المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: وصف حال توفي الملائكة الكفار - أحوال المحتضر

[محمد عبد العزيز أحمد العلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌ تعريف الاحتضار

- ‌الموت حق لازم لكل مخلوق:

- ‌المبحث الأول: سكرات الموت وغمراته

- ‌المطلب الأول: تعريف السكرات والغمرات

- ‌المطلب الثاني:الأدلة من الكتاب والسنة على سكرات الموت

- ‌المطلب الثالث: سكرات الموت تحصل لكل المخلوقات

- ‌المبحث الثاني: وصف حال توفي الملائكة الكفار

- ‌المبحت الثالث: حضور الملائكة مع ملك الموت وتبشيرهم المحتضر

- ‌المطلب الأول: مع ملك الموت ملائكة يعاونونه في قبض الروح بأمر الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: بشارة الملائكة المؤمن برضوان الله وفرحه بذلك

- ‌المطلب الثالث: بشارة الملائكة الكافر بالعذاب

- ‌المبحث الرابع: انقطاع التوبة بحضور الموت

- ‌المبحث الخامس: سؤال الرجعة إلى الدنيا عند الاحتضار

- ‌المبحث السادس: حضور الشيطان حين الاحتضار

- ‌المبحث الثامن: وجوب إحسان الظن بالله تعالى وبخاصة عند الموت

- ‌المبحث التااسع: تخيير الأنبياء عند الموت

- ‌المبحث العاشر: الأعمال بالخواتيم

- ‌المطلب الأول: الأدلة على أن الأعمال بالخواتيم

- ‌المطلب الثاني: حسن الخاتمة وأبرز علاماتها

- ‌المطلب الثالث: سوؤ الخاتمة وأبرز أسبابها

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: وصف حال توفي الملائكة الكفار

‌المبحث الثاني: وصف حال توفي الملائكة الكفار

أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن حال توفي الملائكة الكفارَ، وذلك بأن الملائكة يضربون وجوه الكفار وأدبارهم، ويبشرونهم بعذاب الحريق، قال تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ. ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} 1.

قال ابن كثير: “يقول تعالى ولو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار لرأيت أمراً عظيماً هائلاً فظيعاً منكراً؛ إذ يضربون وجوههم وأدبارهم، ويقولون: لهم: ذوقوا عذاب الحريق”2.

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ. فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 3، أي كيف حال الكفار إذ جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعاصت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة وهم باسطوا أيديهم يضربون وجوههم وأدبارهم، يقولون لهم أخرجوا أنفسكم4.

والخبر الوارد في سورة الأنفال نزل في وصف وفاة الكفار يوم بدر إلا أنه وصف عام لوفاة الكفار في كل وقت، قال ابن كثير في تفسيره للآية السابقة:

1 سورة الأنفال، الآيتان 50 وَ 51.

2 تفسير القرآن العظيم 2/305.

3 سورة محمد، الآيتان 27 وَ 28.

4 انظر جامع البيان في تفسير القرآن 7/182 وتفسير القرآن العظيم 4/182.

ص: 89

“وهذا السياق وإن كان سببه وقعة بدر، ولكنه عام في حق كل كافر؛ ولهذا لم يخصصه الله تعالى بأهل بدر، بل قال تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُم} وفي سورة القتال [محمد] مثلها، وتقدم في سورة الأنعام قوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُم} 1، أي باسطوا أيديهم بالضرب فيهم بأمر ربهم؛ إذ استصعبت أنفسهم وامتنعت من الخروج من الأجساد أن تخرج قهراً، وذلك إذا بشروهم بالعذاب والغضب من الله، كما في حديث البراء أن ملك الموت إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة يقول: أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سموم وحميم وظل من يحموم، فتفرق في بدنه، فيستخرجونها من جسده كما يخرج السفود من الصوف المبلول، فتخرج معها العروق والعصب؛ ولهذا أخبر تعالى أن الملائكة تقول لهم ذوقوا عذاب الحريق”2.

ويشهد له قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} 3، ففي هذه الآية يخبر سبحانه وتعالى أن الملائكة إذا توفت المشركين تفزعهم عند الموت وقبض أرواحهم ويقولون لهم: أين الذين كنتم تشركون بهم في الدنيا وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله ادعوهم يخلصونكم مما أنتم فيه الآن من الفزع والموت الواقع بكم، قالوا: ذهبوا عنا فلا نرجو نفعهم ولا ضرهم، وأقروا واعترفوا على أنفسهم بالكفر والضلال4.

1 سورة الأنعام، الآية 93.

2 المصدر السابق 2/305.

3 سورة الأعراف، الآية 37.

4 انظر جامع البيان في تفسير القرآن 8/127، وتفسير القرآن العظيم 2/23.

ص: 90

وكذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} 1.

فالله سبحانه وتعالى يخبر في هذه الآية أن المشركين الظالمين لأنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة يظهرون السمع والطاعة قائلين {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} فقال الله مكذباً لهم {بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} أي بئس المقيل والمقام من دار هوان لمن كان متكبراً عن آيات الله واتباع رسله، وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، وينال أجسادهم في قبورها من حرها وسمومها؛ فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم وخلدت في نار جهنم2.

فقوله تعالى {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} أي الاستسلام والخضوع، والمعنى أنهم أظهروا الطاعة والانقياد، وتركوا ما كانوا عليه من الشقاق، فالمشركون في الدنيا يشاقون الرسل ويخالفونهم ويعادونهم؛ فإذا عاينوا الحقيقة ألقوا السلم وخضعوا وانقادوا، وذلك عندما يعاينون الموت أو يوم القيامة، ولكن لا ينفعهم ذلك؛ لأن الانقياد عند معاينة الموت لا ينفع3.

وقد توعد الله تعالى في كتابه العزيز من تركوا الهجرة مع قدرتهم عليها حتى ماتوا بأن الملائكة الذين يقبضون أرواحهم يوبخونهم توبيخاً عظيماً، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً. إِلَّا

1 سورة النحل، الآيتان 28 وَ 29.

2 انظر تفسير القرآن العظيم 2/548.

3 انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 3/259، 260.

ص: 91

الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} 1.

قال الطبري في تفسير هذه الآية: “إن الذين تقبض أرواحهم الملائكة ظالمي أنفسهم، يعني مكسبي أنفسهم غضب الله وسخطه

، قالت الملائكة لهم {فِيمَ كُنْتُمْ} في أي شيء كنتم من دينكم، {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} يعني قال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم: كنا مستضعفين في الأرض، يستضعفنا أهل الشرك بالله، في أرضنا وبلادنا

معذرة ضعيفة وحجة واهية،

{قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} يقول: فتخرجوا من أرضكم ودوركم، وتفارقوا من يمنعكم بها من الإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم..، وذُكر أن هاتين الآيتين والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا وآمنوا بالله وبرسوله، وتخلفوا عن الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر، وعُرض بعضهم على الفتنة فافتتن، وشهد مع المشركين حرب المسلمين، فأبى الله قبول معذرتهم، التي اعتذروا بها، التي بينها في قوله، خبراً عنهم:{قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}

2.

وقال السعدي: “قوله {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}

فيه ذكر بيان السبب الموجب، فقد يترتب عليه مقتضاه، مع اجتماع شروطه، وانتفاء موانعه، وقد يمنع من ذلك مانع، وفي الآية دليل على أن الهجرة من أكبر الواجبات، وتركها من المحرمات، بل من أكبر الكبائر”3.

1 سورة النساء، الآيتان 97، 98.

2 جامع البيان في تفسير القرآن 5/147، 148، وانظر معالم التنْزيل 1/469.

3 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص159، 160.

ص: 92