينة وعلامتها) :

- ‌النفس المطمئنة وفرح القلب:

- ‌كمال القلب ونعيمه وسروره (بالطمأنينة) :

- ‌سجود القلب:

- ‌اليقظة أول مفاتيح الخير وهي (منشأ الطمأنينة) :

- ‌اليقظة أول منازل النفس المطمئنة:

- ‌ثانيا: النفس اللوامة:

- ‌ثالثا: النفس الأمارة:

- ‌قرين النفس المطمئنة:

- ‌قرين النفس الأمارة:

- ‌مقتضيات النفس المطمئنة والنفس الأمارة:

- ‌صراع النفس الأمارة مع النفس المطمئنة:

- ‌خصائص وعجائب النفس الأمارة:

- ‌فضيلة الاستعاذة من شر النفس الأمارة وقرينها:

- ‌اعرف نفسك:

- ‌النفس ومراحل الحياة الإنسانية:

- ‌علاقة النفس الإنسانية بالكون:

- ‌النفس الإنسانية ودورها في المجال الأخلاقي:

- ‌الدور الأخلاقي للنفس المطمئنة:

- ‌الدور الأخلاقي للنفس الأمّارة:

- ‌الدور الأخلاقي للنفس اللوامة:

- ‌الابتلاء والقيم الخلقية:

الفصل: ‌علاقة النفس الإنسانية بالكون:

[موسوعة نظرة النعيم]

في مكارم أخلاق الرّسول الكريم صلى الله عليه وسلم

‌الإشراف العام

- صالح بن عبد الله بن حميد

إمام وخطيب الحرم المكي

- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح

مؤسس ومدير دار الوسيلة للنشر والتوزيع

‌لجنة الإعداد:

بإشراف الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد

أ. محمد أحمد سيد أحمد

أ. محمد إسماعيل السيد أحمد

أ. صلاح محمد عرفات

أ. ناصر مهلل محمد حامد

‌لجنة المراجعة والضبط:

بإشراف أ. د. على خليل مصطفى أبو العينين

أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة.

أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي

أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي

د. عزت عبد الحميد إبراهيم

د. أحمد علي محمود ربيع

د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد

د. يس إبراهيم عفيفي

‌لجنة اللغة والتدقيق والفهرسة:

بإشراف أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي

أستاذ أصول اللغة العربية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

أ. د. عبد الصبور السيد أحمد الغندور

أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري

أ. د. محمد أحمد حسب الله

أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي

أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري

أ. د. سيد أحمد طهطاوي

أ. د. سعيد محمد صوابي

أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن

د. أحمد كامل صالح

د. فراج جودة فراج

د. عاصم بدري حسين

أ. سبيع حمزة حاكمي

أ. أحمد شعبان الباسل

أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط

أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي

أ. فؤاد محمد نور أبو الخير

‌إعداد السيرة النبوية:

أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا

‌إعداد المقدمة التربوية:

أ. د. علي خليل أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية

‌الإدارة والمتابعة:

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح فؤاد محمد نور أبو الخير

‌برامج الحاسب الآلي:

م. ناظم يحيى عبد الرازق

م. نبيل أكرم نوح

‌الجمع والتنضيد

بإشراف: توني نجيب زيدان أحمد

طارق علي بيومي

هاني محمد أحمد فرج

كمال حمزة أحمد

يوسف عبد الباقي محمود

مصطفى سعد محمد

محمد رضا محمد محمود

كمال مصطفي أبو زيد

عبد الإله محمود عساف

ص: 3

[من شارك في إعداد هذه الموسوعة]

بعون الله تعالى وتوفيقه شارك في إعداد هذه الموسوعة

1-

الشيخ أ. د. صالح بن عبد الله بن حميد خطيب وإمام الحرم المكي، وعضو مجلس الشورى، وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا.

2-

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام مؤسسة بن ملّوح التجارية وفروعها دار الوسيلة للنشر والتوزيع ومؤسسة الصيانة الوقائية الشاملة- جدة.

3-

أ. فؤاد محمد نور أبو الخير نائب مدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ونائب مدير عام مدارس الثغر النموذجية سابقا، ومدير القسم المتوسط والثانوي بمدارس دار الفكر سابقا.

4-

أ. د. علي خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق فرع بنها، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة سابقا.

5-

أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

6-

أ. د. حسام الدين قوام الدين السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا.

7-

أ. د. محمد أحمد حسب الله أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

8-

أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمات بالطائف.

9-

أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي أستاذ البلاغة بكلية اللغة العربية بالمنوفية.

10-

أ. د. عبد الصبور السيد الغندور أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف.

11-

أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف.

12-

أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أستاذ الأدب المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وكلية التربية بالطائف.

13-

أ. د. سعيد محمد صوابي أستاذ علوم الحديث المشارك بجامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف.

14-

أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن أستاذ التربية الإسلامية المشارك بكلية التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة، وكلية المعلمين بالطائف.

15-

أ. د. السيد أحمد طهطاوي أستاذ أصول التربية المشارك بجامعة أسيوط، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

16-

د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد أستاذ البلاغة والنقد المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة.

17-

د. أحمد علي محمود ربيع أستاذ أصول اللغة المساعد بجامعة الأزهر، وجامعة كوالا لامبور بماليزيا.

18-

د. أحمد كامل محمد صالح أستاذ التاريخ المساعد بكلية دار العلوم بالقاهرة، وكلية التربية بجامعة أم القرى- فرع الطائف.

19-

د. عزت عبد الحميد إبراهيم أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمين بعرعر بالمملكة العربية السعودية.

20-

د. عاصم بدري حسين أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية المعلمات بالطائف.

21-

د. فراج جودة فراج أستاذ الأدب المساعد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكلية التربية بالطائف.

22-

د. يس إبراهيم عفيفي دكتوراة في اللغويات من جامعة الأزهر.

23-

أ. سمير محمد عبد التواب وكيل وزارة الإعلام بالقاهرة سابقا.

24-

أ. صلاح محمد عرفات المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.

25-

أ. محمد أحمد سيد أحمد المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.

26-

أ. محمد إسماعيل السيد أحمد المحاضر بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

27-

أ. ناصر مهلل محمد حامد خريج معهد الدعاة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.

28-

أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط محقق تراث، الجمهورية العربية السورية.

29-

أ. سبيع حمزة حاكمي محقق تراث، الجمهورية العربية السورية.

30-

أ. أحمد شعبان الباسل المحاضر بكلية التربية- فرع جامعة أم القرى- الطائف.

31-

أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي تخصص القراءات (دبلوم في الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق بالقاهرة) .

ص: 4

[محتويات المقدمة]

الموضوع رقم الصفحة

المجلد الأول- الفهرس العام لمحتويات المقدمة والموسوعة أ- ي ط*

- مقدمة الطبعة الثالثة ك- ك ب

- تقديم الناشر (للطبعة الأولى) ك ج- ل هـ

- تقريظ بقلم معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي ل ول ح وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد

- تقريظ فضيلة الدكتور الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين ل ط- م ح عضو هيئة الإفتاء- الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء

- تقديم فضيلة الدكتور الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد م ط- ن ز إمام وخطيب المسجد الحرام وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا (المنهج العلمي للموسوعة)

- تقديم اللجنة اللغوية ن ح- س ب إعداد: أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى

- الحياة والنفس الإنسانية س ج- ف ح إعداد: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير دار الوسيلة للنشر والتوزيع

- الحياة الإيمانية في ضوء علاقة الابتلاء والنفس الإنسانية 1- 50 إعداد: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح

- الأخلاق والقيم التربوية في الإسلام 51- 183

إعداد: أ. د. علي خليل مصطفي أبو العينين أستاذ أصول التربية الإسلامية، وعميد كلية التربية ببنها

- تمهيد 51

- الفصل الأول: مفهوم الأخلاق

أصالتها في الفكر الإسلامي

وظائفها 59

* اعتمدنا في ترقيم الصفحات من (أ) إلى (ف ح) على النظام العربي القديم الذي يستخدم حروف (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت) أرقاما حسابية، حيث أ- 1، ب- 2، ج- 3، د- 4، هـ- 5، و 6، ز- 7، ح- 8، ط- 9، ي- 10، ي أ- 11

إلى ي ط- 19، ك- 20

إلى ك ط- 29، ل- 30

وهكذا. وتعرف هذه الطريقة بطريقة حساب الجمّل. انظر هذه الطريقة في مقدمة لسان العرب وفي القاموس المحيط مادة (ب ج د) .

ص: 5

- الأخلاق اصطلاحا 61

- مفهوم الأخلاق عند ابن تيمية 62

- ابن القيم ومفهوم الأخلاق 63

- تعريفات الأخلاق عند المحدثين 63

- الأخلاق الإسلامية 66

- أصالة الفكر الأخلاقي عند المسلمين 67

- القيم الإسلامية 75

- ماهية القيم 77

- خصائص القيم الإسلامية 81

- تصنيف القيم الإسلامية 83

- بين الأخلاق والقيم 84

- وظائف القيم الخلقية 85

- الفصل الثاني: الأخلاق الإسلامية

طبيعتها

مصادرها

أركانها 89

- طبيعة الأخلاق الإسلامية 89

- الأخلاق الإسلامية ومبدأ التكليف 92

- أركان الفعل الخلقي في الإسلام: 100

- الإلزام الخلقي ومصدره 100

- المسئولية الخلقية 106

- شروط المسئولية الخلقية في الإسلام 109

- الجزاء 112

- الفصل الثالث: المنهج الإسلامي في تنمية القيم الخلقية 121

- هل تكتسب الأخلاق؟ 121

- منهج الإسلام في تنمية القيم الخلقية 127

ص: 6

- كيفية تكوين القيم الخلقية 132

- الفصل الرابع: وسائل تنمية الأخلاق الإسلامية 137

- مفهوم الوسيلة التربوية 137

- شروط الوسيلة 138

- وسائل تنمية القيم الإسلامية 139

القصة في الحديث الشريف 156

- الفصل الخامس: وسائط تنمية الأخلاق 163

- الأسرة 163

- جماعة الأقران 169

- المسجد 171

- المدرسة 175

- وسائل الإعلام 179

السيرة النبوية العطرة 184- 414

- الأخلاق ودراسة السيرة 184

- مصادر دراسة السيرة النبوية 185

- بيئة الدعوة 188

- نسبه وصفته صلى الله عليه وسلم 193

- أسماؤه صلى الله عليه وسلم 194

- مولده صلى الله عليه وسلم 195

- زواجه صلى الله عليه وسلم بخديجة بنت خويلد 198

- الحكم الأمين 200

- الصادق الأمين 201

ص: 7

- ارهاصات البعثة 201

- نزول الوحي والبعثة النبوية 205

- الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها الفكرية 208

- مرحلة الدعوة السرية 213

- بدء الجهر بالدعوة 215

- لغة القرآن 218

- الدعوة في مكة 220

- أذى المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم 227

- لجوء قريش إلى المفاوضات 229

- اتباع قريش أسلوب الترغيب للرسول صلى الله عليه وسلم 231

- اتباع قريش أسلوب الترهيب للرسول صلى الله عليه وسلم 231

- الهجرة الأولى إلى الحبشة 236

- محاولة قريش استرداد المهاجرين المسلمين 239

- المقاطعة ودخول المسلمين شعب أبي طالب 243

- وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها 244

- رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف 245

- الإسراء والمعراج 246

- عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل 251

- بيعة العقبة الأولى 253

- بيعة العقبة الثانية 253

- الهجرة إلى يثرب 255

- بناء المسجد النبوي 263

- تنظيم الأمة بعد الهجرة 266

- إعلان دستور المدينة (وثيقة التحالف بين المهاجرين والأنصار) 270

- الجهاد وانتشار الإسلام 272

ص: 8

- تأسيس الدولة الإسلامية 275

- طلائع حركة الجهاد 282

- تحويل القبلة إلى الكعبة 285

- غزوة بدر الكبرى 286

- النشاط العسكري الإسلامي بين بدر وأحد 295

- غزوة بني قينقاع 296

- غزوة السويق 297

- غزوة أحد 300

- سرية بئر معونة 315

- غزوة بني النضير 316

- غزوة المريسيع (بني المصطلق) 320

- غزوة الخندق (الأحزاب) 323

- غزوة بني قريظة 328

- غزوة الحديبية 334

- رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء 343

- غزوة خيبر 349

- عمرة القضاء 355

- سرية مؤتة 359

- سرية ذات السلاسل 361

- غزوة فتح مكة 363

- غزوة حنين 375

- غزوة الطائف 380

- غزوة تبوك (جيش العسرة) 386

- توحيد الجزيرة العربية تحت حكم الرسول صلى الله عليه وسلم 395

- عام الوفود 396

ص: 9

- حج أبي بكر بالناس 398

- حجة الوداع 400

- بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين 402

- وفاة النبي صلى الله عليه وسلم 402

- ما خلّفه النبي صلى الله عليه وسلم 407

شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم 415- 519

- الصفات الخلقيّة لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم: 415

- وصف جامع 416

- صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم 424

- صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعضائه 426

- صفة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفة لحيته صلى الله عليه وسلم 429

- صفة شعر رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم 430

- صفة شيب النبي الله صلى الله عليه وسلم وخضابه 432

- خاتم النبوة 435

- الكمالات والخصائص التي انفرد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: 439

أولا: الكمالات: 439

الوجه الأول: كمال الخلق 439

الوجه الثاني: كمال الخلق 440

الوجه الثالث: فضائل الأقوال 442

الوجه الرابع: فضائل الأعمال 444

ثانيا: الخصائص: 447

القسم الأول: الخصائص التي انفرد بها صلى الله عليه وسلم عن بقية الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: 449

النوع الأول: ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الخصائص لذاته في الدنيا 450

ص: 10

النوع الثاني: ما اختص به صلى الله عليه وسلم لذاته في الآخرة 469

- النوع الثالث: ما اختص به صلى الله عليه وسلم في أمته في الدنيا 480

النوع الرابع: ما اختص به صلى الله عليه وسلم في أمته في الآخرة 494

القسم الثاني: الخصائص التي انفرد بها صلى الله عليه وسلم عن أمته: 503

النوع الأول: ما حرم عليه صلى الله عليه وسلم دون غيره 503

النوع الثاني: ما أبيح له صلى الله عليه وسلم دون غيره 507

النوع الثالث: ما وجب عليه صلى الله عليه وسلم دون غيره 511

النوع الرابع: ما اختص به صلى الله عليه وسلم عن أمته من الفضائل والكرامات 511

معجزات ودلائل نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم 520- 554

- المعجزة على ضربين 520

- المعجزة الكبرى 521

- الإسراء والمعراج 526

- انشقاق القمر 528

- تكثيره الماء ونبعه من بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه وسلم 528

- تكثيره الطعام والشراب صلى الله عليه وسلم 530

- دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق ببعض الحيوانات 533

- معجزاته صلى الله عليه وسلم في أنواع الجمادات 534

- عصمته من الناس صلى الله عليه وسلم 537

- إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم 539

- إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات 542

- ظهور الإسلام وعلوه 546

- ملك أمة محمد وممالكها 547

- إفحام أهل الكتاب 552

ص: 11

الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم 555- 610

- صيغ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم 555

- مواطن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم 558

- فضائل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم 567

- الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم 571

- بيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 577

- صلاة الله على عبده 578

- معنى اسم النبي صلى الله عليه وسلم واشتقاقه 580

- معنى الآل واشتقاقه وأحكامه 586

- فصل في آل النبي صلى الله عليه وسلم 588

- أزواجه صلى الله عليه وسلم 589

- فصل في ذكر إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم 595

- مسألة مشهورة (أفضلية محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه السلام 598

- معنى قوله: «اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد» 600

- فصل في اختتام هذه الصلاة بهذين الاسمين من أسماء الرب سبحانه وتعالى: الحميد والمجيد 606

- الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم 608

- الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم 608

- مسألة في هل يصلّى على آله صلى الله عليه وسلم منفردين عنه 609

ص: 12

[محتويات الموسوعة]

م اسم الصفة رقم الصفحة

الصفات المستحبة:

المجلد الثاني حرف الألف 1 الابتهال 1

2 الاتباع 10

3 الاجتماع (الاتحاد) 42

4 الاحتساب 54

5 الإحسان 67

6 الإخاء 92

7 الإخبات 118

8 الإخلاص 124

9 الأدب 141

10 الإرشاد 171

11 الاستئذان 181

12 الاستخارة 196

13 الاستعاذة 201

14 الاستعانة 227

15 الاستغاثة 241

16 الاستغفار 252

17 الإستقامة 303

18 الإسلام 320

م اسم الصفة رقم الصفحة

19 الأسوة الحسنة 349

20 الإصلاح 364

21 الاعتبار 379

22 الاعتذار 388

23 الإعتراف بالفضل 397

24 الاعتصام 410

25 الإغاثة 417

26 إفشاء السلام 431

27 إقامة الشهادة 467

28 أكل الطيبات 485

29 الألفة 494

المجلد الثالث تابع حرف الألف 30 الأمانة 507

31 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 525

32 الإنابة 540

33 الإنذار 547

34 الإنصاف 576

35 الإنفاق 598

36 الإيثار 629

37 الإيمان 641

حرف الباء

38 البر 750

ص: 13

م اسم الصفة رقم الصفحة

39 بر الوالدين 767

40 البشارة 780

41 البشاشة 812

42 البصيرة والفراسة 823

43 البكاء 833

حرف التاء 44 التأمل 843

45 التأني 864

46 التبتل 872

47 التبليغ والتبيين 876

48 التبين (التثبت) 901

49 التدبر 909

50 التذكر 916

51 تذكر الموت 931

52 التذكير 968

53 التسبيح 980

54 التعارف 1004

55 التعاون على البر والتقوى 1008

56 تعظيم الحرمات 1028

57 التفاؤل 1045

م اسم الصفة رقم الصفحة

المجلد الرابع تابع حرف التاء 58 تفريج الكربات 1050

59 التفكر 1065

60 التقوى 1079

61 التكبير 1121

62 تكريم الإنسان 1135

63 تلاوة القرآن 1176

64 التناصر 1230

65 التهليل 1245

66 التواضع 1255

67 التوبة 1269

68 التوحيد 1296

69 التودد 1343

70 التوسط 1352

71 التوسل 1367

72 التوكل 1377

73 التيسير 1399

74 التيمن 1420

حرف الثاء 75 الثبات 1437

76 الثناء 1450

حرف الجيم 77 جهاد الأعداء 1481

78 الجود 1506

ص: 14

م اسم الصفة رقم الصفحة

حرف الحاء 79 الحجاب 1514

80 الحج والعمرة 1529

81 الحذر 1553

المجلد الخامس تابع حرف الحاء 82 حسن الخلق 1569

83 حسن السمت 1587

84 حسن الظن 1596

85 حسن العشرة 1609

86 حسن المعاملة 1623

87 حفظ الأيمان 1639

88 حفظ الفرج 1654

89 حق الجار 1665

90 الحكمة 1677

91 الحكم بما أنزل الله 1706

92 الحلم 1735

93 الحمد 1753

94 الحنان 1782

95 الحوقلة 1789

م اسم الصفة رقم الصفحة

96 الحياء 1795

97 الحيطة 1815

حرف الخاء 98 الخشوع 1824

99 الخشية 1838

100 خفض الصوت 1857

101 الخوف 1866

حرف الدال 102 الدعاء 1901

103 الدعوة إلى الله 1945

حرف الذال 104 الذكر 1961

حرف الراء 105 الرأفة 2014

106 الرجاء 2022

107 الرجولة 2041

المجلد السادس تابع حرف الراء 108 الرحمة 2061

109 الرضا 2103

110 الرغبة والترغيب 2125

111 الرفق 2157

112 الرهبة والترهيب 2169

ص: 15

م اسم الصفة رقم الصفحة

حرف الزاي 113 الزكاة 2196

114 الزهد 2217

حرف السين 115 الستر 2235

116 السخاء 2252

117 السرور 2260

118 السكينة 2267

119 السّلم 2272

120 السماحة 2287

121 السماع 2301

حرف الشين 122 الشجاعة 2322

123 الشرف 2344

124 الشفاعة 2365

125 الشفقة 2385

126 الشكر 2393

127 الشهامة 2420

128 الشورى 2426

حرف الصاد 129 الصبر والمصابرة 2441

130 الصدق 2473

131 الصدقة 2517

م اسم الصفة رقم الصفحة

132 الصفح 2530

133 الصلاة 2536

134 الصلاح 2585

المجلد السابع تابع حرف الصاد 135 صلة الرحم 2614

136 الصمت وحفظ اللسان 2633

137 الصوم 2645

حرف الضاد 138 الضراعة والتضرع 2663

حرف الطاء 139 الطاعة 2672

140 طلاقة الوجه 2699

141 الطمأنينة 2702

142 الطموح 2713

143 الطهارة 2719

حرف العين 144 العبادة 2741

145 العدل والمساواة 2790

146 العزة 2819

147 العزم والعزيمة 2849

148 العطف 2865

149 العفة 2872

ص: 16

م اسم الصفة رقم الصفحة

150 العفو والغفران 2889

151 العلم 2911

152 علو الهمة 2983

153 العمل 3010

154 عيادة المريض 3052

حرف الغين 155 غض البصر 3070

156 الغيرة 3077

حرف الفاء 157 الفرار إلى الله 3086

158 الفرح 3093

159 الفضل 3107

المجلد الثامن تابع حرف الفاء 160 الفطنة 3126

161 الفقه 3137

حرف القاف 162 القسط 3153

163 القصاص 3161

164 القناعة 3167

165 القنوت 3176

166 القوة والشدة 3188

167 قوة الإرادة 3196

م اسم الصفة رقم الصفحة

حرف الكاف 168 كتمان السر 3203

169 الكرم 3214

170 كظم الغيظ 3236

171 كفالة اليتيم 3245

172 الكلم الطيب 3265

حرف اللام 173 اللين 3295

حرف الميم 174 مجاهدة النفس 3303

175 محاسبة النفس 3317

176 المحبة 3325

177 المداراة 3357

178 المراقبة 3367

179 المروءة 3373

180 المسارعة في الخيرات 3387

181 المسئولية 3400

182 المعاتبة والمصارحة 3418

183 معرفة الله- عز وجل 3433

184 المواساة 3458

حرف النون 185 النبل 3470

186 النزاهة 3475

ص: 17

م اسم الصفة رقم الصفحة

187 النشاط 3485

188 النصيحة والتواصي 3489

189 النظام 3508

190 النظر والتبصر 3515

حرف الهاء 191 الهجرة 3544

192 الهدى 3567

حرف الواو 193 الورع 3616

194 الوعظ 3627

195 الوفاء 3638

196 الوقار 3669

197 الوقاية 3675

198 الولاء والبراء 3685

حرف الياء 199 اليقظة 3712

200 اليقين 3717

الصفات المذمومة:

المجلد التاسع حرف الألف 1 الابتداع 3731

2 اتباع الهوى 3751

م اسم الصفة رقم الصفحة

3 الأثرة 3771

4 الإجرام 3780

5 الإحباط 3796

6 الاحتكار 3808

7 الأذى 3811

8 الإرهاب 3828

9 الإساءة 3837

10 الاستهزاء 3872

11 الإسراف 3884

12 الإصرار على الذنب والعناد 3896

13 إطلاق البصر 3905

14 الإعراض 3912

15 الاعوجاج 3927

16 الافتراء 3935

17 إفشاء السر 3946

18 الإفك 3958

19 أكل الحرام 3969

20 الإلحاد 3980

21 الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف 3987

22 الإمعة 3995

23 الأمن من المكر 3999

24 الانتقام 4006

ص: 18

م اسم الصفة رقم الصفحة

25 إنتهاك الحرمات 4016

26 الإهمال 4025

حرف الباء 27 البخل 4029

28 البذاءة 4047

29 البذاذة 4060

30 البطر 4068

31 البغض 4073

32 البغي 4084

33 البلادة (عدم الفقه) 4097

34 البهتان 4107

حرف التاء 35 التبذير 4113

36 التبرج 4120

37 التجسس 4129

38 التحقير والاشمئزاز 4133

39 التخاذل 4139

40 التخلف عن الجهاد 4145

41 ترك الصلاة 4159

42 التسول 4168

43 التشامل 4174

44 التطفيف 4183

45 التطير 4190

46 التعاون على الإثم والعدوان 4200

م اسم الصفة رقم الصفحة

47 التعسير 4208

48 التفرق 4217

49 التفريط والإفراط 4229

50 التكاثر 4237

51 التكلف 4250

52 التناجش 4257

53 التنازع 4265

54 التنصل من المسئولية والتهرب منها 4280

55 التنفير 4296

56 التهاون 4301

57 التولي 4307

حرف الجيم 58 الجبن 4320

59 الجحود 4326

60 الجدال والمراء 4338

61 الجزع 4350

62 الجفاء 4358

63 الجهل 4366

ص: 19

م اسم الصفة رقم الصفحة

المجلد العاشر

حرف الحاء 64 الحرب والمحاربة 4390

65 الحزن 4407

66 الحسد 4417

67 الحقد 4430

68 الحكم بغير ما أنزل الله 4441

69 الحمق 4449

حرف الخاء 70 الخبث 4459

71 الخداع 4470

72 الخنوثة والتخنث 4477

73 الخيانة 4482

حرف الدال 74 الدياثة 4498

حرف الذال 75 الذل 4502

حرف الراء 76 الربا 4516

77 الردة 4532

78 الرشوة 4542

79 الرياء 4551

حرف الزاي 80 الزنا 4568

81 الزندقة 4584

حرف السين 82 السحر 4589

83 السخرية 4602

م اسم الصفة رقم الصفحة

84 السخط 4615

85 السرقة 4625

86 السفاهة 4634

87 سوء الخلق 4642

88 سوء الظن 4652

89 سوء المعاملة 4673

حرف الشين 90 الشح 4685

91 شرب الخمر 4695

92 الشرك 4709

93 الشك 4751

94 الشماتة 4769

95 شهادة الزور 4774

حرف الصاد 96 صغر الهمة 4781

ص: 20

م اسم الصفة رقم الصفحة

حرف الضاد 97 الضعف 4787

98 الضلال 4795

حرف الطاء 99 الطغيان 4834

100 الطمع 4846

101 طول الأمل 4857

102 الطيش 4868

حرف الظاء 103 الظلم 4871

حرف العين 104 العبوس 4927

105 العتو 4932

106 العجلة 4941

107 العدوان 4955

108 العصيان 4972

109 عقوق الوالدين 5011

110 العنف والإكراه 5018

المجلد الحادي عشر حرف الغين 111 الغدر 5025

112 الغرور 5047

113 الغش 5069

114 الغضب 5076

115 الغفلة 5098

116 الغل 5109

117 الغلو 5114

118 الغلول 5128

119 الغي والإغواء 5142

120 الغيبة 5162

م اسم الصفة رقم الصفحة

حرف الفاء 121 الفتنة 5178

122 الفجور 5219

123 الفحش 5231

124 الفساد 5236

125 الفسوق 5261

126 الفضح 5270

حرف القاف 127 القتل 5284

128 القدوة السيئة 5300

129 القذف 5311

130 القسوة 5323

131 قطيعة الرحم 5329

132 القلق 5338

ص: 21

م اسم الصفة رقم الصفحة

133 القنوط 5344

حرف الكاف 134 الكبر والعجب 5352

135 الكذب 5381

136 الكرب 5431

137 الكسل 5438

138 الكفر 5443

139 الكنز 5510

حرف اللام 140 اللغو 5521

141 اللهو واللعب 5527

142 اللؤم 5540

حرف الميم 143 المجاهرة بالمعصية 5547

144 المكر والكيد 5556

145 المن 5563

146 موالاة الكفار 5570

147 الميسر 5583

حرف النون 148 النجاسة 5589

149 النجوى 5598

150 النفاق 5604

م اسم الصفة رقم الصفحة 151 نقض العهد 5631

152 النقمة 5645

153 نكران الجميل 5653

154 النميمة 5665

حرف الهاء 155 الهجاء 5672

156 الهجر 5681

157 هجر القرآن 5691

حرف الواو 158 الوسوسة 5701

159 الوهم 5710

160 الوهن 5714

حرف الياء 161 اليأس 5724

ص: 22

مسلسل الفهرس رقم الصفحة

المجلد الثاني عشر 1 مقدمة الفهارس 1

2 فهرس المحتويات 6

3 فهرس الشواهد القرآنية 17

4 فهرس الأحاديث النبوية 120

5 فهرس الآثار وأقوال العلماء والمفسرين 256

6 فهرس الأعلام 371

7 فهرس المصطلحات 444

8 فهرس الفروق اللغوية 457

9 فهرس الوجوه والنظائر 459

10 فهرس الأحكام الشرعية وآداب السلوك 461

11 فهرس الحكم والأمثال 464

12 فهرس الأشعار والأرجاز 466

13 فهرس الأمم والقبائل والجماعات 491

14 فهرس الأماكن والبلدان 500

15 فهرس الإحالات 511

16 فهرس المصادر والمراجع 517

ص: 23

[تقديم الناشر]

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الموسوعة: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم

الأهداف والطموحات، بقلم: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا، الحمد لله رب العالمين الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والإيمان والإحسان، الحمد لله الذي منّ علينا بهذا الفضل العظيم وشرّفنا بالقيام بإعداد هذه الموسوعة التي بين أيدينا والتي استغرقنا في إعدادها تسع سنوات وجمعنا محتوياتها من أكثر من ألف ومائة مصدر، ويسّر لنا الصحة والوقت والمال والإخوة الصالحين لإعانتنا على إتمام هذا العمل «1» ، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العلى فهو أحق من ذكر وأحق من شكر وأحق من عبد وأحق من حمد وأجود من سئل وأكرم من قصد وأوسع من أعطى

وبعد:

فهذه الموسوعة التي نتشرف بتقديمها للعالم الإسلامي، وللعالم أجمع هي موسوعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، قال تعالى:

وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «2» .

ولما كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن- كما أخبرت بذلك أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها «3» ، فإنها تصبح بذلك موسوعة الأخلاق الإسلامية كما جاء بها القرآن الكريم، وكما تجسدت عمليا من خلال تطبيق متكامل في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة. فوصفه الله عز وجل بقوله:

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «4» .

والخلق هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب حتى يصير كالخلقة فيه فسمي خلقا ولهذا قال عبد الله بن مسعود: «إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته» «5» .

(1) مر العمل في الموسوعة خلال هذه السنوات التسع بثلاث مراحل هي:

أ- مرحلة الإعداد، وقد تولى الإشراف عليها فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا.

ب- مرحلة المراجعة والضبط، بإشراف أ. د علي خليل مصطفى أبو العينين وكيل كلية التربية للدراسات العليا بجامعة الزقازيق فرع بنها.

ج- مرحلة التدقيق والفهرسة، بإشراف أ. د عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ اللغويات بجامعتي الأزهر وأم القرى.

(2)

الأنبياء/ 107.

(3)

جاء ذلك في الحديث الذي رواه مسلم (حديث رقم 746) حيث قالت أم المؤمنين: «إن خلق نبي الله كان القرآن» .

(4)

القلم/ 4.

(5)

انظر صفة الأدب (2/ 141) من هذه الموسوعة.

ص: 24

لقد شاء المولى أن أسمي هذه الموسوعة بهذا الاسم «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم» لما يحدث التحلي بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، عامة والدعوة إلى الله تعالى بصفة خاصة، من نضرة في الوجه يتجلى نورها على الإنسان فينشرح صدره وتطيب نفسه ويناله نصيب من دعائه صلى الله عليه وسلم:«نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها» «1» ، وقد أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر فقال:«بلغوا عني ولو آية» «2» .

إن نضرة الوجه في الدنيا ليست وحدها هي غاية المسلم أو الداعية، وإنما الغاية الأعظم هي التمتع بهذه «النضرة» في نعيم الآخرة أيضا، يقول الله تعالى:

إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ «3» .

من تأمّل هذه الآيات الكريمة يتضح الارتباط بين «البر» وبين «نضرة النعيم» من حيث إن الأبرار هم الذين تعرف النضرة في وجوههم في جنة النعيم، والبر قد عرّفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» «4» . هي إذن موسوعة «البر» وموسوعة «حسن الخلق» في آن واحد.

إن هذا الخلق الحسن، أو الخلق العظيم الذي كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تجسيدا له لابد وأن يتحلّى به كل مسلم يريد أن يحيا حياته متأسيا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، استجابة لقوله تعالى:

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً «5» .

وبذلك تكون هذه الموسوعة هي أيضا موسوعة الحياة التي يبتغى بها وجه الله والدار الآخرة.

إن الواجب على كل مسلم يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحلى بهذه الأخلاق الحميدة، أن يتخلى عن الأخلاق السيئة فينتهي عما نهى الله عنه وعما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على؟ تركه من ذميم الأخلاق وسيء الخصال، ومن هنا كان حرصنا على أن تتضمن هذه الموسوعة الأمرين معا: ما أمر به ونهي عنه في الكتاب والسنة، لقوله عز وجل:

وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «6» . وما كان الأمر كذلك إلا لأن القلب أو النفس يتنازعهما دائما وازع الخير (من الله تعالى) بما أودعه من فطرة وأمده من حفظ الملائكة، ووازع الشر (من الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء) ، ولكي يتحلى الإنسان بالفضيلة فلا بد أن يتخلى عن الرذيلة، ولكل جزاؤه المحدد في قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «7» .

(1) سنن الترمذي، حديث رقم 2628، وانظر صفة الدعوة إلى الله ج 5، ص 1957.

(2)

البخاري- الفتح، حديث رقم 3461، وانظر ج 5، ص 1955 من هذه الموسوعة.

(3)

المطففين/ 22- 24.

(4)

رواه مسلم، حديث رقم (2553) ، وانظر صفة البر من هذه الموسوعة.

(5)

الأحزاب/ 21.

(6)

الحشر/ 7.

(7)

الزلزلة/ 7- 8.

ص: 25

‌الحاجة لهذه الموسوعة:

إنه لما كان البر وحسن الخلق متلازمين مصداقا لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم «البرّ حسن الخلق» فإن محاسن الأخلاق ومكارمها ينبغي أن تكون من الوضوح بمكان، ولكن أين نجد ذلك من بين ما لا يحصى من صفحات أمهات كتب الفضائل والآداب والأحكام ونحوها؟ وأين نقف على التحديد الدقيق لمعنى هذه الصفة أو تلك؟

في القرآن الكريم، نعم، في كتب الحديث الشريف، نعم، في كتب السيرة النبوية، نعم، في معاجم اللغة وكتب آثار السلف الصالح رحمهم الله، نعم، ولكن أنّى للمسلم أن يقف على ذلك كله في وقت معقول وبوسيلة مناسبة؟ إن كتب السلف الصالح رحمهم الله على كثرتها وتنوعها لا تفي وحدها بالغرض المطلوب لتناثر الصفات بها من ناحية، واختلاف أسلوبها من ناحية ثانية، أما كتب المحدثين فإنها- في الغالب- قد اقتصرت على صفات معيّنة يغلب عليها طابع الانتقاء، وهنا كان التفكير في أن نوجد في المكتبة الإسلامية، ما تفتقر إليه من وجود مرجع موحد شامل، لما هو مشتت في مئات الكتب، أي إيجاد عمل موسوعي يضم شتات صفات التربية الإسلامية وقيمها لما أمر به وما نهي عنه في الكتاب والسنة في مصدر موثق صحيح، يعيد عرضها على نحو منظم ومتكامل، وبأسلوب قريب سهل التناول يناسب عامة الناس في هذا العصر بحيث يسهل على الآباء أن يفهموها ويفهموها أبناءهم، وعلى المدرسين أن يعلموها تلاميذهم، وعلى الخطباء والدعاة أن يوضحوها لمن يتلقى عنهم ويستمع إليهم، وعلى رجال الصحافة والإذاعة وغيرهما من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية أن ينشروها بين الناس، ويوفروا بذلك قدرا هائلا من المعلومات الصحيحة والمركزة مما يساعد على رفع مستوى جودة المعلومات لديهم، ويعطي مرونة كبيرة في اختيار المادة العلمية وطريقة عرضها.

إن المسلم والداعية المتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، لابد أن يدعو نفسه أولا إلى التمسك بالخلق الحميد ويربيها على ذلك في أفعاله وأقواله، وكل ذلك اقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحبا له، فإذا أحبه وجد حلاوة الإيمان، بل اكتمل بذلك إيمانه لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار» «1» .

وقوله صلى الله عليه وسلم عن أنس- رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» «2» .

ومن اكتمل إيمانه، حسن خلقه مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:«أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «3» . ومن باب المحبة لله عز وجل الإيمان به والمحبة لرسوله صلى الله عليه وسلم والتصديق بما جاء به، تؤخذ محبة الخلق والتأدب معهم ومعاملتهم بالإحسان وحسن الخلق، ولنا أن نتأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» «4» .

(1) البخاري- الفتح 1 (21) ، ومسلم (43) .

(2)

البخاري- الفتح 1 (15) ، ومسلم (45) .

(3)

انظر هذا الحديث بتمامه في صفة حسن الخلق (5/ 1575) ، وقد خرّجناه هناك.

(4)

البخاري- الفتح (1/ 13) .

ص: 26

وبهذا يكون الداعية من الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بذلك يحمل برهان حب الله له قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ «1» ، وإذا أحب الله العبد حبب فيه الناس، ووضع له القبول في الأرض مصداق ذلك ما جاء في الحديث الشريف:«إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض» «2» .

فإذا ربّى الإنسان نفسه على حب الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، توجه إلى أهله وأبنائه وعشيرته الأقربين فدعاهم لما يحييهم ويضمن لهم الفوز في الدنيا والآخرة، ثم توجه بالدعوة بعد ذلك لكل من يستطيع دعوتهم. وهذا هو عين الخير وحسن الخلق وكمال الإيمان، وثمرة ذلك كله هو القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنة النعيم لقوله صلى الله عليه وسلم:

«إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» «3» .

ولكي تؤتي هذه الدعوة ثمارها المرجوة فإن على الدعاة أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في:- أ- أن تكون الدعوة على بصيرة وعلم، يقول الله تعالى:

قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي «4» .

قيل في تفسير البصيرة هي اليقين والحق «5» . وهذه البصيرة إنما تتحقق بالتفقه في الدين، الذي هو دليل إرادة الخير للداعية، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» «6» .

ب- أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، مصداقا لقوله تعالى:

ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ «7» .

حيث حثه ربه على أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمين إلى يوم القيامة «8» ، ويقول الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ «9» .

هي إذن موسوعة للدعوة، ومنهاج للدعاة تزودهم بالبصيرة وتمدهم بالحكمة من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله وتوجيهاته، وهي في الوقت نفسه موسوعة لتربية النفوس، وتربية الأجيال على الإيمان الصادق والإسلام الصحيح، والإحسان المرجو، وبعبارة أوجز هي موسوعة «التربية الدينية» الصحيحة لأنها تعتمد على ما جاء به القرآن الكريم ودعت إليه السّنّة النبوية المطهرة. لذا كان من الوضوح بمكان تفسير قوله تعالى لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم:

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ

(1) آل عمران/ 31.

(2)

البخاري- الفتح 13 (7485) ، ومسلم (2637) .

(3)

رواه الترمذي (2018) وقال: حديث حسن، وانظر صفات المحبة وحسن الخلق والأدب.

(4)

يوسف/ 108.

(5)

تفسير القرطبي، (9/ 274) .

(6)

البخاري- الفتح، حديث رقم 71.

(7)

النحل/ 125.

(8)

انظر تفسير القرطبي (10/ 200) .

(9)

آل عمران/ 159.

ص: 27

معناه: وإنك لعلى دين عظيم من الأديان، وليس هناك دين أحب إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه لقوله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ «1» .

هي إذن موسوعة الدعاة إلى الله- عز وجل هؤلاء الذين وصفهم الله- عز وجل وهو مالك خزائن الحسن والإحسان، بأنهم أحسن الناس قولا، يقول سبحانه:

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ «2» .

ولكم أيها الأخوة والأخوات الوقوف على هذه الآية والتأمل والتدبر في معناها وقتا طويلا لتعرفوا كم نحن مقصرون في أداء واجب حمل الأمانة التي حمّلنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبلاغ الدعوة أداء لحق الوراثة في هذا التبليغ «3» .

فأين نحن من الاقتداء بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة صحابته الكرام الذين اقتدوا به في الدعوة إلى الله وهم الذين تفرقوا بين مشارق الأرض ومغاربها وتوفوا في أبعد الأمصار في سبيل رفع كلمة الله؟

نحن أحفاد الصحابة- رضي الله عنهم فأين نحن إذا من رفع راية هذا الشرف العظيم؟

‌أهداف الموسوعة وتحديات المستقبل:

يقول بعض علماء السلف الصالح: «إنه إذا كان شرف المطلوب بشرف نتائجه، وعظم خطره بكثرة منافعه، وبحسب منافعه تجب العناية به، وعلى قدر العناية به يكون اجتناء ثمرته، ولما كان أعظم الأمور خطرا وقدرا، وأعمها نفعا ورفدا، ما استقام به أمر الدين والدنيا وانتظم به صلاح الآخرة والأولى» .

لما كان الأمر كذلك وجب أن نضع نصب أعيننا التحديات الآتية:- أولا: إن موضوع الحفاظ على القيم الأخلاقية والمثل العليا في المجتمعات الإنسانية عامة، والإسلامية بصفة خاصة هو موضوع الساعة، ذلك أن هذه القيم باتت مهددة نتيجة للانحلال الفكري والثقافي المتواصل نتيجة الصراع بين المثل العليا والتطور الإنساني الذي انصرف إلى تنمية مقدرات ومهارات الإنسان العلمية والتقنية ليلحق لاهثا بسير ركب التقدم التقني وذلك على حساب إهمال دور القيم المتعلقة بأمور الدين والعقيدة وحياة الفرد والأسرة والمجتمع، وهذا هو الطغيان وإيثار حب الحياة الدنيا الذي ذمه الله تعالى بقوله: فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى «4» .

فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ «5» .

وهو الضلال الذي وصفه عز وجل بقوله:

الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً «6» .

(1) آل عمران/ 85.

(2)

فصلت/ 33.

(3)

انظر كلمات معالي الدكتور عبد الله التركي وزير الشئون الإسلامية، وفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، وختام كلمة فضيلة الدكتور الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد في أهمية الدعوة إلى الله.

(4)

النازعات/ 37- 39.

(5)

الأنعام/ 44.

(6)

الكهف/ 104.

ص: 28

وسبب الضلال عن طريق الحق هو أن ابتغاء الحياة الدنيا أصبح هو الهدف المسيطر دون إيجاد التوازن المنشود بين الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ «1» . لذا حدث الانحلال الذي أخذت تنهار أمام هجماته الشرسة صروح القيم ومكارم الأخلاق الإنسانية التي عرفتها الشعوب منذ الأزل، وأخذت الحضارة الإنسانية تهتز من قواعدها، وأصبحت القيم العليا تحني رأسها خجلا من واقع مرير تحكمت فيه الشبهات والأهواء النفسية والشهوات الجسدية من ناحية، والأهداف المادية والنفعية من جهة أخرى.

وإذا نظرنا إلى عالم اليوم وجدنا الشبهات تغلبه وتعمه، فأغلب المجتمعات يعمها الشرك والكفر والإلحاد، فمنهم من يعبد ما صنعت يداه من تماثيل وأصنام، ومنهم من يعبد الحيوان والشجر، ومنهم من يعبد الشمس والقمر والكواكب، ومنهم من يعبد النار، ومنهم ملحد خاو لا يعبد شيئا، هذا من ناحية الشبهات، أما من ناحية الشهوات فحدث ولا حرج عن انتشار تعاطي الخمور والمخدرات وانتشار دور الميسر والدعارة تحت رعاية الجريمة المنظمة وغير المنظمة، إضافة إلى انتشار المعاملات الربوية التي تئن تحت وطأتها شعوب كثيرة وتنهار أمام جبروتها مؤسسات ودول في مناطق عديدة من العالم، وهذا الوضع المخزي أدى بطبيعة الحال إلى الانحلال الفكري والخلقي وتفكك الترابط الأسري وكثرة حالات الطلاق والإجهاض والأطفال غير الشرعيين إضافة إلى تفشي جرائم العنف والأمراض المعدية والأمراض النفسية الخطرة في كثير من المجتمعات. قال تعالى:

ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ «2» .

من هنا فإنه لا مجال لمقاومة هذا الانهيار إلا بالرجوع إلى أسس الفضيلة المتمثلة في مكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره الرحمة المهداة والنعمة المسداة للبشرية جمعاء، يقول الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ «3» .

إن الرجوع إلى الصراط المستقيم يقتضي أن نتخذ من أخلاقه العظيمة أساسا للتربية الإسلامية، حتى نستطيع التصدي لمخاطر هذا الانحلال الفكري والثقافي، يقول الله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ «4» ، ويقول سبحانه: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «5» . فالعالم الإنساني لا نور له ولا رحمة فيه إذا هو تجرد عن الأخلاق وإن أزمات الحضارات ما اندثر منها وما بقي إنما يعود إلى انحلال الأخلاق «6» .

ثانيا: أن نضع في اعتبارنا أن هناك ثورة هائلة في عالم الاتصالات، وسرعة مذهلة في إيقاع الحياة العصرية هذه الثورة، وتلك السرعة، جعلتا الكون كله قرية صغيرة يلهث فيها الأفراد وراء المعلومات السهلة الميسرة، وعلى ضوء هذه المستجدات سنحت فرصة حقيقية وطيبة سخرها الله تعالى وقادها لنا من أجل تقديم قيم أخلاق التربية

(1) القصص/ 77.

(2)

الروم/ 41.

(3)

الشورى: 52- 53.

(4)

الأحزاب/ 21.

(5)

الأنبياء/ 107.

(6)

شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في ضوء المقاييس الإنسانية، د. عبد الحليم عويس، ص 31.

ص: 29

الإسلامية على نحو سهل وميسر، في شكل منظومة مترابطة الحلقات، متكاملة الأهداف، تشكل مدخلا حقيقيّا لمواجهة هذا التحدي الحضاري والتغلب عليه بالوسائل المناسبة في عصر سرعة المعلومات، وهذا ما حاولناه بالفعل في هذه الموسوعة بأن أوجدنا الذخيرة العلمية للقاعدة المعلوماتية اللازمة لخوض هذا التحدي.

ثالثا: أن نعلم أن الدعوة إلى الله- عز وجل بأسلوب عصري يتمشى مع مقتضيات العصر ومتطلباته من حيث السرعة والإمكانات، ليست بالأمر السهل أو اليسير إذ يتطلب ذلك أن يتبنى ذوو الهمم العالية وأولو العزم ما تجسده هذه الموسوعة من معان سامية، ويقوموا بدعمها بقوة، توازي- إن لم تفق- قوة الخطر الداهم الذي يحيط بالعالم الإسلامي والعالم أجمع من كل حدب وصوب، وهذا هو ما نرجوه ونتوقعه بإذن الله.

رابعا: إن خطر الحضارة المادية على القيم الإنسانية الرفيعة وفتنة شبهاتها وشهواتها أصبح يهدد كل طفل وفتاة، بل كل رجل وامرأة من خلال تسر بها عبر وسائل الإعلام المختلفة مثل قنوات الأقمار الصناعية والصحف والمجلات التي تغرس انحرافات، لا تتم مقاومتها إلا بتربية إسلامية أصيلة تقوم على التأسي بصاحب الخلق العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتسنى ذلك على نحو كامل وشامل إلا بعون الله- عز وجل وتوكلنا عليه أولا، ثم من خلال طباعة هذه الموسوعة وتوزيعها ونقل معارفها بشتى الوسائل الإعلامية والتعليمية المختلفة ثانيا، بأن تكون هذه العلوم والمعارف في متناول كل مربّ في البيوت والمدارس والجامعات، وبيد كل داعية وخطيب وموجه، وفي مكتبة كل مدرسة ومسجد ومنزل، وبذلك يتحصن الجميع بمكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ضد هذه الغزوة الشرسة ويصمدون أمام تلك الفتن الزائفة.

‌اقتراحات وتوصيات:

وأمام هذه التحديات التي أشرنا إليها والتي لابد أن نضعها نصب أعيننا، ولكي ننجح في التصدي لمخاطر الانحلال الثقافي والفكري من ناحية، ونقوم بواجب الدعوة إلى الله تعالى من ناحية أخرى، فإننا نوصي بما يلي:- أولا: نأمل إن شاء الله أن تدخل قيم أخلاق التربية الإسلامية ضمن مناهج التعليم التخصصي في كليات الدعوة والشريعة وأصول الدين ومعاهد إعداد الدعاة ونحوها من الكليات والمعاهد التي تهتم بأمر الدعوة الإسلامية، وإنشاء تخصص جديد باسم «مكارم الأخلاق النبوية» ضمن الإطار العام لتخصص «أصول التربية الإسلامية» الموجود بالفعل في بعض كليات التربية، بحيث تكون هذه الموسوعة حجر الزاوية في هذا التخصص، ولذلك مزايا عديدة أهمها:

أ- إتاحة الفرصة أمام المعلمين لاختيار موضوعات التربية الإسلامية التي يقومون بتدريسها بحيث تكون متكاملة ومترابطة.

ب- إتاحة الفرصة أمام الخطباء لكي تكون خطبهم متناسقة ومتتابعة على نحو منظم يستغرق شهورا وربما سنوات، على نحو متدرج يكفل الانتقال السلس من صفة لأخرى، مما يجعل خطب يوم الجمعة تتصف بالموضوعية

ص: 30

والإقناع لوجود علاقة وربط بين خطبة هذا الأسبوع مع الأسبوع الذي سبقه والذي سيليه. وبذلك يمكن إحياء رسالة المسجد، ورفع مستوى أداء الخطب التي ستأتي مركزة ومترابطة ومعتمدة على المعلومات الموثقة الصحيحة.

ثانيا: نأمل إن شاء الله تعالى أن تدخل موضوعات الموسوعة ضمن برامج الجامعات والكليات ذات التخصصات المختلفة ومراعاة أهمية تدريس هذه القيم فيها لأن هؤلاء المتعلمين في مختلف التخصصات سيكونون غدا إن شاء الله مدرسين ومسئولين عن نقل هذه المعارف القيمة للجيل الذي سيليهم وبالتالي لابد لهم من أن يحصلوا على هذه العلوم ويحرصوا عليها.

وحبذا لو خصصت المدارس الثانوية دورات في مادة اختيارية تحمل مسمى «الأخلاق الإسلامية» يلتحق بها الطلاب الراغبون في زيادة ثروتهم في مجال الأخلاق، ويتسلحون بها في مواجهة التيارات الهدّامة التي تهب عليهم من كل جانب.

ثالثا: كما نأمل أن تدخل موضوعات الموسوعة ضمن النشاط الثقافي في المدارس وذلك بإجراء مسابقات حول موضوعاتها من ناحية، وتخصيص أسابيع للثقافة الإسلامية يختص كل منها بإحدى مكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم كأن يخصص أسبوع للصدق وآخر للأمانة، وثالث للاستقامة، ورابع لمكافحة الغش

وهكذا.

رابعا: نأمل بعون الله تعالى أن تفتح معاهد تدريب تعقد فيها دورات يلتحق بها من أراد من عامة الناس دون قيد أو شرط، أي بغض النظر عن المؤهل العلمي، أسوة بالدورات التدريبية الأخرى التي تنهض بها معاهد الإدارة، أو معاهد تدريس الحاسب الآلي، وذلك انطلاقا من أن ما يتعلق بمكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم هو في حقيقة الأمر دورة في علوم ومعارف الحياة الإنسانية بأرقى معانيها، ومما يدعم هذا المطلب ويقويه أنه لا توجد حتى الآن قنوات لتغذية المطالب المتزايدة. في ظل الصحوة الإسلامية الحالية. بالمعلومات الصحيحة عن الإسلام، اللهم إلا في الكليات أو المعاهد المتخصصة التي لا يمكن الالتحاق بها إلا وفقا لشروط لا تتيسر سوى لأعداد محدودة من الراغبين في التزود بمثل هذه المعلومات.

إن إعطاء هذه المعلومات الصحيحة عن القيم الإسلامية وأخلاق المسلمين كما جاءت في القرآن الكريم والسنة المطهرة لعامة الناس وفقا لمنهج علمي متكامل أصبح مطلبا ملحّا في عالم اليوم، ولا بد أن تنهض به معاهد تنتشر في كل أرجاء العالم ويلتحق بها كل الراغبين.

وينبغي أن نشدد القول على أن نقطة الضعف المهمة جدّا والتي يجب الانتباه إليها هي أنه في غياب تنظيم عملية تلقي المعلومات في ظل الصحوة الإسلامية العالمية الكبيرة سيظل الباب مفتوحا على مصراعيه لتقديم معلومات مغلوطة ومشوشة بدون منهج علمي محدد أو مرشد يعتمد عليه أو معين يوثق فيه.

إن أساس النجاح في أي عمل هو التخطيط والتنظيم وحسن السيطرة والتوجيه والإدارة، فإذا ما توافرت هذه الأمور في إنشاء تلك المعاهد وأعد لها الإعداد الجيد باستخدام هذه الموسوعة قاعدة لمنهج المعلومات فإن ثمرتها ستعم أرجاء المعمورة كلها بإذن الله تعالى.

ص: 31

خامسا: على المستوى العالمي- وكما هو معروف- فإن دعوة الإسلام رسالة عالمية للناس كافة، ومن ثم ينبغي أن يكون خلقه العظيم صلى الله عليه وسلم أسوة للبشر جميعا يقول الله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ «1» . ولكن كيف للناس في شتى بقاع المعمورة أن يعرفوا هذه القيم النبيلة والأخلاق الرفيعة على الوجه المطلوب؟

لا يتم ذلك إلا بعون الله- عز وجل وتيسيره بترجمة الموسوعة إلى ما يلي:-

(1)

إلى لغات العالم الإسلامي في كل القارات، في آسيا مثل الأوردو والبنغالية والهندية والملاوية والفارسية والصينية، وإفريقيا مثل الهوسا واليوربا والفلاتا والسواحلية. وأوربا مثل الألبانية والبوسنية. وقد انتهينا والحمد لله من الترجمة إلى لغة الأوردو.

(2)

الترجمة إلى اللغات العالمية مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والروسية. ونحن في سبيل المباشرة بالترجمة للغة الإنجليزية وغيرها إن شاء الله.

(3)

الحرص على برمجة هذه المعلومات بمختلف اللغات على الحاسب الآلي وإصدارها في أقراص الليزر ضمن برامج الوسائط المتعددة التي تشمل النص والصوت والصورة. وفي هذا تسهيل لعرضها على شبكة المعلومات (الإنترنت) العالمية.

سادسا: ويتعلق بالتحرك على المستوى العالمي أيضا عقد ندوات عالمية تتخذ من الأخلاق الإسلامية موضوعها الأساسي ويتصل بها عقد مسابقات دولية على غرار مؤتمرات ومسابقات تحفيظ القرآن، وحبذا لو كان ذلك في مدينة الرسول الكريم المدينة المنورة صلى الله عليه وسلم.

‌الثمرات المرجوة:

إن لتنفيذ هذه الخطوات وتحقيق تلك الطموحات السالفة الذكر ثمارا عديدة نجملها فيما يلي:

1-

رفع الوعي العام بأهمية موضوع مكارم الأخلاق لدى شعوب العالم كافة والشعوب الإسلامية بوجه خاص، ويترتب على ذلك تحسين مستوى التعليم ووضع مبادىء التربية الإسلامية في المكان اللائق بين مختلف النظم التربوية في العالم، وسوف تكون الصفات الكريمة التي تضمنتها الموسوعة مجالا خصبا لإعداد المقالات والنشرات في الصحف اليومية والمجلات والبرامج الثقافية في الإذاعة والتليفزيون، ونحو ذلك وهي بذلك تسد ثغرة في المكتبة الإسلامية بما تتيحه من وجود مصدر موحد ومرجع شامل يوفر للمرء كل ما يحتاجه ويتمنى معرفته ابتداء من السيرة النبوية وانتهاء بتفاصيل مكارم الأخلاق النبوية.

(1) سبأ/ 28.

ص: 32

2-

إن تنفيذ التوصيات سالفة الذكر سينجح بإذن الله في سد هذا الفراغ الكبير في الساحة الثقافية والحضارية، إضافة إلى أنه سيغلق الباب أمام تيارات الانحراف والفساد الوافدة على العالم الإسلامي من الخارج، وفي الوقت نفسه يتصدى للإرهاب الفكري للحركات الضالة التي تتستر باسم الإسلام، ويقف سدّا منيعا أمام حركات الغلو والتطرف التي تسعى إلى طرح نفسها بديلا يملأ الفراغ في الساحة الفكرية والثقافية.

والموسوعة إذ تقدم البديل الأمثل المتمثل في مكارم أخلاق سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه الدين الحنيف من المحبة والألفة والتسامح والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، تيسر بإذن الله السبيل لمن أراد أن يدعو إلى نبذ العنف ومحاربة الجهل والظلم وخاصة جهل الإنسان لدينه ولنفسه، وظلمه لها أو للآخرين.

3-

إن تواجد هذه البرامج بقوة على الساحة الدولية سيساعد كثيرا في تحسين مستوى الدعوة إلى الإسلام وتحسين صورة الإسلام التي يشوهها المغرضون، حيث إنه يمكن عرض قيم مكارم أخلاق الدين الإسلامي بديلا للانهيار الخلقي الذي تعاني منه الكثير من الشعوب ويمكن طرح هذا الأمر ليس في المحافل الدينية فحسب بل على منابر المؤتمرات المتخصصة في مجالات التعليم والطب النفسي والتربية والدراسات الاجتماعية ولقاءات حوار الحضارات بين الأمم.

4-

إن سرعة نقل المعلومات وإمكانية التقاطها بيسر وسهولة داخل المنازل عبر شبكة المعلومات (الإنترنت) العالمية ستصبح وسيلة فعّالة لوضع برامج العلوم الإسلامية وخاصة ما يتعلق منها بالأخلاق النبوية الكريمة على قدم المساواة مع بقية العلوم الأخرى، وبذلك تتاح فرصة أكبر لكل تواق إلى المعرفة باحث عن الحقيقة كي يصل إلى غايته بيسر وسهولة وبحمد الله وعونه تم تسجيل عنوان لهذه الموسوعة على شبكة الإنترنت بمسمى «محمد رسول الله» صلى الله عليه وسلم، وهذا العنوان المدون في ظهر صفحة مسمى الموسوعة في أول المجلد هو خطوة أولى لتقديم معلومات الموسوعة عالميّا إن شاء الله.

‌روح الأمل والمستقبل:

أما الثمرة العظمى التي نرجوا قطافها من هذه الموسوعة فهي غرس روح الأمل في مستقبل مشرق يعم العالم الإسلامي، بل العالم كله، إن نحن سرنا على الصراط المستقيم الذي دعانا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأسينا بأخلاقه، وإذا كان الله- عز وجل أخذ ميثاق النبيين بأن يؤمنوا بهذا الرسول وأشهدهم وشهد معهم وينصروه فالأولى بنا الاقتداء بهم، يقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ* فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ* أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ «1» .

(1) آل عمران/ 81- 83.

ص: 33

‌نصر الله وعد الحق:

لقد وعدنا الله بالنصر المبين إذا نحن نصرناه، باتباع دينه والاهتداء بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في تبليغ دعوة الله إلى الخلق وإقامة شريعته، مصداقا لقوله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ «1» .

لقد وعد المولى- عز وجل البشرية كلها بالفلاح والفوز إن هم نصروا رسوله صلى الله عليه وسلم واتبعوا النور الذي أنزل معه، يقول الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «2» ، وبذلك يتحقق خروج العالم مرة أخرى من الظلمات إلى النور، من ظلمات الباطل والجهل والانحلال إلى نور الحق والعلم والتمسك بقيم الخلق العظيم.

وطريقنا إلى هذا النصر الموعود كما أوجزه فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين يتمثل في تقوى الله وفي الصدق في كل شيء، والتمسك بالخلق الحميد، ونصرة الله تعالى، يقول فضيلته في إحدى خطبه الجامعة: اصدقوا الله تعالى في عقائدكم وفي نياتكم في أقوالكم وفي أفعالكم، عاملوا الله تعالى كما أمركم أن تعاملوه به، اعبدوه مخلصين له الدين، التزموا شريعته غير مغالين ولا مفرطين، انصروا الله تعالى بالانتصار على أنفسكم الأمارة بالسوء، والتغلب على أهوائكم التي تهوي بكم إلى النار، انصروا الله تعالى بالغيرة لدينه وحمايته والذود عنه، فإن الله يقول: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «3» .

فيا أمة القرآن، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يا أمة التوحيد والإيمان، إن هذه الآيات الكريمة وهذه الوعود المؤكدة الصادقة كلام ربكم العليم القدير، القوي العزيز، ولقد صدق الله وعده، وأنجز نصره، وهزم الأحزاب وحده، لقد كان ذلك حينما كانت الأمة الإسلامية قائمة بالشرط المشروط عليها للنصر تؤمن بالله ورسوله وتعبد الله وحده لا تشرك به شيئا، تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالنصر من عند الله- عز وجل لأنها تؤمن بأن لله وحده عاقبة الأمور، لا ترهب الأعداء ولا تخاف من قواهم المادية، وإنما تقابل عددهم بشجاعة عددهم بما هو أقوى وأعتى، وأفكارهم وتصرفاتهم الماكرة بما هو أدهى وأنكى، ممتثلين بذلك أمر الله- عز وجل:

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ «4» . معتمدين في ذلك على الله- عز وجل: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «5» .

مؤمنين بقول من بيده ملكوت السماوات والأرض وهو يجير ولا يجار عليه إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ

(1) الحج/ 40.

(2)

الأعراف/ 157.

(3)

النور/ 55.

(4)

الأنفال/ 60.

(5)

آل عمران/ 159.

ص: 34

يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «1» ، «2» .

‌شكر وتقدير:

نتقدم بخالص الشكر والتقدير لصاحب الفضيلة الدكتور الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين عضو هيئة الإفتاء- الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الذي تفضل بقراءة هذه الموسوعة وهي في صورتها الأولية وقدم لها في كلمة وافية عن الإسلام ومكارم الأخلاق والدعوة قال فيها: «ولا شك أنه جهد كبير وعمل واسع، يستدعي بذل الوسع، والحرص على الاستقصاء، ولذلك استغرق الجمع والبذل والكتابة فيها وقتا طويلا رغم توافر الجهود، وكثرة الباحثين، حتى أنتجوا هذا العمل المشكور الذي يرجى نفعه إن شاء الله للمبتدئ والمحتذي، والراعي والرعية، والفرد والمجتمع، فلقد أراحو طالب المشكور الذي يرجى نفعه إن شاء الله للمبتدئ والمحتذي، والراعي والرعية، والفرد والمجتمع، فلقد أراحو طالب الاستفادة من كثرة العناء في البحث والتنقيب في أمهات كتب الأحكام، وكتب الفضائل وكتب الآداب، وكتب الأوامر والنواهي والزواجر ونحوها، وأحالوا القارأ إلى الأماكن التي توسع مؤلفوها في تلك المسائل بإيراد النقول والآثار والعلل والأحكام والمنافع والمضار، فنوصي طالب العلم بالحرص على اقتناء مثل هذه الموسوعة الطيبة المباركة، ومراجعتها عند الحاجة والاستفادة منها، وشغل أوقات الفراغ بمطالعة ما تيسر من الأبواب والمسائل، فهي مرجع أساسي للدعاة والمصلحين، والخطباء والوعاظ، والمفتين والقضاة واللغويين وغيرهم، فلفضيلته منا ومن بقية العاملين بالموسوعة خالص الشكر والتقدير والامتنان على ما قدمه من اهتمام ورعاية حفظه الله ورعاه.

كما أننا نتقدم بالشكر وافرا وجزيلا لمعالي الدكتور الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، لما تفضل به معاليه من اطلاع على الموسوعة وإشادته بأهمية الدعوة إلى الإسلام ومكارم الأخلاق في تقريظه لهذه الموسوعة التي قال فيها:«إن هذه الموسوعة عمل علمي مبارك، وجهد موفق في سبيل الفضيلة تأصيلا وتطبيقا» . وقال معاليه: «والناظر في هذه الموسوعة، يدرك لأول وهلة، أنها من أوليات ما تحتاج إليه الدعوة إلى الله، فهي تيسر خلق الإسلام وهديه أمام المسلم، وتظهر جانبا هامّا مما ورد في القرآن الكريم من العلوم والمعارف، وهو جانب الأخلاق، الذي جعله الرسول صلوات الله عليه وسلامه من أوليات رسالته وأهداف بعثته» . فجزاه الله عنا خير الجزاء، وجعل ذلك الاهتمام بالموسوعة في ميزان حسناته، ووفقه دائما إلى ما فيه صالح الإسلام والمسلمين.

كما نتقدم بخالص الشكر والامنتان للأساتذة الأفاضل رؤساء اللجان وأعضائها جميعا ومن شارك في إعداد هذه الموسوعة بدون استثناء على ما بذلوه من إخلاص وجهد ووقت في سبيل إنجاز هذا العمل، وخاصة فضيلة الدكتور الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وعميد كلية الشريعة بجامعة أم

(1) آل عمران/ 160.

(2)

الضياء اللامع، محمد صالح بن عثيمين، ص 367- 368.

ص: 35

القرى سابقا، إذ تبنى فضيلته هذه الموسوعة وأشرف عليها منذ كانت فكرة حتى صارت عملا علميّا متكامل الأركان وثيق البنيان، وندعو الله العلي القدير له بمزيد من الصحة والتوفيق والنجاح في خدمة الإسلام والمسلمين.

كما نشكر الأستاذين الفاضلين أ. د. علي خليل مصطفى أبو العينين رئيس لجنة المراجعة والضبط، وأ. د.

عبد الفتاح عبد العليم البركاوي رئيس اللجنة اللغوية على ما بذلاه من جهد مشكور في إعداد هذه الموسوعة وإخراجها على النحو اللائق، كما نشكر الأخ الكريم أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي على جهوده في إعداد السيرة النبوية، ونتقدم بالشكر أيضا إلى الأخ الفاضل الأستاذ فؤاد محمد نور أبو الخير الذي تابع هذا العمل منذ اللحظات الأولى، كما نشكر أعضاء فريق الحاسب الآلي على ما بذلوه من جهد جبّار لا يعرف الكلل أو الملل في تنضيد وتصحيح الموسوعة، إنهم حقا الجنود المجهولون الذين قضوا الساعات الطوال خلف أجهزة الحاسوب في سبيل إخراج هذه الموسوعة على هذه الصورة المشرقة، ونخص منهم بالذكر الأساتذة: توني نجيب زيدان أحمد، وطارق علي بيومي، وهاني محمد عبد ربه.

أما على المستوى الشخصي فإني أقدم خالص شكري وعظيم تقديري لكافة الإخوة والأصدقاء الذين أمدوني بالتشجيع طيلة هذه السنوات التسع، وأخص في هذا المقام زوجتي وأبنائي الأعزاء الذين صبروا وعانوا كثيرا بسبب غيابي عن المنزل وبقائي أسيرا- لساعات طوال- في مكتبي مع بقية أعضاء فرق العمل بين الورق وأمهات الكتب، فلهم مني أطيب تقدير وخالص الامتنان، وأتوجه إلى العلي القدير بأن يحفظهم ويرعاهم هم وعامة إخواني وأخواتي من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأن يجعلهم جميعا من المقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصحاب نضرة النعيم في الدنيا والآخرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح جدة- المملكة العربية السعودية في العشرين من شعبان سنة 1418 هـ.

الموافق 21 من ديسمبر سنة 1997 م

ص: 36

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تقريظ لمعالي الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي

وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه، والتابعين، والعاملين بهديه وسنته، إلى يوم الدين.

أما بعد؛ فإنه منذ ظهرت رسالة الإسلام، وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم، تأسست قواعد الدعوة إلى الله تعالى، وظهرت أصولها، وتنوعت أساليبها، على هدي الوحي الإلهي، في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، كما أرادها الله، هي ختام الوحي الإلهي، الذي بلّغه خاتم الأنبياء إلى البشر، وهي الدعوة التي تخاطب الناس جميعا الأفراد والأمم والشعوب، إلى آخر الدهر.

يقول جلّ شأنه: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «1» .

وقد جاءت في القرآن الكريم قواعد الدعوة، وتحددت مناهجها، في مخاطبة العقول والقلوب والنفوس.

يقول تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «2» .

وكان الرسول صلوات الله عليه وسلامه في حياته الشريفة، وبالتكريم الإلهي له، قدوة للمسلمين جميعا، وأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.

لقد وصفه الله تعالى في جميع أقواله وأفعاله وأحواله بأنه على خلق عظيم، يقول تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «3» . وهو الرحمة المهداة إلى البشر وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «4» .

(1) سورة الأعراف: آية 158.

(2)

سورة النحل: آية 125.

(3)

سورة القلم: آية 4.

(4)

سورة الأنبياء: آية 107.

ص: 37

فالدعوة إلى الله رحمة للخلق في أهدافها وغاياتها. وهي تحتاج إلى الرحمة في ترغيب الناس فيها، وتقريبهم منها، ولذلك كانت الرحمة التي أودعها الله في قلب نبيه ورسوله للناس جميعا، أعظم عون للرسول في جمع الناس على الهدى، والاعتصام بحبل الله المتين.

ففي القرآن الكريم: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ «1» .

وعلى هذا الهدي الإلهي، في الكتاب والسنة، سار أئمة الدعاة في كل عصر من عصور الإسلام.

وكان انتشار الإسلام في أقطار الأرض كلّها نتيجة جهدهم وثمرة اتباعهم للهدي الإلهي في تبليغ الدعوة، ومخاطبة العقول، وتزكية النفوس.

وكان من أئمة الدعاة إلى الله في مختلف الأزمنة والأمكنة، القراء والفقهاء والعلماء، والصالحون من الناس.

وكان لكل منهم أثر كبير في هداية الخلق، ببيان كلمة الله، وإظهار حكمه وشرعه، وبضرب الأمثلة في حسن الأدب مع الله، والاتباع لما دعا إليه الدين من مكارم الأخلاق في التعامل مع الناس.

وهذا الجانب الأخير كان له أعظم الأثر في انتشار الإسلام بين الأمم، فإن المسلم حين يظهر بين الناس بأخلاق الإسلام وهديه، يكون قوله وفعله الذي يتأسى فيه بالرسول صلى الله عليه وسلم، من أعظم الوسائل في الدعوة إلى الله، ومن ثم يكون الاقتناع والاتباع.

إن إكمال مكارم الأخلاق يعد من أعظم المهمات، وأهم الغايات في رسالة الإسلام.

يقول عليه الصلاة والسلام: «إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» «2» .

* وأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم هي الأخلاق التي بينها ربنا جل وعز، ودعانا إلى اتباعها في القرآن الكريم، وقد أدركت ذلك، وشهدته رؤية عين، أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، في أقواله وأفعاله وأحواله، أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها فلم تجد وصفا يبين عظمة أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا بنسبة هذه الأخلاق إلى الوحي الإلهي، في كماله وجلاله. فقالت:«كان خلقه القرآن» «3» .

* ولذلك، فإن الخير كل الخير في أن تكون أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في عظمتها وشمولها، معروفة للمسلمين جميعا، ليكون الاتباع، ولتظهر الأسوة الحسنة، في حياته الشريفة، التي أرادها الله لنا مثلا في حياة الإنسان، وتعامله مع الناس على هدى الإسلام.

(1) سورة آل عمران: آية 159.

(2)

رواه مالك في «الموطأ» (2/ 904) بلاغا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البرّ: هو متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره، وانظر «كشف الخفاء» للعجلوني (1/ 244. 245) رقم (678) .

(3)

قطعة من حديث رواه أحمد في «المسند» (6/ 91 و163) والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 499) وهو حديث صحيح. والحديث في صحيح مسلم في الوتر، وفي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 38

وهذا الجانب من جوانب الدعوة، له أهميته البالغة في هذا العصر بالذات، وفي كثير من البلاد الإسلامية.

* إن الموسوعة التي بين أيدينا، «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم» تتناول جانبا هامّا من جوانب الدعوة إلى الله تعالى، وإرشاد الخلق إلى ما فيه سعادة الدارين، وهي موسوعة تربوية تتعهد النفوس بالإصلاح والتزكية على الأساس الخلقي القويم، من الخلق النبوي الكريم، وتضع أمام المسلمين على اختلاف الشرائح العمرية والثقافية نموذجا حيّا للخلق الإسلامي، من الهدي القرآني، ومن السنة النبوية، قولا وفعلا وحالا.

وقد اجتهد واضعو هذه الموسوعة، في جمع فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم، كما وردت في المنقول الصحيح في عشرات الكتب والمراجع، لا سيما كتب السيرة والسنة النبوية، كما ورد فيها ما نهى عنه الله ورسوله، من مذموم الأقوال والأفعال والأحوال.

* وقد سلك واضعو الموسوعة، في تبويبها وترتيبها بحسب موضوعاتها، طريقة تحقق الفائدة واليسر معا.

فرتبوا الصفات والسجايا والفضائل، ترتيبا هجائيّا، ولا شك أن ذلك اقتضى منهم جهدا علميّا كبيرا، يظهر في سلامة هذا الترتيب ودقته، الذي تظهر فيه القيم الإسلامية الكبرى، وما يندرج تحتها من أفعال الرسول وصفاته وسجاياه صلى الله عليه وسلم، مما يعد تعليما وإرشادا للمسلمين، وأسوة حسنة لهم في كل ما يأتونه، وما يتجنبونه من أقوال وأفعال وأحوال.

كما تقدم هذه الموسوعة زادا علميّا لكثير من المسلمين، وتيسر البحث والمعرفة في هذا المجال على المتخصصين في الدراسات الإسلامية.

وتنفع الأئمة في المساجد والوعاظ، في حلقات الوعظ والإرشاد، بما اشتملت عليه من معرفة الفروق الدقيقة بين صفات وأفعال تستحب من المسلم، ربما تبدو متماثلة مع ما بينها من فروق دقيقة أوضحتها الموسوعة، كالفرق بين

ص: 39

الاستعاذة والاستعانة والاستغاثة، والفرق بين الابتهال والدعاء، والفرق بين التفكر والتدبر والتذكر، وبين الحنان والعطف، وغير ذلك مما عرضت له الموسوعة، ببيان معناه لغة أو اصطلاحا، وبيان ما يتفرع منه إلى أنواع كالأدب، وجمعت الموسوعة، هذه الصفات والسجايا من الأصلين العظيمين، القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأضافت إليهما ما ورد من آثار بشأنها، فردت كل صفة وسجية وفضيلة إلى أصلها القرآني، أو مثلها الأعلى في التطبيق النبوي.

* والناظر في هذه الموسوعة، يدرك لأول وهلة، أنها من أوليات ما تحتاج إليه الدعوة إلى الله، فهي تيسر خلق الإسلام وهديه أمام المسلم، وتظهر جانبا هامّا مما ورد في القرآن الكريم من العلوم والمعارف، وهو جانب الأخلاق، الذي جعله الرسول صلوات الله عليه وسلامه من أوليات رسالته وأهداف بعثته.

وبهذا يظهر تميز الأمة الإسلامية ببنائها الأخلاقي. هذا البناء الذي يعتبر جانبا جوهريّا وهامّا من الدين، ومنهجا إسلاميّا كاملا في السلوك.

* إن هذه الموسوعة، عمل علمي مبارك، وجهد موفق في سبيل الفضيلة، تأصيلا وتطبيقا، فجزى الله القائمين عليها خيرا، ونفع بعملهم هذا المسلمين.

وإنه لمن دواعي سروري واغتباطي، أن أكتب كلمة عن هذه الموسوعة، بناء على طلب الأخ عبد الرحمن محمد بن ملوح، المدير العام لدار الوسيلة للنشر والتوزيع، شاكرا له ولجميع العاملين فيها، والمشرفين عل إعداد الموسوعة، وفي مقدمتهم معالى الأخ الفاضل الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد، إمام الحرم المكي وخطيبه، جهدهم الكبير.

أسأل الله أن يجزل مثوبتهم، ويكتب عملهم في سجل حسناتهم.

ص: 40

إنه عمل يستحق الشكر والتقدير والثناء على كل من تعاون فيه.

أسأل الله أن ينفع بهذه الموسوعة أبناء المسلمين، وأن يجعل القدوة والأسوة الحسنة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قريبة منهم، ومثلا أعلى لهم، يظهر ذلك في تعاملهم مع بعضهم، ومع الناس كافة، وهي الغاية التي يسعى إليها الدعاة إلى الله تعالى في كل زمان ومكان. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

د. عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية

ص: 41

‌تقريظ فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين

عضو هيئة الإفتاء- الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا وأرسل الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلهيته وأفعاله وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هدى الله به الأمة من الضلال وأرشدهم به من الغواية وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن سار على نهجه واتبع هداه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد

فإن ربنا جل وعلا لما أوجد هذا الكون بما فيه من عجائب المخلوقات كان من بين من خلقه نوع الإنسان الذي ميزه بالعقل والإدراك وفضله على كثير من خلقه كما قال تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا «1» وكان من آثار هذا التكريم والتفضيل أن خصهم بالتكليف فأمرهم بعبادته وطاعته ونهاهم عن معصيته ومخالفته، وأرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب لبيان شرائعه التي كلف بها عباده وشرح لهم دينه الذي فرض عليهم اعتناقه، وختم أولئك الرسل بنبينا محمد بن عبد الله الهاشمي النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وجعل شريعته خاتمة الشرائع، وكان من لوازم ختم النبوة به أن عمم رسالته إلى الأحمر والأسود والعربي والعجمي والجن والإنس والقاصي والداني ومن آثار ذلك أن جعل دينه صالحا ومناسبا في كل زمان ومكان، وقد ضمن الله تعالى لهذه الشريعة الظهور، ولأهلها التمكين والنصر والغلبة بجميع أنواعها قال الله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً «2» ولقد صدق الله وعده- وهو لا يخلف الميعاد- فأظهر المؤمنين الصادقين في صدر هذه الأمة ونصرهم على أعدائهم، ومكن لهم في البلاد حتى انتشر هذا الدين وظهر وغلب على سائر الأديان، ونصر الله أهله وقواهم به قال تعالى وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ «3» وقال تعالى إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ

«4» فجند الله هم أهل شريعته ودينه. ولهم الغلبة بالسيف والسنان، وبالحجة واللسان، وذلك أن ربهم معهم يؤيدهم ويقويهم إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ «5» ثم إنه تعالى تضمن لأهل هذه الشريعة الحياة السعيدة الطيبة والراحة والطمأنينة وسرور القلب ونعيمه في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة، فقال تعالى مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «6» والواقع أكبر دليل

(1) سورة الإسراء: آية 70.

(2)

سورة النور: آية 55.

(3)

سورة المنافقون: آية 8.

(4)

سورة الصافات: آية 173.

(5)

سورة آل عمران: آية 160.

(6)

سورة النحل: آية 97.

ص: 42

وشاهد على تحقق ذلك، فإن أهل الإسلام كلما سلمت عقائدهم وصلحت أعمالهم وأحوالهم وابتعدوا عن الكفر والشرك والمعاصي وتبرءوا من الكفار وأعمالهم وأخلصوا دينهم لله تعالى فإنهم يحيون في هذه الدنيا في أعظم الراحة والسرور ويغتبطون بدينهم ويقتنعون بما رزقهم الله، وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ويرضون ويسلمون لقضائه وقدره، ذلك أن هذه الشريعة الإسلامية فيها الهدى والرشاد ودين الحق الذي تضمنته رسالة هذا النبي الكريم قال الله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* «1» والهدى هو البيان والدلالة والإرشاد بمعنى أن من اتبعه كان مهتديا سائرا على النهج القويم والصراط المستقيم الذي لا يزيغ من سلكه على حد قوله تعالى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى «2» وذلك يدل بوضوح أنه مشتمل على كل ما تمس إليه حاجة البشر مما يتعلق بعباداتهم وقرباتهم وبمعاملاتهم وشئون حياتهم، وذلك من وصف هذه الرسالة بالهدى ودين الحق فإن الحق ضد الباطل، وهذا وصف مطابق للواقع لأن كل ما جاء به هذا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حق وصدق بعيد كل البعد عن اللهو والباطل والفساد بل مشتمل على كل قول يدحض أي باطل ويدمغه كما في قول الله تعالى بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ «3» فلا بد أن هذا الدين الحق قد اشتمل على كل خير ودل الأمة على ما هو الأصلح لهم في معاشهم ومعادهم وأوضح لهم المنهاج القويم الذي يؤدي بمن سلكه إلى النجاة في الدنيا والآخرة.

وقد وصف الله كتابه المنزل على هذا النبي الكريم بأنه هدى وشفاء قال الله تعالى وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ «4» وهذه الأوصاف الشريفة الرفيعة تقتضي أنه مشتمل على كل خير وأن الشريعة التي اشتمل على بيانها واضحة المنهاج كاملة في أهدافها ومقاصدها وحاجاتها، كما تقتضي من كل المخاطبين اعتناقه وتقبل كل تعاليمه والسير على نهجه وشدة التمسك به رغم ما قد يحصل من عوائق أو ضيق حال أو أذى أو تعذيب في سبيل هذه الشريعة الغراء وذلك ما عمل به الرعيل الأول وصدر هذه الأمة حتى ظفروا بالمطلوب وحصلوا على خيري الدنيا والآخرة.

(1) سورة الصف: آية 9.

(2)

سورة طه: آية 123.

(3)

سورة الأنبياء: آية 18.

(4)

سورة الإسراء: آية 82.

ص: 43

لقد بين الله تعالى في هذا القرآن أصول الدين وأشار إلى مسائله وقال في حقه وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ «1» فعموم قوله تعالى تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ يصدق على أصول الأحكام وأسس العقائد وقواعد الدين وهذا هو السر في وصف الدين بالكمال قال الله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «2» وهذه الآية نزلت في حجة الوداع في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقد تضمنت أن هذا الدين قد كمله الله وأتمه وأكمل الشرائع والأدلة وسائر الأحكام فقد بين الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ما يلزم العباد من الطاعات والقربات التي هي حقوق الله عليهم فبين لهم أولا أنه ربهم ومالكهم، ولفت أنظارهم إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من الآيات وعجائب المخلوقات التي فطر الله جميع الخلق على الاعتراف بأنها صنعه وإبداعه كقوله عز وجل أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً «3» . وقوله أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها «4» الآيات

إلخ وقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ «5» ونحو ذلك، ثم بين لهم حيث أقروا بأن ما في الكون كله لله، فهو الخالق المنفرد بإيجاد المخلوقات أنه وحده

(1) سورة النحل: آية 89.

(2)

سورة المائدة: آية 3.

(3)

سورة المرسلات: آية 25.

(4)

سورة النازعات: آية 27.

(5)

ق: آية 6.

ص: 44

المستحق لأن يفرد بالعبادة، فلا يجعل له شريك في الدعاء أو الرجاء أو التوكل أو الخضوع والركوع والسجود أو غيرها من أنواع العبادة، بل على الخلق أن يخصوه بكل أنواع التذلل والإخبات، وأن ينيبوا إليه ويعظموه حق التعظيم، لأنه ربهم وهم ملكه وعبيده وهو المنعم عليهم المتفضل عليهم بجزيل الإنعام، فمتى صدوا عنه وأعرضوا عن عبادته فقد كفروا بربهم وبدلوا نعمة الله كفرا وصرفوا لغيره خالص حقه، لذلك دعا الله العباد إلى عبادته وحده لا شريك له، وكرر الأمر بذلك وأبدى وأعاد في ذلك وضرب لهم الأمثلة، وبكّت أولئك المشركين وبين حال ما عبدوه من دون الله وأنها مخلوقة مثلهم ولا تملك لأنفسها شيئا فضلا عن عابديها كما وصف نفسه عز وجل بصفات الكمال ونعوت الجلال التي تتضمن إحاطته بالمخلوقات، وعلمه بالأول والآخر وسمعه وبصره المحيط بالقاصي والداني، وكل وصف يقتضي عظمته وكبرياءه وقر به من العباد، ووصف نفسه بالأولية والبقاء والدوام والفضل والإنعام ونحو ذلك مما يستلزم خضوع العباد له، وإنابتهم إليه وإخلاص الدين له، ولما كانت العبادة مجملة لا دخل للعقل في معرفة مفرداتها وأمثلتها تضمن شرع الله ورسالة رسوله بيانها وإيضاح أنواعها فبين لهم العبادات البدنية كالصلاة والصوم والحج والجهاد والاعتكاف في المساجد ونحوها وشرح لهم جميع متعلقاتها وأركانها وشروطها وصفاتها التي تكون بها مجزئة تبرأ بها الذمة وتسلم من العهدة، كما بين لهم النوافل منها، ورغبهم في الإكثار من القربات التي يترتب عليها جزيل الثواب، وهكذا حثهم على العبادات القولية؛ فأمرهم بذكره ودعائه تضرعا وخفية، وبتلاوة كتابه، وبالدعوة إلى دينه، كما أمر بأداء العبادات المالية، فأخبرهم بما يجب عليهم في أموالهم من زكاة ونذر وصدقة ونفقة، وبما لهم من الثواب إذا تبرعوا له بشيء من أموالهم فأنفقوه في سبيله، وهكذا أوضح لهم سائر القربات التي هي حقه على العباد، وبها يتحقق وصفهم بالعبودية له وحده. ولم يقتصر على هذا القدر من البيان بل تطرق إلى أمورهم المالية الأخرى، وأوضح لهم وجوه المكاسب ومداخل الأموال، وما يحل منها وما لا يحل وحرم عليهم الكثير من المعاملات التي تحتوى على ضرر بالغير، من مكر ورشوة وربا وغش وسرقة ونهب وغصب إلخ

وأباح لهم سائر المكاسب التي لا شبهة في حلها وهكذا تطرق إلى بقية الأحكام المالية فأوضح ما يحل منها وما لا يحل ولم يقف البيان الشرعي عند هذا الحد، بل بين الله في رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم أحكام العقود التي لها صلة بالغير من المسلمين أو غيرهم كعقد الذمة والأمان والصلح والمعاهدات. وعقد النكاح وملك اليمين وما يتصل بذلك للحاجة الضرورية في هذه الحياة إلى أمثال ذلك، وهكذا أيضا شرع الحدود والعقوبات البدنية والمالية لما لها من الآثار الملموسة في استتباب الأمن واستقرار الحياة، فلما كان من طبع الإنسان- إلا من عصم الله- الميل إلى الشهوات والملذات ولو محرمة أو إلى الأشر والبطر أو إلى الظلم والاعتداء أو إلى السلب والنهب والسرقة والاختلاس ونحو ذلك فلو ترك هؤلاء وميولهم لاختل الأمن وعدمت الطمأنينة في الحياة وانتشرت الفوضى، وأصبح الضعيف نهبة للقوي، وسيطر الظلمة الطغاة على البلاد والعباد، وأعلنوا كفرهم وبغيهم وفجورهم، بدون خوف أو مبالاة، فكان من حكمة الرب جل وعلا أن شرع من الزواجر والعقوبات ما يقمع أهل الشرور والمعاصي، فمن ارتد عن دينه وكفر بعد إسلامه لم يقر على ذلك بل حده القتل بكل حال إن لم يتب عن ردته، ومن تعاطى السحر أو الشعوذة أو عمل الكهانة ونحو ذلك شرع قتله قبل أن يستشري فساده في البلاد مما ينافي حكمة الرب تعالى، ومن بغى على إمام المسلمين وخرج عن طاعته وفارق جماعة المسلمين لزم قتاله بعد الدعوة

ص: 45

والمراجعة وبيان أنه إن مات كذلك مات ميتة جاهلية، كما أمر عز وجل بالصلح بين الطائفتين المقتتلتين وقتال الباغية منهما حتى تفيء إلى أمر الله، وأخبر أنهم مع هذا التقاتل لم يخرجوا عن الأخوة الإيمانية، وهكذا كتب القصاص كما في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى «1» كما كتبه على أهل التوراة في النفس فما دونها، قال تعالى وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ «2» وبين الحكمة والمصلحة في شرعية ذلك كما في قوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ «3» فأخبر أن في شرعية القصاص حفظ النفوس حيث إن القاتل متى تذكر أنه سيقتل أحجم وارتدع عن القتل فتقل هذه الجريمة ويحصل الأمن على الحياة، وهذا هو السر أيضا في شرعية الجزاء الرادع للمحاربين لله ورسوله الذين يسعون في الأرض فسادا وهم الذين يقطعون الطريق ويعترضون سابلة المسلمين في الأسفار لأخذ الأموال أو هتك الأعراض ونيل الشهوات المحظورة شرعا قال الله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ «4» وكل ذلك للحفاظ على أرواح الأبرياء والإبقاء على نفوسهم ليهنئوا بالعيش وتقر أعينهم في هذه الحياة ويبعد عنهم كل ما يكدر صفو عيشهم وأمنهم واستقرارهم، فمن ثم يتفرغون للعلم والعمل والتفقه فيما يلزمهم لربهم من الحقوق والعبادات وليقوموا بالواجبات فيما بينهم. وهكذا أيضا تضمنت الشريعة الإسلامية الزجر الشديد عن جرائم الذنوب وكبائر الفواحش كالزنا وشرب الخمر وقذف الأبرياء المحصنين وسرقة الأموال ونحو ذلك فإن جريمة الزنا فاحشة كبرى وفعلة شنعاء تستبشعها النفوس الأبية، وتنفر منها الطباع السليمة الرفيعة، لما فيها من انتهاك الحرمات، وإفساد الفرش واختلاط الأنساب وتفكك الأسر ويسبب ميل الزوجة عن زوجها إلى الأخدان الخائنين في السر، والتقصير في حق الزوج وفي إصلاح بيتها وتربية أطفالها ورعايتها لمن استرعاها الله من أهل بيتها ونحو ذلك من الفساد، ومثل ذلك وأعظم يقع في حق الزوج متى وقع في تعاطي هذه الفاحشة النكراء، فلا جرم أن كانت عقوبة الزنا في هذه الشريعة أعظم من غيرها حيث شرع رجم الزاني أو الزانية مع الإحصان بالحجارة حتى الموت ليتم الزجر والقمع لتلك النفوس المريضة بالشهوة البهيمية، وخص المحصن بالرجم حيث إنه قد كفر النعمة وعدل عن الحلال وتعاطى الحرام برغم ما فيه من إفساد فرش الناس وتعريض زوجته للعهر والميل إلى فعل هذه الفاحشة مع غيره ونحو ذلك من المفاسد بخلاف غير المحصن فإن عقوبته الجلد والتغريب وهي دون الرجم بالحجارة لخفة ذنبه بالنسبة للمحصن لقوة الغلمة والشهوة التي قد تغلبه فيضعف إيمانه وتصديقه بالوعيد عن قمعها فتعرض نفسه الأمارة بالسوء فيقع في هذه الجريمة، وهكذا أيضا عاقب الذين يرمون المحصنات عقوبة شديدة في الدنيا والآخرة فقال عز وجل وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً

(1) سورة البقرة: آية 178.

(2)

سورة المائدة: آية 45.

(3)

سورة البقرة: آية 179.

(4)

سورة المائدة: آية 33.

ص: 46

وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «1» وهذه عقوبات عاجلة وقال تعالى عن عقوبتهم الآجلة إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «2» الآيات، ذلك أن مقترفي هذا الفعل والذنب الكبير يقدحون في الأنساب وينتهكون الأعراض البريئة، وينشرون لأولئك الأبرياء سمعة سيئة تقشعر منها الجلود، وتنكس منها الرءوس حياء وخجلا مع بعدهم عن تلك الجرائم المزعومة ونزاهتهم عن اقترافها فكانت عقوبة من قذفهم بها الجلد ورد الشهادة، والحكم عليهم بالفسق الذي هو الخروج عن العدالة والطاعة مع استحقاقهم للعن وهو الطرد، والإبعاد عن رحمة الله، وللعذاب العظيم في الدار الآخرة، ونحو ذلك مما يكون زاجرا لهم عن الكذب والافتراء على المؤمنين والاستهتار والهتك للأعراض فيأمن الناس ويطمئنون في حياتهم وتتم بينهم المودة والإخاء وتزول العداوة والشحناء، مما يكون سببا للتقاطع والتدابر والتهاجر الذي جاء الشرع بالنهي عنه وتحريمه، لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة من اختلال الأمن، ووقوع الفتن، وتسلط الأعداء ونحو ذلك، وكما شرع تعالى عقوبة وحدّا مانعا لمن تعاطى شرب المسكرات بعد أن أوضح تحريم الخمر وما فيها من المفاسد فقرنها بالأنصاب وهي الأصنام وأخبر بأنها رجس أي نجس وقذر حسّي أو معنوي وأنها من عمل الشيطان فهو الذي يزينها ويدعو إلى الوقوع فيها ويوقع بسببها بين المسلمين العداوة والبغضاء ويصدهم بتعاطيها عن ذكر الله وعن الصلاة رغم ما فيها من إزالة العقل الذي هو ميزة الإنسان وفضيلته، فبزواله يكون دون البهائم والسفهاء، ويتصرف تصرف المجانين والمعتوهين، فيهلك الحرث والنسل ويضر بالأنفس والأموال والأهل والأولاد، وما إلى ذلك من المفاسد الكبرى التي تنتج عن تعاطي المسكرات والمخدرات، ولا يقتصر ضررها على الجاني وحده؛ بل يلحق بالمجتمع أجمع إلا ما شاء الله، فلا جرم أن جرّمه، جاء في السّنة جلد شارب الخمر بما يزجره كأربعين جلدة أو ثمانين إن لم ينزجر بالأربعين، بل ثبت في السنة الأمر بقتله إذا أدمن ذلك ولم ينزجر بتكرار الجلد؛ ففي هذه العقوبات والوعيد الشديد عليها ما يكفي في الكفّ عنها وما يحفظ للعقول سلامتها ويبقي بذلك على سلامة التفكير؛ ويكفل للأمة أمنها ورخاءها وسلامتها من الأضرار والشرور الوخيمة والإبقاء على عقول البشر لتصرف تفكيرها فيما يعود عليها وعلى غيرها بكامل الخير والمصلحة وذلك أكبر مثال على كمال هذه الشريعة وتضمنها لمصالح العباد، وهكذا أيضا شرع عقوبة السارق بقوله تعالى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «3» ذلك أن السارق يهتك الأستار والحروز ويكسر الأقفال ويتسلق الحيطان، ويصعب التحصن والتحرز من شره وضرره، فكانت عقوبته قطع يده، تلك اليد الآثمة المتعدية الظالمة حيث إن جنايته تتوقف على العمل باليد غالبا فكان بقاء هذا العضو المعتدي مما ينشر الوباء ويخل بالأمن والاطمئنان على الأموال المحترمة التي لها وقع في النفوس فأخذها عدوانا وظلما مما يوقع الخوف والقلق في القلوب؛ فشرع إزالة هذا العضو الذي ينشر الوباء والمرض العضال بين الناس، وكما اشتمل الشرع على هذه العقوبات والزواجر التي يحصل بتطبيقها كمال الأمن ورخاء العيش، فقد شرع عقوبات أخرى غير مقدرة بعدد أو نوع تسمى تعزيرا وتأديبا يعاقب بها من اقترف ذنبا أو ارتكب كبيرة لا حد فيها، مما يتعلق بالأديان أو الأبدان أو الأموال، وتتفاوت تلك العقوبات بتفاوت الجرائم والمجرمين، وكل هذه العقوبات- مقدرة أو غير مقدرة- تتضح فيها حكمة

(1) سورة النور: آية 4.

(2)

سورة النور: آية 23.

(3)

سورة المائدة: آية 38.

ص: 47

الشرع الشريف ويتضح لكل ذي قلب سليم أنه دين سماوي جاء بتحصيل المصالح وتكميلها وإلغاء المفاسد وتقليلها. كما أنه أيضا تعرض لشرح الآداب والأخلاق الرفيعة وحثّ على الاتصاف بالسمات الشريفة التى فطرت القلوب على استحسانها وحب من تخلق بها والنفور من أضدادها ومقت أهلها وبغضهم والبعد عنهم، فإن الله تعالى فطر الخلق على استحسان السمات الطيبة التي وجدت أو بعضها قبل الإسلام كأغلب خصال الفطرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة وانتقاص الماء

إلخ» «1» وفي الباب أحاديث كثيرة بهذا المعنى وهذه الخصال يستسيغها العقل السليم ويشهد بملاءمتها له لذلك يحافظ العقلاء على تطبيقها، وإنما يخالفها من انتكست فطرته فاستقبح الحسن واستلذ القبيح فلا عبرة بهذا الضرب من الناس ولو كثروا أو زعموا المعرفة والإدراك، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وبالجملة فإن احتواء الشريعة الإسلامية على هذه الخصال يفيد كمالها وانتظامها لكل ما يستحسن عقلا وشرعا ولكل ما تتوقف عليه الحياة الطيبة في هذه الدار، كما أن الشريعة لم تتوقف على تبيين العبادات والقربات كما قد يظن ذلك الكثير من الناس؛ بل تعرضت لإيضاح الأمور العادية وأوضحت الصفة الكاملة لاستعمالها، ففي باب الأكل تعرض الشرع لبيان الهيئة المحمودة في ذلك؛ فنهي عن الاتكاء حال الأكل كفعل من يريد الامتلاء من الطعام، وشرع الأكل باليمين تفاؤلا باليمن والبركة، وبالغ في النهي عن الأكل بالشمال تشبها بالشيطان وأعوانه، كما جاء بالأكل بثلاثة أصابع إلا لضرورة. فإن الأكل باليد كلها قد يوجب ترادف الطعام على مجراه فربما أفسده وسبب الموت فجأة، وذلك من باب رعاية نعم الله وإحسان جوارها، وهكذا شرع أن يأكل كل فرد مما يليه ونهى عن الأكل من وسط الصحفة، وعلل ذلك بأن البركة تنزل وسط الطعام، كما أمر بالاجتماع على الطعام وذكر اسم الله عليه وحمده بعد الشبع، ونحو ذلك مما فيه تذكير بعظيم منة الله في تيسيره لأسباب ذلك، ومما يسبب مع الصدق حلول البركة فيه حالا ومآلا، وهكذا جاء بآداب الشّرب المتضمنة لجمّ فوائده والمستحسنة عقلا وشرعا، فنهى عن التنفس في الشراب والنفخ في الطعام كراهة أن يصحبه شيء من الريق فيقذره على غيره، وأمر بالتنفس ثلاثا خارج الإناء، وبمص الشرب دون العب بقوة، وعلل ذلك بأنه أهنأ وأبرأ وتعرض للأواني التي لا يباح استعمالها في الأكل والشرب كآنية الذهب والفضة وتوعد متعاطيها أشد الوعيد لما فيها من الفخر والخيلاء والإسراف وكسر قلوب الفقراء، وهكذا شرع للأمة آداب التخلي «2» وإن كانت مما يحتشم من ذكره، ومن الأشياء التي تلزم الإنسان بحكم العادة ولكن لها آداب وأحكام تدخل بها في عموم الشريعة الإسلامية، وكذا آداب اللبس والخلع فجاء باستحباب لبس البياض من الثياب وأباح غيرها إلا ما استثنى، وأحب لباس القمص ولبس غيره من الأزر والأردية والسراويلات ونحوها، ونهى عن الخيلاء والإسبال في الثياب وبالغ في الوعيد على أهل الخيلاء والترفع على الناس، وأحب أن يرى الله آثار نعمته على عبده في اللباس ونحوه، ونهى عن المشي في نعل واحدة، وحث على التيامن في لباس الثوب والنعل ونحو ذلك وحرم أنواعا من اللباس كالحرير لما فيها من الإسراف والتبذير، وتعجل الطيبات في الدنيا،

(1) أخرجه مسلم ربك (261) في الطهارة: باب خصال الفطرة عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

أي الآداب المتعلقة بقضاء الحاجة من التبول ونحوه.

ص: 48

وكذلك تدخل الشرع في آداب النوم والجلوس والمشي والسفر وفصل أحكام ذلك وأدخل الجميع في جملة الشريعة الإسلامية. هذا وإن مما يدل على كمال هذه الشريعة اشتمالها على الحث والترغيب في الأخلاق الشريفة والآداب الرفيعة وتنفيره عن أضدادها. فقد رغب في الصدق مع الله ومع عباده فهو السمة العالية التي يحبها كل عاقل من مسلم وكافر ويثق الجمهور بأهل الصدق ويحسنون معاملتهم ومعاشرتهم، كما جاء بالزجر عن الكذب وجعله من سمات أهل النفاق الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وهكذا أمر بالصبر على أداء العبادات وإن ثقلت على بعض النفوس، وأفاد أن الأجر على قدر النّصب، ونهى عن إعطاء النفس ما تميل إليه بمجرد طبعها من الإخلاد إلى الراحة والكسل، وحثّ على قمع النفوس عن تعاطى المحرمات شرعا وبيّن أن صبر النفس عن ميلها إليها فيه ثواب كبير لمن جاهد نفسه وصبر عن تناول ما حرم ربه عليه، كما أن ربنا تعالى جعلنا في هذه الدار عرضة للأخطار والمصائب ابتلاء منه واختبارا ليظهر من يرضى ويسلم ويصبر على أقدار الله، ممن يجزع وتضعف نفسه عن تحمل الصبر والاحتساب، فوعد الصابرين بالأجر الكبير والثواب العظيم بخلاف من جزع ودعا بالويل والثبور فإنه مع فوات أجر المصيبة لا يفيده جزعه ولا يرد فائتا.

وهكذا جاء الإسلام أيضا بإباحة متع الدنيا مع الاقتصاد في ذلك، مما يدل على كماله وتدخله في شئون الناس ومعاملاتهم لبيان الهيئة الرفيعة من أنواع اكتساب المال وإنفاقه، فحثّ على الحرف والصناعات واكتساب المال من وجوهه المباحة للتعفف عن سؤال الناس، وإظهار الفاقة أمامهم مما يضعف النفس ويسقط الهيبة. كما حثّ على القناعة بما رزق الله العبد من ضيق أو سعة، وأخبر بأن الغنى غنى النفس وأن ما أخذ بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذ بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وأوضح أن اليد العليا خير من اليد السفلى، ونحو ذلك من الشيم الرفيعة التي تبعث في النفوس الرضا عن الله في ما وهبه للعبد من سعة أو ضيق ويكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده فلا يستكثر ما قدمه لأخيه وأعطاه لفقير، أو محتاج أو وهبه لابن سبيل، أو في سبيل الله حيث أيقن بأن ربه يحب منه ذلك وأنه يخلفه له بخير منه عاجلا أو آجلا، فهان عليه ما بذله لله من صدقة وصلة رحم وقرى ضيف ووقف على جهة بر ونحو ذلك من صفات أهل الكرم والسخاء، والجود بما في اليد ثقة بالله وطواعية له بل إنه قد يواسي بما في يده أو يؤثر على نفسه كما وصف الله تعالى حال الأنصار وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ، ولكنه جاء مع ذلك بالحث على الاقتصاد وشدد في ذم المسرفين وأهل التبذير وإفساد المال وإنفاقه في الباطل أو فيما لا فائدة فيه وأخبر بأن المبذرين إخوان الشياطين، والمراد البذل في الحرام أو ما هو ضار قادح في الدين أو التعدي في الإنفاق في الشهوات والملذات فوق الحاجة مما يتضمن الإتلاف للأموال في غير طريقها. وهكذا جاء الشرع الشريف مرغّبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات؛ فحثّ على اختيار الرفقاء الصالحين، ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر، كما أن القصد الأعلى من هذا الاختلاط نصحهم عموما، وهدايتهم إلى سبل السلام، ودلالتهم على كل ما يعود عليهم بمصلحة في دينهم ودنياهم، وإعانتهم على البر والتقوى، وأمرهم بكل معروف ونهيهم عن المنكرات شرعا وعرفا، وهكذا جاءت الشريعة بالشفقة على الخلق ورحمتهم وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله وإذا

ص: 49

اشتكى رأسه اشتكى كله وشبهوا بالبنيان يشد بعضه بعضا، وكان من آثار ذلك قضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم، وكل ما فيه جلب الراحة والطمأنينة لهم، مع الحرص على إزالة الوهن، والتقاطع الذي يحصل بينهم لتصفو القلوب وتحصل لهم راحة النفس في هذه الحياة، وحث على بر من له زيادة حق لقرابة أو جوار فأمر ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار وصدق المؤاخاة والشفقة على الأولاد وما يتبع هذا البر والإحسان من نفقة ومواساة وإيثار وطاعة وخدمة بقدر المستطاع، كما حذر أشد التحذير من الإساءة إلى الوالدين وعصيانهما، وقطيعة الرحم، بل أخبر بأن من وصل الرحم وصله الله ومن قطعها قطعه الله، كما أمر الإنسان بالصبر على ما يناله من جفوة أقاربه وإساءتهم، وأخبر بأن حق الأبوين لا يسقط ببقائهما على الكفر، فأمر بصحبتهما بالمعروف، ولكنه نهى عن التنزل على رغبتهما في الرجوع إلى الشرك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وجعل العقوق في المرتبة التي تلي الشرك بالله وألحق به من يتسبب في جلب الشتم والمسبة لأبويه، وأخبر بأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم، وحذر من التهاجر بين المسلمين لأجل الحظوظ الدنيوية، لما ينتج عنه من تفرق الكلمة واختلال الأمن وفقدان الثقة بين المسلمين.

ولما كان هناك غالبا أفراد في المجتمع يستحقون زيادة عطف وإحسان لأسباب خاصة. فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على برهم ورحمتهم والشفقة عليهم، وحثّهم أنفسهم على الرضا والاستسلام بما قدره الله لهم، وما أصابهم من نقص وعاهة كما ورد في الحديث «إن أهل الجنة كل ضعيف متضعف» «1» وأن عامة من دخل الجنة هم المساكين وقال «2» صلى الله عليه وسلم:«ربّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» «3» وحث على كفالة اليتيم ورعايته والرفق به وعلى مراعاة المساكين والمستضعفين والتفطن لأحوالهم والصدقة عليهم وتخفيف ما يجدونه من ضيق وشدة وهمّ وحزن وجعل الجزاء من جنس العمل في ذلك. ففي الحديث «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» «4» ، ونهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن طرد المستضعفين من مجلسه وأمره بالصبر معهم في قوله وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ «5» ، ولما رأى بعض الصحابة- رضوان الله عليهم- أن له فضلا على من دونه قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» «6» ، وكل هذه الخصال من شعائر الإسلام.

ومما يدل على كمال الإسلام واشتماله على كل مصلحة وخير ونفع للأفراد والجماعات، أن الشرع الشريف حث على الشيم والأخلاق النبيلة التي تعترف العقول بمعرفتها وتشهد بحسنها وحسن آثارها وما لها من الأثر الفعال في النفوس مما يوافق مقصد الشريعة، وكما أمر بالتواضع ولين الجانب سيما مع الضعفاء والخاملين والمساكين، ونهى عن ضد ذلك من التكبر والتجبر واحتقار المسلمين وازدرائهم، ومن الإعجاب بالنفس والترفع على الخلق، وفسر الكبر

(1) رواه البخاري برقم (8/ 4921) في تفسير سورة ن والقلم، ومسلم رقم (2853) في صفة الجنة-: باب النار يدخلها الجبارون عن حارثة بن وهب رضي الله عنه.

(2)

كما رواه مسلم في صفة الجنة باب النار يدخلها الجبارون عن أبي سعيد ورواه البخاري ومسلم في الرقاق عن أسامة بن زيد.

(3)

رواه مسلم في البر والصلة- باب فضل الضعفاء عن أبي هريرة.

(4)

رواه البخاري في المظالم باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه ومسلم في البر والصلة والترمذي في الحدود عن ابن عمر.

(5)

سورة الكهف: آية 28.

(6)

رواه البخاري في الجهاد- باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد أن له فضلا

إلخ.

ص: 50

بأنه بطر الحق وغمط الناس، فإن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، كما في قوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «1» ، وكما في الحديث «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد» «2» بل أخبر بأن التواضع لعباد الله سبب للرفعة وعلو الرتبة عند الله وعند الناس وقال «حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» «3» . فهذه إشارة إلى كمال الشريعة وإلى ما اشتملت عليه من الخصال الحميدة والأخلاق والآداب الرفيعة التي تسمو بمن تخلّق بها إلى أرفع المنازل وما حذرت منه هذه الشريعة من الأخلاق الدنيئة الذميمة، التي تدنس الأعراض وتوقع في العار والشنار، ولقد أكثر العلماء قديما وحديثا من الكتابة حول خصال الإيمان والدين التي تجب أو تستحب، وسموها آدابا شرعية وخصالا دينية، وأدخلوا في ذلك العادات القديمة التي أقرها الإسلام أو أثنى على فعلها كالجود والكرم والصدق والوفاء والبر والصلة والسلام والتحية والتراحم والتعاطف والتزاور ونحوها، وقد توسع في ذلك ابن عقيل الحنبلى في كتابه المسمى بالفنون، حيث جمع فيه ما أدركه من فنون العلم بجميع أنواعه ولكنه لم يوجد كاملا، وقد ألف الكثير من الأئمة في الأخلاق والآداب، وشعب الإيمان، وهكذا كتبوا في الخصال المذمومة وكبائر الذنوب وأنواع المعاصي والمحرمات، وكل من ألف في ذلك فإنما كتب ما يناسبه ولكل مجتهد نصيب. ولا شك أن شريعة الإسلام قد تضمنت كل ما تمس إليه الحاجة البشرية، وأن جميع الخصال التي تهدف إليها يعرف عند التأمل ملاءمتها ومناسبتها، ولذلك يحتاج إلى الاستقصاء في جمع أنواع العبادة، وما ورد الأمر به من القربات، وما نهى عنه مما يخالف أهداف تلك الخصال، وذكر أدلتها من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، مع ذكر معانيها ونتائجها مما يفيد المسلم وطالب الحق علما وسعة اطلاع.

هذا وقد اطلعت على مقدمة هذه الموسوعة الكبيرة التي احتوت على ما أمكن جمعه من أنواع القربات وأسماء العبادات، وأسماء ما يضادها وما ينهى عنه، وأعجبت كثيرا حيث استوعبت ما أمكن إيراده من خصال الخير والأخلاق والقربات، وكل ما ورد له ذكر في الشريعة من تلك الأسماء التي استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه، وبين المراد بها وفائدتها وأثرها، وحيث رتبت على الحروف ترتيبا محكما لا خلل فيه ولا خطأ، وبدأ بالتعريف لكل خصلة بذكر معناها اللغوي والشرعي، وبيان ما يدخل فيها شرعا وما تتضمنه، ثم بذكر الآيات التي وردت فيها لفظا أو معنى، وكذا ذكر الأحاديث المرفوعة مع تخريجها بدقة واستيفاء، مع ذكر مواضع تلك الأدلة ومراجعها، وهكذا ذكر الآثار الواردة في مدح تلك الخصلة وفائدة العمل بها أو تركها ومضرة المخالفة فيها وما إلى ذلك مما يجده القارئ في هذه الموسوعة، ولا شك أنه جهد كبير وعمل واسع، يستدعي بذل الوسع، والحرص على الاستقصاء، ولذلك استغرق الجمع والبذل والكتابة فيها وقتا طويلا رغم توافر الجهود، وكثرة الباحثين، حتى أنتجوا هذا العمل المشكور الذي يرجى نفعه إن شاء الله للمبتدئ والمحتذي، والراعي والرعية، والفرد والمجتمع، حيث يجد الطالب فيها بغيته، ويعثر على مطلبه بأيسر الوسائل وفي أسرع وقت، فيستفيد في نفسه ويتزود من العلم النافع ما يكون زادا له في دار الدنيا ويوم

(1) سورة الحجرات: آية 13.

(2)

رواه مسلم في الجنة باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار عن عياض بن حمار المجاشعي.

(3)

رواه أبو داود في الأدب باب في كراهة الرفعة في الأمور عن أنس.

ص: 51

المعاد، فإن بحث عن العبادات والقربات وجد طلبته، فيجد في باب العقيدة الإيمان والإخلاص والاعتصام والإسلام والإحسان والتوكل والخوف ونحوها، ويجد أنواع التوحيد كالدعاء والرجاء والاستعانة والإنابة، والتوبة والاستغفار وما أشبهها، ويجد من الأعمال الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وما يلحق بها، وهكذا ما يتعلق بحقوق العباد كالبر والصلة والصدق والسخاء وأشباه ذلك، وهكذا إن أحبّ معرفة المحرمات والمنكرات كالشرك والقتل والزنا والسرقة والكذب والربا والإلحاد والبغي والكبر وما يلحق بها، فجزى الله من فكر في جمع هذه الموسوعة أحسن الجزاء، فلقد أراحوا طالب الاستفادة من كثرة العناء في البحث والتنقيب في أمهات كتب الأحكام، وكتب الفضائل وكتب الآداب، وكتب الأوامر والنواهي والزواجر ونحوها، وأحالوا القارأ إلى الأماكن التي توسع مؤلفوها في تلك المسائل بإيراد النقول والآثار والعلل والأحكام والمنافع والمضار، فنوصي طالب العلم بالحرص على اقتناء مثل هذه الموسوعة الطيبة المباركة، ومراجعتها عند الحاجة والاستفادة منها، وشغل أوقات الفراغ بمطالعة ما تيسر من الأبواب والمسائل، فهي مرجع أساسي للدعاة والمصلحين، والخطباء والوعاظ، والمفتين والقضاة واللغويين وغيرهم، ولا شك أن الفائدة كبيرة حيث يتزود هؤلاء من الآيات القرآنية التي تتعلق بذلك الموضع ولو بالمعنى، وكذا الأحاديث النبوية والآثار والنقول والفوائد فالمطالع لتلك المسائل لا بد أن يكون لديه حصيلة وافرة يظهر أثرها في أعماله وأقواله، ويتعدى ذلك إلى ولده وجليسه، ويزداد دائما علما وفهما، ومع ذلك فلا بد من حسن المقصد، وإصلاح النية في القراءة والاستفادة والإرشاد والتعليم، فبذلك تكون الجهود مفيدة والأعمال مقبولة، هذا وإني أشكر الأخ عبد الرحمن بن محمد بن ملوح الذي أتاح الفرصة لكتابة هذه الصفحات في مقدمة هذه الموسوعة مع اعترافي بالقصور والضعف في الإنتاج، ولكن ذلك من باب المساهمة في فعل الخير، وأعرف باطلاعي على هذه الموسوعة ما وصل إليه الأخ عبد الرحمن ومن ساعده في إبراز هذا الجهد، وما هو متمتع به من الفكر والإدراك، والغوص على درر المعاني وإبراز المعلومات، ومعالجة الأمور التي تمس إليها الحاجة، ويحصل منها النفع العام للصغير والكبير والذكر والأنثى، في زمن كثرت فيه العوائق وانشغل الأبوان بشئون الحياة، وأكب الجهال والعوام على الملهيات والخرافات واستصعبوا نيل المعلومات، وإخراج المسائل، وتحصيل الفوائد، ولعل في شغلهم بهذه العلوم النافعة ما يكون منبها لهم إلى الرجوع قليلا حتى يعرفوا ويتصورا ما بذله الأولون من جهود جبارة في رصد العلوم وتدوينها، وتقريبها وتهذيبها وأنهم حازوا قصب السبق، فيقبلوا على العلم والاستفادة، ويتبعوا العلم بالعمل الصالح، فهو الثمرة والنتيجة المطلوبة، والله الموفق والمعين، ونسأله سبحانه أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، ويرزقنا جميعا الفهم عنه والإخلاص له في الأقوال والأعمال، ونسأله أن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا ويصلح أحوال المسلمين، ويولي عليهم خيارهم، ويعز الإسلام والمسلمين، ويذل الكفر وأهله إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

10/ 11/ 1416

هـ.

كتبه عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين

ص: 52

‌تقديم فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد

إمام وخطيب المسجد الحرام وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا المنهج العلمي للموسوعة الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، أرسله على حين فترة من الرسل وحاجة من البشر، بعثه بالدلائل الواضحة والحجج القاطعة والبراهين الساطعة. أيقظ به العقول من سباتها وصرف به النفوس عن أهوائها فكان صلى الله عليه وسلم بإذن ربه مصدر خير ومبعث نور وشمس هداية، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ودعا إلى الحق، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه حيّا وميتا أفضل صلاة وأطيب سلام وأزكى بركة. نشر الله محبته ورفع في أعلى عليين درجته وصلى ورضي على آله وأصحابه وورثة هديه من العلماء العاملين والدعاة المصلحين الذين فقهوا دين الله وأدركوا مراميه وفهموا مقاصده واستنوا بهديه وعملوا بأحكامه ودعوا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وبذلوا أنفسهم ونفيسهم فهدى الله بهم العباد وفتح على أيديهم البلاد.

أما بعد فإن أولى ما اختاره الإنسان لنفسه بعد إيمانه بربه أن يكون مرتاضا بمكارم الأخلاق ومحاسنها متجافيا عن سيئها متنزها عن سفسافها آخذا في جميع الأحوال بالفضائل، عادلا في كل أفعاله عن طرق الرذائل، يجعل مقصده اكتساب كل شيمة سليمة من المعايب، ويصرف همته إلى اقتناء كل خيم «1» كريم خالص من الشوائب، يبذل جهده في تجنب كل خصلة رديئة ويستفرغ وسعه في اطراح كل خلة ذميمة، فيحوز الكمال بتهذيب خلائقه، ويكتسي حلل الجمال بدماثة شمائله.

وإن المبتديء في تطلب هذه المرتبة والراغب في بلوغ هذه المنزلة ربما خفيت عليه الخلال المستحسنة التي يعنيه تحريها وقد تلتبس عليه الصفات المستقبحة التي غرضه توقيها.

ويزداد الغموض ويغلظ اللبس في هذه العصور المتأخرة التي تعيش الأمم في أغلبها حياة مادية مظلمة يتنكرون فيها للدين ويسخرون من القيم، ابتلوا فيه بما ينهك الروح ويرهق الأعصاب، إيغال في التقدم المادي مظلم وحضارة عند العقلاء حمقاء، انفلت فيها زمام العقل والخلق، وطغت في جنباتها ظلمات الإلحاد وانطفأ في

(1) خيم: خلق ووصف.

ص: 53

أرجائها نور الإيمان وانحسرت القيم الخلقية فلم يعد لها في موازين الناس حساب.

من المؤسف حقّا أن تكون هذه هي الصورة في أغلب مجتمعات اليوم وشعوبه إلا ما رحم ربنا.

ولكن الإسلام دين الله الحق- قرآنا وسنة- قد جعل لمهمة تهذيب الأخلاق وتزكية النفوس واكتساب الفضائل مكانة كبرى ورتبة عليا ومقاما ساميا.

ولا بد في هذه المقدمة من وقفات مع الإسلام ونبي الإسلام، نوضح فيها هذا المقصد من خلال النظرة القرآنية ومقاصد البعثة المحمدية.

إن من حق قرآننا علينا أن نتدبر معانيه وأن نفهم مقاصده. ففيه ما يدل على هذه الأخلاق وتهذيبها ويرشد إلى الآداب الإسلامية واكتسابها، فهي أمور محكمة وآداب لكل خير جامعة.

ذلك أن القرآن هو كتاب الله الخالد ومعجزة رسوله الباقية ونعمته السابغة وحجته الدامغة وهو ينبوع الحكمة وآية الرسالة ونور الأبصار والبصائر وبحر لا يدرك غوره ولا تنفد درره ولا تفنى عجائبه ولا تقلع عن الغيث المدرار سحائبه ولا تنقضي آياته. أنزله ربنا لنقرأه تدبرا ونتأمله تبصرا ونسعد به تذكرا ونحمله على أحسن وجوهه ومعانيه ونجتهد في إقامة أوامره ونواهيه وكلما ازدادت البصائر فيه تأملا زادها هداية وتبصرا. أنزله ربنا وصرّفه وعدا ووعيدا وأمرا ونهيا وترغيبا وترهيبا وتشريفا وسياسة وحكمة وعلما ورحمة وعدلا واشتمل على أصول العقائد وقواعد الأحكام ودعائم الأخلاق.

وهذه إشارة لنموذج قرآني من حشد الوصايا الأخلاقية حثّا على المحمود وتنفيرا من المذموم انتظمت في سورة واحدة وسياق متتابع، يقول سبحانه: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً* رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً* وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً* وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً* إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً* وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً* وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا* وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً* وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا* وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* وَلا تَقْفُ ما

ص: 54

لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا* وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا* كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً* ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً «1» .

إن المتأمل في هذه الآيات القرآنية يدرك غاية القرآن وتركيزه الشديد على بناء الشخصية الإسلامية على أساس من القيم الأخلاقية الرفيعة تركيزا يبتديء من تصحيح العقائد وتطهير النفوس من درن الشرك والجاهلية والتحلي بالعلم الصحيح وتنظيم العلائق الاجتماعية والهداية إلى السداد من القول والعمل.

وهكذا يتجلى القرآن العظيم إرشادا لمحجة وتبصرة لعبرة وتذكرة لمعرفة وإرشادا من غي وبصيرة من عمى وحثّا على تقى وحياة للقلب وغذاء للروح ودواء وشفاء وعصمة ونجاة.

نعم إن إدامة النظر وإطالة التدبر في هذا القرآن العظيم تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغايتهما وثمراتهما ومآل أهلهما وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه. هذا عن القرآن.

أما نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم فمن المعلوم كل العلم أن أي حياة فاضلة لابد لها من رائد كما أن الأحياء الأتقياء لا غنى لهم عن أسوة وقائد. ومن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم رائد للحياة وقائد للأحياء؟ إنه الموجه إلى الخير الهادي إلى البر الداعي إلى أكرم طريق، هو الرائد الأمين والمبلغ المبين والبشير النذير والسراج المنير، جاء بالدين الحق والإسلام الخاتم والشريعة الخالدة لتنظيم أمر الحياة والأحياء انتظاما كاملا ولضبط العلائق فيما بينهم أفرادا وجماعات وحكاما ومحكومين.

إن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عقيدة استعلاء من أخص خصائصها أنها تبعث في روح المؤمن إحساس العزة من غير كبر وعلو الهمة من غير بطر وروح الثقة في غير اغترار وشعورا بالأمان والاطمئنان من غير تواكل.

دين يشعر أتباعه بالمسئولية الملقاة على عواتقهم وتبعة الأمانة في الاستقامة على الحق والدعوة إليه في المشارق والمغارب.

لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام من عند ربه الذي رضيه وأكمله وأتم به نعمته الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «2» .

وبكماله وتمامه بلغه صلى الله عليه وسلم إلى الأحمر والأسود وعلمه أصحابه لتلاميذهم من التابعين في أرجاء الأرض وأقطارها قرنا فقرنا فتلقاه العربي والأعجمي والقريب والبعيد فعرفوا فيه نظام الحياة المتكامل الجامع بين العدل

(1) الإسراء: 23- 39.

(2)

المائدة: 3.

ص: 55

والرحمة والحق والقوة وعلى دعائمه قامت أعظم قواعد الأخلاق ومباديء السلوك وفي مثل هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» «1» .

إن الناظر والدارس لهذا الدين يرى ذلك الفيض الغامر وذلك التراث الثر من التربية والتعليم والإصلاح والتقويم في توجيه واسع وشامل في القول والعمل والفرد والجماعة حتى تحقق وصف الله في نبيه صلى الله عليه وسلم وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.

ولقد طال الأمر على المسلمين واشتد مكر أعدائهم فصار كثير منهم إلى حال من المسخ والتشويه والضعف والهوان في رقعة من الأرض ذات اتساع جغرافي وتكاثر سكاني لكنهم يجهلون كثيرا من حقائق الإسلام عقيدة وشريعة وأدبا وخلقا، يعيشون في أمشاج من الأساطير والخيالات وضعوها لأنفسهم بجهالاتهم وبعدهم عن المصدر الحق، وقد يكون منها ما وضعه أعداؤهم من أجل المباعدة بينهم وبين الصحيح من الدين. فاستمرءوا الذل والضعف واستوبئوا «2» العزة والقوة ونزلوا عن كرامتهم وشموخهم الإسلامي ليقتاتوا بقوت متعفن من بقايا موائد الحضارة المادية. وهذا ما حاق بهم في أوطانهم فاستعبدتهم أمم لا تذكر معهم في حساب العد والإحصاء.

وعند النظر والمقارنة بين الواقع والمثال، الواقع المر والمثال النموذجي الأسوة ولأن المصدر باق محفوظ بحفظ الله. فقد توجهت همة بعض الأفاضل والغيورين للقيام بعمل لعله أن يكون من اللبنات الصالحة التي يقوم عليها إعادة بناء الأمة على المنهج الحق. إنه عمل موسوعي في منهج الأخلاق نظرا وتطبيقا. عمل يرجى أن تنعكس نتائجه على ذوي الشأن من المربين والمتعلمين.

عمل حرص على أن يتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة، فالمسلمون منذ أن أظلهم الله بظل الإسلام قد شغفوا بجمع كل ما يتصل بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ومكارم أخلاقه وشمائله ثم مضوا يتدارسون هذا الذي جمعوه يفيضون فيه ويستلهمون منه.

وإن متغيرات الحياة وطرائق التفكير المستجدة وتكاثر قنوات المعلومات والمعارف جعلت من العزيز والشاق أن يستفيد طالب الاستفادة من خضم هذا الفيض الغامر. ليخرج بدراسة جامعة منظمة تتسق مع متغيرات العصر وتنظيماته العلمية.

إنها دراسة موسوعية قصد بها توثيق الاتصال بحياة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في سيرته والارتباط بمكارم أخلاقه وتجمع له الشتات المتوزع في شتى المصادر والمراجع.

إنها دراسة شاملة تعني ببيان محمود الأخلاق ومذمومها وتشحذ الهمم نحو سمو أخلاقي يحقق أهدافا

(1) أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي.

(2)

استوبؤوا العزة والقوة: أي عدوهما من الوباء.

ص: 56

سامية لعل فيها طريقا للنجاة ومسلكا للخير والسعادة والعزة والقوة.

عمل علمي يرجى أن يسترشد به من كانت له همة سنية تسمو به إلى مباراة أهل الفضل ونفس أبية تنبو به عن مساواة أهل الدناءة والنقص.

وإليك- رعاك الله- بعض التفاصيل عن إعداد هذا العمل وطريقة الاستفادة منه ومراحل تنفيذ هذه الموسوعة:

الموسوعة مصطلح معاصر تعني في مدلولها جمع المعارف في فن معين أو فنون متعددة طبقا لخطة إخراج خاصة تنتج حصيلة ضخمة من المعلومات بين يدي القاريء متخصصا أو غير متخصص على حد سواء.

وثمت خطتان غالبتان لتحرير الموسوعات:

إحداهما: تبني أسلوب تجميع المعلومات حسب وحدة الموضوع بحيث تقدم عرضا شاملا له.

ثانيهما: اعتماد الحروف الأبجدية ومن ثمّ تتوزع المعلومات في خانات وجداول ترتبط بنوع الحرف من غير رعاية لوحدة الموضوع الشاملة.

وقد جرت هذه الموسوعة على الطريق الثاني تمشيا مع طبيعة غرض هذه الموسوعة وتحقيقا لغاية الواضعين.

وهي في ذات الوقت أسهل لتناول القاريء لمواد الموسوعة.

وفكرة الموسوعة وليدة نظر الأخ عبد الرحمن بن محمد بن ملوح، الذي عرضها عليّ فتبلورت الفكرة لدينا، وأخذت مسارها العلمي دراسة وبحثا ومنهاجا وتم وضع المنهج الذي سوف يوصف لك لاحقا.

ولقد مرت الموسوعة في فترة إعدادها بمراحل من الطروحات وألوان من الصعوبات جلبت معها اختلافات في وجهات النظر بين الباحثين في بعض مواقع الدراسة وأساليب البحث ومعالم المنهج ولكنها مع الزمن والخبرة انصهرت لتتبلور في المنهج الذي تراه بين يديك. وما كان ذلك إلا بتوفيق الله أولا ثم الإخلاص وحسن القصد مع اجتماع الإرادة على تقديم عمل نافع للناس وخادم للعلم بإذن الله.

لا سيما إذا علمت- حفظك الله- أن مادتها قد تم استعراضها وقراءتها قراءة متأنية وأعيدت صياغتها أكثر من مرة أمام المشرف والباحثين مجتمعين في جلسات منتظمة. ولا يدّعي معدوها أنها بلغت الكمال، فالكمال لله وحده ولكنها لقيت من العناية والدقة والمتابعة ما يؤكد احترام القاريء والباحث، وإن عملا واسعا مثل هذا لا يسلم من نقد ونظر بل من اختلاف الأنظار فيه ولكن المرجو ممن يجد خطأ أو يستحسن فكرة أن يبعث بها مشكورا مثابا لعله يمكن تلافي النقص ومقاربة التسديد في طبعات قادمة، ورحم الله من أهدى إلينا عيوبنا.

ص: 57

‌الغاية والهدف:

الغاية المقصودة والهدف المتوخى من هذا العمل يتمثل في جملة من العناصر أهمها:

1-

الدلالة على معالي الأمور والإرشاد إلى كريم الأخلاق والتوجيه إلى صواب التقدير وحسن التدبير في بناء الإنسان وعمارة الأرض والقيام بمهمة الاستخلاف.

2-

الاستيعاب قدر الإمكان وحسب الطاقة لأصول الأخلاق ومبادئ المكارم بقصد التذكير والتأسى والمراجعة.

3-

إبراز لون من ألوان السيرة المحمدية وإظهار الجانب التطبيقي من خلال المأثور من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وجبلته.

4-

تقريب النصوص والمصادر للمهتمين من العلماء والدعاة والمربين لطريق المنهج الموسوعي حسب ما تقتضيه متطلبات العصر ومتغيراته.

5-

دعوة العقل الإنساني بعامة إلى ميادين الفكر الفسيحة في ظل الحقيقة الإسلامية الشاهدة من خلال قيمها الأخلاقية وفضائلها.

‌أصول البناء في هذه الموسوعة علما ومنهجا:

استغرق العمل في هذه الموسوعة تسع سنين متواصلة وضمت بين صفحاتها وأعمدتها من الصفات ثلاثمائة وإحدى وستين صفة في محمود الأخلاق ومذمومها.

ولقد كانت خطة العمل في هذه الموسوعة طموحة ودقيقة وهي ثمرة مجهودات متضافرة وعمل دءوب تقبله الله بقبول حسن بمنه. واشتملت الخطة وأصول البناء على الخطوات التالية:

أولا: مقدمة عامة في الأخلاق: تعريفها- أنواعها- أهميتها في الحياة الإنسانية.

ثانيا: العناية بإبراز علاقات الإنسان بربه وبنفسه وبغيره.

ثالثا: إبراز الجوانب الأخلاقية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد استدعى ذلك الحديث باختصار عن:

أ- نبذة مختصرة في السيرة النبوية.

ب- إفراد مبحث خاص في فضل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رابعا: إيراد الصفات المحمودة من الأخلاق وضدها من الصفات المذمومة ومحاولة الاستيعاب قدر الطاقة لأصول الألفاظ والمعاني حسبما اقتضتها طبيعة البحث وتوافرت فيه المعلومات، وهذا العنصر هو المقصود الأعظم من هذه الموسوعة.

وقد سلك في كتابة الصفات وصياغتها الخطوات التالية:

1-

روعي في الصفات المحمودة والمذمومة ترتبيها على حروف المعجم.

ص: 58

2-

استوعبت الموسوعة في كل صفة من صفاتها: التعريف اللغوي والاصطلاحي والنص القرآني، والحديث النبوي، والآثار سواء ما ورد من ذلك باللفظ أو بالمعنى، وما ورد من أقوال المفسرين ومأثور الحكم شعرا ونثرا مما يتعلق بالصفة وملخص لفوائد الصفات المحمودة ومضار المذمومة منها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر صفة «التقوى» مثلا سوف ترى في مادتها: تعريفا لغويّا حيث تم الرجوع إلى كتب اللغة المعتمدة في هذا الشأن مثل الصحاح للجوهري، وتاج العروس للزبيدي، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس، والنهاية لابن الأثير، ولسان العرب لابن منظور والمصباح المنير للفيومي، فضلا عن كتب المعاصرين، وأما التعريف الاصطلاحي فيرجع فيه إلى كتب التعريفات مثل تعريفات الجرجاني والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي، إضافة إلى ما في كتب الشروح والأحكام والسلوك، ثم بعد التعريف اللغوي والاصطلاحي أورد الباحثون نقولا تبرز حقيقة التقوى وثمراتها في الدنيا والآخرة ثم بعقب ذلك كله:

- الآيات القرآنية الواردة بلفظ التقوى.

- الأحاديث النبوية الواردة في التقوى لفظا.

- الأحاديث النبوية الواردة في التقوى معنى.

- المثل التطبيقي من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في التقوى.

- الآثار من أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان والتي تحث على التقوى وتبشر بموعود الله للمتقين.

- فوائد التقوى.

هذا بالنسبة للصفات المحمودة، أما الصفات المذمومة فتصنف وفق التصنيف الأول باستثناء المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

3-

روعي الاختصار والتركيز في التعريف اللغوي واشتقاقات الكلمة واستعمالاتها.

4-

روعي عند التعريف لكل صفة ذكر مرادفات هذه الصفة في الهامش وما اشتملت عليه من مباحث- مثال ذلك:

من الصفات المذمومة «صفة سوء المعاملة» ستجد في هامشها (المعاملة، سوء المعاشرة، سوء معاملة البهائم) » .

5-

ذكر في بعض الصفات بعد التعريف اللغوي نقول مهمة تزيد من تعريفها وتوضح المراد منها وتبيّن أقسامها وصلتها بغيرها من المواد.

6-

وضع عناوين جانبية لبعض النقول.

7-

نظرا لأن العمل موسوعي ومقصوده تقريب المادة للقارىء والباحث، فقد حرص معدّو الموسوعة على إيراد النقول كاملة بنصها من مصادرها ولم يتصرفوا فيها إلا بقدر ما يحفظ الانسجام وترابط المعنى.

ص: 59

8-

استوعب معدو الموسوعة جميع الآيات القرآنية التي وردت بلفظ الصفة موضوع البحث ثم اكتفوا بإثبات الآيات التي تغطي جوانب الصفة وتتناسب مع حجمها.

9-

عزو الأحاديث إلى مصادرها من دواوين السنّة المشهورة فما كان منها في الصحيحين أو أحدهما فأمره ظاهر ويكتفي به عن العزو إلى غيرهما ما لم يكن اللفظ المستشهد به عند غيرهما وما كان في غير الصحيحين أو أحدهما فقد اعتمد معدو الموسوعة تصحيحات ذوي الشأن والاختصاص من أهل الصنعة الحديثية، علما بأنه إذا نقل عن بعض أئمة أهل الصنعة الحديثية مثل الحافظ الهيثمي أو الحافظ المنذري قولهم في حديث رجاله ثقات أو رجاله رجال الصحيح فإن ذلك لا يعني بالضرورة الجزم بصحة الحديث.

10-

صنفت الآيات القرآنية وفقا للمعنى العام الذي تندرج فيه وذلك بالاعتماد على كتب الوجوه والنظائر من ناحية، وكتب التفسير من ناحية أخرى، وقد روعي في كل مجموعة على حدة تسلسل الآيات كما وردت في المصحف الشريف.

11-

رتبت الأحاديث وفقا للمنهج العلمي الذي يراعي الأحاديث الواردة باللفظ أولا ثم الأحاديث الواردة بالمعنى ثانيا، وأخيرا الأحاديث الواردة في المثل التطبيقي.

12-

قد يرى القاريء أن بعض ما أورد من الأحاديث باللفظ في دلالته على المطلوب بعد، غير أننا أوردناه حرصا على الاستيفاء واحتراما لمشاركة القاريء في الفهم.

13-

يذكر الحديث الطويل بتمامه عند أول وروده ثم يكتفي بإيراد الشاهد في المواطن الأخرى مع الإحالة إلى الموضوع الأول.

14-

الصفة إذا تكاثرت فيها النصوص وتشعبت فيها المعاني مما لا يقبل علميّا ولا منهجيّا- استيعاب كل ما ورد فيها فإن الموسوعة اكتفت بإيراد حديث في كل فرع أو شعبة (كالطهارة) مثلا، فإن من موضوعاتها وتفريعاتها «الاستنجاء- الوضوء- الحيض» مما استوعبته كتب الأحكام.

15-

يلاحظ في الاستدلال في النصوص اللفظية على الصفة أن تكون دالة على المراد مدحا أو ذمّا.

16-

أوردنا في كل صفة النصوص التي تفيد الترغيب والترهيب والثواب والعقاب والتي تظهر الفضائل وتنهى عن الرذائل.

17-

بعد ذكر الأحاديث التي وردت باللفظ والمعنى في الصفات المحمودة فقط عقبنا ذلك ببعض الأمثلة التطبيقية من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجدت-.

18-

بيّنا في الهوامش ما ورد في الحديث أو الأثر من الغريب.

19-

نقل جميع معلومات الموسوعة بأمانة ودقة حسب الطاقة، ولم يتم التصرف إلا في أضيق الحدود.

20-

روعي ترتيب الآثار حسب وفيات من نسبت إليهم.

ص: 60

‌الخاتمة

وفي الختام وبعد أن استوى هذا العمل على سوقه، لعلك سوف تجد نفسك قارئنا الكريم أمام صورة مشرقة تعكس أصالة ذلك التراث العظيم وتوضح في جلاء أن الشريعة الإسلامية حفلت بقيم خلقية عالية كان لها شأن بعيد وأثر حميد في تربية النفوس وإصلاحها وتقويم الأخلاق وتهذيبها.

لذا كان لزاما على حملة شريعة الإسلام أن يدرسوا الحياة العالمية وأن يعدوا أنفسهم لهذه الدراسة الواسعة العميقة ليتعرفوا على مشكلاتها وأسبابها، وما جد فيها، وعليهم أن يقوموا بالتوجيه الصالح الرشيد بعرض مبادىء الإسلام عرضا جذابا، وحمل رسالة الحق والخير وتأديتها إلى الناس كافة أداءا رغيبا صالحا، يدفع دعوة الإسلام إلى الآفاق الرحبة ويبين سماحتها وسمو مقاصدها، وهذا واجب كل مؤمن بعامة، وواجب العلماء بخاصة، فإذا نهض للقيام بهذا الواجب طائفة فقهت الإسلام وشرائعه. ودارسو الإسلام مطالبون أشد المطالبة بالقيام بعمل جاد قوي حتى تتاح الفرصة من جديد أمام العقل الإسلامي الحائر لفهم الإسلام فهما صحيحا، يعم مشارق الأرض ومغاربها بروح سمح «حنيفي» يقدر الواقع، ويقف معه وجها لوجه يعالجه ولا يتهرب منه.

وكان من أعظم واجبات المسلمين في هذا العصر أن تتضافر جهودهم على إعانة القائمين به حتى تتاح الفرصة لبلوغ أفكارهم غاياتها من قلوب الناس وعقولهم، تحقيقا لإبلاغ الدعوة وأداء لحق الوراثة في هذا التبليغ.

ومرة أخرى فإن معدّي الموسوعة وهم يقدمون هذا العمل الحافل بالنقول لإخوانهم القراء ليدركون الصعوبات التي تكتنف مثل هذه الأعمال العلمية الكبيرة ويؤمنون كل الإيمان بأن العصمة لله وحده ويرجون ويؤملون أن يغتفر لهم القراء ما قد يقعون فيه من قصور أو هفوات غير مقصودة ويرحبون كل الترحيب بإبداء الملاحظات والتصويبات، ومهما يكن من شيء فهم يؤملون أنك ستجد هذه الموسوعة الأخلاقية مرتبطة الحلقات متماسكة الأطراف، ولعلها تغنيك في مراجعة هذا التراث العظيم، كما يؤملون أن تكون هذه الموسوعة من العوامل الفعّالة في تذكير المسلمين بما كان لهم من عظمة ومجد فتبعثهم على التمسك بهذا الدين العظيم «دين الإسلام» نصّا وروحا وحتى تتوحد كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.

سدد الله الخطا وبارك في الجهود وهدى إلى الصواب من القول والعلم والعمل وكفى بربك هاديا ونصيرا.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه صالح بن عبد الله بن حميد

ص: 61

‌ثراء في الإيمان

وثروة في لغة القرآن

‌مقدمة اللجنة اللغوية

بقلم: أ. دكتور عبد الفتاح عبد العليم البركاوي

- أستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

وبعد

فإن أصدق تعبير عن هذه الموسوعة هو ما جاء في العنوان الذي اخترناه لهذا التقديم: ثراء، وثروة، فهي تتضمن ثراء إيمانيّا بما تتضمنه من الآيات والأحاديث والآثار والأحكام الشرعية وآداب السلوك، وهي أيضا ثروة في لغة القرآن بما تتضمنه من شرح للمفردات اللغوية الواردة في عناوين الصفات، أو للكلمات الغريبة الواردة في متون الأحاديث، ذلك فضلا عن توضيح المعاني الاصطلاحية لألفاظ الصفات، والكشف عن الفروق الدقيقة بينها.

لقد جاءت مقدمات الصفات متضمنة بحوثا لغوية موجزة تتعلق بأصول هذه الألفاظ وكيفية اشتقاقها، كما تضمنت وجوه استعمال اللفظ في القرآن الكريم اعتمادا على كتب الوجوه والنظائر من ناحية، وعلى كتب التفسير من ناحية أخرى، وهنا كان للجنة جهد بارز يتجلى في تصنيف الآيات القرآنية وفقا لما جاء في المصدرين معا (كتب التفسير، وكتب الوجوه والنظائر)«1» ، وفيما يتعلق بالتعريفات الاصطلاحية لم تكن المهمة سهلة كما قد يتصور للوهلة الأولى، ذلك أن كثيرا منها لم تتضمنه كتب الاصطلاحات المعروفة، وهنا كان الاعتماد على أقوال المفسرين وشراح الحديث واللغويين في استنباط المعنى الاصطلاحي الذي يبرز في هذه الموسوعة للمرة الأولى، هذا بالإضافة إلى التفرقة الدقيقة بين معاني المصطلحات التي قد يظن أنها مترادفة «2» أو متطابقة وهي- في الحقيقة- ليست كذلك مثل التدبر والتفكر والتأمل ونحوها، وبذلك أضافت الموسوعة إلى ما كتبه علماء الفروق «3» إضافات لا يمكن الاستغناء عنها لمن يريد الوقوف على حقائق معاني الأخلاق الإسلامية من ناحية، وعلى دقة اللغة العربية في التعبير من ناحية ثانية، وإذا كانت الأشياء إنما تتميز بأضدادها ويتضح معناها أكثر إذا اقترنت بنظائرها، فقد حرصنا في نهاية كل مقدمة لغوية على أن نشير إلى الصفات المتقاربة التي تدخل مع الصفة المتحدث عنها في نفس الإطار الدلالي وتشكل معها حقلا لغويا واحدا «4» مما يساعد على الفهم الصحيح لكل صفة على حدة، كما أشرنا أيضا إلى الصفات التي تضاد هذه الصفة

(1) كتب الوجوه والنظائر كتب متخصصة في الكشف عن وجوه استعمال اللفظ القرآني في معان عديدة، وأقدم ما وصل إلينا منها كتاب الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان (150 هـ) . وقد يحدث ذلك في لفظ دون آخر، وقد تتبعنا ما ورد من ذلك في المصادر الأصلية.

(2)

يراد بالترادف أن يطلق لفظان أو أكثر للدلالة على معنى واحد مثل: البر والقمح والحنطة، أو مثل السنة والعام والحول والحجّة.

(3)

وذلك مثل أبي هلال العسكري في كتابه «الفروق اللغوية» .

(4)

تعد نظرية الحقل اللغوي في الدراسات الدلالية من أحدث ما توصل إليه علم اللغة العام، انظر في هذه النظرية وكيفية تطبيقها على اللغة العربية، كتابنا: مدخل إلى علم اللغة الحديث ص 155 (ط. أولى) .

ص: 62

صراحة أو ضمنا، مثال ذلك أن نذكر مع صفة الابتهال صفات: الدعاء- الضراعة- الاستغاثة- الاستخارة- الاستعانة- الاستعاذة على أنها صفات متقاربة، ثم نذكر في ضد ذلك:

الإعراض- الغفلة- اليأس- القنوط على أنها صفات مضادة «1» ، وقد رأينا إتماما للفائدة أن تتضمن الفهارس الفنية فهرسا خاصا لهذه الحقول الدلالية التي تدخل الصفات في أطرها، وأطلقنا عليه فهرس «الإحالايث» نظرا لأنه يساعد قارىء الصفة بإحالته إلى المواطن المشابهة أو المضادة.

إن الجهد اللغوي في هذه الموسوعة قد تضمن أيضا تفسير كثير من آي الذكر الحكيم، كما تناول تفسير الألفاظ والعبارات الغريبة التي وردت في الحديث الشريف، وقد رجعنا في ذلك إلى المتداول من كتب شرح الحديث مثل فتح الباري، وشرح الإمام النووي لصحيح مسلم، وكتب غريب الحديث وخاصة الأمهات منها، ونعنى بذلك غريب الحديث لأبي عبيد (م 224 هـ) ، وغريب الحديث لابن قتيبة (م 276 هـ) ، وغريب الحديث للخطابي (م 388 هـ) ، وأخيرا كنا نرجع إلى الكتب الجامعة في الغريب مثل الفائق في غريب الحديث للزمخشري والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير «2» .

‌فصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم:

لقد كان حديثه صلى الله عليه وسلم كما يقول الجاحظ: هو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام وقلة الكلام، ولم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا، ولا أقصد لفظا، ولا أعدل وزنا، ولا أجمل مذهبا، ولا أكرم مطلبا، ولا أحسن موقعا، ولا أسهل مخرجا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى من كلامه صلى الله عليه وسلم «3» .

وقد جاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ترويه أم معبد- أنه كان إذا «تكلم سما وعلاه البهاء.. حلو المنطق، فصل، لا نذر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن..» «4» ، وقد لفتت فصاحته صلى الله عليه وسلم أنظار من كانوا مضرب الأمثال في الفصاحة والبيان حتى قال قائلهم وقد سمع المصطفى صلى الله عليه وسلم يجري حوارا مع بعض الصحابة: يا رسول الله ما أفصحك! ما رأينا الذي هو أعرب منك «5» ، وقد فسّر العلماء ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم «لم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة، وشيد بالتأييد ويسر بالتوفيق» «6» .

(1) انظر على سبيل المثال ص 2 من المجلد الثاني.

(2)

المراد بالغريب هنا تلك الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم لقلة استعمالها.

(3)

البيان والتبين 2/ 17.

(4)

انظر حديث أم معبد كاملا في قسم الشمائل ص (416) .

(5)

انظر هذا الحوار الذي نقله السيوطي عن البيهقي في المزهر 1/ 35، ومعنى أعرب منك: أي أفصح منك من الإعراب، بمعنى الإبانة والفصاحة.

(6)

البيان والتبيين 2/ 17.

ص: 63

وإذا كان الأمر كذلك فإن لسائل أن يسأل: لماذا كثر الغريب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

لقد كان «غريب الحديث» بمعنى: الألفاظ أو العبارات الغامضة الواردة في متون الأحاديث من أسبق علوم الحديث ظهورا، وكان السابق إلى التأليف فيه هو الإمام: أبو عبيدة معمر بن المثنى (م 216 هـ) ، ثم توالى التأليف فيه إلى يوم الناس هذا، وهنا قد يتبادر سؤال إلى الذهن خلاصته: كيف يكثر الغريب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ مع أن الغرابة عيب يخل بالفصاحة ومع ذلك فقد ثبت أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أفصح العرب قاطبة.

إن مناقشة تفصيلية لهذه القضية لا يتسع لها هذا المجال «1» وإنما نكتفي بالإشارة إلى أن الغرابة أمر نسبي يختلف باختلاف الزمان والمكان، كما يختلف باختلاف المتحدّث إليهم، فما يكون غريبا عند قوم قد لا يكون غريبا عند آخرين، وما يكون غريبا في عصر قد يكون هو- لا غيره- أفصح الفصيح في عصر آخر، وإذا طبقنا هذه المعايير على الحديث النبوي الشريف- وقد طبقناها فعلا- على ما أورده أبو عبيد في كتابه «غريب الحديث» لكانت النتيجة «أنه صلى الله عليه وسلم لم يستعمل إلا الواضح المألوف في بيئته، وإلا ما كان مفهوما لمن يتوجّه إليهم بالخطاب، وأن هذا لا ينفي بالطبع أن بعض الألفاظ الحديثية قد قل استعمالها فيما بعد نتيجة لتطور اللغة، كما اتضح أن بعض هذه الألفاظ كانت غامضة المعنى عند غير من يخاطب بها «2» ، وأن ذلك كان هو السبب في إطلاق وصف الغرابة عليها» «3» .

لقد تكفل الإمام الخطابي- رحمه الله تعالى- ببيان السبب الذي من أجله كثر غريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد بعث صلى الله عليه وسلم مبلغا ومعلما، فهو لا يزال في كل مقام يقومه وموطن يشهده يأمر بمعروف وينهى عن منكر، ويشرع في حادثة، ويفتي في نازلة، والأسماع إليه مصغية، والقلوب لما يرد عليها من قوله واعية، وقد تختلف عنها عباراته، ويتكرر فيها بيانه، ليكون أوقع للسامعين، وأقرب إلى فهم من كان منهم أقل فقها وأقرب بالإسلام عهدا، وأولو الحفظ والإتقان من فقهاء الصحابة يرعونها (كلها) سمعا، ويستوفونها حفظا، ويؤدونها على اختلاف جهاتها، فيجتمع لذلك في القضية الواحدة عدة ألفاظ، تحتها معنى واحد، وذلك كقوله:«الولد للفراش، وللعاهر الحجر» «4» ، وفي رواية أخرى:«وللعاهر الإثلب» «5» . قال الخطابي: وقد مر بمسامعي ولم يثبت عندي: «وللعاهر الكثكث» .

(1) لقد أفردنا هذه المسألة بالتأليف في كتابنا: الغرابة في الحديث النبوي، دراسة لغوية تحليلية في ضوء ما أورده أبو عبيد في «غريب الحديث» ط. أولى القاهرة 1407 هـ.

(2)

مثال ذلك أن يخاطب أحد المغاربة بعض أهله بلهجته المحلية، ويكون أحد السعوديين بجانبه، وفي هذه الحالة يكون كلام المغربي مفهوما لبني جلدته، وغريبا بالنسبة للسعودي، وإذا انتقلنا من الشاهد إلى الغائب اتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب أبناء القبائل بلهجتهم، وحوله من الصحابة الكرام من لا يفهم هذه اللهجة، وهنا يكون كلامه صلى الله عليه وسلم مفهوما للمخاطبين غريبا بالنسبة للصحابي الذي لا يعرف تفاصيل هذه اللهجة.

(3)

الغرابة في الحديث النبوي للدكتور عبد الفتاح البركاوي ص 209 (بتصرف) .

(4)

أخرجه البخاري 4/ 4، ومسلم 2/ 1080.

(5)

رواه أحمد 2/ 179، 207 من حديث ابن عمر.

ص: 64

وقد يتكلم صلى الله عليه وسلم في بعض النوازل وبحضرته أخلاط من الناس، قبائلهم شتى، ولغاتهم مختلفة، ومراتبهم في الحفظ والإتقان غير متساوية، وليس كلهم يتيسّر لضبط اللفظ وحصره، أو يتعمد لحفظه ووعيه، وإنما يستدرك المراد بالفحوى، ويتعلق منه بالمعنى، ثم يؤديه بلغته، ويعبر عنه بلسان قبيلته، فيجتمع في الحديث الواحد اذا انشعبت طرقه عدة ألفاظ مختلفة موجبها شيء واحد، وهذا كما يروى:«أن رجلا كان يهدي إلى رسول الله كل عام راوية خمر، فأهداها عام حرمت، فقال: إنها حرمت، فاستأذنه في بيعها، فقال له: إن الذي حرم شربها حرم بيعها، قال: فما أصنع بها؟ قال: سنّها في البطحاء، قال: فسنّها» ، وجاء في رواية اخرى:«فهتّها» ، وفي رواية أخرى:

«فبعّها» «1» . والمعنى واحد» «2» . ويعني هذا أن اختلاف الرواة قد يكون هو المسئول عن غرابة كثير من الألفاظ.

وقال الخطابي أيضا: وبلغني أن أبا عبيد القاسم بن سلام مكث في تصنيف كتابه (غريب الحديث) أربعين سنة يسأل العلماء عما أودعه من تفسير الحديث، والناس إذ ذاك متوافرون، والروضة أنف، والحوض ملآن، ثم قد غادر الكثير منه لمن بعده، ثم سعى له أبو محمد (ابن قتيبة) سعي الجواد إذا استولى على الأمد «3» ، فأسأر «4» القدر الذي جمعناه في كتابنا هذا، وقد بقي من وراء ذلك أحاديث ذات عدد لم أتيسر لتفسيرها، تركتها ليفتحها الله على من يشاء من عباده، ولكل وقت قوم، ولكل نشء علم. قال الله تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (الحجر/ 21)«5» .

ولله در الخطابي فقد كان الناس فعلا إذ ذاك (أي في الصدر الأول) يفقهون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خلف من بعدهم خلف يحتاجون إلى الكتب الطوال التي تشرح غريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كان حرصنا على أن تتضمن الموسوعة بيانا لهذه الألفاظ وشرحا لها مما يغني القارىء عن الرجوع إلى كتب الغريب وشروح الحديث.

لقد كانت طموحات الشيخ عبد الرحمن بن ملوح أوسع من الرجوع إلى كتب الغريب وشروح الحديث.

لقد كانت طموحات الشيخ عبد الرحمن بن ملوح أوسع من أن تقف عند ما أنجزته اللجنتان الأولى والثانية، فكان يشير علينا بين الحين والآخر لإضافة هذه الصفة أو تلك، وكان يتضح عقب إنجاز هذه الصفات مدى الفائدة العظيمة والخير العميم من إضافتها، وكان من ذلك صفات: الإغاثة- الإنذار- الإنصاف- التبليغ- تكريم الإنسان- التوحيد- عيادة المريض- الفضل- كفالة اليتيم- اللين- معرفة الله عز وجل الكلم الطيب- المسارعة في الخيرات- النظر والتبصر

ونحو ذلك من الصفات المأمور بها.

(1) الفائق 3/ 254، 255 وجاء فيه: الثلاثة- يعني السّنّ، والهتّ، والبعّ- في معنى الصب، إلا أن السن في سهولة، والهت في تتابع، والبع في سعة وكثرة، وروى بالثاء، أي قذفها، من ثع يثع، إذا قاء.

(2)

غريب الحديث للخطابي 1/ 15.

(3)

يشير إلى قول النابغة: «سبق الجواد إذا استولى على الأمد» ، وأبو محمد هو ابن قتيبة. وجاء في اللسان (أمد) : أمد الخيل في الرهان: مدافعها في السباق ومنتهى غاياتها التي تسبق إليه.

(4)

أسأر: أي أبقي شيئا قليلا.

(5)

غريب الحديث الخطابي 1/ 15- 16.

ص: 65

ومن الصفات المنهي عنها: الإحباط- إفشاء السر- الانتقام- التكاثر- التنازع- التناجش- التنصل من المسئولية- التهاون- التبذير- الحقد- الرشوة- الرياء- السخرية- الطغيان- العتو- الغرور- الغش- الغي والإغواء- الفتنة- المجاهرة بالمعصية.

وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يشير إلى إضافات مهمة في صفات عديدة يصعب إحصاؤها نذكر منها:

المساواة، وقد أضيفت إلى صفة العدل، والإحصان (بالزواج) ، وقد أضيفت إلى صفة حفظ الفرج لأن الزواج من وسائل ذلك، والعجب، الذي أضيف إلى الكبر، والمصابرة، التي أضيفت إلى الصبر، والشدة التي أضيفت إلى القوة.

وفيما يتعلق بالفهارس فقد بذلت اللجنة جهدا ندعو الله أن يكون موفقا ومباركا فيه، وسنتحدّث عنه وعن كيفية استخدام هذه الفهارس في مقدمة المجلد الثاني عشر بإذن الله تعالى.

لقد اجتهدنا ما وسعنا الجهد في إبراز تلك الصفات في صورة أقرب ما تكون إلى الكمال البشري، أما الكمال المطلق فهو لله تعالى، نسأله- عز وجل أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به إنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

ولا يسعني في ختام هذه الكلمة إلّا أن أتقدم بالشكر وافرا وجزيلا لأخي وصديقي الشيخ عبد الرحمن بن محمد ابن ملوح على تلك الجهود المباركة التي بذلها في نشر هذه الموسوعة (ولم تكن تلك الجهود مادّيّة فحسب وإنما كانت أيضا جهودا معنوية وعلمية، حثيثة ورائعة، وأن نتوجه إلى المولى عز وجل بأن يجزيه على ذلك خير الجزاء وأن يجعله من أصحاب الحياة الطيبة في الدنيا ومن أهل «نضرة النعيم» في الآخرة إنه سبحانه أكرم المسئولين وأجزل المعطين «1» .

سبحانك ربنا لا علم لنا إلّا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بقلم: أ. دكتور عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بجامعة الأزهر وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى مكة المكرمة في العشرين من ربيع الأول 1418 هـ.

(1) لما كان الجزاء من جنس العمل، فإننا ندعو الله- عز وجل للشيخ والذين ساهموا معه بأن يكونوا من أصحاب نضرة النعيم.

ص: 66

‌الحياة والنفس الإنسانية بقلم: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح

مؤسس ومدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع

‌تمهيد:

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدّر فهدى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.. وبعد:

فقد اشتملت هذه الموسوعة على مكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم التي تشكل فيما بينها (منظومة أخلاق متكاملة) تصلح بها أمور الإنسان في الدنيا والآخرة، ولما كان الأخذ بمعالي الأخلاق ومكارمها يستلزم- ضرورة- التخلي عن مذمومها من حيث كونهما ضدان لا يجتمعان، كان لا بد من الحرص على إبراز هذه الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الشارع الحكيم، وبذلك تتوفر لقارىء هذه الموسوعة قاعدة علمية شاملة تضم الأمرين جميعا: المأمور به والمنهي عنه في القرآن والسنة، وهنا يتحقق شرط الإلزام الخلقي الأساسي، ألا وهو المعرفة النافية للجهالة «1» .

وبهذه المعرفة تتحدد المعايير الضرورية التي تضبط حركة السلوك الإنساني في هذه الحياة، بيد أن هذه المعرفة وحدها غير كافية، إذ ينبغي على المؤمن أن يربط القول بالعمل، والمعرفة بالسلوك، بحيث لا يكون القول مجرد كلام لا جدوى منه، وتكون المعرفة مجرد إطار نظري لا فائدة منها، ذلك أن اقتران القول بالعمل والمعرفة بالممارسة قاعدة إسلامية أقرها القرآن الكريم في قول الله سبحانه:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ «2» .

وقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تجسيدا عمليا لكل ما كان يدعو الناس إليه من مكارم الأخلاق وحميد الصفات فكان صلى الله عليه وسلم مثالا يحتذى في عدله ورحمته وبره، وكانت بعثته صلى الله عليه وسلم في جوهرها لإتمام هذا الجانب التطبيقي المتمثل في تتميم مكارم الأخلاق، قولا وفعلا، دعوة وممارسة، يقول عليه الصلاة والسلام:«إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» «3» . و «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» . وربط عليه الصلاة والسلام بين كمال الإيمان وحسن الخلق، فقال:«إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «4» . ونبه عليه الصلاة والسلام على أهمية سلوك الخير وفعله فقال:

«ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن» «5» .

‌تكليف الإنسان وابتلاؤه:

لقد كرم الله الإنسان، فخلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وفضله على كثير ممن خلق، وأعطاه نعمة العقل، وزوده بنور الفطرة، وجعل خلقته قابلة للتكليف، إن فعل الخير أثيب، وإن فعل الشر

(1) انظر شروط الإلزام الخلقي وخاصة ما يتعلق بالمعرفة في «النظرية الخلقية عند ابن تيمية» ص 136 وانظر أيضا ص 100 وما بعدها من هذه الموسوعة.

(2)

الصف/ 2- 3.

(3)

انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (8) .

(4)

انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (3) .

(5)

انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (15) .

ص: 67

عوقب، وهذا هو مقتضى حمل الأمانة التي قبلها الإنسان وأبت السماوات والأرض أن يحملنها، يقول الله تعالى:

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا «1» .

لقد جعل الله للإنسان هذه الحياة الدنيا دارا أولى يحيا فيها ويعمرها، ليستعين بذلك على عبادة ربه طاعة ومحبة وإخلاصا، ثم ابتلاه بالتكاليف (بالأوامر والنواهي) ليمحصه رحمة منه وفضلا، يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى-:«ابتلاء الخلق بالأوامر والنواهي، رحمة لهم وحمية، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، ومن رحمته: أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا بها ويرغبوا عن النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم «2» » .

قد يظن بعض الناس أن ابتلاء الإنسان بالسراء هو إكرام له لا اختبار طاعة «3» ، ويرى الابتلاء بالضراء هو انتقام هوان أو إهانة، وقد نعى القرآن الكريم على هذا الصنف من الناس ذلك الاعتقاد الباطل ونفاه نفيا حاسما، يقول الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ «4» . وقد صحح القرآن الكريم هذا الفهم السيء في الآيات التي تتلو ذلك مباشرة، وأعاد توجيه الأفهام إلى الممارسات الخاطئة الناتجة عن هذا الفهم السيء لحكمة الابتلاء، وهذه الممارسة الخاطئة هي عدم إكرام اليتيم وعدم الحض على إطعام المسكين والاستئثار بالمال ولمه وجمعه دون الإنفاق كما أمر الله، فقال تعالى: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ* وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا* وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا «5» .

والأمثال في هذا المجال كثيرة في القرآن مثل ما جاء في سور الشمس والبلد والضحى. والحقيقة هي أن الله- عز وجل يبتلي العباد تارة بالمضار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فتصير المنحة والمحنة جميعا ابتلاء، فالمنحة تقتضي الشكر والمحنة تقتضي الصبر، يقول الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ «6» . إن هذا الإنسان المكرم لم يخلق عبثا ولن يترك سدى، يقول الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ «7» ، ويقول عز من قائل: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً «8» ، ومن ثم فهو محاسب على ما قدمت يداه، إن خيرا فخير وإن شرّا فشر فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «9» ، وقد أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن حدود هذه المسئولية ومجالاتها عند ما قال:«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه» «10» .

(1) الأحزاب/ 72.

(2)

إغاثة اللهفان (2/ 172) وما بعدها (بتصرف) .

(3)

فلسفة التربية الإسلامية، ص 172 (بتصرف) .

(4)

الفجر/ 15- 16.

(5)

الفجر/ 17- 20.

(6)

الأنبياء/ 35.

(7)

المؤمنون/ 115.

(8)

القيامة/ 36.

(9)

الزلزلة/ 7- 8.

(10)

ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 396)، وقال: رواه الترمذي، وهو حسن صحيح.

ص: 68

‌العلاقة بين الإنسان والحياة:

إذا كانت علاقة الإنسان بخالقه هي العبادة مصداقا لقوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «1» ، وعلاقة الإنسان بالكون علاقة تسخير كما في قوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ «2» ، فإن علاقة الإنسان بالحياة هي علاقة ابتلاء وتمحيص، مصداقا لقوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ «3» . وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة: أن الله- عز وجل خلق الموت للبعث والجزاء وخلق الحياة للابتلاء «4» . أما موضوع هذا الابتلاء فهو حسن العمل الذي لخصه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في تفسيره للآية بأنه: الورع عن محارم الله والإسراع في طاعته «5» . وتدخل فيه مكارم الأخلاق بأوسع معانيها [انظر الكشاف التوضيحي من (1- 4) و (4 أ) و (4 ب) ] .

‌بين الابتلاء وحسن الخلق:

إن هذا الابتلاء الذي يعني الاختبار والتمحيص هو المحك الأساسي الذي يجسد الصراع الأزلي بين قوى الخير والشر في النفس الإنسانية، فالنفس المطمئنة ألهمت التقوى والطاعة، والنفس الأمارة بالسوء ألهمت الشر والفجور، ذلك أن النفس المطمئنة تأمر بالخير وتحض عليه، والنفس الأمارة بالسوء تأمر بالشر وتحض عليه، يساعدها في ذلك شيطان مريد يستغل ضعف الإنسان ويزين له فتن الشبهات والشهوات، وبين الاثنين توجد النفس اللوامة التي تشكل صمام الوقاية وتقوم بعملية الموازنة والتصحيح، إذ تلوم على فعل المعاصي من ناحية، وعلى عدم الاستكثار من فعل الخيرات من ناحية ثانية. [انظر الكشاف التوضيحي من (10) إلى (13 أ) ، وكذلك انظر خريطة الابتلاء والنفس الإنسانية بعد صفحة (ع ب) ] .

‌الأخلاق الكريمة والعبادة:

إن الأخلاق الفاضلة من نحو أعمال القلب والعقل والجوارح واللسان مثل صدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والرفق والرأفة، والدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك، كلها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أن العبادة

(1) الذاريات/ 56.

(2)

إبراهيم/ 32- 33.

(3)

الملك/ 2.

(4)

تفسير القرطبي (18/ 207) .

(5)

السابق، الصفحة نفسها (بتصرف) .

ص: 69

هي الغاية المحبوبة لله والمرضية له «1» ، كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «2» . وبها أرسل الله جميع الرسل، كما قال نوح لقومه: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ* «3» ، والدين كله داخل في العبادة التي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له «4» ، ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين وركنا أساسيا من أركانه.

إن هذه الأخلاق الإيمانية- كما أطلق عليها ابن تيمية- هي وجه من الوجوه التي يتفاضل فيها الناس فيما يتعلق بزيادة الإيمان ونقصه، يقول- رحمه الله تعالى-: من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن أن الناس يتفاضلون في حب الله ورسوله وخشية الله، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والإخلاص له، وفي سلامة القلوب من الرياء، والكبر والعجب، والرحمة للخلق والنصح لهم، ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانية «5» ، ومصداق هذا قوله صلى الله عليه وسلم:«أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «6» . [انظر الكشاف التوضيحي (4 أ) ] .

‌الإيمان ومكارم الأخلاق:

يقول ابن تيمية- رحمه الله تعالى- ما خلاصته: «إذا كان الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، وأنه لابد فيه من شيئين: الأول تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته وهذا هو التوحيد، والآخر عمل القلب وهو التوكل على الله وحده ونحو ذلك من حب الله ورسوله، وحب ما يحب الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، كانت أعمال القلب من الحب والإخلاص والخشية والتوكل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى، وكانت الأخلاق الكريمة داخلة فيه أيضا، وأما البدن فلا يمكن أن يتخلى عن مراد القلب لأنه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» «7» .

إن الإيمان بذلك هو مناط تكوين القيم الخلقية والاجتماعية ونحوها، وهو أيضا مصدر الإلزام الخلقي، لأنه هو المسيطر على كل غرائز الإنسان وشهواته، والمتحكم في أحاسيسه ودوافعه [انظر الكشاف التوضيحي (5- 9) ] .

‌العبادة ونور الفطرة:

لقد كان من مظاهر تكريم الإنسان أن زوده الله تعالى بنور الفطرة التي يستطيع بها أن يعرف ربه، ويستدل بها على صراطه المستقيم وذلك من التدبر في آلائه ونعمه، يقول الله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ

(1) الفتاوى (10/ 149- 150) بتصرف يسير.

(2)

الذاريات/ 56.

(3)

المؤمنون/ 23.

(4)

الفتاوى (10/ 152) . وانظر صفة «العبادة» .

(5)

انظر الأخلاق الإيمانية في مواطنها من هذه الموسوعة.

(6)

بتصرف واختصار عن الفتاوى 7 (564) ، وانظر الحديث رقم 35 في هذه الصفة.

(7)

البخاري- الفتح (1/ 52) ، ومسلم (2426) واللفظ له، وانظر الحديث بتمامه في صفة الصلاح حديث رقم 13. ()

ص: 70

الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ «1» ، والفطرة: هي الخلق والهيئة التي في نفس الطفل، وهي معدّة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الحنيف، وهو الذي على الاستعداد له فطر البشر، ولكن تعرضهم العوارض «2» ، وقيل: المعنى هو أن الله سبحانه خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات فما دامت باقية على ذلك القبول وتلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق «3» .

ويقول ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: لقد فطر الله عباده على محبته وعبادته، فإذا تركت هذه الفطرة بلا فساد، كان القلب عارفا بالله محبا له عابدا له وحده «4» .

إن فساد الفطرة أمر محتمل ووارد سواء أكان من البيئة المحيطة بالإنسان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» «5» . أو من‌

‌ إغواء الشيطان

ووسوسته، وفي هذه الحالة اقتضت رحمة الله تعالى بالإنسان أن يرسل إليه الرسل مبشرين ومنذرين ويحدث صراع عنيف بين الشيطان وما يدعو إليه من ناحية وبين الرسل وما يدعون إليه من التزام الصراط المستقيم من ناحية أخرى، بين الفجور والتقوى [انظر الكشاف التوضيحي (4 د) و (4 ج) ] . وسنوضح هذا فيما يلي:

إغواء الشيطان:

بعد أن خلق الله آدم أمر الملائكة بالسجود له، ولكن إبليس أبى واستكبر وخالف أمر ربه، ولم يسجد لآدم حسدا وكبرا، وبعد أن حلّت عليه اللعنة وطرد من رحمة الله توعد آدم وذريته بأن يضلهم ويفتنهم ويقعد لهم على صراط الله المستقيم، يقول الله تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ «6» ، وقد أقسم بعزة الله تعالى أن يغوي جميع بني آدم إلا المخلصين، يقول الله تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «7» .

لقد حدد الشيطان الرجيم هدفه وهو إغواء بني آدم وصدهم عن صراط الله المستقيم وصرفهم إلى طرق أخرى يضيع فيها سعيهم وتضل أعمالهم ويكون مصيرهم نار جهنم وبئس المصير.

‌إرسال الرسل:

وقد كان من تمام رحمة الله تعالى أن بعث رسله مبشرين ومنذرين [انظر الكشاف التوضيحي (3) ] معهم الكتاب والميزان ليعتدل أمر الناس ويستبينوا طريق الله تعالى من طريق الشيطان، يقول سبحانه: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ «8» ، وكانت دعوتهم جميعا إلى «صراط الله المستقيم» ،

(1) الروم/ 30.

(2)

تفسير القرطبي (14/ 29) .

(3)

السابق، الصفحة نفسها.

(4)

الفتاوى (10/ 175) بتصرف.

(5)

البخاري- الفتح (3/ 1385) .

(6)

الأعراف/ 16- 17.

(7)

ص/ 82- 83.

(8)

الحديد/ 25.

ص: 71

يقول الله تعالى على لسان هود عليه السلام: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ «1» ، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة، ودعا إلى ما دعت إليه الرسل من التزام هذا الصراط، ووصفه ربه بقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ «2» .

إذن فإن الثبات على‌

‌ الصراط المستقيم

هو محور الصراع بين الخير والشر، بين ما تدعو إليه الرسل وما يسعى إليه الشيطان الرجيم، فما هذا الصراط؟

الصراط المستقيم:

كما سبق أن ذكرنا فإن هذا «الصراط المستقيم» هو دعوة الرسل جميعا، وهو الهدف الذي يسعى إبليس اللعين أن يقعد لبني آدم عليه فيصدهم عنه، وذكرنا أيضا أن الله- عز وجل على صراط مستقيم، ومعنى كون الله تعالى على صراط مستقيم أنه سبحانه على طريق مستقيم في قضائه وقدره وأمره ونهيه، يهدي من يشاء إليه بفضله ورحمته، ويصرف عنه من يشاء بعدله وحكمته «3» .

لقد صور رسول الله صلى الله عليه وسلم التزام الصراط المستقيم والخروج عنه، أي ذلك الصراع بين طاعة الرحمن وطاعة الشيطان فيما يرويه ابن مسعود- رضي الله عنه قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: «هذا سبيل الله» ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال:«هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» ، ثم قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ «4» . فالسبيل المستقيم أو الصراط المستقيم هو ما تدعو له الرسل. وتهدي الناس إليه، أما السبل الأخرى التي ينحرف إليها البعض فليست إلا سبلا شيطانية نشأت بعد أن قعد لهم إبليس على هذا «صراط الله المستقيم» .

أما دعوته صلى الله عليه وسلم إلى هذا الصراط المستقيم في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فهي- كما يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى: كل علم أو عمل أو حقيقة، أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوته، فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال. فما ثمّ خروج عن هذه الطرق الثلاث: طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وطريق أهل الغضب (المغضوب عليهم)، وهي طريق من عرف الحق وعانده. وطريق أهل الضلال: وهي طريق من أضله الله عنه. ولهذا قال عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله- رضي الله عنهم «الصراط المستقيم: هو الإسلام» وقال عبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنهما «هو القرآن» وفيه حديث مرفوع في الترمذي وغيره، وقال سهل بن عبد الله «طريق السنة والجماعة» وقال بكر بن عبد الله المزني «طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم» . ولا ريب أن ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه علما وعملا وهو معرفة الحق وتقديمه، وإيثاره على غيره، فهو الصراط المستقيم «5» .

(1) هود/ 6.

(2)

الشورى/ 52- 53.

(3)

إغاثة اللهفان ص 220.

(4)

الأنعام/ 153.

(5)

مدارج السالكين (1/ 8) .

ص: 72

‌الابتلاء والصراط المستقيم

«1» :

إن الابتلاء والفتنة يمحصان العبد ويردانه إلى هذا الصراط المستقيم إذا استطاع الشيطان في لحظة من لحظات الضعف الإنساني أن يخرج الإنسان عن هذا الصراط المستقيم ويسلك به سبلا أخرى، وقد كان من رحمة الله سبحانه ألا يدع الإنسان فريسة لهذا الشيطان وإنما زوده بوسائل الحماية والوقاية منه، ثم هيأ له وسائل الإفلات إن وقع في الفخ وخرج عن الصراط المستقيم، فمن ذلك:

1-

الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة: مصداق ذلك قول الله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «2» .

2-

واعظ الله- عز وجل في قلوب عباده المؤمنين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى ضرب مثلا: صراطا مستقيما. وعلى كنفتي الصراط سوران، لهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو على رأس الصراط، وداع يدعو فوق الصراط، فالصراط المستقيم: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله. فلا يقع أحد في حدّ من حدود الله حتى يكشف الستر، والداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي فوق الصراط:

واعظ الله في قلب كل مسلم» «3» . فهذا الواعظ في قلوب المؤمنين هو الإلهام الإلهي بواسطة الملائكة أو نور الفطرة.

3-

مدد الملائكة: ثم يؤيد الله عباده المخلصين بجند من الملائكة يثبتونهم ويأمرونهم بالخير ويحضونهم عليه يعدون العبد بكرامة الله تعالى ويصبرونه على البلاء، ويبشرونه بثواب الله وعظيم فضله، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ «4» .

4-

الدعاء والاعتصام بالله: تشتد حاجة العبد أن يسأل ربه أن يهديه إلى هذا الصراط المستقيم، وكان سؤال هذه الهداية أوجب دعاء على كل عبد، وقد أوجبه الله عليه كل يوم وليلة بقوله تعالى في الفاتحة: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ «5» . ويردد المسلم ذلك بعدد ركعات صلاة كل يوم حتى يأتيه اليقين لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة «6» . قال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «7» .

(1) انظر الحياة الإيمانية في ضوء علاقة الابتلاء والنفس الإنسانية في هذه الموسوعة.

(2)

المائدة/ 15- 16.

(3)

انظر هذا في صفة الاستقامة، حديث رقم (6) وقد خرّجناه هناك.

(4)

فصلت/ 30- 31.

(5)

الفاتحة/ 6- 7.

(6)

مدارج السالكين (1/ 63) بتصرف.

(7)

آل عمران/ 101.

ص: 75