الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموت، ما انتفعوا بعيش، ولا لذوا بنوم”1.
وأخرج ابن سعد ت 230هـ عن عوانة بن الحكم قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فلما نزل به قال له ابنه عبد الله: يا أبتِ إنك كنت تقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه؟ فصف لنا الموت قال”يا بنيّ الموت أجل من أن يوصف، ولكن سأصف لك منه شيئاً، أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأن في جوفي الشوك، وأجدني كأن نفسي تخرج من ثقب إبرة”2.
(1) انظر كتاب الموت ص69.
(2)
طبقات ابن سعد 4/260، وانظر سير أعلام النبلاء 3/75، وفتح الباري شرح صحيح البخاري 8/346.
المطلب الثالث: سكرات الموت تحصل لكل المخلوقات
كل المخلوقات تجد سكرات الموت ويشهد لهذا عموم قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 1، وقوله صلى الله عليه وسلم “إن للموت سكرات”2، لكن تختلف المخلوقات في درجة إحساسها بالسكرات3.
فالعبد المؤمن تخرج روحه بسهولة ويسر، ودليل ذلك ما ورد في حديث البراء ابن عازب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن وفاة المؤمن: “ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة [وفي رواية: (3) سورة آل عمران، الآية 185.
(4) سبق تخريجه في ص: 82.
(5)
انظر التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 1/50، 51.
المطمئنة] اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء1، فيأخذها
…
”2.
أما الكافر فإن روحه تخرج بشدة وصعوبة يتعذب بها، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديثه عن وفاة الكافر [وفي رواية الفاجر] : “ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود3 الكثير الشعب من الصوف المبلول، فتقطع معها العروق والعصب”4.
هذا بالجملة وإلا فإنه قد تشتد السكرات على بعض الصالحين؛ لتكفير ذنوبهم، ولرفع درجاتهم، كما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم حيث عانى من شدة سكرات الموت، كما في صحيح البخاري في الحديث السابق ذكره5.
قال ابن حجر: “وفي الحديث " لا إله إلا الله إن للموت سكرات ": أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة، بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته، وإما تكفير لسيئاته”6.
وقد ترجم ابن ماجه ت275? في سننه بعنوان: “باب ما جاء في المؤمن
(1) السقاء هو ظرف الماء من الجلد، ويجمع على أسقية، انظر النهاية في غريب الحديث والأثر ص436.
(2)
الحديث رواه أحمد 4/2876 وَ 295 وَ296 وأبو داود، كتاب السنة، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر ح 4753.
(3)
السفود: حديدة ذات شعب معقفة، يشوى بها اللحم، انظر لسان العرب 2/154.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
عند الإحالة ص: 82.
(6)
فتح الباري شرح صحيح الباري 11/363.
يؤجر في النَزْع”، وساق تحته قوله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن يموت بعرق الجبين” 1، كما قد جاء في حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: “الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم مس القرصة” 2.
وهذا يدل على أن الأصل تخفيف نزع روح المؤمن، إلا أنها قد تشدّد على من أراد الله سبحانه وتعالى من المؤمنين؛ تكفيراً لسيئاتهم، أو رفعاً لدرجاتهم؛ قال القرطبي في معرض حديثه عن سكرات الموت: قال القرطبي: (قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فإذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء والمرسلين والأولياء فما لنا عن ذكره مشغولين؟ وعن الاستعداد له متخلفين؟ قالوا وما جرى على الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين من شدائد الموت وسكراته فله فائدتان:
أحدهما: أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه باطن، وقد يطلع الإنسان على بعض الموتى فلا يرى عليه حركة ولا قلقاً، ويرى سهولة خروج روحه، فيغلب على ظنه سهولة أمر الموت ولا يعرف ما الميت فيه، فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم شدة ألمه مع كرامتهم على الله تعالى، وتهوينه على بعضهم قطع الخلق بشدة الموت الذي يعانيه ويقاسيه الميت مطلقاً لإخبار الصادقين عنه، ما خلا الشهيد قتيل الكفار....
الثانية: ربما خطر لبعض الناس أن هؤلاء أحباب الله وأنبياؤه ورسله، فكيف يقاسون هذه الشدائد العظيمة؟ وهو سبحانه قادر أن يخفف عنهم أجمعين. فالجواب: أن “أشد الناس بلاءً في الدنيا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل” 3
(1) رواه ابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في المؤمن يؤجر في النزع ح1452 وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/245ح 1188.
(2)
رواه ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل الله ح 2808 وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ح960 وصحيح سنن ابن ماجه 2/130ح 2260.
(3)
طرف من حديث رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء ح 2398 ورواه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء ح4023 وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/371 ح3249.
كما قال نبينا عليه السلام
…
فأحب الله أن يبتليهم تكميلاً لفضائلهم لديه، ورفعة لدرجاتهم عنده، وليس ذلك في حقهم نقصاً ولا عذاباً، بل هو.. كمال رفعة، مع رضاهم بجميل ما يجري الله عليهم، فأراد الحق سبحانه أن يختم لهم بهذه الشدائد، مع إمكان التخفيف والتهوين عليهم، ليرفع منازلهم، ويعظم أجورهم قبل موتهم، كما ابتلى إبراهيم بالنار، وموسى بالخوف والأسفار وعيسى بالصحارى والقفار، ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بالفقر في الدنيا ومقاتلة الكفار، كل ذلك لرفعة في أحوالهم وكمال في درجاتهم.
ولا يفهم من هذا أن الله شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة المخلطين؛ فإن ذلك عقوبة لهم، ومؤاخذة على إجرامهم، فلا نسبة بينه وبين هذا) 1.
فشدة السكرات تخفف من الذنوب، وكل ما يصيب الإنسان من مرض أو شدة أو هم أو غم حتى الشوكة تصيبه فإنها كفارة لذنوبه، ثم إن صبر واحتسب كان له مع التكفير أجر ذلك الصبر الذي قابل به هذه المصيبة التي لحقت به، ولا فرق في ذلك بين ما يكون عند الموت، وما يكون قبله، فالمصائب كفارات لذنوب المؤمن2، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: “ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلاحط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها” 3، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيراً يصب منه” 4 وقوله صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المؤمن من
(1) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 1/48- 50.
(2)
انظر فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين 2/989.
(3)
رواه البخاري، كتاب المرضى والطب، باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول ح5648. ورواه مسلم، كتناب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن ونحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها ح2571.
(4)
رواه البخاري، كتاب المرضى والطب، باب ما جاء في كفارة المرض وقول الله تعالى {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} ح5645.
وصب1 ولا نصب2 ولا سقم ولا حزن حتى الهمّ يهمّه إلا كفر به من سيئاته” 3، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه” 4.
(1) الوصب: دوام المرض ولزومه، وقد يطلق الوصب على التعب وفتور البدن، انظر النهاية في غريب الحديث والأثر ص974.
(2)
النصب: التعب، انظر النهاية في غريب الحديث والأثر ص918، وفتح الباري شرح صحيح البخاري 10/106.
(3)
رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن ونحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها ح2573.
(4)
رواه البخاري، كتاب المرضى والطب، باب ما جاء في كفارة المرض وقول الله تعالى:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} ح5642.