الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقولنا: (بذل وسعه) إخراج للتقصير في النظر والاكتفاء من ذلك ببعض الوسع الذي يمكنه أن يزيد عليه.
وقولنا: (الفقيه) المراد به هنا المتهيئ لمعرفة الأحكام.
وقولنا: (لاكتساب) بمعنى لاستنباط، وإنما قيدنا التعريف بهذا القيد؛ ليخرجَ بذلُ الوُسع لإدراك الحكم الشرعيِّ بحفظ متون الفقه، أو بحفظ النصوص الشرعية الدالّة صراحةً على الحكم، فهذا العملُ - وإنْ كان اجتهاداً في اللُّغة - لكنه ليس اجتهاداً في الاصطلاح.
قولنا: (شرعي) لإخراج الأحكام العقلية والحسية واللغوية، فإن اجتهاد الفقيه في شيء من ذلك لا يسمى اجتهادا شرعيا.
وقولنا: (ظني) أي أن مجال الاجتهاد إنما هو في الأحكام الشرعية العملية ظنية الثبوت أو الدلالة أو كلاهما، أو النوازل التي لا نص فيها أصلا دون المسائل قطعية الثبوت والدلالة.
وباقي قيود التعريف سبق شرحها في حد الفقه.
تعريف المجتهد:
قال الشيخ: (المجتهد: من بذل جهده لذلك).
وقوله: (لذلك) فيه إجمال، ومقصوده به أي: لاكتساب حكم شرعي ظني عملي من أدلته التفصيلية. والأولى في تعريف المجتهد أن نقول: (الفقيه الذي يبذل وسعه لاكتساب حكم شرعي ظني عملي من أدلته التفصيلية).
شروط الاجتهاد
- الشرط الأول:
قال الشيخ: (أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات الأحكام وأحاديثها).
لم يختلف العلماء في اشتراط معرفة أدلة الأحكام في الجملة، ولكن وقع الخلاف في عدد هذه الأدلة.
وسبب اختلافهم هل يكتفي بمعرفةُ الآيات والأحاديث الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر، دون ما دل على الأحكام بطريق الإشارة أو مفهومِ المخالفة، ونحوِهما من طرق الدلالة الخفيّة.
فمن قال بالأول قال بحصر الأدلة فقالوا من الآيات يكتفى بخمسمائة آية (1) وقيل تسعمائة، وقيل غير ذلك.
ومن قال بالثاني لم يحصر الآيات في آيات الأحكام وحسب بل زاد ما يتعلق بالوعد والإخبار عن أمور الآخرة أو القرون السالفة والأقاصيص والمواعظ ونحوهم، فقل أن يوجد في القرآن الكريم آية إلا ويستنبط منها شيء.
والأليق بحال المجتهد الشرط الأول وعدم الاكتفاء بمعرفة الأدلة الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر دون ما كانت دلالته خفية. وحصر الأدلة في عدد معين لا دليل عيه، وأحكام الشرع كما تستنبط من الأوامر والنواهي؛ كذلك تستنبط من الأقاصيص والمواعظ ونحوها، فقل أن يوجد في القرآن آية إلا ويستنبط منها شيء من الأحكام.
وليس معنى ذلك أن المجتهد يستحضر جميع ما ورد في المسالة من أدلة بل يجتهد
قدر طاقته وهو دائر بين الأجر والأجرين.
والصحابة هم أعلم الناس بالأدلة ووجوه دلالتها على الأحكام، إلا أنه قد يخفى على بعضهم بعض الأدلة سواء أكانت دلالتها على الحكم ظاهرة أم خفية، وليس معنى هذا الاكتفاء ببعض الأدلة دون بعض بل المقصود وجود ملكة الاستنباط وبذل الوسع في معرفة الحكم الشرعي.
وأما القول بأن الإحاطةَ بكلِّ ما في القرآن من المعاني ليس ممكناً، فلو اشترطنا ذلك لما
تمكن أحدٌ من الاجتهاد، فليس بصحيح فمن عرف دلالات الألفاظ، وأصول الفقه سهل عليه
استنباط الأحكام من الأدلة بالقوة القريبة، وإنما يكفيه أن يستقرئ الأدلة للوصول للحكم الشرعي، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد جمعت السنة في دواوين وسهل الوقوف على الأدلة أكثر من ذي قبل.
الشرط الثاني:
قال الشيخ: (أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه).
قال ابن النجار في " شرح الكوكب "(4/ 461): ("و" يشترط في المجتهد أيضا: أن يكون عالما ب "صحة الحديث وضعفه" سندا ومتنا، ليطرح الضعيف حيث لا يكون في فضائل الأعمال، ويطرح الموضوع مطلقا، وأن يكون عالما بحال الرواة في القوة والضعف،
(1) نقل ذلك عن الغزالي والرازي وابن قدامة وابن العربي، وغيرهم ولعلهم ذهبوا لذلك لما رأوا مقاتل بن سليمان أول من أفرد آيات الأحكام في تصنيف وجعلها خمسمائة آية.
ليعلم ما ينجبر من الضعف بطريق آخر "ولو" كان علمه بذلك "تقليدا كنقله" ذلك "من كتاب صحيح" من كتب الحديث المنسوبة لأئمته كمالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والدارقطني والترمذي والحاكم وغيرهم؛ لأنهم أهل المعرفة بذلك، فجاز الأخذ بقولهم، كما يؤخذ بقول المقومين في القيم).
الشرط الثالث:
قال الشيخ: (أن يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع).
وعبارة الشيخ تضمنت شرطين وهما: معرفة الناسخ والمنسوخ، ومواقع الإجماع.
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة"(3/ 580): (قوله: «والناسخ والمنسوخ منهما» ، أي: من الكتاب والسنة، لأن المنسوخ بطل حكمه، وصار العمل على الناسخ، فإن لم يعرف الناسخ من المنسوخ، أفضى إلى إثبات المنفي، ونفي المثبت
…
«ويكفيه» من معرفة الناسخ والمنسوخ أن يعرف «أن دليل هذا الحكم غير منسوخ» ، يعني ولا يشترط أن يعرف جميع الأحاديث المنسوخة من الناسخة، والإحاطة بمعرفة ذلك أيسر من غيره، لقلة المنسوخ بالنسبة إلى المحكم من الكتاب والسنة
…
قوله: «ويكفيه معرفة أن هذه المسألة مجمع عليها أم لا» .
هذا كما سبق في القدر الكافي من الناسخ والمنسوخ، وهو أن يعلم أن هذه المسألة مما أجمع عليه، أو مما اختلف فيه، ولا يشترط أن يعلم الإجماع والخلاف في جميع المسائل، ولعل هذا ينزع إلى تجزؤ الاجتهاد على ما سيأتي إن شاء الله تعالى).
الشرط الرابع:
قال الشيخ: (أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص، أو تقييد، أو نحوه).
يعني أنه يشترط أن يعرف المجتهد الأدلة الخاصة التي تخصص العام، والمقيدة التي تقيد الأدلة المطلقة، وقوله:(أو نحوه) فسره بقوله: (ما يرد على النصوص من الشرط والاستفهام وغير ذلك).
وهذا الشرط يدخل في الشرط الأول الذي ذكره الشيخ، وله تعلق بالشرط التالي، فلا داعي لعده شرطا زائدا.
الشرط الخامس:
قال الشيخ: (أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين ونحو ذلك).