المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عليه من كرم الشمائل، وحسبك فيها من عدم الحرج، أن - نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس - جـ ٦

[المقري التلمساني]

الفصل: عليه من كرم الشمائل، وحسبك فيها من عدم الحرج، أن

عليه من كرم الشمائل، وحسبك فيها من عدم الحرج، أن داخلها باب الفرج؛ ثم قال: ولله در القائل:

دار مشى الإتقان في تنجيدها

حتى تناسب روضها وبناؤها

مرقوقة الجنبات ذات قرارة

يمتد قدام العيون فضاؤها

ما زال يضحك دائماً نوارها

في وجه ساحته ويلعب ماؤها ولبعض أصحابنا فيها وهوالأديب الكاتب أبوعبد الله ابن الأزرق:

في بسطة حيث الأباطح مشرقه

أضحت جفوني بالمحاسن مغلقه وله أيضاً في تورية:

قل لمن رام النوى عن وطن

قولةً ليس بها من حرج

فرج الهم بسكنى بسطة

إن في بسطة باب الفرج

‌رجع:

114 -

ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما خاطب به السلطان على لسان جدته، وهو:

" إلى قرة أعيننا وأعين المؤمنين، وفلذة كبدنا الذي نصل للقائه الحنين بالحنين، وعزنا الذي حللنا من كنفه بالحرم الأمين، وسترنا الذي خلفنا برضاه من أفقده الدهر من كرم البنين، ووارثنا المستأثر بعدنا بطول السنين، أمير المسلمين الأسعد المؤيد الموفق الطاهر البر الرحيم الأرضى الكافل الفاضل حفيدنا محمد ابن ولدنا الرضى وواحدنا الكريم الحفي السلطان الكبير الجليل السعيد الطاهر الظاهر المقدس، جعل الله تعالى من عصمته لزيماً يرافقه، وأجرى القدر بما يوافقه، وحفظ عليه الكمال الذي تناسب فيه خلقه وخلائقه، والبر الذي حسنت فيه طرقه وطرائقه.

ص: 447

من المستظلة بظلال رضاه وبره، المبتهلة إلى الله تعالى في عز نصره، وسعادة أمره، الداعية إلى الله تعالى أن يسترها في الحياة وما بعدها بستره، وما يفضل عمرها من عمره، جدته التائقة إليه، كتبته من كنفه العزيز بحمرائه العلية عن الخير الدائم بدوامه، واليسر الملازم ببركة أيامه، ولا زائد بضل الله تعالى إلا الشوق إليه، وتحويم الكبد الخافقة خفوق رايته عليه، وتجهيز مواكب الدعاء المقبول من خلفه ومن بين يديه.

" وقد وصل كتابه العزيز الوفادة والوصول، الكريم الجمل والفصول، مطلع وجه السرور والجذل، ومهدي قصي الأمل، ومجدد العهد بحديثه الذي في ضمنه شفاء الغلل، وبرء العلل، مهدياً تحفة عافيته وهي الهدية التي جلت عن المكافأة، وترفعت عن المجازاة، إنما يجازي عليها من يصل بفضله عادتها، ويوالي بعد الإبداء إعادتها. ووصفتم يا ولدي ما عرفتم من نعم الله تعالى التي انثالت عليكم سحابها، وعنايته التي يلقى ركابكم تسهالها وترحابها، واستبشار الجهات بقدومكم الميمون، واجتلاء وجهكم الذي فيه للإسلام قرة العيون، وكيف لا يكون ذلك وأنتم ذخرهم العزيز، وحرزهم الحريز، والندرة التي خلصها من معادن سلفكم الذهب الإبريز، في أيامكم والحمد لله نامت أجفانهم، وتكيف أمانهم، نسأل الله تعالى أن يديم لنا ولهم نعمة بقائكم، ويعلي الدين بعلوكم في معارج العز، وارتقائكم، فقابلنا ما قرره سلطانكم بالحمد والثناء، والشكر المتصل على الآناء، ومحضتكم من خالص الدعاء، ما يتكفل لكم بالحسنى وما وعد الله تعالى من نيل الرجاء، وتمهيد الأرجاء، وأصدرت هذا الجواب لكم مصدر الهناء، بنعم الله تعالى المغدقة والآلاء، ونسأل من فضلكم وبركم صلة التعريف بمثل هذه الأخبار السارة والأنباء، وإتحافنا بمثلها مع الصباح والماساء، وإن كان مجدكم غنياً عن الشبه لمثل هذه الأشياء، أدام الله تعالى لكم أسباب البقاء، وكان لكم في كل حال، من إقامة وارتحال، بعزة وجهه وقدرته " انتهى.

ص: 448

ويرحم الله تعالى لسان الدين ابن الخطيب، فإنه يعبر في كل مقام بما يليق، فتارة في أدراج البراعة، وطوراً يهتك عنان اليراعة.

[شعر لسان الدين]

وأما شعر لسان الدين رحمه الله تعالى فهومن النهاية في الحسن، وقد قدمنا في هذا الكتاب منه نبذة في أثناء نثره وكلامه الذي جلبناه، وفي مواضع غيرهما، جملة مفيدة من شعره رحمه الله تعالى.

مطولات عن الإحاطة

وقال رحمه الله تعالى في " الإحاطة " ما نصه: الشعر - ولنثبت جملة من مطولاته، ونتله بشيء من مقطوعاته، ونقدم من المطولات أمداح رسول الله صلى الله عليه وسلم تبركاً بها، فمن ذلك قولي (1) :

هل كنت تعلم في هبوب الريح

نفساً يؤجج لاعج التبريح

أهدتك من شيح الحجاز تحية

فاحت لها عرض الفجاج الفيح

بالله قل لي كيف نيران الهوى

ما بين ريح في الفلاة وسيح

وخضيبة المنقار تحسب أنها

نهلت بمورد دمعي المسفوح

باحت بما تخفي وناحت في الدجى

فرأيت في الآماق دعوة نوح

نطقت، بما يخفيه قلبي، أدمعي

ولطالما صمتت عن التصريح

عجباً لأجفان حملن شهادة

عن خافت بين الضلوع جريح

ولقلما كتبت رواة مدامعي

في صفحتيها حلية التجريح

جاد الحمى بعدي وأجراع الحمى

جود تكل به متون الريح

هن المنازل، ما فؤادي بعدها

سالٍ، ولا وجدي بها بمريح

حسبي ولوعاً أن أزور بفكرتي

زوارها والجسم رهن نزوح (2)

(1) الإحاطة الورقة: 413.

(2)

الإحاطة: رهن ضريح.

ص: 449

فأبث فيها من حديث صبابتي

وأحث فيها من جناح جنوحي

ودجنة كادت تضل بها السرى

لولا وميضاً بارق وصفيح

رعشت كواكب جوها فكأنها

ورق تقلبها بنان شحيح

صابرت منها لجة مهما ارتمت

وطمت رميت عبابها بسبوح

حتى إذا الكف الخضيب بأفقها

مسحت بوجه للصباح صبيح

شمت المنى وحمدت إدلاج السرى

وزجرت للآمال كل سنيح

فكأنما ليلي نسيب قصيدتي

والصبح فيه تخلصي لمديح

لما حططت لخير من وطئ الثرى

بعنان كل مولد وصريح

رحمى إله العرش بين عباده

وأمينه الأرضي على ما يوحي

والآية الكبرى التي أنوارها

ضاءت أشعتها بصفحة يوح (1)

رب المقام الصدق والآي التي

راقت بها أوراق كل صحيح

كهف الأنام إذا تفاقم معضل

مثلوا بساحة بابه المفتوح

يردون منه على مثابة راحم

جم الهبات عن الذنوب صفوح

لهفي على عمر مضى انضيته

في ملعب للترهات فسيح

يا زاجر الوجناء يعتسف الفلا

والليل يعثر في فضول مسوح

يصل السرى سبقاً إلى خير الورى

والركب بين موسد وطريح

لي في حمى ذاك الضريح لبانة

إن أصبحت لبنى أنا ابن ذريح

وبمهبط الروح الأمين أمانة

اليمن فيها والأمان لروحي

يا صفوة الله المكين مكانه

يا خير مؤتمن وخير نصيح

أقرضت فيك الله صدق محبتي

أيكون تجري فيك غير ربيح

حاشا وكلا أن تخيب وسائلي

أو أن أرى مسعاي غير نجيح

إن عاق عنك قبيح ما كسبت يدي

يوماً فوجه العفوغير قبيح

(1) يوح: اسم الشمس.

ص: 450

واخجلتي من حلبة الفكر التي

أغريتها بغرامي المشروح

قصرت خطاها بعدما ضمرتها

من كل موفور الجمام جموح

مدحتك آيات الكتاب فما عسى

يثني على علياك نظم مديحي

وإذا كتاب الله أثنى مفصحاً (1)

كان القصور قصار كل فصيح

صلى عليك الله ما هبت صباً

فهفت بغصن في الرياض مروح

واستأثر الرحمن جل جلاله

عن خلقه بخفي سر الروح وأنشدت السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الأعظم من عام ثلاثة وستين وسبعمائة هذه القصيدة:

تألق نجدياً فأذكرني نجداً

وهاج بي الشوق المبرح والوجدا

وميض رأى برد الغمامة مغفلاً

فمد يداً بالتبر أعلمت البردا

تبسم في بحرية (2) قد تجهمت

فما بذلت وصلاً ولا ضربت وعدا

وراود منها فاركاً قد تنعمت

فأهوى لها نصلاً وهددها رعدا

وأغرى بها كف الغلاب فأصبحت

ذلولاً ولم تسطع لإمرته ردا

فحلتها الحمراء من شفق الضحى

نضاها وحل المزن من جيدها عقدا

لك الله من برق كأن وميضه

يد الساهر المقرور قد قدحت زندا

تعلم من سكانه شيم الندى

فغادر أجراع الحمى روضة تندى

وتوج من نوارها قنن الربى

وختم من أزهارها القضب الملدا

لسرعان ما كانت مناسف للصبا

فقد ضحكت زهراً وقد خجلت وردا

بلاد عهدنا في قرارتها الصبا

يقل لذاك العهد أن يألف العهدا

إذا ما النسيم اعتل في عرصاتها

تناول فيها البان والشيح والرندا

(1) الإحاطة: مفهماً.

(2)

البحرية: صفة للسحابة.

ص: 451

فكم في مجاني وردها من علاقة

إذا ما استثيرت أرضها أنبتت وجدا

إذا استشعرتها النفس عاهدت الجوى

إذا التمحتها العين عاقدت السهدا

ومن عاشق حر إذا ما استماله

حديث الهوى العذري صيره عبدا

ومن ذابل يحكي المحبين رقة

فيثني إذا ما هب عرف الصبا قدا

سقى اله نجداً ما نضحت بذكرها

على كبدي إلا وجدت لها بردا

وآنس قلبي فهوللعهد حافظ

وقل على الأيام من يحفظ العهدا

صبور وإن لم يبق إلا ذبالة

إذا استقبلت مسرى الصبا اشتعلت وقدا

صبور إذا الشوق استجاد كتيبة

تجوس خلال الصبر كان لها بندا

وقد كنت جلداً قبل أن يذهب النوى

ذمائي وأن يستأصل العظم والجلدا

أأجحد حق الحب والدمع شاهد

وقد وقع التسجيل من بعد ما أدى

تناثر إثر الحمول فريده

فلله عينا من رأى الجوهر الفردا

جرى يققاً في ملعب الخد أشهباً

وأجهده ركض الأسى فجرى وردا

ومرتحل أجريت دمعي خلفه

ليرجعه فاستن في إثره قصدا

وقلت لقلبي طر (1) إليه برقعتي

فكان حماماً في المسير بها هدى

سرقت صواع العزم يوم فراقه

فلج ولم يرقب سواعاً ولا ودا

وكحلت عيني من غبار طريقه

فأعقبها دمعاً وأورثها سهدا

لي الله كم أهذي بنجد وحاجر

وأكني بدعد في غرامي أو سعدى

وما هو إلا الشوق ثار كمينه

فأذهل نفساً لم تبن عنده قصدا

وما بي إلا أن سرى الركب موهناً

وأعمل في رمل الحمى النص والوخدا

وجاشت جنود الصبر والبين والأسى

لدي فكان الصبر أضعفها جندا

ورمت نهوضاً واعتزمت مودعاً

فصدني المقدور عن وجهتي صدا

رقيق بدت لمشترين عيوبه

ولم تلتفت دعواه فاستوجب الردا

(1) ق: صر.

ص: 452

تخلف مني ركب طيبة عانياً

أما آن للعاني المعنى بأن يُفدى

مخلف سرب قد أصيب جناحه (1)

وطرن فلم يسطع مراحاً ولا مغدى

نشدتك يا ركب الحجاز، تضائلت

لك الأرض مهما استعرض السهب وامتدا

وجم لك المرعى وأذعنت الصوى

ولم تفتقد ظلاً ظليلاً ولا وردا

إذا أنت شافهت الديار بطيبة

وجئت بها القبر المقدس واللحدا

وآنست نوراً من جناب محمد

يجلي القلوب الغلف والأعين الرمدا

فنب عن بعيد الدار في ذلك الحمى

وأذر به دمعاً وعفر به خدا

وقل يا رسول الله عبد تقاصرت

خطاه وأضحى من أحبته فردا

ولم يستطع من بعد ما بعد المدى

سوى لوعة تعتاد أو مدحة تهدى

تداركه يا غوث العباد برحمة

فجودك ما أجدى وكفك ما أندى

أجار بك الله العباد من الردى

وبوأهم ظلاً من الأمن ممتدا

حمى دينك الدنيا وأقطعك الرضى

وتوجك العليا وألبسك الحمدا

وطهر منك القلب لما استخضه

فجلله نوراً وأوسعه رشدا

دعاه فما ولى، هداه فما غوى

سقاه فما يظما، جلاه فما يصدا

تقدمت مختاراً، تأخرت مبعثاً

فقد شملت علياؤك القبل والبعدا

وعلة هذا الكون أنت، وكل ما

أعاد فأنت القصد فيه وما أبدا

وهل هوإلا مظهر أنت سره

ليمتاز في الخلق المكب من الاهدى

ففي عالم الأسرار ذاتك تجتلي

ملامح نور لاح للطور فانهدا

وفي عالم الحس اغتديت مبوأ

لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى

فما كنت لولا أن ثبت هداية

من الله مثل الخلق رسماً ولا حدا

فماذا عسى يثني عليك مقصر

ولم يأل فيك الذكر مدحاً ولا حمدا

بماذا عسى يجزيك هاو على شفاً

من النار قد أوردته بعدها الخلدا

عليك صلاة الله يا كاشف العمى

ومذهب ليل الروع وهو قد اربدا

(1) ق: جنانه.

ص: 453

إلى كم أراني في البطالة كانعاً

وعمري قد ولى، ووزري قد عدا

تقضى زماني في لعل وفي عسى

فلا عزمة تمضي ولا لوعة تهدا

حسام جبان كلما شيم نصله

تراجع بعد العزم والتزم الغمدا

ألا ليت شعري هل أراني ناهداً

أقود القلاص البدن والضامر النهدا

رضيع لبان الصدق فوق شملة

مضمرة وسدت من كورها مهدا

فتهدى بأشواقي السراة إذا سرت

وتحدى بأشعاري الركاب إذا تحدى

إلى أن أحط الرحل في تربك الذي

تضوع نداً ما رأينا له ندا

وأطفئ في تلك الموارد غلتي

واحسب قرباً مهجة شكت البعدا

لمولدك اهنز الوجود فأشرقت

قصور ببصرى ضاءت الهضب والوهدا

ومن رعبه الأوثان خرت مهابة

ومن هوله إيوان كسرى قد انهدا

وغاض له الوادي وصبح عزه

بيوتاً لنار الفرس أعدمها الوقدا

رعى الله منها ليلة أطلع الهدى

على الأرض من آفاقها القمر السعدا

وأقرض ملكاً قام فينا بحقها

لقد أحرز الفخر الموثل والمجدا

وحيا على شط الخليج محلة

يحالف من ينتابها العيشة الرغدا

وجاد الغمام العد فيها خلائفاً

مآثرهم لا تعرف الحصر والعدا

علياً وعثماناً ويعقوب، لا عدا

رضى الله ذاك النجل والأب والجدا

حموا وهم في حومة البأس والندى

فكانوا الغيوث المستهلة والأسدا

ولله ما قد خلفوا من خليفة

حوى الإرث عنهم والوصية والعهدا

إذا ما أراد الصعب أغرى بنيله

صدور العوالي والمطهمة الجردا

وكم معتد أردى وكم تائه هدى

وكم حكمة أخفى، وكم نعمة أبدى

أبا سالم دين الإله بك اعتلى

أبا سالم ظل الإله بك امتدا

فدم من دفاع الله تحت وقاية

كفاك بها أن تسحب الحلق السردا

ودونكها مني نتيجة فكرة

إذا استرشحت للنظم كانت صفاً صلدا

ولو تركت مني الليالي صبابة

لأجهدتها ركضاً وأرهقتها شدا

ص: 454

ولكنه جهد المقل بلغته

وقد أوضح الأعذار من بلغ الجهدا وقلت أخاطب السلطان الملك الكبير العالم أبا عنان على أثر انصرافه من بابه رحمه الله تعالى:

أبدى لداعي الفوز وجه منيب

وأفاق من عذل ومن تأنيب

كلف الجنان إذا جرى ذكر الحمى

والبان حن له حنين النيب

والنفس لا تنفك تكلف بالهوى

والشيب يلحظها بعين رقيب

رحل الصبا فطرحت في أعقابه

ما كان من غزل ومن تشبيب

أترى التغزل بعد أن ظعن الصبا

شأني الغداة أوالنسيب نسيبي

أنى لمثلي بالهوى من بعد ما

للوخط في الفودين أي دبيب

لبس البياض وحل ذروة منبر

مني ووالى الوعظ فعل خطيب

قد كان يسترني ظلام شبيبتي

والآن يفضحني صباح مشيبي

وإذا الجديدان استجدا أبليا

من لبسة الأعمار كل قشيب

سلني عن الدهر الخؤون وأهله

تسل المهلب عن حروب شبيب

متقلب الحالات فاخبر تقله

مهما أعدت يداً إلى تقليب

فكل الأمور إذا اعترتك لربها

ما ضاق لطف الرب عن مربوب

قد يخبأ المحبوب في مكروهها

من يخبأ المكروه في المحبوب

واصبر على مضض الليالي إنها

لحوامل سيلدن كل عجيب

واقتنع بحظ لم تنله بحيلة

ما كل رام سهمه بمصيب

يقع الحريص على الردى ولكم غدا

ترك التسبب أنفع التسبيب

من رام نيل الشيء قبل أوانه

رام انتقال يلملم وعسيب

فإذا جعلت الصبر مفزع معضل

عاجلت علته بطب طبيب

وإذا استعنت على الزمان بفارس (1)

لبى نداءك منه خير مجيب

(1) فارس هو السلطان أبو عنان.

ص: 455

بخليفة الله الذي في كفه

غيث يروض ساح كل جديب

المنتقى من طينة المجد الذي

ما كان يوماً صرفه بمشوب

يرمي الصعاب بصعبه فيقودها

ذللاً على حسب الهوى المرغوب

ويرى الحقائق من وراء حجابها

لا فرق بين شهادة ومغيب

من آل عبد الحق حيث توشحت

شعب العلا وربت بأي كثيب

أسد الشرى سرج الورى فمقامهم

لله بين محارب وحروب

إما دعا الداعي وثوب صارخاً

ثابوا واموا حومة التثويب

شهب ثواقب في سماء عجاجة

مأثورها قد صح بالتجريب

ما شئت في آفاقها من رامح

يبدو وكف بالنجيع خضيب

عجبت سيوفهم لشدة بأسهم

فتبسمت والجو في تقطيب

نظموا بلبات العلا واستوسقوا

كالرمح أنبوباً إلى أنبوب

تروي العوالي والمعالي عنهم

أثر الندى المولود والمكسوب

من كل موثوق به إسناده

بالقطع أو بالوضع غير معيب

فأبو عنان عن علي نصه

للنقل عن عثمان عن يعقوب

جاءوا كما اتسق الحساب أصالة

وغدا فذالك (1) ذلك المكتوب

متجسداً من جوهر النور الذي

لم ترم يوماً شمسه بغروب

متألقاً من مطلع الحق الذي

هو نور أبصار وسر قلوب

قل للزمان وقد تبسم ضاحكاً

من بعد طول تجهم وقطوب

هي دعوة الحق التي أوضاعها

جمعت من الآثار كل غريب

هي دعوة العدل الذي شمل الورى

فالشاة لا تخشى اعتداء الذيب

لو أن كسرى الفرس أدرك فارساً

ألقى إليه بتاجه المعصوب

لما حللت بأرضه مستملياً

ما شئت من بر ومن ترحيب

(1) فذالك: جمع فذلكة وهي محصل الحساب.

ص: 456

شمل الرضى فكأن كل أقاحة

تومي بثغر للسلام شنيب

وأتيت في بحر القرى أم القرى

حتى حططت بمرفأ التقريب

فرأيت أمن الله في ظل التقى

والعدل تحت سرادق مضروب

ورأيت سيف الله مطرور الشبا (1)

يمضي القضاء بحده المرهوب

وشهدت نور الحق ليس بآفل

والدين والدنيا على ترتيب

ووردت بحر العلم يقذف موجه

للناس من درر الهدى بضروب

لله من شيم كأزهار الربى

غب انثيال العارض المسكوب

وجمال مرأى في رداء مهابة

كالسيف مصقول الفرند مهيب

يا جنة فارقت من غرفاتها

دار القرار بما اقتضته ذنوبي

أسفي على ما ضاع من حظي بها

لا تنقضي ترحاته ونحيبي

إن أشرقت شمس شرقت بعبرتي

وتفيض في وقت الغروب غروبي

حتى لقد علمت ساجعة الضحى

شجوي وجانحة الأصيل شحوبي

وشهادة الإخلاص توجب رجعتي

لنعيمها من غير مس لغوب

يا ناصر الدين الحنيف وأهله

أنضاء مسغبة وفل خطوب

حقق ظنون بنيه فيك فإنهم

يتعللون بوعدك المرقوب

ضاقت مذاهب نصرهم فتعلقوا

بجناب عز من علاك رحيب

ودجا ظلام الكفر في آفاقهم

أوليس صبحك منهم بقريب

فانظر بعين العز من ثغر غدا

حذر العدا يرنوبطرف مريب

نادتك أندلس ومجدك ضامن

أن لا يخيب لديك ذو مطلوب

غصب العدو بلادها وحسامك ال

ماضي الشبا مسترجع المغصوب

أرض السوابح في المجاز حقيقة

من كل قعدة محرب وجنيب

يتأود الأسل المثقف فوقها

وتجيب صاهلة رغاء نجيب

(1) المطرور: المشحوذ؛ الشبا: الحد.

ص: 457

والنصر يضحك كل مبسم غرة

واليمن معقود بكل سبيب

والروم فارم بكل نجم ثاقب

يذكي بأربعها شواظ لهيب

بذوابل السلب التي تركت بني

زيان بين مجدل وسليب

وأضف إلى لام الوغى ألف القنا

تظهر لديك علامة التغليب

إن كنت تعجم بالعزائم عودها

عود الصليب اليوم غير صليب

ولك الكتاب كالخمائل أطلعت

زهر الأسنة فوق كل قضيب

فمرنح العطفين لا من نشوة

ومورد الخدين غير مريب

يبدو سداد الرأي في راياتها

وأمورها تجري على تجريب

وترى الطيور عصائباً من فوقها

لحلول يوم في الضلال عصيب

هذبتها بالعرض يذكر يومه

عرض الورى للموعد المكتوب

وهي الكتائب إن تنوسي عرضها

كانت مدونة بلا تهذيب (1)

حتى إذا فرض الجلاد جداله

ورأيت ريح النصر ذات هبوب

قدمت سالبة العدو وبعدها

أخرى بعز النصر ذات وجوب (2)

وإذا توسط وصل سيفك عندها

جزأي قياسك فزت بالمطلوب

وتبرأ الشيطان لما أن علا

حزب الهدى من حزبه المغلوب

الأرض إرث والمطامع جمة

كل يهش إلى التماس نصيب

وخلائف التقوى هم وراثها

فإليكها بالحظ والتعصيب

لكأنني بك قد تركت ربوعها

قفراً بكر الغزووالتعقيب (3)

وأقمت فيها مأتماً لكنه

عرس لنسر بالفلاة وذيب

وتركت مفلتها بقلب واجب

رهباً وخد بالأسى مندوب

تبكي نوادبها وينقلن الخطا

من شلو طاغية لشلو سليب

(1) يومي إلى المدونة في الفقه المالكي، وتهذيب المدونة للبرادعي.

(2)

في هذا البيت وما بعده إشارات إلى المصطلح المنطقي.

(3)

التعقيب: العودة ثانية، وهو من قولهم " قدح معقب " أي يعاد إلى الخريطة مرة بعد مرة.

ص: 458

جعل الإله البيت منك مثابة

للعاكفين وأنت خير مثيب

فإذا ذكرت كأن هبات الصبا

فضت بمدرجها لطيمة (1) طيب

لولا ارتباط الكون بالمعنى الذي

قصر الحجى عن سره المحجوب

قلنا لعالمك الذي شرفته

حسد البسيط مزية التركيب

ولأجل قطرك شمسها ونجومها

عدلت من التشريق للتغريب

تبدو بمطلع أفقها فضية

وتغيب عندك وهي في تذهيب

مولاي أشواقي إليك تهزني

والنار تفضح عرف عود الطيب

بحلى علاك أطلتها وأطبتها

ولكم مطيل وهوغير مطيب

طالبت أفكاري بفرض بديهها

فوفت بشرط الفور والترتيب

متنبئ أنا في حلى تلك العلى

لكن شعري فيك شعر حبيب

والطبع فحل، والقريحة حرة

فاقبله بين نجيبة ونجيب

هابت مقامك فاطبيت (2) صعابها

حتى غدت ذللاً على التدريب

لكنني سهلتها وأدلتها

من كل حشي بكل ربيب (3)

إن كنت قد قاربت في تعديلها

لا بد في التعديل من تقريب (4)

عذري لتقصيري وعجزي ناسخ

ويجل منك العفوعن تثريب

من لم يدن لله فيك بقربة

هو من جناب الله غير قريب ولما احتفل السلطان لإعذار ولده نظمت هذه القصيدة مساعدة لمن نظم من الأصحاب، وتشتمل على أوصاف من ذكر الحلبة التي أرسلها، والطلبة التي

(1) اللطيمة: وعاء الطيب أو قافلة تحمل طيوباً.

(2)

اطبيت: استملت.

(3)

الوحشي: اللفظ الوحشي؛ والربيب: المربب المألوف في البيت يعني به القول؛ ولعل فيع غشارة بعيدة إلى وحشي قاتل حمزة وإلى الربيب مثل عمر بن أبي سلمة الذي كان ربيب النبي (ص) .

(4)

التعديل والتقريب من مصطلحات الحساب والفلك.

ص: 459

نصبها في الهواء للفرسان يرسلون العصي إليها، والثيران التي أرسل عليها الأكلب الرومية تمسكها في صورة القرط من آذانا، وهي آخر النظم في الأغراض السلطانية، قصر الله تعالى ألسنتنا على ذكره، وشغلها به عن غيره:

شحطت وفود الليل بان به الوخط

وعسكره الزنجي هم به القبط

أتاه وليد الصبح من بعد كبرة

أيولد أجنا (1) ناحل الجسم مشمط

كأن النجوم الزهر أعشار سورة

ومن خطرات الرجم أثناءها مط

وقد وردت نهر المجرة سحرة

غوائص فيه مثلما تفعل البط

وقد جعلت تفلي بأنملها الفلا

ويرسل منها في غدائره مشط

يجف عباب الليل عنها جواهراً

فيكثر فيها النهب للحين واللقط

فسارت خيالاً مثلها، غير أنه

من البث والشكوى يبين له لغط

سرت سلخ شهر في تلفت مقلة

على قتب الاحلام تسمو وتنحط

لي الله من نفس شعاع ومهجة

إذا قدحت لم يخب من زندها سقط

ونقطة قلب أصبحت منشأ الهوى

وعن نقطة مفروضة ينشأ الخط (2)

فأقسم لولا زاجر الشيب والنهى

ونفس لغير الله ما خضعت قط

لريع لها الأحراس مني بطارق

مفارقه شمط وأسيافه شمط

تناقله كوماء سامية الذرا

ويقذفه شهم من النيق منحط

ولولا النهى لم تستهن سبل الهدى

وكاد وزان الحق يدركه الغمط

ولولا عوادي الشيب لم يبرح الهوى

يهيجه نوء على الرمل مختط

ولولا أمير المسلمين محمد

لهالت بحار الروع واحتجب الشط

ينوب عن الإصباح إن مطل الدجى

ويضمن سقي السرح إن عظم القحط

(1) الأجنأ - وهو مهموز الآخر - الأحدب.

(2)

قد مر بنا استخدام لسان الدين لمعارفه في الشعر، وهو هنا يظهر شيئاً من معرفته الهندسية.

ص: 460

تقر له الأملاك بالشيم العلا

إذا بذل المعروف أونصب القسط

أرادوه فارتدوا، وجاروه فانثنوا

وساموه في مرقى الجلالة فانحطوا

تبر على المداح غر خلاله

وما رسموا فوق الطروس وما خطوا

تعلم منه الدهر حاليه في الورى:

فآونة يسخو، وآونة يسطو

ويجمع بين القبض والبسط كفه

بحكمة من في كفه القبض والبسط

خلائق قد طابت مذاقاً ونفحةً

كما مزجت بالبارد العذب إسفنط (1)

أسبط الإمام الغالبي محمد

ويا فخر ملك كنت أنت له سبط

وقتك أواقي الله من كل غائل

فأي سلاح ما المجن وما اللمط (2)

لقد زلزلت منك العزائم دولة

أناخت على الإسلام تجني وتشتط

إيالة غدر ضيع الله ركنها

ونادى بأهليها التبار فلم يبطوا

على قدر جلى بك الله بؤسها

ولا يكمل البحران أوينضج الخلط

وكانوا نعيم الجنتين تفيأوا

ولما يقع منها النزول ولا الهبط (3)

فقد عوضوا بالأثل والخمط بعدها

وهيهات أين الأثل منها أو الخمط

فمن طائح فوق العراء مجدل

ومن راسف في القيد أزهقه الضغط

واتحف منك الله أمة أحمد

أماناً كما يضفوعلى الغادة المرط

أنمت على مهد الأمان عيونها

فيسمع من بعد السهاد لها غط

وصم صدى الدنيا فلما رحمتها

تزاحم مرتاد عليها ومختط

وأحكمت عقد السلم لم تأل بعده

وجاء فصح العقد واستوثق الربط

وأيقن مرتاب، وأصحب نافر

وأذعن معتاصٌ، وأقصر مشتط

(1) الإسفنط: اسم للخمر.

(2)

اللمط: الدرق اللمطية، منسوبة إلى لمطة من قبائل المغرب.

(3)

استوحى في هذا البيت والذي يليه الآية الكريمة " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان

الآية ". (سبأ: 15) .

ص: 461

ولله مبناك الذي معجزاته

سمت أن توافيها الشفاه أو الخط

وأنست غريب الدار مسقط رأسه

ومن دون فرخيه القتادة والخرط

تناسبت الأوضاع فيك وأحكمت

على قدر حتى الأرائك والبسط

فجاء على وفق العلا رائق الحلى

كما سمط المنظوم أونظم السمط

ولله إعذار دعوت له الورى

فهبوا لداعيه المهيب وإن شطوا

تقودهم الزلفى، ويدعوهم الرضى

ويحدوهم الخصب المضاعف والغبط

وأغريت بالبهم العلاج تحفياً

فلم يذخر الشيء الغريب ولا السمط (1)

أتت صورةً معلولة عن مزاجها

وأصل اختلاف الصورة المزج والخلط

قضيت بها دين الزمان، ولم يزل

أكد كذوب الوعد يلوي ويشتط

وأرسلت يوم السبق كل طمرة

كما قذف الملمومة النار والنفط

رنت عن كحيل كالغزال إذا رنا

وأوفت بهادٍ كالظليم إذا يعطو

وقامت على منحوتة من زبرجد

تخط على الصم الصلاب إذا تخطو

وكل عتيق من تماثل رومة

تأنق في استخطاطه القس والقمط

وطاعنة نحر السكاك أعانها

على الكون عرق واشج ولحى سبط

تلقف حيات العصي إذا هوت

فثعبانها لا يستقيم له سرط

أزرت بها بحر الهواء سفينة

على الجولا الجودي كان لها حط

وطاردت مقدام الصوار بجارح

يصاب به منه الصماخ أو الإبط

متين الشوا في رأسه سمهرية

مقصرة عنهن ما نيبت الخط

وقد كان ذا تاج فلما تعلقا

بسامعتيه زانه منهما قرط

وجيء بشبل الملك ينجد عزمه

عليه الحفاظ الجعد والخلق السبط

سمحت به لم ترع فرط ضنانة

وفي مثلها من سنة يترك الفرط

فأقدم مختاراً، وحكم عاذراً

ولم يشتمل مسك عليه ولا ضبط

(1) السمط: الخفيف الجسم.

ص: 462

ولو غير ذات الله رامته نصنصت

قناً كالأفاعي الرقط أودونها الرقط

وأسد نزال من ذؤابة خزرج

بها ليل لا روم القديم ولا قبط

جلادهم مثنى إذا اشتجر الوغى

كأن رعاء بالعضاه لها خبط

كتائب أمثال الكتاب تتالياً

فمن بيضها شكل، ومن سمرها نقط

دليلهم القرآن، يا حبذا الهدى

ورهطهم الأنصار، يا حبذا الرهط

وبيض كأمثال البروق غمامها

إذا وشحت سحب القتام دم عبط

ولكنه حكم يطاع وسنة

وأعمال بر لا يليق بها الحبط

وربت نقص للكمال مآله

ولا غرو فالأقلام يُصلحها القط

فهنيته صنعاً ودمت مملكاً

عزيزاً تشيد المعلوات وتختط

ودون الذي يهدي ثناؤك في الورى

من الطيب ما تهدي الالوة والقسط (1)

رضيت ومن لم يرض بالله حاكماً

ضلالاً فلله الرضى وله السخط

حياتك للإسلام شرط حياته

ولا يوجد المشروط إن عدم الشرط هذا كاف في المطولات لنجلب منها عرضاً يدل على حبوبها، ونتحف منها أنفس الظرفاء بمطلوبها، منقولة من الكتاب المسمى " بأبيات الأبيات " ومن الكتاب المسمى " بالصيب والجهام ".

فمن التورية على طريقة المشارقة قولي (2) :

مضجعي فيك عن قتادة يروي

وروى عن أبي الزناد فؤادي

وكذا النوم شاعر فيك أمسى

من دموعي يهيم في كل وادي ومن هذا الباب أيضاً:

(1) الألوة: العودة يتبخر به؛ والقسط: عود هندي أيضاً يدخل في البخور والطيب.

(2)

راجعت أكثر المقطعات على نسخة الإحاطة ولكنها لم ترد على الترتيب الذي جاءت فيه في النفح؛ ولست أرى حاجة إلى شرحها في الحواشي؛ وانظر أيضاً أزهار الرياض 1: 304 - 313 فقد ورد أكثرها هنالك؛ وكذلك نثير فرائد الجمان: 248 - 256.

ص: 463

ولما رأت عزمي حثيثاً على السرى

وقد رابها صبري على موقف البين

أنت بصحاح الجوهري دموعها

فعارضت من دمعي بمختصر العين وفي هذا المعنى:

كتبت بدمع عيني صفح خدي

وقد منع الكرى هجر الخليل

وراب الحاضرين، فقلت: هذا

كتاب العين ينسب للخليل ومن الأغراض الظريفة فيها:

تعجلت وخط الشيب في زمن الصبا

لخوضي غمار الهم في طلب المجد

فمهما رأيتم شيبة فوق مفرقي

فلا تنكروها إنها شيبة الحمد ومن التورية بالنجوم، والكاتب بيته بيت شرفه:

بأوت على زمني همة

فأعتبني الزمن العاتب

وشرفني الله في موطني

وفي بيته بشرف الكاتب وأبدع منها قولي لمن يدعى بشمس الدين:

قل لشمس الدين وقيت الردى

لم يدع سقمك عندي جلدا

رمدت عينك هذا عجب

أو عين الشمس تشكو الرمدا وقلت في غرض التورية بما يظهر من الأبيات:

أفل الألى كانوا نجو

ماً للورى فالكون مظلم

وتناكر الناس الحدي

ث الحق وافتقد المعلم

أنا كاتب السلطان ما

طالعت قط كتاب مسلم

إلا سخاماً قادحاً

في الدين والله المسلم

ص: 464

وفي معنى الدعابة مع بعض الطلبة:

قال لي عندما أتى بجدال

وشكوك على أصول الدين

ولساني يبدل الدال تاءً

عاجز في الأمور عن تبيين

التمس مخرجاً يوافق قولي

قلت: أحسنت يا حلال التين وفي التورية:

اذمم ذوي التطفيل مهما أتى

وإن تكن أجملتهم فاعنه

يمشي على رجليه مع انه

من جنس من يمشي على بطنه وقلت:

أفقد جفني لذيذ الوسن

من لم أزل فيه خليع الرسن

عذاره المسكي في خده

أنبته الله النبات الحسن وقلت في رثاء من اسمه حسن:

أشكو إلى الله من بثي ومن شجني

لم أجن من محنتي شيئاً سوى محن

أصابت الحسن العين التي رشقت

وعادة العين لا تصمي سوى الحسن وفي الشيب:

تفر عن الشيب الغواني تعززاً

كما يعتريها إن رأت سام أبرصا

بدا وضحاً في جدة العمر شانياً

فمن سام شيخاً فهوقد سام أبرصا وقلت في السها من النجوم الجوفية:

قالوا: السها بادي النحول كأنه

متستر تبدو مخايل خوفه

أتراه يشكو قلت: هذا ممكن

والله يعلم داره من جوفه

ص: 465

وقلت:

عابوا وقالوا: بساقه شعر

لقد عداه الكمال من ساق

قلت: انظروا ورد روض وجنته

وكل ورد مشوك الساق وقلت في التضمين:

رفعت قصة اشتياقي ليحيى

فزوى الوجه رافضاً للفتوه

رمى بالكتاب ضعف اهتبال

قلت يحيى خذ الكتاب بقوه وقلت:

وذي حيل يعيي التقية أمره

مكايده في لجة اليل تسبح

يدب شبول الليث، والليث ساهر

ويسرق ناب الكلب، والكلب ينبح وقلت:

لما رأوا كلفي به ودروا

مقدار ما لي فيه من حب

قالوا الفتى حلو فقلت لهم

طلعت حلاوته على قلبي وقلت، ولهما حكاية:

وذي زوجة تشكوفقلت له: اسقها

دواءً من الحب الملين لبطن

فقال: أبت شرب الدواء بطبعها

فقلت: اسقها إن عافت الشرب بالقرن وقلت:

لعنوا برياً من خبائث ظنهم

فالله يلعن أهل سوق العنبر

والله لا أوطأت ساقي سوقهم

أبد الزمان فتلك سوق العن بري ومن الفكاهات:

ص: 466

ولما دعاني داعي الهوى

واخلف ما كنت أملته

ولم يبق غير البكا حيلة

بكيت بمقدار ما نلته وقلت: وقد رفع للسلطان باكورة بنفسج:

قدم البنفسج وهونعم الوارد

قد نم منه إلي طيب زائد

فسألته: ما باله فأجابني

والحق لا يبغى عليه شاهد

أقبلت أطلب من بنان محمد

صلة فعاد علي منه عائد وقلت من التشبيه:

سهرنا وفي سير النجوم اعتبارنا

إلى أن ضفا لليل من فوقنا ريط

فخلنا شهاب الرجم إبرة خائط

مسوحاً وما يبقى من الذنب الخيط وقلت أودع صديقاً أنست به:

فلاحة مثلي ممقوتة

وإن أعجب البدء منها وراق

زرعت اللقاء وعالجته

فلم أستفد منه إلا الفراق ومن تضمين المثل:

لا تهج بالذكر في كبدي

نار وجد شق محتمله

ويقول الناس في مثل

لا تحرك من دنا أجله ومن المدح:

عجباً لراحتك الملثة بالندى

أن لا تكون على الغمام غماما

يهمي ووجهك نوره متألق

والقطر إن سحب السحاب أغاما ومن أبيات المدح:

ص: 467

يا ناصر الدين لما قل ناصره

ومطلع الجود في الدنيا وقد أفلا

لولا التشهد والترداد منك له

لم يسمع يوماً من لسانك لا ومن أوصاف صنيع سلطاني:

ماذا أحدث في صنيع خلافة

هشت إليه الشهب في آفاقها

فكأنما الجوزاء حين تعرضت

شدت لتخدم فيه عقد نطاقها ومن قصيدة في وصف فرس:

فبوأته من مهجتي متبوأ

خفياً على سر الفؤاد المكتم

ويا عجباً مني وفرط تشيعي

أهيم بوجدي فيه وهوابن ملجم ومن الحماسة في التورية بالمنطق:

حتى إذا فرض الجلاد جداله

ورأيت ريح النصر ذات هبوب

قدمت سالبة العدو وبعدها

أخرى بعز النصر ذات وجوب

وإذا توسط حد سيفك عندها

جزأي قياس فزت بالمطلوب وفي خاتمة قصيدة:

ما ضرني إن لم أجئ متقدماً

السبق يعرف آخر المضمار

ولئن غدا ربع البلاغة بلقعاً

فلرب كنز في أساس جدار ومن المدح:

إن أبهم الخطب جلى في دجنته

رأياً يفرق بين الرأي والرشد

وإن عتا الدهر أبدى من أسرته

وكفه هدي حيران وري صد

ص: 468

وإن نظرت إلى لألاء غرته

يوم الهياج رأيت الشمس في الأسد ومن الأوصاف في قصيدة:

كم ليال بت في ظلمائها

أمتطي من نار شوقي فرشا

وكأن النجم شرب ثمل

واصل الثملة حتى ارتعشا ومن النورية بالكفتين من الحيل العددية:

لا عدل في الملك إلا وهو قد نصبه

وصير الخلق في ميزانه عصبه

والكفتان ترى من كفه درتا

أن تخرج العدد المجهول للطلبه وفي رجل يحتال على الولاية (1) :

حلفت لهم بأنك ذو يسار

وذو ثقة وبر في اليمين

ليستندوا إليك بحفظ مال

فتأكل باليسار وباليمين وقلت، ولهما حكاية تظهر من الأبيات:

قلت لما استقل مولاي زرعي

ورأى غلة الطعام قليله

دمنتي لانتجاعي الحرث كلت

فهي اليوم دمنة وكليله ومما صدرت به كتاباً لأحد الفضلاء:

يا من تقلد للعلاء سلوكا

والفضل صير نهجه مسلوكا

كاتبتني متفضلاً فملكتني

لا زلت منك مكاتباً مملوكا وقلت في غرض يظهر منه:

(1) يتفق لسان الدين وابن رضوان في هذه التورية، انظر ما تقدم ص:112.

ص: 469

جلس المولى لتسليم الورى

ولفصل البرد في الجو احتكام

فإذا ما سألوا عن يومنا

قلت: هذا اليوم برد وسلام وقلت من التورية:

يا مالكي بخلال

تهدي إلى القلب حيره

أضرمت قلبي ناراً

يا مالك بن نويره وقلت في التورية:

أضاف إلى الجفون السود شعراً

كجنح الليل أوصبغ المداد

فقلت أمير هذا الحسن تزكو ال

أجور له بتكثير السواد وقلت أيضاً:

بأبي بدر غزاني

مستبيحاً شرح صدري

فأنا اليوم شهيد ال

حب من غزوة بدر وقلت، ولهما (1) حكاية:

أبا ليلة بالخصب لم تأل شهرة

كما اشتهرت في فضلها ليلة القدر

فآمن قلب اللوز من علة (2) النوى

وأصبح فيها التين منشرح الصدر ومن النزعات المشرقية في التورية:

يا قائدي نحوالغرام بمقلة

نفقت حلاوتها بكل فؤادي

ماذا جنيت علي من مضض الهوى

الله ينصف منك يا قوادي

(1) ق: ولها.

(2)

ق: من غمة.

ص: 470

ومن هذا النمط المشرقي:

وقالت حلقت الكس مني بنورة

فقلت لها استنصرت من ليس ينصر

ألا فابلغي عني فديتك واصدقي

محلق ذاك الكس أني مقصر ومنها:

قال لي والدموع تنهل سحاً (1)

في عراض من الخدود محول

بك ما بي فقلت مولاي عافا

ك المعافي من عبرتي ونحولي

أنا جفني القريح يروي عن الأع

مش، والجفن منك عن مكحول ومن أبيات التورية أوما داخلته:

في مصر قلبي من خزائن يوسف

حب وعير مدامعي تمتاره

حليت شعري باسمه فكأنه

في كل قطر حله ديناره ومن المدح أيضاً ولا أستحضر لقبه:

رأيت بكفك اعتباراً

بأساً وندى ما إن يبارى

فقلت وقد عجبت منها

يا بحر متى تدعو نوارا وقلت مما يجري مجرى الحكم:

إن الهوى لشكاية معروفة

صبر التصبر من أجل علاجها

والنفس إن ألفت مرارة طعمه

ضمنت بذاك له صلاح مزاجها ومن الغرائب في الأوصاف:

كأنما الروض ملك

باهى به جلساه

(1) ق: سحباً.

ص: 471

يرضى النديم فمهما

سقى الرياض كساه وفي غرض النسيب:

أصبح الخد منك جنة عدن

مجتلى أعين وشم أنوف

ظللته من الجفون سيوف

جنة الخلد تحت ظل السيوف وقلت في النسيب:

أرسلت طرفي في حلاك بنظرة

هي كانت السبب الغريب لما بي

وأراك بالعبرات قد عاقبتها

ليس الرسول بموضع لعقاب ومن تحسين القبيح:

وأحول يعدي القلب سهم جفونه

فتضحي صحيحات القلوب به مرضى

رأى الحسن أن اللحظ منه مهند

فحرفه كيما يكون له أمضى ومن النزعات الحسنة:

من لي بذكرى كلما أوجزتها

تمحو سلوي واشتياقي تثبت

وسحاب دمع كلما أمطرته

غير القتاد بمضجعي لا ينبت ومن النسيب:

جاء العذار بظل غير ممدود

فمنتهى الحسن منه غير محدود

ناديت قلبي إذ لاحت طلائعه

يا صبر أيوب هذا درع داود وفي نقيضه:

ما ضر مني أن أخلفت موعودي

وروض خدك أضحى ذاوي العود

وقال قوس عذار فوق صفحته

سفينة الحسن قد حطت على الجودي

ص: 472

ومن التضمين:

يا من بأكناف فؤادي ربع (1)

قد ضاق بي عن حبك المتسع

ما فيك لي جدوى ولا أرعوي

شح مطاع وهوى متبع ومن الأغراض المخترعة:

أنكر ت لما أطل عارضه

فقال لي حين رابه نظري

ألم تقل لي بأنني قمر

فانظر إلى وبر أرنب القمر ومن التضمين:

يا كوكب الحسن يا معناه يا قمره

يا روضه المتناهي الريع يا ثمره

أمرتني بسلو عنك ممتنع

مأمور حسنك لما يقض ما أمره وقلت:

لما رضيت بفرقتي وبعادي

وصرمت آمالي وخنت ودادي

لاعنت أم الصبر فيك وبعده

ورثت للأشجان كنز فؤادي

فالصبر مني أجنبي بعدها

ولواعج الأشجان من أولادي ومن الأغراض المشرقية:

سار بي للأمير يشكواعتراضي

يوسف والشهود أبناء جنسه

قال لي ما تقول قلت مجيباً

لم نخف من نكاله أو لحبسه

حصحص الحق يا خوند فدعني

أنا راودت يوسفاً عن نفسه ومن الأوصاف:

(1) ق: رقع.

ص: 473

بتنا نطارح هم القحط ليلتنا

وأيد الهم والسهد البراغيثا

وكان يحمد ما كنا نكابده

من المشقة لو أن البرا غيثا وفي قريب من المعنى:

وقالوا بدت منكم على الجسم حمرة

فقلت براغيث لكم رقطونا

عدت نحونا ليلاً ومن بعدنا اغتدت

كما رقصت في القلوبزر قطونا ومن التضمين:

قال جوادي عندما

همزت همزاً أعجزه

إلى متى تهمزني

" ويل لكل همزة " وفي رثاء السلطان أبي الحجاج رحمه الله تعالى:

غبت فلا عين ولا مخبر

ولا انتظار منك مرقوب

يا يوسف أنت لنا يوسف

وكلنا في الحزن يعقوب وقلت، ولهما حكاية:

طال حزني لنشاط ذاهب

كنت أسقى دائماً من حانه

وشباب كان يندى نضرة (1)

نزل الثلج على ريحانه وقلت، وقد اعجبني نشاط ولدي:

سرق الدهر شبابي من يدي

ففؤادي مشعر بالكمد

وحمدت الأمر إذ أبصرته

باع ما أفقدني من ولدي

(1) ق: وشباب كان يندى من يدي.

ص: 474

وقلت، ولهما حكاية:

قلت للشيب لا يربك جفائي

في اختصاري لك البرور ومقتك

أنت بالعتب با مشيبي أولى

جئتني غفلة وفي غير وقتك ومما خططته في رملة نزلتها:

أقمنا برهة ثم ارتحلنا

كذاك الدهر حال بعد حال

وكل بداية فإلى انتهاء

وكل إقامة فإلى ارتحال

ومن سام الزمان دوام أمر

فقد وقف الرجاء على المحال وقلت أيام مقامي بسلا:

أيا أهل هذا القطر ساعده القطر

بليت فدلوني لمن يرفع الأمر

تشاغلت بالدنيا ونمت مفرطاً

وفي شغلي أو نومتني سرق العمر وقلت، والبقاء لله وحده، وبه نختم الهذر:

عد عن كيت وكيت

ما عليها غير ميت

كيف ترجو حالة البق

يا لمصباح وزيت انتهى ما نقلته من " الإحاطة " من ترجمة نظمه، وبعض ما ذكر هنا قد تقدم، وكررته لكونه بلفظه في الإحاطة، وقد ذكرت أثناء الأبواب غير هذا الباب من نظم لسان الدين - رحمه الله تعالى - كثيراً، ولنعزز ذلك هنا بذكر ما لم يتقدم ذكره، إذ نظمه بحر لا ساحل له، ولذا كتب ابنه أبوالحسن على هذا المحل من الإحاطة ما صورته: ولوالدي أيضاً المترجم به - رحمه الله تعالى - في سكين الأضاحي لسلطانه أبي الحجاج يوسف بن نصر فيما يكتب بالسكين المضحية:

ص: 475

لي الفخر إن أبصرتني أوسمعت بي

على كل مصقول الغرارين مرهف

كفاني فخراً أن تراني قائماً

بسنة إبراهيم في كف يوسف ومقطوعاته كثيرة لم يتضمن هذا الديوان منها إلا القليل بسبب الاختصار، ومن أراد الوقوف على جملتها فعليه بكتاب الصيب والجهام في شعره، رحمه الله تعالى، قال ذلك ولده علي، لطف الله تعالى به آمين؛ انتهى.

فمن ذلك قوله رحمه الله تعالى (1) :

عسى خطرة بالركب يا حادي العيس

على الهضبة الشماء من قصر باديس (2)

لنظفر من ذاك الزلال بعلة

وننعم في تلك الظلال بتعريس

حبست بها ركبي فواقاً، وإنما

عقدت على قلبي بها عقد تحبيس (3)

لقد رسخت آي الجوى في جوانحي

كما رسخ الإنجيل في قلب قسيس

بميدان جفني للسهاد كتيبة

تغير على سرح الكرى في كراديس

وما بي إلا نفحة حاجزية

سرت والدجى ما بين وهن وتغليس

ألا نفس يا ريح من جانب الحمى

تنفس من نار الجوى بعض تنفيس

ويا قلب لا تلق السلاح فربما

تعذر في الدهر اطراد المقاييس

وقد تعتب الأيام بعد عتابها

وقد يعقب الله النعيم من البوس

ولا تخش لج الدمع يا خطرة الكرى

إلى الجفن بل قيسي على صرح بلقيس

تقول سليمى ما لجسمك شاحباً

مقالة تأنيب يشاب بتأنيس

وقد كنت تعطوكلما هبت الصبا

بريان في ماء الشبيبة مغموس

ومن رابح الأيام يا ابنة عامر

بجوب الفلا راحت يداه بتفليس

(1) الإحاطة: 421 وأزهار الرياض 1: 234.

(2)

قصر باديس: فرضة بالمغرب تقابل مالقة من الديار الأندلسية.

(3)

التحبيس: الوقف الدائم.

ص: 476

فلا تحسبي والصدق خير سجية

ظهور النوى إلا بطون النواميس (1)

وقفراء أما ركبها فمضلل

ومربعها من آنس غير مأنوس

سحبنا بها من هضبة لقرارة

ضلالاً وملنا من كناس إلى خيس

إذا ما نهضنا عن مقيل غزالة

نزلنا فعرسنا بساحة عريس (2)

أدرنا بها كأساً دهاقاً من السرى

أملنا بها عند الصباح من الروس

وحانة خمار هدانا لقصدها

شميم الحميا واصطكاك النواقيس

تطلع ربانيها من جداره

يهينم في جنح الظلام بتقديس

بكرنا وقلنا إذ نزلنا بساحه

عن الصافنات الجرد والضمر العيس

أيا عابد الناسوت إنا عصابة

أتينا لتثليث بلى ولتسديس

وما قصدنا إلا المقام بحانة

وكم ألبس الحق المبين بتلبيس

فأنزلنا قوراء في جنباتها (3)

محاريب شتى لاختلاف النواميس

بدرنا بها طين الختام بسجدة

أردنا بها تجديد حسرة إبليس

ودار العذارى بالمدام كأنها

قطيع تهادى (4) في رياش الطواويس

وصارفنا فيها نضاراً بمثله

كأنا ملأنا الكاس ليلاً من الكيس

وقمنا نشاوى عندما متع الضحى

كما نهضت غلب الأسود من الخيس

فقال لبئس المسلمون ضيوفنا

أما وأبيك الحبر ما نحن بالبيس

وهل في بني مثواك إلا مبرز

بحلبة شورى أوبحلقه تدريس

إذا هز عسال اليراعة فاتكاً

أسال نجيع الحبر فوق القراطيس

يقلب تحت النقع مقلة ضاحك

إذا التفت الأبطال عن مقل شوس

(1) لعل صوابها: " النواويس ".

(2)

العريس: عرين الأسد.

(3)

ق: فوراً على جنباتها، والتصويب عن أزهار الرياض والإحاطة.

(4)

الأزهار: قطا تتهادى؛ وسقط البيت من الإحاطة.

ص: 477

سبينا عقار الروم في عقر دارها (1)

بحلية تمويه وخدعة تدليس

لئن أنكرت شكلي ففضلي واضح

وهل جائز في العقل إنكار محسوس

رسبت بأقصى الغرب ذخر مضنة

وكم درة علياء في قاع قاموس

وأغريت سوسي بالعذيب وبارق

على وطن داني الجوار من السوس ومن أبدع ما صدر (2) عن لسان الدين رحمه الله تعالى لاميته المشهورة التي خاطب بها السلطان حين عاد من المغرب إلى الأندلس، وأعاد الله تعالى عليه ملكه الذي كان خلع منه، ويقال: إن السلطان أمر بكتب هذه القصيدة على قصوره بالحمراء إعجاباً بها، وإنها إلى الآن لم تزل مكتوبة بتلك القصور التي استولى عليها العدوالكافر، أعادها الله تعالى للإسلام، وأول هذه القصيدة:

الحق يعلو والأباطل تسفل

والله عن أحكامه لا يسأل قال لسان الدين رحمه الله تعالى: نظمتها للسلطان - أسعده الله تعالى - وأنا بمدينة سلا، لما انفصل طالباً حقه بالأندلس، كان صنع الله تعالى براعة استهلالها، ووجهت بها إليه إلى رندة قبل الفتح، ثم لما قدمت أنشدتها بعد الفتح وفاء بنذري وسميتها " المنح الغريب في الفتح القريب " ومنها:

وإذا استحالت حالة وتبدلت

فالله عز وجل لا يتبدل

واليسر بعد العسر موعود به

والصبر بالفرج القريب موكل

والمستعد لما يؤمل ظافر

وكفاك شاهد قيدوا " وتوكلوا "(3)

أمحمد والحمد منك سجية

بحليها دون الورى تتجمل

أما سعودك فهي دون منازع

عقد بأحكام القضاء مسجل

(1) الإحاطة والأزهار: خانها.

(2)

انظر أزهار الرياض 1: 262.

(3)

يشير إلى الحديث " اعلقها وتوكل ".

ص: 478

ولك السجايا الغر والشيم التي

بغريبها يتمثل المتمثل

ولك الوقار إذا تزلزلت الربى

وهفت من الروع الهضاب المثل

عوذ كمالك ما استطعت فإنه

قد تنقص الأشياء مما تكمل

تاب الزمان إليك مما قد جنى

والله يأمر بالمتاب ويقبل

إن كان ماض من زمانك قد مضى

بإساءة قد سرك المستقبل (1)

هذا بذاك فشفع الجاني الذي

أرضاك فيما قد جناه الاول

والله قد ولاك أمر عباده

لما ارتضى بك قيماً لا تعزل

وإذا تغمدك الإله بنصره

وقضى لك الحسنى فمن ذا يخذل ومنها:

وظعنت عن أوطان ملكك راكباً

متن العباب فأي صبر يجمل

والبحر قد حنيت عليك ضلوعه

والريح تقطع للزفير وترسل

ولك الجواري المنشآت قد اغتدت

تختال في برد الشباب وترفل

جوفاء يحملها ومن حملت به

من يعلم الأنثى وماذا تحمل ومنها:

صبحتهم غرر الجياد كأنما

سد الثنية عارض متهلل

من كل منجرد أغر محجل

يرمي الجلاد به أغر محجل

زجل الجناح إذا أجد لغاية (2)

وإذا تغنى للصهيل فبلبل

جيد كما التفت الظليم وفوقه

أذن ممشقة وطرف أكحل

فكأنما هوصورة في هيكل

من لطفه وكأنما هو هيكل

(1) سقط هذا البيت من ق.

(2)

الأزهار: لغارة.

ص: 479

ومنها:

وخليج هند راق حسن صفائه

حتى يكاد يعوم فيه الصيقل

غرقت بصفحته النمال وأوشكت

تبغي النجاة فأوثقتها الأرجل

فالصرح منه ممرد، والصفح من

هـ مورد، والشط منه مهدل (1)

وبكل أزرق إن شكت ألحاظه

مره العيون فبالعجاجة تكحل

متأود أعطافه في نشوة

مما يعل من الدماء وينهل

عجباً له أن النجيع بطرفه

رمد، ولا يخفى عليه مقتل ومنها:

لله موقفك الذي وثباته

وثباته مثل به يتمثل

والخيل خط، والمجال صحيفة

والسمر تنقط، والصوارم تشكل

والبيض قد كسرت حروف جفونها

وعوامل الأسل المثقف تعمل

لله قومك عند مشتجر القنا

إذ ثوب الداعي المهيب وأقبلوا

قوم إذا لفح الهجير وجوههم

حجبوا برايات الجهاد وظللوا وهي طويلة لم يحضرني الآن منها سوى ما كتبته.

ومن نظمه رحمه الله تعالى قوله (2) :

يا إمام الهدى وأي إمام

أوضح الحق بعد إخفاء رسمه

أنت عبد الحليم، حلمك نرجو

فالمسمى له نصيب من اسمه وقال يخاطب عبد الواحد بن زكريا بن أحمد اللحياني أبا مالك ابن سلطان إفريقية مودعاً (3) :

(1) الأزهار: مصندل.

(2)

أزهار الرياض 1: 261.

(3)

المصدر نفسه.

ص: 480

أبا مالك أنت نجل الملوك

غيوث الندى وليوث النزال

ومثلك يرتاح للمكرمات

وما لك بين الورى من مثال

عزيز بأنفسنا أن نرى

ركابك مؤذنة بارتحال

وقد خبرت منك خلقاً كريماً

أناف على درجات الكمال

وفازت لديك بساعات أنس

كما زار في الليل طيف الخيال

ولولا تعللنا أننا

نزورك فوق بساط الجلال

ونبلغ فيك الذي نبتغي

وذاك على الله سهل المنال

لما فترت أنفس من أسى

ولا برحت أدمع في انهمال

تلقتك حيث حللت (1) السعود

وكان لك الله في كل حال وتوفي أبومالك المخاطب بهذا في بلاد الجريد سنة750.

ومن نظم ابن الخطيب قوله لما أشرف على الحضرة المراكشية حاطها الله تعالى (2) :

ماذا أحدث عن بحر سبحت به

من البحار فلا إثم ولا حرج

دحاه مبتدع الأشياء مستوياً

ما إن به درك كلا ولا درج

حتى إذا ما المنار الفرد لاح لنا

صحت ابشري يا مطايا جاءك الفرج

قربت من عامر داراً ومنزلةً

والشاهد العدل هذا الطيب والأرج وقال رحمه الله تعالى (3) :

كأنا بتامسنا نجوس خلالها

وممدودها في سيرنا ليس يقصر

مراكب في البحر المحيط تخبطت

ولا جهة تدري ولا البر تبصر

(1) الأزهار: احتللت.

(2)

أزهار الرياض: 265.

(3)

المصدر نفسه.

ص: 481

وقال سامحه الله تعالى، وهومكتوب بالمدرسة التي بناها السلطان أبوالحجاج ابن نصر رحمه الله تعالى (1) :

ألا هكذا تبنى المدارس للعلم

وتبقى عهود المجد ثابتة الرسم

ويقصد وجه الله بالعمل الرضى

وتجنى ثمار العز من شجر العزم

تفاخر مني حضرة الملك كلما

تقدم خصم في الفخار إلى خصم

فأجدى إذا ضن الغمام من الحيا

وأهدى إذا جن الظلام من النجم

فيا ظاعناً للعلم يطلب رحلة

كفيت اعتراض البيد أو لجج اليم

ببابي حط الرحل لا تنو وجهة

فقد فزت في حال الإقامة بالغنم

فكم من شهاب في سمائي ثاقب

ومن هالة دارت على قمر تم

يفيضون من نور مبين إلى هدىً

ومن حكمة تجلوالقلوب إلى حكم

جزى الله عيني يوسفاً خير ما جزى

ملوك بني نصر عن الدين والعلم وقال رحمه الله تعالى (2) : مررت يوماً مع شيخنا أبي البركات ابن الحاج ببعض مسالك غرناطة حرسها الله تعالى فأنشدني من نظمه:

غرناطة ما مثلها حضره

الماء والبهجة والخضره واستجارني رحمه الله تعالى، فقلت:

سكانها قد أسكنوا جنة

فهم يلقون بها نضره وقال في تورية طبية (3) :

إني وإن كنت ذا اعتلال

رث القوى بين الهزال

(1) أزهار الرياض: 1: 272.

(2)

المصدر نفسه.

(3)

أزهار الرياض 1: 274.

ص: 482

في عارض التيس لي شفاء

فكيف في عارض الغزال وقال رحمه الله تعالى يخاطب شيخه سيدي أبا عبد الله ابن مرزوق موطئاً على بيت المشارقة في العذار (1) :

أما والذي تبلى لديه السرائر

لما كنت أرضى الخسف لولا الضرائر

غدوت لضيم ابن الربيب فريسة

أما ثار من قومي لنصري ثائر

إذا التمست كفي لديه جرايتي

كأني جان أوبقته الجرائر

وما كان ظني أن أنال جراية

يحكم من جرائها في جائر

متى جاد بالدينار أخضر زائفاً

ودارته دارت عليها الدوائر

وقد أخرج التعنيت كيس مرارتي

ورقت لبلواي النفوس الأخاير (2)

تذكرت بيتاً في العذار لبعضهم

له مثل بالحسن في الأرض ثائر

وما اخضر ذاك الخد نبتاً، وإنما

لكثرة ما شقت عليه المرائر

وجاه ابن مرزوق لدي ذخيرة

وللشدة العظمى تعد الذخائر

ولو كان يدري ما دهاني لساءه

وأنكر ما صارت إليه المصائر وقال رحمه الله تعالى يخاطب أحد الشرفاء (3) :

أعيا اللقاء علي إلا لمحة

في جملة لا تقبل التفصيلا

فجعلت بابك عن يمينك نائباً

أهديه عند زيارتي تقبيلا

فإذا وجدتك نلت ما أملته

أو لم أجدك فقد شفيت غليلا ولما دخل رحمه الله تعالى مدينة أنفا (4) ، ومر منها على دار عظيمة تنسب إلى والي

(1) المصدر نفسه.

(2)

اضطربت هذه اللفظة في ق، وأثبتنا ما في أزهار الرياض.

(3)

أزهار الرياض 1: 275.

(4)

أنفاً: هي الدار البيضاء الحديثة في المغرب.

ص: 483

جبايتها عبومن بني الترجمان قارون قومه وغني صنفه، قال (1) :

قد مررنا بدار عبو الوالي

وهي ثكلى تشكوصروف الليالي

أقصدت بها الحوادث لما

رشقته بصائبات نبال

كان بالأمس والياً مستطيلاً

وهو اليوم ما له من وال وقال في الشيخ ابن بطان الصنهاجي (2) :

لله درك يا ابن بطان فما

لشهير جودك في البسيطة جاحد

إن كان في الدنيا كريم واحد

يزن الجميع فأنت ذاك الواحد

أجريت فضلك جعفراً يحيا به

ما كان من مجد فذكرك خالد

فالقوم منك تجمعوا في مفرد

ولد كما شاء العلاء ووالد

وهي الليالي لا تزال صروفها

يشقى بموقعها الكريم الماجد

وبمستعين الله يصلح منك ما

قد كان أفسده الزمان الفاسد وقال رحمه الله تعالى وقد انتابه البرغوث (3) :

زحفت (4) إلي ركائب البرغوث

نم الظلام يركبها المحثوث

بالحبة السوداء قابل مقدمي

لله أي قرىً، أعد، خبيث

كسحت بهن ذباب سرح تجلدي

ليلاً فحبل الصبر جد رثيث

إن صابرت نفسي أذاه تعبدت

أو صحت منه أنفت من تحنيث

جيشان من ليل وبرغوث فهل

جيش الصباح لصرختي بمغيث

(1) أزهار الرياض 1: 288.

(2)

المصدر نفسه.

(3)

أزهار ص: 289.

(4)

ق: رجعت.

ص: 484

وقال يخاطب الوالي محمد بن حسون بن أبي العلاء، وصدر بها رسالة (1) :

لم يبق لي جود الولاية حاجة

في الأمن أو في الجاه أو في المال

بعد اللقاء أولو الفضائل بغيتي

ورأيت هذا القصد شرط كمال

أجملته وتشوفت لبيانه

همم فكنت مفسر الإجمال

وخصصت بالإلقاء غيرك غيرة

وجعلت ذكرك شاهد الأعمال

للبست يا ابن أبي العلا قشب الملا

وتركت أهل الأرض في أسمال

إن دون الفضلاء فضلاً معلماً

فلقد أتيت عليه بالإكمال

تثني عليك رعية آمالها

في أن تفوز يداك بالآمال

أرعيتها هملاً فلم يطرق لها

بمنيع سورك طارق الإهمال

من كنت واليه تولته العلا

ومن أطرحت فما له من والي وقال في عثمان بن يحيى بن عمر بن روح (2) :

أسمي ذي النورين رجهك في الوغى

شمس الضحى حلت بليث عرين

إن تفتخر بمرين أرض العدوة ال

قصوى فإنك أنت فخر مرين وقال رحمه الله تعالى عند وقوفه على مراكش واعتباره بما صار إليه أمرها (3) :

بلد قد غزاه صرف الليالي

وأباح المصون منه مبيح

فالذي خر من بناه قتيل

والذي خر منه بعض جريح

وكأن الذي يزور طبيب

قد تأتى له بها التشريح

أعجمت منه أربع ورسوم

كان قدماً بها اللسان الفصيح

(1) أزهار: 289.

(2)

المصدر نفسه.

(3)

أزهار: 290.

ص: 485

كم معان غابت بتلك المغاني

وجمال أخفاه ذاك الضريح

وملوك تعبدوا الدهر لما

أصبح الدهر وهوعبد صريح

دوخوا نازح البسيطة حتى

قال ما شاء ذابل وصفيح

حين شبت لهم من البأس نار

ثم هبت لهم من النصر ريح

أثر يندب المؤثر لما

طال بعد الدنومنه النزوح

ساكن الدار روحها، كيف يبقى

جسد بعدما تولى الروح وقال رحمه الله تعالى يخاطب أحمد بن يوسف حفيد الولي الصالح سيدي أبي محمد صالح النائم في ظل صيته رحمه الله تعالى (1) :

يا حفيد الولي يا وارث الفخ

ر الذي نال في مقام وحال

لك يا أحمد بن يوسف جبنا

كل قطر يعيي أكف الرحال وقال في " نفاضة الجراب ": لما خرجت من آسفي (2) سرت إلى منزل ينسب إلى أبي خدو، وفيه رجل من بني المنسوب إليه اسمه يعقوب، فألطف وأجزل، وآنس في الليل، وطلبني بتذكرة تثبت عندي معرفته فكتبت له (3) :

نزلنا على يعقوب نجل أبي خدو

فعرفنا الفضل لاذي ما له حد

وقابلنا بالبشر واحتفل القرى

فلم يبق لحم لم ننله ولا زبد

يحق علينا أن نقوم بحقه

ويلقاه منا البر والشكر والحمد وقال:

أألقي إلى الأيام فضل مقادتي

فتجنبني ما بين كد وإرهاق

(1) أزهار: 298.

(2)

آسفي: بالمغرب على ساحل الاطلنطلي؛ والسين منها مفتوحة أو ساكنة.

(3)

المصدر نفسه.

ص: 486

وأتلف بين الخلق والرزق فكرتي

ولست بخلاق ولست برزاق

إذا كنت بالإثراء لي في تملق

رضيت بعز النفس في عز إملاق وقال:

لك الملك ملك الحسن فاقض بنا الذي

تشاء فما يعصى لأمرك واجبه

إذا ما كسرت اللحظ من تحت حاجب

تحكم في الألباب كسرى وحاجبه وقال:

سألنا ربيع العام للعام رحمة

فضن ولم يسمح بذرة إنعام

فقلنا وقد رد الوجوه ولم يبل

قليل الحيا قبحت والله من عام وقال:

تخونه صرف الزمان وهل ترى

بقاء لحي أودواماً على أمر

هو الدهر ذووجهين يوم وليلة

ومن كان ذا وجهين يعتب في غدر وقال رحمه الله تعالى في شجر الجوز:

انظر إلى ينعي وحسن بسوقي

يهفو النسيم بقدي الممشوق

يجلو اللواحظ منظري حسناً كما

يجلو ثغور الغانيات عروقي وقال رحمه الله تعالى في ساق:

كيف آمنتما على الشرب ظبياً

لحظه في القلوب غير أمين

راح يسقي فصب في الكاس نزراً

ثقة منه بالذي في العيون وقال يخاطب السلطان (1) :

(1) أزهار: 298.

ص: 487

أنت للمسلمين خير عماد

وملاذ وأي حرز حريز

لو رأى ما شرعت للخلق فيه

عمر الفاضل ابن عبد العزيز

لجزى ملكك المبارك خيراً

وقضى بالشفوف والتبريز

فاشكر الله ما استطعت بفعل

وبقول مطول أو وجيز

كل ملك يرى بصحبة أهل ال

علم قد باء بالمحل العزيز

فإذا ما ظفرت منهم بإكسي

ر ملأت البلاد من إبريز

والبرايا تبيد والملك يفنى

أين كسرى الملوك مع أبرويز وقال رحمه الله تعالى:

ما لي أهذب نفسي في مطامعها

والنفس تأنف تهذيبي وتهذي بي

إذا استعنت على دهري بتجرية

تأبى المقادير تجريبي وتجري بي وقال:

من لا نصيب لصحبه في خيره

وإذا سعى لم يقض حاجة غيره

فاقصد أباه متى أردت وقل له

الله يلهمه العزاء بأيره وقال رحمه الله تعالى:

أمستخرجاً كنز العقيق بآماقي

أناشدك الرحمن في الرمق الباقي

فقد ضعفت عن حمل صبري طاقتي

عليك وضاقت عن زفيري أطواقي وقال رحمه الله تعالى:

إذا لم أشاهد منك قبل منيتي

نهاية آمالي وغاية غاياتي

فحسن عزائي حيل بيني وبينه

وقرة عيني لم تحل بمرآتي

شهودك أمني من عداة خواطري

وقربك حرزي من توقع آفات

ص: 488

فإن لم يكن وصل فهبها إشارة

فيا حسن شاراتي بها من إشارات وقال رحمه الله تعالى يخاطب الدنيا:

دنيا خدعت الذي سفرت له

عن صفحة لم يحل بها كرم

سرقت حظ الإله من يده

فهان ما كان منه يحترم

هذا الذي نال منك ليس له

منقطع دائم ومنصرم

وهبه نال الذي أراد أما

بين يديه المشيب والهرم ولما أورد رحمه الله تعالى قول القائل (1) في وصف الدنيا:

كلما أنبت الزمان قناة

ركب المرء في القناة سنانا

وكأنا لم نرض فيها بري

ب الدهر حتى أعانه من أعانا قال أثره ما نصه: والحق ما قلته من أبيات تناسب ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله:

والله إن لم يداركها وقد وحلت

بلمحة أوبلطف من لدنه خفي

ولم يجد بتلافيها على عجل

ما أمرها صائر إلا إلى التلف فحب الدنيا رأس كل بلية، ولولاه لم تزل النفس صافية عالية عن سجيتها الأولية.

ومن نظمه رحمه الله تعالى قوله:

إن رأى الحق فيك منه بقيه

فاتق البعد فيه حق التقيه

وإذا لم يكن لذاتك رسم

قائم تلك حالة حقيه وقوله رحمه الله تعالى:

(1) هو المتنبي، من قصيدة مطلعها " صحب الناس قبلنا ذا الزمانا ".

ص: 489

فسامح إذا ما لم تفدك عبارة

وإن أشكلت يوماً فخذها كما هيا

وتلخيص ما دندنت بالقول حوله

إذا قمت بالباقي فما زلت باقيا وقال رحمه الله تعالى (1) :

ففي عالم الأسرار ذاتك تجتلي

ملامح نور لاح للطور فانهدا

وفي عالم الحس اغتديت مبوأ

لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى

فما كنت لولا أن أتيت هداية

من الله مثل الخلق رسماً ولا حدا وهذه الأبيات في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال رحمه الله تعالى:

حمامة البان ما هذا البكاء على

مر الليالي وماذا البث والحزن

لا منزل بنت عنه أنت تندبه

ولا حبيب ولا خل ولا سكن

لو كنت تنفث عن شوق منيت به

إذاً لصار رماداً تحتك الغصن وقال رحمه الله تعالى مضمناً:

أمط عنك مهما اسطعت كل إرادة

وإلا فمغنى القوم عنك بعيد

تكون مريداً ثم فيك إرادة

إذا لم ترد شيئاً فأنت مريد وقال رحمه الله تعالى:

تعلقته من دوحة الجود والباس

قضيباً لعوباً بالرجاء وبالياس

ضروباً بضرب لليراعة والقنا

طروباً بحمل المشرفية والكأس

يذكرنيه الصبح عند انصداعه

جمال رواء في تأرج أنفاس

ويبدو لعيني شعره وجبينه

إذا ما سفحت الحبر في صفح قرطاس

(1) انظر ص: 453.

ص: 490

وقال رحمه الله تعالى:

أحب لحبها جملي ورحلي

وعزمي والقتادة والطريقا

ومن أخشاه من سبع ولص

فكيف فريقها سلموا فريقا!

وكيف أخص باسم الحب إن لم

أحب لأجلها إلا صديقا وقال رحمه الله تعالى وقلت من قصيدة:

أنا نسخة الأكوان أدمج خطها

فسر ذوي التحقيق في طي أوراقي

فمن عالم الأشباح ليلي وظلمتي

ومن عالم الأرواح نوري وإشراقي وقال رحمه الله تعالى:

مولاي مولاي إن أرضاك بذل دمي

فقد أتيت به أسعى على قدمي

وإن تعاظم ذنب قد جنته يدي

وطال قرعي عليه السن من ندم

فهبه لي واغتفر ما كان من خطإ

وزلة وارع لي حبي على القدم وقال رحمه الله تعالى من قصيدته العينية السلوية التي وجهها إلى سلا أيام خلف بها أهله وولده:

بولي الله فابدأ وابتدر

واحد الآحاد في باب الورع [ترجمة الولي ابن عاشر]

قلت: هذا الولي هوالعارف بالله تعالى سيدي الحاج أحمد بن عاشر أحد الصلحاء أصحاب الكرامات المشهورة بالمغرب، وقد زرت قبره بسلا عام تسعة وألف، وهوأحمد بن عمر بن محمد بن عاشر (1) ، الأندلسي، نزيل سلا، الولي الزاهد المشهور بالمناقب والأحوال.

(1) انظر ترجمة ابن عاشر في نيل الابتهاج: 43 والمقري ينقل عنه؛ وأنس الفقير: 90.

ص: 491

قال ابن عرفة: ما أدركت مبرزاً في زماننا هذا إلا الشيخ أبا الحسن المنتصر وأحمد بن عاشر بسلا؛ انتهى.

وقال بلدينا أبوعبد الله ابن صعد التلمساني في كتابه " النجم الثاقب فيما لأولياء الله تعالى من المناقب ": كان أحد الأولياء الأبدال، معدوداً في كبار العلماء، مشهوراً بإجابة الدعاء، معروفاً بالكرامات، مقدماً في صدور الزهاد، منقطعاً عن الدنيا وأهلها، ولوكانوا من صالحي العباد، ملازماً للقبور في الخلاء المتصل ببحر مدينة سلا، منفرداً عن الخلق، لا يفكر في أمر الرزق، وله أخبار جليلة، وكرامات عجيبة مشهورة، ممن جمع له العلم والعمل، وألقي عليه القبول من الخلق، شديد الهيبة، عظيم الوقار، كثير الخشية، طويل التفكر والاعتبار، قصده أمير المؤمنين أبوعنان، وارتحل إليه عام سبعة وخمسين وسبعمائة، فوقف ببابه طويلاً، فلم يأذن له، وانصرف وقد امتلأ قلبه من حبه وإجلاله، ثم عاود الوقوف ببابه مراراً فما وصل إليه، فبعث له بعض أولاده بكتاب كتبه إليه يستعطفه لزيارته وورؤيته، فأجابه بما قطع رجاءه منه، وأيس من لقائه، واشتد حزنه، وقال: هذا ولي من أولياء الله تعالى حجبه الله عنا؛ انتهى.

ولما أجرى ذكره لسان الدين في " نفاضة الجراب " قال ما ملخصه: ولقيت من أولياء الله تعالى بسلا الولي الزاهد الكبير المنقطع القرين، فراراً عن زهرة الدنيا، وعزوفاً عنها، وإغفاء في الورع، وشهرة بالكشف، وإجابة الدعوة وظهور الكرامة، أبا العباس ابن عاشر، يسر الله تعالى لقاءه على تعذره لصعوبة تأتيه، وكثرة هيبته، قاعداً بين القبور في الخلاء، رث الهيئة، مطرق اللحظ، كثير الصمت، مفرط الانقباض والعزلة، قد فر من أهل الدنيا وتطارحهم، فهوشديد الاشمئزاز من قاصده، مجرمز للوثبة من طارقه، نفع الله تعالى به.

وقال ابن الخطيب القسمطيني الشهير بابن قنفذ: لقيته بسلا سنة 763، وهوعلى أتم حال في الورع، والفرار من الامراء، والتمسك بالسنة، وهوالشيخ

ص: 492

الفقيه الولي، توفي في سنة خمس وستين وسبعمائة؛ انتهى.

وممن انتفع به ونال بركته الولي العارف بالله سيدي أبوعبد الله ابن عباد شارح الحكم، وقد ترجمناه في هذا الكتاب.

وقال ابن عباد المذكور في رسائله: وقد كنت قدماً خرجت في يوم مولده صلى الله عليه وسلم صائماً إلى ساحل البحر، فوجدت هناك سيدي الحاج ابن عاشر رحمه الله تعالى وجماعة من أصحابه معهم طعام يأكلونه، فأرادوا مني الأكل، فقلت: إني صائم، فنظر إلي سيدي الحاج نظرة منكرة، وقال لي: هذا يوم فرح وسرور يستقبح في مثله الصوم كالعيد، فتأملت قوله فوجدته حقاً، وكأنه أيقظني من النوم؛ انتهى.

وقال ابن قنفذ السابق في رحلته ما صورته: وكان ابن عاشر رحمه الله تعالى فريداً في الورع، ميسراً عليه في ذاك أتم تيسير، محفوظاً من كل ما فيه شبهة، كثير النفور من الناس، وخصوصاً أصحاب الولاية في الأعمال، وخرجت على يده تلامذة نجباء أخيار، وطريقه أنه جعل " إحياء علوم الدين " بين عينيه، واتبع ما فيه بجد واجتهاد، وصدق وانقياد، وكان الحجة في ذلك الطريق، وأول اجتماعي به نفر مني، فحبسته بيدي وهززته، فتبسم ووقف معي، وسألني عن نسبي، ودعا لي، وطلبته بما يطمعني، فاعتذر لي بالإقلال، ثم قال: أمهل، فدخل وأخرج لي حبات تين يا بسة في يده اليمنى، وغطاها باليد اليسرى، ودفعها إلي، وضحك معي، وعجب الحاضرون من ليانته وانشراحه معي، لأنه لا ينبسط إلى أحد، وحصل لي بذلك فخر لا يدري قدره إلا من حاول بعضه معه، وقصدني كثير من الخواص فسألني عن مجلسي معه وما وقع من جوابه وسؤاله، وقد حاول ملك المغرب لما ارتحل إليه في عام سبعة وخمسين وسبعمائة على لقائه فلم يقدر عليه بوجه، وحجبه الله تعالى حتى تبعه يوم جمعة من الجامع الأعظم على قدمه، والناس ينظرونه، وهولم يره، فرجع، ولم يكن قوته إلا من نسخ العمدة في الحديث، وكيف يبيعها، ولمن يبيعها، ولا يأخذ إلا قيمتها

ص: 493

ولم تزل حالته وبركته في زيادة إلى أن توفي سنة 765، وسأله بعض الأخيار بمحضري عن الفرق بين مكاشفة المسلم ومكاشفة النصراني، لوجود ذلك من بعضهم، فقال: المسلم الذي له هذه الدرجة يبرئ من العاهة، والنصراني لا يبرئ، ثم قال: وهل يبرئ الفقيه من العاهة فقال له: نعم، ثم نظر يميناً وشمالاً، ليجد صاحب عاهة فيأتي بالعيان، فلم يجد أحداً، وكأنه اغتاظ لهذا السؤال، ثم أخرج يده وقال: يأتي لمن يقعد عن الحركة، فيحبسه بيده، ويقيمه وقد ذهب ألمه بعد أن جثا إلى الأرض في الصفة، ثم قال: وسئل بعضهم عن هذا، وكان السائل نصرانياً في زي المسلم، فقال له: الفرق بينهما سقوط الزنار من وسطك، قال: فسقط، وفضحه الله تعالى، وأسلم بسبب ذلك؛ انتهى كلام ابن قنفذ القسمطيني، رحمه الله تعالى.

وترجمة ولي الله تعالى سيدي الحاج ابن عاشر - نفعنا الله تعالى ببركاته - متسعة جداً، وكراماته ومناقبه لا نبلغ لها حداً، ولا نطيق لها عداً، وإنما ألمعنا بذكره قصداً للتبرك به، والله ولي التوفيق، وهوالهادي إلى سواء الطريق.

رجع إلى نظم لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى، فنقول: ومن مداعباته رحمه الله تعالى قوله:

ومولع بالكتب يبتاعها

بأرخص السوم وأغلاه

في نصف الاستذكار أعطيته

مختصر العين فأرضاه ويعني بمختصر العين الزبيدي فافهم، وقال رحمه الله تعالى من قصيدة:

ووالله ما اعتل الأصيل، وإنما

تعلم من شجوي فبان اعتلاله وهذا غاية في المنالغة وحسن التعليل.

ص: 494

وقال رحمه الله تعالى (1) : وقفت على قبر المعتمد بالله في مدينة أغمات في حركة راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية، باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار، عام واحد وستين وسبعمائة، وهوبمقبرة أغمات في نشز من الأرض، وقد حفت به سدرة، وإلى جنبه قبر " اعتماد " حظية مولاه رميك، وعليهما هيئة التغرب ومعاناة الخمول من بعد الملك، فلا تملك العين دمعها عند رؤيتهما، فأنشدت في الحال:

قد زرت قبرك عن طوع بأغمات

رأيت ذلك من أولى المهمات

لم لا أزورك يا أندى الملوك يداً

ويا سراج الليلالي المدلهمات

وأنت من لو تخطى الدهر مصرعه

إلى حياتي لجادت فيه أبياتي

أناف قبرك في هضب يميزه

فتنتحيه حفيات التحيات

كرمت حياً وميتاً واشتهرت علا

فأنت سلطان أحياء وأموات

ما ريء مثلك في ماض ومعتقدي

أن لا يرى الدهر في حال ولا آت وقد تقدم هذا في القسم الأول في الباب السابع منه، وكررته هنا، والله الموفق.

وقال رحمه اله تعالى مورياً حين أكل مشرف الدار القابض، أي أكل ماله (2) :

مشرف دار الملك ما باله

منتفخ الجوف شكا نافضا (3)

فقيل لي ليس به علة

لكنه قد أكل القابضا (4)

(1) أزهار الرياض 1: 297، وانظر الأبيات في الجزء 4:98.

(2)

أزهار: 300.

(3)

النافض: الحمى.

(4)

القابض - في المصطلح الأندلسي - المال المقبوض.

ص: 495

وقال (1) :

يا نفس لا تصغي إلى سلوة

كم أخلف الموعد عرقوب

وأنت يا قلبي وصاك إب

راهيم بالحزن ويعقوب وقال في السعيد أبي بكر ابن السلطان أبي عنان:

أمير كأن قمير الدجى

أفاض الضياء على صفحتيه

تملأ قلبي من حبه

غداة نظرت بعيني إليه

فلا بسط الدهر كف الردى

لذاك الشخيص وذاك الوجيه وقال يخاطب الخطيب ابن مرزوق:

تعلم طيفوري خلال سميه

وإن كان منسوباً إلى غير بسطام (2)

وجاء فقير الوقت لابس خرقة

فليس براض غير صحبة صوام

فديتك لا تردده عنك مخيباً

ودرسه يا مولاي قصة بلعام (3) وقال: مما كتبت به إلى ابن مرزوق المذكور، وقد وصل ولده إلى سلا ومنع ابن الخطيب عن لقائه عذر مرض، وكان نزوله بزاوية النساك:

صدني عن لقاء نجلك عذر

يمنع الجسم عن تمام العباده

واختصرت القرى لأن حط رحلاً

في محل الغنى ودار الزهاده

ولو أني احتفلت لم يعن الده

ر ولا نلت بعض بعض أراده

وعلى كل حالة فقصوري

عادة إذ قبولك العذر عاده

(1) هذه المقطوعة والعشر التالية لها في أزهار الرياض 300 - 304.

(2)

الطيفور: طبق عليه طعام أو مائدة صغيرة، وفي الإسبانية (Ataifor)، وانظر الحاشية: 2 من ج 4: 510، وطيفور اسم أبي يزيد البسطامي.

(3)

بلعام اسمه مشتق من البلع فهو يوري بذلك.

ص: 496

لا عدمت الرضى من الله والحس

نى كما نص وحيه والزياده وقال يخاطبه من ضريح السلطان أبي الحسن بشالة لاستنهاض عزيمته في قضاء غرضه:

برئت لله من حولي ومن حيلي

إن نام عني وليي فهوخير ولي

أصبحت مالي من عطف أؤمله

من غيره في مهمات ولا بدل

ما كنت أحسب أن أرمى بقاصية

للهجر أقطع فيها جانب الأمل

من بعد ما خلصت نحوي الشفاعة ما

بين العلا (1) والدجى والبيض والأسل

إن كنت لست بأهل للذي طمحت

إليه نفسي وأهوى نحوه أملي

فكيف يلغى ولا ترعى وسيلته

دخيل قبر أمير المسلمين علي

من بعد ما اشتهرت حالي به وسرت

بها الركائب في سهل وفي جبل

والرسل تترى ولا تخفى نتائجها

عند التأمل من قول ولا عمل

ولا لليلي من صبح أطالعه

كأن همي قد مد الدجنة لي

لو أنني بابن مرزوق عقدت يدي

وكان محتكماً في خيرة الدول

لكان كربي قد أفضى إلى فرج

وكان حزني قد أوفى على جذلي

ألمحت بالعتب لم أحذر مواقعه

أنا الغريق فما خوفي من البلل

ولست أجحد ما خولت من نعم

لكنها النفس لا تنفك عن أمل

ولست أيأس من وعد وعدت به

" وإنما خلق الإنسان من عجل " وقال رحمه الله تعالى يخاطب السلطان أبا الحجاج:

أمولاي إن الشعر ديوان حكمة

يفيد الغنى والعز والجاه من كانا

وقد وجد المختار في الحفل منصتاً

له وحبا كعباً عليه وحسانا

(1) الأزهار: الفلا.

ص: 497

وفيما رواه الناقلون وأثبتوا

بذلك ديواناً صحيحاً فديوانا

بأن أبا بكر خليفته الرضى

وفاروقه الأدنى إليه وعثمانا

وأن علياً قدس الله جمعهم

وكرمنا بالقرب منهم وحيانا

لهم في ضروب القول إذ هم فحوله

خطاب وشعر يستقران تبيانا

وفاض على أهل القريض نوالهم

فروض روض القول سحاً وتهتانا

وأنت أحق الناس أن تفعل الذي

به فعل المختار ديناً وإيماناً

فما زلت تهدي في البرية هديه

وتقضي بما يرضيه سراً وإعلاناً

وإن قيل قدر المرء ما هو محسن

فصنعة نظم القول أرفعه شانا وقال مورياً:

بنفسي حبيب في ثناياه " بارق "

ولكنها للواردين عذاب

إذا كان لي منه عن الوصل " حاجر "

فدمعي " عقيق " بالجفون مذاب وقال:

عذبت قلبي بالهوى فقيامه

في نار هجرك دائماً وقعوده

ولقد عهدت القلب وهو موحد

فعلام يقضى في العذاب خلوده وقال في التجنيس:

دعوتك للود الذي جنباته

تداعت مبانيها وهمت بأن تهي

وقلت لعهد الوصل والقرب بعدما

تناءى وهل أسلوحياتي وأنت هي

ومن شام من جوالشبيبة بارقاً

ولم تنهه عنه النهى كيف ينتهي وقال:

ناديت دمعي إذ جد الرحيل بهم

والقلب من فرق التوديع قد وجبا

سقطت يا دمع من عيني غداة نأى

عني الحبيب ولم تقض الذي وجبا

ص: 498

وقال:

شلير لعمري أساء الجوار

وسد علي رحيب الفضا

هو الشيخ أبرد شيء يرى

إذا ليس البرنس الأبيضا وقال: قلت أخاطب بعض من أدل عليه وما أولاني بذلك:

إذا قمت قل بعقيب الكرى

إلهي أنت إله الورى

تباركت أنشأتهم من تراب

وأنشأتني بينهم من خرا قلت: ولا خفاء ببشاعة هذا، فحذفه أولى من إثباته.

وقال يداعب بعض أصحابه:

شيخ رباط إن أتى شادن

خلوته عند انسدال الظلام

أدلى وقد أبصره دلوه

وقال يا بشراي هذا غلام وقال في غرض يظهر:

لم أجد فيه لين بث لقلبي

وقبولاً لحجتي واعتذاري

ثقل الله ظهره بعيال

سود الله وجهه بعذار وقال من قصيدة:

أخذت وأمواج الردى متلاطمه

بضبعي يا نجل الوصي وفاطمه وقال:

ووجه غرست الورد فيه بنظرة

فيا ليت كفي متعت بجنى غرسي

كأن سواد الخال في وجناته

علامة مولانا على أحمر الطرس

وبينهما في باطن الأمر نسبة

لذلك أمضيت الغرام على نفسي

ص: 499

وقال يشير إلى بعض طبقات الغناء:

ضرط الفقيه فقلت ذاك غريبة

ما كان ذلك منه بالمعلوم

فدنا إلي وقال قد أصرفتكم

من ضرطتي بغريبة المزموم وفي آخر سنة أربع وسبعين وجه إلى السلطان أبي حمو سلطان تلمسان أبياتاً لزومية في غرض الهناء، وهي:

وقفت الغرام على ثناك لساني

رعياً لما أوليت من إحسان

فكأنما شكري لما أوليته

شكر الرياض لعارض النيسان

أنا شيعة لك حيث كنت، قضية

لم يختلف في حكمها نفسان

ولقد تشاجرت الرماح فكنت في

ميدان نهرك فارس الفرسان

ورويت غر مآثر أسندتها

لعلاك بين صحائح وحسان

ولأنت أولى بالتشيع شيمة

لم تتفق لسواك من إنسان

الشمس أنت قد انفردت وهل يرى

بين الورى في مطلع شمسان

جبرت بجبرك كل نفس حرة

وشدا بشكر (1) الله كل لسان

وبدت سعودك مستقيماً سيرها

وعلت ففر أمامها النحسان

فاستقبل السعد المعاود سافراً

عن أي وجه للرضى حسان

وابغ المزيد بشكر ربك ولتثق

بمضاعف الإنعام والإحسان

فالشكر يقتاد المزيد ركائباً

تنتاب بابك منه في أرسان

ثم السلام عليك يزري عرفه

طيباً بعرف العود والبلسان وقال (2) :

(1) ق: بذكر.

(2)

أزهار: 304.

ص: 500

بحق ما بيننا يا ساكني القصبة

ردوا علي حياتي فهي مغتصبه

ماذا جنيتم على قلبي ببينكم

وانتم الأهل والأحباب والعصبه قلت: ولعل ابن زمرك قال أبياته التي على هذا الروي المذكورة في غير هذا الموضع من هذا الكتاب جواباً لهذه حين كان ابن زمرك من جملة أتباع لسان الدين رحم الله تعالى الجميع.

وقال لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى (1) :

حين ساروا عني وقد خنقتني

عبرات قد أعربت عن ولوعي

صحت من ينصر الغريب فلما

لم أجد ناصراً بلعت دموعي وقال:

قال لي والدموع تنهل سحباً

في عراص (2) من الخدود محول

بك ما بي فقلت مولاي عافا

ك المعافي من عرتي ونحولي

أنا جفني القريح يروي عن الأع

مش والجفن منك عن مكحول وقال:

أشكو لمبسمه الحريق وقد حمى

عني لماه المشتهى ورحيقه

يا ريقه حيرتني ومطلتني

ما أنت إلا بارد يا ريقه وقال فيمن ركب البحر وماد (3) :

ركب السفينة واستقل بأفقها

فكأنما ركب الهلال الفرقد

(1) أزهار: 305 وكذلك القطعة التالية والتي بعدها.

(2)

ق والأزهار: عراض.

(3)

أزهار: 306 والقطعة التي تليها أيضاً.

ص: 501

وشكوا إليه بميده فأجبتهم

لا غرو إن ماد القضيب الأملد وقال عندما خرج السلطان ابن الأحمر من فاس متوجهاً إلى الأندلس لطلب حقه:

ولما حثثت السير والله حاكم

لملكك في الدنيا بعز وفي الأخرى

حكى فرس الشطرنج طرفك لا يرى

ينقل من بيضاء إلا إلى حمرا ويعني بالبيضاء فأساً الجديدة، وبالحمراء حمراء غرناطة.

وتذكرت هنا أن بعض علماء الأندلس، وأظنه أبا عبد الله ابن جزي، لما رمدت عين بعض أهل فاس سأله عنها، فقال:

يا سيدي عيني قد

أودى قذاها بالأنس

فانظر إليها ترها

دار مليك الأندلس يعني حمراء، فأجابه بقوله:

وقيت مما تشتكي

من القذى والوصب

ما رمدت عيناك بل

عين العلا والأدب

فلتحمدن أن لم تكن

دار مليك المغرب يعني بيضاء، وهذا من غريب ما يحاضر به.

رجع - وقال لسان الدين رحمه الله تعالى (1) :

أجاد يراع الحسن خط عذاره

وأودعه السر المصون الذي يدري

ولم يفتقر فيه لختم وطابع

فمبسمه أغناه عن طابع السر

(1) هذه القطعة والقطع العشر التالية في أزهار الرياض 307 - 310.

ص: 502

وقال في غرناطة:

أحييك يا معنى الكمال (1) بواجب

وأقطع في أوصافك الغر أوقاتي

تقسم منك الترب قومي وجيرتي

ففي الظهر أحيائي وفي البطن أمواتي وقال في غرض ينحو نحو المشارقة:

رموا بالسلو حليف الغرام

وأدمعه كالحيا الهاطل

أعوذ بعزك يا سيدي

لذلي من دعوة الباطل وقال:

يا ليل طلت ولم تجد بتبسم

وأريتني خلق العبوس النادم

هلا رحمت تغربي وتفرقي

لله ما أقساك يا ابن الخادم وقال في مروحة سلطانية:

كأني قوس الشمس عند طلوعها

وقد قدمت من قبلها نسمة الفجر

وإلا كما هبت بمحتدم الوغى

بنصر ولكن من بنود بني نصر وقال يخاطب شيخه ابن الجياب:

بين السهام وبين كتبك نسبة

فبها يصاب من العدو المقتل

وإذا أردت لها زيادة نسبة

هذي وهذي في الكنانة تجعل وقال يتغزل، وفيه معنى غريب:

إن اللحاظ هي السيوف حقيقة

ومن استراب فحجتي تكفيه

لم يدع غمد السيف جفناً باطلاً

إلا لشبه اللحظ يغمد فيه

(1) أزهار: أحبك يا مغني الكمال.

ص: 503

قيل: وأحسن منه قول غيره:

إن العيون النجل أمضى موقعاً

من كل هندي وكل يماني

فضل العيون على السيوف بأنها

قتلت ولم تخرج من الأجفان وأصل ما قال لسان الدين قول الأول:

بين السيوف (1) وعينيه مناسبة

من أجلها قيل للأغماد أجفان وقال لسان الدين رحمه الله تعالى في الساعة، وتسميها المغاربة المنجانة:

تأمل الرمل في المنجان منقطعاً

يجري وقدره عمراً منك منتهبا

والله لوكان وادي الرمل (2) ينجده

ما طال كامله إلا وقد ذهبا وقال:

أقول لعاذلي لما نهاني

وقد وجد المقالة إذ جفاني

علمت بأنه مر التجني

وفاتك أنه حلو اللسان وقال في غرض صوفي:

لا تنكروا إن كنت قد أحببتكم

أو أنني استولى علي هواكم

طوعاً وكرهاً ما ترون فإنني

طفت الوجود فما وجدت سواكم وقال يمدح، وفيه تورية:

وإن نظرت إلى لألاء غرته

يوم الهياج رأيت الشمس في الأسد وقال مما يكتب على طاق الماء بباب القبة (3) :

(1) ق: اللحاظ.

(2)

ق: الأرض.

(3)

هذه القطعة والقطع الثلاث بعدها في الأزهار 312 - 313.

ص: 504

أنا طاق تزهو بي الأيام

تعبت في بدائعي الأفهام

وتبديت للنواظر محرا

باً كأن الإناء في إمام

واقف للصلاة حتى إذا ما

جئت للشرب حان مني سلام وقال في ذلك أيضاً:

يا صانعي لله ما أحكمته

فلأنت بين العالمين رئيس

أحكمت تاجي يوم صغت رقوشه

فصبت إليه مفارق ورؤوس

وأقمت في محرابه فكأنه

مجلى إناء فيه عروس وقال في المشيب (1) :

أنى لمثلي بالهوى من بعد ما

للوخط في الفودين أي دبيب

لبس البياض وحل ذروة منبر

مني ووالى الوعظ، فعل خطيب وقال رحمه الله تعالى:

والله ما جان على ماله

أو جاهه من ذب عن عرضه

والناس في خير وفي ضده

هم شهداء الله في أرضه وقال (2) :

إلهي بالبيت المقدس والمسعى

وجمع إذا ما الخلق قد نزلوا جمعا

وبالموقف المشهود يا رب في منى

إذا ما أسال الناس من خوفك الدمعا

وبالمصطفى والصحب عجل إقالتي

وأنجح دعائي فيك يا خير من يدعى

صدعت وأنت المستغاث جنابه

أقل عثرتي يا موئلي واجبر الصدعا

(1) البيتان من بائيته التي تقدمت ص: 455.

(2)

أزهار الرياض 1: 271.

ص: 505

وقال رحمه الله تعالى في بنيونش سبتة (1) :

بنيونش (2) أسنى الأماكن رقعة

وأجل أرض الله طرأ شانا

هي جنة الدنيا التي من حلها

نال الرضى والروح والريحانا

قالوا القرود بها فقلت فضيلة

حيوانها قد قارب الإنسانا (3) وفي بنيونش هذه يقول أبوعبد الله ابن مجبر (4) :

بنيونش جنة ولكن

طريقها يقطع النياطا

وجنة الخلد لا يراها

إلا فتىً يقطع الصراطا وقال ابن الخطيب رحمه الله تعالى (5) :

إن الهوى لشكاية معروفة

صبر التصبر من أجل علاجها

والنفس إن ألفت مرارة طعمه

يوماً ضمنت لها صلاح مزاجها وقال رحمه الله تعالى (6) :

ولما رأت عزمي حثيثاً على السرى

وقد رابها صبري على موقف البين

أتت بصحاح الجوهري دموعها

فقابلت من دمعي بمختصر العين وقال رحمه الله تعالى:

تذكرت عهداً كان أحلى من الكرى

وأقصر من إلمام طيف خياله

(1) أزهار الرياض 1: 34.

(2)

الأزهار: بليونش، وهي لغة في بنيونش.

(3)

ذكر في الاستبصار: 138 أن على قرية بليونش جبلاص عظيماً فيه القردة.

(4)

وردا في أزهار الرياض (34) منسوبين للقاضي عياض.

(5)

مر البيتان في ما تقدم ص: 471.

(6)

مر البيتان في ما تقدم ص: 464.

ص: 506

فيا ليت شعري من أتاح لي المنى

وعذب بالي هل أمر بباله وقال رحمه الله تعالى:

عيني جنت فعلام تحرق أضلعي

أبما جنى جار يعذب جار

يا قلب لا تدهشك نيران الهوى

فكنار إبراهيم تلك النار

فاصبر على ما حملوا تنل المنى

بالسبك أدرك نقشه الدينار وقال رحمه الله تعالى:

وما كان إلا أن جنى الطرف نظرة

غدا القلب رهناً في عقوبة ذنبه

وما العدل أن يأتي امرؤ بجزيرة

فيؤخذ في أوزارها جار جنبه وقال رحمه الله تعالى:

برى جسدي فيكم غرام ولوعة

إذا سكن الليل البهيم تثور

فلولا أنيني ما اهتدى نحو مضجعي

خيالكم بالليل حين يزور

ولو شئت في طي الكتاب لزرتكم

ولم تدر عني أحرف وسطور وقال رحمه الله تعالى:

بلد تحف به الرياض كأنه

وجه جميل والرياض عذاره

وكأنما واديه معصم غادة

ومن الجسور المحكمات سواره وقال رحمه الله تعالى يخاطب السلطان أبا حموصاحب تلمسان ويشكره على ما كان أعان به أهل الأندلس (1) :

لقد زار الجزيرة منك بحر

يمد فليس تعرف منه جزرا

(1) هذه القطعة والتي تليها في أزهار الرياض: 261.

ص: 507

أعدت لها بعهدك عهد موسى

سميك فهي تتلومنه ذكرا

أقمت جدارها وافدت كنزاً

ولو شئت اتخذت عليه أجرا وقال أيضاً:

وقالوا الجزيرة قد صوحت

فقلت غمام الندى تنتظر

إذا وكفت كف موسى بها

غماماً يعود الجناب الخضر وقال رحمه الله تعالى عقب الإياب من الرحلة المراكشية (1) :

أفادت وجهتي بنداك مالاً

قضى ديني وأصلح بعض حالي

ومتعت الخواطر بانشراح

وأطرفت النواظر باكتحال

وأبت خفيف ظهر، والمطايا

بجاهك تشتكي ثقل الرحال

وشاني للمعالم غير شان

وحالي بالمكارم جد حال

فحب علاك إيماني وعقدي

وشكر نداك ديني وانتحالي

كما قد صح لله انقطاعي

بتأميلي جنابك وارتحالي

وما يبقى سوى فعل جميل

وحال الدهر لا تبقى بحال

وكل بداية فإلى انتهاء

وكل إقامة فإلى ارتحال

ومن سام الزمان دوام أمر

فقد وقف الرجاء على المحال وقال رحمه الله تعالى في الضراعة إلى ربه، والاعتراف بذنبه (2) :

مولاي إن أذنبت ينكر أن يرى

منك الكمال ومني النقصان

والعفو عن سبب الذنوب مسبب

لولا الجناية لم يكن غفران

(1) أزهار: 271.

(2)

أزهار: 211.

ص: 508

وقال رحمه الله تعالى (1) :

سلام على تلك المرابع إنها

معاهد ألا في وعهد صحابي

ويا آسة المغنى انعمي فلطالما

سكبت على مثواك ماء شبابي وقال سامحه الله تعالى:

أموطني الذي أزعجت عنه

ولم أرزأ به مالاً ولا دم

لئن أزعجت عنك بغير قصد

فقبلي فارق الفردوس آدم ومن ميلادياته رحمه الله تعالى قوله (2) :

ما على القلب بعدكم من جناح

أن يرى طائراً بغير جناح

وعلى الشوق أن يشب إذا هـ

ب بأنفاسكم نسيم الصباح

جيرة الحي، والحديث شجون

والليالي تلين بعد الجماح

أترون السلو خامر قلبي

بعدكم لا وفالق الإصباح

ولو أني أعي اقتراحي على ال

أيام ما كان بعدكم باقتراحي

ضايقتني فيكم صروف الليالي

واستدارت علي دور الوشاح

وسقتني كأس الفراق دهاقاً

في اغتباق مواصل واصطباح

واستباحت من جدتي وفتائي

حرماً لم أخله بالمستباح ومنها:

يا ترى والنفوس أسرى أمان (3)

ما لها من وثاقها من سراح

هل يباح الورود بعد ذياد

أو يتاح اللقاء بعد انتزاح

(1) أزهار: 6.

(2)

أزهار: 237 والإحاطة: 315.

(3)

الإحاطة: الأماني.

ص: 509

وإذا أعوز الجسوم التلاقي

ناب عنه تعارف الأرواح وهي طويلة لم يحضرني منها الآن سوى ما ذكرته.

وقد حذا حذوها الفقيه الكاتب أبوزكريا يحيى بن خلدون أخو قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون صاحب التاريخ، فقال في مولد عام ثمانية وسبعين وسبعمائة، واستطرد لمدح السلطان أبي حموموسى صاحب تلماسن الذي تقدم ذكره قريباً (1) :

ما على الصب في الهوى من جناح

أن يرى حلف عبرة وافتضاح

وإذا ما المحب عيل اصطباراً

كيف يصغي إلى نصيحة لاح

يا رعى اله بالمحصب ربعاً

آذنت عهده النوى بانتزاح

كم أدرنا كأس الهوى فيه مزحاً

رب جد من الجوى في المزاح

هل إلى رسمه المحيل سبيل

يا حداة المطي تلك الطلاح

نسأل الدار بالخليط ونسقي

ذلك الربع بالدموع السفاح

أي شجو عاينت بعد نواها

من أسى لازم وصبر مزاح

أهل ودي إن رابكم برح وجدي

من صبا بارق وبرق لياح

فاسألوا البرق عن خفوق فؤادي

والصبا عن سقام جسمي المتاح

يا أهيل الحمى نداء مشوق

ما له عن هوى الدمى من براح

طالما استعذب المدامع ورداً

في هواكم عن كل عذب قراح

عاده بالطلول للشوق عيد

من حمام بدوحهن صداح

من لقلب من الجوى في ضرام

ولجفن من البكا في جراح

ولصب يهيجه الذكر شوقاً

فهو سكراً يرتاد من غير راح

وليال قضيت للهو فيها

وطراً والشباب ضافي الجناح

(1) أزهار: 239.

ص: 510

راكباً في الهوى ذلول تصاب

ساحباً في الغرام ذيل مراح

ونجوم المنى تنير إلى أن

روع الشيب سربها بالصباح

أي مسرى حمدت لم أخل منه

بسوى حسرة وطول افتضاح

واخساري يوم القيامة إن لم

يغفر الله زلتي واجتراحي

لم أقدم وسيلة فيه إلا

حب خير الورى الشفيع الماحي

سيد العالمين ديناً واخرى

أشرف الخلق في العلا والسماح

سيد الكون من سماء وأرض

سره بين غاية وافتتاح

زهرة الغيب مظهر الوحي معنى ال

نور كنه المشكاة والمصباح

آية المكرمات قطب المعالي

مصطفى الله من قريس البطاح

أول الأنبياء تخصيص زلفى

آخر المرسلين بعث نجاح

صفوة الخلق أرفع الرسل قدراً

وسراج الهدى وشمس الفلاح

من لميلاده بمكة ضاءت

من قرى قيصر جميع الضواحي

وخبت نار فارس وتداعت

من مشيد الإيوان كل النواحي

من رقى في السماء سبعاً طباقاً

ورأى آي ربه في اتضاح

ودنا منه قاب قوسين قرباً

ظافراً في العلا بكل اقتراح

من هدى الخلق بين حمر وسود

وجلا ليل غيهم بالصباح

من يجير الورى غداً يوم يجزى

كل عاص وطائع باجتراح

من إلى حوضه وظل لواه

يلجأ الناس بين ظام وضاحي

أحمد المجتبى حبيباً، وأنى

فوق عز الحبيب مرمى طماح

في أناجيله المسيح تلاه

باسمه، والكيلم في الألواح

ولكم حجة وبرهان صدق

في سماع أتى بها والتماح

إن في النجم والنبات لآياً

بهرت والجماد والأرواح

معجزات فتن المدارك وصفاً

وحساباً كالزهر أو كالصباح

ص: 511

يا رواة القريض والشعر عجزاً

ما عسى تدركون بالأمداح

إنما حسبنا الصلاة عليه

وهي للفوز آية استفتاح

يا إلهي بحق أحمد عفواً

عن ذنوب جنيتهن قباح

وأدم دولة الخليفة موسى

ذي المعالي المبينة الأوضاح

مفخر الملك مستفر المزايا

مظهر اللطف ذوالتقى والصلاح

ناصر الحق خاذل الجور عدلاً

ملجأ الخائفين بحر السماح

يتلقى الندى بوجه حيي

ويلاقي العدا ببأس صفاح

وله المكرمات إرثاً ولبساً

حاز حمداً بها معلى القداح

من علا باذخ وفخر صميم

وكمال بحت ومجد صراح

وأحاديث في المعالي حسان

رويت عنه في العوالي الصحاح

عاقد صفقة العلا كل حين

فائز فيه سعيه بالرباح

للندى والهدى يروح ويغدو

أي مغدى إلى العلا ومراح

ملك تشرق الأسرة منه

في سماء السرير نور صباح

وإذا ما علا بعالي العوالي

صهوة الجرد فهو ليث الكفاح

لبس الدهر منه حلة حسن

وثنى للسرور عطف مراح

وعلى عاتق الخلافة منه

طرز فخر سبى النهى بالتماح

ورث الملك شامخاً عن سراة

شيدوا ركنه بأيدي الصفاح

من بني القاسم الذين تحلوا

بالمعالي واستأثروا بالفلاح

فرعوا هضبة الخلافة مجداً

رفعوا سقفه على الأرماح

نشروا راية المفاخر حمداً

خافق النور بالربى والبطاح

يا إماماً بذ الملوك جلالاً

وجمالاً فديت بالأرواح

أنت شمس الكمال دمت عليها

في اغتباق من المنى واصطباح

وبنوك الأعلون أنجم سعد

زاهرات بنورك الوضاح

وأبو تاشفين بدر منير

زانه الله بالخلال الصباح

ص: 512

أكمل العالمين خلقاً وخلقاً

أشرف الناس في الندى والكفاح

وبكم زينت سماء المعالي

واهتدى الناس في الدجى والصباح وكان السلطان أبوحموالممدوح بهذه القصيدة يحتفل لليلة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية الاحتفال، كما كان ملوك المغرب والأندلس في ذلك العصر وما قبله.

ومن احتفاله له ما حكاه شيخ شيوخ شيوخنا الحافظ سيدي أبوعبد الله التنسي ثم التلمساني في كتابه راح الأرواح فيما قاله المولى أبوحمومن الشعر وقيل فيه من الأمداح وما يوافق ذلك على حسب الاقتراح ونصه: أنه كان يقيم ليلة الميلاد النبوي - على صاحبه الصلاة والسلام - بمشورة من تلمسان المحروسة مدعاة حفيلة يحشر فيها الناس خاصة وعامة، فما شئت من نمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، وبسط موشاة، ووسائد بالذهب مغشاة، وشمع كالأسطوانات، وموائد كالهالات، ومباخر منصوبة كالقباب، يخالها المبصر تبراً مذاب، ويفاض على الجميع أنواع الأطعمة، كأنها أزهار الربيع المنمنمة، تشتهيها الأنفس وتستلذها النواظر، ويخالط حسن رياها الأرواح ويخامر، رتب الناس فيها على مراتبهم ترتيب احتفال، وقد علت الجميع أبهة الوقار والإجلال، وبعقب ذلك يحتفل المسمعون بأمداح المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومكفرات (1) ترغب في الإقلاع عن الآثام، يخرجون فيها من فن إلى فن ومن أسلوب إلى أسلوب، ويأتون من ذلك بما تطرب له النفوس وترتاح إلى سماعه القلوب، وبالقرب من السلطان رضوان الله تعالى عليه خزانة المنجانة قد زخرفت كأنها حلة يمانية، لها أبواب موجفة (2) على عدد ساعات الليل

(1) المكفرات: أشعار تقال في التزهيد فتكفر ما كان من عبث، وهي تشبه " المحصات ".

(2)

الأزهار: مرتجة.

ص: 513

الزمانية، فمهما مضت ساعة وقع النقر بقدر حسابها، وفتح عند ذلك باب من أبوابها، وبرزت منه جارية صورت في احسن صورة، في يدها اليمنى رقعة مشتملة على نظم فيه تلك الساعة باسمها مسطورة، فتضعها بين يدي السلطان بلطافة، ويسراها على فمها كالمؤدية بالمبايعة حق الخلافة، هكذا حالهم إلى انبلاج عمود الصباح، ونداء المنادي حي على الفلاح؛ انتهى.

وقال التنسي المذكور في كتابه المسمى بنظم الدر والعقيان في شرف بني زيان وذكر ملوكهم الأعيان ما نصه: وكان السلطان أبو حمو يقوم بحق ليلة مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويحتفل لها بما هوفوق سائر المواسم، يقيم مدعاة (1) يحشر لها لأشراف والسوقة، فما شئت من نمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، وشمع كالأسطوانات، وأعيان الحضرة على مراتبهم تطوف عليهم ولدان قد لبسوا أقبية الخز الملون وبأيديهم مباخر ومرشات ينال كل منها بحظه، وخزانة ذات تماثيل لجين محكمة الصنعة، بأعلاها أيكة تحمل طائراً فرخاه تحت جناحيه، ويختله فيهما أرقم خارج من كوة بجذر الأيكة صاعدا (2) ، وبصدرها أبواب مرتجة بعدد ساعات الليل الزمانية، يصاقب طرفيها بابان كبيران، وفوق جميعها دوين رأس الخزانة قمر أكمل يسير على خط الاستواء سير نظيره في الفلك، ويسامت أول كل ساعة بابها المرتج، فينتقض من البابين الكبيرين عقابان، بفي كل واحد منهما صنجة صفر يلقيها إلى طست من الصفر بوسطه ثقب يفضي بها إلى داخل الخزانة فيرن، وينهش الأرقم أحد الفرخين، فيصفر له أبوه، فهناك يفتح باب الساعة الذاهبة، وتبرز منه جارية محتزمة كاظرف ما أنت راء، بيمناها إضبارة فيها اسم ساعتها منظوماً، ويسراها موضوعة على فيها كالميابعة بالخلافة، والمسمع قائم ينشد

(1) المدعاة: الدعوة.

(2)

الأزهار: صعداً.

ص: 514

أمداح سيد المرسلين وخاتم النبيين ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يؤتى آخر الليل بموائد كالهالات دوراً، والرياض نوراً، وقد اشتملت من أنواع محاسن المطاعم (1) على ألوان تشتهيها الأنفس وتستحسنها الأعين، وتلذ بسماع أسمائها الآذان، وبشرة مبصرها للقرب منها والتناول وإن كان ليس بغرثان، والسلطان لم يفارق مجلسه الذي أبتدأ جلوسه فيه، وكل ذلك بمرأى منه ومسمع حتى يصلي هنالك صلاة الصبح. على هذا الأسلوب تمضي ليلة المصطفى صلى الله عليه وسلم في جميع أيام دولته، أعلى الله تعالى مقامه في عليين، وشكر له في ذلك صنيعه الجميل آمين.

وما من ليلة مولد مرت في أيامه إلا ونظم فيها قصيداً في مديح مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، أول ما يبتدئ المسمع في ذلك الحفل العظيم بإنشاده، ثم يتلوه من رفع إلى مقامه العلي في تلك الليلة نظماً؛ انتهى وهوأتم مسافاً مما في " راح الأرواح ".

ولا باس أن نلم ببعض المقطوعات التي أنشأها الكاتب أبوزكريا يحيى ابن خلدون المذكور على لسان جارية المنجانة في مخاطبة السلطان أبي حمومعلمة بما مر من ليل، ففي مضي ساعين قوله (2) :

أخليفة الرحمن والملك الذي

تعنو لعز علاه أملاك البشر

لله مجلسك الذي يحكي علاً

بك مالكي أفق السماء لمن نظر

أوما ترى فيه النجوم زواهراً

وجه الخليفة بينهن هو القمر

والليل منه ساعتان قد انقضت

تثني عليك ثنا الرياض على المطر

لا زال هذا الملك منصوراً بكم

وبلغت مما ترتجي أسنى الوطر وقوله في مضي ثلاث ساعات:

(1) الأزهار: الطعام.

(2)

وردت هذه المطعات في بغية الرواد 2: 219 - 222 وأزهار الرياض 1: 246 - 247.

ص: 515

أمولاي يا ابن الملوك الألى

لهم في المعالي سني الرتب

تولت ثلاث من الليل أبقت

لك الفخر في عجمها والعرب

فدم حجة الله في أرضه

تنال شئته من أرب وقوله في مضي ست ساعات:

يا ماجداً وهوفرد

تخاله في عساكر (1)

ست من الليل ولت

ما إن لها من نظائر

دامت لياليك حتى

إلى المعاد نواضر وقوله في مضي ثماني ساعات:

يا أكرم الخلق ذاتاً

وأشرف الناس أسره

مرت ثمان وأبقت

في القلب مني حسره

فيهن كان شبابي

أخا نعيم ونضره

ولى بها الدهر عني

ترى لها بعد كره

فالله يبقيك مولى

يطيل في السعد عمره وقوله في مضي عشر ساعات:

يا مالك الخير والخيل التي حكمت

له بعز على الأيام مقتبل

هذا الصباح وقد لاحت بشائره

والليل ودعنا توديع مرتحل

لله عشر من الساعات باهرة

مضين لا عن قلىً منا ولا ملل

كذا تمر ليالي العمر راحلة

عنا ونحن من الآمال في شغل

نمسي ونصبح في لهو نسر به

جهلاً وذلك يدنينا من الأجل

(1) البغية:

يا واحداً في علاه

من نابه في عساكر

ص: 516

والعمر يمضي ولا ندري فوا أسفاً

عليه إذ مر في الآثام والزلل

يا ليت شعري غداً كيف الخلاص به

ولم نقدم له شيئاً من العمل

يا رب عفوك عما قد جنته يدي

فليس لي بجزاء الذنب من قبل

يا رب وانصر أمير المسلمين أبا

حمو الرضى وانله غاية الأمل

وأبق في العز والتمكين مدته

واعل دولته الغرا على (1) الدول انتهى المجلد السادس

(1) البغية: الغراء في.

ص: 517