الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصوليين.
وعند المحدثين: زيادة: الوصف، إذ يقولون السنة: ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف. ويريدون بالوصف ما ورد عن الصحابة من وصف الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كان وصفا خَلْقيا أو خلُقيا.
والأصوليون لم يدخلوا هذا النوع في السنة؛ لأنهم يتكلمون عن السنة التي هي دليل يستدل به ويتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ولا شك أن صفات الرسول التي ليست من فعله لا يمكن أن تكون دليلا على الوجوب أو الاستحباب؛ إذ لا يتعلق بها حكم).
وعلى ذلك فالأولى بناء على طريقة الأصوليين حذف الوصف من تعريف السنة.
وأولى التعريفات أن السنة هي: (ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا، أو فعلا).
والكف فعل، ويدخل في الكف التقرير والهم أيضا.
ولا يشكل على ذلك أن القول فعل لللسان فيدخل في الفعل؛ لأن الغالب استعمال القول في مقابلة الفعل، وللفوارق بين القول والفعل في الاستدلال والاستنباط، فالأولى التفريق بينهما.
أنواع فعله صلى الله عليه وسلم:
قال الشيخ رحمه الله:
الأول: ما فعله بمقتضى الجبلة فلا حكم له في ذاته، ولكن قد يكون مأموراً به أو منهياً عنه لسبب، وقد يكون له صفة مطلوبة كالأكل باليمين أو منهي عنها كالأكل بالشمال.
الثاني: ما فعله بحسب العادة وقد يكون مأموراً به أو منهّياً عنه لسبب.
الثالث: ما فعله على وجه الخصوصية فيكون مختصاً به. ولا يحكم بالخصوصية إلا بدليل؛ لأن الأصل التأسي به.
الرابع: ما فعله تعبداً فواجب عليه حتى يحصل البلاغ ثم يكون مندوباً في حقه وحقنا
على أصح الأقوال.
الخامس: ما فعله بياناً لمجمل من نصوص الكتاب أو السنة فواجب عليه حتى يحصل البيان ثم يكون له حكم ذلك النص المبين في حقه وحقنا).
الفعل الجبلي:
الفعل الجبلي إن كان جبليا محضا فمباح، وأما إن كان له صلة بالعبادة فالقول بالندب فيه متجه.
قال ابن مفلح في "أصوله"(1/ 328): (ما كان من أفعاله عليه السلام من مقتضى طبع الإنسان وجبلته - كقيام وقعود - فمباح له ولنا اتفاقا).
قال الشيخ الأشقر في "أفعال الرسول"(1/ 220) ما ملخصه: (الفعل الذي له علاقة بالعبادة. وهو ما وقع في أثناء العبادة، أو في وسيلتها، أو قبلها قريبا منها، أو بعدها كذلك.
فمما وقع في أثناء العبادة نزوله صلى الله عليه وسلم بالمحصب ليلة النفر، وقبض الأصابع الثلاث في التشهد، ووضعها على الأرض مضمومة في السجود، وجلسة الاستراحة بعد الركعة الأولى وبعد الثالثة، والتطيب للإحلال من الإحرام، واتكاؤه صلى الله عليه وسلم أثناء الخطبة على قوس أو عصا، ولبس النعلين في الصلاة، يحتمل أنه فعله لكونه من سنة الصلاة، ويحتمل أنه فعله على سبيل الجواز فقط، كما يلبس في الصلاة قطنا أو صوفا أو غير ذلك.
ومما وقع في وسيلة العبادة دخوله مكة من طريق كُدَيّ، وخروجه من طريق كَدَاء ودخوله المسجد الحرام من باب بني شيبة، وطوافه صلى الله عليه وسلم بالبيت راكبا على بعير، وكذلك في السعي بين الصفا والمروة، ووقوفه في الموقف بعرفات على بعير، وعودته صلى الله عليه وسلم من صلاة العيد من طريق غير طريق الذهاب، وذهابه إلى العيد ورجوعه منه ماشيا، ووقوع صلاته في السفر في مواضع معينة.
ومما وقع قبل العبادة قريباً منها: اضطجاعه صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر بعد أن يصلي النافلة.
ومما وقع بعد انتهاء العبادة انصرافه صلى الله عليه وسلم من الصلاة عن يمينه أو عن يساره.
فهذا القسم الثاني وهو ما له صلة بالعبادة، بأنواعه الأربعة أعلى من القسم الذي قبله، والقول بالندب فيه أظهر من القسم الأول، وهو ما لا صلة له بالعبادة. فإذا انضم إلى صلته بالعبادة عنصر التكرار والمواظبة عليه قوي القول بالندب فيه).
الفعل العادي:
قال الشيخ الأشقر في "أفعال الرسول"(1/ 237) ما ملخصه: (نقصد بالفعل (العادي) في هذا المبحث ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم جريا على عادة قومه ومألوفهم، مما
يدل (1) دليل على ارتباطه بالشرع، كبعض الأمور التي تتصل بالعناية بالبدن، أو العوائد الجارية ببن الأقوام في المناسبات الحيوية، كالزواج والولادة والوفاة.
ومن أمثلتها أنه صلى الله عليه وسلم لبس المِرْط المُرَحّل، والمخَطط، والجبّة، والعمامة، والقباء. وأطال شعره، واستعمل القرب الجلدية في خزن الماء، وكان يكتحل، ويستعمل الطيب والعطور.
وحكم هذه الأمور العادية وأمثالها، كنظائرها من الأفعال الجبلية، والأصل فيها جميعا أنها تدل على الإباحة لا غير، إلا في حالين:
ا- أن يرد قول يأمر بها أو يرغب فيها، فيظهر أنها حينئذ تكون شرعية.
2 -
أن يظهر ارتباطها بالشرع بقرينة غير قولية، كتوجيه الميت في قبره إلى القبلة، فإن ارتباط ذلك بالشرع لا خفاء به).
الفعل الخاص به صلى الله عليه وسلم:
المقصود بالخصائص النبوية هنا ما كان حكماً شرعيا لفعل من أفعاله صلى الله عليه وسلم، في هذه الدنيا، مما ينفرد به عن أمته، سواء شاركه فيه غيره من الأنبياء، أو لم يشاركه فيه منهم أحد.
قال ابن مفلح في "أصوله"(1/ 328): (وما اختص به كتخييره نساءه بينه وبين الدنيا، وزياد ته منهن على أربع، ووصاله الصوم- فمختص به اتفاقًا).
الفعل التعبدي:
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في "شرح الأصول"(ص/443): (وهذا يشتبه كثيرًا بالثاني والأول، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يفعل فعلاً فيشتبه على الإنسان، هل فعله تعبدًا أو فعله من أجل العادة أو فعله بمقتضى الجبلة فلا بد من تمييز فيقال: ما ظهر فيه ملائمته للنفس فهو جِبِلَّة، وما ظهر منه موافقة للعادة بحيث يقدر الذِّهْنُ أن الناس لو كانوا لا يفعلون هذا ما فعله، أو لو كانوا يفعلون شيئًا آخر لفعله حكمنا بأنه عادة، وما ظهر فيه قصد التعبد بحيث لا يكون ملائمًا لمقتضى الجبِلَّة، ولا موافقًا للعادة فالظاهر أنه إنما فعله على سبيلِ التعبد، ولكن لو بقي الأَمر عليك مشكلاً فهل تقول الأصل أن ما فعله فهو عبادة أو تقول: الأصل المنع حتى يقوم دليل على قصد التعبد؛ لأن العبادة لا تشرع إلا بدليل
(1) وكذا بالأصل، والصواب والموافق للسياق:(مما لا يدل).
واضح، فإن لم يكن هناك دليل واضح فالواجب ألا تقدم على التعبد بها لله تعالى، وهذا هو الأقرب.
وعُلم من قول المؤلف: (حتى يحصل البلاغ) أنه لو حصل البلاغ بغير الفعل لم يكن الفعل واجبًا، لكن إذا قُدِّر أنه لا طريق لعلم الأمة بمشروعية هذا الفعل إلا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان فعلُ الرسول صلى الله عليه وسلم واجبًا؛ يعني يجب عليه أن يفعل من أجل إبلاغ الشرع.
علمنا الوجوب من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)[المائدة: 67]، ولقوله تعالى:(إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)[الشورى: 48] والآيات في هذا المعنى متعددة. بعد أن يحصل البلوغ ويعلم الناس به يكون مندوبًا في حقه وحقنا، وهذا هو أصح الأقوال).
وقال في "الأصول"(ص/57): (مثال ذلك: حديث عائشة أنها سئلت بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: (بالسواك)، فليس في السواك عند دخول البيت إلا مجرد الفعل، فيكون مندوباً).
الفعل البياني:
البيان واجب على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[النحل: 44]، وحكم الفعل البياني يكون بحسب ما هو بيان له، فإن كان الفعل بيانا لآية دالة على الوجوب، دل على الوجوب، وإن كان المبين ندبا كان الفعل البياني ندبا، وإن كان إباحة كان الفعل مباحا.
قال الشيخ الأشقر في "أفعال الرسول"(1/ 293): (يمثل كثير من الأصوليين للفعل البياني بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعلونها بيانا لآيات الأمر بإقام الصلاة، وبحجه صلى الله عليه وسلم، ويجعلونه بيانا لآية: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)[آل عمران:97] ويقولون: إن دليل كون صلاته صلى الله عليه وسلم وحجه، بياناً للآيتين هو الطريق القولي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(صلوا كما رأيتموني أصلي). وقوله: (خذوا عني مناسككم).
ففي الصلاة كان صلى الله عليه وسلم يقوم فيرفع يديه حذو منكبيه، ويكبِّر، ثم يضع يديه على صدره، ثم يقرأ الفاتحة وسورة سرا في بعض الصلوات، وجهرا في بعضها
…
إلى آخر ما يذكر في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن ذلك كله ليس بواجب، بل قد قال ابن قدامة: " إن أكثر أفعال النبي -
صلى الله عليه وسلم - في الصلاة مسنونة غير واجبة ".
وكذلك صفة أداء المناسك من طوافِ القدوم، والرمل، والاضطباع، وركعتي الطواف، والصلاة داخل الكعبة، والشرب من ماء زمزم، والسعي مع الهرولة، إلى غير ذلك.
فما يقوله جمهور الأصوليين، من أن الفعل الواقع بيانا لواجب فهو واجب، مشكل؛ لأنه يقتضي أن جميع ما فعله صلى الله عليه وسلم في الصلاة التي صلاها بيانا هو واجب، وكذلك جميع أفعاله في أخذ الزكاة، وفي الحج، وغير ذلك مما فعله بياناً. وهذا ما لا يقول به من الفقهاء أحد.
وقد أجاب به أبو شامة: سلمنا أن الحديث يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم بيان، لكنها بيان للصلاة المطلوبة من المسلمين، بواجباتها وسننها وما يجوز فيها، فلماذا يحمل فعله صلى الله عليه وسلم على أنه للوجوب خاصة؟.
بل الناتج من كون صلاته بياناً أن يكون كله فعل فعله صلى الله عليه وسلم في الصلاة دائراً بين هذه الأنواع الثلاثة، والعمدة في تمييز بعضها عن بعض إما القول، وإما الإجماع، وإما القرائن الأخرى، ولا يصلح الفعل وحده دليلاً).
التقرير:
قال الشيخ: (وأما تقريره صلى الله عليه وسلم على الشيء فهو دليل على جوازه على الوجه الذي أقره قولاً كان أم فعلاً. فأما ما وقع ولم يعلم به فإنه لا ينسب إليه ولكنه حجة لإقرار الله له).
تعريف الإقرار (1):
هو كف (2) النبي- صلى الله عليه وسلم عن الإنكار على ما علم به من قول، أو فعل.
شروط صحة دلالة التقرير (3):
الشرط الأول - أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل، سواء سمعه، أو رآه مباشرة، وهو الأكثر من الأقارير المحتج بها، أو حصل في غيبته ونقل إليه كما نقل إليه خبر تأخيرهم لصلاة العصر حتى غربت الشمس يوم بني قريظة.
ومما يقوم مقام العلم أن يشيع الفعل وينتشر ويكثر وقوعه بين الصحابة فيكون مثل هذا
(1) ذكر هذا التعريف الشيخ الأشقر في "أفعال الرسول"(2/ 90).
(2)
الكف فعل، وقولنا كف أولى من قولنا سكوت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يسكت عن المنكر لكن يغيره بيده.
(3)
لخصتها من كلام الشيخ الأشقر في أفعال الرسول (2/ 104) مع بعض الزيادات.
الفعل حجة.
الشرط الثاني - أن يكون المقَر منقادا للشرع، بأن يكون مسلما سامعا مطيعا، أما إن كان كافرا، فإن تقريره لا يدل على رفع الحرج، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى على بِيَعهم وكنائسهم وعلى عباداتهم.
الشرط الثالث - أن لا يكون قد علم من حاله صلى الله عليه وسلم إنكاره لذلك الفعل قبل وقوعه وبعد وقوعه، حتى استقر ذلك شرعا ثابتا، وحكما راسخا لا يحتمل التغيير ولا النسخ. وذلك كعبادة غير الله ونكاح المحارم.
الشرط الرابع - أن لا يمنع من الإنكار مانع سوى ما تقدم. فإن وجد مانع صحيح أمكن إحالة الإقرار عليه، فلا يكون حجة. ومن هذه الموانع أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم في انتظار الوحي، ويعلم ذلك من حاله، فلا يكون سكوته قبل البيان حجة على انتفاء الحرج عن الفعل.
تقرير الله - تعالى -:
لابد من تقييد كون إقرار الله حجة أن ينتشر الفعل ويكثر وقوعه بين الصحابة.
قال الشيخ عياض السلمي في "شرح الورقات": (إقرار الله -جل وعلا- بمعنى عدم نزول ما يخالف ذلك، وعدم تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بما يخالف ما هو موجود، فهذا تكلم عنه بعض الأصوليين على ندرته، وقلة الذين تكلموا فيه، لكن له أصل، وأصله ما ثبت عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه)، فهذا دليل على أنه يرى أن عدم نزول القرآن بالنهي عن واقعة كثيرة الحصول في المجتمع المسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم بيان المنع منها أو النهي عنها دليل على أنها جائزة، استدل على جواز العزل بأنهم كانوا يفعلون ذلك، وأنه كان أمر مشتهراً؛ ولهذا فيمكن أن نقول: أنه إذا فعل الصحابة - رضوان الله عليهم - شيئًا وكثر ذلك فيهم، ولم يأت قرآن يدل على المنع منه، ولم يمنع منه الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون هذا من باب التقرير، لكن لابد من شرطه وهو: أن يكون كثير الوقوع، ولا يصح أن نقول أن كل من فعل فعلاً من الصحابة أو ممن كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى من الأعراب الذين لم يَفِدُوا عليه، كل من فعل فعلاً في عهد الرسول ولم يأت القرآن بالمنع منه فيكون جائزاً، هذا ما أعرف أحداً يقول به، وإن وجد من يقول به ففي ظني أنه غير صحيح، لا نقول: إن كل ما كان موجوداً ولو على ندرة أنه إذا لم ينزل قرآن بالنهي عنه ولم يتكلم الرسول في النهي عنه فمعنى هذا أنه جائز، هذا غير صحيح، لكن